|
الملهاة .. المأساة .. في مسرحية - عمارة النظام -
بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 1770 - 2006 / 12 / 20 - 09:51
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
لم يتجاوز الاجتماع السنوي الثالث عام 2006 لفروع " الجبهة الوطنية التقدمية " الاجتماع السنوي الأول عام 2003 ، إن في الشكل أو المضمون . ولم يتجاوز السقف المحدد له في تناول المسائل ، وبقي محكوماً كما حدد له أن يكون فصلاً مسرحياً سلطوياً ، ضمن حركة العلاقات العامة ، التي بات النظام يمارسها ، منذ مدة قريبة ، في محاولة للإيحاء ، أنه يخطو حثيثاً نحو الحداثة والإصلاح والتجديد وقد كنا في غنى عن متابعة مجريات ونتائج هذا الفصل الجديد الثالث ، وذلك نتيجة التجارب الحية المتوالية ، البعيدة والقريبة ، لهكذا تحركات من قبل النظام ، التي كان آخرها قبل أسابيع اللقاء الحكومي الحزبي مع مجلس الاتحاد العام لنقابات العمال وجمهور من الكادر النقابي الأساسي في البلاد ، والتي لم تغن ولم تسمن من جوع .. لولا أن بعض ماجرى في هذا الاجتماع من المفيد تناوله ، لمعرفة درجة إمعان النظام في نهجه الاجتماعي - السياسي التعسفي إزاء الشعب السوري ، وخاصة إزاء قواه الشعبية والفقيرة
كانت الأدوار الرئيسية في الفصل الثالث لهذا العام هي لرئيس الوزراء ونائبه الاقتصادي ونائب رئيس الجبهة من طرف ، و بقية الأدوار لقيادات أحزاب الجبهة من مستوى المكاتب الساسية واللجان المركزية وبعض ممثلي هذه الأحزاب في الجبهة في المحافظات من طرف آخر. ولهذا لم تتجاوز طروحات ومناقشات المشتركين مايطرح عادة في " مجلس الشعب " و " المنظمات الشعبية " واجتماعات القيادة المركزية للجبهة ، ومصيرها بالتالي معروف مسبقاً ، كمصير ماطرح في اجتماعات سابقة ، ما يؤكد أن الغاية من مثل هذا الاجتماع ليس نقاش هموم المواطن ومعالجتها ، وإنما الرد على من يقول ، أن " الجبهة الوطنية التقدمية " هي مجرد هيئة ديكورية الشكل والمضمون في عمارة النظام ، وهاهي ذات فعل على مستوى عريض في بحث شؤون وشجون المواطن
أي أن الغاية الأساسية من هذا الفصل ، هي البرهنة على سلامة بنية النظام وفعاليتها ، غير أن الحوار النثري الذي دار حصراً ببعض مساحات الاقتصاد دون السياسة دل ، على أن الأهم في شؤون البلاد ، ليس بوارد بوار بحثه في مثل هكذا اجتماع .. في مثل هكذا مستوى سياسي ، بمعنى آخر .. إذا جاز لنا ا ستخدام التعابير العسكرية في هذا الصدد ، فإن مدفعية مثل هذا الاجتماع في الشأن العام الأساس ، هي مدفعية رمضانية فقط وليست مدفعية حرب
لم يدم " النقاش " الملهاة طويلاً في جلسات هذا العام ، ذلك أن البيانات الاستعراضية الورقية والرقمية ، لم تكن في مضامينها عامة ، على قدر واضح من المصداقية في التعبير عن " إنجازات " الحكومة ، أو في التعبير عن حرص الحكومة على مصلحة الوطن والمواطن وتحقيق العدالة الموعودة ، وإنما كانت مليئة بالمغالطات والتناقضات والمصادرات ، لاسيما فيما يتعلق بالتحسن الاقتصادي الموعود ، وبانخفاض معدلات البطالة وعدد المتعطلين عن العمل ، وبربط رفع الدعم الحكومي عن عدد من المواد المعيشية بالعدالة ، وكذلك مايتعلق بآفاق التطور الاقتصادي المرتبط باقتصاد السوق والتجارة الدولية الحرة ، ما أدى إلى نقل " النقاش الرفاقي الخجول " إلى مضمار آخر لم يكن مقرراً من قبل .. ومالبث أن تحولت الملهاة إلى مأساة
أكثر تجليات المأساة في الاجتماع ، هي ا ستغباء الفريق الحكومي للحاضرين ، وا ستخدامهم أداة في ا ستغباء المواطنين . فإذا أخذنا القدرة الشرائية للرواتب والأجور الدنيا والمتوسطة مقياساً للتحسن الاقتصادي ، فإن النتيجة ولاشك ، هي سلبية . أي أن افتراق الأسعار عن الأجور بنسب مضاعفة يكذب ذلك . وإذا عدنا إلى معدلات البطالة ، نجد كذبة كبيرة أخرى ، فالحكومة تقول ، أنه قد جرى انخفاض ملموس في معدلات البطالة من 10, 9 % عام 2003 إلى 8,6 % عام 2006 أي خلال ثلاث سنوات ، وقدرت عدد المتعطلين عن العمل عام 2006 بنحو 462 ألف متعطل . وهنا لابد من الإشارة إلى أن الحكومة ذاتها قد قدرت عدد المتعطلين عن العمل عند تشكيل هيئة تشغيل العاطلين عن العمل منذ ثلاثة أعوام أنه 895 ألف عامل ، وقد شكك الكثيرون في حينه بصحة هذا الرقم . وعلى افتراض أن هذا الرقم كان صحيحاً ، فإنه لايجوز اعتباره رقماً ثابتاً لمعدلات البطالة ، والأنكى تخفيضه بنسبة فرص العمل ، التي زعم حصول العمال عليها بجهود الحكومة العتيدة ، لأنه على مدى ثلاث سنوات سيتضاعف هذا الرقم بدخول 300 ألف طالب عمل جديد كل عام . بمعنى أن معدلات البطالة ، موضوعياً ، في حالة ارتفاع وليست بحالة انخفاض . وإذا أخذنا الاحصائيات الموضوعية عن البطالة الحقيقية في سوريا فإنها تتجاوز 30 % على أقل تقدير من حجم قموة العمل
أما عن أن رفع ، الدعم الحكومي عن عدد من المواد التموينية الأساسية ، أو ترشيده وحصره بمن يستحقه فعلاً .. !! فهو يدل على أن الحكومة مقبلة على ارتكاب جريمة اجتماعي - سياسية إرضاء للبنك الدولي وصندوق النقد الولي لتحصل على بطاقة ركوب في قطار العولمة والانتساب لمنظمة التجارة الحرة
وهنا يفرض نفسه السؤال ، من هم الذين يجب الإبقاء على ا ستفادتهم من الدعم ومن هم الذين يجب حرمانهم منه ؟ وقبل الإجابة على هذا السؤال يطرح نفسه سؤال آخر هل الذين يجب رفع الدعم عنهم ، هم يستهلكون بعض حاجياتهم من المواد المدعومة حقاً .. هل يقفون في الطوابير الطويلة للحصول على كميات هزيلة " بالنسبة إليهم " من الأرز والسكر والزيت النباتي والسمن المهدرج .. ألخ .. ؟ علماً أن الدراسات الاقتصادية تدل على أن أمثال هؤلاء البالغة نسبتهم في المجتمع 20 % فقط هم من السكان الذين يأكلون ويلبسون من الإنتاج الأجنبي ، أما بقية أبناء المجتمع الذين يستحقون الدعم فهم أصحاب الرواتب والأجور الدنيا والمتوسطة والفرحين الفقراء والمتقاعدين وورثة المتقاعدين من الأسر التي ليس لها معيل ، وكذلك أكثر من مليون عاطل عن العمل . والحكومة هي من ذكر لغاية في نفس يعقوب أنه يوجد 5,5 ملايين من الفقراء في سوريا .. وفي دراسات دولية محايدة جاء تصنيف جديد للفقر في سوريا يتراوح بين تحت خط الفقر وبين الحد الأعلى من الفقر .. فأي من هذه الفئات تعتزم الحكومة رفع الدعم عنها حتى تحقق عدالتها العظيمة
ثم تتضاعف المأساة لتبلغ حد فقدان الحاضرين إنسانيتهم ، من خلال إحساسهم بانعدام الوزن والفاعلية في بحث وتقرير مصير الوطن .. من خلال ارتهانهم لصفقة خنوع بائسة .. ولهذا لم تظهر .. ولايمكن أن تظهر ، ردود جادة على مغالطات وأكاذيب الحكومة .. لم يطالب أحد بمساواة الأجور بالأسعار بشكل دوري ودائم ، وإيجاد مؤسسات ضمان اجتماعية شاملة للصحة والعجز والإصابة والبطالة والشيخوخة .. لم تظهر مطالب باستقلالية النقابات وبالحريات النقابية لمواجهة ذئاب المال المتسلطين على الدولة والمجتمع .. ولهذا لم تطرح ,, ولايمكن أن تطرح .. السياسة أولاً .. لرفع كابوس ورهق حالة الطواريء والأحكام العرفية عن المواطن ولإطلاق سراح المعتقلين وعودة المنفيين وإنهاء احتكار السلطة وإ شاعة الديمقراطية وبناء وحدة وطنية تعيد بناء سوريا قوية ديمقراطية إنسانية عادلة
إن مثل هذا الطرح المسؤول الجاد ، يحتاج إلى قيادات وآليات أخرى .. قيادات شجاعة .. نزيهة .. وفية للأرض التي ولدت عليها وللشعب الذي تنتمي إليه
ولهذا .. فإن الفصل الثالث من الملهاة .. المأساة .. قد انتهى إلى حيث انتهى الفصل الأول .. في العام الأول .. من مسرحية عمارة النظام
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديكتاتور حقاً قد قبر .. الشعب حقاً قد انتصر
-
الحوار أول الحركة إلى أمام
-
قيمة اللحظة اللبنانية الراهنة
-
في - النهج التشاركي - .. من يشارك من .. ؟
-
مجتمع بلا خرائط
-
أكثر من صرخة من أجل بيت حانون
-
الجري وراء عدل مفقود
-
فقراء البرازيل .. من دروب الجوع إلى دروب الأمل
-
حجب غير متمدن .. للحوار المتمدن
-
درس ديمقراطي أول
-
السياسات والتقاطعات المشرفة
-
قصة الجيش الأحمر السوري
-
ليس حلفاً جديداً .. !! .. ؟
-
بانتظار مبادرات نقابية وسياسية مناضلة شجاعة
-
معركة الرغيف والكرامة والديمقراطية
-
خمس سنوات إرهاب شامل
-
نظام - الحزب القائد - .. !! .. إلى متى .. ؟
-
حتى ينكسر الحصار
-
السنديان العتيق
-
التحالف الاشتراكي .. بداية جادة واعدة في حركة اليسار المصري
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|