|
لمحة عن أثر دين التصوف إقتصاديا فى العصر المملوكى
أحمد صبحى منصور
الحوار المتمدن-العدد: 8051 - 2024 / 7 / 27 - 22:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية الفصل الثالث : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية لمحة عن أثر دين التصوف إقتصاديا فى العصر المملوكى آثار الوقف اقتصاديا .. 1 ــ ازدهر الوقف في العصر المملوكي بازدهار التصوف وعكست هذا وثائق الوقف على المؤسسات الصوفية في مقدماتها ، وكما يبدو واضحا في الفصل الخاص بأثر التصوف فى العمارة واهتمام المماليك بإنشائها ورعاية الصوفية فيها ، والوقف عليها بأرضى زراعية ومحلات تجارية وأملاكا عقارية ،كلها يتخصص ريعها فى الانفاق على تلك المؤسسات . ولم ينته حكم المماليك إلا وبلغ الأراضي الزراعية الموقوفة حوالى عشرة قراريط من 24 قيرطا ، أى حوالى نصف الأرض الزراعية وكانت غالبية مباني القاهرة والفسطاط وقفا ، وقد كان المقريزي يشكك في صحة ملكية الأوقاف في عهده بسبب كثرتها . . 2 ـ وكان السلطان المملوكى يتحايل فى تحصين ثروته وحمايتها من المصادرة بأن يجعلها وقفا ، ويجعل نفسه وورثته قائمين على هذا الوقف ، يخصص جزءا منه للمؤسسة الصوفية والباقى له ولذريته . وكان السلطان التالى يطمع في إنتزاع أوقاف من سبقه ، ولم يستطيعوا حلها بطريق شرعي، فتحكموا في ريعها ثم عاونهم القضاة في اغتصابها عن طريق الاستبدال ، فيأخذون الأراضى العامرة الموقوفة مقابل أراضى صحراوية وخرائب وأراضي البور، فى عقد استبدال صورى . وانتقل الأمر من السلاطين والأمراء الى ذوى النفوذ الأقل شأنا ، فقد اشتهر جمال الدين الاستادار بذلك، وعاونه ابن العديم قاضي القضاة وقتها ، واستولى هذا الاستادار على أوقاف كثيرة بحيلة الاستبدال ،واوقفها على خانقاته ، ومما يؤكد إصرار ابن العديم على خراب الأوقاف في مصر قوله لمن احتج عليه كثرة الاستبدال : (إن عشت أنا والقاضي مجد الدين لا يبقى في بلدكم وقف ) .. واشتهر جمال الدين الاستادار بخانقاته وكثرة سرقاته وتخصصه فى الاستبدال . واشتهر كثيرون غيره في استبدال الوقف متأثرين بانحراف القضاة والفساد الذى شاع في العصر بتأثير التصوف... 3 ــ ولم يكن الاستبدال هو الطريق الوحيد . كانت هناك طرق أخرى : كان الواقف يُرغم على الاشهاد على نفسه ــ في محنته ــ بأن أملاكه واوقافه من مال السلطان. وفي عهد برقوق استؤجرت الأوقاف بأقل من أجر مثلها فلجأ بعض مباشري الأوقاف إلى هدم العقارات الموقوفة بدل تعميرها ، وأحيانا كان يتم تعيين القاضي في مقابل أن يقرض السلطان من مال الأيتام الموقوف . 4 ـ وبمرور الزمن تلاشت كثير من الأوقاف ، ووضع آخرون يدهم عليها وتملكوها بحكم الواقع وتقادم السنين او بانقراض المستحقين او فقدان كتاب الوقف، مع إهمال القضاة في الإشراف على الأوقاف الموكل اليهم حفظها . 5ــ وبالإضافة إلى إهمال الأوقاف وخرابها فقد أدى اتساعها مع اعفائها من الضرائب إلى قلة إيرادات بيت المال ، فضلا عن أن السلطان كان يعطي امتيازات خاصة لمناطق اوقافه ، هذا إلى أن طبيعة الوقف من شأنها حبس الأموال عن التداول بأي نوع من أنواع التصرف ، وبالتالي منعها من القيام بدورها في خدمة اقتصاد البلاد. ثم ان الواقفين حجروا على المباشرين في حرية التصرف، وأدت الشروط المتعددة للواقف إلى سوء استثمار الموقوف لو إفترضنا حُسن النية لدى المباشر . وهذا متعذر فلا يهمه من الوقف إلا الريع دون الاهتمام بالإستثمار الأفضل . وبهذا خربت الأوقاف وقل ريعها فأثر ذلك على ثروة البلاد .. .. 6 ـ ــ ثم أن هذه الأوقاف كانت سبب تعطل من وقف عليهم اعتمادا عليها ، فعاشوا بلا عمل عالة عليها ، ووجد فيها الصوفية فرصة الحياة المريحة فعاشوا عليها وأهملوا شروط الواقف مما دعا السلطان برسباي للكشف عن شروط وقفي المدراس والخوانق للعمل بها فسر الناس بذلك ثم تراجع عما عزم عليه ) هذا ما ذكره ابن حجر والمقريزى وابو المحاسن ، ويقول أبوالمحاسن عن إهمال القضاة للأوقاف : ( من شان القضاة عدم الالتفاف لعمارة الأوقاف والمدراس التى يكونون أنظارها . وما ادرى ما الذي يعتذرون به عن ذلك بين يدي الله عز وجل ؟.... وقد شاع ذلك في الأقطار عن قضاة زمننا، وصار غالب الناس اذا وقف على مدرسة أو رباط او زاوية أو غير ذلك يجعل النظر فيه حاجب او الداودار او الزمام ولا يجعله لمتعمم ) ... الأثار الاقتصادية للتواكل الصوفي : ترك الحرفة
1 ــ اتخاذ الحرفة أساس بناء الحضارة : وبدعوة التواكل الصوفية ترك الكثيرون حرفهم وصاروا صوفية ، بل ان بعض الصوفية القادمين عنّ له أن يمارس حرفة فجرفه تيار التواكل ) ، والعيش الهنيء للصوفية في مصر داخل المؤسسات الصوفية يُغرى الحرفيين بترك الحرفة . بل إن بعض وثائق الوقف تتيح لتاركى الحرفة التوظيف فيها ليعيش عاطلا ، ففى وثيقة وقف مغلطاى الجمالى : ( ويرتب بها مع عشرين من الفقراء المتصفين بالخير والعيانة المتخليين عن الاكتساب ) ... أي كان ترك الحرفة شرطا للعيش الرغد في الخانقاه . وصار ترك الحرفة لازمة من لوازم التصوف حتى أن الصوفي اذا نزع الى احتراف عمل يقتات منه تشكّكوا فيه و ( امتدت الى زهده الظنون ونالت من سمعته الألسن) على حد قول الشعراني ) . بل كان بعض الشيوخ الصوفية يزينون لمن يجتمع بهم ترك الحرفة والانقطاع عوضا عنها بترديد اورادهم وأحزابهم وصلواتهم الصوفية . ويقول الشعرانى أن بعض الشيوخ كان (يأمر المريد ان يخلى دكانه ويُعرض عن الدنيا ) . وأدت القصة الصوفية دورها المؤثر في هذا المجال ففي إحداها ان تاجرين تركا السوق وتصوفا ، وفي الحوليات التاريخية نرى تأثر الكثيرين بدعوة الصوفية فترك الحرفة لمحبته في أهل الصلاح بل أصبح أخرون أولياء بعد ان بدءوا تصوفهم بترك الحرفة مثل الأعسر ) ، والغمري والحنفي ) . وتسمى كثير من الصوفية بأسماء الحرف التي تركوها قبل الانخراط في التصوف مثل الحلاوي والسدار وحسن الخباز ، وقال الشيخ الحرار معللا تركه الحرفة (فلم أزل على حالتي اكب الحرير حتى قيل لي أن لم تتركه أعميناك ...) ... وترك كثيرون حرفة الحياكة وتصوفوا مثل إسماعيل الباعوني ومكين الدين الأسمر ) ووضاح الخياط ) وبركات الخياط ) ، والغمري ) وعمر الوفائي الحائك والدميري ) وقاريء البداية ) والشيخ على القطناني ) ... وقد ذكرتهم المراجع التاريخية والصوفية ... ــ والصوفية وقد تركوا الحرفة فعلى حد قول الشعراني (هم بعد ذلك على قسمين إما ان يطعمهم الشيخ من الصدقات وإما ان يسألوا الناس ) أي أصبحوا عالة من الناحية الاقتصادية... ــ وقد عاش بعض الصوفية في المؤسسات الخاصة بهم كموظفين . والموظف لا يمكن ان يكون عنصرا منتجا خاصة إذا اتصل عمله بعمل الصوفية في الخوانق . ونذكر هنا أن الصوفية بما نشروا من تواكل وخمول وبما مارسوه من وظائف في الخوانق والربط والزوايا قد غرسوا حب الوظيفة ، وهو نوع من الاستجداء الرسمي في عصرنا الحالي لا يختلف كثيرا عن التسول الصوفي . ويقول المثل الشعبي (ان فاتك الميري اتمرغ في ترابه ) ... بعض الأثار الإيجابية .. 1 ــ ومع ذلك فقد كان للتصوف بعض النواحي الإيجابية في الاقتصاد ، خاصة في الرواج التجاري في الموالد المشهورة والقرافة ... حتى ان من كرامات البدوي اجتماع التجار إليه سنويا من سائر الأقطار (وشاع بينهم أن من حضر المولد بتجارته نفقت بعد كسادها ) وقد راجت تجارة الحمص في مولد البدوي وروى المقريزي والقلقشندي انه عد في طريق بين الفسطاط وجامع ابن طولون (أكثر من ثلثمائة وتسعين قدرا من للحمص المسلوق سوى المقاعد والحوانيت التي بها الحمص ) ولا شك في ان ازدهار طنطا التجاري حتى الآن ــ يرجع إلى وجود ضريح البدوي ومولده بها . على ان بعض المحاصيل التجارية قد نسبت لبعض الأولياء لرواج بيعها في مولدهم فنسبت البطاطا إلى سيدي جابر والترمس للأنبابي وفي المثل الشعبي (ترمس امبابة احلى من اللوز قال وأجبر خاطر الفقرا ) وكان الشعراني أحيانا يقرن ذكر المولد بالتجارة فيقول مثلا عن مولد المليجي (يحصل فيه جمعة (اجتماع) كبيرة وتنفيق سلع للناس ) وانتشرت الأسواق المتنقلة في القرافة والمزارات فيها ) . وبالتصوف ومؤسساته تقدمت صناعات الرخام والمحاريب..
#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أثر دين التصوف : من التركيب الاجتماعى الى الاقتصاد
-
أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : طبقة
...
-
عن ( زلزال 1992 / فرار الأنبياء يوم الحشر )
-
أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : المجا
...
-
عن ( ربا / يربو / إنتقاد حسنى مبارك فى مصر وقت سطوته )
-
عن : أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية :
...
-
عن ( بيع قناة السويس وهل مات السيسى / فى الوصية / تسجيل الأح
...
-
أثر دين التصوف في الزّى وشُرب القهوة عادة إجتماعية
-
عن ( خير أجناد الأرض )
-
أثر دين التصوف في : المبالغة فى الحزن والنوم فى المساجد والت
...
-
عن ( نفى شفاعة النبى يوم الدين )
-
عن : أثر دين التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية :
...
-
عن ( إسرائيل والصحابة / إلهاء بالفضائح / ليس له سوى سعيه / ا
...
-
أثر دين التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية : فى ع
...
-
عن ( مغرمون / غول وينزفون / مسألة ميراث / غواش / المنافقون و
...
-
عن : أثر دين التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية :
...
-
عن ( الماعز وتقديس الصحابة / هجص القزوينى عن الفيوم ويوسف عل
...
-
عن أثر دين التصوف فى الاعتقاد فى التنجيم والاستخارة
-
هل كلمة ( حرامى ) موجودة فى القرآن ؟
-
أثر دين التصوف فى الاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم
المزيد.....
-
سوريا.. إحترام حقوق الأقليات الدينية ما بين الوعود والواقع
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة ليست حربا بل وحش
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على النايل
...
-
وفاة زعيم تنظيم الإخوان الدولي يوسف ندا
-
بالصور.. الزاوية الرفاعية في المسجد الأقصى
-
جماعة -الإخوان المسلمون- تنعى الداعية يوسف ندا
-
قائد الثورة الاسلامية: اثارة الشبهات من نشاطات الاعداء الاسا
...
-
قائد الثورة الاسلامية يلتقي منشدي المنبر الحسيني وشعراء اهل
...
-
هجوم ماغدبورغ: دوافع غامضة بين معاداة الإسلام والاستياء من س
...
-
بابا الفاتيكان: الغارات الإسرائيلية على غزة وحشية
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|