أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق / 52 / التفاؤل المفرط وخيبات الامل














المزيد.....

مقولة وتعليق / 52 / التفاؤل المفرط وخيبات الامل


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8058 - 2024 / 8 / 3 - 13:03
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


ان التفاؤل المفرط والثقة الزائدة بالآخرين قد تفضي الى خيبات الامل والاحباط , وكان الفيلسوف الرواقي سينيكا يؤمن بأن ما يدفعنا إلى الغضب والتألم والإحباط من عدم استجابة القدر لما فكرنا فيه ورغبنا بتحقيقه على ارض الواقع ، هو التفاؤل المبالغ فيه، تجاه الحياة والأشياء ؛ اذ قال : (( إن ما يدفعنا إلى الغضب هي أفكارٌ تفاؤلية على نحو خطير بشأن ماهية العالم والناس )) والنصيحة الخطيرة اللي يسديها إلينا الفيلسوف الروماني سينيكا ؛ مفادها : "يجب ان نبقي في ذهننا احتمالية وقوع كارثة في أي لحظة ! ؛ حتى إنه وصف تفاؤلنا وحسن ظننا بالواقع، بأنه "براءة خطيرة" ... ؛ واكمل سينيكا رؤيته الفلسفية , قائلا : (( الطبيعة لم تخلق مكانا يتسم بالثبات… لا شيء مستقر , مصائر البشر، ومصائر المدن، في دوامة )) ويؤمن سينيكا بقوة؛ بأن الإيمان بهذا اللاثبات في الحياة ، يقلل إحباطنا أمام الأشياء إذا لم تحصل مثل ما نتوقع ... , فكلما كان الشخص أكثر تفاؤلا وحدث ما لم يتوقعه، كلما كان أكثر انهيارا وتأثرا والعكس صحيح ... , ولا يفهم من مقولة سينيكا الفلسفية الدعوة الى التشاؤم واليأس او العبثية , بقدر ما تدعو الانسان الى الاتزان والواقعية وعدم الانسياق وراء احلام اليقظة ومشاعر التفاؤل المبالغ فيه والزائد عن الحد الطبيعي , والدليل على صحة ما ذهبنا اليه , مقولته الشهيرة : ((لا تسمح لمجرد يوم سيئ أن يشعرك أن حيــــاتك سيئة )) بخلاف دوستويفسكي القائل : (( لا تسمحوا لمجرد يوم جميل أن يشعركم بأن لديكم حياة سعيدة، حياتكم جحيم وستبقى كذلك!! )) فالرجل ليس ظلاميا او تشاؤميا ؛ اذ كان يحارب الانفعالات ويدعو إلى لغة العقل المتزن، فالرجل الحكيم في نظره هو الذي يسمو على الغضب متجاوزاً تجارب الحياة القاسية ؛ وبما ان التفاؤل المفرط احد اسباب الغضب , فالأجدر بالمرء تجنبه ايضا , فمن كان يؤمن بكلام سينيكا لن يخاف من أي مرض أو كارثة أخرى لأنه يتوقف حدوثها اولا , ويعلم بطبيعة وحتمية هذه الامور والاحداث في الحياة ثانيا ؛،أما المتفائلون - المفرطون بالتفاؤل – والحالمون فلا عزاء لهم، لأنهم سوف يصدمون بحقائق الامور وقسوة الواقع ؛ وقد يتحول العالم بنظرهم الى غابة او كتلة من التناقضات... ؛ فهو عندما يدعونا الى عدم الافراط بالتفاؤل وتوقع الاحداث السيئة , لا يقصد من ذلك , ترك المرء للتفاؤل بصورة قطعية , وملازمة الشعور بالتعاسة بسبب توقع المصائب والبلايا , بقدر ما يدعو الى الواقعية والاستعداد النفسي والعقلي الكامل لكل التحديات والتحولات والازمات التي قد تطرأ على حياة المرء , فهو يطلب منا عدم المبالغة بالتفاؤل وكذلك بالاسى والحزن والقلق , لذلك اشار سينيكا على صديقه , قائلا : (( ما أنصحك به هو ألا تكون تعيسا قبل حلول الأزمة؛ لأنه يمكن للأخطار التي يشحب لونك قبلها كما لو كان تهديدها واقعا ألا تصيبك؛ فهي بالتأكيد لم تأت بعد ؛ وبالتالي ، فإن بعض الأشياء تعذبنا أكثر مما ينبغي لها أن تعذبنا، وبعضها يعذبنا قبل أن يجب وبعضها يعذبنا في حين لا يجب أن يعذبنا على الإطلاق ؛ إننا واقعون تحت وطأة عادة المبالغة في الأسى أو تخيله وتوقعه )) .
نعم انه يطلب منا عدم تبديد طاقاتنا العقلية ومشاعرنا العاطفية ؛ فالتفاؤل المفرط قد يؤدي الى الالم والندم , وكذلك المقلقات غير المعقولة , بل حتى الامور المتوقعة التي نخاف منها احيانا قد لا تقع , فكم مرة حدث ما هو غير متوقع ! وكم مر المتوقع دون حدوث ! ورغم كونه مقرر الحدوث، فقد يهيء العقل لنفسه في بعض الأحيان أشكالا غير حقيقية من الشر بينما لا علامات تشير إلى أي شر ؛ ويحول بعض الكلمات ذات المعاني المبهمة إلى أسوأ الأشكال أو يعتبر بعض الضغينة الشخصية أكثر خطورة مما هي عليه حقا ... ، فالمهلكة الأكبر من القلق في غير محله -كما يحذر سينيكا- تكمن في أنه عبر إبقائنا متوترين دائما في انتظار كارثة متخيلة، يمنعنا القلق من عيش الحياة لأقصاها... ؛ وينهي رسالته لصديقه ؛ بنص مقتبس لأبيقور: "الأحمق هو من يتأهب للحياة دائما"... ؛ اي الذي يبالغ بحدوث الشر او الخير , ولا يعيش الواقعية والاتزان .
البعض يملئ رأسه بمئات الأحلام الطوباوية ويغذي خياله بمئات مماثلة من الصور السعيدة و التي تخبر أصحابها كم ستكون الحياة سعيدة عندما تحقق هذه الأحلام , والبعض الاخر يعيش احلام اليقظة بصورة مرضية , وعندها يفقد القدرة على التمييز بين ما هو واقعي وما هو خيالي وما بين الحقيقة المرة والمفروض حصوله , ورُبّما يُعلِّق البعض آمالاً عريضة على الغير , ويثقون ثقة عمياء بالآخرين , واذا بهم يصدمون كما صدم من قبلهم الشاعر ابو العلاء المعري , الذي انشد قائلا :
وَهَّمتُ خَيراً في الزَمانِ وَأَهلِهِ *** وَكانَ خَيالاً لا يَصِحُّ التَوَهُّمُ
فَما النورُ نَوّارٌ وَلا الفَجرُ جَدوَلٌ *** وَلا الشَمسُ دينارٌ وَلا البَدرُ دِرهِمُ
فالإنسان الذي يرفع كثيرا من سقف تطلعاته واهدافه واحلامه بحيث لا تتناسب مع امكاناته التي يقف عليها او واقعه وبيئته ؛ سيصاب دائما بالإحباط والغضب وعدم القناعة ولن يتمتع بالتوازن النفسي او بما هو موجود بين يديه ؛ وعندها ينطبق عليه المثل الشعبي القائل : (( ال تمنه ما تهنه ... ؛ او الذي ينظر الى قصر الغير يخرب كوخه )) .
نعم ان الذي يحقق الاحلام والاهداف , ويخفف من وقع الاحداث والمصائب ؛ التخطيط العلمي والرؤية الواقعية وتقدير الامور تقديرا حكيما ؛ والاستعداد للطوارئ والتكيف مع التقلبات والتحديات والازمات , والتفكير الاستراتيجي في كيفية الخلاص منها , وتنمية الطاقات واكتساب المهارات ؛ فلابد من الربط بين سقف الطموحات وحقيقة الامكانيات ؛ اذ ان ارتفاع سقف الطموحات الذي يصاحبه قصور بالإمكانيات لتحقيقها ؛ يبعدنا عن السعادة ويقربنا من التعاسة ؛ وعندما نكون على يقين اننا نعيش بتوازن تام و واقعية عقلانية ؛ عندها ينتج الاستقرار العاطفي و الرضا على الحياة والتكيف مع احوالها وتقلباتها المفاجئة .



#رياض_سعد (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحل اسماعيل هنية كما يرحل الفلسطينيون
- وتستمر الهجرات الباكستانية وغيرها الى العراق ؟!
- إلقاء القبض على باكستانيين يقومون بالتسليب في منطقةالگريعات! ...
- مقولة وتعليق / 51/ الخيانة خيانة
- جريمة مقتل الطفلة ميار ليست اخر الجرائم المرتكبة بحق الطفولة ...
- أذبحني اولا ثم أقطع يدي يا أخي ..!!
- بانت نواياك
- لا يتحقق الاصلاح السياسي في العراق الا بالعفو عن الارهابيين ...
- مقولة وتعليق / 50 / ملازمة الشر لبني البشر
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- من هموم المواطنين (1 )
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- عطاشى سبايكر
- لا يتحقق الاصلاح السياسي في العراق الا بالعفو عن الارهابيين ...
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- مخاطر الخروج عن اجماع الاغلبية الشعبية والنخبة السياسية الوا ...
- ظاهرة الرجل الملثم


المزيد.....




- ماكرون يطرد 12 موظفا في الدبلوماسية ويستدعي سفير بلاده في ال ...
- ابنتا بوعلام صنصال تطالبان ماكرون السعي لإطلاق سراح والدهما ...
- الجميع -هدف مشروع-.. محللة توضح أهمية الفاشر لـ-الدعم السريع ...
- إسرائيل: لن تدخل أية مساعدات قريبا إلى غزة للضغط على حماس
- عباس إلى دمشق الجمعة المقبل للقاء نظيره الشرع
- الداخلية التركية تعلن القبض على 89 إرهابيا يشتبه بهم بالانتم ...
- إسرائيل تفرج عن 10 أسرى فلسطينيين من قطاع غزة
- الحكومة اللبنانية تطلق مشروع إعادة تأهيل طريق المطار
- شاهد.. -سرايا القدس- تعرض مشاهد من قصف استهدف الجيش الإسرائي ...
- بكين تمدّ جسورًا مع جنوب شرق آسيا


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - رياض سعد - مقولة وتعليق / 52 / التفاؤل المفرط وخيبات الامل