رائد عبيس
الحوار المتمدن-العدد: 8050 - 2024 / 7 / 26 - 11:28
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الأخلاق الصارمة
والإنتاج العقلي لأحكامها
مهد التناقض بين الحرية والحتمية الطريق أمام نظرية ايمانويل كانط الاخلاقية للثورة الاخلاقية في الفلسفة. فلقد أثبت النقد الأولي للأخلاق ان التجربة الإنسانية نتجت عن مزيج من النشاط العفوي للعقل بقدراته البديهية الايجابية و السلبية. وكان العقل منقصاً من أي شيء آخر, ولم يكن بديهيا ان الحقيقة أو المبدأ الأول الذي لا يقبل الشك – ان يكون نشاطًا منتجًا ذاتيًا , وقال ايمانويل كانط حتى لو ذهب احد بالادعاء : إن الوحدة التركيبية للإدراك هي تلك النقطة العليا التي يجب أن ننسب إليها كل شيء" سواء باستخدام الفهم، أو حتى المنطق بأكمله، أو الفلسفة المتعالية وبما يتوافق معها.
وفي الواقع فإن هذه الكلية والإدراك هو الفهم نفسه والتي تمييز عند كانط بتعلقها بالمظاهر والأشياء في ذاتها, فمن دون مساعدة العقل الخالص لا يمكن لنا إثبات وجود قيم وسلع معينة في النظام المخلوق الذي كان مقصودًا لنا، هل سنصبح حينها "عدميين" ؟ وهل للعقل الخالص ان ينتج بالنهاية أخلاق صارمة ؟ كما كان يخشى جاكوبي، أم علينا أن نعترف بأن ما حسبناه جيدًا هو الشر, ويعتمد فقط على ما نرغب فيه، وهذا هو السبب المعقول ولا يمكن أن يكون أكثر منه، كما قال هيوم بشكل مشهور "عبدة الأهواء" .
اعتقد كانط أن مفتاح الإجابة على هذه الأسئلة يكمن في الضرورة العملية لافتراض أننا أحرار ومستقلين بالبعدين المعياري والواقعي , في المجال النظري يتطلب منا ذلك لنفترض أننا كنا أحرارًا في التداول حول المعايير المعيارية الأخلاقية لإصدار الأحكام الصارمة. فأي دور إذن قام به هذا النوع من المعيارية العفوية ؟ لذلك يجب أن يلعب العقل دوره في المجال العملي لينتج أخلاق توافق أحكامه, حيث نتائج أحكامنا ليست مجردة, وغيرها كذلك الأحكام لا الأفعال فقط .
فنحن ككائنات مادية متجسدة في العالم، محكومون بالـقوانين الطبيعة الحتمية بدقة. ومع ذلك، عندما نتصور أنفسنا بشكل عفوي ككائنات فاعلة، يجب أن نفكر في أنفسنا على أننا أحرار. الا ان المفتاح لهذا، كما قال ايمانويل كانط: يكمن في فهم الفرق بين الفعل الإنساني والحدث الحتمي في العالم . مثل : جزء من السلوك غير المحسوب له علاقة بالمبدأ المعياري, القائل: بأن الوكيل يتابع في تنفيذ الإجراء؛ والإجراءات يمكن أن تكون دائمة. ويمكن أن يقول صحيحة أو غير صحيحة، صحيحة أو خطأ. لقد وصف كانط المبدأ المعياري الذي يتصرف بموجبه الفاعل باعتباره "مبدأ" وهو مبدأ ذاتي للفعل يتبعه الفاعل في أفعاله، وهذا المبدأ يعكس طبيعة التصرف على وفق ثوابت تعبر عن عفويتنا في المجال العملي، إذ أن الفعل يعبر بشكل أساسي عن الوكيل, ويفعل شيئًا ما , بدلاً من أن يتم دفعه من قبل قوى خارجية عنه, على الرغم من أن أي وكيل يمكن أن يكون لديه رغبات وميول مختلفة بالتأكيد لا تحدد لنفسها. والتي يمكن بالتأكيد ان تعمل بمثابة عوامل جذب أو حوافز للعمل، ما هو ذلك الوكيل ؟ وكيف يفعل عندما تفعل أي شيء عن قصد يتحدد بماذا "المبدأ" الذي تختار التصرف بناءً عليه من خلال ما تفهمه ذاتيًا لنفسها أن تفعل حتى لو كان هذا الفهم ضمنيا فقط.
ولكن هل العفوية المعيارية تنتج الصرامة الكافية للحكم الأخلاقي ؟
يجب علينا أن نفكر في أنفسنا على أننا لا نتعرض للضغط بحسب القوانين الطبيعية, كما نحن بالتأكيد في حالتنا الجسدية المتجسدة. ولكن بدلاً من ذلك، ان نتصرف فقط وفقًا لتمثيلنا لقاعدة مبادئنا. وبعبارة مختلفة قليلاً، يجب علينا أن نتصور ذلك بالقوانين التي تحكم تصرفاتنا هي كقوانين مفروضة ذاتيا، وليست قوانين مفروضة بالنسبة لنا بأي شيء من خارج أنشطتنا الخاصة. فالاستقلال من المعياري إلى الواقعي أو التجريبي، هو بالفعل نشاط بارز جدًا في أي جهد نقوم به, وهكذا يظهر النقد الاخلاقي المعياري الأول بشكل أكثر حدة في المجال العملي طلباً للصرامة بكونها تظهر حكماً أخلاقياً نافذاً؛ لأنها تمكننا من أن نسأل أنفسنا دائماً عما يجب أن أفعله أو فعلته, بدلاً من ذلك عما أفعله بالفعل ,أو ما فعلته، يمكنني دائمًا أن أسأل ما إذا كان ذلك صحيحًا أم لا يجب أن أتصرف وفقًا لمبدأ مختلف عن الذي اخترته بالفعل؛ و يجب أن أفكر في نفسي على أنني قادر على القيام بذلك – أعتقد أنني حر – إذا كان الأمر كذلك ,فالمداولات هي أن يكون لها أي معنى على الإطلاق على الرغم من أنني يجب أن أعتبر نفسي حرًا، فلماذا يجب أن أستنتج أنني حر حقًا؟ لماذا لا يجب أن أستنتج أنني مقدر للترفيه عن نوع من الوهم العميق عن نفسي؟ إجابة كانط على هذه الاسئلة يمكن ان تعتمد في هذا على تمييزه بين الظواهر والأخلاق , وكلما أشعر نفسي كائن في العالم بين كائنات مادية أخرى في العالم، لا أستطيع أن أتصور نفسي شيئًا إلا ما يحدده القانون الطبيعي.
ونعتقد الشعور بإلزامية هذا القانون ينتج لنا الصرامة العقلية للأحكام الأخلاقية . الا أن ومع ذلك، فإن ما نعتبره شيئًا في حد ذاته، لا يمكن أن يُعطى بمثل هذه الخبرة؛ وتفكيري في نفسي حرًا يعني أن أفكر في نفسي كذلك حرًا ظاهرياً, على الرغم من أنني لا أستطيع من حيث المبدأ تقديم أي نوع من الأدلة النظرية على أنني حر حقًا بهذا المعنى. حريتنا هي الافتراض الذي يجب علينا أن نجعله عن أنفسنا, ولكننا لا نستطيع ذلك الدفاع نظرياً ؛ إنه شرط ضروري لتصور أنفسنا ككائنات عفوية، وليس مجرد وجهة نظر لأنفسنا ككائنات مادية في العالم, ولكن ككائنات ذات وجهة نظر ذاتية في العالم. ومن ثم، وعلى هذه الأسس العملية، يجب علينا أن نفترض اعتقادًا مسبقًا عن أنفسنا أننا لا نستطيع إثبات ذلك على أسس نظرية والذي من وجهة نظر تجربتنا مع الطبيعة يبدو الأمر كذلك في الواقع خطأ شنيع. وهذا يعني أن الصرامة الأخلاقية لا يمكن الا أن تكون جزء من السلوك العلمي المنتج لأخلاق القوة.
وعندها لا يمكن لرغباتي, وميولي، ومخاوفي , واحتياجاتي، أن تؤثر علي ككائن "حسي"، كما وصف كانط حالتنا المتجسدة. ولا يمكنهم أن يحددوا لي كيف أقوم بتقييم تلك الأشياء على وفق ميولي , وإلى الحد الذي أعتقد فيه أنني كائن بالضرورة قادر على التفكير فيما سأفعله, والتصرف في ضوءه بعد اختتام تلك المداولات، ويجب أن أتصور نفسي بتوجيه من نفسي لتبني هذا المبدأ أو ذاك. فالعالم لا يجعلني أتبنى مبدأ أو آخر، يجب أن أكون أنا نفسي الذي يجعلني أتبنى المبدأ، وهذا الشكل من السببية، الذي يجب أن تكون عفوية وذاتية المنشأ، وهي ذاتها التي تنتج الصرامة الأخلاقية من الداخل, ولا يمكن العثور عليها في جسد العالم فقط ؛ ولذلك، يجب أن يُنظر إليها، كما قال كانط: على أنها "متعالية" وهي نوع من الطريقة التي يتسبب بها الفاعل في تبني الحرية والتجريد كقاعدة للعمل بها، فهذا في حد ذاته شرط لإمكانية وجوده بتصور نفسه كفاعل على الإطلاق، وهو ما لا يمكن أن يكون كذلك وقد تم اكتشافه في العالم الظاهر ذو الخبرة. بمعنى ان الصرامة الأخلاقية ,هي ما يمكن أن أنقله من قراري الذاتي الى عالمي الظاهر الموضوعي. ولكن , هل تعني الصرامة جزء من الحتمية الأخلاقية ذاتيا وموضوعياً؟
1-See: Critique of Pure Reason.
2-see:TERRY PINKARD, GERMAN PHILOSOPHY The Legacy of Idealism 1981-1760 Northwestern University.
#رائد_عبيس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟