أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - لا صمت بعد الذي جرى















المزيد.....


لا صمت بعد الذي جرى


سعيد مضيه

الحوار المتمدن-العدد: 8061 - 2024 / 8 / 6 - 14:21
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


"إسرائيل الصهيونية ليس لديها أي نية للدخول في محادثات من أي نوع لتسوية الصراع الفلسطيني، وتصر على أن العهد القديم هو القانون الوحيد الذي ستلتزم به"،هذا ما استخلصه الكاتب البريطاني ، والمدافع عن حقوق الإنسان، باتريك لورانس.،عمل دبلوماسيا ومراسلا صحفيا بالخارج لسنوات، خاصة لصحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون. كاتب عمود وكاتب مقالات ومحاضر ومؤلف ؛ آحدث مؤلفاته كتاب "الصحفيون وظلالهم:
لا أعرف كيف هو الحال في أسركم؛ لكننا في أسرتنا قمنا بتطوير الممارسة على مدى الأشهر التسعة الماضية، متمثلة في أن نقرأ لبعضنا البعض نشرات الأخبار الأشد فظاعة عن غزة والتي ترد إلينا من مصادر كثيرة ومتنوعة. من المؤسف أن الحياة قد انحطت لهذا الدرك، ونقرأ بصوت عالٍ روايات يومية عن الفظائع؛ لكن لا يوجد مجال للتراجع عن الأعماق التي اليها جرّت إسرائيل الإرهابية البشرية جمعاء.
عندما لم يعد من الصعب قراءة أو مشاهدة مقاطع فيديو عن همجية الإسرائيليين الحاقدة ، فإن الجيش الصهيوني بجرافاته سحق ضمائرنا تمامًا كما فعل في أية قرية في غزة أو الضفة الغربية.
في عطلة نهاية الأسبوع، أخبرتني شريكتي أنها قرأت شيئًا ببساطة جاء أشد همجية حتى بالنسبة لما تبادلناه بصورة روتينية. مقالة نشرتها مجلة بوليتيكو في 19 يوليو/تموز، وصلتنا مكْرُمة من جوناثان كوك، الصحفي البريطاني المحترم:
" تطوعنا في مستشفى غزة، وما شاهدناه يصعب الحديث عنه". لم يكنب المقال صحفي؛ كتبه جراحان أمريكيان تطوعا في الربيع الماضي للعمل الإنساني في غزة من خلال الجمعية الطبية الفلسطينية الأمريكية. مارك بيرلموتر، جراح العظام من ولاية كارولينا الشمالية، فيروز سيدهوا جرّاحة الصدمات والرعاية الحرجة تمارس عملها في كاليفورنيا الشمالية.
"لم أتمكن من الحديث عن هذا حتى الآن،" بدأت شريكتي، صوتها متهدج ، ثم، وهي تحبس دموعها، أخبرتني عن المقال في مجلة بوليتيكو. أشارت الى حكايتين لفلسطينيين عالجهما الجراحان الأمريكيان خلال فترة وجودهما في المستشفى الأوروبي. يقع المستشفى الأوروبي على الطرف الجنوبي الشرقي من خان يونس، المدينة الواقعة في وسط قطاع غزة، حيث أمرت قوات الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين في وقت سابق بالإخلاء، قصفت، ثم غادرت، والآن، بعد إعادة توطين خان يونس، يتم قصفها من جديد .
القصتان
جوري
إحداهما تدور حول فتاة تبلغ من العمر 9 سنوات تدعى جوري. كانت تعاني من سوء التغذية، وفقدت الوعي، وفي حالة يطلق عليها " صدمة متعفنة" عندما جاءها الطبيبان بيرلموتر وسيدهوا في المستشفى. فورا أجريا لها عملية جراحية؛ حينئذ وجدا، من بين أمور أخرى، أنها فقدت جزءًا من عظم الفخذ ومعظم اللحم في فخذ واحد. ردفاها قطعا بقسوة لدرجة بروز عظم الحوض. تقدما في الجراحة ليجدا كتلا من الحشرات تتساقط من جسدها.
قالت شريكتي: "حتى لو أنقذوها، فإنها ستعيش حياة مليئة بالإعاقة الشديدة والألم المستمر".
تامر
أما القصة الأخرى فتتعلق بممرضة كانت تخدم في المستشفى الإندونيسي شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي عندما داهم الإرهابيون الإسرائيليون المرفق . تامر، شاب لديه طفلان، كان يساعد طاقم العظام في غرفة العمليات حين طلب منه الجنود ترك المستشفى؛ رفض ترك مريضه تحت المخدر، أطلق جندي إسرائيلي النار عليه في ساقه.
بعد أن عالجه فريق العظام، وتركوا قضبانًا خارجية لتثبيت ساقه، ذهب جنود إرهابيون إلى غرفته، جروه بعيدًا، واحتجزوه – الى حيث لا يعرف تامر المكان – مربوطًا لطاولة طيلة 45 يومًا. لا رعاية طبية، كوب عصير واحد معظم الأيام، رغم أنه في ايام لم ينل كوب العصير. أصيبت عظمة ساقه - وهذا ما يسمى التهاب العظم التقي osteomyelitisتلوث بالفطريات تجري بالدم . كان يجلد بقسوة كل يوم لدرجة سقوظ
إحدى عينيه من المحجر."أخيرا ترك بفظاظة عاريا بجانب الطريق ؛ ومن ساقه المصابة برز قضيب معدني، وعينه اليمنى مدلاة من الجمجمة، زحف حوالي ميلين ، الى أن عثر عليه شخص وحمله الى المستشفى الأوروبي.
مقالة بوليتيكو موضحة بعدد من الصورالتقطتها فيروز. إحدى الصور تظهر تامر أثناء علاجه مباشرة بعد إطلاق النار عليه: تم توضيح مقالة بوليتيكو بالعديد من الصور الفوتوغرافية التي التقطتها فيروز سيدهوا.أظهرت إحداهما تامر أثناء علاجه بعد إطلاق النار عليه مباشرة: رجل قوي البنية يرقد على سرير المستشفى. وأظهرت صورة اخرى تامر بعد عودته من الأسر الذي دام 45 يومًا: هزيلًا، ويبدو أكبر بعشرين عامًا، مجردًا من كل حيوية، ووجهه متجمد فيما يسميه الأطباء النفسيون التأثير المسطح.
"عندما لم يعد من الصعب قراءة أو مشاهدة مقاطع الفيديو التي تصور الأعمال الهمجية الإسرائيلية، فاقدة الرحمة، فإن الجيش الصهيوني سيكون قد سحق ضمائرنا ا أوقصفها بالقنابل، تمامًامثلما فعل في أي قرية بغزة أو بالضفة الغربية."
اختل ذهني عندما قدمت شريكتي ملخصات لهاتين القصتين، وصرخْت : "هذه هي الحالة ، من المستحيل الاستمرار بهذه الطريقة بعد الآن." رحت أسأل بنبرة يائسة ما الذي يمكن لشخص يحاول أن يكون إنسانًا أن يفعله في حين أن أمة يديرها إرهابيون تلحق العار بجميع من يعيشون الآن باستثناء الشعب الفلسطيني وأمثال بيرلموتر وسيدهوا اللذين يبذلان نفسهيما لهم؟ فكرت في راندي كيهلر وكل هؤلاء الأشخاص الشرفاء الذين شرعوا تمرد الضريبة الشهير – لن يردعنا بعد الأن احد مهما يكن- اثناء حرب فييتنام. فكرت في كامو واستحضار سيزيف: عدم جدوى كل فعل ، ضرورة أي فعل. عبث كل فعل، وضرورة أي شيء.
عدت أخيرًا إلى العنوان الرئيسي على راس مقالة بوليتيكو. نعم، ما رآه بيرلموتر وسيدهوا لا يوصف، ولا جدال في هذا. إذا قرأت ما كتباه، وأنا أحث الجميع على ذلك، فعليك ان تثبت نفسك كي تضبط رد فعلك عليه، كما قد تشير حالتي الخاصة. رأى هذان الجراحان أشياء لا توصف خلال فترة وجودهما في غزة؛ لكنهما الآن يتحدثان عنها. وعندما يتحدثان عما لا يوصف، فهناك إمكانية لتأويل ما يقولان، وهذا ما يجب أن لا يفوتنا . ويجب ألا تفوتنا رؤية قوة اللغة حين توظف لأسمى غاياتها.
"ماذا بمقدورنا عمله؟ " من المؤكد أن هذا سؤال يدور في أذهان الملايين من الناس في الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل الأبارتهايد عمليات الإبادة الجماعية في غزة – وحاليا تصعّد سلوكها الإجرامي بالضفة الغربية المحتلة. ما يضفي الجدية على هذا السؤال اللغز ان الإبادة الجماعية في غزة ومشاركة الولايات المتحدة المباشرة بها قد دفع بوجوهنا حقيقة مفادها أن الديمقراطية الأميركية في خراب؛ لم تعد هناك مؤسسات وساطة متاحة لنا يمكن من خلالها التعبير عن إرادتنا.
هناك شيء آخر يجب ألا يفوتنا: أيًا كان هذا الشخص المثير للشفقة، فهو أو هي ضحية عقد تلو الآخر، خلالها أساءت القوة بوقاحة استخدام اللغة والصور لتجريد العيون من القدرة على الرؤية، والآذان من القدرة على السمع، والعقول من القدرة على التفكير، والأعظم من هذا كله، ألألسنة من القدرة على التحدث والأجساد من القدرة على الفعل. إن ThePryingEye [العين المتلصصة]هي بالضبط كيف يقصدون لهذا ان يغدو.
وعندما نواجه أخيراً حقيقة أننا حرمنا من أي وسيلة مؤسسية للتوسط في سياساتنا، فإن ذلك يعني أننا مجبرون على العودة إلى أنفسنا. وعندما نصبح معتمدين على أنفسنا بهذه الطريقة، سيتبين لنا، كما أظهر بيرلموتر وسيدهوا بوضوح شديد، أن هناك قوة في اللغة، للتحدث عما لا يوصف.
"عندما يتحدثون عما لا يوصف، هناك إمكانية لتأويل ما يقال . يجب ألا نفوّت هذا. يجب ألا نفشل في رؤية قوة اللغة عندما توضع في أسمى غاياتها.
لست مندهشًا على الإطلاق من أن الإسرائيليين ونظام بايدن - جنبًا إلى جنب مع الألمان وغيرهم - قد صعّدوا بشكل جذري هجومهم الطويل الأمد على اللغة الواضحة، وهو الأمر الأكثر وضوحًا، ولكن ليس فقط في جهودهم غير المنطقية بشكل واضح لإدانة حتى "معاداة السامية" عبارات بسيطة عن التعاطف مع الفلسطينيين. أليس الهدف هنا واضحا؟ أليس من الواضح أن هؤلاء الناس يفهمون قوة اللغة وضرورة السيطرة عليها إذا أراد السكان الغربيون أن يظلوا في حالة "العين المتلصصة"؟
من بين الأشياء العديدة الملفتة للنظر في مقالة بوليتيكو، هناك أمران يتبادران إلى ذهني الآن. أحدهما هو وصف بيرلموتر وسيدهوا لزملائهما الفلسطينيين: كان العديد منهم مصابين باليرقان، ويعانون من التهاب الكبد، ويعانون من سوء التغذية؛ جميعهم كانوا في حالة صحية سيئة جسديًا وعقليًا، والأمر الأكثر استغرابا هو أنهم كانوا خالين من أي تعاطف مع أولئك الذين كانوا يعالجونهم. وكتب الأمريكيان: "أخبرنا العديد من الموظفين أنهم ببساطة ينتظرون الموت، وأنهم يأملون أن تنهي إسرائيل الأمرآجلا أو عاجلاً .
الصورة الأخرى التي أذكرها هنا تؤكد هذا الانطباع: إنها صورة لجدار في جناح الأطفال بالمستشفى الأوروبي، حيث كتب أحد زملاء بيرلموتر وسيدهوا الفلسطينيين: "#غزة، لم نعد نهتم بأي شيء". يتبع ذلك توقيع غير مقروء.
أليس هذا هو الشيء الذي نقرأه في روايات الناجين من المحرقة؟ لقد تطرق جورجيو أغامبين لفترة طويلة لهذا الموضوع في كتابه بقايا أوشفيتز (Zone Books, 1999)، حيث درس تحويل أولئك الموجودين في المعسكرات إلى أشباح مجردة من إنسانيتها، مدمرة نفسيًا، والعديد منهم لا يمكن استرجاع صحته النفسية.
لنستلهم بعضًا من الفيلسوف الإيطالي ونصحح بعض المصطلحات، بينما نفهم البعض الآخر بصورة مغايرة. هذا هو ردي على "ماذا يمكننا أن نفعل؟" أن نرفض بصورة قاطعة السماح بإخضاع آرائنا والتعبير عنها لرقابة البوليس اولرقابتنا الذاتية البوليسية.
بيرلموتر وفيروز، أعد قراءة مقالهما إذا كنت بحاجة لذلك، فكر ماذا فعلَت بأهل غزة الأشهر الماضية ؛ ثم انضم إلي في طرح السؤال الذي ليس من المفترض أن نسأله: هل ما تفعله إسرائيل في غزة أسوأ من المحرقة؟ أصر على طرح هذا السؤال الآن بدلاً من التملص منه. بانتظار الموت؟ انتهى الأمر؟ أنا لا أؤيد الاحتفاظ بالسجلات الخاصة بالأنظمة التي ترتكب الفظائع؛ ثم انضم الي لنسأل ماذا لا يفترض فينا ان نسأله:هل ما تفعله إسرايل بغزة أسوأ من المحرقة؟ لدي إصرار على اننا نواجه هذا السؤال بدلا من ان نرتجف منه. ينتظرون الموت؟ لكن فيما يبدو هناك مبرر للقول أن معسكرات الرايخ كانت أقل إرهابًا من المعسكر الإسرائيلي المسمى قطاع غزة.
بعد الانتهاء من قراءة مقالة بيرلموتر وسيدهوا، عدت إلى تلك المقالة الرائعة التي نشرها بانكاج ميشرا في شهر مارس الماضي في مجلة لندن ريفيو أوف بوكس بعنوان "المحرقة بعد غزة". أردت أن أقرأ مرة أخرى عن كل هؤلاء الكتاب والمفكرين اليهود البارزين، والعديد منهم من الناجين من المحرقة، ممن رفضوا المشروع الصهيوني في السنوات الأولى بعد بدايته.
يشعياهو ليبوفيتش، الحائز على جائزة إسرائيل عام 1993، حذر قبل 25 عاما من "نازية إسرائيل". جان أميري، الكاتب النمساوي، بعد ظهور تقارير عن التعذيب في السجون الإسرائيلية في السبعينيات:
"أدعو بشكل عاجل جميع اليهود الذين يريدون أن يصبحوا بشراً للانضمام إلي في الإدانة الراديكالية للتعذيب المنهجي. فحيثما تبدأ الهمجية، حتى الالتزامات الوجودية يجب أن تنتهي».
ثم قضية بريمو ليفي، الناجي الشهير من المعسكرات ومؤلف كتب، من بينها كتاب "إذا كان هذا رجلاً"، وهو سردية لزمن وجوده في أوشفيتز. بعد مرور عامين على نظام مناحيم بيغن، الذي لم يكن أول رئيس وزراء إرهابي لإسرائيل وليس الأخير، رفض ليفي المشروع الصهيوني تماما. وكتب يقول: "إن مركز ثقل العالم اليهودي يجب أن يعود إلى الوراء، ويجب أن يخرج من إسرائيل ويعود إلى الشتات". وفي وقت لاحق قال للجمهور الأمريكي: "إن إسرائيل كانت خطأً من الناحية التاريخية".
عودة للوراء. أنا أقف مع ليفي؛ منه أكتسب الشجاعة، واكتسب الاقتناع من بيرلموتر وسيدهوا لأقول الآن بلغة واضحة يمكننا الإعجاب بها لدى هؤلاء الثلاثة: إسرائيل، بنية مصطنعة قادها مضللون منذ البداية، يجب أن تزول . بطريقة أو بأخرى، لم يعد من الممكن السماح لها بالوجود حسب تركيبتها الراهنة - و ليس كما تتضمن الفكرة الميئوس منها ، لحل الدولتين. ولا يمكننا أن نتسامح مع القسوة الإجرامية المنهجية المتواصلة بلا توق للجمهور البشري، القسوة التي يتعرض لها السكان البشر والتي بها اتزمت أسرائيل. . فقط دولة علمانية واحدة تعترف بالحقوق المتساوية للجميع تعد بتحضير الوجود الصهيوني في الشرق الأوسط.

لا أعرف كيف يمكن أن يبدأ مشروع إنهاء هذه التجربة الفاشلة، لكن يجب أن يبدأ التحرك نحو الهدف بأسرع ما يمكن . لا أرى ما يصدم في هذا الحكم بمجرد تجريد نزع أدوات الجغرافيا السياسية ورفض أكذوبة وصم هذه الفكرة على أنها "معاداة السامية". كان القضاء على النظام النازي مشروعًا عالميًا بمبررات إنسانية خالصة. أعود واكرر انني لست معنيا كثيرًا بالتحديد كيف تقارن إسرائيل بالرايخ، لكن يجب علينا أن نعترف بأوجه التماثل المتضمنة بنفس المبدأ.
في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر) المقبل تهل الذكرى السادسة والأربعون لصدور قرار المنظمة الدولية رقم 3379 عام 1978بأن " الصهيونية أحد أشكال العنصرية والتمييز العنصري". أذهلني مرة أخرى وضوح اللغة التي سادت آنذاك في الخطاب العام، وأستنتج أن المشروع المباشر هو استعادتها. عام 1991إلغي القرار 3379 بعد اتفاق اوسلو بطلب من الولايات المتحدة؛ التي مارست ضغوطا شديدة وواسعة النطاق بين أعضاء الجمعية العامة. قال جورج بوش (الأب) وهو يقدم الاقتراح، "مساواة الصهيونية بخطيئة العنصرية التي لا تطاق هو تحريف للتاريخ ونسيان لمحنة اليهود الرهيبة أثناء الحرب العالمية الثانية." يثير الاهتمام ملاحظة كيف تم استغلال الهولوكوست، حتى في تلك الأثناء، بطريقة فكرت دوما أنها إهانة للملايين الستة من الضحايا .
طرح بوش امرا واحدا صحيحا للغاية في ذلك اليوم، قال: "إن مساواة الصهيونية بالعنصرية هو رفض لإسرائيل بالذات". مرت سنين عديدة ، ويبدو لي الآن أن سلوك إسرائيل في هذه الأثناء يثبت هذه المعادلة؛ فهذه هي الأفعال الشيطانية المتعلقة بالفظائع في غزة. ولا يدرك جيش إسرائيلي أن أفعاله بغزة تتسم بالقسوة أوغير أخلاقية وخاطئة بكل المقاييس. وكما يوضح القادة الإسرائيليون مرارا وتكرارا، فهم يعتقدون أنهم بحق ينفذون
اوامر الرب .

نتنياهو تجسيد للصهيونية

"للعودة إلى الوراء. أنا أقف مع ليفي؛ استمد الشجاعة منه والاقتناع من بيرلوميتر وسيدهاو، كي أقول بلغة واضحة نحن معجبون بثلاث:إسرائيل،بنية مصطنعة بقيادة سيئة منذ البداية، يجب أن تزول".
هنا بيبي نتنياهو يرد على قرار محكمة العدل الدولية الأسبوع الماضي، وهو بحد ذاته على تمام الوضوح ، بأن احتلال إسرائيل لجميع الأراضي الفلسطينية - وليس فقط الضفة الغربية - غير قانوني. يقول نتنياهو:
"الشعب اليهودي ليس محتلا في أرضه، بما في ذلك عاصمتنا الأبدية القدس، ولا في يهودا والسامرة، وطننا التاريخي. لا يمكن لأي رأي سخيف في لاهاي أن ينكر هذه الحقيقة التاريخية أو الحق القانوني للإسرائيليين في العيش في مجتمعاتهم الخاصة في موطن أجدادنا”.
ملاحظة تتحدى على المكشوف عقودًا من القانون الدولي، وغير مبالية بشكل علني بالالتزامات القانونية التي تعهدت بها إسرائيل لدى إنشائها وعدة مرات بعده، يمكن قراءتها كمقدمة مفيدة لخطاب نتنياهوعديم النزاهة بقباحة، والمشوه للواقع، الذي ألقاه يوم الأربعاء أمام جلسة مشتركة للكونغرس. رفضه المتكرر لحكم محكمة العدل الدولية - "هراء مطلق مكتمل " - يحتل مكانًا ثانويًا بين التحريفات العدوانية للزعيم الصهيوني. وفيات المدنيين في غزة بأدنى المستويات، ويجب الثناء على الجيش الإسرائيلي، وليس انتقاده، والأمريكيون الذين يتظاهرون من أجل القضية الفلسطينية "يقفون مع القتلة"، وهم " البلهاء المفيدون لإيران"، والفلسطينيون يمكن مقارنتهم بالألمان واليابانيين أيام الحرب: خطاب نتنياهو الذي استمر ساعة -- مثقل من أوله لآخره بمثل هذه التلفيقات.
خطاب الزعيم الإسرائيلي اللافت للنظر من حيث حزمه كان في الوقت نفسه، كاشفا للاختلالات النفسية الكامنة في أعماق المشروع الصهيوني. قدم تلاوة سخية لقرون من الاضطهاد المعادي للسامية في جميع أنحاء أوروبا، وبالطبع ضرر المحرقة الكبير الذي لا يمحى. عالم نتنياهو هو عالم نحن – هم، علينا –و- هم. يمكنك أن تسمع في جمله هذه إدمان الصهاينة بدور الضحية دائما (الأمر اذي يعنيني على وجه الخصوص) جنون العظمة المرتبط بالشعور السائد بين الإسرائيليين بأن يهود أوروبا ظهروا ضعفاء وغير رجوليين عندما أرسلهم الرايخ إلى المعسكرات؛ وباعتزاز أكد نتنياهو "الشعب اليهودي لم يعد عاجزا في مواجهة أعدائنا"، الأمر الذي اكد رضاي بأن المشروع الصهيوني صغير صحي في أحد أبعاده ،وحتى تعويضي بشكل خطير.
وأعلن نتنياهو أن "القدس لن يتم تقسيمها أبداً"، تأكيد بهذه الكلمات أدلى به عندما ألقى آخر خطاب أمام الكونغرس قبل تسع سنوات. "إن أرض إسرائيل، أرض إبراهيم ويعقوب وإسحق، كانت دائمًا وطننا وستظل وطننا دائمًا." إليكم الأمر، بأكبر قدر ممكن من الصرامة: إسرائيل الصهيونية ليس لديها أي نية للدخول في محادثات من أي نوع لتسوية الصراع الفلسطيني، وتصر على أن العهد القديم هو القانون الوحيد الذي ستلتزم به.
وهنا نصل إلى الهدف الحقيقي لنتنياهو في واشنطن هذا الأسبوع: ربط الولايات المتحدة بالكامل بقضية إسرائيل حتى وهي تنحط لأبشع الحدود .
أضاف: "إننا نلتقي اليوم عند مفترق طرق في التاريخ؛ هذا ليس صراع حضارات. إنه صراع بين البربرية والحضارة”. وهذا أمر غير معقول إذا وضعت بيرلموتر وسيدهوا في الاعتبار كشاهدين حقيقيين للتاريخ. لكن في حفل استقبال نتنياهو بعد ظهر الأربعاء، فالولايات المتحدة سوف تقبل حكايته وتستثمر فيها بعمق . أحصيت 72 تصفيقًا بينما كان مجرم الحرب الفعلي يتحدث، جميعها باستثناء سبعة تصفيقات من الصف الأول.
ودعونا لا ننسى أن الغالبية العظمى من جمهور نتنياهو قبلوا شكلاً أو آخر من أشكال الرشوة من اللوبي الإسرائيلي.
إسرائيل الصهيونية ليس لديها أي نية للدخول في محادثات من أي نوع لتسوية الصراع الفلسطيني، وتصر على أن العهد القديم هو القانون الوحيد الذي ستلتزم به.
وكما قال جون وايتبيك، المحامي الدولي المقيم في باريس، في مذكرة تم توزيعها بشكل خاص بعد ظهر الأربعاء:
"كل من راقب هذا المشهد لا يمكنه إلا أن يستنتج أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد دولة مستقلة محترمة، نظرا لكونها منذ سنوات عديدة، شركة تابعة مملوكة بالكامل لدولة إسرائيل، ولهما قيم مشتركة، ترفضها بحق الأغلبية الساحقة من البشرية."
بيبي نتنياهو يجسد الصهيونية عام 2024. ليس في هذه الصهيونية ما يمكن التعامل معه، ولا شيء يستحق الاحترام . إذا كان لأيديولوجيا الصهيونية ان تلائم يوما العالم المعاصر، وسأترك هذا سؤالا متميزا، فإنها لم تعد تلائم عالمنا. نجح الصهاينة في إضفاء صفة النبالة على الفلسطينيين ، وهم يحملون نوايا تحطيم إنسانية الفلسطينيين؛هذا بينما حولوا أنفسهم مخلوقات مشوهة ، لا أكثر ولا أقل ـ بشر بلا إنسانية.
يبدو أنني لست الوحيد الذي تأثر بشدة بمقال بيرلموتر-سيدهوا في مجلة بوليتيكو. خلال عطلة نهاية الأسبوع، أجرى بيرلموتر مقابلة مطولة مع شبكة سي بي إس صنداي مورنينج، تحدث خلالها أكثر عما رآه أثناء وجوده في المستشفى الأوروبي:
"كل الكوارث التي رأيتها مجتمعة - 40 رحلة في 30 عامًا، منطقة جراوند زيرو، الزلازل، كل ذلك مجتمعًا - لا تساوي مستوى المذبحة التي رأيتها ضد المدنيين في أسبوعي الأول بغزة. .. رأيت أطفالًا محروقين أكثر مما رأيت في حياتي كلها مجتمعة. رأيت المزيد من الأطفال الممزقين في الأسبوع الأول فقط... أجزاء من أجسامهم مفقودة، أو سحقتهم أنقاض المباني، الأغلبية العظمى، أو انفجارات القنابل، الأغلبية التالية . استخرجنا شظايا بحجم إبهامي من جسم طفل في الثامنة من عمره.
"ورصاص القناصة. طفلان اطلقت عليهما الرصاصات بالصدر؛ لديّ صور لهما، لم أتمكن من وضع سماعة الطبيب على القلب بدقة، ومباشرة على جانب الرأس، نفس الطفل. لا يتم إطلاق النار على طفل صغير مرتين عن طريق الخطأ من قبل ’أفضل قناص في العالم‘. والإصابات بليغة ".

حان الوقت لقول أشياء معينة أيها القراء؛ حان الوقت لنبذ الرقابة والرقابة الذاتية على وجهات نظرنا بشأن ما نرى ونسمع؛ حان الوقت لاستخدام اللغة بشكل جيد لقول ما نعنيه. حان الوقت لنرى في ThePryingEye كل هؤلاء "الألمان الطيبين" الذين رأوا ما كان يجري من حولهم خلال ثلاثينات القرن العشرين ولكنهم تحولوا في الاتجاه الآخر وواصلوا أعمالهم. حان الوقت لنقول: "في الواقع، ما نحتاجه للبقاء على قيد الحياة هو قول الحقيقة والتصميم على التصرف بناءً عليها".
هذا هو أول شيء يمكننا القيام به. ينتظرنا الكثير في المستقبل.



#سعيد_مضيه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قرصنة بالأرض ..قرصنة بالمياه .
- تصدع بمصداقية اللوبي الصهيوني وتعرية البروباعاندا في دعايته
- نهاية الوهم الصهيوني
- ركائز للأبارتهايد والإبادة الجماعية والتطهير العرقي
- ما يحدث في غزة فاشية تعمم على صضعيد عالمي
- إسرائيل تسعى لتبديل قوانين الحرب
- قمة الناتو بواشنطون هل تخدم السلام ام الحرب
- علينا مقاربة إسرائيل دولة استعمار استيطاني
- جدار جابوتينسكي تطهير عرقي عقيدة الليكود
- جدار جابوتينسكي يتصدع
- عودة الى المتهاة .. تفاوض بوساطة أميركية !!
- همجية إسرائيل بشهادة شعوب الأرض
- جوع وصدمات غزة وصحة أجيال المستقبل
- بالجهد الشعبي المنظم والمعبأ ـُكسَر موجة التهجير
- الميديا الأميركية تخفي محرقة غزة وإشاعة الفاشية
- وظيفة الميديا نقل رسالة النخب الى الجمهور وليس نقل الواقع
- دبلوماسية شد خيوط الألعاب السياسية الممسرحة
- هل حقا أزاح عهد السنوار عهد عرفات عن المشهد الفلسطيني؟
- يقتلنا جميعا المجمع الصناعي العسكري بالولايات المتحدة
- هل تتعايش الديمقراطية والمليارديريين؟


المزيد.....




- بنغلاديش في قبضة الجيش والطلبة ينادون بنصير الفقراء رئيسا لل ...
- كيف نجح اليمين المتطرف في تأجيج العنف ضد مسلمي بريطانيا؟
- حزب التقدم والاشتراكية يستقبل وفدا عن المكتب الإداري للهيئة ...
- العراق يحل 3 أحزاب لارتباطها بحزب العمال الكردستاني
- بنغلادش.. مطالبات لصاحب -بنك الفقراء- بتولي السلطة
- النهج الديمقراطي العمالي ينظم حفل استقبال وتكريم للمعتقلين ا ...
- تسليع جديد لقطاع الصحة.. و”الأطباء” ترفض لائحة قانون المجلس ...
- رئيس الوزراء البريطاني يقول إن -جيشا- من ضباط الشرطة على أهب ...
- شاهد متظاهرين يقتحمون مقر إقامة رئيسة وزراء بنغلاديش.. وشيخة ...
- مظاهرات اليمين المتطرف تثير مخاوف المسلمين في بريطانيا


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - سعيد مضيه - لا صمت بعد الذي جرى