أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - تجلّيات المكان في أدب الحرب رواية / زند الحجر/ أنموذجًا للكاتبة اللبنانية/ ضُحى عبد الرؤوف المُّل/ بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي















المزيد.....



تجلّيات المكان في أدب الحرب رواية / زند الحجر/ أنموذجًا للكاتبة اللبنانية/ ضُحى عبد الرؤوف المُّل/ بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8053 - 2024 / 7 / 29 - 08:34
المحور: الادب والفن
    


مقدمة :
قراءتي لرواية (زند الحجر) للروائية اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المل أحالتني إلى محورين أساسيين يصلح كل واحد منهما ليكون مادة معرفية أبدأ به مقدمتي الإغنائية في دراسة هذا العمل، أحدهما داخلي فني، والآخر خارجي سياقي.
المحور الأول: فني، يتعلق بعنصر هام من عناصر البناء الفني السردي، وهو المكان الروائي أو الفضاء الروائي.
المحور الثاني: سياقي تاريخي واجتماعي، يتعلق بالثيمة العامة والديباجة الفكرية التي فرشت أرضية المتن الروائي، وهي الحرب، وتأثيرها على حركة الأفراد، المعيشية والنفسية والسلوكية الاجتماعية.
وليس هناك أقدر من الرواية، كعمل فني، يستطيع أن يجمع بين المحورين.
بالنسبة للمحور الفني: المكان
المكان في النص الروائي : هو القاعدة المادية الأولى، التي ينهض عليها السرد، وعلاماته اللغوية منوطة بخــلْق بناء فضاء خيالي "حميمي" له مقوماته الخاصة، وأبعاده المميزة، التي تُعبر عن الهُــوية، والكينونة، والوجود.
فهو عنصر غالب في الرواية، حامل للدلالة، ويمثل محورًا أساسيًا من المحاور التي تدور حولها الرواية، لذا يرى البعض أن العمل الأدبي حين يفقد المكانية فهو يفقد خصوصيته ، وقد يتحول من مجرد خلفية تقع عليها أحداث الرواية إلى عنصر تشكيلي من عناصر العمل الروائي، "فالمكان له دور مكمل لدور الزمان في تحديد دلالة الرواية، كما له أهمية كبرى في تأطير المادة الحكائية وتنظيم الأحداث السردية، بحيث يمكن القول بأنه يشكل المسار الذي يسلكه اتجاه السرد، وهذا التلازم في العلاقة بين المكان والحدث هو الذي يعطي للرواية تماسكها وانسجامها، ويقرر الاتجاه الذي يأخذه السرد لتشييد خطابه، ومن ثم يصبح التنظيم الدرامي للحدث هو إحدى المهام الرئيسية للمكان"
علاقة الإنسان بالمكان : إن تواجد الإنسان في المكان أدى إلى تعضيد وتنامي العلاقة بينهما "حتى أصبح المكان واحدًا من القضايا التي يخترقها الإنسان بالبحث بغية التعمق في هذا المحسوس وتمام إدراكه" عبر ديناميكية الزمان، ما جعلنا نشهد الكثير من الدراسات عن المكان في مختلف المجالات، تتوجت تلك الدراسات بعلم خاص بدراسة المكان هو علم الطوبولوجيا Topology الذي درس " أخص خصائص المكان من حيث هو مكان، أي العلاقات المكانية المختلفة، كعلاقة الجزء بالكل، وعلاقة الاندماج والانفصال والاتصال، التي تعطينا الشكل الثابت للمكان، الذي لا يتغير بتغير المسافات والمساحات والأحجام" .
التنوع الكبير في الدراسات أدى إلى تقسيم المكان حسب التخصصات، "إذ تم تقسيم المكان بموجب السلطة التي تخضع لها الأماكن" ، كما اكتسب المكان بعدًا فلسفيًا بتعريفه التالي: "هو كل ما يحل فيه الشيء أو ما يحوي ذلك الشيء ويحده ويفصله عن باقي الأشياء" ، تصاعد التقسيم أكثر فصار هناك " المكان التصوري والمكان الإدراكي الحسي، والمكان الفيزيائي، والمكان المطلق" .
في مجال الدراسات الروائية: كان هناك العديد من المصطلحات الخاصة بدراسة هذا العنصر، مثل المكان الروائي، والفضاء، والفضاء الجغرافي، والفضاء الدلالي، والفضاء النصي، والفضاء بوصفه منظورًا ، وقد آثر المشتغلون بدراسة عنصر المكان استخدام مصطلح الفضاء الروائي عن مصطلح المكان الروائي : حيث وجدوا في الأول شمولية أوسع، لكونه يشمل المكان، فالمكان الروائي مكان بعينه تجري فيه أحداث الرواية، بينما يشير الفضاء الروائي إلى المسرح الروائي بأكمله، ويكون المكان داخله جزءًا منه.
بالنسبة للمحور السياقي : الحرب
يقول جاستون بوتول : "الحرب ظاهرة اجتماعية، ولأن الواقع الاجتماعي هو العالم المرجعي الذي تنطلق منه الرواية وتحيل إليه، ولأن الرواية ترصد المجتمع بظاهراته وتحولاته في محاولة منها لتقديم شهادة فنية عليه، تدخل في التاريخي وتخرج منه في آن، كان لابد لها من الاهتمام بالحرب، الظاهرة الاجتماعية لاسيما في بعدها الداخلي. فالحرب الأهلية من أشد الحروب ضراوة إذا نظرنا إليها من ناحية نوعيتها وشدتها، ومن وجهة النظر الكمية والسكانية، فإن الحروب الأهلية تسبب بوجه عام أعظم تخريب وأكثر ضحايا".
وأما على المستوى الحكاية : إن البطولة في رواية الحرب تتراوح بين الحرب نفسها، وضحاياها، وأماكنها، وسائر عناصر العالم المرجعي الذي تحيل إليه.
تجنيس الرواية :
رواية واقعية اجتماعية بمسحة رمزية إيحائية، من نوع أدب الحرب، تتبع مدرسة الفن للمجتمع.
السيرة الذاتية الأدبية للكاتبة :
ضحى عبدالرؤوف المل كاتبة وروائية لبنانية وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين .
ولدت في طرابلس لبنان في الواحد من تموز عام 1967مارست التعليم لمدة 18 عام. بدأت الكتابة عام 2007 في جريدة الانشاء طرابلس وتفرغت للكتابة في الكثير من المواقع والجرائد السعودية والعراقية .
عملت عام 2009 في الصحافة فكتبت في جريدة المدى العراق وفي جريدة الصباح العراق والقدس العربي والمجلة العربية السعودية والمعرفة السعودية جريدة اللواء ومجلة نزوى ومرايا عمان وغيرهم... بدأت كصحفية في جريدة اللواء في القسم الثقافي منذ عام 2012 حتى الآن ... أبرز اهتمامها النقد الفني ...
أصدرت سلسلة /همسات وردة الضحى/ وتضم:
_ كتاب الوردة العاشقة عام 2007
_كتاب أماسي الغرام عام 2008 (جروس برس )
_كتاب رسائل من بحور الشوق عام 2012 (جروس برس )
_كتاب أسرار القلوب عن( مركز محمود الأدهمي) عام 2015
_ مجموعة قصصية هي في قبضة الريح عام 2016 (دار الفارابي )
_رواية زند الحجر عام 2018 (دار الفارابي )
_كتاب رحلة يراع عن( دار سابا زريق) عام 2019
_رواية الواعظ عام 2020 عن (دار الفارابي)...
ولها مقالات كثيرة ومتنوعة بين الفكر والفن والنقد.
مستويات التحليل الذرائعي :
1- المستوى الفكري والأخلاقي :

• البؤرة الفكرية والثيمة :
تحمل الرواية من الاستهلال إلى النهاية ثيمة الصراع بكل أنواعه ومستوياته، فوق بقعة جغرافية محددة بدقة ( مدينة طرابلس اللبنانية بأحيائها القديمة باب التبانة وبعل محسن، حاة البقار، حارة التنك، ....)، بدءًا من الصراع مع الجوع والعوز والفاقة في أزقة الحارات الضيقة( حارة التنك) المتوغلة في خريطة التهميش، والبيوت المسنودة بخوف على كتف الريح، المتخمة بالفقر والبطون الخاوية، الذي لا يتيح لرضيع قابل الحياة يتيمًا بالحصول على وجبة حليب صناعي، إلى الصراع ضد الظلم البطرياركي الذكوري، الذي يجعل من أب ( عبد الغفور) لا منتمٍ، لا إلى أهله(أمه وأخوته) ولا إلى قريته( عكار)، ولا إلى عائلته ( زوجته وأولاده)، غير عابئ إلا بنزواته الجنسية، يتخلّى عن إعالة أسرته، بل ويتحوّل إلى قدّوم يضرب رأس ابنته مستجيبًا لوشاية مغرضة وإفك مدبر من زوجته الثانية، إلى الصراع الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة حين يتحول اتجاه الصراع ليغدو بين المظلومين أنفسهم، لتمارس الأم ( الشيخة سعاد) التي يفترض أن تكون الحضن الرؤوم جريمة التفريق بين أبنائها، لنشهد صراع الأخوة الأعداء، إن التقسيم الطبقي بدأ في هذه الرواية من داخل الأسرة الواحدة، وانتشر صراعًا اجتماعيًا كبيرًا على مستوى الطبقات الفقيرة بالدرجة الأولى، ثم على مستوى الطبقات الأخرى بالدرجة الثانية.
هذه الرواية تفرّغت لتسجيل تاريخ الفقراء، بكل حمولاته القاسية، حين يجتاحهم طوفان الحروب المتلاحقة بدءًا من الثورة الشمعونية 1958مرورًا بالحرب الأهلية 1975-1990 ، وتبعاتها، من موت وتهجير وتغريب وانسحاقات نفسية، وانتهاءً بالحرب السورية التي ألقت بالكثير من المهجرين واللاجئين السوريين على تخوم الحدود الشمالية والشرقية للبنان، لتشكّل عبئًا على البلد المتهالك أصلًا، عبر امتداد ثلاثة أجيال قضت وهي تبحث عن السلام في أتون جهنم، وعن قيم كينونة الإنسان المادية واستمراريته في حضرة العدم، وعن سعادة الروح في طور الاحتضار، لذلك، مهما حاولت الكاتبة أن تشير إلى خيالية الأحداث والشخوص، بقي المكان يشهد، كما التاريخ، بل الشك كبير بأن الواقع الذي شهده المكان والتاريخ كان يفوق الخيال والتخييل الذي تدعيه الكاتبة في عتبة التصدير.
• الخلفية الأخلاقية :
على الرغم من أن الرواية تعرض لموضوع الحرب الطائفية، وتعرض لطوائف عديدة، إلا أن الكاتبة لم تشر باللفظ والتسمية إلى أي منها، فقط عندما تتحدث عن عشق هذه الطوائف لأرض لبنان تذكرها بالاسم، وتتوجه إليهم بدعوة إنسانية مفتوحة، إلى المحبة والتعايش السلمي، بفقرة إهداء عام مزدانة بالصور الجمالية الإيحائية، تقول:
إلى كل الذين هاجروا من لبنان من الطوائف والمذاهب كافة، وإلى الذين عشقوا تراب لبنان من اليهود والمسيحيين والمسلمين، ومن الأديان كافة، أقول لهم: الأرض جميلة بزهورها من الأنواع والألوان كافة، والسماء تزدان بنجومها الصغيرة والكبيرة من كل الأشكال والأسماء والألوان، والإنسانية الحقة هي حب الحياة ومقاومة الأعداء بالحسنى وبالصبر على الأذى، ومعالجة الأمور بالحكمة للوصول إلى السلام. ص15
وبصورة غير مباشرة، وبأسلوب يتسّم بالإيجابية، عرضت الرواية لعلاقات لبنان مع البلد الشقيق سورية، فهي رغم الأحداث الكثيرة الملتبسة، إلا أنها ميزت بين علاقات الشعوب والعلاقات السياسية التي اشتعلت منذ اندلاع الثورة الشمعونية، فالسوريون واللبنانيون هما نسيج اجتماعي واحد، والحدود الجغرافية بين بلديهما كانت وهمية، فكان أبو خالد الحموي أخًا لأبي أحمد العكاري، ثم أبًا ومربٍ لابن أخيه رؤوف، الذي وجد عند أبي خالد الحموي وزوجتيه دفء العائلة، وتعلم منهم جميعًا معنى الانتماء والارتباط العائلي، الذي لم يستطع أن يوفره له ولأخوته والده عبد الغفور، أشارت الكاتبة بفصل كامل عنونته ب ( حلم الوحدة الاقتصادية ) يرى فيه أبو خالد الحموي أن الوحدة الاقتصادية بينه وبين أبي أحمد العكاري تشبه حلم الوحدة الاقتصادية بين لبنان وسوريا.
2- المستوى البصري:

 العنوان : كعتبة بصرية خارجية
زند الحجر: العنوان بحمولة الكلمة هو عتبة تحمل دلالة رمزية لقوة القوة، أي رمزت الكاتبة برمزية مركبة، حيث دللت على أنسنة القوة كقوة الحجر بالتشخيص، وأخذت من هذا الإنسان الحجري قوة الزند، فصار رمزه رمزًا مركّبًا لقوّة القوّة.
 العتبة البصرية الداخلية هي عتبة الإهداء:
وقد كانت عتبة عريضة وواسعة، حضر المكان والحرب فيها معًا، قسمتها الكاتبة إلى قسمين، عام وخاص:
الإهداء العام : شكل الرسالة الأخلاقية والإنسانية لهذا العمل الروائي، أهدت فيه الكاتبة عملها إلى الفقراء وإلى أرواح الضحايا الذين قضوا في حارة البقار والتبانة وجبل محسن، تقول:
.... إلى كل من ماتوا في حارة البقار أو التبانة أو جبل محسن، عطور الياسمين، تلك الزهرة التي ملأت حارتنا بالبياض كصخرتها البلاطة الشهيرة، التي أزيلت أو استؤصلت من دون إذن الأطفال الذين كانوا يتزحلقون عليها في الأعياد... إلى أرواحهم جميعًا المحبة والسلام .
الإهداء العام شمل أيضًا كل من هاجر من لبنان من كل الطوائف.
الإهداء الخاص : خصّت به والديها، وقدّمت والدها في الإهداء، معتذرة من والدتها عن ذلك، مبدية إحساسها بالانتماء الأكبر إليه، عاكسة الارتباط البيولوجي بينهما عبر حبل الحياة السري، بفلسفة تخصها وحدها:
الحياة دراما قصيرة مركبة من حيوات الكثير من الأشخاص الحقيقيين الذين جاهدوا وتركوا آثارهم، إما عبر جينات بشرية تتكاثر بتوارث مهيب، وإما عبر أقوال وأفعال تجسد كينونة الإنسان وثوابته وتغيراته، فعذرًا من مليكتي التي زرعت بي جيناتها الوراثية ومنحتني الحياة، إلا أنني ما زلت عالقة في حبل سري بجمعني مع .. أبي.
أفردت الكاتبة إهداءً لوالدتها، وربطته دلاليًا مع عتبة العنوان، من حيث المدلولات المتضادة لدلالات الحجر والماء، المجتمعة في كينونة واحدة ( أمها)، القسوة والقوة، والدفء والحنية:
كل لحظة في عتمة الليالي، أحتاج إلى احتضان الصوت الصوفي الدافئ الحنون في بحته، والقوي في قسوته؛ لم أؤمن يومًا أن القسوة تنجب السعادة، ولم أشعر بأن قسوة الأم كالحجر الذي يتفجر منه الماء، لأنها تحاول العطاء بصمت لمن خرجوا من رحمها وترعرعوا بين يديها كسنبلة قمح كلما أينع ثمرها حصدتها لتثمر من جديد.. لك أمي أهدي روايتي " زند الحجر".
 أما المتن الروائي : فقد قسمته الكاتبة على ثلاثة فصول :
الفصل الأول: تضمن ثلاثة فقرات سردية : زند الحجر _ الوعد العاشر – الشرارة الأولى، بدأ السرد فيها على لسان سارد مشارك هو هدى الصحفية ابنة رؤوف بطل أحداث الرواية، مع راوٍ ضمني محايد هو الكاتبة.
الفصل الثاني : حلم الوحدة الاقتصادية، على لسان السارد البطل رؤوف
الفصل الثالث: السرد على لسان هدى كسارد بطل، بعد موت رؤوف البطل الرئيسي .
ترتيب الصفحة من فقرات وهوامش جيد جدًا، استخدام أدوات الترقيم جيد، الأخطاء الإملائية والنحوية تكاد تكون معدومة، والتنسيق المطبعي بشكل عام جيد.
3- المستوى اللساني والجمالي :
استخدمت الكاتبة الكثير من الألفاظ المحلية باللهجة العامية اللبنانية، لتعطي عملها صبغة محلية، وهذا مبرر ذرائعيًا، فهي تكتب رواية مكانية، عن بيئة اجتماعية محلية محددة ضمن نطاقها الجغرافي والزماني، نذكر بعض الأمثلة :
(ترويقة) حمص وفول= الترويقة هي وجبة الفطور الصباحية.
مصاصة مليئة ب الحلقوم واللوز وماء الزهر= راحة الحلقوم أو الملبن وهي نوع من الحلوى مكونة من الهلام والنشاء والسكر.
غبار الفقر و(التعتير): التعتير مصطلح عامي شائع في سورية ولبنان وبعض البلدان العربية الأخرى، للتدليل على شدة البؤس والفقر.
التتن = الدخان العربي
الداية = القابلة التي تقوم بتوليد الحوامل .
عروس الجبنة والأريش أو " الصاميجة"= ( ساندويش أو شطيرة جبنة بيضاء)
الباسما= عبارة عن الثلج والقليل من حمض الرمان والسكر.
السيكون= نوع من الأغصان اليابسة المرمية بين جوانب الشجر بعد العاصفة.
وظفت التراث الفني الغنائي باستخدام أغان كانت رائجة ذلك الزمن:
"سمعت عنين الناعورة، وعنينها شغل بالي، هي عنينا على المي، وأنا عنيني على الغالي، أوووف يابا" ص29
´(على ورق الورد حكتبلو على ورق الورد) أغنية كارم محمود
إضافة إلى بعض الأمثال الشعبية :
هم البنات للممات، معك قرش بتسوى قرش.
أدارت الكاتبة الكثير من الحوارات الخارجية والداخلية باللهجة اللبنانية العامية، لتضفي على عملها طزاجة واقعية محلية، تؤكد خصوصية المكان والبيئة :
" يا عمتي شو هالبرينطين على شعرك ومرتك ما كملت الشهر ؟" ص 32
" ليش هي كانت عايشة لتموت ما هي كانت ميتة"
"هيه يا زمن وين إيامك يا صندوق العجايب معك قرش بتسوى قرش ما معك قرش ما بتسوى بصلة، والله إلك وحشة يا عائشة على القليلة كنت ستر وغطا على صناديقي.
ذكرت بعض الشخصيات العامة المعروفة محليًّا مثل : محي الدين مرعب، البيك ياسين الرشيد، وعلي عيد.
معظم الصور البلاغية التي استخدمتها الكاتبة كانت تشابيه مع بعض الاستعارات :
- وقفت فاطمة بصوتها المبحوح الذي يئن كناي يلفظ ألحانه الأخيرة، كقطعة قماش مبلولة متهدلة من ثقل أرخى عليها همومه.
- انبعثت رائحة الموت من فراش أمها والنساء شاردات بوجه امرأة غابت الروح عنها كما غابت عنها السعادة في الحياة .
- الدمع في عينيها ينسكب كجدول ماء رقراق دافئ يروي بملوحته مخدتها المعجونة بأسرارها.
- السلم يرتجف مكانه كعجوز لا يتكئ .
- فحوى الحياة أنها تشبه كوز الصنوبر كلما انتشلنا منه حبة بصعوبة بقيت أخرى عالقة في دوفه لا تريد الخروج إلا بشق النفس.
- فرحى الحروب تطحن بقوة كل ما نضعه فيها إن كان من يمسكها قويًا بما يكفي .
- لأن الحروب لا نتدرب عليها نحن الشعب الفقير حين نصبح كالجنود بدون معسكرات نأوي إليها.
- لأننا نرتجل القوة من انفعالات تجعلنا نشعر بعدها أننا كذبابة لا حول لها ولا قوة.
- لبنان يشبه أمي الكوشارية الباردة الأعصاب والتي تريد لكل النساء أن يلدن على يديها، شهدت ولادات كثيرة منها ما بقي على قيد الحياة، ومنها ما تصارع مع الموت، ومنها ما اشتد عوده، وينتظر البلوغ ليعتمد على نفسه.
الأسلوب: هو أسلوب أدبي إنشائي، تنزاح فيه الكاتبة نحو الجمال الشاعري والرمز الإيحائي في الوصف، إضافة إلى استخدامها الأسلوب الإخباري في سرد الأحداث.
وعلى اعتبار أن المكان الروائي بناء لغوي يشيده خيال الروائي، والطابع اللفظي فيه يجعله يتضمن كل المشاعر والتصورات التي تستطيع اللغة التعبير عنها، وللروائي وسائله وسبله في تشييد هذا الفضاء، منها الوصف، واستخدام الصورة الفنية، وتوظيف الرموز، فقد استخدمت الكاتبة في وصف بعض الأمكنة الوصف الإخباري الديموغرافي المشهدي، وكأنها تلتقط مشاهدات عينية تختص بالجماليات اللغوية لبحث ديموغرافي مقارن على متغير الزمن، تقول :
صعدتُ درج حارة البرانية وسط الثياب الملونة على الحبال التي تتدلى من هنا وهناك، كأنها عصافير ملونة في أقفاص مفتوحة على مصراعيها، وصراخ الأولاد الذين يلعبون بين البيوت بمرح وسعادة، ويتطايرون عند رؤية امرأة لتصرخ فيهم أو تنادي أحدهم، لأكمل نحو حارة السيدة المتجهة نحو حارة التنك، فحارة البقار، لأتفقد الأمكنة التي ترعرع فيها أبي وولدتُ فيها، فكنت في فجوة زمنية أدهشتني، فمازالت هذه البقعة من مدينة طرابلس تشبه الغراب الأسود العاجز عن الطيران. ص 148
4- المستوى المتحرك :

o العنوان: كمكون نصي رمزي إيحائي مكثف.
زند الحجر: الزند هو أحد عظمتي منطقة الساعد، تصل المرفق مع الرسغ. هذا بالتعريف القاموسي، أما الزند في الوعي الإيحائي الذهني فهو مضافٌ يحيل إلى معانٍ مختلفة باختلاف المضاف إليه، فإن كان مضافًا إلى المرأة ( زند المرأة) فيحيل إلى معانٍ جمالية ورومانسية، انطلاقًا من الدلالة الحسية ومدلولاتها ( زند المرأة لين بض ناعم)، بينما ( زند الرجل ) يحيل إلى القوة والصلابة والتحدي والشعور بالأمان. وعلى كليهما يمكن الاتكاء والتوسد والاسترخاء بطمأنينة، أما ( الحجر) فيحيل إلى القساوة والجلف وشظف العيش والصعوبة.
الكاتبة رددت جملة العنوان ( زند الحجر ) في مواضع عديدة من الرواية، وكنتُ في كل موضع منها أحسبها تقصده، ففي الصفحة 37 مثلًا أتت على ذكر( زند الحجر) كمشبه به، والمشبه هو عصا العمة ( الحجة نورا)، ووجه الشبه هو الاتقاد والشرر الناتج عن اصطدام صلب بصلب :
..... نظرات عمتها التي حملقت فيها بدهشة وعصاها تتقد كزند الحجر، لتشعر بحرارة النيران .... ص37
لكنها أفصحت عن مدلول العنوان بشكل صريح وواضح في الصفحة 83، في بوح ( رؤوف) بطل الرواية:
" تعلمت النوم على زند الحجر بعد أن ألفه بقطعة من القماش البالية، هذا الزند الذي أضع عليه رأسي وأشعر بقساوة الأيام التي عشتها " ص83
وقد نجحت الكاتبة في وضع عنوان عملها الروائي هذا، حيث ربطت عليه عنصر التشويق، وجعلتنا نتتبع مدلولاته، الواحد إثر الآخر إلى أن أفصحت عنه جهارًا في إحالة إيحائية جديدة، وما كان هذا الإفصاح إلا استراحة تابعنا بعدها الجري، لنتتبع مدلولات المضاف إليه ( الحجر)، أي لنتتبع قساوة الأيام التي عاشها البطل، وهو يبحث عن زند لدن حنون يلقي عليه رأسه المثقل بالقهر .
o الموضوع :
تعددت المواضيع المتناولة في هذا العمل، فإلى جانب موضوع الحرب وتداعياتها، الذي كان شكل الثيمة الرئيسية للعمل، نجد مواضيع أخرى مطروحة بدقة وتفصيل لا تقل أهمية عن الثيمة الرئيسية، منها مواضيع منبثقة عن تلك الثيمة، وأخرى اجتماعية ونفسية، منه موضوع العلاقات الزوجية، حيث طرحت الكاتبة نماذج مختلفة من تلك العلاقات، وقامت بوصفها وتحليلها وكأنها تقدم دراسة اجتماعية أسرية، علاقة (عبد الغفور) بزوجته الأولى (عيوشة)، التي كانت قائمة على استلاب الزوج لزوجته الطيبة الحنونة، ذات الزوج حينما دخل مؤسسة الزواج للمرة الثانية مورس عليه الاستلاب من قبل زوجته (عيوشا) اللعوب التي تحمل الكثير من الحقد والبغض والكراهية لأولاد زوجها، وفي كلا الحياتين كان مهملًا في واجباته كأب اتجاه أولاده من الزوجتين، بل كان خارجًا عن الإنسانية في قسوته ونرجسيته، بالمقابلة مع عبد الغفور، هناك شقيقه أبو أحمد الذي يمثل نموذجًا للزوج الطيب الذي يراعي حق زوجته (عبلة) أم أولاده’ ويبقى على قيد الإخلاص لزوجته الأولى المتوفاة ( بهيجة)، هناك أيضًا (خلدون) المنجد الذي يطلب الزواج من (فاطمة) ابنة عبد الغفور ويحسن معاملتها، وهي تقبل به رغم فقره، ورغم أنه يكبرها بالعمر ومطلق وأب لطفلتين، وينجحان بتكوين أسرة سعيدة .
بالمقارنة ذاتها، هناك علاقة (رؤوف) بزوجته (خدوج)، وهي علاقة خارجة عن إطار السعادة، لأنها قائمة على قدر من الإجحاف، فخدوج لم تكن سكنًا لرؤوف ابن عمها الذي قابل الحياة يتيم الأم، وامتهن صنعة الأحذية الجلدية التي تعلمها من عمه ( أبي أحمد) والد خدوج، وقضى عمره بين الجلود والأحذية والقوالب الخشبية، رغم أنه أحب خدوج حبًا كبيرًا وجاهد للزواج منها، إلا أنه عانى من صحراء عاطفتها وطغيان طلباتها المادية، فهو لا يشكل عندها إلا بنك المال برأيه، يقول:
خدوج تراني كمغارة علي بابا تقتطع منها من الذهب ما يكفيها وتعود إليها خالية الوفاض لتأخذ منها وترحل، وبما يكفي لتعيش في بحبوحة وتدلل صبيانها. ص141
طرحت الكاتبة أيضًا قضية تغييب دور الأب في تربية الأبناء: خدوج ترى رؤوف مستهترًا وغير قادر على الاهتمام بشؤونه الخاصة فكيف يقدر على إدارة الشؤون العامة، فعمدت إلى تغييب دوره كأب في تربية أبنائه، واقتصرت أولوياتها على الاهتمام بمظهر بيتها، وعلى الإنجاب، طمعًا في إنجاب العديد من الذكور، وهنا تطرح الكاتبة موضوع تمييز الأولاد الصبيان عن البنات، والولد الكبير عن باقي أخوته:
تنفي أمي محاولاتها تغييب دور أبي في التربية عندما أواجهها بذلك، كانت تبرر ذلك بأنه لا يعرف كيف يهتم بشؤون نفسه فكيف يستطيع الاهتمام بشؤونه العامة وحتى الخاصة، ولم تشعر أن اهتمامها بالصبيان، وبتفضيل الكبير الذي تفتخر به .....ص 152- 153
الطرح الخطير كان طرح العلاقات الجنسية غير الشرعية خارج نطاق الزواج، كالعلاقة بين رؤوف السني المتزوج، وعفاف الشابة التي لم يعرف عنها أي شيء سوى أنها تعيش بمفردها في جبل محسن، بعد أن أرسلت أمها للعلاج عند أقاربها في مدينة طرطوس السورية، وجبل محسن منطقة تسكنها الطائفة العلوية، ثم تكون المفاجأة اكتشاف (هدى) ابنة رؤوف أن عفاف كانت مسيحية من أم يهودية، هذه ال (عفاف)، تشجع زواج الرجل من امرأة ثانية لكنها ترفض الزواج من رؤوف، وتختار أن تعيش معه حياة زوج وزوجة خارج مؤسسة الزواج الرسمية والشرعية، وفقًا لاعتقادها بأن (الزواج مقبرة الحب )، مجريات الأحداث تكشف أنها أيضًا كانت عشيقة سابقة لصديقه السوري الطرطوسي عبد اللطيف، عفاف استطاعت احتواء رؤوف وإغداق الحب والعشق والاحترام والتجدد على علاقتهما، يقول رؤوف مبررًا موقفه من تلك العلاقة:
لم أشعر أننا لسنا متزوجين، بل هي زوجتي أكثر من خدوج التي عشت معها سنين عديدة قبل عفاف، فانتمائي إلى عفاف ليس انتماء الذكر، وإنما انتماء الإنسان إلى الإنسان واحترام رغباته والاهتمام بشؤونه دون تدخل بقراراته أو فرض الحرب والسلام، إنما الحفاظ على ذلك الشعور المقدس كأمنا حواء وأبينا آدم ....ص133
هذه الفكرة باتت رائجة كمحاولة متطرفة لتلميع الاتجاه الحداثي بخرق العرف والعقيدة ومنظومة الأخلاق العربية الإسلامية والثوابت في مجتمعاتنا المحافظة، ولو كنتُ بمواجهة مع رؤوف لقلتُ له إن آدم وحواء كان بينهما رباط مقدس هو رباط الزواج، زوج وزوجة، أب وأم، لكن رؤوف يستدرك هذه الحقيقة، في لحظة استيقاظ الضمير واستحواز الندم حينما تغيب عنه الغرائز بغياب عفاف، ليقول في بوحه لابنته هدى :
ليتني لم أرضخ لها وتزوجتها، لكن الخوف من الناس أكبر من الخوف من الله، وهذا يصيب الناس بالعجز، أنا مؤمن أن الله سيغفر لي ولها.....ص141
هل كانت عفاف جاسوسة اسرائيلية؟ هو تساؤل طرحته الكاتبة كقضية مموهة، وأنا أستغرب أن تكون أمها يهودية ودخلت سورية، وتحديدًا مدينة طرطوس، هل كانت أمها منتحلة شخصية سورية مغايرة؟ على حد علمي أنه لا يوجد يهود في مدينة طرطوس، وأنا بنت تلك المدينة ؟ أم أن عفاف كانت كاذبة بكل ما ادعته، وأنها كانت فعلًا جاسوسة اسرائيلية كما خمنت هدى، كونها بقيت في لبنان فترة طويلة متوارية في جبل محسن في فترة حروب حرجة، وخصوصًا أنها اختفت بعد الحرب على الفصائل الفلسطينية ( حرب أبي عمار)، وهي أعطت تحذيرًا لرؤوف بعدم دخول جبل محسن تلك الليلة مدعية أنها سمعت الشباب يتكلمون بالتحضير للهجوم؟ كيف يعقل أن تكون عشيقة سابقة لعبد اللطيف ثم تنتقل عشيقة لصديقه رؤوف، وتحتفظ بمظهر البراءة، ويقول رؤوف في رقتها وعفويتها قصائد ؟! وهل تزوجها رؤوف فعلًا وسافر معها إلى ألمانيا مرورًا بقبرص؟ وهو الذي روى لهدى أنه نادم لأنه لم يتزوجها! وكيف ينسجم ذلك مع رواية عمة عفاف التي تذكر فيها أن عفاف توفيت بالسرطان الذي اشتد عليها بسبب حزنها على زوجها الذي توفى في ألمانيا في حادث قطار! بينم اتسرد ابنته هدى أنه مات أمامها منتحرًا في الشاليه الذي كان يجمعهما في القلمون ؟ أسئلة تركتها الكاتبة مشرعة أمام المتلقي - وهي تقريبًا توجهه باتجاه أنها جاسوسة- ليشاركها المتلقي في تأكيد احتمال يخامرها .
من المواضيع المطروحة أيضًا موضوع التفريق بين الأبناء، ( الشيخة سعاد) التي نبذت ابنها عبد الغفور لأنه متمرد رفض الخضوع لسيطرتها، فحكمت عليه وعلى أبنائه بالنفي عن نطاق عطاياها، فقضى حياته فقيرًا يبيع القهوة على ناصية سوق الخضار في مدينة طرابلس، بينما أخوه أبو أحمد وأبنائه يعيشون منعمًين في كنف ( الشيخة سعاد) في قريتهم في عكار، وكذلك أخته (الحاجة نورا) التي تسكن بيتًا عاليًا فسيحًا في حارة البقار، وتحت تصرفها سيارة مرسيدس هدية من أمها ( الشيخة سعاد) .
أيَضَا موضوع التمييز الطبقي على أساس الثروة، عبد الحميد رفض أهله -وهم من بيئة غنية _موضوع زواجه بعيوشا لأنها من بيئة فقيرة، رؤوف رُفض طلبه الزواج من ابنة عمه خدوج مرات عديدة من قبل عمه وعمته وجدته بسبب التفاوت الطبقي المادي، ولا اعتبار للحب ولا للتكافؤ ولا للقرابة، الاعتبار الأول والوحيد هو للثروة والتكافؤ الاجتماعي.
تعرض الرواية أيضًا لنشوء مهن غريبة وجديدة في زمن الحرب، لتكون في خدمة آلات الحرب والقتل والتدمير، بيوت جلدية متنوعة لمختلف قطع الأسلحة الفردية، اشتغل عليها رؤوف ليكسب قوت يومه بعد أن شح الطلب على الأحذية الجلدية التي كان يصنعها، وهناك الأغرب من ذلك، والأخطر، حشو قوالب الأحذية بمواد ( لم يصرح بأنها مواد متفجرة لكنها كذلك) :
وانتزعتُ من الأحذية قوالبها لأحشوها للمسلحين تحت تهديد السلاح بمواد لا أعرف مما تصنع، ولماذا هي، وكنت أكره حياة الضعف تلك عندما يتوجه مسلّح ما إليك واضعًا مسدسه في رأسك لتقوم بما يرغب فيه دون سؤاله ويرحل تاركًا لك تأنيب الضمير. ص142
تطرح الرواية موضوع الانتماء من عدمه، بمقاربة ذكية جدًا، حينما جعلت عبد الغفور وأخوه أبو أحمد أخوان من أم واحدة، الأول متمرد لا يعرف الانتماء، والثاني شديد الانتماء للأصل الوالد، أما المقاربة فكانت بين حيَين، ينتميان لأصل البلد، جبل محسن والتبانة، لكن الصراعات بينهما تنفي انتماءهما للأصل الأخوي، ولنا أن نتوسع في المقاربة لنرصد أحوال الكثير من البلدان العربية التي شتتها الصراعات، وما عاد الانتماء للقيمة الكبرى الوالدة ( الوطن) من أولى أولوياتها.
o الاستهلال :
اتبعت الكاتبة في بناء الحدث الطريقة الحديثة، يبدأ الكاتب فيها بعرض الحدث من لحظة التأزم، ثم يرجع إلى الماضي بتقنية Flashback ليروي بداية حدث القصة، مستعينًا في ذلك ببعض التقنيات والأساليب مثل مجرى الشعور Stream of consciousness والمناجاة Soliloquy والذكريات Memories، والكاتبة أضافت إلى روايتها شيء من البوليسية، فيما يخص الغموض المحيط بعفاف كشخصية مجهولة النوايا وغريبة السلوك، عبر انتهاجها أسلوب وخطاب التحقيق الصحفي لذلك جاء الاستهلال مباشرًا، وكأنه استعداد لسرد حكاية مروية سابقًا بكثرة، وعلينا فقط أن نُستثار لسماعها والمشاركة في صياغتها، تقول الساردة هدى :
حاولت إعادة الحكاية كلها التي رواها أبي لي منذ البداية لأستكشف تلك النقاط التي بقيت مجهولة في ما وراه،....ص12
وعلى هذا الاستهلال ربطت الكاتبة خيطًا آخر من خيوط التشويق، من غير تصنع، ثم بدأت برمي بقية الخيوط عبر تساؤلات أو محاور تعريفية بشخوص رئيسية في الرواية، ماهية الحب الذي يجمع بين التضاد في كل شيء، صانع أحذية مع عازفة كمان، متزوج وعازبة، مسلم ويهودية أو مسيحية، وقد غرست تلك المحاور على أرضية بحث اجتماعي إنساني، في بيئات متناقضة ومتناحرة، تقول :
يبدو أن أحجية قصة الحب بين أبي وعفاف تشبه قصة القتال بين جبل محسن والتبانة في حارة التنك،..... إن علو النفس الإنسانية في غطرسة اجتماعية تسبب للكثيرين الإحساس بالدونية التي تثير زوابع الصراع الذي لا ينتهي. ص 22
o الزمكانية :
"والزمان والمكان صنوان متلازمان لا ينفصلان، المكان ثابت والزمان متحرك، وهذا ما يعكس لنا ديناميكية واستاتيكية الحياة، كينونة الساعة دائرة ثابتة تدور حولها عقارب تحسب لحظات ودقائق وساعات الديمومة مؤشرات للحياة فوق هذا المكان الثابت" ، يحقق في ثباته احتواء واستقرار الأشياء الحسية، فهو مدرك بشكل مباشر بالحواس، لأن " المكان صورة أولية ترجع إلى قوة الحساسية الظاهرة التي تشمل حواسنا الخمس" ، على عكس الزمان الذي يدركه الإنسان إدراكًا غير مباشر من خلال فعله فيه.
إذا اعتبرنا مولد البطل رؤوف أول حدث سردي، يكون زمن أحداث الرواية سابق بسنوات للثورة الشمعونية التي بدأت في العام 1958، وممتد إلى العام 2018 وقت إصدار الرواية.
وقد تردد ذكر أماكن متنوعة، ومناطق عديدة في الرواية، في طرابلس لبنان، نهر أبو علي، السويقة، القبة، جبل محسن، التبانة، حارة التنك، حارة البقار، الميناء، الكورة، حارة البرانية، ثكنة بهجت غانم، مقهى أبو مراد، عكار، قرية عيدمون، محلة القلمون، الضم والفرز، رفعت الحلاب ساحة التل، بشمزين الكورة، بيروت، الحمرا، حماة وطرطوس في سورية.
لنرصد كيف أسّست الكاتبة للأمكنة في فضائها الروائي، بادئة من بيت عبد الغفور النواة التي انطلقت منه شعلة الأحداث بموت زوجته عيوشة وهي تلد رؤوف بطل الرواية، تحدد موقعه الجغرافي، ثم تنطلق لوصفه، مقرنة ذلك مع حدث البداية:
بدا البيت الحجري القابع على كتف نهر أبي علي بزواياه الضيقة حزينًا على صرخات الحياة والموت التي تتصارع بين بداية ونهاية، فما بين بكاء الأولاد والأهل على موت مفاجئ وبكاء المولود الجديد....ص24
لف الحزن البيت الحجري الذي يترنح عند هدير الشتاء تحت أي عاصفة قوية قد تتركه بين طوفان آخر لنهر أبي علي المنساب كشريان مائي يمنح السويقة عبق التاريخ القديم...... ص25
والمكان- سواء كان مشهدًا وصفيًا أم مجرد إطار للحدث – يدخل في صلات وثيقة مع باقي المكونات الحكائية في النص الروائي، " كما يدخل في نسيج النص من خلال حركة السارد في المكان" ، فيتغير إيقاع السرد بعبور السارد أمكنة مختلفة في الرواية مما يؤدي إلى تغيير الأمكنة داخل الفضاء الروائي، الذي ينتج عنه" نقطة تحول حاسمة في الحبكة وبالتالي في تركيب السرد والمنحى الدرامي الذي يتخذه" .
كانت قرية عيدمون من أوائل انتقالات المكانية لبطل الرواية رؤوف الذي تولى مهمة السرد في الفصل الثاني من الرواية، والتي من عندها سيتغير اتجاه السرد- بعد الحدث الطارئ الذي انقلبت عنده رتابة السرد ( تعدي عبد الغفور على ابنته فاطمة بالضرب المبرح)- من عمومية الأشخاص (عبد الغفور وعائلته وأهله) إلى خصوصية الشخصية البطلة ( رؤوف):
كانت قرية عيدمون قريبة من القبيات، وهي بين الجبال كجبين ناصع الجمال، حيث كنت ألعب بين حقولها وبساتينها دون ملل، كان ينقصني أختي فاطمة لتكون معي، لم أقبل العودة إلى بيت عبد الغفور المحنك مع النساء، والقاسي مع أولاده، بعد أن رجوت خالتي البقاء عندها،...... أقنعتها بأن أبقى عندها شرط أن أتعلم مهنة صنع الأحذية من عمي ابي أحمد فوافقت الكوشارية .... ص82
وإذا كان المكان" يتخذ دلالته التاريخية والسياسية والاجتماعية من خلال الأفعال وتشابك العلاقات، فإنه يتخذ قيمته الكبرى من خلال علاقته بالشخصية " ، وتبدو أعلى درجات هذه القيمة حين يكون المكان جزءًا من بناء الشخصية، لأن "الذات البشرية لا تكتمل داخل حدود ذاتها، ولكنها تنبسط خارج هذه الحدود لتصبغ كل ما حوله بصبغتها، وتسقط على المكان قيمتها الحضارية"
وإلى ذلك أشارت الكاتبة في معرض الحديث عن شخصية العمة ( الحاجة نورا) التي يجعلها المكان العالي الذي تسكن فيه في حارة البقار الناشئة الحديثة في أبنيتها، تمارس نوعًا من الارستقراطية على أهل البيوت المنخفضة الفقيرة في حارة التنك، رغم أنها تتمتع بالطيبة بالأصل، لكن رفعة المكان تمددت على شخصيتها:
دخلت بيت عمتي التي تجلس أمام نافذتها المطلة على مدخل حارة التنك وفي يدها منديل صغير أبيض تلوح به لي جارة تمر تحت نافذتها لتصعد وتشؤب القهوة معها، كنت أشعر أنها سعيدة بجلوسها في علو والبيوت منخفضة من حولها، كأنها ذاك الرجل الذي يمارس هواية كش الحمام، أو كأنها تمارس بكواتيتها الصغرى في حارة التنك الفقيرة والمعدمة. هكذا نحن الفقراء نمارس السلطة بعضنا على بعض وبدرجات منخفضة ....ص104
هناك علاقة نسب وكنية بين الإنسان والمكان، لا تظهر إلا عندما يغادر الإنسان مكان المنشأ إلى مكان آخر، لتبقيه غريبًا في مكان الامستقر، ومنتميًا بشدة إلى مكان المنشئ، الداية أم ابراهيم نسي الجميع اسمها، لكنهم نسبوها بالكنية إلى بلدها :
.... خالتي الكوشارية التي تزوجت رجلًا من قرية عيدمون فبات الكل ينادونها بالكوشارية نسبة إلى قرية الكواشرة التي ولدت فيها، ص 102
إن الروائي، في معرض بنائه للمكان السردي، يعمد إلى جعل هذا المكان متوافقًا مع أمزجة شخصياته وطبائعها، بحيث تبدو كما لو كان مستودعًا باطنيًا حقيقيًا للحالة الشعورية والذهنية للشخصيات، كما يعمد إلى جعل المكان يكشف ستر الحالات اللاشعورية للشخصيات، ويساهم في تنامي التحولات الداخلية التي تطرأ عليها، أي يقوم بدور عاكس Reflector لأحاسيس الشخصية الروائية، بل أكثر من ذلك، إذ يمكنه القيام بدور الشخصية ذاتها، وذلك "باعتباره تصويرًا لغويًا يشكل معادلًا حسيًا ومعنويًا للمجال الشعوري والذهني للشخصية"
عن ذلك التوافق تحدثت الكاتبة حينما ربطت بين غرفة عبد اللطيف في بعل الدقور وبين شخصية رؤوف، الغرفة تبنت وترعرعت فيها شخصيته بحرية من غير رقيب ولا حسيب، والتي ابتلعت أسراره وأسرار عبد اللطيف وعشيقته، واعتبرها صندوقه الأسود:
كانت الغرفة في بعل الدقور كناية عن غرفة من الحجارة المربعة والغليظة، سماكتها تكفي لشعور من بداخلها بأنه معزول عن الأصوات. كانت جنتي الصغيرة بعد بيروت، ولا أعرف كم استطاع عبد اللطيف حفظ أسرارنا في هذه الغرفة، التي كانت تضمه أيضًا مع عشيقته، التي تترك بصمات شفتيها على الكؤوس، وشموعها المعطرة. كنت أعيش الهدوء والسكينة وأشرب العرق ..... لكن عبد اللطيف في الحقيقة. كان كصبي القهوة بالنسبة إلي بجهز لي جلستي المازية، وأعطيع من المال ما يحلو لي، فكنت أشعر كأني آغا لم يعرفه التاريخ..... ص99
المكان والحرب :
تأثير الحرب على المكان وشاغليه هي (الحكاية ) التي تحكيها هذه الرواية، المكان فيها ليس فقط بنية مادية معلومة مجسدة جغرافيًا بل هي فضاء اجتماعي مختزل في تمسرح الحياة:
كانت الحارة ( البقار) دافئة ومحبة بعضها لبعض كنا أشبه بقرية صغيرة في أبنية عالية وشوارع نظيفة، والأحصنة المختالة فيها تجر خلفها الطنبر لبيع الكاز، إذ أن البوابير لم تكن تعمل على الغاز يومذاك، لكن الحارة كانت جميلة ومشرقة في تلك الأيام ، بل كجنة في طرابلس، لأنها تعلو عن التبانة وتتمتع بالهواء البارد ليلًا وبمياهها الرشعينية، صحيح أنها ملاصقة لحارة التنك، ولجبل محسنو وللتبانة أيضًا، إلا أنها كالمنارة التي تشع بالحياة، فقد عشنا فيها عشر سنوات من أجمل السنين الهادئة معًا وثلاثة أبناء. ......ص109
إلا أن الحرب تدمر مسرح المكان أو الفضاء الروائي مرات عديدة، مطوحة بالممثلين الذين يتناسلون عبر ثلاثة أجيال، لتودي – عبر تداعياتها- بكل واحد منهم إلى مصيره، بعضهم إلى حتفه، مثل ( طه وعائلته) نتيجة إصابتهم بمرض الكوليرا التي اجتاحت البلد المنكوب بتلك الحرب، أو إلى المصحة النفسية (محمود)، والموت انتحارًا لبطل الرواية ( رؤوف) بعد تغريبة اجتماعية وجودية امتدّت به طويلًا، وانطواء مطبق لكل شخصية على مأساتها. مصائر هؤلاء الممثلين الروائيين هي معادل موضوعي لمصائر اللبنانيين خلال الحرب:
إلا أن الحرب وضعت أوزارها وحطت الكارثة على طرابلس بعد أن قتل أبو علي في التبانة، وتفلبت المآسي على الأفراح، وانقلبت حياة حارة البقار رأسًا على عقب ..... لم يسلم البعض من سكان حارة البقار من خلافات الإخوة بين جبل محسن والتبانة، .... هُجرت الحارة، وبقي فيها من ليس لهم قرية في عكار أو بيت في جرود الضنية،.... بدأت الفتنة تشتعل وتشتد بين جبل محسن والتبانة .....ص 109-110.
مات عبد الغفور شحيحًا من كل شيء إلا من اهتمام عيوشا التي أنهكته حتى آخر نقطة في روحه.
اختفى عبد اللطيف بعد أن تزوج أسترالية ... تاركًا دون السؤال عنها ... وغرفة بعل دقور دمرتها القذائف بين منطقتي جبل محسن والتبانة .
حتى الكوليرا التي حصدت الكثير، ولم ينجُ منها أخي طه هو وعائلته، فقد مات هو وزوجته وابنته.
فاطمة التي عاشت قساوة الحياة ومرارتها ، وها هي تتذوق الحرب، لأن بيتها على الخطوط الحامية في المعارك وما كان عليها إلا الرحيل نحو الكويخات قرية زوجها في عكار. ....ص111
من حرب الرغيف الذي تلذّذ به أخي محمود المرمي في غرفة داخل مستشفى المجانين، إلى حرب المحروقات وبلبلة الحاجة إلى المياه التي باتت شحيحة طوال سنوات فقدناها هي والكهرباءو كل ذلك لم أشعر بقوته إلا بعد أن فقدت عفاف التي كانت لي درعًا يحمي قلبي من رصاصة الذاكرة التي تقتلني الآن آلاف المرات ....ص 142
لم تُبتلى طرابلس بالحرب الأهلية فقط، بل أيضًا بحرب الفصائل الفلسطينية ( حرب أبي عمار)، التي اختفت من بعدها عفاف عشيقة رؤوف، وكان هذا الحدث نقطة انعطاف كبيرة في نفسية الشخصية البطلة ( رؤوف)، حيث تعامل مع الأمكنة وكأنها شخصيات أو قيَم حية متسببة في هذا الفقد، تستحق الكره واللعنة :
كرهت الحروب والاقتتال والصراخ والصراع الذي ينشأ بين الأب وابنه وبين الأم وابنتها، لعنت المعارك التي تبدأ وتأخذ من نحن عنوة منا، حتى جبل محسن والتبانة والقبة ما عدت أحب رؤيتها جميعًا.... ما زالت إلى الآن حارة البقار هيكل الحرب التي لم تمت بل تركتها منخورة العظم دون دفن في قبر تستحقه.... ص140
إن الروائي حين يعمد إلى إسقاط مجموعة من الصفات الطوبوغرافية على الفضاء أو المكان الروائي والتي هي عبارة عن:"المعاني الوصفية التي تدخل في تركيب صورة المكان والقيم الرمزية المنبثقة عنها " ، إنما بفعل ذلك بغية البرهنة على العلاقة بين المكان والشخصية في النص الروائي، كما أن اختلاف هذه الصفات وتنوعها من مكان إلى آخر في الفضاء الروائي يمكن أن يعكس لنا الفروق الاجتماعية والنفسية والإيديولوجية لدى شخوص الرواية، تقول هدى :
بيت خالتي يمسك بأطرافه حارة البقار وحارة التنك، وليس فيه سوى حديقة تزرعها وتجعل منها بستانها الصغير ، فما زال زوجها العجوز يقاوم الحياة كحديقتها، إذ يتعتني به تبعًا لإيمانها بقوة الحياة التي يئس منها أبي. قطة خالتي إيزابيل تنام على الأريكة الاسفنجية ... الكل هجر حارة البقار ، إلا هي فقد تمسكت بجدران منزلها تمسكها بزوجها وقطتها إيزابيل . ص 149
إن الوصف الروائي للمكان قد يقتصر على بؤرة بعينها أو يكون شاملًا بحيث يعرض مشهدًا أو مشاهد مكانية كاملة، وهو يهدف إلى " تهدئة الحركة السردية الصاخبة، والتخفيف من حدة الأحداث القهرية، من خلال بث صور بصرية تتسم بالرومانسية ... ما أن تقع عليها العين حتى تستشعر الهدوء والسكينة "
بدأت الحركة تدب في السويقة رويدًا رويدًا، وغاب عنها صوت القهوجي عبد الغفور الذي أسمع صدى صوته، والحمام في رقصته الصباحية فوق البيوت القديمة والمكومة، كأنها صناديق الخضرة في سوق الخضار. أما جامع البرطاسي الذي يجمع بين كفيه القديم والجديد، فما بين جرس الكنيسة المعلق بين البيوت المرسومة في علو أمام من يقف عند جامع البرطاسي، وبين مئذنته نسيج سماء واحدة تجمع البشر الذين يبحثون إما عن المعارك التي يفتقدونها وإمّا السلام المفقود. ص 147
إن الصفات الطبوغرافية التي يسقطها الروائي على المكان، محدّدةً إياه من حيث الشكل والنوع تؤكد لنا مدى استثمار الروائي لتلك الصفات لتجلية دلالات معينة تغذي نصه الروائي، وتمثّل منعطفات مشعة في عالم النص، من هذه الدلالات على سبيل المثال تحديد حركة المكان، وهي حركة تنطوي على أهمية نظرًا لأنها تكشف عن " مفهوم الحرية، حرية الإنسان في استخدام المكان ومحاولته أن يجعل المكان -على الرغم من محدوديته- حقلًا واسعًا يتحرك فيه كيفما شاء "
وحده نهر أبي علي يجري كما ينبغي له غير مهتم بما تفعله به أيدي البشر، ربما يخافون طوفانه مرة أخرى ، فيكتسح البيوت غير آبه لشيخ أو طفل أو حتى حجر، كما فعل منذ سنين قبل أن يبنوا له السور ويضعوه في سجن من الباطون المسلح الذي جعله كمن يجري في ميدان سباق الخيل الذي تولع به أبي وأدمن الرهان فيه. مشيت على جسر نهر أبي علي لأفتش عن بيت جدي عبد الغفور، وأبحث بنظري عن مطارق الحديد التي تشير إلى مدخل الحارة التي نشأ فيها أبي بين عقبة الزاهد وطلعة الحمراوي، وطلعة المجذوب، وعقبة المفتي، حيث دار المفتي ودار الخوري..... ص 148

الحبكة :
أحداث الرواية تبدأ من عائلة فقيرة تعيش على هامش المجتمع اللبناني الطرابلسي، هي عائلة عبد الغفور الذي يعتاش من مهنة بيع القهوة على بسطة يضع عليها مصبات القهوة في مدخل سوق الخضار في طرابلس ... زوجته عيوشة وأطفاله أحمد وطه ومحمود وفاطمة، ورؤوف بطل الرواية، الذي تسلم الحياة من أمه وهي في حضن الموت أثناء الولادة، عبد الغفور شخصية متمردة، عانت من تهميش وتعنيف الأم ( الشيخة سعاد) المتسلطة لأنه لم يرضخ لرغباتها وأوامرها، لذلك كانت تفرق بينه وبين أخيه ( أبو أحمد)، و بينه وبين بين أخته ( الحاجة نورا)، كان التمييز والتهميش عاطفيًا وماديًا، لذلك ترك قريته في عكار واتجه إلى مدينة طرابلس، لم يعبأ عبد الغفور بعائلته أبدًا، ولم يثر موت زوجته عيوشة وهي تضع طفله الخامس ( رؤوف) فيه أي ألم، بل على العكس، موتها أتاح له التحرر من التزامه بالشيء القليل اتجاهها، إذ لم تكن عيوشة إلا وعاء يفرغ فيه غرائزه ورغباته الجنسية التي لم يوقفها عليها فقط، بل على العديد من بائعات الهوى اللواتي كانت توفرهن له قوادة الحي. لكن القدر عاجله بالارتباط والزواج بابنة عمته، وهي تحمل نفس اسم زوجته الأولى ( عيوشا )، لكن الثانية كانت مختلفة تمامًا عن الأولى، بين حنية ورقة التاء المربوطة وجلافة وقسوة الألف الممدودة ، تلاعبت عصا عيوشا به وبأولاده بكل الشر والكره والبغض، وخصوصًا لابنته فاطمة التي آلت على نفسها أن تربي أخاها رؤوف، ولم تسمح لعمتها الحجة نورا المرتاحة ماديًا بأخذه وتربيته في كنفها، كنت مكائد عيوش لإبعاد أولاد عبد الغفور عن البيت كثيرة، إلا أن أخطرها كانت المكيدة التي مست فيها شرف فاطمة حينما أبلغت عبد الغفور بزيارة خلدون المنجد إلى بيتهم للإلتقاء بفاطمة، لوجود علاقة بينهما، ليقوم عبد الغفور بضرب فاطمة ضربًا مميتًا كاد يقضي عليها، ينتهي بها إلى تشوهات في وجهها، ومناطق من بدنها، وقبولها بالزواج من خلدون الفقير المطلق والأب لطفلتين. عند هذا الحدث يتغير رتابة الأحداث بتغير مصائر الشخصيات، وخروجها من المكان الأول ( بيت عبد الغفور)، باحثة عن مستقبلها الذي دُفعت إليه دفعًا، الأخ الكبير أحمد غادر باتجاه السوق للعمل في تصليح الراديوهات والساعات، طه انضم إلى الجيش وينام في الثكنة، محمود آوى إلى فرن أبي عشير ليعمل فرانًا وينام في الفرن، وفاطمة غادرت إلى بيت الزوجية، أما رؤوف الطفل فقد فر إلى خالته الكوشارية الداية التي تعيش مع ابنها إبراهيم في عكار، التي أهدته بقرة صغيرة ( البريصة) كان يغفو قربها على زند الحجر، قبلت جدته الشيخة سعاد بإقامته عند الكوشارية شرط أن يتعلم مهنة صنع الأحذية من عمه أبي أحمد، وهنا تعلق قلب رؤوف بابنة عمه خدوج، وأرسله عمه إلى سوريا مع أبي خالد الحموي ليدرز له الأحذية ويتعلم المهنة بحرفية كاملة، يسافر عاقدًا العزم عند عودته على شراء دكان وبيت صغير ليتزوج خدوج ويقيمان معًا فيه. لكن نشوب حرب شمعون، وخوفه من انغلاق الحدود بين البلدين تجبره على العودة بعد سنتين، ليشترك مع ابن خالته إبراهيم بالتظاهرات والاجتماعات السرية مع الشباب في طرابلس وعكار والمطالبات الشعبية المحقة حسب وجهة نظر كل من الأطراف المتصارعة، ابراهيم الذي كان لسان الحكمة اختفى بعد نشوب الأزمة الكبرى عام1958، سافر رؤوف بعد خطبة خدوج لأحد الشبان إلى بيروت، وعمل في محل أحذية بشارع الحمرا، وهناك كل مباهج متع الليل، وعرف الطريق إلى ميدان الرهان في سبق الخيل، يزور طرابلس زيارات محدودة في الشهر، يقضي جل وقته مع صديقه عبد اللطيف في سهرات السكر بغرفته ببعل الداعوق، يعود رؤوف بعد خمس سنوات ويتزوج رؤوف من خدوج بعد طول رفض من جدته وعمته وعمه وأبيه، ويشتري دكانًا ويعمل فيه مع أخيه أحمد، تزدهر أعمالهم ويعيشون ببحبوحة، لم تكن خدوج الزوجة التي وفرت السكينة والود والعلاقة الحميمية لروؤف، انشغلت عنه بإنجاب الأولاد وتدبير البيت، فكانت عفاف الزند والحضن الذي ارتمى فيه دون أن يتقصى عن أصلها ومنبتها وديانتها، وماضيها، عفاف اختفت بعد حرب أبي عمار، تاركة رؤوف يعيش منكفئًا على نفسه، حزينًا على فقدها، نادمًا على عدم الزواج بها، تصيبه الفاقة يكبر و يشيخ، ويعيش في الشاليه الذي جمعهما معًا، وحيدًا إلا من هدى ابنته الصحفية، بينما هاجرت خدوج وأولادها الصبيان إلى خارج لبنان هروبًا من ويلات الحرب وتداعياتها التي لم تنته إلى الآن، يسرد لابنته الحكاية، ثم ينهي حياته منتحرًا على كرسيه المتحرك الذي لزمه طويلًا بعد إصابته بالشلل الناتج عن جلطة، هذا الحدث يشكل ذروة التشابك السردي الدرامي، وهنا نقر بحرفية الكاتبة فنيًا ومعرفتها بافنية الأجناس الأدبية سيما السردية، لأنها لم تجعل حدث موت البطل نهاية- فالموت ليس نهاية في التشابك السردي وفق المفهوم الفلسفي الذرائعي للتشابك السردي- بل جعلته ذروة ينقلب من بعدها التشابك السردي بأحداث وليدة جديدة تقود باتجاه الانفراج، تكون البطولة فيه لهدى التي تقود مجرى الأحداث باتجاه البحث عن هوية عفاف والتقصي عن أخبارها للإجابة عن الكثير من التساؤلات المحيرة بشأنها، وتلعب الصدفة دورًا كبيرًا في سير الأحداث عندما تلتقي هدى بصديق والدها عبد اللطيف وهي تجوب الأماكن التي عاشت فيها طفولتها والتي دارت فيها الأحداث المسرودة على لسان والدها، وهنا أيضًا تضعنا الكاتبة أمام احتمالية الشك واليقين حول عفاف، هل هي عشيقة عبد اللطيف فعلًا ؟ يأخذها البحث إلى بشمزين عند عمة عفاف، ولم تستطع الجزم إن كانت عائلتها مسيحية، لكنها تؤكد على أنها عائلة ملتزمة اجتماعيًا، وهناك عرفت من عمة عفاف أن عفاف ماتت منذ أشهر بمرض السرطان، وأنها كانت حزينة على زوجها الذي مات بحادث قطار في ألمانيا، عرضت العمة الصور على هدى، وكانت المفاجأة أن من يظهر في الصورة مع عفاف هو والدها فعلا! كيف تزوجا؟ وكيف سافر رؤوف إلى ألمانيا دون أن يحس به أحد كلها أسئلة تركتها الكاتبة على قاعدة النهاية، هدف الصراع في مثلث الانفراج كان محاولة إجلاء الغموض عن عفاف، هل هي إنسانة طيبة ؟ صادقة ؟ من هي ؟ هل هي اسرائيلية ؟ لم تستطع الساردة الحسم، لكنها تركت لنا رمزًا تقنيًا لا يخطئه الوعي الجمعي العربي وغير العربي، الميدالية على شكل اليد الموضوعة في سلسلة كان يرتديها رؤوف، وذات الالميدالية الرمز حملها صدر عمة عفاف، وباب بيتها، فما الجدوى من استكمال البحث لكشف اللبس الذي يغلف الحقيقة الخطيرة أمام هذا القدر من الرموز ؟
النهاية :
مفتوحة على رمز تقني، اليد، رمز من الشعارات الاسرائيلية :
فاتني أن أسأل أين دفنت زوجة أبي السرية، هذا ما يجب معرفته، لكن ، وماذا يعني ذلك ما دام رمز اليد في السلسلة على صدر أبي هو نفسه على صدر عمتها وعلى باب البيت. ص191
تكشف الكاتبة بهذه النهاية عن حقيقة خطيرة جدًا، وهي أن رؤوف كمعادل موضوعي للشعب اللبناني، أو للحكومات العربية، وقع ألعوبة في يد اسرائيلية، سحرته بالشعارات البراقة التي توشحت بوشاح الإنسانية الحرة المتفلتة من المعتقد الديني، حتى ولو ارتبطت شرعيًا يكون ارتباطًا سريًا، هذه اليد ألقت ألعوبتها نهبة للعجز والعوز والشلل، أتلفتها بعد أن قضت غرضها منها.
o الشخصيات :
اعتنت الكاتبة ببناء شخوصها إلى حدّ ما، وحرصت على تتبهع تطورها الزمني والفكري والاجتماعي مثلا : أحمد ومحمود وطه وفاطمة وعبد الغفور وأبو أحمد والشيخة سعاد، والحاجة نورة، والكوشارية وابنها إبراهيم، وخدوج وعبد اللطيف وعفاف، وهدى، لكنها ركزت على الشخصية البطلة رؤوف على اعتباره دلالة رمزية بالعموم(إنسان)، ومعادل موضوعي بالخصوص( الشعب اللبناني).
o السرد:
كان هناك ساردَين مشاركَين في هذا العمل، هما رؤوف وهدى، كلاهما تحدثا بضمير المتكلم، لكنهما أيضًا تقمصا في بعض مراحل السرد مهمة السارد المحايد، لم نجد فرقًا في أسلوب السرد بينهما، رغم أنه يفترض أن يكون هناك فروقات بسبب اختلاف الثقافة، بين صانع أحذية وصحفية، ومرد ذلك إلى سطوة الكاتبة على الروي، فالكاتبة هي الراوي الضمني، وليس في هذا العمل تعدد رواة، بل تعدد ساردين، والراوي واحد وهو الكاتبة. ومع ذلك لم تسلم من الوقوع في خطأ في تحديد عمر الشخصية البطلة رؤوف، في فقرة ذكرت أنه ستيني، وفي فقرة تالية ذكرت أنه خمسيني، ويفترض أن يموت سبعيني.
5- المستوى النفسي:
 المدخل العقلاني :
تتناص الكاتبة اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المل في هذا العمل مع تجربتها الحياتية الخاصة أو مع تجارب حياتية لأناس آخرين تعرفهم، ولا غرابة أن يتطابق اسم وكنية الكاتبة (ضحى عبد الرؤوف المل) ومهنتها ( صحفية وروائية ) مع الشخصية الروائية الصحفية هدى رؤوف .
تتناص الكاتبة مع أعمال أدبية لأدباء وأديبات سابقين، مثل الكاتبة اللبنانية هدى بركات في روايتها " حارث المياه" ( دار النهار 1999)، كلتاهما أعطتا المكان صفة البطولة، كذلك تتناص مع مي منسى في " المشهد الأخير" ( دار النهار 2003) في تأثير الحرب على المكان وشاغليه، على اعتبار المكان فضاء اجتماعي وليس مجرد بنية مادية، في المشهد الأخير ينتهي شريف في مصح عقلي، وفي زند الحجر يقبع محمود في غرفة من غرف المصحة النفسية
 المستوى التقمصي :
بعض الحكم والمواعظ التي طرحت في العمل :
- الأبناء ليسوا من ننجبهم إلى الحياة يا هدى، الأبناء هم من يمسكون أيادي الآخرين ليكونوا كالعصا.
- يسرق الخبث من الإنسان عمره كله، ويمنح الخير للإنسان عمرًا آخر.
- جلّ ما أعرفه أن أبا خالد الحموي علمني الرجولة بحق، وجعلني أدرك أن الإنسان بصمته وقلة كلامه، وبما ملكت يمينه.

 المدخل السلوكي :
كان هناك العديد من التساؤلات المطروحة في العمل، ولفتني هذا التساؤل بلاغي :
لفتني المسن الذي كان يستخدمه عمي لشحذ سكين التفصيل، كان يشبه زند الحجر الذي أنام عليه، وكنت أتساءل : هل يشحذ زند الحجر أحلامي فتتحول إلى كوابيس ترعبني ليلًا ... ص84
إضافة إلى العديد من التساؤلات الوجودية الحائرة، كالتساؤلات التي تنتاب الأطفال حيال موضوع الموت:
لم ينم محمود تلك الليلة وهو يفكر لماذا ماتت أمه ولم تمت أمهات الأطفال الآخرين؟ وأين هي الآن، ولماذا لا تأتي مرة واحدة وتضمه قبل الرحيل؟ ص 45
البعض منهم يولد ميتًا والبعض يولد يتيمًا مثلي، لكني لا أعرف لماذا لم أولد ميتًا؟ ص 98
تساؤلات ونتائج في عمق علاقة الديمومة البشرية بين الرجل والمرأة :
الرجل بحاجة إلى امرأة تطوق قلبه المتعب، وتعمل على تفريغ الطاقات السلبية التي يتعرض لها طوال النهار، وإلا كيف يكمل الحياة وهو يصارع حروبه الصغيرة والكبيرة لكسب الحياة ؟
ص 115
هناك تساؤلات ضمنية، أشارت إليها الكاتبة عبر إجابات فلسفية تهكمية من نوع الكوميديا السوداء:
قال أحمد لأخته في صباح يوم شتائي مكفهر إن البيت السعيد هو البيت الذي لا يحتاج أصحابه إلأى رفع أصواتهم ليسمع بعضهم بعضًا، وبيتنا سعيد لأننا نصمت ولا نتكلم نهائيًا خصوصًا بعد حضور عبد الغفور.
في الختام :
هذه الرواية منتج فني من منتجات السرد الروائي الذي لعبت فيه كل عناصر الروي الفنية دورها المنوط بها، بل لقد أتاحت الكاتبة لكل عنصر أن يشغل دور البطولة، فكان المكان بطلًا، والزمان بطلًا، وثيمة الحرب والحب والموضوعات الأخرى، الشخصيات، والساردين، كلها لعبت دور البطولة بالقدر الذي أتاحته الكاتبة والتي شاركت فيها أيضًا كراوٍ ضمني.

#دعبيرخالديحيي الاسكندرية 26 /6/2022










المصادر والمراجع
1- الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية، تأليف / عبد الرزاق عودة الغالبي، تطبيق / د. عبير خالد، دارالناابغة للنشر والتوزيع، طنطا، ط1، 2019م،
2- حسني البحراوي، بنية الشكل الروائي: الفضاء – الزمن- الشخصية، ط1، الدار البيضاء، المركز الثقافي العربي ، 1990م
3- مصطفى الضبع، استراتيجية المكان، القاهرة، الهيئة العامة لقصور الثقافة، أكتوبر 1998م،
4- يمنى طريف الخولي، إشكالية الزمان في الفلسفة والعلم" الف" مجلة البلاغة المقارنة، القاهرة ، الجامعة الأمريكية، 1989م، عدد9
5- يوري لوتمان، مشكلة المكان الفني، ترجمة سيزا قاسم دراز" الف" مجلة البلاغة المقارنة، القاهرة الجامعة الأمريكية، عدد6، ربيع 1986م
6- حميد لحمداني، بنية النص السردي، ط1، بيروت، المركز الثقافي العربي، 1991م،
7- بوتول جاستون، الحرب والمجتمع، تر عباس الشربيني –القاهرة ، دار المعرفة الجامعية، ط1
8- يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الحديثة، ط5، القاهرة، دار المعارف، 1986م
9- محمد الباردي، الرواية العربية الحديثة، ط1، اللاذقية، دار الحوار،1993م،
10- بدري عثمان، بناء الشخصية الرئيسية في روايات نجيب محفوظ، ط1، بيروت ، دار الحداثة للطباعة والنشر والتوزيع، 1986م، ص132
11- أدب الرحلات المعاصر بمنظور ذرائعي، تأليف د. عبير خالد يحيي، دار الحكمة للطباعة والنشر والتوزيع- القاهرة – مدينة نصر –ط1-2021-ص121

12- الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي – تأليف عبد الرزاق عودة الغالبي – تطبيق د. عبير خالد، دار النابغة للنشر والتوزيع- طنطا ط1- 2019- ص 182
13- أهمية المكان في النص الروائي – مجلة نزوى 1 إبريل 2002
14- الرواية اللبنانية والحرب- مجلة نزوى 1 إبريل 2012
15- رواية زند الحجر – ضحى عبد الرؤوف المل – دار الفارابي – بيروت – ط1- 2018



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقرئي.. ابحثي.. واكتبي
- فن الواو.. فن الإيحاء والتجريد بمفهوم ذرائعي الناقدة الدكتور ...
- جماليات القبح وتجليات أدب الديستوبيا في رواية /العالقون/ للأ ...
- تجلّيات الأدب التأمّلي في قصيدة الومضة دراسة تقنية ذرائعية م ...
- تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ ل ...
- إشهار كتاب /عوالم حياة الرّايس السّردية/ للناقدة السورية د. ...
- النبوءة والتجليات الملحمية في رواية الأجيال رواية / تاج شمس/ ...
- الروائح عتبة واقعية مثيرة لتيار الوعي في رواية (رائحة الزنجب ...
- أدب المرايا من الكلاسيكية إلى المعاصرة في رواية / نساء المحم ...
- الإرهاب.. والتشافي بالحب في رواية / بعض الفرح قد يكفي/ للكات ...
- تقنيتا البازل والكولاج السردي في رواية / ماتريوشكا من أسوان/ ...
- الفلسفة الذرائعية العربية واشتراح المصطلح رواية (رحيل السومر ...
- السرد بين تكنولوجيا اللغة ومصطلح الأدبية باب جديد تفتحه الذر ...
- الآخر في رواية / ثرثرة في مقهى إيفانستون / للأديبة الفلسطيني ...
- قراءة ذرائعية في رواية (سيرة عين) الملهاة الفلسطينية للأديب ...
- الفساد الحضَري ( الديستوبيا) وتراجيديا القبح في رواية رجل ال ...
- حمولةُ الرمز التقني من سخرية وتهكّم غضبٌ إنساني يدلقه قلم ال ...
- قراءة ذرائعية في رواية/ قنطرة / للكاتب السعودي أحمد السماري ...
- الناقد والشاعر الكبير عبد المنعم عواد رائد الشعر الحديث تجوا ...
- سردية الذاكرة بين هامشية عنوان وعتباتية ثانٍ واد جده سجين قش ...


المزيد.....




- اليونسكو تدرج أربعة معالم إفريقية على قائمة التراث العالمي
- وفاة إيدنا أوبراين مؤلفة رواية -فتيات الريف- عن عمر يناهز 93 ...
- أكبر جدارية وسط خيام النازحين.. فنان فلسطيني يجسّد بريشته مآ ...
- عودة روبرت داوني جونيور إلى أفلام -مارفل- بشخصية شريرة
- مهرجان المسرحيات الشارعية ينعقد في سانت بطرسبرغ و يجذب جماهي ...
- ألمانيا تتطلع إلى حل أزمة العمالة الماهرة عبر ثقافة الترحيب ...
- إصدار جديد لمركز الجزيرة للدراسات: الانتخابات الموريتانية في ...
- إقبال جماهيري كثيف على عروض مهرجان القدس السينمائي
- -أنا حاسس نفسي بعد أيام وبس- وفاة فنان شعبي مصري بعدما نعى ن ...
- فتح: مجزرة دير البلح ترجمة حقيقية لخطاب نتنياهو في الكونجرس ...


المزيد.....

- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - تجلّيات المكان في أدب الحرب رواية / زند الحجر/ أنموذجًا للكاتبة اللبنانية/ ضُحى عبد الرؤوف المُّل/ بقلم الناقدة الذرائعية السورية د. عبير خالد يحيي