|
بين يوسف الرفاعي وعبد الحميد السماوي
عامر موسى الشيخ
شاعر وكاتب
(Amer Mousa Alsheik)
الحوار المتمدن-العدد: 8056 - 2024 / 8 / 1 - 22:37
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
من هو يوسف السيد هاشم الرفاعي ؟ هو باختصار ودون مقدمات طللية طويلة ، عالم دين كويتي عمل وزيرا للدولة فيها ، وعضوا في مجلس أمتها ، استمر عمله السياسي حتى نهاية العام 1974 . ترك الرفاعي تاريخيا طويلا في مجاليّ السياسة والدعوة الدينية . أسس في الكويت "معهد الإيمان الشرعي" على غرار الأزهر الشريف ، فيما كان آخر منصب له هو نائب رئيس مؤتمر العالم الإسلامي (بكراتشي) بعد أن كان عضوا فيه حتى العام 1992 . تذكرت الرفاعي في سياق قراءة شخصية لمقدمة القسم الأول " من كتاب الإمتاع والمؤانسة " لأبي حيان التوحيدي ، تحقيق واختصار الدكتور إبراهيم الكيلاني ، الصادر عن منشورات وزارة الثقافة والإرشاد القومي بدمشق ( 1978 ) . يذكر محقق الامتاع والمؤانسة في المقدمة " عاش أبو حيان التوحيدي في القرن الرابع الهجري وامتد به العمر حتى عايش العصر كله ، وهو عصر تدنت فيه الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ؛ حين آل الأمر إلى جماعات يتصارعون مخلفين وراءهم الويلات والدمار، ومن المفارقات أن هذا الانحطاط السياسي والخلقي والاجتماعي والاقتصادي يقابله رقي عقلي، فقد ظلت الحياة العقلية في سيرها المطرد الصاعد على هامش الحياة السياسية ". ثمة تشابه بين السياق التاريخي الذي جاء فيه التوحيدي ، والسياق الذي جاء فيه الرفاعي وأيامنا ، فمثلما عاش التوحيدي أياما صعبة تسيد فيها الفساد والجهل والتخلف والفقر ، عاش الرفاعي كذلك في زمن تسيدت فيها الصراعات القومية والمذهبية والايدلوجية ، دخل التوحيدي التاريخ عن طريق النص – الأثر- الذي له درجة من النضج والشمول والاكتمال .ومثلما دخل التوحيدي تاريخنا عن طريق النص الذي يضم الندرة والخبرة واللمحة الإنسانية ، كذلك دخل الرفاعي!!. ونقول : لماذا نستذكر الرفاعي اليوم ؟ وأضيف سؤالا آخر : ما علاقة الرجل بنا نحن العراقيين؟ أٌقول : لقد دخل الرفاعي تاريخنا الثقافي المحلي وتربع فيه من خلال نص ! والموضوع هو : عبارة فكرة آمن بها وتوجها بعمل فعلي ، تحول إلى وثيقة تاريخية مهمة تمثل بعضا من الثقافة العراقية في منتصف والربع الأخير من القرن العشرين . كان الرجل قد عرف الشيخ العلامة الراحل عبد الحميد آل عبد الرسول السماوي عن طريق شعره الذي ذاع صيته في أرجاء الثقافة العربية في زمنه ، إذ عَبرت هذه الشعرية العميقة في زمنها القارات والمحيطات حتى وصلت المهجر الشمالي حيث إيليا أبي ماضي ، والذي سأل عن طبيعة تحصيل ودراسة السماوي ؟ ومن أي جامعة في العالم استحصل علومه وثقافته ؟ وذلك لذهول أبي ماضي في قوة شاعرية السماوي ، والقابلية في التحاجج معه في رده الشهير على قصيدة الطلاسم الشهيرة ، ليعلم أبي ماضي بأن السماوي قد درس في حوزات النجف الأشرف !!. حينما توفي الشيخ السماوي منتصف الستينيات ، لم يكن قد جُمع شعره في كتاب أو ديوان ، إذ أنه كان يرى بأن " الشعر منقصة الكامل " وهذا ما أكده في إحدى قصائده : كفى بك جهلا أن تراني شاعرا وبي عطلا إن كنت بالشعر حاليا ولكنها آهات نفس تفاعلت جواهرها حتى استحالت قوافيا فما ملئت بالترهات حقيبتي ولا أفرغت مخلاة قلبي مساويا ترفعت عنه إذ تزلف ضارعا وأخضعته لما تجبر عاتيا هكذا كان شيخنا الراحل يرى الشعر ، إلا أنه يأتيه تحت ضغط ما ، أو لمحة تطرق باله ، أو يُطلب منه شيء للمناسبات الدينية الكبرى التي تقام في النجف . توفي الشيخ ولم يكن يهتم بأمر الشعر لتبقى قصائده نثارا في الأوراق والقصاصات بين طيات مكتبته في بيته القديم " موكب شباب الشرقي حاليا " في شارع باتا وسط السماوة . عند مطلع السبعينات حصل السيد الرفاعي على ما تبقى من قصائد السماوي ، بعد أن تم جمعها من قبل ولده الشهيد الشيخ أحمد عبد الحميد الذي كتب مقدمتها وحواشيها ، وصلت تلك المجموعة إلى الرفاعي ، الذي كان قد سجل مسبقا انبهاره بهذه التجربة ، فباشر بطباعتها على نفقته الخاصة ، ونفقة عبد الله السلطان وجبر علي الجبر ، من أهالي الكويت ، وتم طباعة الطبعة الأولى من الديوان ( 1971 ) بدار الأندلس في بيروت ، تحت عنوان "ديوان السماوي" و ظهرت بمجلد ضخم. دخل هذا الديوان المكتبة العربية بكل قوة وثبات ، ليكون واحدا من متون الشعرية العراقية التي تمثل القرن العشرين ، ويمثل ثقافة السماوة التي ولد فيها والنجف التي درس فيها والعراق برمته. لقد دخل الرفاعي الكويتي تاريخنا بقوة من خلال تبني طباعة الديوان ، فكان ذا فضل علينا. ثلاثة وخمسون عاما مرّت على الطبعة الأولى لهذا الديوان ، والتي تصدرت صفحته الأولى أسماء من طبعوه . تشير هاتان القصتان إلى أن لوثة السياسة زائلة بكل شوائبها ، إلا أنّ النّص يبقى خارج الزمن ويحمل معه حمولات التاريخ بكل سلبياته وإيجابياته ، فسلبية الواقع قدمت لنا إيجابية التوحيدي ، التي تشبه إلى حدّ ما إيجابية الرفاعي في تبينه طباعة ديوان شعر لعالم دين يعيش بين السماوة و النجف في ظل جو سياسي ملتهب وملتبس ، ذهبت الدول والحكومات وبقى النص خارج سلطة وقوة الزمن. هل يعى الساسة هذا ؟ هل يعون هذه الأهمية البالغة في صناعة التاريخ ؟هل يسهمون ولو بشيء له علاقة ببناء الإنسان ثقافية من خلال تبني مشاريع ثقافية خارج إطار الهبات والأعطيات والمنح التي تسهم في خلق جو مرتبك ونتاج غير رصين ، حتى يدخلوا التاريخ من أوسع أبواب النصوص ، ويقال أن هذا المشروع جاء في زمن وعهد فلان الفلاني . أعيد طباعة ديوان السماوي بطبعة جديدة في دار الخلود ببيروت 2014 على نفقة فرات الشيخ احمد آل عبد الرسول ، ليحقق هذا الديوان مقولة " الشعر خارج الزمن " .
#عامر_موسى_الشيخ (هاشتاغ)
Amer_Mousa_Alsheik#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة في أدب مدينة السماوة التسعيني ... ديوان - مآرب أخرى -
...
-
لذة اللبان الوطني المرّ
-
في الذكرى الثانية على رحيله ... حامد فاضل الراسخ المجرّب
-
أتذكر الدرويش ( إلى محمود درويش وهو يتذكر السياب )
-
المغسلة الانتخابية
-
سيرة الوطن والمواطن ... قراءة في مذكرات الدكتور غازي الخطيب
-
التاريخي والأدبي .. في -صورة أخرى لجمشيد - لنعيم شريف
-
كلام بطران مُعاد !!
-
الطفولة المعدمة في سماء من خشب لزين العزيز
-
واثق الحسناوي يبحث في - الموسيقى عبر التحليل الاشهاري -
-
محو الحياة في مراثي الفراشات للشاعر نجم عذوف
-
مقطع عرضي لنا
-
- نسّاي - يوسف المحسن تمحو ذاكرة النوع
-
السؤال عن الشعر في مدونة الشاعر قاسم والي ... قراءة انطباعية
-
رسائل حكايات - الدرهم الأخير - للؤي عمران.
-
الثنائيات الضدية في ألف صباح وصباح لحامد فاضل
-
تخطيطات عراقية
-
رُقمٌ مقدسةٌ على جدار العشق بين انكيدو وعشتار
-
اختلاف وزوال
-
كتْ ونْ...! ، حكاية من السماوة
المزيد.....
-
-معاد للإسلام-.. هكذا وصفت وزيرة داخلية ألمانيا المشتبه به ا
...
-
-القسام-: مقاتلونا أجهزوا على 3 جنود إسرائيليين طعنا بالسكاك
...
-
من -هيئة تحرير الشام- إلى وزارة الخارجية السورية.. ماذا تعرف
...
-
جزيرة مايوت المنسيّة في مواجهة إعصار شيدو.. أكثر من 21 قتيلا
...
-
فوائد صحية كبيرة للمشمش المجفف
-
براتيسلافا تعزز إجراءاتها الأمنية بعد الهجوم الإرهابي في ماغ
...
-
تغريدة إعلامية خليجية شهيرة عن -أفضل عمل قام به بشار الأسد
...
-
إعلام غربي: أوروبا فقدت تحمسها لدعم أوكرانيا
-
زعيم حزب هولندي متطرف يدعو لإنهاء سياسة الحدود المفتوحة بعد
...
-
أسعد الشيباني.. المكلف بحقيبة وزارة الخارجية في الحكومة السو
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|