|
مراوحة خارج سيرورة الزمن
محمد ناجي
(Muhammed Naji)
الحوار المتمدن-العدد: 8049 - 2024 / 7 / 25 - 15:00
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(الضفدع في البئر يرى العالم بقدر فتحة البئر التي يستقر في قعرها) . مثل صيني
حقيقة لا أرى جديدا في الساحة العراقية والعربية مما يستحق الكتابة عنه ، غير تسليط الضوء على الخلل في استمرار (العقل والمنظومة السياسية والثقافية والاجتماعية السائدة) بالمراوحة خارج سيرورة الزمن ، بهدف تضليل الناس وإشاعة الجهل حفاظا على المصالح الخاصة لأهل الحل والعقد . ولذا لا غرابة في أن يجد المتابع والقارئ النبيه نفسه وسط تكرار لضجيج التطبيل والتبخير ورطانة المفردات الديناصورية ، التي تتبجح باسم القائد الرمز والوطن والمواطن ، وأن يرى الناس يندفعون أفواجا وراء قادتهم ورموزهم ليراوحوا في نفس المستنقع ، دون أدنى اعتبار للمتغيرات على مختلف الصعد .
قبل أقل من أسبوعين كتبت عن حركة 14 تموز 1958 في العراق ، وأن مظاهرها ووقائعها ، وشهادة عدد ممن عاشوا قريبين من أحداثها ، قد كتبوا وأكدوا أنها ليست ثورة بقدر ماهي حركة عسكرية ، قامت ببعض الانجازات كغيرها من الأنظمة الدكتاتورية ، التي سبقتها على مر التاريخ ، مع الأخذ بالاعتبار متغيرات الزمان والمكان ، كنظام هتلر وموسوليني ونظام عبد الناصر في 23 يوليو 1952 . https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=835746
في هذا المقال نود أن نذكر شيء مما يؤكد ما ذهبنا إليه عن طبيعة نظام عبد الناصر ، ومن عدد من المثقفين المصريين ، الذين عاشوا المحنة عن قرب وكتبوا عنها ، وفقاً لظروفهم . وأن المعيار الأول هو الإنسان ، فهو المبتدأ والخبر ، ولا يمكن تصنيف أي حركة ونظام يضطهد الإنسان ويهدر كرامته وحقوقه ، بأنه ثورة ، مهما فعلت وادّعت وبررت ، ووقائع الأمس واليوم خير شاهد ، وكما يقال : الاعمال بخواتيمها !
كتب توفيق الحكيم كتاب (عودة الوعي) بمناسبة مرور 20 عام على ثورة يوليو ، وقدم للكتاب بكلمة ختمها بعبارة ( أن المهمة الكبرى لحامل القلم والفكر هي الكشف عن وجه الحقيقة …) .
لقد كتب كيف واجهت الحركة السياسيين والمثقفين ، وتوظيفهم لصالحها وأثر (حركة التطهير) في اشاعة أساليب الوشاية والتقرب للسلطة .
وكتب عن الخلل في موقف النظام من المثقفين وعن ماسمي بمذبحة القضاء بطرد نحو مائتين من رجال القضاء ، ويوم ضُرب د. السنهوري رئيس مجلس الدولة واُهين وكاد يُقتل … وعن اساتذة الجامعات (لا أنسى على الأقل تعذيب أستاذ جامعي فاضل نعرفه هو الدكتور عبد المنعم الشرقاوي ، الذي عذب تعذيبا جسمانيا بلغ من بشاعته أن أنكر شكله أهله ومعارفه… ولم أكد أعلم بذلك من شقيقه الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي ومن أستاذه المرحوم د.مصطفى القللي - الذي اضطهد بعزله من مجلس إدارة الجامعة لمجرد الدفاع عنه في المحكمة ، حتى كتبت في الحال كلمة أقول فيها : "هذه لطخة سوداء في جبين الثورة لا يمكن الدفاع عنها أمام التاريخ" وأرسلتها إلى من يوصلها لعبد الناصر .) ص107
وفي أكثر من عبارة وصف أساليب نظام عبد الناصر مع من لديه رأي معارض ، وخاصة المثقفين ، بأساليب هتلر والنازية ، من بينها ما ورد هنا (ومنهم من كان يؤتى إليه بزوجته أو ابنته أو أخته للأعتداء على عفافها أمامه … حتى لقد قيل إن هذه الأساليب في التعذيب هي من أساليب الهتلرية النازية ، وإنه قد استقدم بالفعل في مصر بعض الضباط السابقين من النازيين للتدريب على أساليب التعذيب .) ص108
وكتب منتقدا موقفه وغيره من المثقفين بالسكوت على تولي العسكر للمسؤولية عن الصحافة والثقافة ، (ويوم عين رئيسا لنا في المجلس الأعلى للآداب ذلك الضابط الصغير لم نتفوه بكلمة لا أنا ولا طه حسين ولا العقاد ، بل جلسنا هادئين وكأن الوضع طبيعي . هنا تكمن مسؤوليتنا جميعا نحن المثقفين ، ويقع علينا اللوم بل المحاسبة أمام التاريخ . لابد من محاكمة لنا جميعا . ص108-109
وقد نشر توفيق الحكيم في كتابه (عودة الوعي) مقال كتبه عبد الستار الطويلة دفاعا عنه في مجلة روز اليوسف عنوانه : (لم يهاجمك ماركسي واحد) جاء فيه : (( بعد أن ألقى خروشوف خطابه التاريخي الذي كشف فيه - أمام مؤتمر الحزب الشيوعي عام 1956 - عن انتهاك الحريات أيام ستالين .. بدأ أعضاء المؤتمر يقدمون إليه أسئلتهم مكتوبة وموقعاً عليها بأسمائهم . وكان من بينها سؤال يقول : إذا كان هذا الانتهاك للديمقراطية قد حدث أيام ستالين .. فأين كنت أنت ؟ وقرأ خروشوف السؤال ، ولاحظ انه بلا توقيع ، فصاح : - من صاحب هذا السؤال ؟ ولكن لم يرد أحد . وعندئذ ضحك خروشوف وقال : - جوابي أنني كنت مثلك يا صاحب السؤال ! - ثم أضاف : - ولا تنسوا أن الإرهاب في عهد ستالين أدى إلى اعدام ثلثي أعضاء اللجنة المركزية بتهمة الخيانة في سنة واحدة ! ص 136
مثقف آخر هو الكاتب الراحل صلاح عيسى كتب عن نظام عبد الناصر ، في كتابه (مثقفون وعسكر) مايلي ( ومضت ليال طويلة كنت في معظمها أظل حتي الفجـر معلقاً في مشجب زنزانتي ، أسمع طوال الوقـت صرخات عشرات من أعضاء منظمة الشباب الاشتراكي ، الذين كانوا يضربون بالعصي أمام زنزانتي ، وأنا معلق وفي شبه إغماءة فيستغيثون هاتفين : أنا في عرض عبد الناصر . ص128
وعن طبيعة العلاقة السلبية للنظام بالمثقف ، وهي كما ذكرنا في أنها من الظواهر الملازمة لكل نظام دكتاتوري ، بالأمس واليوم ، كتب : (على امتداد خمسة عشر عاماً سابقة علـى حزيـران 1967 تورمت الذات القومية وانتفخت.... وبعنف الإلحاح - وأساساً بسيف المعز القطّـاع وذهبه اللّماع - وجد المثقفون المصريون أنفسهم جـزءاً مـن هـذه اللعبة الكبيرة ... ص268
وكما كتب توفيق الحكيم عن مسؤولية المثقف منتقداً تخليه عن دوره ومسؤوليته ، كتب صلاح عيسى مشيراً إلى ماكتبه مثقف آخر هو أحمد عبد المعطي حجازي ( بعد ثمانية أشهر من النكسة - وإبان محاكمة المسؤولين عن الهزيمة العسكرية - كتب الشاعر (أحمد عبد المعطي حجازي) مطالبا بمحاكمة المثقفين لأنهم (قصروا - وهم قادة الحياة – في آداء واجبهم) وحيثيات الاتهام تقول (إذا كان من أهم الأسباب التي أضعفت قدرة المجتمع على خوض الحرب هي غياب الديمقراطية وجهلنا بحقيقة أنفسنا ، وحقيقة العدو ، فالمثقفون مسؤولون مسؤولية مباشرة في هذا المجال . ص271
ولمزيد من الاطلاع نورد بعضا مما كتبه كاتب آخر ، هو محمود السعدني في كتابه (الطريق إلى زمش) ، والكتاب من أوله إلى آخره ، ما عدا صفحات قليلة يتناول الاضطهاد ، الذي تعرض له وعدد من خيرة مثقفي مصر والعرب في حياتهم المهنية ، ثم في سجون نظام عبد الناصر . ومن خلال سرد السعدني لبعض الوقائع تظهر طبيعة النظام ، فيكفي هنا مثلا استعراض الاسماء لنرى سيطرة العسكر على المثقف ، وهو نفس ما ذكره الحكيم عن المجلس الأعلى للآداب ، ففي الأول من شهر مايو 1958 فصلوا السعدني من جريدة الجمهورية - التي رأس تحريرها العسكري أنور السادات - ومعه 60 شخص من بينهم بيرم التونسي والفريد فرج وعبد الرحمن الخميسي … ص11
وبعد أقل من بضعة أشهر ( وفي ليلة رأس السنة لعام 1959 شنت قوات الأمن حملة اعتقالات واسعة ضد الشيوعيين المصريين واعتقلت عشرات من المثقفين اللامعين وبعض القيادات العمالية … ص18
ولم يتأخر السعدني كثيراً حتى وصل إليه الدور ( في يوم 27 مارس 1959 تم اعتقاله ومعه …الكاتب الكبير المرحوم أحمد رشدي صالح أحد العلامات الثقافية المضيئة في تاريخ مصر ، د. لويس عوض ، لطفي الخولي ، الصحفي فتحي خليل ، الفنان زهدي ، الفنان جمال كامل ، الفريد فرج ، الصحفي عبد الستار الطويلة ، صلاح حافظ ، أديب ديمتري ،… ص20
يذكر السعدني في أكثر من حادثة طرق التعامل المهينة لكرامة الإنسان التي تعرض لها وبقية السجناء ، وهم من خيرة مثقفي مصر والعرب ، فيذكر موقف للدكتور لويس عوض (حدث ذات يوم جمعة ، وهو يوم اجازة في المعتقل ، أن اقتحم العنبر الذي يقيم فيه لويس عوض أحد الحراس العواجيز ، وقال : انا عاوز واحد متعلم ونبيه ، ورد لويس عوض على الفور : انا … وظن الجميع أن الأمر مهم …أخذه الشاويش وبعد أن وصلا إلى نهاية الحوش تقريبا ، وقف الشاويش وطلب منه تسليك البكابورت (بالوعة الصرف الصحي) . ص158
ويكتب السعدني عن موقف مأساوي آخر حين توفي شهدي عطية (لكن إدارة سجن أبو زعبل لم يكن لديهم الوقت للتفرقة بين شيوعي وآخر ، لذلك جاءت ضرباتهم في الموقع الخطأ ، وانهالت هراواتهم على رأس المرحوم شهدي عطية ولم تتركه إلا جثة هامدة . وكان الرئيس عبد الناصر في ذلك الحين في زيارة ليوغسلافيا ، وكان يحضر جلسة للبرلمان اليوغسلافي عندما فوجئ بأحد الأعضاء يدعو المجلس إلى الوقوف دقيقة حدادا على المناضل شهدي عطية الذي سقط شهيدا في أحد السجون المصرية … وفي المساء طلب عبد الناصر تقريراً عاجلاً عما حدث في سجن أبو زعبل … ص176
وفي طريقة إلى الحرية ، وقع حادث ذهب ضحيته أحد عساكر النظام ، فكتب السعدني بصواب عن النظام الديكتاتوري ، دون أن يسميه ( ليس أعداء الدولة وحدهم هم الذين تصيبهم الإهانة من الدولة ، ولكن الإهانة تصل أيضا إلى رجالها . وها هو العسكري يُنقل في عربة زباله بعد أن تركوه جثة هامدة على الأرض طوال النهار ! ) ص195
وبعد ، لاشك أن هذا غيض من فيض ، ومن يتابع ويبحث خارج البئر - الخندق - الإطار - الصندوق ، سيطلع على الكثير غير ما ورد هنا … ويواصل الحركة ، ويخرج من الظلمات إلى النور … وفضاء المعرفة اللانهائي !
#محمد_ناجي (هاشتاغ)
Muhammed_Naji#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
14 تموز/يوليو تبرير وتمرير الخطايا برطانة الخطاب !
-
بوتين على نهج هتلر ومن سبقه !
-
مناهضون للحرب يخدعون المسؤولين الروس بترجمة الشعر النازي*
-
روسيا على طريق الفاشية
-
الكرملين : بوتين كان يشخر خلال مناظرة بايدن الكارثية
-
اتجاه جديد ؟ إرسال المهاجرين إلى بلدان ثالثة
-
لا تقعوا في فخ الشعبوية المزيفة ل -فريق ميلودي-
-
مقامرة ماكرون : كيف وصلت فرنسا إلى هذا الحال ؟
-
نهاية هتلر : دراسة في الخلل الوظيفي للرجل القوي
-
ذكرى سقوط موسوليني : قوة المقاومة وعواقب العجز الاستبدادي
-
الدكتاتور يغير مظهره في العصر الجديد
-
ثورة في السياسة الخارجية الأمريكية - استبدال الجشع والنزعة ا
...
-
القادة الاستبداديين يجبرون الديمقراطيات على التراجع
-
أعظم نجاح لترامب : عبادة شخصيته
-
الفاشية باقية … وتتمدد !
-
الفاشية 105 عام 1919-2024
-
-مادونا الفوضوية- تدعى أنيتا غاربين ألونسو
-
على الأحزاب الأوروبية الرئيسية أن ترفض الشعبويين المتطرفين
-
الحركات المتطرفة تركب موجة مشتركة
-
الأديان السياسية والفاشية
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|