أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - نصار يحيى - انقسام الروح/ وائل السواح















المزيد.....


انقسام الروح/ وائل السواح


نصار يحيى

الحوار المتمدن-العدد: 8051 - 2024 / 7 / 27 - 00:11
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


سيرة ذاتية لليسار السوري الجديد
في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته
يا ..الجميل حتمل
لم "يأتِ الطائر الأزرق"
يخاتلُ الأمسَ
بين شتات العمر
يمضي وحيداً على قارعة الحقائب
تقذفه شظايا العتمة ليل نهار
خلف استراحة انقسام الروح؟
يذهب الصدى إلى باريس؛ جميل حتمل صديق عمره، لـ وائل وأحد رفاق التجربة، والذي توفي هناك إثر مشكلة قلبية مستعصية عام 1994.
تطلُ حفيف كلماته قبل الوفاة:
"ليس معي نقود..أبحث عن كأس..قد أجد جرعة كونياك، سأخذها لأزيد هذا الفرح..بتُ أكره المشافي، غرف العناية المشددة..بتُ أكره هذه الوحدة القدرية.."
ثم لا ينسى كلمات الروائي عبد الرحمن منيف:
"..مات جميل وهو ينتظر الطائر الأزرق، ويتوقع وصوله
ولعل الطائر لا يتأخر أكثر مما فعل.."
تنطلق الرحلة من قبو صغير بالشيخ محي الدين في دمشق: طالب جامعي يحمل كتبه المبعثرة، سنة أولى أدب انكليزي.
في القبو يسكن بغرفة مجاورة للمدعو أحمد جمول؛ أكبر منه بعشر سنوات، يتبعثر وأشيائه الصغيرة في ركن صغير من غرفته..
تظهر آثار الدخان على سعاله الدائم؟
يتبين أن هناك صرخة رئوية، تحاول الرفض لهذا الدخان الأكثر ردائة: الناعورة بقضها وقضيضها.
كانت صدفة سكن، ستترك ملامح هوية مغايرة؟
وائل القادم من حمص، متأبطاً انتمائه للحزب الشيوعي السوري/ بكداش. ورغم صغر سنه (17)، عينوه بمكان قيادي مبكر (لجنة فرعية).
في غرفته أحمد، جعل منها مكتبة ذات عناوين متنوعة لـ"المهرطقين"؟ وفق البابوية السوفيتية، ودار تقدمها:
من أمثال ويلهلم رايش، هربرت ماركوز، اريك فروم...نسخة من البيان الشيوعي، ترجمة العفيف الأخضر، مرافقة للقول: أول نسخة عربية غير مزورة؛ يقصد ترجمة خالد بكداش.
مع كتب تروتسكي..بالاضافة لكتب لينين المعهودة وماركس وانجلز.
هل حصلت صدمة السؤال؟
من البداهة بمكان، وائل وبهذا العمر، أن يُسحرَ بأحمد جمول وأفكاره "المهرطقة" لكل ما هو مألوف.
يتخلى نهائيا عن انتمائه القديم (بكداش) الذي يناسب خريف العمر وعكازات "التقاعد"!
وكان من اللزوميات ما لايلزم الشيخ امام، بأغنيته غيفارا مات..
يتساءل القارئ من هي هذه الشخصية، التي ستصبح بمثابة المعلم الأول لوائل؟
كما غيره في تلك المرحلة (مطلع السبعينات)، توجه أحمد جمول لما عرف لاحقا بالحلقات الماركسية، الجنين الذي يكبر ويمشي على رجليه، حاملا روحه على كفه بمواجهة سلطة سياسية تؤسس للزعيم الأوحد؟ "يتشاور" مع حواليه (حزبه الحاكم وجبهته التقدمية). مع تعلم التكرار: نعم سيدي الرئيس إنك لا تنطق إلا بالحق..
كانت الفكرة الأساس لاجتماع الحلقات: ضرورة البديل الثوري؟
هناك الآن حزبان شيوعيان بعد انشقاق 3 نيسان 72: الرسمي بقيادة بكداش، المكتب السياسي/ رياض الترك.
بالإضافة لحلقات متناثرة، تجتمع اجتماعها الموسع الأول عام 74. الثاني 75، الثالث آب 76 الذي سميّ المولود على أثره: رابطة العمل الشيوعي.
البعض سيقول ان الولادة حصلت إثر عملية جراحية "قيصرية"؛ بسبب رضوض خطيرة تعرض لها الجنين وأمه؟ مجازر مخيم تل الزعتر الفلسطيني في لبنان. حيث التدخل السوري المباشر لصالح الجهة المعادية للمخيم.
انقسام الروح هو العنوان الرئيسي
مع إضافة عنوان فرعي طويل: سيرة ذاتية لليسار السوري الجديد. في سبعينات القرن الماضي وثمانيناته؟
-ربما يحتاج القارئ لأخذ استراحة على خطى النكتة المعروفة للسادات عن اسم ليبيا القذافي..-
في سياق الفصول المتتالية وتداخل السيرة الشخصية للكاتب مع سيرة اليسار، سيغدو مبَررأ العنوان الفرعي.
لكن الآن دعنا نفكر بالعنوان الرئيس: انقسام الروح؟
العنوان يرنو ممكنات دلالة ذات طابع فلسفي، الذي خاض الغوص فيه الفيلسوف هيجل:
حيث قصة آدم وحواء الشهيرة بالمأثور الإبراهيمي.. كيف كانا روحا واحدة وبسبب شجرة المعرفة (الحياة)، انقسما ..
ثم عادا للوحدة عبر نشاط الروح (الفكر) بشكلها الأرقى بعد "الخروج".
أم يقتصر الدال على الانقسام بين الأنا والنحن؟
الأنا التي تنغمس بملذاتها ومتعها التي ترغب. بما فيها متعة القراءة والكتابة خارج السرب والسياج.
النحن التي ترتبط بالقيم وما يجب أن يكون نيابة عن الضمير الجماعي(الأنا الأعلى)..
هنا الأنا جزء من تجربة سياسية، خاضها وائل بكل مراحلها، ابتداء بالتخفي ودوره القيادي، ثم خاتمة المطاف السجن الطويل (10 سنوات).
النحن، الحزب (الرابطة/ حزب العمل الشيوعي)، ومن ينوب عنه من لوائح داخلية وضوابط صارمة، للالتزام اليومي خاصة بمرحلة التخفي..
الأنا التي ترى نفسها بمرآة الآخرين: مناضل ينشد الحرية، خرجَ عن طوق الولاء والطاعة، يمشي بين الظلال كما المخيال عن أولئك الذين نقرأ عنهم في الأدب أو نراهم في السينما. وقد يجنحُ المخيال صوب البلاشفة الأوائل..
هذه الأنا التي تتراءى، تجعل من صاحبها مثار اهتمام و "حظوة"، يُقدم له "الصدر دون العالمينَ"..
تتنحى النحن هنا خلف صخب المعنى من "الحيازة الشخصية"، كوجود يُرتجي ومثالٌ يحتذى.
ويعود السؤال: هل الكتابة هي انسجام الروح وعودتها الى الرحم الأول؟
وأنتَ تقرأ انقسام الروح، تتساءل عن مدى هذا التناغم والتماهي أحياناً، بين أنا الكاتب والنحن الغائبة الحاضرة، خاصة أنها محمولة على لغة حميمية، تستدعي الشخصية الأخرى وتصل بها إلى النهايات، بأسلوب أقرب للتداعيات، حيث الزمن يتغير ويختلف بين الآن (زمن الكتابة) وزمن الحدث الواقع، هذه الخاصية جعلت من السيرة تنزاح نحو السرد الادبي ببعض المجاز وبعض الاستعارات، كي تستريح السياسة بأسلوبها التقريري، لصالح لحظات "شعرية": حين يتذكر الشاعر رياض الصالح حسين و جميل حتمل بعد مغادرتهما الحياة: "وبقيت وحدي كمقهى صيفي ليلة رأس السنة..كورقة صفراء سقطت عن شجرة ولم تستطع أن تصبح سماداً لها.."
الأنا-نحن تروي التجربة. بظل غياب الضمير "هم"؟
يبدو أن وائل هنا اشتغل على ذلك بقصدية، جعلت من نصوصه وسيرته تحوم حول المسافة مع الجميع؟
عندما أقول هم فعلوا وقرروا كذا وكذا، أحملهم المسؤولية وأنا كما المتفرج أو الحيادي، في حين أركز على (نحن) وهي الارقى من (الأنا) تجعلني جزء من مسؤولية جماعية.
الكثير من "النحن" تهيمن على النص:
"في سوريا كنا نتابع انتصارات الحركة الوطنية اللبنانية..استعرنا من عمان هانوي العرب..تبنينا مقولة أن الثورة القادمة ذات طبيعة ديمقراطية.."
ستتغير طبيعة الثورة بين عشية وضحاها: غدت طبيعة الثورة اشتراكية؟
هنا السرد حيادي بغياب ضمير النحن، تجد "هم" حاضرة؛ القيادة التي أتاها "حلم ليلي بالتغيير"؟!
سوف تتمرد شخصية السارد (الأنا): "غير أنني لا أدري كيف فقتُ ذات يوم، فوجدتُ القيادة قد غيرت رأيها.."
مما هو واضحٌ؟ نقد غير مباشر لمنظومة التفكير وكيف فعلت فعلها.
وسيرد في آخر الكتاب، أن هذه النقطة كانت إحدى نقاط التفارق عن "التجربة"..
من المفيد هنا، محاولة الحفر في بنية التفكير المعرفية للتجربة، خاصة بعد ظهورها للعلن كرابطة عمل شيوعي وجريدة سياسية تحمل اسم الراية الحمراء، مع مجلة نظرية بعنوان الشيوعي ومنبر داخلي اسمه البروليتاري.
هي للدلالة على الهوية اليسارية الجديدة، إنما دون مواربة الكلمات والعناوين؟
والأهم من ذلك، محاكاة التجربة البلشفية الروسية، بمكان وزمان مغايرين، دون محاولة السؤال المعرفي والايديولوجي:
هل يمكن الاستحضار لتلك التجربة، وكأنها مثلٌ "للسلف الصالح" عند التيارات الدينية؟
حتى لا نجترح "المعجزات"، تبينَ أنه "لم يكن بالإمكان أفضل مما كان"..
كانت "موجة العصر البلشفي" آنذاك؟
للذين يحاولون إحياء التراث "الثوري"، حيث الاحزاب الشيوعية تخلت عن مهامها، وباتت ملحقة بالانظمة الحاكمة.
يعترض أحدهم هنا ويقول: مع بداية سبعينات القرن الماضي، انتعشت الشيوعية الأوروبية (اسبانيا، إيطاليا، فرنسا)، وبدأت بالتمرد على "البابوية السوفييتية"، بطريق ينحو نحوَ الاشتراكية الديمقراطية، يؤسس لبيت جديد، لا مكان فيه لدكتاتورية البروليتاريا..
/كان الصدى باهتاً في الكثير من بلدان عالمنا الذي يحبو الحلم، نحو فردوس أرضي متخيل "الشيوعية الخلاصية".
لطالما حاول المكتب السياسي/ رياض الترك، محاكاة هذا النموذج للشيوعية الأوروبية..
هل استطاع سبيلا لذلك؟
ربما ظهرت تلك الآثار بزمن متأخر، في الالفية الجديدة مع المؤتمر السادس للحزب (نيسان 2005) . حيث تم تغيير اسم الحزب: حزب الشعب الديمقراطي السوري. بدلا من الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي.
وائل كان يكتب القصة القصيرة ولديه مجموعة مهمة بعنوان: لماذا مات يوسف النجار؟
كتبها بعمر مبكر قبل الانغماس الكامل بالتجربة. أي منتصف السبعينات مع وجود بعض القصص لغاية آذار 78. حيث غدا ناشطاً في التجربة (الرابطة). "جف القلم القصصي"؟
هو يذكر قول أصلان عبد الكريم (أحد أهم قيادي الرابطة): "أنتَ تخليتَ عن الأدنى لمصلحة الأرقى..لا يجب أن تحزن..السياسة فوق الفن.."!!
تختلي السياسة بنفسها، تعاود صيغة ثنائية :إما وإما؟
لم تتمرد الكتابة هنا على السياسة، هل وجدت متكأ لها يبرر "جفاف القلم"؟
كان الواقع السوري في المرحلة التي يكتبُ عنها (انقسام الروح)، يبحث عن "يقظة" جديدة، تحاول إيقاف تداعي "الهزائم المتتالية" خاصة حزيران 67.
وما تلى ذلك بعام 70: أيلول الأسود، مجيء حكام من طراز مختلف. في سوريا ومصر والعراق وليبيا، نميري السودان بإعدامة: هاشم عطا وعبد الخالق محجوب أمين عام الحزب الشيوعي السوداني، إثر محاولة انقلابية فاشلة.
لطالما الهزائم العامة والكبيرة، تجد صداها في داخل الجمع، لمحاولة التعويض حتى لو كان متخيلاً، تحاكي تماهياً، ما لمرحلة من "الانتصارات" لكنها غائبة، مسكونة بسبات عميق، في منطقتنا العربية.
من الطبيعي هنا البحث عن البدائل في مكان آخر- للحالات اليسارية- حيث الانتصارات تتدفق وتحمل "العلم الأحمر" بشعاره القدسي: يا عمال العالم اتحدوا؛ كوبا (كاسترو) تعزف مع فيتنام (هوشي منه) نشيد الأممية الثالثة، يظهر لينين من ضريحه يخاطب "المنتصرون": سنبني معاً عالماً جديدا "بيت الشيوعية العالمية".
ماذا تعني للواقع السوري آنذاك؟
لا جدوى مما هو سائد، ليس هناك من حزب ثوري، يقدم الإجابات على الأسئلة، التي تقض مضجع من يفكر بالتغيير.
كلا الجناحين من الحركة الشيوعية -بكداش والترك- يجتران المقولة السوفيتية: "التطور اللارأسمالي" التي تعني الالتحاق بالنظام الحاكم، كونه يمثل البرجوازية الصغيرة، التي تنجز المهام حتى تصل للاشتراكية حلم "الآباء والبنون".
مع التنويه أن هناك رهان على المكتب السياسي/ رياض الترك. في حين تم غسل اليدين من بكداش؛ يستلذُ بعسل الانتهازية اليمينية. أي القطيعة "اللامعرفية" مع الخط الثوري.
كانت القراءة تتنوع وتنفتح على شتى التيارات الماركسية بقديمها، ومهرطيقها.
بمنشقيها (تروتسكي) وصولا للبنيوية الماركسية الجديدة (بولنتزاس، ألتوسير)، واستراحة لابد منها مع بعض العرب: جورج طرابيشي، الياس مرقص، مهدي عامل.
مع انخراط التجربة أكثر، في سراديب النشاط والتحريض السياسيين، تغدو القراءة المتنوعة، على هامش الاستراحات الليلية.
لكن "اللوثة" لم تضمرْ؟
باتتْ مسكونة بالهم السياسي..
وائل للصدفة أيضا يلتقي بالعفيف الأخضر بذلك القبو.
العفيف يعني آنذاك التمرد على الماركسية بشقها اللينيني، ونحو انجلز أحياناً كثيرة، ماركس بمحطات معينة، يستثني "مرحلة الشباب"؟
يعني الاقتراب من (باكونين) الفوضوي الروسي، بعنوان عريض: تحطيم فكرة الدولة وجميع مؤسساتها. واعتماد فكرة "اللاسلطوية".
العفيف يريد مجالس عمالية، تدير نفسها بنفسها كما السوفيتات قبل أن تسيطر عليها البلشفية..
والسؤال أين هذه المجالس العمالية ذات النكهة "البروليتارية" في منطقتنا العربية؟!
"وفوق كل ذي علم عليم".
"فقط حين ينحّى الإنسان من منظومة ماركس، يمكن تأويلها استبدادياً".
هي فقرة ظهرت بين مزدوجتين، يعني اقتباس؟
كتاب ما قرأ منه أحمد جمول العبارة..
الخوض بمثل هذا الحكم، يجعل من ماركس فيلسوفا يهتم بالإنسان دون تحديد هويته "الطبقية" حبيبة قلبه، ومحور انقلابه الشهير على (هيجل): "جعله يقف على قدميه، بدلا من رأسه". من الوعي المجرد الى الوجود الواقعي الموضوعي.
لطالما كانت هناك "استيهامات" لاشعورية، عن عدم تحمل ماركس عما آلت له التجربة "الشيوعية"، من تأسيس للاستبداد والعمل على تأبيده..
كما تم التنويه سابقا، آلية الاسترجاع: تطور المحطات الشخصية بعلاقتها بالتنظيم (التجربة)، حيث يتم التعرف على الشخصيات باسمها الحقيقي، دون الاضطرار للدخول في خلق شخصيات متخيلة؟
لم ينسَ انقسام الروح الشخصيات، التي تعرفَ عليها وائل خارج تجربته السياسية.
بطبيعة السير الذاتية، أن تسمي الأسماء بأسمائها مما يضعف مساحة المتخيل لجهة الواقع.
ويبقى السؤال هل بإمكان السيرة الذاتية التعويض عن لعبة السرد بالمحاكاة و الحبكة وملحقاتها؟
استطاع (انقسام الروح) بسرديته تلك: تداعي الحكاية عن الشخص، ونبش صفاته الايجابية، مع تمرير بعض النقد، "من تحت الطاولة" كما هو اسلوب وائل القصصي في مجموعته (لماذا مات يوسف النجار/ وقصته شاب مثقف):
"كانت الساعة العاشرة والثلث، عندما قرر عادل أبو مهدي أن يصبح ماركسياً، طوى الكتاب الذي بين يديه..: يا إلهي ما أشد سخافة سارتر هذا".
بذلك الأسلوب يمكننا القول أن (انقسام الروح) مزج بين السيرة والكلام في السياسة عن "الآخر" المعني بالتجربة..
كي يخفف من "جلافة" السياسة، لجأ إلى الإكثار من النصوص الشعرية، اقتباسات قصائد كاملة، لشعراء هم أصدقائه، الذين كانوا من نسيج "الروح" قبل وبعد التجربة: نزيه أبو عفش. حسان عزت. رياض الصالح الحسين..
أيضا فرج بيرقدار: الذي سيصبح عضوا في التنظيم ثم قيادياً؛ لم يكن متحمساً لأنضمامه، كي يبقى الشاعر. أو حتى لا تسكنه لوثة (انقسام الروح)..
خارج "سوط" السياسة والتجربة، يروي "جلسة ترفيهية" بين شاعرين: علي الجندي و ممدوح عدوان:
"يكتب ممدوح قصيدة مطلعها: يألفونك فانفر إلى وطن يهاجر فيك..
علي يقول له: بتبيعني هالبيت بألف ورقة؟
-علي الجندي أكبر مبلغ يتصوره هو الألف ورقة سورية-
ممدوح: فشرتْ.."
-تعزف الروح شجوها على ذاكرة الحنين، تحاول الالتئام شوقاً للصدى-
نقد خجول يتقدم به وائل للتجربة، بين ثنايا فصله الأخير: فر الحلم من أيدينا؟
الحلم بأن المجتمع سوف يسير وفق "المخطط الذهني" للتجربة:
ستنتصر الطبقة العاملة بقيادتها للطبقات الشعبية. ستنجز ما تبقى من مهام عالقة من الثورة الديمقراطية "حكومة مؤقتة ذات توازن قلق" بلغة التقرير السياسي لحزب العمل الشيوعي (آب 81).
بعد هذا الانجاز العظيم المتخيل، تبدأ مرحلة الثورة الاشتراكية، هنا تتأسس الجبهة الشعبية المتحدة بقيادة البروليتاريا، وعلى الأغلب ستفوض حزبها الثوري، كما جرت في سالف النجاحات الشيوعية..
إنما الواقع كما يسرده انقسام الروح:
صحوات دينية هنا وهناك، خاصة بعد انتصار الخميني في إيران/ شباط 79. وتعميم العمامة السوداء حتى على "مراحيض" البشر، وكيفية قضاء حاجاتهم.
وأفغانستان تحتفي بالدبابة السوفييتية، توزع "الصبار الأفغاني". يدخل بابراك كرمال، إلى حلبة الرقص، حاملاً سيف "الجيش الأحمر": أين هو حفيظ الله أمين (الرئيس السابق)؟
بضربة سيف يقطع رأسه..
وائل يسترسل بالريبورتاج (ضياء الحق بباكستان، حركة جهيمان في السعودية، تداعياتها بالعودة لاستحضار "الوهابية" على قدميها وساقيها)..
لكن الأهم ما جرى في الداخل السوري: اشتداد الصراع الدامي بين النظام والإخوان المسلمين..(مابين 79- 82)؟
وجدتْ نفسها الرابطة أمام رؤية سياسية مغايرة عن الشارع السوري بكافة أطيافه (جبهة النظام. التجمع الوطني الديمقراطي المعارض).
كان الحلم شديد الوطأة: البديل الثالث مستقل بذاته، عن كلا طرفي الصراع: النظام والإخوان المسلمون.
تختلج "الانكسارات العامة" مع التوجه نحو الداخل للتجربة:
بين عشية وضحاها تتغير طبيعة الثورة من كونها ديمقراطية على خطى لينين في كتابه خطتا الأشتراكية الديمقراطية في الثورة الديمقراطية.
إلى ثورة اشتراكية أيضاً، برسم لينين وكتابه موضوعات نيسان، عندما كان عائداً من منفاه. يجلس في مقصورته "مشرع غليونه"، يفكر بالبديل بعد ثورة شباط.
يعلق وائل على الأقل، لينين غيّر بعد اثني عشر عاما (1905-1917). أما نحن الرابطة، خلال ساعات ودون أي تغيير ملحوظ إنما فقط في الأذهان.
يذكر أيضاً "النوسان" الجديد بالعلاقة مع السوفييت؟
خاصة بعد تأييد تدخلهم بأفغانستان بنهاية 79. تم التخلي عن شعار الحلقات والرابطة: تأييد دون تبعية. نقد دون عداء؟
ربما الأجدى التوجه نحو الشعار نفسه. هل كان هناك شروط إمكان تحقيقه على الأرض.
من ثم كيف يستقيم مع الشعار الأستراتيجي: العمل على إيجاد مركز أممي بروليتاري موجه؛ محاكاة لسيرورة الأممية الثالثة.
/سيذكر وائل وهو محق: تلك الحالة الأشراقية السياسية، في موقف الرابطة المتقدم من "الحدث الإيراني"، باعتباره يمثل عودة للقرون الوسطى بمفرداتها المتعددة مع "عصرنة" فاشية في طريقة حكم الجمهور.
في الوقت الذي كان اليسار العربي والعالمي، يحمل طبول الفرح والأبتهاج بهذا الانتصار الثوري الرهيب؟!/
يبدو أن انقسام الروح لامس "مظلومية" المرأة وغيابها عن الدور القيادي؛ رغم وجودها المتميز بالمقارنة مع التجارب السياسية الأخرى لكنها بقيت في صفوف "القواعد".
/باتتْ هناك الكثير من الأصوات النسائية، عالية النبرة: كنتم كما بقية المجتمع، تنادون بحرية المرأة ومساواتها الكاملة مع الرجل، لكنكم بقيتم كما غيركم مسكونون بالسيطرة الذكورية
ملاحظته الاخيرة كيف تحول الاسم من الرابطة إلى الحزب، وذلك في المؤتمر التأسيسي الوحيد آب 81.
دلالات التحول تعنى أن الرابطة عكفت عن الأمنيات القديمة، ستؤسس حزبها الخاص الجديد (البديل الثوري).
مع الإشارة للتمييز بين الحزب الثوري والحزب الجماهيري. يغدو الطموح نحو هذا الأخير.
رمزية الاسم (الرابطة)، بعيداً عن الدلالة السياسية -باعتبارها فصيلاً يسعى مع غيره لتأسيس "نور الأنوار" الحزب المشتهى- رمزيتها تكمن في مساهمتها لتشكيل "علاقة متخيلة مبنية على فكرة الأخّوة الطهرانية"، متجسدة في التنظيم بصيغة الرفاقية؟
هي من دعت لقتل الأب المستبد (رمزياً): رفض سلطة الأمين العام، استبداله بقيادة جماعية؛ هل يمكن للرفاق أن يتنافسوا على السيطرة؟
كانت الأم (الرابطة) كفكرة وعنوان، تحول دون أية إمكانية، حتى أمام رغبات العض المكبوت منها والمسكوت عنه: أن من حقها الاستئثار بأحادية القيادة.
واقع الحال أن فكرة القيادة الجماعية استمرت حتى بعد التحول إلى حزب!
رابط "الرفاقية" بين الأعضاء عمل على تأسيس "محكى عائلي" من طراز خاص، جعل الأعضاء "الرفاق" حتى بعد افتراقهم السياسي الكبير، جعل منهم "وحدة اجتماعية" تعتمد حالة من "القرابة العمومية"، عابرة شتى الانتماءات، ما قبل الانضمام لصفوف هذا الجمع الجديد.
هل وصلت الحالة، لتشكيل مخيال جمعي لاشعوري، يسكن "الجماعة" في إحدى غرفها المنسية بين الشتات؟
-السؤال هنا لا يبحث عن الجواب-
يحضرني هنا قول المفكر الفرنسي (ريجيس دوبريه). في قراءته تجربة التوباماروس في الاوروغواي:
"عضو التوباماروس إن كان قيادياً أو قاعدياً، لا يمكن أن يتكلم عن نفسه إلا بصيغة جمع المتكلم..
هذا الصوت الجماعي هو برنامج إيديولوجي وسياسي..وهو طريقة في الحياة.."
_______________________________________________
ملحوظات عابرة:
كانت الرابطة وخاصة في تقرير آب -جرياً على عادتها- تدقق كثيراً في المصطلحات: مثلا انقسام الروح يذكر البرجوازية الطفيلية في حلفها مع الإخوان ضد النظام وبرجوازيته البيروقراطية. الأدق: البرجوازية التقليدية بدلا من الطفيلية، ربما أحد صفاتها أنها طفيلية.
جريدة النداء الشعبي، تم إصدارها، بعد خروج معتقلي الرابطة (شباط 80). العدد الأول في نيسان من العام نفسه.
يورد وائل أنها صدرت مع نهاية 78 وبداية 79، مع ازدياد النشاط التحريضي؛ كانت الراية الحمراء بهذه الفترة تصدر اسبوعيا وتوزع قطاعيا كما البيان السياسي.
يذكر وائل أن القيادي أحمد درويش في تجربة 23 شباط قبل أن تحمل اسم البعث الديمقراطي، قد كان هو أحد مؤسسي التجمع الوطني الديمقراطي في نهاية 79.
واقع الحال أن أحمد درويش كان قدر ترك التجربة من صيف 78. عبدالكريم الضحاك أحد القياديين آنذاك، هو من كان يحضر الحوارات، بالتنسيق مع عقاب يحيى أمين التنظيم القطري.



#نصار_يحيى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- على أوتار الطوفان يعزف غسان الجباعي، أنشودة مدينة ثكلى، صدأت ...
- دردشات مع روايتين: نيغاتيف، روزا ياسين حسن/ خمس دقائق وحسب، ...
- قراءة على رواية الشرنقة/ حسيبة عبد الرحمن
- من الصعب / بدر زكريا
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ...
- رحلة تحت ضوء الغسق إلى قصر شمعايا/ رواية علي الكردي
- رواية الحي الشرقي / منصور منصور
- حوار المساء مع رواية القوقعة/ مصطفى خليفة
- قراءة لرواية وليمة لاعشاب البحر للروائي حيدر حيدر
- هي مديح الكراهية / خالد خليفة
- شذرات.. مع جورج طرابيشي
- منمنمات تاريخية للكاتب السوري سعد الله ونوس


المزيد.....




- ورقة حول حصيلة عمل فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب خلال ...
- شاهد.. الشرطة البلجيكية تعتقل متظاهرين يرفعون العلم الفلسطين ...
- فرنسا: من هي لوسي كاستيه مرشحة اليسار لمنصب رئيس الوزراء وما ...
- م.م.ن.ص// عمال وعاملات شركة سيكوم/سيكوميك بمكناس في خطوات تص ...
- إسرائيل.. اليمين المتطرف يهاجم هاريس
- تصميم وإصرار على بناء الحزب المستقل للطبقة العاملة المغربية ...
- الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية يقدم واجب العزاء في وفا ...
- السودانيون في مصر.. من جحيم الحرب الى جحيم العنصرية
- منع وقمع الوقفة التضامنية مع الشعب الكوبي أمام السفارة الأمر ...
- مارين لوبان تهاجم اليسار بعد تخريب شبكة السكك الحديدية


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - نصار يحيى - انقسام الروح/ وائل السواح