|
الأوضاع الاقتصادية وأثرها على كتابة الدستور (الدستور العراقي النافذ انموذجاً)
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8050 - 2024 / 7 / 26 - 14:29
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الأوضاع الاقتصادية وأثرها على كتابة الدستور الدستور العراقي النافذ انموذجاً وانا اطالع احد الاعداد القديمة لمجلة القضاء التي اصدرته نقابة المحامين في العراق، لفت الانتباه موضوع دراسة بقلم نقيب المحامين آنذاك المرحوم حسين جميل، وهو احد المساهمين في صياغة قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل، والجدير بالذكر ان مجلة القضاء هي مجلة رصينة وكانت ذو اثر في بناء شخصية اهل القانون والذين يعملون في الوظائف والمهن الحقوقية، كما انها مرآة عكست لنا الواقع الاقتصادي والسياسي للعراق منذ تأسيس الدولة العراقية، وفي عددها الثالث من السنة الخامسة عشر الصادر في مايس عام 1957 ،في الصفحة 325، اطلعت على تلك الدراسة وهي الجزء الثاني من موضوع يتعلق بحق النقد نشرته المجلة لذات الكاتب في عددها الرابع لسنة 1956 ، وعنوان هذا الجزء (النظام القانوني والأوضاع الاقتصادية) ويستهل الكاتب هذه الدراسة بقوله (ان دراسة الأوضاع الدستورية في بلد ما والأوضاع السياسية بوجه عام، ودراستها لا يمكن ان تجري بمعزل عن أوضاعه الاقتصادية، لان الوجود الحقيقي لمجتمع ما هو في أوضاعه الاقتصادية وفي أسلوب الحصول على وسائل المعيشة وسواها) ص326 ، ويضيف بان هذه الأوضاع الاقتصادية هي التي تقرر النظام السائد وهي الأساس الدستوري الحقيقي لاي بلد، ويضرب عدة امثلة تعزز قوله، ومنها التاريخ الدستوري في إنكلترا الذي قد ظهر نتيجة صراع نشب بين الملك ومجلس العموم حول الضرائب، والدستور الأمريكي، وهو نتيجة الثورة الامريكية التي عجلت بقيامها الضرائب، والنظام الدستوري الفرنسي الذي أسس للديمقراطية السياسية وحقوق الانسان كان من جراء الثورة الفرنسية التي اشعلت جذوتها سياسة فرض ضرائب جديدة، لذلك فان الأوضاع الاقتصادية تنعكس بشكل كبير على كتابة الدستور وما يتضمنه، وحتى لو كتب هذا الدستور بادي الأحزاب والجهات الفئوية فإنها لا تغادر تلك الأوضاع، وانما تنغمس فيها وتتماهى معها، لان الأحزاب في الواقع ما هي الا مجاميع تمثل مصالح اقتصادية مختلفة، وعلى وفق ما ذكره الكاتب في الصفحة 327، ويعزز المرحوم حسين جميل دراسته بقول للمنظر السياسي والاقتصادي البريطاني (هارولد لاسكي) ، حيث يوضح اثر الاقتصاد في المجتمع، ويقول ( اما اذا بدأ الاقتصاد في مجتمع ما، فهنا تصبح الحرية في خطر، فالفقر يولد الخوف والخوف يربي الشك، وهنا يبدأ الحاكمون بالخشية من الحرية، لانهم يشعرون بان المحكومين، لم يعودا في يسر، وانهم لم يعودوا يؤمنون بأساليبهم في الحكم، فاذا لم يعمل الحاكمون على اصلاح النظم الاقتصادية بالطرق السليمة العواقب، فانهم سيضطرون الى اخفات صوت المحكومين القلقين بالقوة ولجأوا الى العنف في الداخل او الحرب في الخارج، ليتمكنوا من المحافظة على سلطانهم وامتيازاتهم) ويضيف بان العنف الداخلي والحرب الخارجية كلاهما قضاء على الحرية، وفعلا هذا ما حدث في المجتمع العراقي على الأقل ما لمسناه في العقود السابقة بعد الدخول في الحرب العبثية مع ايران ومن ثم دخول الكويت ومن بعدها معارك الحصار الجوفاء، ومن ثم ما حصل بعد عام 2003، وهذه قد اثرت كثيراً في الوضع الاقتصادي العراقي، ولا حاجة للتذكير لان الجميع يعلم مدى الجوع الذي طال العراقيين، ثم استمر هذا الوضع بعد زوال النظام السابق الذي تسبب بتلك الكوارث الاقتصادية، الا ان الذي اتى من بعده لم يسهم في بناء اقتصاد قوي ومتين يعتمد على الإنتاج المحلي ، وانما وفر بعض الموارد المالية لجعل المجتمع استهلاكياً، حيث توقفت كل عوامل الإنتاج الوطني، حتى اعتاد المواطن على الاستهلاك دون الإنتاج معتمداً على ما تمنحه الدولة له من ريع النفط، وبعد ذلك حصلت الازمات التي صنعها المحتل واسهمت فيها قوى خارجية، التي استعملت ادواتها الداخلية في تدمير الاقتصاد، مما أدى الى انتشار الفساد بشكل لم يعهد العراق سابقاً، وظهور طبقة الانتهازيين وسراق المال العام بجميع الوجوه القانونية وغير القانونية، وهذا الامر ليس بمحل خفاء، وفي ظل هذه الأوضاع كتب دستورنا النافذ، حيث ان الفترة التي كتب فيها كان المجتمع ما زال يخضع لتبعات الحصار الاقتصادي المقيت، وفساد السلطة في الأنظمة التي تعاقبت على العرق، وكان المواطن يرزح تحت ثقل الفقر والجوع وانعدام الصحة الأمان، فكان لتلك الأوضاع انعكاسها الحقيقي على المبادئ التي وردت فيه، حيث تضمن بعضها وعود بالرفاهية وحرية الرأي وتحسين الأوضاع الاقتصادية، وثم اتضح لاحقاً ان من تولى السلطة هو من طبقة هؤلاء المنتفعين من تلك الأوضاع وأصحاب الثراء الفاحش الذين جعلوا من وظائفهم باباً للارتزاق عبر السحت الحرام، او ان الدستور تضمن مبادئ يتعكس القلق المجتمعي من جراء ما كان عليه الوضع في السنوات السابقة فاستغلت تلك الايادي التي كتب الدستور، وهي تمثل مصالح أحزاب وفئات اثنية وعرقية، حيث تضمن الدستور مبادئ تدل في ظاهرها الحماية وتوفير الضمان، الا ان مضمونها هو تكريس للهيمنة الفئوية لتلك الأحزاب، والتي ظهرت لاحقاً بعد ان رسخت تلك الأحزاب وجودها في السلطة، لذلك فان الأوضاع الاقتصادية لها الدور الكبير في رسم المبادئ الدستورية، ومن ثم تكون من افضل الوسائل في ترسيخ سلطة الحاكمين بأمور البلاد، ونلاحظ في الأيام الماضية وعند اشتداد ازمة الكهرباء وانعكاسها الاقتصادي والصحي على المواطن، وتذمره الذي ظهر على شكل تظاهرات واحتجاجات، فان تلك الأحزاب عادت الى المبادئ الدستورية التي وضعتها لمحاربة حرية العبير والضغط على المجتمع ومن ثم تشتيت انتباهه وحرصه على الاحتجاج من اجل الإصلاح، فتخرج لنا بمقترحات قوانين، لا تقدم جديداً، وانما تثير قلقاً نحو التقسيم الطائفي ، والانقسام المجتمعي، لان المجتمع اذا ما كان منقسماً، كان اسهل في السيطرة عليه، ومن ابرز الأمثلة الحاضرة الان هو طرح مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية ، حيث استغلت المبادئ الدستورية لتحريك الشارع بالاتجاه الذي يتفق ومصالح واهداف الأحزاب بعيداً عن المطالب الشعبية تجاه تحسين الأوضاع الاقتصادية. قاضٍ متقاعد
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة أولية في مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية
-
قراءة دستورية لمناسبة عيد الغدير الاغر
-
الحاكم والحج والحواشي
-
هل تعتبر جميع دعاوى المحكمة الاتحادية العليا دعاوى دستورية؟
...
-
ماهية انعدام الاحكام والاثار المترتب عنها
-
زهرة النرجس بين جمال المنظر وقباحة السلوك
-
دستورٌ تحت التجربة (دستور العراق انموذجاً)
-
هل المحكمة الاتحادية العليا مختصة بإصدار القرارات الولائية (
...
-
قراءات تحليلية وتعليقات فقهية، في ضوء أحكام القضاء الدستوري
-
المانع والممنوع في عمل المحافظين بين النص القانوني والاجتهاد
...
-
هل طلب تصديق قرار التحكيم الأجنبي على وفق احكام القانون الوط
...
-
عندما يكون السلطان ضعيفاً؟
-
ان توظيف القانون لمصلحة حزب او شخص معين بذاته، تجربة فاشلة،
...
-
تعريب المصطلح الأجنبي هل هو مسألة قانونية ام مسألة علمية وفن
...
-
سيرة القاضي سالم روضان الموسوي بقلم الدكتور درع حماد
-
قراءة أولية في قانون تعديل قانون العقوبات المصوت عليه بتاريخ
...
-
هل يجوز الطعن بالحكم البات؟ جَدَلٌ بين القانون واجتهاد القضا
...
-
معيار تحديد فعل (الإهانة) وأثره في تقييد حرية التعبير عن الر
...
-
هل يجوز للمحكمة ان تحل محل إرادة الخصوم تجاه التمسك بشرط الت
...
-
حصانة عضو مجلس النواب والقراءات المتباينة لنص المادة (63/ثان
...
المزيد.....
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
-
مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. فما هي الخطوات المقبلة؟
...
-
ماذا بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت؟
-
العمال المغاربة الموسميون بأوروبا.. أحلام تقود لمتاهة الاتجا
...
-
الجزائر تستعجل المجموعة الدولية لتنفيذ قرار اعتقال نتنياهو و
...
-
فتح تثمن قرار المحكمة الجنائية الدولية: خطوة نحو تصويب مسار
...
-
نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية الدولية إفلاس أخلاقي.. ويوم أ
...
-
السلطة الفلسطينية تُرحب بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|