|
أطفال يحملون الأثقال
رشا أرنست
(Rasha Ernest)
الحوار المتمدن-العدد: 1769 - 2006 / 12 / 19 - 10:39
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
ذهبت في رحلة الى مكان بعيد ، وجدت نفسي آمر بين أشجار و زهور غاية في الجمال و وجدت هناك أطفالاً يلعبون و يلهون و الضحكة مفروشة على وجوههم و حولهم أهلهم يتحدثون و بأيديهم فناجين الشاي يتمتمون بأحاديث لاهية ، كل هذا وسط الطبيعة الخلابة و سكون السماء بلونها الأزرق الزاهي و صوت ضحكات الأطفال مع تغريد الطيور المُحلقة التي تكاد تصل للسماء . ما شعرت به وقتئذ أن الكل في غاية السعادة و كأن الدنيا كلها كانت في هذا المكان الأخضر . حقيقة رحلتي هذه كانت لمكان بعيد و لكنه داخل عقلي ، هذا المكان ذهبت إليه بخيالي و أنا أشاهد إحدى برامج الأطفال التي يصورونها غالباً كأماكن ذاهية و كلها لهو و لعب . ذهبت للمكان بمخيلتي لعلي اقنع نفسي كما يقنعون الأطفال في برامجهم ان هناك حقاً مثل هذه الأماكن ، أماكن غير التي نشاهدها يومياً على جميع قنوات الأخبار اماكن غير التي نعرفها ، أماكن لا تكسوها الدماء و البارود ، لا يعلو فيها الصراخ ، لا يكون فيها حاكم او محكوم . و سئلت نفسي : هل أطفالنا تعيش هكذا كما تخيلت ؟ ام هناك طريقة عيش مختلفة نعيشها نحن العرب و نتميز بها ؟ أظن فعلاً اننا متميزون حيث حياتنا و حياة أطفالنا هي استعداد للاستبداد و القهر ، حياتنا يملأها العمل .. العمل من اجل لقمة العيش . و يا ليتها تقف عند هذا الحد حد حرمان الأطفال من أقل حقوقهم الضحك و اللعب و التعليم و الوجود وسط عائلتهم . و لكني نظرت الى ابعد من ذلك فنحن المصريون و الحمد لله افضل بكثير من مَن حرمتهم الدنيا ما هو أكثر من الضحك و التعليم ، مَن هم حُرموا حياتهم و استقرارهم و تساءلت من جديد كم من ظلم يقع على آلالاف الاطفال في بلادنا العربية كل يوم ؟ كم مرة يُحرمون طفولتهم ؟ كيف لا يرون غير بلادهم التي دمرتها الحرب و كست أرضها الدماء ؟ كم مرة ناموا و لم يستيقظوا على احلامهم البريئة ؟ هؤلاء الاطفال الذين حرموا الحاضر و لا يعرفون كيف تكون الاحلام ، حرموا حتى من الحياة ، و رغم كل هذا يتربون على حب الوطن . الوطن المُكافح ، الوطن المسلوب ، الوطن المُحتل . يتربون ان هذه أرضنا ، حقنا ، عرضنا ، ندافع عنها حتى نموت . و في اغلب الاحيان يكون الموت اقرب من الكفاح . تُصيبني حالة من الدهشة عندما أرى أطفالاً بالكاد يستطيعون المشي و اول ما يتعلمونه هو كيف يمسكون بالحجارة أو كيف يحملون لافتة كُتبت عليها " أرضنا ، حريتنا " . أطفالاً لا يدركون ما هم مُقبلين عليه و لكنهم قابلون ، أطفالاً لا يعرفون ما ينتظرهم و لكنهم مستعدون ، أطفالاً غير قادرين على الوقوف و لكنهم صامدون و كأنهم يقولون للعالم كله نحن هنا موجودون . يومياً نُشاهد أخبار متتالية كأنها مسلسلات من القتل و الإرهاب و الدمار و الانفجار و التهديد و التنديد و الكل إما فاعل او مفعول . العالم أصبح دائرة تكسوها الغبار ، تفترشها دماء ملايين من البشر ، حولها صرخات مدوية من قهر و ظلم و استغاثة و الجميع هنا و هناك قرروا ان الصمت أبلغ من الكلام ، تركوا كل الأمثال و استعانوا بما يحفظ ماء وجوههم . أتسأل ألم يُذكر في كُتبنا المقدسة ان الأرض لن تشرب الدماء ؟ إذا كان هكذا فإلى أين تذهب دماء كل من ماتوا ؟ كيف تختفي ؟ هل استطاعت الأرض ابتلاع كل ما نراه يوميا من دماء صغار و كبار ، مظلومين و ظالمين ؟ أظن انه حتى الأرض تمردت ، لم يتمرد الإنسان فقط ، الأرض أيضاً تمردت كما تمرد الإنسان و أصبح هو السيد على هذا الكون و قرر ان الخالق خلقنا و نحن الآن من نقرر من يعيش عليها و من لا يعيش . حقيقة لا أعلم الى متى سيظل العالم هكذا . لا اعلم الى متى سنظل مُشاهدون ، الى متى سيظل كل مسئول على هذه الأرض يظن أنه الاحكم .. الأفضل ، انه يفعل الصواب و أنه على حق و في النهاية يغسل يديه و يردد " إني بريء من دم هؤلاء الأبرار " . لا أعلم كم دفعوا ثمن حكمة هؤلاء ؟!! و لكن ما أعلمه و يعلمه الكثيرون أن في كل وطن أبطال من خلفه يحفظونه و يُسلمونه لأولادهم . و لن ينتهي وطن يعيش بقلوب أولاده مهما مرت عليه عصور من الظلم . سيظل دائماً الأمل و الرجاء أن الأوطان تلد أبطالاً يحملون أوطانهم فوق رؤوسهم حتى يظل دائماً عالياً فوق الجميع .
#رشا_أرنست (هاشتاغ)
Rasha_Ernest#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حركة المجاهدين ترد على تصريحات بن غفير عن إعدام الأسرى الفلس
...
-
حركة حماس تطرح 4 مطالب للموافقة على صفقة الأسرى (فيديو)
-
جريمة تفاصيلها مروعة.. محكمة كويتية تؤيد إعدام قاتل مزّق جثة
...
-
-معلومة صادمة- بشأن وضع -الإغاثة- في غزة!
-
المجاعة تفتك بأهالي غزة وتقتل 49 طفلاً
-
حركة -المجاهدين- ترد على تصريحات بن غفير عن إعدام الأسرى الف
...
-
النواب الأمريكي يقلص المساعدات للأمم المتحدة ويدعم -إسرائيل-
...
-
داخلية السعودية تعلن إعدام الشاخوري تعزيرا.. وتكشف عن جرائمه
...
-
مسئول أممي: 37 مليون طن ركام بغزة بسبب القصف الإسرائيلي تعرق
...
-
ارتفاع طفيف بعدد المهاجرين في ليبيا خلال الربع الأول من 2024
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|