دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:30
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
المحرقة اليهودية ، حقيقة ٌ لا ريبَ فيها ولا لبْس : هذا ما يجزمُ به أهل الغرب ؛ حدّ أنهم ، في الآونة الأخيرة ، إشترعوا قانوناً يُجرّم كل من ينكرها ، بشكل أو بآخر . ولكننا ، هنا في المشرق الإسلامي ، لا نأخذ بمثل هذا القول ، بل ونعتبره برهاناً جديداً على مدى تأثير " اللوبي الصهيوني " في ديار الغرب نفسها . موضوعياً ، تبدو تلك المحرقة ( أو الهولوكوست ، بلغة بني الأصفر ) كما لو أنها حقيقة واقعية ؛ بدليل الكمّ الهائل من الأفلام الوثائقية ، المُنتجة على مرّ العقود الستة ، المنصرمة ، علاوة على الأماكن التي شهدتْ تلك الإبادة الجماعية ؛ من معسكرات إعتقال وسجون وعنابر ، بقاعاتها ومهاجعها ومحارسها و .. أفرانها . بيْدَ أنّ هذا جميعاً ، لا يهزّ في شيءٍ قناعة الكثيرين من أهل العروبة والإسلام : ألمْ يتحدَّ بعضُ المؤرخين الأوروبيين تلك الحقيقة ، المفترضة ، ملقين ظلالاً من الشكّ عليها ؛ أو على الأقل ، على حجمها من حيث عدد الموتى ؟ .. ألم يقدّم أحد أولئك الباحثين حريته الشخصية ، قرباناً لنظريته حول ذلك العدد من ضحايا المحرقة ؟ كان هذا الأخير ، كما أذكر ، قد عرضته لنا فضائية خليجية ، معروفة ، وهوَ يشرح للمشاهدين " لغز " ما كان يعتقدُ أنها مجرد أرقام مبالغ فيها للغاية ، بخصوص أولئك الضحايا : كان معظم اليهود ـ يقول باحثنا ـ سواءً في ألمانية أو جوارها ، بحالة مادية جيدة . فما أن عرفوا بالمصير الذي ينتظرهم بعيدَ إستيلاء هتلر على سلطة الرايخ الجرماني ، إلا وإنتهض كل منهم إلى تدبير أمر الرحيل عن أوروبة . هكذا ، توالى تسللهم إلى سويسرا ـ البلد المحايد ـ ومن هناك كانوا يسافرون إلى الولايات المتحدة بأوراق مزورة ، غالباً . وعلى هذا ، بحسب ذلك الباحث دائماً ، إعتبرَ هؤلاء المهاجرون بعداد المفقودين ، وجرى تصنيفهم إعتباطاً في خانة ضحايا النازية . إلا أنّ هذه النظرية ، الملفقة ، لم تصمد أمام قرائن عديدة ، مناقضة لها : ومنها ، أنّ مئات الآلاف من ضحايا تلك المحرقة ، كانوا قد أودعوا حسابات ومدخرات في عدد من أشهر البنوك السويسرية . وبما أنه ما عاد أحدٌ من أولئك الضحايا كيما يتسلم وديعته ، طوال الفترة التي أعقبت هزيمة النازية ، فقد جرى التكتم عليها من لدن أصحاب البنوك تلك ؛ حتى تمّ مؤخراً كشفها في فضيحة مدوية ، معروفة التفاصيل .
جدير بالتنويه ، في هذا المقام ، أنه سبق للعاصمة اللبنانية ، قبل بضعة أعوام ، أن إستضافت " مؤتمراً علمياً " بشأن الهولوكوست اليهودي ، دعيَ إليه باحثون ـ أو سمهم ما شئتَ ـ من بلدان عربية مختلفة . ما كان للمؤتمرين المجتمعين في بيروت ، إلا أن يخرجوا بنتيجة مماثلة ( كيلا نقولُ ، منسوخة ) لما نتجَ عن " نظرية " ذلك الباحث الغربي ، السالفة الذكر . ولنتذكر ، قبل كل شيء ، أنّ موطن الأرز وقتئذٍ ، كان يستظلّ بالوصاية السورية ؛ وبكل ما في منظومتها من شحن قوميّ / طائفيّ ، ذي المهمة الأساسية : وهيَ التغطية سياسياً على نهب لبنان وإبتزازه وسلبه حريته وتقويض إستقلاله ونظامه الديمقراطي . كان إختيار بيروت ، تحديداً ، لعقد مؤتمر الهلوسة العروبية ذاكَ ـ وليسَ دمشق ، مثلاً ! ـ له علاقة أكيدة بما يُسمى " المقاومة الإسلامية " ، التي كان وما فتيء يتعهدها حزبُ آيات الله ، في الجنوب اللبناني . لا غروَ إذاً ، أن ينعقد مؤتمر طهران أخيراً ، حول المحرقة اليهودية ، فيما مقاومة الحزب الإلهي قد دخلت في نقلة نوعية أكثر جدّة : فها هيَ الآن ، وقد أضحى ساحة ً لجهادها قلبُ بيروت ذاته ، تمهيداً لحرب الشوارع الأهلية المنتهية ، بتفكير سدَنتها ، إلى الإنقلاب العسكري على الحكومة الإستقلالية ؛ الإنقلابُ ، الخادمُ الأمين للأجندة السورية الإيرانية . غنيّ عن الإشارة هنا ، أنّ في أولويات تلك الأجندة هنا وهناك ، قطع الطريق المؤدي لدمشق على المحكمة الدولية ، الخاصة بجريمة إغتيال الحريري ، مثلما إرباك المجتمع الدولي الساعي لمنع طهران من إمتلاك أسلحة نووية . إنّ توجيه الأنظار نحو ذلك المؤتمر ، وفق الخطة الخبيثة لحكام طهران ، سيكون له كما هو متوقع ، ردود أفعال سلبية جداً من جانب الحكومات الغربية . وهذا هو بيت القصيد ، من عقد مؤتمر طهران حول الإبادة اليهودية : إننا عندئذٍ نكون في موقع الهجوم دفاعاً عن برنامجنا النووي خصوصاً ؛ ونجعل مجتمعاتنا الإسلامية مشحونة ، بإستمرار ، ضد هذا الغرب المماليء للصهيونية . وهذا ما دأب عليه أحمدي نجاد ، منذ مفتتح عهده الرئاسي الميمون ؛ بإعطائه التصريح تلو التصريح ، بضرورة إزالة دولة إسرائيل عن الوجود .
قضية فلسطين ، هيَ بعد كل شيء ، قضية الأنظمة الثورية ، الإنقلابية ، عروبية كانت أم إسلاموية . هذه وتلك ، إشتغلتْ بالقضية الموسومة على مرّ عقودٍ لإشغال شعوبها ، المستعبدة ، عن التفكير بحريتها وكرامتها وخبزها وشحارها ؛ من نكبة 48 إلى نكسة 67 ، مروراً بهزيمة اليمن 65 . ثمّ كانت ثمانية أعوام من حربٍ ضروس ، رميَ قرباناً لها زهرة شباب العراق وإيران : وبالمقابل ، كان نظاما صدام وخميني ، المتناحرَيْن آنذاك ، يرفع كل منهما عقيرته فداءً للقدس الشريف ، معلناً أنّ الطريق إليها يمرّ من عاصمة خصمه . ثمّ سقط صنم بغداد ، وأصبح المحرر الأمريكي جاراً ، ثقيلاً ، على أسوار الجمهورية الإسلامية ، الصماء ، والموصدة الأبواب أمام أيّ نسمة حريةٍ أو إصلاح . فكان لا بدّ ، والحالة هكذا ، أن يدفع شعبُ العراق ثمناً غالياً جداً لحريته ، المكتسبة للتوّ : كان على كلا جارَيْه ، إيران وسورية ، رفدَ بلاد الرافدين بالتكفيريين القاعديين وفلول الصداميين بمفخخاتهم وأحزمتهم الناسفة ، ليعيثوا فيها قتلاً على الهوية المذهبية .. ودائماً ، لأجل الهدف " الأسمى " ؛ تفجير الحرب الأهلية . ووسائل إعلام النظامين الشقيقين في " قم " و " القرداحة " ، لا تكلّ ولا تملّ من إعادة رقم ضحايا المحرقة العراقية ، التي أعقبت سقوط الرفيق البعثي ، المؤمن ، والمقدرة بحسب إحصاءات الأمم المتحدة بما يقارب المليون ضحية : لنجمع هنا هذا الرقم الأخير ، مع الأرقام المقدرة لضحايا المقابر الصدامية ، الجماعية ، بما فيها القادسية والأنفال وأم المعارك وأم الحواسم وأم .. ألا نصل إذاً إلى رقم مهول ، أسطوريّ ، يقارب الرقم المنذور للقرابين الهتلرية ، في الهولوكوست اليهودي ؟؟
ثمة مساءلة اخرى ، في هذا المضمار ، تعرَضُ علينا إستدلالاً لما سلف من حديث المآثر الصدامية تلك : فلينبنا أحدهم بإستطلاع ، مفترض ، لآراء جماهيرنا من المحيط إلى الخليج ، حولَ صحّة الهولوكوست العراقي ، الموصوف ، وبما يُحتمل من نتائجه . فالمؤكد ، قطعاً ، أنّ الغالبية الساحقة من تلك الآراء ستنكر حصوله ، أو على الأقل تتنصّل من أرقامه . ولم العجب ، ووسائل إعلامنا من مطبوعة ومرئية ومسموعة ، قد دأبت بمعظمها ـ وخصوصاً منها الخليجية ، المرفهة المرهفة ـ على حشر " نظرية المؤامرة " في عقل المواطن العربي ، حتى أضحت أفيوناً يُهلوس به ؟؟ فكل حديث ، مزعوم ، عن مجزرة يقوم بها حاكمٌ من أهل الضاد والفساد ـ وحاشاه طبعاً ـ بحق شعبه ؛ إن هوَ إلا حديث الإفكِ ، فإجتنبوه !.. وكلّ الأفلام الوثائقية التي تحكي ، بالصوت والصورة والشهود أحياءً وأمواتاً ، عن المقابر الجماعية والأسلحة الكيماوية وغيرها من المجازر الموصلة شمال موطن النهرين ، الكرديّ ، بجنوبه الشيعيّ ؛ كلها تلك الأفلام ، تدور في فلوات الكرة الأرضية ، دونما أن يتسنى لها إجازة في فضائياتنا العربية ، المشغولة على مدار الساعة بمشاهد " الحرب الأمريكية على العراق " : فحدثونا ، بعد كل هذا ، يا سادة مؤتمر طهران ، عن أسطورة الهولوكوست اليهودي ، أو عن كذبة حجمه الحقيقي ..
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟