|
المدى.. ايقونة الصحافة العراقية
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8061 - 2024 / 8 / 6 - 20:49
المحور:
الصحافة والاعلام
المدى.. ايقونة الصحافة العراقية لمناسبة عامها الحادي والعشرين
أ.د.قاسم حسين صالح اوجع مفارقة بتاريخ العراقيين هي تلك التي حصلت في التاسع من نيسان 2003،ففيه كانوا قد حلموا بالافراح بنهاية الطغيان، فاذا به يتحول الى بوابة للفواجع والأحزان.فللمرة الأولى في تاريخهم يفرح العراقيون بالقضاء على حاكم دمّر وطنهم وأذلّهم وقتل أبناءهم في حروب حمقاء وفي سجون مظلمة وفي الشوارع بوضح النهار وكان هو الحاكم العراقي الوحيد في تاريخ العراق الذي سجل أعلى الأرقام في ترمّيل النساء وتيتيم ألأطفال وفي جعل المهندسين خريجي الجامعات يبيعون (اللبلبي)في الشتاء و(الموطه ) في الصيف في صنعاء وعمان وهم أبناء أغنى بلد في العالم!. وبعد حين ادرك العراقيون ان اميركا اسقطت دولة وليس نظاما كما ادعت ، واكتشفوا انهم جائوا بمن يضع مصالحهم الشخصية ومصالح اميركا فوق مصالح الوطن واهله. والأوجع والأفجع ان من تولى السلطة في (جمهورية 2003) كانوا افضع واشنع من حكام جمهورية الخوف التي سقطت في 9 نيسان. وكان من بين اقبح ما حصل( بعد استفرادهم بالثروة وافقارهم 13 مليون عراقي) انهم وظفوا الحاضر من اجل الماضي واشاعوا اقبح انواع التخلف واسخفها حتى اوصلوا العراقي الى ان يقتل اخاه العراقي لمجرد أن اسمه حيدر او عمر او رزكار! فأشاعوا الخوف بين العراقيين واضطرتهم الى ان يتوزعوا على مرجعيات اجتماعية وقومية ودينية..وعداوات واحتراب راح ضحيتها عشرات ان لم يكن مئات الآلاف! في هذه المرحلة التي تراجع فيها الفكر العراقي وشاع فيها التفكير الخرافي بأسخف انواعه وظهور ميليشيات كانت تعتبر(التفكير العلماني) كفرا وزندقة، دعيت في اواخر عام 2003 الى حضور تجمع ضم عددا من الصحفيين والمثقفين التقدميين واليساريين ومن كانوا شيوعيين في منطقة البتاوين ،بدعوة من الأخ فخري كريم وآخرين ،وكان الرأي باتجاه اصدار جريدة تقدمية بهوية عراقية وطنية تعتمد شجاعة قول الحقيقة في القضايا التي تخص الفكر والوطن وبناء نظام ديمقراطي يحترم حرية التعبير..فكانت المدى.. لتثبت عبر مسيرتها العشرينية أنها ، وبشهادة كتّاب معروفين..لا تتردد عن قول كلمة الحق ،وانها الصوت الذي يحمل هموم ومواجع العراقيين ، وانها اعتمدت خطا صحفيا واضحا ترسخ باستقطابها كادرا صحفيا متميزا استطاع ان يضفي عليها بصمة خاصة جعلتها تلبي حاجات القاريء العراقي الذي يبحث عن الحرفية والتنوع.
تجربتي مع المدى
بعد السقوط، شاعت ثقافة القطيع، التي تعني ان الجماهير تلغي تفكيرها وتتصرف بما يأمر به قائد سياسي متعصب..مأزوم او شيخ عشيرة او معمم. وكان المثقفون المتنورون..قلّة ، وبينهم من كان يخشى على حياته ويلحق بقائمة الذين قتلهم حولان عقل..متعصبون..دوغماتيون . وكان بينهم من وضع كفنه على راحة يديه وراح يبحث عن وسيلة اعلامية ينتصر فيها للفكر والوطن..فكانت المدى.
كنت أنا بين الذين (وضعوا أكفانهم على راحات ايديهم)،فوجدت في (المدى) الشجاعة والجرأة والمنبر الحر لأشاعة الوعي ،فبدأت من عام (2004) بكتابة عمود ساخر بصفحتها الأخيرة.ولأن ذاك العام شكل بداية لتحولات اجتماعية وسيكولوجية جديدة على صعيد الفرد والمجتمع ،فأنني عمدت الى تحرير صفحة كاملة فيها بعنوان (الأنسان والمجتمع). كانت المدى هي الجريدة الوحيدة التي تتمتع بالجرأة في نقد السلطة والظواهر الاجتماعية. اذكر لها موقفا كاد ان يعرضني للتصفية الجسدية.فحين فتحت بريدي الألكتروني(ليلة الأحد) قرأت رسالة كانت بالنص(غدا يظهر لك مقال في المدى..وين تروح منّا دكتور قاسم). وكان الموضوع بعنوان (الزيارات المليونية تحليل سيكوبولتك- موثقة في غوغل)..ما اضطر محرر الصفحة الصديق احمد عبد الحسين ان يكتب موضوعا يندد بالتهديد والتشهير وينتصر لحرية التعبير،وادانة بليغة موثقة من السياسي المخضرم الراحل عزيز الحاج من باريس.
وحصل ان تم تسمية الأخ فخري كريم مستشارا للراحل،الذي نفتقده الآن المرحوم جلال الطالباني، فوجدت ان بعض العبارات يجري حذفها من مقالاتي..فتوقفت عن الكتابة..الى ان غادر الأستاذ فخري مبنى الرئاسة..فوصلتني رسالة من مدير التحرير، الأخ علي حسين يبلغني فيها تحيات الأخ فخري ودعوته لي للعودة الى الكتابة..فعدت..ليتجاوز عدد مقالاتي فيها السبعمئة مقالا..لتكون حكايتي مع المدى انموذجا للعلاقة بين هيئة تحرير تعتز بكتابها وكاتب يبادلها الأعتزاز ذاته وان اختلف معها.
وتبقى ثمة حقيقة..لولا المدى لشعرنا بالأختناق،فالمدى كانت وستبقى الرئة التي يتنفس بها المفكرون والمثقفون والصحفيون الملتزمون بالحقيقة في زمن شاعت فيه ثقافة القبح والتجهيل والتفكير الخرافي..واتهام من يؤمن بالتفكير العلمي بالزندقة والألحاد.ولأنها تمتعت بالمصداقية واستقطبت عقولا نخبوية مثقفة،وطمغت بصمة مهنية مشرقة في تاريخ الصحافة العراقية، وواصلت المسيرة في ظروف معقدة وخطيرة،وصدحت بالحق ايام اخرس كثيرات وكثيرين..ولهذا ستبقى المدى سراج الوعي في ظلمة التخلف.
تهنئة من القلب للعزيزة المدى بعيدها الواحد والعشرين، وتحية لكل العاملين فيها الذين يواصلون التحدي بشجاعة فرسان الكلمة، ويشيعون الأمل بثقة الواثق من ان الشمس ستشرق غدا على عراق بهي يمتلك كل المقومات لأن يعيش اهله بكرامة ورفاهية..وليتها تعمل على اصدار كتاب يوثق للتاريخ والاجيال موضوعات تنتقى وفق معيارين : ان يكون الكاتب قد رافق مسيرة المدى من سنة صدورها ، وان تصنف الموضوعات وفقا لأربع مراحل زمنية كل مرحلة ..خمس سنوات. صحيح انها صعبة،ولكنها ليست مستحيلة على ايقونة المدى..الصحفي المخضرم علي حسين.. مع رجاء أخير.. ان لا تنسانا المدى يوم نغادر الدنيا. *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تعديل قانون الأحوال الشخصية - تداعياته السكولوجية
-
ثورة الحسين..لو استوعب العراقيون دروسها لعرفوا طريق الخلاص
-
اشكالية أدباء العراق في الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد
-
علي الوردي..في ذكرى رحيله
-
عبد الكريم قاسم - قدوة الأخلاق والنزاهة الذي نفتقده
-
لماذا يقتل الانسان أخاه الأنسان؟
-
سيكولوجيا الأعياد..في الديانات
-
لهذه الأسباب ألغى البرلمان الاحتفاء بيوم 14 تموز عيداً وطنيا
...
-
ثقافة الاستبداد و ثقافة الاحتجاج
-
حين لا يكون الكاتب موضوعيا. الدكتور طه جزاع مثالا
-
الفنانات..وسيكولوجيا التوبة!
-
الشاعر حين لا يكون منافقا- عبد الرزاق عبد الواحد مثالا
-
الأنتحاري الأرهابي والشخصية الداعشية - تحليل من منظور علم ال
...
-
قانون الجنسية المثلية.. اعادة النظر فيه واجب ديني وانساني
-
جيل الهشاشة النفسية في عصر نظم التفاهة
-
التسامح في العيد ..ما اجمله!
-
لمناسبة استشهاده.مواصفات الحاكم من منظور الأمام علي ومنظور ا
...
-
الفضائح الأخلاقية نتائج..والأسباب باقية
-
فضيحة عميد في البصرة..نتيجة والسبب باق!
-
نوروز..ماذا يعني سيكولوجيا وسياسيا
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|