أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صالح سليمان عبدالعظيم - -هاي- سذاجة أمريكية!!















المزيد.....

-هاي- سذاجة أمريكية!!


صالح سليمان عبدالعظيم

الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:29
المحور: الصحافة والاعلام
    


علينا ألا نفترض دائماً أن الأمريكيين يتمتعون بقدرات عقلية مبهرة تمنحهم ميزة التفوق على الآخرين؛ ففي أحيان كثيرة تبدو السذاجة الأمريكية أمراً واضحاً للعيان، لكن وبفضل ما تتمتع به أمريكا من قوة عسكرية واقتصادية هائلة يصعب على الكثيرين إلصاق تهمة السذاجة بها. إضافة إلى ذلك، فإن حالة الضعف، وربما الخنوع، التي يتحلى بها الكثيرون إبان تعاملاتهم مع الأمريكيين الأفراد من ناحية ومع المؤسسات الأمريكية من ناحية أخرى، تزيد من حالة الإنبهار بالنموذج الأمريكي أياً كانت مثالبه وأياً كانت عيوبه.

ألحت علىّ هذه الهواجس، غير المقبولة في عالمنا العربي الذي يهيم حباً وولهاً بالنموذج الأمريكي، وأنا أطالع خبر إغلاق مجلة "هاي" الأمريكية المطبوعة بالعربية؛ حيث جاء القرار بإغلاق المجلة، التي أنشأت في يوليو 2003 في أعقاب الحرب الأمريكية على العراق، من قبل مساعدة وزيرة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة السيدة كارين هيوز، والمسؤولة الرئيسية في الوزارة عن تحسين صورة أمريكا في العالم العربي. وجاء في أسباب إغلاق المجلة أنها لم تحقق الغاية من إصدارها، حيث تلقت العديد من الإنتقادات، الأمر الذي دفع القائمون عليها إلى وقف طباعتها للوقوف على مواطن الضعف وأوجه الانتقادات المختلفة الموجهة إليها، وإن كانت وزراة الخارجية الأمريكية قد أكدت على مواصلة إصدارها على الإنترنت.

تطبع مجلة هاي ما يقرب من 55000 نسخة لا يوزع منها سوى 2500 نسخة شهريا، بما يعني عدم قرائتها تقريباً، بل وأكاد أقول عدم معرفة أحد بها على الإطلاق من الشريحة العمرية المستهدفة ما بين 18-35 عاماً وفقاً لأهداف وزراة الخارجية الأمريكية. يأتي إصدار هذه المجلة ضمن إطار أمريكي أوسع يهدف للتأثير الإعلامي على المشاهد والقارئ العربي، بهدف خدمة أغراض أمريكا في المنطقة وجعلها أكثر قبولاً بين العرب، وفي هذا السياق، أنشأت أمريكا أولاً إذاعة "سوا" بالعربية، ثم أصدرت مجلة هاي، وأخيراً قناة "الحرة" الفضائية. ويلقي إغلاق مجلة هاي بالتشاؤم حول مصير كلٍ من سوا والحرة، حيث يواجهان أيضاً انتقادات كثيرة من قبل وزارة الخارجية الأمريكية بعدم تحقيقهما لأهدافهما المتمثلة في جذب المشاهد العربي، وتلميع صورة النموذج الأمريكي. السؤال الذي يفرض نفسه هنا، لماذ سقطت مجلة هاي؟ ولماذا عجزت عن تحقيق أهدافها، ولماذا بالتبعية سوف تسقط كلٍ من سوا والحرة؟

جاء اهتمام أمريكا بالمنطقة العربية إعلامياً في أعقاب أحداث سبتمبر 2001، وما تلا ذلك من غزو واحتلال كلٍ من أفغانستان والعراق والحرب الشاملة على ما تطلق عليه أمريكا "الإرهاب الإسلامي". أى أنه إعلام جاء وسط مناخ عدائي بين كلٍ من العرب والمسلمين من جهة، وبين الولايات المتحدة الأمريكية والغرب من جهة أخرى. وفي ظل استعار الكراهية المتواصلة بين الطرفين، تمارس أمريكا قدراً كبيراً من السذاجة أو لنقل الاستعباط. فمن ناحية تمارس أمريكا أوقح أشكال الهجوم المتواصل على العالم العربي والإسلامي الذي أخذ أقصى تجلياته العدوانية في احتلال كلٍ من أفغانستان والعراق، وفي التدخل المتواصل في شؤون العالم العربي وفرض سياسات محددة عليه، ومن ناحية أخرى تستخدم أمريكا الإعلام من أجل تحسين صورتها، ورسم جوانب أكثر إنسانية عن الولايات المتحدة الأمريكية.

وتبدو الصورة هنا غاية في المفارقة؛ فأمريكا تريد من خلال إعلامها أن تقول للقارئ والمشاهد العربي أن هناك أمريكا أخرى وديعة وطيبة ومشرقة لا تمت بصلة لما يحدث في العراق وفي أفغانستان؛ فمن فضلك أيها القارئ والمشاهد العربي لا تحكم على أمريكا من خلال ما تراه في العراق وأفغانستان، ومن خلال ماتراه بخصوص الضغوط الأمريكية المتواصلة على المنطقة، والمساعدات الغير مشروطة والمؤيدة على طول الخط لإسرائيل. على القارئ والمشاهد العربي أن ينسى كل ذلك، ويتوجه بكليته نحو الإعلام الأمريكي القادم إليه عبر الأطلنطي، حيث يتوحد معه، وينسى كل الموبقات الأمريكية في المنطقة العربية.

وبالرغم من هذه السذاجة، وهذا الاستعباط، يقدم الإعلام الأمريكي الجديد الموجه للقارئ والمشاهد العربي، إعلاماً يتحلى بالضحالة والسخافة وعدم الفهم للواقع والتوجهات العربية المعاصرة. فمن خلال تحليلنا لأعداد مجلة هاي التي بلغت 36 عدداً يمكننا أن نحدد مجموعة من الأسباب التي أدت لإغلاق المجلة من ناحية، كما تكشف عن امكانية إغلاق كل من قناتي سوا الإذاعية والحرة الفضائية من ناحية أخرى.

قدمت المجلة طوال أعدادها مادة صحفية لا تمت للقارئ العربي بصلة؛ مثل الأمور المتعلقة بموسيقى الروك والراب والريجي والأزياء وعمليات التجميل وسباقات السيارات والتسويق الإلكتروني وفحوصات ما قبل الزواج وشؤون الصحة والتخسيس، بالإضافة إلى ما يتعلق بالتعليم في أمريكا وأوضاع الجامعات فيها، والرياضة وأحوال الرياضيين الأمريكيين المشهورين. اللافت للنظر هنا أن الموسيقى قد حازت على حيز كبير من مساحة أعداد المجلة المختلفة، وعلى ما يبدو أن هناك تصور وهوس ساذج يسيطر على القائمين على المجلة بأن الباب الملكي لتجميل صورة أمريكا في المنطقة يتمثل في تعميم نموذج الموسيقى والأغاني الأمريكية، وكأن الشباب العربي المستهدف من وراء إصدار هذه المجلة ليس له من هم سوى التعلق بالإصدارات الموسيقية الأمريكية الجديدة!!

رغم ادعاء المجلة بتجنبها الحديث عن الشؤون السياسية إلا أنها تخلق من باب خفي سياسة الانغماس في الفردية والتحول عن الهم الوطني والقومي العربي. فمن خلال الموضوعات التافهة التي تعرض لها، تخلق شريحة جديدة من الجمهور المتعلق بأهداب الموسيقى الأمريكية وبموضات الزى الجديدة وبسباقات السيارات المختلفة، والحمد لله أن توزيع المجلة قد أثبت أن هذه الشريحة بالغة الضآلة في عالمنا العربي.

يرتبط ما سبق بالبعد التام عن كل ما هو مجتمعي وجماعي؛ فالمجلة لم تتناول منذ بدايتها وحتى إغلاقها أية موضوعات تتسم بالصفة الجمعية. فالنماذج العربية الناجحة في أمريكا يتم تقديمها كنماذج فردية منقطعة الصلة بأية أطر مجتمعية، أو أية خبرات سابقة. كما أن النماذج الناجحة التي يتم تقديمها من العالم العربي، يتم التعامل معها أيضاً عند حدودها الفردية، في انقطاع كامل مع الخلفية والإطار المجتمعي الذي توجد فيه. فالبطالة على سبيل المثال يتم التعامل معها بوصفها حالة فردية يمكن للفرد التغلب عليها من خلال بحثه الدؤوب عن عمل، وخلقه لفرص عمل مبتكرة وجديدة.

جاءت معظم أعداد المجلة متناقضة مع أوضاع العالم العربي الأقل تنموياً على مستوى العالم؛ حيث دأبت المجلة عبر أعدادها المختلفة على تقديم صورة مشرقة تغلفها الموسيقى وإمكانية التلاقي بين البشر، مع التركيز على حالات النجاح الفردي سواء في أمريكا أو في العالم العربي. وفي هذا السياق، بدت المجلة منقطعة الصلة تماماً مع تحولات الواقع الاجتماعي وظروفه المعيشية المتردية، ولعل هذا يناقض توجهات المجلة التي تدعي بعدها عن الشؤون السياسية، من حيث تقديمها لجرعات تغريبية تخديرية تحول بين فهم الواقع المعيش وامكانية نقده وتغييره.

وعلى ما يبدو أن الإعلام الأمريكي الحكومي الموجه للعالم العربي مازال يعكس بالأساس توجهات السياسة الخارجية الأمريكية نحو العالم العربي. فهذا الإعلام لا ينطلق من فهم حقيقي وواعٍ بأوضاع المنطقة وبظروفها، كما أنه مازال يفرض أجندته الخاصة به، بغض النظر عن مدى ملائمتها لأوضاع وسكان المنطقة. وإلى أن تغير السياسة الأمريكية الخارجية من توجهاتها نحو المنطقة، وإلى أن تتلاشى سذاجة الإعلام الأمريكي أو إستعباطه، فإن الغلق سوف يكون مصير كل المؤسسات الإعلامية الأمريكية في المنطقة العربية.



#صالح_سليمان_عبدالعظيم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثقافة الاستسلام وهزائم الأمم
- يحيي حقي بين المواجهة والمصالحة
- الإعلام العربي بين السلطة والممارسة
- حتى لا تتحول الشفافية إلى كلمة مبتذلة
- الأمريكيون والحيوانات الأليفة
- المثقف والتحولات العمرية
- الفردانية الممزقة والهيمنة الجماعية في العالم العربي
- !!الحوار المتمدن والتحليق بالكتابة
- الإصلاح السياسي في العالم العربي
- خمسة وأربعون عاماً على رحيل فرانز فانون
- صدام حسين، تاريخ الانقلابات
- اختزال واقع المرأة العربية
- -عراق على الوردي وثقافة -الكسار
- أنماط معاصرة من المثقفين
- ثقافة المفتاح العربية
- كوندوليزا رايس والقيم البيضاء
- هرمونات كرسي السلطة في العالم العربي
- لماذا نكتب؟
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية
- أزمة الثقة في المجتمعات العربية


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - صالح سليمان عبدالعظيم - -هاي- سذاجة أمريكية!!