اخلاقيات الإرادة المتشائمة عند شوبنهور (1-8)/ إشبيليا الجبوري - ت: من الألمانية أكد الجبوري

أكد الجبوري

الحوار المتمدن-العدد: 8054 - 2024 / 7 / 30 - 02:20
المحور: الادب والفن
    

كيف يتعامل فيلسوف متشائم مثل آرثر شوبنهاور مع دراسة الأخلاق؟ كيف يمكن تحديد ما هو صواب وما هو خطأ مع افتراض أن العالم سيء بطبيعته؟

إن الأخلاق، أو مجموعة مبادئ الصواب والخطأ، هي إحدى ركائز أي حضارة، كونها ذلك العنصر الأساسي الذي يمكننا من العيش معًا بشكل صحيح كمجتمع فعال. ومع ذلك، كيف يمكننا في النهاية تحديد ما هو الصواب وما هو الخطأ؟ إن مواصلة تحليل مثل هذه الأسئلة هو هدف الأخلاق، والتي تسمى أيضًا الفلسفة الأخلاقية، وهي مجال يشمل جميع الأمور المتعلقة بالأخلاق والتحديات التي نواجهها، كأفراد وكمجتمع، من أجل تحديد مجموعة عادلة ووظيفية من المبادئ.

إن ما يستوعب كل شخص يخضع لها على أفضل وجه ممكن. سننظر في هذا المقال كيف آثار تناولها أحد أبرز الفلاسفة الألمان، آرثر شوبنهاور، هذا المجال بطريقة فريدة جدًا، وكيف يمكن الإجابة على هذه الأسئلة من خلال نظرة عالمية متشائمة.

كلمات الدالة المعرفية؛
آرثر شوبنهور. فلسفة الإرادة. التشاؤوم. الحرية. الاخلاق

- آرثر شوبنهاور وفلسفة الإرادة؛
كان آرثر شوبنهاور فيلسوفًا ألمانيًا طور عملاً مهمًا للغاية أثر على التقاليد الفلسفية ككل. تأثر بشدة بإيمانويل كانط (1724 - 1804)() ومثاليته المتعالية، مشيدًا بعظمة كانط في العديد من الجوانب بينما انتقد بشدة الآخرين أيضًا، أنشأ شوبنهاور نظام الميتافيزيقا الشامل الموصوف في كتابه العظيم العالم كإرادة وتمثيل، وبعض مبادئ فلسفته موجودة في سيكون هذا الكتاب جزءًا لا يتجزأ منا لكي نفهم بعمق وجهة نظره حول الأخلاق.

في كتابه ("العالم كإرادة وتمثل" . 1818)()، يرى شوبنهاور أن العالم الذي نختبره، العالم التجريبي، لا يوجد في حد ذاته، بل فقط كتمثيل خلقته الذوات المعرفية عند التفاعل معها، وأن الشيء في حد ذاته، العالم الحقيقي، موجود كما هو، قوة دافعة عمياء وبلا هدف تريد ببساطة. الإرادة هي الجوهر الداخلي لكل شيء موجود.

لذلك، من الثابت أن كل الأشياء موجودة في مجالين منفصلين: في شكلها الحقيقي كإرادة، وفي الشكل الذي نختبرها فيه كتمثلات.() هذا المنظور الميتافيزيقي يذكرنا كثيرا بنظرية الأشكال أو نظرية الأفكار لأفلاطون (427 ق.م - 347 ق.م)()، مع الأخذ في الاعتبار أن كلا من أفلاطون وشوبنهاور يفترضان أن العالم موجود بطريقتين منفصلتين، أحدهما حقيقي ومتعالي والآخر مجرد صورة وتجريبي.

ومع ذلك، يوضح شوبنهاور أنه من خلال التأمل الجمالي يمكننا الهروب لفترة وجيزة من هذه الدورة. فقط من خلال تفاعلنا مع أشكال الفن المختلفة يمكننا الوصول إلى العالم والأشياء الموجودة فيه في أنقى صورها، مما يمكننا من فهمها بشكل أفضل. العبقري، كما يسميه المؤلف، هو الشخص القادر على إيصال هذه التجربة إلى الآخرين من خلال خلق أعمال فنية.()

عندما يتعلق الأمر بالجوهر الداخلي، فإن طبيعة البشرية بالطبع لا تختلف عن ذلك. نحن نتحرك بالإرادة، ونريد باستمرار، وهذه الإرادة هي مصدر المعاناة الإنسانية.() وبما أننا نريد الأشياء باستمرار، فإننا أيضًا نتألم باستمرار، لأن هناك أشياء نريدها ولكن لا يمكننا الحصول عليها. لا يمكننا أن نحصل على كل ما نريده في نفس الوقت، وبمجرد أن نحصل على ما نريد، فإننا لا نريده بعد الآن.

وفي كتابه العالم إرادة وتمثيلًا، في الكتاب الرابع، بدأ شوبنهاور في صياغة نظامه الأخلاقي.() بإلهام فريد من نوعه من البوذية والهندوسية، يعتمد هذا المنظور للأخلاق على التعاطف من خلال إنكار الإرادة. الإرادة هي مصدر الأنانية الموجودة في كل كائن حي، وفقط من خلال إنكار الإرادة يمكننا تجاوز تلك الأنانية وتنمية التعاطف مع الآخرين، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات وأفعال أخلاقية.

قد نفهم هذا على أنه فلسفة متشائمة لأنها تفترض أن الجوهر الداخلي لكل الأشياء هو ما يجلب لنا المعاناة بشكل لا مفر منه وباستمرار. بمعنى أخلاقيات تشاؤمية إرادة الوجود يعني الرغبة، والرغبة تعني تشاؤمية المعاناة.

- عن حرية الإرادة؛
لمزيد من التحليل لأخلاقيات آرثر شوبنهاور، يجب علينا أن ننظر إلى مقالتين قيمتين له حول هذا الموضوع، أولهما حول حرية الإرادة. يناقش شوبنهاور في هذا العمل مسائل الوعي الذاتي والإرادة الحرة وفقًا للنظام الميتافيزيقي الذي تم تأسيسه سابقًا في العالم إرادة وتمثلًا.()

يزعم شوبنهاور أننا أحرار فقط في جوهرنا الداخلي، أي الإرادة، وبمجرد وجودنا كمراقب متفاعل مع العالم التجريبي، فإننا نجرد تمامًا من حريتنا، لأننا لا نستطيع التحكم في الإرادة.() إن الشعور بالمسؤولية عن أفعالنا ليس علامة على الحرية، بل هو ضرورة تجريبية فقط. لا يمكننا أن نختبر الشعور الحقيقي بالحرية إلا عندما نشعر بكياننا الداخلي، بالشيء في حد ذاته، بالإرادة.() يسمح لنا الوعي الذاتي بفهم رغباتنا وعواطفنا، لكنه لا يمنحنا الإرادة الحرة للتحكم بها كما نريد.

ومع ذلك، لا يزال البشر مسؤولين عن أفعالهم، لأن أفعالنا هي نتيجة لما نحن عليه، نتاج إرادتنا الحرة المتعالية التي، على الرغم من أنها خارجة عن سيطرتنا، تجعلنا ما نحن عليه. أفعالنا هي نتاج هويتنا، وبالتالي فهي مسؤوليتنا.

- على أساس الأخلاق؛
العمل الرئيسي الثاني لآرثر شوبنهاور حول موضوع الأخلاق هو على أساس الأخلاق.() يعد هذا المقال إلى حد كبير نقدًا لنظام كانط الأخلاقي وتطوير نظام شوبنهاور كبديل أفضل، وفقًا للمؤلف. ويعتبر المؤلف فلسفة شوبنهاور بمثابة استمرار لكتابات كانط، وأخلاقه ليست استثناء.

يشير شوبنهاور إلى خطأ أساسي في أخلاق كانط: مفهومه عن الأخلاق.() وفقًا لكانط، فإن الأخلاق مبنية على الاهتمام بالقوانين الراسخة وعواقب أفعالنا، وبالتالي فهي نظام يعتمد على فهمنا العقلاني للعالم. وقد نفهم أن الأفعال المرتكزة على الاهتمام بالقوانين والعواقب هي، حسب شوبنهاور، أنانية وأنانية لأنها تحركها رغبة الفرد في الحصول على المكافآت أو تجنب العقوبات.

البديل الذي قدمه شوبنهاور هو أن الأخلاق الحقيقية تقوم على الرحمة.() نحن أنانيون بطبيعتنا، لأن طبيعتنا هي الرغبة، وبالتالي فإن الطريقة الوحيدة لتحقيق الأخلاق، والتي يمكن فهمها على أنها الاهتمام برفاهية الآخرين في أفعالنا، هي الظاهرة العفوية للرحمة، فعل الشعور. معاناة شخص آخر والتصرف من أجل التقليل منها أو منعها.

إن الجوهر الداخلي لكل شخص هو ما يجلب له المعاناة بطبيعته، مما يعني أننا قادرون على ربط معاناة الآخرين بمعاناتنا. ومن خلال هذه القدرة، يمكننا حقًا أن نساعد الآخرين وألا نسبب لهم المزيد من الأذى، وهذا هو جوهر الأخلاق.

- آرثر شوبنهاور: أخلاقيات الرحمة في فلسفة متشائمة؛
بعد تحليل جميع أساسيات أخلاق شوبنهاور، يمكننا أن نستنتج أن تركيزها على الرحمة هو نهج صادق للغاية للأخلاق. ويفترض أن الطريقة الوحيدة لاتخاذ قرارات أخلاقية بصدق هي الرغبة في اتخاذ هذه القرارات، وعدم الإقناع بها من خلال عوامل خارجية عن الفرد. ()

ومن المثير للاهتمام بشكل ملحوظ كيف يمكن لفلسفة متشائمة أن تولد مثل هذا المنظور المفيد للأخلاق، وفي الوقت نفسه، نتيجة منطقية تمامًا للجوانب الأساسية لفلسفته.

إن فهم معاناتنا المتأصلة يتضمن أيضًا فهمًا لقدرتنا المتأصلة على أن نكون رحماء. إن الاعتراف بالأنانية باعتبارها أصل معاناتنا يعني الاعتراف بأن الطريق الأفضل الذي يجب أن نتبعه هو طريق نكران الذات. إن وجهة نظر شوبنهاور في الأخلاق لا تهدف إلى وضع قواعد أو قوانين صارمة يجب أن يعيش الناس بموجبها، لأن الأخلاق يجب أن تركز على التفكير في رفاهية الآخرين، والقوانين تتمحور حول الحفاظ على رفاهيتنا وعدم إيذاء الآخرين لأن ذلك من شأنه أن يعرض رفاهيتنا للخطر.

يمكننا أن نلاحظ بوضوح تأثيرات التقاليد الشرقية في أعمال شوبنهاور. تعرف على الثقافة الآسيوية خلال فترة وجوده في فايمار، وقدم العديد من جوانب الثقافة المذكورة في عمله، وبالتحديد البوذية والهندوسية، وذهب إلى حد اعتبار البوذية أفضل دين.( ) وكان الجانب الأكثر أهمية الذي أخذه شوبنهاور من هذه الديانات هو مفاهيم إنكار الرغبات والزهد باعتباره قمة أشكال تحسين الذات.

إنه لسبب وجيه للغاية أن نهج شوبنهاور في الأخلاق كان له تأثير كبير على أعمال المؤلفين المشهورين في العديد من مجالات المعرفة مثل فريدريك نيتشه (1844 - 1900)( )، وإروين شرودنغر (1887 - 1961)( )، وسيغموند فرويد (1856 - 1939)( )، وألبرت أينشتاين (1879 - 1955)( )، من بين كثيرين آخرين، ولماذا لا يزال هذا النهج موضوعًا مهمًا. نقطة انطلاق للمناقشات ذات الصلة للغاية حتى بعد قرنين من الزمان.

يتبع...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Copyright © akka2024
المكان والتاريخ: طوكيـو ـ 7/30/24
ـ الغرض: التواصل والتنمية الثقافية
ـ العينة المستهدفة: القارئ بالعربية (المترجمة).

#أكد_الجبوري (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات