أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - السودان: جدوى استدعاء ثورة 1924 في ذكراها المئوية(1-2)















المزيد.....

السودان: جدوى استدعاء ثورة 1924 في ذكراها المئوية(1-2)


محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)


الحوار المتمدن-العدد: 8051 - 2024 / 7 / 27 - 20:47
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


يشتمل هذا المقال التعليق على ثورة 1924( يونيو - نوفمبر 1924)، التي فجرها الشعب السوداني ضد قوات الاحتلال البريطانية، في ذكراها المئوية واستعراض جدوى استدعائها. كما يحتوى المقال على إعادة لنشر صيغة منقحة لمقال للكاتب بعنوان ”ثورة 1924 - بداية الثورة الوطنية الديمقراطية الحديثة في السودان“. وإذ نخصص هذا المقال لثورة 1924، الذى استدعته ذكراها المئوية، فإننا لا نحتاج التأكيد بان احداث الماضي مليئة بأمثلة كثيرة من الانتفاضات الوطنية كانت دائما مترسخة في وجدان الشعب وملهمة له.

دائما ما يلجأ الناس في المنعطفات الثورية لذاكرة الماضي واستدعاء الشخصيات والأحداث المتعلقة بها لكى تمدهم بالدروس التي تعينهم للتقدم نحو الجديد، ولا يعتبر هذا عاملا سلبيا، بل وسيلة إيجابية في مجرى التغيير. والمثال الساطع للتوسل بذاكرة الماضي لإنجاز التغبير، استدعاء اشباح الماضي في الثورة التاريخية العظيمة، التي كانت نقطة فارقة في تغيير وجه العالم بنقلها للسيادة من الاقطاعية للبورجوازية. فلتأسيس أنظمة قانونية ودستورية جديدة مكان الانساق الاقطاعية، لجا قادة التغيير للاستفادة من مكانة روما القديمة في صياغة القوانين. وفى هذا الصدد يذكر ماركس أن الناس آنذاك، لخلق شئيا لم يكن موجوداً من قبل، أخذوا ” يستدعون أرواح الماضي لتخدم مقاصدهم ويستعيدون منها الأسماء والشعارات القتالية والأزياء لكى يمثلوا مسرحية جديدة على مسرح التاريخ........وهكذا اكتست ثورة 1789 (الثورة الفرنسية) بثوب الجمهورية الرومانية تارة وثوب الإمبراطورية الرومانية تارة أخرى. وما ان تحقق للبرجوازية نيل مقصدها (القوة) التفتت نحو الجسر وحطمته.....ومثل ذلك فإن المبتدئ الذى تعلم لغة جديدة نجده دائما يترجمها إلى لغته الأم، لكنه يستوعب روح اللغة الجديدة ويعبر بها عن نفسه بسهولة وفى يسر عندما يستخدمها بدون تذكر اللغة القديمة عندما لا يعود يتذكر النطق بلسانه الأصلي. “

إن استدعاء احداث ووقائع الماضي السوداني تنبع الحاجة اليها من ضرورة اكمال ما لم يتم إنجازه في انتفاضات 1964 و1985 و2018. فتلك الانتفاضات تشترك في طبيعة واحدة وهو انها كانت تعارض حكومات القاسم المشترك بينها هو هيمنة قاعدة اجتماعية كمبرادورية عليها. ولحماية مصالح هذه القاعدة الاجتماعية (التي يدور نشاطها الاقتصادي في مضمار التصدير والاستيراد)، فقد درجت الحكومات المتعاقبة، التي تمثلها، على اتباع سياسة رهن القرار السياسي للخارج وقهر الشعب بالقوانين القمعية والتدابير التعسفية (austerity measures) وحرمانه من الحرية السياسية والنقابية. وهكذا، فان التغيير في السودان يمكن تلخيص هدفه النهائي في ضرورة تحرير القرار السياسي من قبضة طبقة الكمبرادور، أي من السيطرة الخارجية. وايس من مثال يمكن استدعاءه لإنجاز هذه المهمة افضل من ثورة 1924. فبالرغم من مئة عام تفصلنا عن ثورة 1924 حدثت فيها تحولات كثيرة في البلاد على الصعيد الاقتصادي/الاجتماعي وتعبيره السياسي، الا ان التناقض الأساس المتصل بمسار الثورة السودانية ما زال، في جوهره، يتمثل في الهيمنة الخارجية على البلاد وأن استقلال القرار الوطني يمثل القضية الأولى التي تواجهها البلاد حتى اليوم. ولهذا فان استدعاء ثورة 1924 يساعد في تعزيز الوعى القومي بضرورة تحرير القرار الوطني ومن ثم يقدم القوة الدافعة لإكمال ما بدأه الشعب في هَبّات 1964، 1985، 2018.

وكذلك، فان استعادة 1924 يمنح الجسم السياسي السوداني الثقة في قدراته للتصدي بنجاح للتحديات التي تواجه البلاد إِثْرِ للهجمة الحالية عليها من قبل بعض الدول الخارجية وعملائها. والقتال الدائر في البلاد منذ ابريل 2023 يجعل استلهام 1924 أكثر احاحا؛ لكن لا يفوتنا التذكير بان ان الشى الهام الذى يغيب عن اذهان الكثير من مواطنينا هو ان الجيش السوداني لا يقود حربا ثورية. فالنزاع بين مليشيا الجنجويد والجيش نشأ حول مسائل تنظيمية تتعلق بمشروع ”الاتفاق الاطارى“، ذو الطبيعة الاستعمارية، الذى وضعته الدول الغربية ودولة الامارات والمملكة السعودية للسيطرة على السودان. ولهذا، انحصر التنازع حول مسائل تنظيمية تتعلق بمهددات وجودية تواجه كلا التنظيمين العسكريين، بجانب مواضيع إجرائية أخرى تتعلق بتمثيل القوى السياسية المختلفة في ”الاتفاق الاطارى“، ولم يكن (النزاع) يدور حول رؤى جديدة مغايرة للتوجه السياسي/ الاقتصادي القديم الذى طالما تبنته الأنظمة السابقة، وبإفراط من قبل الحكومة الانتقالية الناشئة عقب الاطاحة بنظام الانقاذ للإسلاميين في 2019. فالحكومة الانتقالية، احتضنت التوجه الاقتصادي النيوليبرالى المتضمن بالضرورة في المشروع الاستعماري: ”الاتفاق الاطارى“.

إن الاستفادة من ذكرى 1924 لا تتم بالمبالغة في تعظيمها بشكل تجريدي (abstract terms)، بل- كما في كل احداث التاريخ - بالدراسة العميقة لأحداثها في صعودها واخفاقاتها. إن ثورة 1924 لم تنتصر وعدم نجاحها (لأسباب موضوعية ، نستعرضها في الجزء الثاني من المقال) لا يعنى عدم الاستفادة من استلهامها كحدث تاريخي من احداث التحرر الوطني المميزة؛ والقاعدة هي أن استدعاء الماضي ما هو الا جسر للعبور نحو الجديد وبعدها يمضى الناس لحال سبيلهم ويتركوا القديم وراءهم؛ فكما في مثال الثورة الفرنسية، الذى أوردناه أعلاه، حول استدعائها للماضي، فان البرجوازية بعد تحقيقها لأهدافها تركت الاقطاعية وراءها و” التفتت نحو الجسر وحطمته“.

ويجدر الانتباه الى أن استدعاء أحداث التاريخ قد يحدث لأسباب لا علاقة لها بإضاءة الطريق لمستقبل جديد. ففي العام الفائت عندما تنادى البعض للاحتفال بذكرى ثورة 1924، ظهر غراب البين وحط رحله وروج لاستدعاء الهبة العظيمة من منظور سياسات الهوية. انه غراب البين الذى كلما ظهر لا يثير الا التشاؤم والتطير. وهكذا، فان تفسير ثورة 1924 على أساس سياسات الهوية يؤسس على وجهة نظر ذاتية قائمة على أساس مظاهر الهوية لفئة محددة في المجتمع بديلا للتحليل الاجتماعي/الاقتصادي. وخطورة الاستعانة بسياسات الهوية، الرائجة حاليا في السودان، تتمثل أساسا في عملية الباس المواقف غير الوطنية المرتبطة بالخارج زي الهوية الدينية أو المناطقية أو العرقية لفعاليتها في اثارة الجماهير.

إن أصحاب سياسات الهوية يدعون الى ضرورة استدعاء ثورة 1924 لرسم مشروع وطني جديد محدداته الهوية التي بزعمهم تطيح بالتباين وسط القوى الاجتماعية السودانية بين السود وغير السود الذى أعاق مسيرة الثورة. لكن، أولا، هذا اعتقاد لا معنى له وادعاء فارغ تغيب عنه معرفة مفهوم الثورة والجهل بتاريخ حركات التحرر العالمية، كما يعبر عن ان سياسات الهوية تفشل في ادراك أن ثورة 1924 هي بمثابة الفصل الأول في الثورة الوطنية/ الديمقراطية (التفصيل في الجزء الثاني من المقال). والثورة الوطنية/ الديمقراطية تمثل الاستراتيجية الصحيحة للتغيير في السودان منذ مطلع القرن العشرين: ثورة وطنية للتحرر من التبعية والهيمنة الاستعمارية (السياسة والاقتصادية)، وطبقية ضد الفئات الاجتماعية اليمينية المختلفة التي ترعى مصالح القوى الأجنبية. وثوار1924 هم أبناء زمانهم؛ فنضالهم ضد السيطرة الاستعمارية المباشرة لبريطانيا على السودان لم يقترن بوعى الطبيعة الحقيقية للعدو الذى يحاربونه؛ وهكذا، فان المطلوب هو دراسة حدود وقيود ثورة 1924.

وثانيا، لم يستجب على عبد اللطيف قائد الثورة للاستعلاء العرقي الذى واجهته به القوى الاجتماعية الرجعية التي كان دافعها في معارضة الثورة الحفاظ على مكاسبها الاقتصادية المتمثلة في امتلاك الأراضي ومشاريع زراعة القطن التي اكتسبتها ثمنا لتعاونها مع المستعمر الإنجليزي، ولهذا غلفت دفاعها عن مصالحها الاقتصادية بالهجوم العنصري المقيت على قادتها؛ لكن عدم استجابة قائد الثورة لهذا الموقف العنصري ونظرته الى ان الازمة بينه وبين هذه القوى ليست بين عرب وزنوج عبر عنها باكتفائه بتلخيص الخلاف بين القوى الاجتماعية آنذاك كان بين قوى وطنية وأخرى غير وطنية.

وثالثا، فان الدعوة لمشروع وطني جديد (مفترض فيه الاستناد على الهوية)، دعوة لا تمثل ترديا فكريا فحسب، بل تغاضيا لمشروع الثورة الوطنية/ الديمقراطية الذى رسخ مبداه، منذ منتصف اربعينات القرن المنصرم، الماركسيون السودانيون وسط قطاعات الشعب، وهو المشروع الذى قدم التوصيف الصحيح للمسألة الوطنية ومن ثم التحديد الدقيق للمشروع الوطني والقوى الاجتماعية المؤهلة (تاريخيا) للاضطلاع بتنفيذه.
نواصل



#محمود_محمد_ياسين (هاشتاغ)       Mahmoud_Yassin#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدود العولمة وظاهرة ترامب (2-2)
- حدود العولمة وظاهرة ترامب (1-2)
- في ذكرى أول مايو وواقع حال الثورة في الدول الفقيرة
- مؤتمر باريس لدعم السودان والمقاصد الشريرة للإمارات
- جرائم الجنرال البرهان حاليا وما قبل 23 و21 و19
- ما زال عقل وزير المالية السوداني الأسبق في أذنيه (2-2)
- السودان: غندور وجريمة تدمير العمل النقابي
- الديناميكية السياسية وصعود الجيش للسلطة السياسية واحتكارها ( ...
- السودان: الديناميكية السياسية وصعود الجيش للسلطة السياسية وا ...
- السودان: ما زال عقل وزير المالية الأسبق في أذنيه
- السودان: خطاب البرهان الديماغوجي في الخامس من يناير
- الجيش والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(4-4)
- الجيش السوداني والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(3-4)
- الجيش والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(2-4)
- الجيش السودانى والحرب ضد أشقياء الجنجويد-مقدمة-(1-4)
- الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي من منظور الماركسيين السودانيين
- اصطياد مصر بشبكة صندوق النقد الدولي
- المبادرتان المصرية والاثيوبية ودعم التدخل الخارجي في السودان
- الاطماع المصرية رافعة استعمار السودان
- السودان: البشير وضعف المنطق والادعاء الكاذب


المزيد.....




- بلينكن يلتقي نظيره الصيني ويبحثان تايوان واتفاق الفصائل الفل ...
- «الحاضنة الشعبية للمقاومة»
- الاثنين القادم، مؤتمر واعتصام رمزي في نقابة الصحفيين تضامنًا ...
- إخلاء المهاجرين والمشردين من باريس خلال دورة الألعاب الأولمب ...
- مباشر: مهرجان خطابي وفني بمناسبة الذكرى الثانية للإعلان عن ت ...
- ورقة حول حصيلة عمل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب خلال ...
- شاهد.. الشرطة البلجيكية تعتقل متظاهرين يرفعون العلم الفلسطين ...
- فرنسا: من هي لوسي كاستيه مرشحة اليسار لمنصب رئيس الوزراء وما ...
- م.م.ن.ص// عمال وعاملات شركة سيكوم/سيكوميك بمكناس في خطوات تص ...
- إسرائيل.. اليمين المتطرف يهاجم هاريس


المزيد.....

- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي
- تحديث. كراسات شيوعية (الهيمنة الإمبريالية وإحتكار صناعة الأس ... / عبدالرؤوف بطيخ
- لماذا يجب أن تكون شيوعيا / روب سيويل
- كراسات شيوعية (الانفجار الاجتماعي مايو-يونيو 1968) دائرة ليو ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مقدّمات نظريّة بصدد الصراع الطبقيّ في ظلّ الإشتراكيّة الفصل ... / شادي الشماوي
- ليون تروتسكى فى المسألة اليهودية والوطن القومى / سعيد العليمى
- كيف درس لينين هيغل / حميد علي زاده
- كراسات شيوغية:(الدولة الحديثة) من العصور الإقطاعية إلى يومنا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - محمود محمد ياسين - السودان: جدوى استدعاء ثورة 1924 في ذكراها المئوية(1-2)