|
مشاكل الشرق الأوسط أكبر بكثير من حرب غزة
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8062 - 2024 / 8 / 7 - 19:43
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة/ محمد ناجي
https://static.bonniernews.se/gcs/bilder/dn-mly/a36aa7c7-de72-416c-acab-9831ee3773a8.jpeg?interpolation=lanczos-none&fit=around%7C1010:569&output-quality=80
جنود من الجيش السوري في منطقة كان يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي . لقد أظهرت لنا سوريا كيف يمكن للأحداث في الشرق الأوسط أن تخلف عواقب وخيمة على أوروبا أيضاً . تصوير : جورج اورفاليان/ وكالة فرانس برس
لقد علّمت الهجمات الإرهابية الجهادية وأزمة الهجرة ، منذ ما يقرب من عقد من الزمان ، أوروبا ألا تتجاهل الصراعات في بلدان مثل سوريا . ومع ذلك يبدو أننا لم نستوعب تماماً حجم المشكلة وطبيعتها .
صرحت أورسولا فون دير لاين خلال زيارتها للقاهرة في نهاية شهر يونيو/حزيران : "إن استقراركم وازدهاركم أمر بالغ الأهمية للمنطقة بأكملها".
ووقفت رئيسة المفوضية الأوروبية على المنصة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لافتتاح مؤتمر استثماري . وقبل بضعة أشهر ، كان الاتحاد الأوروبي قد تعهد بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 7.4 مليار يورو ، بينما استثمر أصدقاء السيسي في الإمارات العربية المتحدة 35 مليار دولار ، ومنح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي مصر عشرات المليارات من قروض المساعدات .
الآن السيسي ينتشي كالقطة تحت أشعة الشمس ، وهو يستمع لكلمات فون دير لاين وهي تشيد بحكومته ، وتتوقع استثمارات لشركات أوروبية تصل إلى 40 مليار يورو .
والسبب في الاهتمام الكبير بالاقتصاد المصري ليس أنه يعمل بشكل جيد ، بل العكس : أن البلاد مهددة بالإفلاس . في الواقع ، فون دير لاين محقة تماماً . فاستقرار مصر أمر بالغ الأهمية بالنسبة للشرق الأوسط - وهي المنطقة التي أصبحت الآن في حالة سيئة لدرجة أنها أصبحت تشكل تهديداً استراتيجياً لأوروبا .
للشرق الأوسط تاريخ فوضوي معروف ، ولكن الفوضى أيضاً بدرجات متفاوتة في الشدة . ولم يعد الأمر مجرد الفوضى القديمة المعتادة من الديكتاتوريات والانقلابات ودوامة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني التي ينتشر منها العنف في جميع أنحاء المنطقة .
ففي القرن الحادي والعشرين ، تغير الشرق الأوسط خطوة خطوة بطريقة جوهرية ، حيث انهارت ببساطة العديد من الدول المهمة ، دون أمل كبير في التعافي . إن ما كان في السابق عبارة عن سلسلة متواصلة من الديكتاتوريات غير المقبولة بطبيعتها ، رغم أنها فاعلة ، أصبح الآن موطناً لمناطق من الفوضى ، خارج سيطرة الدولة ، حيث تحتدم الصراعات وتزدهر الجريمة المنظمة والتطرف . وتنتشر حالة عدم الاستقرار كالأمواج المتلاطمة من هذه المناطق ، وهي لا تقل بل تزداد عدداً .
يتجلى ذلك بشكل واضح في اليمن وسوريا والسودان وليبيا وبالطبع في فلسطين ، التي طال أمدها . هذه البلدان عالقة في حروب لا نهاية لها ، تمزقها الأنظمة المتنافسة وفي بعض الحالات القوات الأجنبية . فالحرب في غزة هي كابوس لا نهاية له على ما يبدو ، وقد ألقت المنطقة بأسرها في حالة من الاضطراب . ولكن الوضع في الدول العربية الأخرى يبدو قاتماً أيضاً . فالعراق يترنح من أزمة إلى أخرى ، ويعاني من الاضطرابات الداخلية والعنف والمصاعب . وفي لبنان ، انهار الاقتصاد ، بينما يتزايد خطر الحرب مع إسرائيل . وبينما تستقر مصر في قبضة السيسي الحديدية ، فإنها كانت قريبة جداً من الهاوية المالية لدرجة أن الأوروبيين القلقين وأمراء النفط يفتحون لها الآن خزائنهم المصرفية على مصراعيها .
يبلغ عدد سكان الدول المذكورة أعلاه حوالي 250 مليون نسمة . لذا نحن لا نتحدث عن مشكلة هنا أو هناك ، بل عن غالبية سكان العالم العربي . وإذا تجاهلنا أيضاً الممالك المزدهرة في الخليج الفارسي ، والتي يمكن لمواردها من النفط والغاز أن تشتري الاستقرار بشكل مصطنع ، فإن الصورة تصبح أكثر وضوحاً .
هكذا يبدو الأمر : لم تعد انهيارات الدول والأزمات التي تهدد النظام ظاهرة هامشية ، وليست استثناءاً من القاعدة ، وحتى بالنسبة للدول العربية التي تفتقر إلى الثروة النفطية ، يبدو الأمر وكأنه وضع طبيعي متنامي .
بالنسبة لأوروبا ، فإن هذا التطور هو مسألة مصير . خلال القرن الحادي والعشرين ، ربطت التجارة والهجرة والتكنولوجيا الحديثة بين السواحل الشمالية والجنوبية للبحر الأبيض المتوسط بطريقة لم يسبق لها مثيل في التاريخ . ويزداد هذا التشابك عاماً بعد آخر ، ويزيد من تعرض الطرفين لمشاكل الطرف الآخر .
أزمة الهجرة عام 2015 وسلسلة طويلة من الأعمال الإرهابية الجهادية علّمت أوروبا ألا تتجاهل الصراعات في دول مثل سوريا . كما أنه يفسر مخاوف زعماء الاتحاد الأوروبي بشأن مصر ، وهي دولة أكبر بكثير .
ومع ذلك ، يبدو أننا لم ندرك تماماً حجم المشكلة وطبيعتها ، إذ يُنظر إلى أزمات الشرق الأوسط على أنها سلسلة من الأحداث المنفصلة أكثر من كونها تجليات لظاهرة واحدة ، ويتسم النقاش باعتقاد سطحي ، بأن جميع الصراعات يجب أن يكون لها نهاية ، وبالتالي فإن المزيد من التنمية سيؤدي في النهاية إلى تطبيع الوضع .
ولكن ماذا لو كان العكس ؟ ماذا لو كانت التنمية نفسها تدفع هذه البلدان في الاتجاه الخاطئ ؟
نحن نعيش في خضم تحول تاريخي . العولمة والابتكار التكنولوجي تعملان على هدم الحدود القديمة وخلق مجتمعات جديدة بوتيرة لا يستطيع أي شكل من أشكال الحكم الحالي مواكبتها . وتنشأ مجالات توتر سياسية واجتماعية جديدة ، وتتفكك السلطات القديمة ، ويترتب على ذلك ثورات واستقطاب واضطرابات . إن هذا ملحوظ في الولايات المتحدة الأمريكية والسويد وفي كل مكان ، ولم نشهد سوى البداية فقط .
لكن النتائج ظهرت في وقت مبكر بشكل خاص وبوضوح خاص في الشرق الأوسط ، منذ العقد الماضي . وكانت الأنظمة التي تعود جذورها إلى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ترفض بعناد التغيير أو إفساح المجال للبدائل ، وفي النهاية طفح الكيل .
في عام 2011 ، جاء الربيع العربي ، وهو موجة من الثورات واسعة النطاق في المنطقة تغذيها أحلام الحرية ، والتي كانت لها عواقب وخيمة : الحرب ، والتدخلات الأجنبية ، وأزمات اللاجئين ، والجهاد ، وانهيار الدولة . وفي عام 2019 ، تبع ذلك الزلزال الكبير التالي . هزت الحركات الاحتجاجية العراق ولبنان اللذين انهارا اقتصاديا ، في حين أطيح بالرئيسين الجزائري والسوداني واتجه السودان إلى حرب أهلية .
والسؤال المطروح ليس ما إذا كان الشرق الأوسط يواجه المزيد من الاضطرابات ، بل متى وأين ستأتي موجة الصدمة التالية . وهذا بدوره يثير التساؤلات حول الكيفية التي ينبغي لنا أن نتعامل بها مع حقيقة مفادها أن أوروبا تنمو جنباً إلى جنب مع منطقة مجاورة تبدو وكأنها تتفكك ببطء .
آرون لوند - خبير ومحلل في شؤون الشرق الأوسط في معهد أبحاث الدفاع الشامل (FOI) ، وباحث في السياسة الأمنية للعالم العربي ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط . صحيفة داغنس نيهيتر السويدية
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مراوحة خارج سيرورة الزمن
-
14 تموز/يوليو تبرير وتمرير الخطايا برطانة الخطاب !
-
بوتين على نهج هتلر ومن سبقه !
-
مناهضون للحرب يخدعون المسؤولين الروس بترجمة الشعر النازي*
-
روسيا على طريق الفاشية
-
الكرملين : بوتين كان يشخر خلال مناظرة بايدن الكارثية
-
اتجاه جديد ؟ إرسال المهاجرين إلى بلدان ثالثة
-
لا تقعوا في فخ الشعبوية المزيفة ل -فريق ميلودي-
-
مقامرة ماكرون : كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال ؟
-
نهاية هتلر : دراسة في الخلل الوظيفي للرجل القوي
-
ذكرى سقوط موسوليني : قوة المقاومة وعواقب العجز الاستبدادي
-
الدكتاتور يغير مظهره في العصر الجديد
-
ثورة في السياسة الخارجية الأمريكية - استبدال الجشع والنزعة ا
...
-
القادة الاستبداديين يجبرون الديمقراطيات على التراجع
-
أعظم نجاح لترامب : عبادة شخصيته
-
الفاشية باقية … وتتمدد !
-
الفاشية 105 عام 1919-2024
-
-مادونا الفوضوية- تدعى أنيتا غاربين ألونسو
-
على الأحزاب الأوروبية الرئيسية أن ترفض الشعبويين المتطرفين
-
الحركات المتطرفة تركب موجة مشتركة
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|