|
تعديل قانون الأحوال الشخصية - تداعياته السكولوجية
قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)
الحوار المتمدن-العدد: 8059 - 2024 / 8 / 4 - 14:16
المحور:
المجتمع المدني
تعديل قانون الأحوال الشخصية تداعياته السيكولوجية أ.د. قاسم حسين صالح مؤسس ورئيس الجمعية النفسية العراقية تذكير (في 23 تشرين الثاني 2013 انجز وزير العدل السيد حسن الشمري مشروع قانون الأحوال الشخصية الجعفري الذي جاء امتثالاً لمرجعه السياسي والفقهي السيد اليعقوبي المحترم ،مع ان المسؤولية تفرض عليه أخذ راي مجلس القضاء الأعلى بوصفه الجهة التي تدير شؤون القضاء، وبسببها تعرض الى نقد لاذع واتهام من سياسيين شيعة بأنه " يجر البلاد الى حرب طائفية" ومع ذلك..نجح السيد ممثل حزب الفضيلة باقراره في (2017 ). وينص هذا القانون على السماح بالزواج للصبي الذي اكمل الخامسة عشرة والبنت التي اكملت التاسعة من العمر.وجاءت حيثياته بأن قانون الأحوال الشخصية النافذ لسنة 1959يتعارض مع الفقه الشيعي.) كان هذا نص ما كتبناه ونشر بالمدى والحوار المتمدن في (4 /11/2017) ..ما يعني ان الدعوة الى تعديله الآن ليست بالجديدة. والمفارقة ان العالم الذي يشهد تطورا حضاريا واجتماعيا وفكريا يليق بكرامة الأنسان،ويساوي بين الناس بغض النظر عن الجنس،الدين، المذهب، القوميته..فان عراق ما بعد 2003 تراجع عما كان عليه قبل نصف قرن. ففي العام 1959 صدر قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188 و حدد الزواج بمن اكمل الثامنة عشرة،ومنحه حرية اختيار المذهب الذي ينتمي اليه.وجاء في اسبابه الموجبة "عدم وجود احكام شرعية للأحوال الشخصية يجمع من اقوال الفقهاء ما هو المتفق عليه في قانون واحد"..فجمع تلك الآراء الفقهية لمكونات الشعب العراقي وطوائفه، واستند الى احكام وثوابت الشريعة الأسلامية ومزج فقه المذهبين الشيعي والسني ، وجرت عليه تعديلات في ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وصار مرجعا لجميع المذاهب الاسلامية في العراق،وكان منسجما مع الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور، بعكس التعديل الجديد الذي يتعارض مع المادة 14 من الدستور العراقي والاتفاقيات الدولية المتعلقة بالمرأة والطفل ، والمادة ( 43 ) منه التي منحت أتباع كل دين او مذهب الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية بما فيها الشعائر الحسينية.
ولا يعنينا هنا الأمور القانونية والتشريعية وقول الأطار التنسيقي الذي فاجأ حتى بعض اتباعه بخطوة منفردة بالدعوة الى اقرار تعديل القانون،وقوله بأن «التعديل المزمع لقانون الأحوال الشخصية ينسجم مع الدستور الذي ينص على أن العراقيين أحرار باختياراتهم، بما لا يتعارض مع ثوابت الشريعة وأسس الديمقراطية"، مع ان التعديل ضم عنصرا واحدا هو (المذهب) ولم يضم عناصر اخرى في مكونات المجتمع العراقي:ألديانة، المعتقد، القومية،الأختيار.. ما يعنينا هنا ينطلق من حقيقة أن ( قانون الاحوال الشخصية هو النظام القانوني المختص برسم الهندسة الاجتماعية لأنه يحكم الاسرة التي هي اساس المجتمع التي بدورها تحكم البناء الاجتماعي والسياسي للدولة والمجتمع)..نحللها من منظور علم النفس.
التداعيات السيكولوجية للتعديل
كانت التقارير الصادرة من وزارة التخطيط عام 2013 افادت بان العراق يحتل المرتبة الاولى بين الدول العربية من حيث نسبة زواج القاصرات.ولهذه الظاهرة الاجتماعية اسباب يشترك فيها المجتمع العراقي مع المجتمعات العربية واخرى ينفرد بها. فالعراق عاش اربعين سنة حروبا كارثية مع (ايران،الكويت، امريكا،التحالف الدولي) تبعتها حرب طائفية لسنتين(2006-2008)، وتفجيرات ارهابية، وميليشيات..راح ضحيتها الملايين من العراقيين بين قتيل ومفقود ومعوق ومهاجر..تركوا وراءهم بنات قاصرات بلا معيل..فضلا عن حصار اقتصادي استمر ثلاثة عشر عاما اكل فيها العراقيون خبز النخالة. ولهذين السببين(الحروب وعسر الحال) اضطر عديد من الاسر العراقية الى حرمان بناتهن من الدراسة وتوجيههن الى سوق العمل او الخدمة في البيوت،او تزويجهن من رجل ميسور الحال وأخذ (المقسوم) من مهورهن.
وكان للنظام السابق دور في ذلك بتشجيعه الزواج المبكر واقامة حفلات الزواج الجمعي للشباب ومنحهم مكافآت واشاعة الشعور بالترحيب به عبر تلفزيون (الشباب) بوصفه فضلا او مكرمة من الحكومة مع انه كان يضم قاصرات لا تسمح القوانين بزواجهن،لكن النظام السابق شجعها واصدر قرارا في حزيران 2001 جرى الترويج له في ظل انعدام وجود منظمات معنية بحقوق الانسان.
اما الاسباب التي يشترك فيها العراقيون مع اشقائهم،فأن المزاج العربي يميل الى الزواج من الفتيات الصغيرات في السن لاسيما في ارياف البلدان العربية،وان التقاليد العربية تشجع عليه،وتروج له في اغانينا واشعارنا،بل حتى في تعابيرنا،فنحن نصف بنت الـ (14سنة)بالقمر في ليلة اكتماله..كيف يكون مدّورا وجميلا في ليلته الرابعة عشرة..وهذا ناجم عن المنظور العربي للمرأة الذي يختزل وجودها الى وعاء للجنس،وانه كلما كان الجسد غضّا كان امتع حتى لو كان خامد المشاعر او مستسلما لحاجة مادية او دفعا لأذى.
وفي الزمن الديمقراطي،كان يفترض ان تقل نسبة زواج القاصرات لظهور منظمات نسوية واخرى مدنية تدافع عن حقوق المرأة،لكن واقع الحال يشير الى انها زادت بعد التغيير،وان كثيرا من الميسورين تفننوا في ابتكار وسائل (شرعية) للزواج من قاصرات..وأن بعضهم يتزوجون ويطلّقون مرات في السنة الواحدة!..وهو اتهام مشروع بأن هؤلاء الفاسدين سياسيا وغير الناضجين عاطفيا والمراهقين عاطفيا كانوا وراء تشريع واصدار قانون الأحوال الجعفري وهم انفسهم وراء دعوة التعديل الجديد الذي يطالب به الأطار التنسيقي،ولا يكترث بألاف الناشطين العراقيين والمنظمات المعنية بحقوق المرأة والطفولة الذين ناهضوا التعديل، واستخدموا وسم «#لا_لتعديل_قانون_الأحوال_الشخصية»..
القاصر..من منظور علمي
تؤكد الدراسات الطبية والسيكولوجية ان لزواج القاصر اضرارا فادحة،ليس فقط لعدم اكتمال نضجها البيولوجي والفكري،بل ولأنه غالبا ما ينتهي بالطلاق لعدم ادراك القاصر لمسؤولية الزواج. والأخطر سيكولوجيا ان الفتاة ترتعب من حصول الدورة الشهرية لديها ورؤيتها للدم،فكيف لطفلة بعمر التاسعة تفض بكارتها بعمل لا تجد له تفسيرا سوى انه عدوان عليها يترتب عليه كرهها للرجل والزواج والعملية الجنسية التي تتحول لديها من متعة الى قسوة بشعة!..ستفهمه فيما بعد بأنه كان اغتصابا واستعبادا.
والمؤلم ان الكثير من البرلمانيين لا يعلمون أن معظم جرائم الشرف التي اشارت التقارير الى تزايد حاد بلغ 700 حالة في السنة!..كانت بين قاصرات ارغمن على الزواج او هربن من بيوت اهليهن.فضلا عن أن زواج القاصرات يعد جريمة في نظر القانون الدولي الخاص بحماية الأطفال ومعاهدة حقوق الاطفال التي تعدّ زواج القاصر حرمانا لها من حق التمتع بمرحلة الطفولة وحق التعليم..والعراق من الدول الموقعة عليها. والغريب ان الكثير من نواب (ونائبات!) البرلمان العراقي لم يفكروا بأن تزويج البنات بعمر مرحلة الطفولة يعني تحويلهن الى ربات بيوت جاهلات وحرمان المجتمع والوطن من مصادر طاقة تنموية اقتصادية واجتماعية وثقافية.
والمفارقة ان الحكومة العراقية السابقة دعت على لسان السيد رئيس الوزراء الأسبق الدكتور حيدر العبادي الى عراق موحّد بعد الانتصارات التي تحققت بدحر الأرهاب، فيما تعديل قانون الأحوال الشخصية يعمل على تفكيك مكونات المجتمع العراقي التي احدثتها المحاصصة السياسية.فالمذاهب السنية الأربعة ستطالب بأربعة قوانين احوال شخصية: حنفي، شافعي، مالكي ،وحنبلي..وكذا الأزيدية والشبك وباقي الأقليات..والأمر يتطلب استحداث محاكم للأحوال الشخصية بعدد قوانينها..وفي كل ناحية وقضاء ومركز محافظة! ليزيدوا تعميق الفرقة النفسية والاجتماعية والدينية والمذهبية حتى بين اتباع المذهب الواحد!
مبارك للأطار التنسيقي ، فبتعديلهم شرعنوا الزواج بطفلة في الثالث الابتدائي لا نجد لمن يفعلها وصفا غير انه مريض نفسيا ، فيما سيكون مختلا عقليا ان وافق على تزويج ابنته بعمر التاسعة!. *
#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)
Qassim_Hussein_Salih#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثورة الحسين..لو استوعب العراقيون دروسها لعرفوا طريق الخلاص
-
اشكالية أدباء العراق في الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد
-
علي الوردي..في ذكرى رحيله
-
عبد الكريم قاسم - قدوة الأخلاق والنزاهة الذي نفتقده
-
لماذا يقتل الانسان أخاه الأنسان؟
-
سيكولوجيا الأعياد..في الديانات
-
لهذه الأسباب ألغى البرلمان الاحتفاء بيوم 14 تموز عيداً وطنيا
...
-
ثقافة الاستبداد و ثقافة الاحتجاج
-
حين لا يكون الكاتب موضوعيا. الدكتور طه جزاع مثالا
-
الفنانات..وسيكولوجيا التوبة!
-
الشاعر حين لا يكون منافقا- عبد الرزاق عبد الواحد مثالا
-
الأنتحاري الأرهابي والشخصية الداعشية - تحليل من منظور علم ال
...
-
قانون الجنسية المثلية.. اعادة النظر فيه واجب ديني وانساني
-
جيل الهشاشة النفسية في عصر نظم التفاهة
-
التسامح في العيد ..ما اجمله!
-
لمناسبة استشهاده.مواصفات الحاكم من منظور الأمام علي ومنظور ا
...
-
الفضائح الأخلاقية نتائج..والأسباب باقية
-
فضيحة عميد في البصرة..نتيجة والسبب باق!
-
نوروز..ماذا يعني سيكولوجيا وسياسيا
-
اسرار نوروز..مدهشة للعربي والكوردي
المزيد.....
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|