أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - كاظم المقدادي - ماذا وراء التعجيل بإعلان - خلو العراق من التلوث الإشعاعي- ؟!















المزيد.....



ماذا وراء التعجيل بإعلان - خلو العراق من التلوث الإشعاعي- ؟!


كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)


الحوار المتمدن-العدد: 8058 - 2024 / 8 / 3 - 14:36
المحور: الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
    


تصريحات مكررة

شهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة البيئة د. صباح الحسيني، في مناسبات عديدة، عن " خطة وطنية لإزالة التلوث الإشعاعي" وعن "برنامج إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي"، و" تحقيق الخطة نسبا متقدمة "، وتم بموجبها إعــلان خلو البصرة وميسان والمثنى، من التلوث الإشعاعي، وستلحق بها قريبا محافظتا ذي قار والأنبار" (الصباح" ،2023/3/1 ، و 4/4/2024)
واَخر التصريحات هو لنعيم العبودي رئيس "هيئة الطاقة الذرية العراقية،" الذي أعلن في مؤتمر صحفي في ذي قار، في تموز الجاري، بحضور محافظ ذي قار وأعضاء لجنة الأمر الديواني 23580، عن" خلو محافظة ذي قار من التلوث الإشعاعي".وقال: " أن الفرق الوطنية المتخصصة في هيئة الطاقة الذرية العراقية تمكنت في جهد استثنائي من معالجة المخلفات الحربية الملوثة التي قاربت 200 طن من القطع الحديدية الملوثة، وان العملية تمت في غضون وقت قياسي بلغ 34 يوما ".وأضاف:" أن خبراء الهيئة مستمرون في إجراءات تطهير عدد من المحافظات الأخرى"، مؤكدا أن الإعلان النهائي لخلو العراق من التلوث الاشعاعي بشكل كامل سيكون قريبا (" اشفق نيوز"،3 /7/2024 ).

مثل هذه التصريحات ليست جديدة، وإنما هي مكررة- سنبين ذلك لاحقاً..الجديد فيها ان السيد الحسيني لمح، مكرراً مرات عديدة، بان مركز الوقاية من الإشعاع هو اليد الطولى في مهمة إزالة التلوث الإشعاعي، بينما كان المسؤولون الذين سبقوه يؤكدون بأن مهمته رقابية وليست تنفيذية.. وعملياً، كانت فرق وزارة العلوم والتكنولوجيا، هي المنفذ،وقد غبنت الأحزاب المتنفذة دورها المهم، بدمِجتها بوزارة أخرى.
أما السيد العبودي ، فقد أعلنها صريحة: " فرق هيئة الطاقة الذرية " هي التي عالجت الملوثات بالإشعاع، وستستمر في إجراءات تطهير المحافظات منها ".
ويبدو ان مفارقة التداخل في مهمات مؤسسة من قبل أخرى، هو تطور جديد، في سعي أطراف المنظومة السلطوية المهيمنة للإستحواذ على المزيد من المؤسسات. وإمتيازاتها.
ويبدو ان مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع الحسيني هو من باشر بزج مركزه في مهام غيره، عندما أوحى في تحركاته وتصريحاته ان مركزه مسؤول عن " المشروع العراقي للطاقة الذرية للإستخدامات السلمية"، الذي هو مهمة هيئة الطاقة الذرية العراقية..
علماً بان السيد العبودي،يشغل منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجيا ورئيس هيئى الطاقة الذرية العراقية، لا لمؤهلاته العلمية، فهو مهنياً لا علاقة له بعلوم الطاقة، وتحديداً الطاقة الذرية وإستخداماتها السلمية، ولا بالفيزياء النووية، ولا بعلوم البيئة والصحة، ولا بالطب الذري، ولا بالإشعاع وسميته وأضراره البيولوجية، وإنما سياسة الصدفة هي من فرضته، بينما هو حاصل على شهادتي "الماجستير" و"الدكتوراه" باللغة العربية من "الجامعة الإسلامية في لبنان" المشبوهة.
وعدا هذا، فان رئاسته لهيئة الطاقة الذرية ليست شرعية، لأنه لا يمتلك المؤهلات المطلوبة، مخالفاً قانونها رقم (43) لسنة 2016، الذي أقره مجلس النواب وصادق عليه رئيس الجمهورية، حيث نص ان يكون رئيسها حاصلا على شهادة دكتوراه، في الأقل، في الاختصاصات العلمية او الهندسية، وله عدد من البحوث المنشورة في المجلات العالمية والمؤتمرات في مجال اختصاص الهيئة. وان تكون له ولنائبيه خبرة لا تقل عن (20) سنة في مجال اختصاص الهيئة..
وإقتراناً بذلك، لا يفوتنا ان نتساءل: متى إستيقظت "هيئة الطاقة الذرية العراقية" من سباتها العميق، حيث لم نشهد لها أي نشاط يذكر طيلة سنوات طويلة ؟
وهل مهمتها الأساسية "الإستخدامات السلمية للطاقة الذرية"، ضمن إختصاصها، كما ينص عليه قانونها،..أم هي "إزالة التلوث الإشعاعي في المحافظات العراقية " ؟
وإذا الهيئة ستقوم بإزالة التلوث الإشعاعي، فماذا ستفعل الجهات الأخرى المسؤولة عنه، إختصاصاً وقانوناً ؟
ويبدو ان التداخل في المهمات هو الذي أربك تنفيذ "الخطة الوطنية " المطروحة، وعدم كشف أي جهة عن تفاصيلها، بينما أوحت تصريحات المسؤولين بجلاء ثمة تسابق فيما بينهم، وإستباق للإحداث، ليست واضحة دوافعه.

وإرتباطا بذلك، ثمة تساؤلات عديدة أخرى:
* هل يصح إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي قريباً ، والتلوث الإشعاعي ما يزال موجود وبدرجات عالية في مناطق عديدة في عموم العراق ؟!!
* الموقف يوحي وكأن المناطق الملوثة الباقية، والتي تنتظر المعالجة، ليست محسوبة كمناطق عراقية !!
* ألم ينوه الحسيني بأن " أكثر المواقع تلوثا في البلاد والتي تحتاج إلى جهد كبير لإزالته ، هما موقعا (عداية) و(الجزيرة) في نينوى، وهما عبارة عن مطمر دفنت فيه مواد مشعة ("الصباح"،1/3/2023) ؟.
* وألم يكرر بان " العمل جار على معالجة المواقع المتبقية في محافظات نينوى والأنبار وبغداد وصلاح الدين " ("الصباح"،23/4/2024) ؟!!.
* فلماذا، ولمصلحة مَن إستباق الأحداث ، والتعجيل بإعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي؟!!
* أليس الأولى والأهم إنجاز المهمة تماماً ، ومن ثم التباهي بالإنجاز ؟

إهمال وتقصير ولا محاسبة

التلوث الإشعاعي في العراق واقع قائم منذ 43 عاماً، وناجم بالأساس عن قصف (مفاعل تموز) في التويثة، في عام 1981 من قبل إسرائيل، وقصف أرجاء العراق، خلال حربين مدمرتين، في 1991 و 2003، بإسلحة جديدة، في وقتها، مصنعة من نفايات نووية خطيرة، إستخدمتها القوات الأمريكية وحليفاتها ، لأول مرة ضد العراق، وجعلت شعبنا يعيش، ومن بعده شعوب صربيا وكوسوفو والبوسنة وأفغانستان وسوريا وليبيا، وغيرها من الدول التي إستخدمت ضدها ذخائر اليورانيوم، محنة الحرب وتداعيات إستخدام تلك الأسلحة الفتاكة.

وقد كشف العلماء المستقلون الكثير من طبيعة أسلحة اليورانيوم وسميتها الكيميائية والإشعاعية وتأثيراتها البيولوجية الخطيرة.وسلطت العشرات من الدراسات والبحوث والمئات من المقالات والتقارير العلمية، الضوءعلى الكارثة البيئية والصحية والإجتماعية الناجمة عن إستخدام أسلحة اليورانيوم المشعة.
بيد ان الحكومات العراقية المتعاقبة وأجهزتها المعنية لم تهتم جدياً بالمشكلة وأبعادها الخطيرة، بل وأهملتها بكل صلافة، مثلما أهملت كل المبادرات والمشاريع والمقترحات الحريصة.وظلت عاجزة تماماً عن إيقاف تفاقمها. وضحية التقصير والأهمال مئات اَلاف الصحايا الأبرياء، والمسؤولين المقصرين والمهملين ام يحاسبهم أحد !!
ما العدد الحقيقي للمواقع الملوثة بالإشعاع وتلك التي نُظفت منه ؟

لمسنا في تصريحات المسؤولين عدم دقة بشأن المواقع الملوثة بالإشعاع المتبقية وتنتظر المعالجة. وبصراحة، لسنا مقتنعين بأنها 10 فقط - كما أعلن د. الحسيني.ومبررات عدم القناعة ان الحسيني لم يأت في تصريحاته على ذكر التويثة، المسماة: "تشرنوبيل العراق"، وهي تضم 18 منشأة نووية مضروبة وشديدة الإشعاع.. فلماذا لم يذكرها ؟!!
وفي الوقت الذي أعلن فيه برنامج الأمم المتحدة للبيئة ان المناطق الملوثة بالإشعاع تتجاوز الألف، أعلنت ةزارة البيئة أنها 350 موقعاً.أنظر:
UNEP ,Assessment of Environmental “Hot Spots” in Iraq, First published in Switzerland in 2005.. ISBN 92-807-2650-1
وعدا "عداية" و"الجزيرة" في محافظة نينوى، توجد الكثير من المناطق الملوثة منتشرة في البلاد.،مثل: " مقبرة طريق الموت" (صفوان- البصرة) التي توجد فيها أكثر من 1500 آلية للجيش العراقي مضروبة بذخائر اليورانيوم، وهي مطوقة، لكنها مكشوفة، وإشعاعاتها تتطاير وتنتقل بالريح الى المناطق المحيطة بها، وحتى الى عشرات الكيلومترات.
وتؤكد وسائل إعلام عراقية وأجنبية وجود مواقع أخرى ملوثة بالإشعاع، في الخميسية بذي قار، وحوران غربي الأنبار، والدولاب ببابل، والوركاء بالمثنى، ومنطقة تجمع السكراب بعويريج، بالإضافة الى مواقع في صلاح الدين، وكركوك، ودهوك، والسليمانية، وكميت وبيجي، والنهروان، والطارمية، والزعفرانية، والتاجي، وموقع سكراب المنطقة الصناعية، وغيرها..

موقف شعبي رافض

يبدو ان "الخطة الوطنية " المطروحة لم تراع المصلحة العامة للمواطنين، والدليل أنه مع " قرب إعلان ذي قار خالية من الإشعاع" إنطلقت حملة شعبية رافضة لطمر المخلفات المشعة في صحراء الناصرية. وتدور معركة ضمن الجدل الدائر بين الاوساط الشعبية والنخب الثقافية والاكاديمية من جهة، وحكومة ذي قار، من جهة اخرى، وسط تزايد مخاطر الاصابة بالأمراض السرطانية التي تعد المواد والملوثات المشعة المستهدفة بذخائر اليورانيوم "المنضب"، احد ابرز اسباب الاصابة بها-كما يؤكد الأطباء هناك. ويخشى المعارضون لطمر المخلفات المشعة من ان تتحول محافظة ذي قار الى مكب لمخلفات المحافظات الاخرى، وهو ما يفاقم الاضرار الصحية والاقتصادية الناجمة عن ذلك. حيال هذا، إضطرت الحكومة المحلية ومديرية بيئة ذي قار، تقديم توضيحات، أكدتا فيها " ان محجر طمر المواد المشعة نظامي،وخاص بالملوثات العائدة للمحافظة فقط، ولا يشكل خطرا على حياة المواطنين" ("المدى"،12/5 /2024)..وقد أخبرنا زملاء يعملون في الناصرية بان عوائل محافظة ذي قار لا تصدق التوضيحات المذكورة، ولا تثق بإعلان محافظتهم خالية من الإشعاع قريباً، ولا حتى بعد سنوات..
فما هو رد المسؤولين المتنفذين ؟!!
وما يزال البحث جارياً عن الوسائل

طيلة عقدين ولغاية تشرين الثاني 2023 والجهات المعنية تبحث عن وسائل اَمنة للتخلص من النفايات المشعة. ومن ضمن البحث الزيارة التي قام بها فريق فني من مركز الوقاية من الإشعاع الى المنشآت الفرنسية للتخلص النهائي من النفايات المشعة. ضم الفريق مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع، والمنسق الوطني لمشروع التعاون التقني مع الإتحاد الأوربي، وفريق فني متخصص من ملاكات مركز الوقاية من الإشعاع،يشارك في الزيارات العلمية الى مواقع ومنشآت التخلص النهائي من النفايات المشعة الفرنسية-كما أعلن مركز الوقاية من الإشعاع في 20/11/2023.
والسؤال: إذاً، كيف تم تنظيف المواقع التي أُعلن عن تنظيفها من التلوث الإشعاعي قبل الزيارة ؟!!

خطط وإجراءات رسمية .. منسية

نكرر ما قلناه بانه ليس جديداً إعلان الجهات المسؤولة في عام 2023 عن "خطة وطنية لمكافحة التلوث الاشعاعي في البلاد".فهو ليس المرة الأولى، وإنما سبقه إعلانات أخرى عديدة، ومنها:
في عام 2005، أعلنت وزارة البيئة عن "خطة وطنية" مماثلة، وأكدت أنها: " تتضمن اجراء المسوحات الاشعاعية للمناطق المقصوفة عامة، والمناطق الملوثة باليورانيوم المنضب خاصة،وأخذ عينات من التربة والماء والحشائش لفحصها، فضلاً عن ازالة آثار التلوث من المناطق الملوثة " ("الصباح"،26 /8/2005).. ولم تعلن ما الذي أُُنجزَ منها، ولا أين صارت..
وفي عام 2006 قرر مجلس الوزراء تجميع الحديد السكراب المضروب في الحرب، من كافة المناطق العراقية، ونقله الى (مصنع الحديد والصلب) في البصرة.. إنتقدنا القرار في وقته، في مقال لنا في مجلة "البيئة والحياة" التي تصدرها وزارة البيئة (العدد الثامن،أيلول 2006)، وحذرنا من خطورة هذه العملية على العاملين في تجميع السكراب، وفي إعادة تصنيعه، ولاحقاً على مستخدميه. ونبهنا بان العلم يؤكد بان إشعاع اليورانيوم "المنضب" لن يزول حتى بعد صهر الحديد الملوث به..
لم تأخذ الحكومة،كالعادة، بتحذيرنا، وحصل ما حذرنا منه، حيث أكدت تقارير طبية وتحقيقات صحفية إستقصائية إصابة المئات من عمال وموظفي المصنع بالسرطان، ومات العشرات منهم.. وبعد فوات الأوان تم إيقاف العمل في المصنع.وبعد 10 سنوات على غلقه، أعلن مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع:" تم تنظيف المصنع من الإشعاع " ("Independent عربية"، 27/8/2022 ).. ولم يوضح كيف تم تنظيفه، وبأي طريقة، ولماذا طالت العملية 10 سنوات ؟!!
وبعد ثلاث سنوات،ذكر رئيس الباحثين في دائرة المواد الخطرة في وزارة العلوم والتكنولوجيا عدنان حسن ان هناك مقترحات لتقليل التلوث الأشعاعي، منها تشكيل مديرية متخصصة لمعالجة وتصفية المخلفات المشعة، وفريق من الباحثين المختصين لتقديم مشروع أستثماري بهذا المجال، وتقديم خطة مستقبلية خاصة بالمفاعلات المشعة ("واع"،16/2/2009)..
لاحظ عزيزي القارئ أنه لحد ذلك التأريخ لم توجد مديرية متخصصة بمعالجة وتصفية المخلفات المشعة. ولم يكن هنالك فريق متخصص لتقديم خطة مستقبلية خاصة بالمفاعلات المشعة، بينما كان المسؤولون يتحدثون عن "خطط" و"برامج" و"جداول زمنية"..
وفي عام 2011، ذكر مدير علاقات البيئة الدولية في وزارة البيئة لؤي صادق المختار بأن الوزارة حددت 4 مواقع جغرافية لدراستها ومعرفة إمكانية استخدامها لطمر النفايات الخطرة، واختيار موقع واحد من بينها، لتجهيزه بالشكل الذي يتناسب مع طبيعة هذه المواد"("أنباء المستقبل"، 25/5/2011).
ومرت 12 سنة ولا يوجد موقع رسمي محدد لهذا الغرض. أكد ذلك مؤخراً الوكيل الفني لوزارة البيئة د. جاسم الفلاحي، في مقابلة تلفزيونية معه، مُعلناً ان جميع مطامر النفايات في العراق لم تستحصل الموافقة الأصولية الرسمية (" الشرقية نيوز"، برنامج: "حوار مع زينب ربيع"،13/5/2024)..
فماذا يعني ذلك غير فشل الإدارة البيئية في معالجة هذه المشكلة !!
وفي شباط 2015 أعلنت وزارة البيئة :" انتهائها من إعداد الخرائط الخاصة بالمواقع الملوثة بالإشعاع في مناطق جنوب العراق".وإعتبرته " انجاز يُعتبر المرحلة قبل النهائية لغلق ملف المواقع الملوثة بالاشعاع بشكل نهائي وحسب الجدول الزمني"( السومرية نيوز"،9/2/2015)..
ولعل الأضرب هو إعلان الوزارة بأن " العام 2015 سيشهد الانتهاء من ملف المواقع الملوثة بالاشعاع " ("إينا"،22/1/2015).. ولم يحصل ذلك طبعاً !.. بينما أعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا، بعد قرابة الثلاثة أشهر:" ان عدد المواقع الملوثة في العراق يبلغ 40 موقعا، اغلبها في محافظة البصرة، وان طمر النفايات المشعة سيكون في مواقع مؤقتة لمدة تصل الى 15 عاما، وان تلك المواقع ستكون حصينة، مع ضرورة استمرار مراقبتها ("طريق الشعب"،28/5/2015)..
فأين صار "الإنجاز" السالف ؟!!

مجلس النواب يدخل على الخط

في عام 2018، إستندت دراسة لمجلس النواب الى إفادات مدير عام دائرة البيئة ومعاونه، اللذين تحدثا "بألم وحزن عميقين عن حجم المأساة التي تمر بها البيئة العراقية نتيجة عدم التدوير الصحيح للمخلفات ومعالجة النفايات، وخصوصاً في مدينة بغداد وضواحيها ". وأكدا بان "الآليات الموجودة لطمر وحرق المخلفات والنفايات لا زالت متأخرة وكلاسيكية الى حد كبير".وحذرا من وقوع كارثة بيئية كبيرة على سكان مدينة بغداد ما لم يتم ايجاد حلول ومعالجة سريعة للمناطق والبنايات التي ضربت من قبل القوات الامريكية، التي لازالت مليئة بمخلفات اليورانيوم "المنضب".وأشارا الى ان الحديد المضروب تم نقله الى كردستان، ومن ثم اعادته ( حديد تسليح ) للبناء، وتم بيعه الى بغداد وبقية المحافظات، وهو ملوث باليورانيوم. وقالا: "ان هذه كارثة بعينها سببت الاف الامراض السرطانية والتشوهات الخلقية والاسقاطات والاجهاض وقلة الانجاب والعقم "..
ولمعالجة المشاكل القائمة دعت دراسة مجلس النواب الى عقد مؤتمر وطني يرعاه مجلس النواب للوقوف على كل المشاكل العالقة. وتشكيل لجنة تسمى ( اللجنة العليا لمعالجة آثار التلوث الاشعاعي) ضمن تشكيلات وزارة العلوم والتكنولوجيا، تضم ممثلين من بقية الوزارات المعنية (البيئة، الصحة ، البلديات والاشغال العامة،والامانة العامة لمجلس الوزراء) تتولى عملية حصر تأثير اليورانيوم "المنضب"، واقتراح المعالجات اللازمة لتقليل أثره.وان تتالف ادارة هذه اللجنة من ذوي الاختصاص والخبرة، وتكون بعيدة عن المحاصصة والتدخلات السياسية.. ولم يتحقق ما أوصت به، ولم يتابعه أحد..

ميزانية بائسة

بعد جهود مضنية، دامت عامين، خصص مجلس الوزراء مبلغاً بائساً لتنفيذ البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي في عموم البلاد، وقال مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع في اَذار2023 إن وزارة البيئة "نجحت باستحصال موافقة مجلس الوزراء على تخصيص أربعة مليارات و929 مليون دينار لإنجاز البرنامج المذكور". وأكد بأن "هذه الموازنة ستسهم بتنفيذ جميع الأنشطة والمشاريع المحددة ضمن البرنامج الوطني لإزالة التلوث الإشعاعي" ("الصباح"،2023/3/1).
لاحظوا.. بجهود مضنية تستحصل وزارة البيئة على قرابة 4 ملايين دولار لتنظيف العراق من التلوث الإشعاعي، ولتخليص الشعب العراقي من سيف الإشعاع المسلط على رقابه والمدمر لصحة وحياة أجياله، بينما هُدِرت، ونُهِبت مليارات الدولارات من خزينة الدولة وأموال الشعب، من قبل المافيات واللجان الأقتصادية للأحزاب المتنفذة ومليشياتها المسلحة، وتُنفق شهرياً ملايين الدولارات على حمايات المسؤولين والنواب، وملايين أخرى على المستشارين ووعاظ السلاطين،وثالثة على الفضائيين، ورابعة على الرفحاويين، وخامسة على الوقفين الشيعي والسني،اللذين بلغت مخصصاتهما السنوية أضعاف مخصصات وزارات الصحة والبيئة والتربية والزراعة والصناعة، مجتمعة.

ويتواصل "إعداد" اَليات التنفيذ وتشكيل الفرق

بعد كل ما أعدته ونشرته الجهات المسؤولة من "خطط" و"إجراءات"، واصلت وزارة البيئة لغاية تموز 2022، حديثها عن "إعدادها لآليات تنفيذ الخطة الوطنية لازالة التلوث الاشعاعي".وكانت قد تمت خلال اجتماع عقدته لجنة الامر الديواني 26 لسنة 2021، برئاسة المستشار حامد الباهلي عضو هيئة المستشارين في رئاسة مجلس الوزراء، مناقشة اخر المستجدات بشان ازالة التلوث الاشعاعي، واعداد اليات تنفيذ خطة لازالته. كما ناقش المجتمعون آليات توفير التخصيصات المالية اللازمة لتنفيذ كامل البرنامج.ووافقت الامانة العامة لمجلس الوزراء على ادراجها ضمن موازنة عام 2022 ("نينا"،6/7/2021).
وبعد أكثر من 4 أشهر، أعلن د.الحسيني بإن مركزه " سيقدم الخطة الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لإقرار موازنة الفريق المكلف بتخليص العراق من آثار التلوث الإشعاعي، لا تتعدى الـ4 ملايين دولار"..
تُرى، هل من المعقول تنفيذ أنشطة ومشاريع برنامج أزالة الأشعاع بمبلغ 4 ملايين دولار ؟ والحسيني نفسه أعلن: "لشركات الأجنبية يمكن أن تكلف العراق 500 مليون دولار في حال قامت بمسح إشعاعي لمحافظة واحدة" (" الصباح"،27/11/2021)
وفي نفس الشهر، أعلن د. عبد الكريم الفيصل رئيس هيئة المستشارين في رئاسة مجلس الوزراء عن "تشكيل فريق وطني لإزالة الملوثات الإشعاعية من جميع مناطق العراق"، وذلك بأمر من رئيس الحكومة، مؤلف من 4 جهات حكومية هي: وزارتا التعليم العالي والبحث العلمي والعلوم والتكنولوجية والبيئة، ممثلة بمركز الوقاية من الإشعاع، وهيئة المستشارين.وان الخطة تنطلق من محافظة البصرة التي تضم أكثر من 28 موقاً ملوثاً بالإشعاع. جاء ذلك في برنامج تلفغزيوني لـ "الحرة عراق"، في 24/ 11/ 2021، شارك فيه الحسيني عن وزارة البيئة، مع د. حامد الباهلي عضو لجنة المستشارين التابعة لمجلس الوزراء و د.عقيل مريوش المشرف على تشكيلات النشاط النووي في العلوم والتكنولوجيا والمنسق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وناقشوا " الخطة الوطنية الحكومية لإزالة التلوث الإشعاعي"
وفي تموز 2022،اعلنت وزارة البيئة، مرة أخرى، "إعدادها آليات تنفيذ الخطة الوطنية لازالة التلوث الاشعاعي "("إينا"،6/7/2021 ). وليس واضحاً فيما إذا إنتهت تماماً مهمة الإعداد لحد اليوم.

لا تفاصيل وافية ولا ضمانات مكفولة

بالعودة لـ"الخطة الوطنية لإزالة التلوث الإشعاعي في العراق"، التي أقرّها مجلس الوزراء، وحدد فيها ادوار الجهات الوطنية المسؤولة عن الخطة، وتوفير مستلزمات إنجاحها لتحقيق الهدف منها- "اعلان العراق خاليا من اثار التلوث الاشعاعي باليورانيوم "المنضب"، وازالة اثاره عن البيئة والانسان ، في سعي حكومي جاد لمعالجة هذه الاثار"("إينا"،21/1/2024).
لم نجد للخطة تفاصيل وافية متاحة للعامة.و هذه سلوكية سلطوية ممنهجة تُمارس طيلة العقدين المنصرمين من قبل غالبية أجهزة الدولة لتحريم الوسط العلمي العراقي من المشاركة بالإطلاع والمناقشة والإغناء..وكل ما عرفناه عنها هو ما أعلنه مركز الوقاية من الإشعاع من أنه " تم تبنيها في كانون الثاني 2024"، وان مديره العام "إجتمع مع ممثلي هيئة المستشارين في مجلس الوزراء، ومديرية ادارة النفايات بهيئة الطاقة الذرية، والهيئة العراقية للسيطرة عن المصادر المشعة، وبحضور مدراء الاقسام للمركز، لـ"مناقشة تحديث الخطة في عموم المحافظات العراقية"(المصدر السابق)..
ولم يوضح المركز أوجه التحديث..
وفي 20/3/2024،أعلن مركز الوقاية من الإشعاع ان مديره اجتمع مع خبراء الوكالة الدولية للطاقة الذرية ، بحضور ممثلي عن الهيئات الرقابية والتنفيذية الوطنية المعنية بإدارة هذا الملف، وتم الاتفاق على تعزيز ودعم القدرات الوطنية في مجال تطوير قدرات ادارة ومعالجة النفايات المشعة والتخلص منها وفق احدث التقنيات العالمية، وتصفية المنشآت النووية العراقية، وذلك من خلال برامج التعاون التقني مع الوكالة الدولية ..
وان مسؤول برامج التعاون التقني لجمهورية العراق في الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخبراء في الوكالة الدولية أكدوا "على تسخير الامكانيات الدولية من اجل دعم العراق في هذا المجال"..
ولم يتضح ما هو الجديد في هذا الموضوع الذي يجري تناوله طيلة 16 عاماً، ولم تنته إزالة الإشعاع.
وفي نيسان 2024، أُعلن بان " العراق يؤشر خلو 59 موقعاً من التلوث الإشعاعي"، و" خلو الهواء من اي ملوثات إشعاعية- وفق البيانات المسجلة". وأعلن المدير العام لمركز الوقاية من الإشعاع: "لا توجد مساحات واسعة ملوثة بالإشعاع في العراق، وإنما بقيت 10 مواقع فقط تتراوح مساحتها بين (20 - 25) دونماً في عموم البلاد" ("الصباح"،4/4/2024)..
إذا بقيت حقاً 10 مواقع فقط،فلماذا إذاً الإستعجال بإعلان العراق خالياً من الإشعاع ؟
أليس الأولى والأهم إنجاز المهمة أولآ وبعدئذ التباهي وبحق بالإنجاز ؟
وأين هي الضمانات الأكيدة لإنجاز المهمة قريباً وكلياً ؟

إعلان خلو البصرة من الإشعاع أكثر من مرة

أسلفنا بأن مركز الوقاية من الإشعاع كان قد نفى في تقريره لشهر حزيران 2010 وجود أي تلوث إشعاعي في عموم العراق.. وفي عام 2021 تم إعلان " خلو البصرة من التلوث الإشعاعي". ولم يكن هذا الإعلان الأول، وإنما سبقته إعلانات عديدة. وفي أيلول 2021،أعلنت الحكومة العراقية خلال مؤتمر في البصرة عن خلو محافظة البصرة من التلوث الإشعاعي باليورانيوم المنضب" (Indipendent" عربية" ،27/9/2021).وفي تشرين الثاني أعلنت وزارة العلوم والتكنولوجيا:"إزالة ومعالجة التلوث الإشعاعي في البصرة " (" الفنار للإعلام"،13/11/2021)..
والمفارقة انه بعد عدة أيام أعلن رئيس هيئة المستشارين عن: " تشكيل فريق وطني لإزالة الملوثات الإشعاعية من جميع مناطق العراق، وأن الخطة تنطلق من محافظة البصرة". وفي نفس اليوم أعلن مدير مركز الوقاية من الإشعاع "خلو البصرة تماماً من الإشعاع "(" الحرة عراق"،24/11/2021).
وفي اَذار 2022 نفت وزارة البيئة من جديد وجود تلوث إشعاعي في العراق (" المدى"،9/3/2022)، وفي نيسان 2024،أعلن المدير العام، للمرة الثالثة:" خلو محافظة البصرة من الإشعاع بعد أن كانت أكثر المحافظات تلوّثاً به " ("الصباح"،23/4/ 2024).
وهنا تطرح نفسها التساؤلات التالية:
* مَن نُصدق من البيانات المذكورة ؟!!
* مَن مِن التواريخ التالية: أيلول 2021 ، تشرين الثاني 2021 ، نيسان 2024، هو تأريخ إعلان البصرة " نظيفة تماماً من الإشعاع " ؟!!
* وكيف، أي بأي اَلية نُظِفت المحافظة كلياً ؟
* وكم هو العدد الحقيقي للمواقع التي تم تنظيفها في البصرة ؟.. إذ يقول مركز الوقاية من الإشعاع هي 23 موقعاً، وتقول "الحرة عراق" 28، ويؤكد أحد الخبراء البصراويين ان مجموع المواقع الملوثة بالإشعاع في البصرة هي أكثر من 105 مواقع..
وذات الشيء ينطبق على الأعداد الحالية للمناطق الملوثة بالإشعاع في عموم البلاد. فمرة يقولون46 ومرة 36 ومرة 40، الخ. بينما أكد مسح جوي لفريق علمي أجنبي وجود أكثر من 140 موقعاً في 7 محافظات. ومؤخراً أشر مركز الوقاية من الإشعاع: " خلو 59 موقعاً ملوثاً بالإشعاع في البلاد"(" الصباح" ،4/4/2024). .
فماذا يعني هذا التناقض في الأرقام ؟

إستنتاجات سابقة لأوانها وأخرى ليست علمية

في البرنامج التلفزيوني " بالعراقي" لـ"الحرة عراق"، أقر مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع : " إتشار حجم التلوث الإشعاعي الناجم عن إستخدام أسلحة اليورانيوم "المنضب،" وتزايد عدد ضحاياه المصابين بالسرطان". لكنه إستدرك: " الآن نستطيع القول ان الآثار المستقبلية للإشعاع توقفت تماماً، وما حدث حدث..". وطرح أيضاً: " تأثيرات إشعاع اليورانيوم المنضب هي شائعات مقصودة إقتصادياً ضد البصرة ، لان اليورانيوم لا ينتقل بالهواء ولا بالغذاء"..
لا نعلم ما هو إختصاص المدير، الذي كان "يستنجد" بالدكتور الباهلي ليؤيد صحة إستنتاجاته، بشأن اليورانيوم "المنضب" وأضراره، والتي كانت متناقضة ،وليست علمية.ولعل أخطرها:"توقف" الآثار المستقبلية للإشعاع تماماً !! مخالفاً العلم، الذي يؤكد ان التأثيرات البيولوجية لسمية اليورانيوم "المنضب" تستمر 4.5 مليار سنة،والواقع العراقي،حيث تتضاعف أعداد ضحاياه. وهو نفسه أقر بـ " تزايد عدد ضحاياه المصابين بالسرطان"!!.
ونضيف أن أمين عام مجلس السرطان في العراق د. تحسين الربيعي أكد تسجيل 39 ألف إصابة جديدة بمرض السرطان في عام 2022 (" واع"، 2024/3/19).. ونفس الأرقام كانت تقريبا في أعوام 2017- 2023.. فكيف " توقف تأثيره". ومركزه نفسه رد عليه بإعلانه : ان هدف ا"لخطة الوطنية اعلان العراق خاليا من اثار التلوث الاشعاعي باليورانيوم المنضب وازالة اثاره عن البيئة والانسان" ("واع"،21 /1/2024).
نعتقد ان مثل هذه الطروحات تدلل على عدم دراية أو قلة معرفة بالمستجدات العلمية ذات العلاقة بطبيعة اليورانيوم "المنضب"،وبسميته الكيميائية والإشعاعية وأضرارها البيولوجية.. نقترح مطالعة 3 أوراق بحثية لنا منشورة في مجلة " الثقافة الجديدة" الغراء، مكرسة لهذه الموضوعات، وغنية بالمصادر العلمية الرصينة، أدناه روابطها:
1- ذخائر اليورانيوم المنضب ..مستجدات علمية، العدد المزدوج 353-354،تشرين الثاني 2012، 45
https://althakafaaljadeda.net/index.php/pdf-magazine/141-353-354-2012
2-ضوء على السمية الأشعاعية والكيميائية لليورانيوم المنضب، العدد 380، كانون الثاني 2016، 53
https://althakafaaljadeda.net/index.php/pdf-magazine/122-380-2016
3-تجاهل أثر أسلحة الحرب ودورها في الكارثة البيئية والصحية في العراق.. خيانة علمية ووطنية !، العدد 382، اَيار 2016، ص45 https://althakafaaljadeda.net/index.php/pdf-magazine/120-382-2016

فضيحة بجلاجل

المزاعم السالفة تنطوي على مخاطر إهمال متابعة التلوث الإشعاعي وضحاياه، لاسيما وثمة تخبط جلي في بيانات المركز العتيد. فبعد الإعلان عن تشكيل الفريق الوطني لإزالة الملوثات الإشعاعية، نفت وزارة البيئة وجود تلوث إشعاعي في العراق (" المدى"، 9/3/2022). مكررة نفي مركز الوقاية من الإشعاع في تقريره لشهر حزيران 2010 "خلو هواء وتربة ومياه العراق من أي تلوث إشعاعي"..
والفضيحة المجلجلة اَنذاك هي أنه قبل نفي المركز بنحو ثلاثة أشهر، نُشرت في لندن دراسة عراقية رسمية شارك فيها مع وزارتي العلوم والتكنولوجيا والصحة،أكدت وجود أكثر من 40 موقعاً في العراق ملوّثة بمستويات عالية من الإشعاع والسموم، 25 بالمائة منها تقع داخل أو بالقرب من المدن والبلدات الكبيرة،التي تنتشؤ فيها نسب متزايدة للسرطان، والعيوب الخلقية. وتحتوي ساحات الحديد المضروب، من مخلفات اليورانيوم "المنضب" الذي استخدمت ذخائره الحربية خلال حربي 1991 و 2003.، في بغداد والبصرة وحولهما، على مستويات عالية من الإشعاعات الخطرة، راجع:
Iraq littered with high levels of nuclear and dioxin contamination, study finds, By Martin Chulov in Baghdad, The Guardian, UK, 22 January 2010
المفارقة الجديدة، أنه بعد النفي الثاني في اَذار 2022 بـ 4 أشهر،اعلنت وزارة البيئة، مرة أخرى "إعدادها آليات تنفيذ الخطة الوطنية لازالة التلوث الاشعاعي " ("نينا"،6/7/2022).وفي اَب 2022، أعلنت عن "الخطة الوطنية لإزالة التلوث الإشعاعي"..
والمفارقة الأخرى،أنه في نفس اليوم أعلن د.الحسيني أن "ملف اليورانيوم اُختتم في محافظة البصرة"، وأضاف:" أن الخطة بدأت من محافظة البصرة وميسان، ومن المؤمل خلال إسبوع الانتقال إلى محافظة المثنى، وبعدها إلى ذي قار والأنبار"، منوهاً "ان الملف الأصعب والذي يحتاج إلى جهد كبير هو مدينة الموصل، فهناك موقعان يحتويان على مطامر دفنت فيها المواد المشعة وقامت داعش عند إحتلال الموصل بتنقيب المنطقة وبعثرة ما فيها ("الصباح"،16 /8/2022).

ما قام به حماة البيئة ويريدونه

بالضد من موقف حكومات المحاصصة والفساد،التي أهملت وتجاهلت التلوث الإشعاعي في العراق طيلة 21 عاماً كمشكلة ساخنة وخطيرة، يشهد التأريخ لحماة البيئة العراقيين، وبينهم علماء وأكاديميون وباحثون وخبراء، أنهم أول من طالب مراراً وتكراراً، بالتحرك الفوري لإزالة مصادر التلوث الإشعاعي من البيئة العراقية.ونشروا الكثير من المعرفة العلمبة عن طبيعة ذخائر اليورانيوم " المنضب" كنفايات نووية خطيرة، وعن السمية الكيميائية والإشعاعية، والأضرار البيولوجية لإستخدامها. وحذروا من خطورة تجاهل المشكلة وإستمرار بقاء التلوث الإشعاعي على الصحة العامة والأجيال القادمة مع كل يوم يمر.
وفي نيسان 2009،أطلقوا حملة وطنية،عنوانها:"من أجل تنظيف البيئة العراقية من المخلفات المشعة وإنقاذ من بقى حياً من الضحايا "، وقد تحولت الى حملة عالمية، بإنضمام إليها المئات من العلماء والأكاديميين والخبراء والباحثين في الإشعاع والطب الذري، وفي تأثيرات التلوث الإشعاعي وتداعياته الصحية، من مختلف دول العالم. وقد طالبت الحملة المجتمع الدولي والأمم المتحدة ووكالاتها الدولية المتخصصة، ذات العلاقة بتقديم الدعم العاجل والمساعدة اللازمة للحكومة العراقية لإنجاز هذه المهمة الكبيرة..
وبجهود أكاديميين عراقيين نظمت الجامعة التكنولوجية في لوليو (Luleå) بالسويد، في عام 2011، ورشة عمل علمية عالمية، كُرِسَت لتخليص العراق من ركام الحرب الملوث باليورانيوم بطرق اَمنة وبأقل التكاليف. وأُرسلت اللجنة المنظمة وثائق الورشة الى كافة الجهات العراقية المعنية، وإستلمتها..

المُعيب والمُريب ان كافة الجهود التي بذلت والمبادرات الحريصة التي قدمت، من داخل العراق وخارجه، جوبهت بالأهمال الفج من قبل الجهات المعنية، ولم تكلف نفسها ولو بالإطلاع على مضامينها.
وفوق هذا، إتخذت إدارة مركز الوقاية من الإشعاع ، بقيادة بشري علي أحمد، موقفاً لامهنياً ولاوطنياً ولاإنسانياً،عندما وقفت، بوعي أو دون وعي، في صف البنتاغون وأبواقه في سعيهم المحموم لـ" تبرئة " جريمة إستخدامه وحلفائه لأسلحة اليورانيوم الفتاكة، في حربين مدمرتين على العراق، مجسدة موقفها بالإنكار والتعتيم والتستر وتشويه الحقائق المتعلقة بحجم التلوث باليورانيوم "المنضب" وتداعياته الخطيرة، وتوجته بفضيحة مجلجلة- كما أسلفنا
ولقد أعلنت وزارة البيئة ومركزها العتيد عن العديد من "الخطط الوطنية" و "المشاريع " ذات العلاقة بالتلوث الإشعاعي، دون نشر تفاصيل وافية عنها، ولا عن "إنجازها "، بينما واصلت محنة المواطنين ضحايا الإشعاع تفاقمها،وهي خير دليل على فشل المتنفذين.

إرتباطاً بكل هذا، وغيره، يحق لحماة البيئة العراقية إبداء عدم القناعة،وحتى عدم الثقة، بتنفيذ " الخطة الوطنية لإزالة التلوث الإشعاعي" المطروحة، كلياً، ولا " بقرب إعلان خلو العراق من الإشعاع تماماً". ومن حقهم ان لا يشاركوا المتحمسين تفاؤلهم وهو يتحدثون عن " النسب المتقدمة التي حققتها "، والتي لا تخلو من مبالغة، وليست واقعية، وتوحي بإستباق للأحداث.
كما ولا يتفقون مع الطروحات غير العلمية، والتي تتعارض وألمستجدات العلمية لليورانيوم "المنضب " وخطورته بوصفه نفايات نووية خطيرة .

لا شك ان المهمة المطروحة مهمة كبيرة، طال إنتظارها، وشابها الكثير من الإهمال والتقصير. من غير المعقول إنجازها خلال أشهر وأيام، وبميزانية بائسة. فكل هذا يعطي المبرر للتساؤل:
لماذا التعجيل، ولمصلحة مَن، إعلان " خلو العراق من التلوث الإشعاعي" بهذه الطريقة المشكوك فيها ؟
وبصراحة، ان تجربة العقدين المنصرمين لم تشجع على التفاؤل، الأمر الذي يتطلب الأخذ بالنقد الموضوعي البناء كوسيلة للتقويم والتطوير، لا إعتباره "إستهانة"، أو لـ " تثبيط " العزائم المخلصة والحريصة..
مرد التشاؤم هو التجارب المريرة، والممارسات الصادمة التي عشناها طيلة عقدين كاملين في ظل منظومة المحاصصة وتقاسم المناصب والإمتيازات، وما أنتجته من هيمنة للجهلة والفاشلين على مؤسسات الدولة، وتجلت، في المشكلة المطروحة، بسوء الإدارة البيئية، والتخبط، ولادراية بالمشاكل القائمة، وبتبعاتها، وسبل معالجتها..ففشل الأداريون غير الأكفاء بواجباتهم، فشلآ ذريعاً، وبالغوا بـ "إنجازاتهم" بالكذب الصلف.

كل ما يتمناه حماة البيئة العراقيين هو خلاص شعبنا الجريح من التلوث الإشعاعي القاتل ووضع حد لتبعاته الصحية الخطيرة،عاجلآ وحقاً وفعلآ. وإقتراناً بذلك لا يسكتون على الفشل والتدليس..
بذات الوقت، هم من أشد الداعمين للجهود العلمية والوطنية الخيرة المثمرة.
من هنا، فهم لا يتمنون الفشل للجهة التي ستنهض بإزالة التلوث الإشعاعي.. لكنهم ينبهون: الفشل حليف كل من يواصل السير على نهج الإدارة السابقة وممارساتها اللامهنية واللاوطنية، والتي فشلت بمعالجة الإشعاع المنتشر، وفاقمت من محنة ضحاياه، وفي مقدمتهم أطفالنا-عماد الحاضر والمستقبل.



#كاظم_المقدادي (هاشتاغ)       Al-muqdadi_Kadhim#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق(3)
- مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق(2)
- مشروع الطاقة النووية للأغراض السلمية في العراق (1)
- حكومة السوداني مدعوة للمطالبة بحق العراق المشروع
- الأزمة البيئية العالمية المتفاقمة أمام الدورة السادسة لجمعية ...
- أحفاد مانديلا يُعرّون جرائم إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
- إسرائيل تمثلُ صباح هذا اليوم أمام المحكمة الجنائية الدولية ع ...
- المؤتمر العالمي للمناخ وتطلعات الدول الأكثر هشاشة
- إعلان حالة طوارئ صحية عالمية.. مطلب اَني وملح !
- الوفد العراقي وأجندته لمؤتمر المناخ الأممي في دبي
- إنتفاضة تشرين حية وستستعيد وهجها
- قمة الطموح المناخي والآمال المعولة عليها
- مؤتمر دبي وتقييم الجهود الدولية لمكافحة التغيرات المناخية ال ...
- في الذكرى الثامنة والسبعين لكارثة أول إستخدام للسلاح النووي: ...
- مشكلة التغيرات المناخية ودور الأمم المتحدة في التصدي لها
- التغيرات المناخية في العراق واقع قائم ولا مبالغة فيه
- مؤتمر دبي وصندوق -الخسائر والأضرار- المناخية
- هل سيلبي مؤتمر دبي للمناخ الطموحات الأممية ؟
- لا لإستخدام أسلحة اليورانيوم -المنضب- من جديد ! ( القسم الرا ...
- لا لإستخدام أسلحة اليورانيوم -المنضب- من جديد !( القسم الثال ...


المزيد.....




- الولايات المتحدة تتجنب إغلاقاً حكومياً كان وشيكاً
- مقتل نحو 30 شخصا بحادث -مروع- بين حافلة ركاب وشاحنة في البرا ...
- السفارة الروسية في البرتغال: السفارة البرتغالية في كييف تضرر ...
- النرويج تشدد الإجراءات الأمنية بعد هجوم ماغديبورغ
- مصر.. السيسي يكشف حجم الأموال التي تحتاج الدولة في السنة إلى ...
- رئيس الوزراء الإسباني يجدد دعوته للاعتراف بدولة فلسطين
- -كتائب القسام- تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري
- السلطات في شرق ليبيا تدعو لإخلاء المنازل القريبة من مجاري ال ...
- علامة غير عادية لأمراض القلب والأوعية الدموية
- دراسة جديدة تظهر قدرة الحليب الخام على نقل فيروسات الإنفلونز ...


المزيد.....

- ‫-;-وقود الهيدروجين: لا تساعدك مجموعة تعزيز وقود الهيدر ... / هيثم الفقى
- la cigogne blanche de la ville des marguerites / جدو جبريل
- قبل فوات الأوان - النداء الأخير قبل دخول الكارثة البيئية الك ... / مصعب قاسم عزاوي
- نحن والطاقة النووية - 1 / محمد منير مجاهد
- ظاهرةالاحتباس الحراري و-الحق في الماء / حسن العمراوي
- التغيرات المناخية العالمية وتأثيراتها على السكان في مصر / خالد السيد حسن
- انذار بالكارثة ما العمل في مواجهة التدمير الارادي لوحدة الان ... / عبد السلام أديب
- الجغرافية العامة لمصر / محمد عادل زكى
- تقييم عقود التراخيص ومدى تأثيرها على المجتمعات المحلية / حمزة الجواهري
- الملامح المميزة لمشاكل البيئة في عالمنا المعاصر مع نظرة على ... / هاشم نعمة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر - كاظم المقدادي - ماذا وراء التعجيل بإعلان - خلو العراق من التلوث الإشعاعي- ؟!