أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - سلامة كيلة - رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي 2-3















المزيد.....


رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي 2-3


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:45
المحور: التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية
    


المستوى الثاني: يتعلق بالأخطاء والتشويهات النظرية
في ما سبق إشارات للأخطاء والتشويهات النظرية أدت إلى القراءة المبتسرة للنداء. ولسوف أتناول هنا أربعة مسائل، بعضها كان مجال خلاف في الماركسية منذ عقود، وبالتالي فإن عصام هنا يكرر تصورات بعض الاتجاهات في الماركسية، وبعض الميول المتطرفة والعدمية.
1) حول طبيعة المهمات، وبالتالي طبيعة الثورة المقبلة
كما أشرت، الأستاذ عصام ينطلق من أن الماركسية تفرض سعي الطبقة العاملة لتحقيق الاشتراكية فقط. ولهذا فهو يحسم بأن دور الماركسية الراهن يتمثل في تحقيق الاشتراكية. ومن هذا المنطلق يعتبر بأن كل من يطرح مهمة أخرى غير تحطيم النظام الرأسمالي وبناء الاشتراكية ليس ماركسياً. وهو هنا ينطلق من "النظري" وليس من الواقعي. ويتمسك بـ "فكرة" ماركس دون أن يلحظ الواقع، وبالتالي دون أن يحلله إستناداً إلى الجدل المادي للوصول إلى تحديد المهمات التي يطرحها هذا الواقع.
وإذا كان ماركس قد طرح هدف الثورة الاشتراكية فلأن أوروبا كانت تسير نحو انتصار النمط الرأسمالي عبر انتصار وسائل الإنتاج الجديدة (الصناعة)، وبالتالي تحول الطبقة العاملة إلى أغلبية. بمعنى أنه طرح هذا الهدف بعد أن كانت الرأسمالية تكنس كل مخلفات القرون الوسطى وتبني مجتمعاً جديداً. وحين لمس بأن البرجوازية الألمانية عاجزة عن ذلك لأنها مترابطة مع الإقطاع، تبنى فكرة أنْ تحقق الطبقة العاملة هذه المهمات الديمقراطية (من الوحدة الألمانية إلى بناء الصناعة والتحديث). وهي الفكرة التي طوّرها لينين فيما بعد. بمعنى أن ماركس لم يربط ميكانيكياً بين الماركسية والاشتراكية، بل إنطلق من الواقع لتحديد دور الماركسية والطبقة العاملة.
ولقد تبلورت اتجاهات ثلاثة في الماركسية حول هذا الموضوع بداية القرن العشرين، خلال الصراع الذي شهده حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي. حيث كانت الرأسمالية لم تنتصر بعد، وبالتالي كانت النمط الإقطاعي هو المسيطر هناك. الأول: تبنى الصيغة التقليدية التي سادت الحركة الاشتراكية بعد ماركس، والقائلة بضرورة انتصار الرأسمالية أولاً، ومن ثم تقوم الطبقة العاملة بالثورة الاشتراكية، لأن مهمتها هي تحقيق الاشتراكية بالذات (وهو اتجاه المناشفة المتوافقين مع منطق الأممية الثانية).والثاني: دعا لأن تقوم الطبقة العاملة بالثورة الاشتراكية لأن مهمتها هي هذه (وهو اتجاه تروتسكي). والثالث: وهو ما كان يبدو جديداً في الماركسية، وهو الاتجاه الذي طرحه لينين، والمنطلق من أن الرأسمالية لم تنتصر في روسيا، وأن البرجوازية عاجزة عن تحقيق ثورتها والمهمات التي تطرحها هذه الثورة. لهذا إعتبر بأن مهمة الطبقة العاملة بالتحالف مع الفلاحين هي تحقيق "الثورة الديمقراطية برجوازية الطابع" كخطوة نحو تحقيق الاشتراكية.
وإذا حاولنا النظر إلى مصائر هذه الاتجاهات خلال القرن العشرين، سنلحظ بأن اتجاه لينين هو الذي سمح بانتصار الاشتراكية في مناطق واسعة من العالم. بينما ظل اتجاه تروتسكي هامشياً. وفي الأمم التي تبنت الحركة الشيوعية الاتجاه الأول من خلال تبني منطق "الماركسية السوفييتية" (أي منطق الستالينية)، خصوصاً في البلدان العربية، فشلت، وتدمرت، كما أنها أضرت مسار التطور. وبالتالي فقد كان الخيار اللينيني هو الأفق الجديد الذي إنضاف إلى الماركسية، وأصبح طريق التطور في كل الأمم المخلفة. وهو التكوين الجدلي المعبّر عن مشكلة تلك الأمم. حيث ربط المهمات الديمقراطية التي يفرض الواقع ضرورة تحقيقها ودور الماركسية والطبقة العاملة. متجاوزاً ثنائية: إما أن تنتظر الطبقة العاملة انتصار الرأسمالية لكي تحقق الاشتراكية، أو أن تقوم بها للتو في وضع لا يسمح بذلك. وكلا الخيارين ينطلق من الربط الميكانيكي بين الطبقة العاملة والاشتراكية.
والأستاذ عصام يكرر من جديد الاتجاه الذي قال به تروتسكي، وينطلق من المنطلق ذاته (الربط الميكانيكي بين الطبقة العاملة والاشتراكية). ويعتبر أن هذه هي الماركسية. إنه هنا يتعلق بفكرة أيديولوجية، يتمسك بنص أصبح مقدساً. بينما لم يعد هذا النص مجدياً في الواقع الراهن، لأن عالمية النمط الرأسمالي فرضت استقطاباً عالمياً أوجد المراكز والأطراف. وبالتالي لم يجعل الثورة الاشتراكية هي الهدف المباشر لأن الواقع لا يحتمل تحقيقها. حيث هناك مهمات واقعية سابقة على تحقيق الاشتراكية من الضروري تحقيقها لتهيئة الظروف من أجل تحقيق الاشتراكية. وهنا لن يحقق هذه المهمات سوى الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، بالتحالف مع الفلاحين والفئات الوسطى. وينتج هذا التحالف لأن ميزان القوى الطبقي لا يعطي الطبقة العاملة الغلبة، لكنه يعطيها المقدرة على أن تلعب دوراً محورياً. وبالتالي يكون التحالف الطبقي السياسي هنا ضرورة، لكن في إطار دور أساسي للطبقة العاملة وللحزب الماركسي، لأن هذه هي ضمانة نجاح التغيير وتحقيق المهمات الديمقراطية، وأساس الانتقال إلى الاشتراكية.
النقطة المركزية هنا هي أن المطلوب تحقيق المهمات الواقعية، التي هي مهمات الاستقلال والتحرر وبناء الصناعة والتحديث والدمقرطة والعلمنة والوحدة. وحيث لا تقدم دون تحقيقها. لكن دون الطبقة التي كانت قد حققتها في الأمم الرأسمالية، أي البرجوازية. لأنها عاجزة عن ذلك، وغير معنية به. وفي إطار ذلك طُرِح دور البرجوازية الصغيرة القومية والريفية المنبع، وفشلت. وبالتالي ليس من الممكن تحقيق الاشتراكية دون تحقيق هذه المهمات. الأمر الذي يجعل الطبقة العاملة هي المعنية بذلك. إنها تحققها في صيرورة تحقيق الاشتراكية، حيث يفرض الاستقطاب العالمي هذا الحد الاشتراكي.
ولهذا أشار النداء إلى المهمات الواقعية، المهمات التي يطرحها الواقع، وليس المهمات النابعة من الأحلام، ومن قراءة دوغمائية للماركسية. وسنلمس بأن ما يطرحه عصام يلتقي مع القراءة الدوغمائية للماركسية التي إنبنت عليها سياسة "الشيوعية التقليدية"، كما لاحظنا للتو، رغم اختلاف الحل الذي يطرحه كل منهما. وهو ما بدا واضحاً في الصراع في حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي وفق ما أشرت سابقاً.
النقطة المركزية في الماركسية هي الانطلاق من الواقع، لأن الواقع هو محدد تصوراتنا، وإلا افتقدنا الرؤية المادية. ولاشك في أن التمسك بالنصوص بغض النظر عن الواقع، هو تعبير عن اتجاه مثالي وليس عن اتجاه مادي. اتجاه يعطي الأولوية للأفكار على الواقع. وبالتالي فالأستاذ عصام هنا يعاني من شطط مثالي. ولما كانت هذه الفكرة هي جوهر رده على النداء يمكننا تفهم كل الخلط النظري الذي عاناه الرد. إن فكرة ماركس عن الثورة الاشتراكية لا تصلح للأمم التي لم تنتصر الرأسمالية فيها (أي لم تصبح أمماً صناعية، و ليس التي شهدت انتشار العلاقات الرأسمالية دون نشوء وسيلة الإنتاج الصناعية. وهنا أشير إلى أننا نركز على الإنتاج وليس على التبادل كما حاول عصام أن يفسر النداء). لهذا عمل لينين على تجاوزها باعتبار أن مهمة الطبقة العاملة باتت تحقيق المهمات الديمقراطية (التي لم تعد البرجوازية معنية بتحقيقها) في سياق تحقيق الاشتراكية. وهو ما أسمي بالثورة على مرحلتين، رغم عدم وجود حدّ فاصل بينهما.
إن تجاوز الرأسمالية لا يعني ضرورة تحقيق الاشتراكية. هذه هي الفكرة الجوهرية الآن. ولاشك في أن تجاوز الرأسمالية هو ضرورة اليوم، لكن المهمات الواقعية تقتضي أن تلعب الطبقة العاملة التي هي التجاوز للرأسمالية دوراً محورياً في تحقيق المهمات الديمقراطية ولتكون ضمانة الانتقال إلى الاشتراكية.
2) حول الامبريالية والصراع العالمي
يقول الأستاذ عصام أن معاداة الامبريالية والصهيونية هي حجر الأساس في تحليل النداء. ويضيف بأنه تحليل مشترك لكل حركات اليسار القومي. وهو هنا، كما في كل تحليله، يسخّف الموقف المعادي للامبريالية، ويعتبر أنه ينطلق من أساس قومي وليس من أساس طبقي. لماذا؟
لم يسعَ عصام إلى تحليل الامبريالية، لا إقتصادياً ولا طبقياً، لكي يوضّح سبب رفضه "معاداة الامبريالية". بل إنطلق من الخشية من أن يغطي "تعريف قطب أميركا والغرب وحلف الناتو على أنه (امبريالية) تمتلك خصائص الاستعمار الكلاسيكي، أي (نهب ثروات الشعوب) والهيمنة السياسية" ( وهذا ما يرد في النداء) " يغطي (على) الواقع الحالي من خلال التمويه بأن قوى الإسلام السياسي قوى تقدمية و(وطنية) تستحق الإشادة لأنها تحارب الامبريالية". ويضيف أنه يكمن خلف القول "بأن الامبريالية الأميركية والغربية تقف اليوم كقوة عالمية تهدف إلى الهيمنة على الشرق الأوسط والعالم واستغلال دوله وشعوبه إقتصادياً" (وهو الأمر الصحيح كما يشير) .. "إستنتاج سياسي مفاده أن هناك قوة وحيدة تقف إزاء (الشعوب المضطهَدة) وهي الامبريالية. بينما تخوض أميركا اليوم صراعاً ضد قوة مشخصة وهي الإسلام السياسي على صعيد عالمي".
إذن، الخشية هي التي جعلته يرفض "معاداة الامبريالية"، الخشية من تحويل الإسلام السياسي إلى قوة تقدمية. ربما يفعل البعض ذلك، لكن لا تبنى المواقف كرد على رأي ما، بل تبنى على تحليل الواقع، أي تشخيص الامبريالية وتحديد الموقف منها. وبالتالي يكون المطلوب هو تخطيء هذا البعض وليس صبّ الهجوم على "معاداة الامبريالية"، دون تحليل "التكوين الامبريالي" وتحديد موقف منه. ورفض كل القوى المعادية للامبريالية لأن الإسلام السياسي يمكن أن يصنّف كمعادٍ للامبريالية من قبل بعض القوى. إن تحديد موقف من الامبريالية يقوم على تحديد طبيعة الامبريالية. كما أن تحديد موقف من القوى المعادية للامبريالية يفترض تحليل طبيعة هذه القوى الطبقية وتحديد أسباب معاداتها. وبالتالي فليس من موقع للخشية هنا. كما لا ضرورة للخوف من تلاقي موقفنا مع قوى الإسلام السياسي في بعض الأحيان. لأن الصراع يفرض أحياناً تقاطع المواقف. لكن الأهم هنا هو تحديد ما هو الموقف الصحيح في هذه اللحظة. وليس تغيير التحليل لكي لا يحدث التقاطع ذاك. هل يغيّر التقاطع من طبيعة تلك القوى؟ لا بالتأكيد، لأن طبيعتها محددة استناداً إلى طابعها الطبقي وبالتالي مشروعها المجتمعي. ولهذا، فإن معاداة قوى الإسلام السياسي للامبريالية ( ولقد أشرنا في النداء إلى مقاومتها للاحتلال فقط) لا تغيّر شيئاً من طبيعتها الطبقية والأيديولوجية. وبالتالي لا تغيّر شيئاً من التناقض العميق معها، رغم التوافق مع بعضها على "مقاومة الاحتلال". هل يجب رفضها بالمطلق؟ في الصراع السياسي لا وجود للمطلق سوى الصراع ذاته. وما يحدد التناقض الرئيسي هو تحديد الواقع، وهنا تشخيص الامبريالية، أو تشخيص التكوين العالمي.
نقص التشخيص هذا هو الذي جعل الأستاذ عصام يحدد بأن الصراع العالمي بات يتمثل في الصراع بين أميركا والإسلام السياسي. إنه إستنتاج ساذج. ولا ينطلق من تحليل اقتصادي أو طبقي، كما أشرت سابقاً. بل ينطلق من اعتبار إدعاء كل من الإدارة الأميركية والإسلام السياسي صحيحاً. وإذا كان يجب تشخيص الامبريالية، فإنه يجب تحديد الأساس الطبقي الذي يدفع بعض قوى الإسلام السياسي (وليس كلها، لأن أميركا تخوض صراعاً ضد "الإسلام المتطرف" أو "الإرهاب الإسلامي"، وتدعو للحوار مع الإسلام المعتدل و تمكينه من السلطة) إلى مقاومة أميركا. ووفق أية أسس؟ لأن كل ذلك هو الذي يسمح بفهم هذا الصراع، ووضعه في إطاره الحقيقي. ولقد تناولت ذلك مسبقاً، رغم أن الطابع "الإسلامي" لمقاومة الامبريالية الذي يطفو على السطح، بحاجة إلى تحليل أوفى، لأن فيه شيء من "الشعور القومي" المنكسر نتيجة السيطرة والغطرسة اللتين تمارسهما كل من الدولة الصهيونية والدولة الأميركية. وفيه شيء من رد الفعل على الإملاق والتهميش. لكن كل ذلك يوظف في إطار مشروع مجتمعي أصولي، رجعي وطائفي (وبالتالي مفتت)، ويتقاطع مع المشروع الامبريالي.
هذا التحديد للصراع العالمي يؤشر إلى فهم خاطئ للامبريالية يظهر في النص الذي قدّمه عصام. فهو يشكك في اعتبار أن الامبريالية تمتلك خصائص الاستعمار الكلاسيكية، أي "نهب ثروات الشعوب" والهيمنة السياسية (وهو ما يقول به النداء). وهو هنا لا يستطيع تفسير الصراع مع الإسلام السياسي في إطار تلك الخصائص الكلاسيكية، لكن دون أن يشير إلى الخصائص الجديدة، رغم أنه يؤكد على صحة فكرة أن الامبريالية الأميركية والغربية عموماً تهدف إلى الهيمنة على الشرق الأوسط والعالم واستغلال دوله و شعوبه إقتصادياً الواردة في النداء. ولعل اعتراضه ينصبّ على تأكيدنا "وحدانية" الامبريالية كقوة مهيمنة، رغم أننا نتخذ موقفاً واضحاً من الإسلام السياسي. لهذا فهو يلخص الصراع العالمي في التصارع بين أميركا والإسلام السياسي، ويتخذ موقفاً ضدهما معاً. بمعنى أنه يبدل الصراع الذي كان خلال الحرب الباردة بين "الغرب" و"الشرق"، أو بين "الرأسمالية والاشتراكية"، بالصراع بين أميركا والإسلام السياسي. هل يتماثل الصراعان؟ بالتأكيد لا.
وإذا كان هناك تساوٍ بين الامبريالية والمنظومة الشرقية من حيث الوجود الواقعي، فليس من تساوٍ بين أميركا والإسلام السياسي. حيث أن الامبريالية قوة اقتصادية إنتاجية، وعسكرية/ سياسية، تتمثل في طبقات رأسمالية وطغم رأسمالية ودول. بينما الإسلام السياسي هو "حركة سياسية". هل نعتبر بأن الإسلام السياسي هو بديل حركات التحرر الوطني؟ في شكل ما، لكن هل يمكن للإسلام السياسي أن يكون الممثل لحركة الشعوب؟ لا.
لاشك في أن التحليل الماركسي ينطلق من "الأساس الاقتصادي"، وبالتالي الطبقي. وكما أشرت، لا تناقض اقتصادي أو طبقي بين الامبريالية والإسلام السياسي، بل هناك توافق في المصلحة. بمعنى أن رؤية الامبريالية للأطراف في مستوى التكوين الاقتصادي تتوافق مع رؤية الإسلام السياسي: الليبرالية الاقتصادية، عدم تطوير الصناعة والزراعة، وتغليب التجارة. وبالتالي ليس من الممكن وضع الإسلام السياسي محل المنظومة الاشتراكية، وتصوير الصراع وكأنه صراع بين معسكرين. هذا نقل ميكانيكي لوضع العالم خلال الحرب الباردة، على وضعه الراهن. وأكثر من ذلك، كان الصراع الرئيسي خلال الحرب الباردة بين الامبريالية والشعوب وليس بين الرأسمالية والاشتراكية. لأن أساس ذلك هو النهب الاقتصادي الذي تمارسه الامبريالية على الشعوب. هذا هو محرّك الصراع، وليس ما تقرره الإدارة الأميركية أو بن لادن، أو المحافظين الجدد وفوكوياما.
هل هذا التحديد لطبيعة الصراع العالمي يتناقض مع فهم لينين للامبريالية؟ وهل اختلف اليوم ليحل محله الصراع بين أميركا والإسلام السياسي؟ سأجيب أولاً على السؤال الثاني كتكملة لتحليل وضع الإسلام السياسي في الصراع الراهن. أشرت إلى أن هذا التحديد لا يستند إلى أساس طبقي في تحليل عصام. هل هو نتاج الاستغلال الطبقي؟ لا، لأن الإسلام السياسي كونه يحمل أيديولوجيا ماضوية لا يمثل الطبقات الفقيرة التي يقع عليها عبء النهب الامبريالي، رغم أن فئات من التي تنضوي تحت لوائه هي فئات فقيرة، وتنضوي لرفضها الهيمنة الامبريالية. وبالتالي فإن المشروع الأيديولوجي الطبقي الذي يحمله الإسلام السياسي يتقاطع مع المشروع الامبريالي ولا يتناقض معه في الجوهر كما أشرت للتو. إذن، أين وجه التناقض؟ ليس إلا الجانب الثقافي (الحضاري) هو الذي يظهر هنا. لهذا يجري التمسك بـ "الهوية". الأمر الذي يجعل هذا الصراع ليس رئيسياً بل هامشياً، يغطي الصراع الرئيسي. هذا ما تهدف إليه الإدارة الأميركية وما يريده الإسلام السياسي. وبالتالي فإن مهمتنا تتحدد في كشف هذا الزيف وتحديد طبيعة الصراع الحقيقية، وليس تصديق الأيديولوجيا وتجاهل الواقع.
هذا الانحراف عن التحليل الواقعي نابع من العجز عن تشخيص الامبريالية، الأمس واليوم. وإذا كان عصام يستند إلى لينين في فهمه للامبريالية، فإن النتائج التي يتوصل إليها مناقضة لتحليل لينين ذاته. حيث يعتبر أن تشويه الماركسية "يعود إلى محاولة فهم الرأسمال لا على أساس كونه نظام إنتاج لفائض القيمة والتي تقوم على استغلال البرجوازية للطبقة العاملة، بل على أساس كونه رأسمال ذو أشكال محددة ثابتة، أي رأسمال بشكل سلعة أو نقد أو وسائل إنتاج"، "أي ليس كنظام أساسه المواجهة بين رأس المال والعمل المأجور ويقوم على أساس فائض القيمة". الغريب هنا هو أن عصام يناقض المستوى الاقتصادي بالمستوى الاجتماعي، حيث أن أشكال الرأسمال الواقعية هي تلك التي عددها، أي رأسمال منتج، ورأسمال نقدي، ورأسمال سلعي. ليس هناك رأسمال مجرّد. وبالتالي فإن المواجهة بين الرأسمال والعمل المأجور تحيلنا إلى المستوى الاجتماعي، أي التناقض بين البرجوازية والطبقة العاملة. وفي جوهر كل هذه العملية يكمن فائض القيمة الذي ينتج عن الاستغلال الطبقي. وهذا التحديد صحيح حيث نشأت قوى الإنتاج و انتصر النمط الرأسمالي. لكن ما دخل الامبريالية في ذلك؟
لتوضيح ذلك يكمل الأستاذ عصام بإيراد "خطأ آخر" تقع فيه الشيوعية التقليدية واليسار القومي، ويتمثل في فهم الامبريالية ليس كما أوضحها لينين، "فالامبريالية حسب تلك الحركات ليست (أعلى مراحل الرأسمالية) كما يراها لينين بماركسية دقيقة، أي كنظام إنتاجي رأسمالي في أعلى مرحلة وطور له، بل على أساس كونها كيان خارجي يغزو الحدود القومية من خارجها". وهذه النظرة تعتمد على الفكرة المغلوطة "عن الرأسمالية وهي أن الرأسمالية تساوي الرأسمال السلعي، لا كنظام قائم على الاستغلال". طبعاً من الغريب وضع المسألة على هذا الشكل، لأن نظام الاستغلال الرأسمالي قائم على إنتاج السلعة، ويتحقق الاستغلال في إنتاج السلعة، أي في العمل. وبالتالي فإن الرأسمال السلعي هو مظهر للرأسمالية. والسلعة كما الرأسمال المصرفي يغزوان الأسواق "من الخارج" فيما يتعلق بالأمم المخلفة (أي الأطراف). وهذا ما تضمنه تصور لينين عن الامبريالية. حيث أن الرأسمالية تحصر قوى الإنتاج (أي الصناعة) في بلدانها، وتفتح الأسواق لتصدير السلع ورأس المال.
وإذا كان نظام الاستغلال الطبقي (أي برجوازية/بروليتاريا، أو رأسمال/عمل مأجور) يطبع الأمم الرأسمالية المتطورة (وهذه هي الأفكار الأولية التي توصل إليها ماركس وإنجلز)، فإن نشوء الامبريالية قد أدى إلى تشكيل عالم أكثر تعقيداً من ذلك، رغم أن نظام الاستغلال الطبقي هذا إستمر في جوهر النمط الرأسمالي. وهذا ما تضمنه تصور لينين عن الامبريالية. والأستاذ عصام هنا يقزّم تصور لينين ذاك، بقسره على طبيعة الرأسمالية ذاتها في تشكلها الأولي، أي طبيعتها من حيث هي نظام إستغلال طبقي قائم على نهب فائض القيمة. بينما حاول لينين أن يدرس طبيعة الرأسمالية في مرحلتها الامبريالية (سواء كانت أعلى مراحل الرأسمالية أو لم تكن)، حيث تحولت إلى نظام عالمي. وحيث لم يعد كافياً وصفها كنظام استغلال طبقي. لهذا حدد سماتها بتشكل الرأسمال المالي عبر اندماج الرأسمال الصناعي والرأسمال المصرفي، والتركز والتمركز اللذين أصابا الرأسمال ونشوء الشركات الاحتكارية. وتصدير الرأسمال والسلع، وتقاسم الأسواق. وبالتالي الحروب الامبريالية. وعبر ذلك أشار إلى التطور المتفاوت. ولينين هنا يشير إلى غزو "الحدود القومية"، والسيطرة على الأسواق ونهب الشعوب. وهو ما دفعه إلى تأييد "حركة شعوب الشرق التحررية"، حتى تلك التي كانت مقادة من قبل الإقطاع والبرجوازية. ودعم كل ميل إستقلالي في المستعمرات. وإنطلق من "معاداة الامبريالية". هل كان برجوازياً إصلاحياً وقومياً؟
لقد أسست الامبريالية إلى نشوء عالم منقسم إلى مراكز وأطراف، في تكوين غير متكافئ. حيث لم تعمم الامبريالية "نظام إنتاج فائض القيمة"، و"أساسه المواجهة بين رأس المال والعمل المأجور"، بل أسست لمجتمعات مهمشة مهيمَن عليها وخاضعة لمصالح الرأسمال الامبريالي. ممنوعة من دخول عصر الصناعة، وممنوعة من حرية التطور. هنا لم تعد المسألة هي مسألة التناقض بين الرأسمال والعمل المأجور بل أيضاً وأساساً تناقض الشعوب مع الطغم الرأسمالية الامبريالية، فهو التناقض الرئيسي. إننا هنا في وضع أكثر تعقيداً من الفهم المبسط للماركسية، والذي يختصرها إلى المواجهة بين الرأسمال والعمل المأجور، ولا يرى كل التكوين المعقد للمجتمع وللعالم.
هذا التحول في الرأسمالية ونشوء الامبريالية جعل تناقض الرأسمال/العمل المأجور يتنحى إلى مرتبة ثانوية لمصلحة تناقض الامبريالية/الشعوب. وأصبح التطور وبناء الصناعة يفرضان تحقيق الاستقلال والتحكم في السوق المحلي والاستثمار في قوى الإنتاج عبر دور الدولة الاستثماري، والتدخلي من أجل "ضبط" المنافسة غير المتكافئة، ونهب الفائض عبر نشاط الشركات الاحتكارية الامبريالية في قطاعات المواد الأولية والبنوك والسياحة، وأيضاً عبر الاختلال في الميزان التجاري، وهروب الرساميل. وهو ما يسمى "رأسمالية الدولة" التي يرفضها عصام معتبراً أنها تعبّر عن ميل برجوازي. لكن لا خيار من أجل تحقيق التطور سوى هذا. وهو ما يوضح أهمية فكرة لينين حول أنها خطوة هائلة إلى الأمام نحو الاشتراكية.
إذن، لم يفهم الأستاذ عصام الامبريالية، ولازال يتمسك بالأفكار الأولية التي توصل إليها ماركس حول الرأسمالية،أي فائض القيمة والمواجهة بين الرأسمال والعمل المأجور. فقد أصبح النمط الرأسمالي أعقد من ذلك، وإن كانت هذه المسائل في جوهره. حيث أنه يتشكل في بنى اقتصادية وتكوين سياسي وأيديولوجيا. كما أنه يصيغ العالم إنطلاقاً من مصالح الطغم المالية والشركات الاحتكارية الامبريالية. ولاشك في أن فكرة فائض القيمة وتناقض رأس المال والعمل المأجور هي من ألف باء النمط الرأسمالي، لكن هذا النمط يصاغ في تكوين معقد لا يمكن فهمه من خلال تكرار هذه الألف باء. لهذا فإن الصراع العالمي-الذي أساسه اقتصادي- يتداخل فيه الصراع الطبقي والصراع القومي، الصراع من أجل إنهاء استغلال الإنسان للإنسان بالصراع من أجل إنهاء السيطرة والاحتلال، وأيضاً الصراع من أجل التقدم والتطور والمساواة بين الأمم.
وبالتالي فإن فكرة عصام المبسطة تقود إلى إهمال نهب "فائض القيمة" من الشعوب، عبر آليات اقتصادية وسياسية، منها السيطرة وكذلك منها الاحتلال. ومنها أيضاً احتكار الأسواق. لهذا أفضى تشكل الامبريالية لأن يصبح الصراع الأساسي هو الصراع بين الدول الامبريالية والشعوب. رغم أنه يتضمن الصراع بين البرجوازيات المحلية والطبقات الشعبية، حيث أن هذه البرجوازيات هي "جزء" تابع لرأسماليات المراكز. وهو يتضمن الصراع بين رأس المال والعمل المأجور كذلك، لكنه ليس التناقض الوحيد كما أوضحنا. إننا إزاء جملة تناقضات خاضعة للتناقض الأساسي.
عصام يتمسك بتناقض وحيد هو التناقض بين الرأسمال والعمل المأجور، لهذا يتجاهل كل التكوين الواقعي. يتجاهل عبء السيطرة الامبريالية، وكذلك المسألة الوطنية، والمهمات الواقعية التي هي مهمات ديمقراطية كما أشرت. لهذا لا يرى أن من مهمته كماركسي أن يقاوم الاحتلال، فهذا دليل على التعصب القومي. وهو لا يرى موقعاً لـ "معاداة الامبريالية" كذلك. المطلوب هو حل التناقض بين الرأسمال والعمل المأجور بتحقيق الاشتراكية. الأمر الذي يظهر المسألة كمهزلة في بلد محتل مثل العراق أو فلسطين. ويظهرها كمهزلة كذلك في بلد ذو طابع فلاحي، أو تغلب فيه القطاعات المهمشة، ودون قوى إنتاج.
يتبع




#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب المارك ...
- خطة أولمرت الجديدة
- مكانة اللينينية في الماركسية
- لماذا -ماركسية-؟ : بصدد تسمية الاتجاه الفكري الذي بدأ مع مار ...
- النضال الفلسطيني واشكالية القطري والقومي
- المقاومة الفلسطينية: محاولة تقييم انتقادي
- أزمة العقل الأحادي في تناول العلاقة بين الوطنية والديمقراطية
- الحزب الشيوعي العراقي ومسألة الأولويات
- من اجل تحالف القوى الماركسية في الوطن العربي
- حزب الشعب الفلسطيني وتعزيز الهوية اليسارية
- المساءلة حول المقاومة:بصدد حجج الليبراليين العرب الساذجة
- ترقيع السلطة الفلسطينية
- وحدة اليسار: حول اعادة صياغة اليسار الماركسي
- من أجل المواجهة مع المشروع الامبريالي الصهيوني
- الحرب على لبنان: الدور الصهيوني في الاستراتيجية الأميركية
- وضع فلسطين بعد الحرب على لبنان
- الصراع الطائفي يُفشل القتال مع الاحتلال الأميركي
- إنتصار حماس ومآل الوضع الفلسطيني
- توضيح -إعلان دمشق-
- مأزق حزب الله


المزيد.....




- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا ...
- حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع ...
- صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
- بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
- فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح ...
- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
- الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان ...
- مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت
- مادورو يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية


المزيد.....

- نَقْد شِعَار المَلَكِيَة البَرْلَمانية 1/2 / عبد الرحمان النوضة
- اللينينية والفوضوية فى التنظيم الحزبى - جدال مع العفيف الأخض ... / سعيد العليمى
- هل يمكن الوثوق في المتطلعين؟... / محمد الحنفي
- عندما نراهن على إقناع المقتنع..... / محمد الحنفي
- في نَظَرِيَّة الدَّوْلَة / عبد الرحمان النوضة
- هل أنجزت 8 ماي كل مهامها؟... / محمد الحنفي
- حزب العمال الشيوعى المصرى والصراع الحزبى الداخلى ( المخطوط ك ... / سعيد العليمى
- نَقْد أَحْزاب اليَسار بالمغرب / عبد الرحمان النوضة
- حزب العمال الشيوعى المصرى فى التأريخ الكورييلى - ضد رفعت الس ... / سعيد العليمى
- نَقد تَعامل الأَحْزاب مَع الجَبْهَة / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التحزب والتنظيم , الحوار , التفاعل و اقرار السياسات في الاحزاب والمنظمات اليسارية والديمقراطية - سلامة كيلة - رد على ملاحظات عصام شكري حول -نداء الى القوى والأحزاب الماركسية في الوطن العربي 2-3