أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : المجاذيب















المزيد.....


أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : المجاذيب


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8048 - 2024 / 7 / 24 - 23:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كتاب : أثر التصوف الثقافى والمعمارى والاجتماعى فى مصر المملوكية
الفصل الثالث : أثرالتصوف فى الحياة الاجتماعية فى مصر المملوكية
أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : المجاذيب
أولا : رؤية المجتمع المملوكى للمجاذيب
1ــ تكلمنا عن المجاذيب فى الكتاب الخاص بالحياة الدينية فى فصل عن أنواع الأولياء ، ونعطى لمحة إضافية . فقد اعتبرهم ابن خلدون نوعا من الأولياء مع سقوط التكاليف عنهم ، وصاحب كتاب ( شفاء السائل ) اعتبرهم دون مرتبة الإنسان . . والبعض ينسب هذا الكتاب لابن خلدون وقد ثبت لنا أن هذا الكتاب لا علاقة له بابن خلدون .
2 ــ فى دين التصوف يُعتبر المجاذيب النوع الأعلى من الأولياء ، فهناك الولى (السالك ) الذى (يسلك ) الطريق الصوفى بالتعلم ، أو بأخذ العهد والخرقة على يد شيخ ، و(يسلك ) أو يسير فى الطريق الصوفى طبقا للدرجات الى ان يكون قطبا . ولكن المجذوب عندهم هو الذى يتم إختياره ( إلاهيا ) بأن تجذبه العناية الالهية بزعمهم ، فتأخذه من عقله ويصبح فجأة متعلقا بعالم الملكوت وعائشا فى ( الحضرة الالهية ) قد زال عنه ( حجاب ) الجسد و( فنى ) عن البشرية و ( تحقق ) بالألوهية فى زعمهم . وكون المجذوب أعلى قدرا من السالك أكده ابن عطاء فى كتابه ( لطائف المنن ) .
3 ــ وكان هذا الاعتقاد من حُسن حظ المجانين والمُلتاثين عقليا ، فأرتفعوا من درجة ( المجنون ) المُحتقر الى درجة ( المجذوب ) المُعتقد . وإذا جاءته اللوثة فهى الدليل القاطع على أنه من ( أرباب الأحوال ) الذى تعتريه حالات من الجذب الالهى . ومهما قال كلاما بشعا أو كلاما غير مفهوم ، ومهما أساء من تصرف فالاعتقاد فيه يزداد لأنه من (أرباب الأحوال) .
4 ــ وإنصافا للتصوف والعصر المملوكى فإن هذا الاعتقاد فى ( المجاذيب ) كان موجودا فى العصور الوسطى فى أوربا أيضا . فإبليس هو المُعلم للجميع . ولأن العقل السليم هو صمام الأمان والايمان للإنسان فإن الشيطان حريص على تغييب هذا العقل ، سواء بالخمر والمخدرات الحسية ، أو بالأديان الأرضية التى تجعل الفرد يغيب عقله وهو يقدس بشرا مثله ، أو يقدس قبورا وأصناما يصنعها بيده ثم يعكف عليها عابدا متبتلا ، أو يجعل المجنون فاقد العقل إلاها مقدسا بزعم أنه غائب عن هذا العالم المادى حاضر فى ( الحضرة الإلهية ). وهذه الخرافة تجد من يصدقها . وبهذا اصبح عاديا فى العصر المملوكى ان ترى المجنون فاقد العقل يسير فى الشارع فى شكل بشع ممزق الثياب ـ بل ربما بلا ثياب ، وتغلفه الحشرات ويعيش كالحيوان بين قاذورات ،وهو متمتع بالتقديس يتوسل به الناس يطلبون منه البركة والمدد . وكلما ساء أحواله إزداد أتباعه .
5 ـ وهذه الحالة الفريدة من الخبل العقلى للعصر المملوكى فى تقديس المجاذيب ــ أرساها أرباب الصوفية المحققون الذين هم فى رتبة ( السالك ) الأقل درجة من رتبة المجذوب، فيرى ابن عنان أن المجاذيب يعيشون في عالم آخر، يقول : (ان من شأن المجذوب انك ترى أحدهم ماشيا وهو راكب وتراه يأكل في رمضان وهو صائم لم يفطر وتراه عاريا وهو مرتد لثيابه ) ، وبالتالى فلو رأيته يفطر فى رمضان فلا تصدق عينيك ، ولو كان عاريا فأنت لا ترى الثياب التى يرتديها .
ووضع الصوفية آدابا لمخاطبة المجاذيب بما يستحقون من تقديس ، وافتخر الشعراني بمراعاة الآداب معهم ، وأوصى بعدم مخالطتهم لأنهم يعلمون الغيب ويقرأون الخواطر والسرائر بإعتبار وجودهم فى الحضرة الربانية . وقال المتبولي :( سلموا على أرباب الأحوال بالقلب دون اللفظ ، فإنهم في حضرة لا يقدرون على خطاب أحد باللفظ ) ..
ثانيا : الانخراط فى ( الجذب ) خداعا
1 ــ وبسبب هذه المميزات والفضائل للمجاذيب ، وفرارا من الظلم المملوكى، ولسهوله الحصول على لقب ( مجذوب ) مقارنة بالصوفى السالك فقد إنخرط كثيرون فى سلك (الجذب) فانتشر المجاذيب فى كل مكان ، وأصبحوا يمثلون طبقة متحركة تهيم على وجهها فى المجتمع المصرى المملوكى .
2 ـ ولم يقتصر الأمر على العوام ، بل ادعى كثير من الأولياء الصوفية الجذبة المؤقتة ليحصل على إعتقاد الناس فيه ويتمتع بالتقديس الذى يتمتع به المجاذيب والمجانين الحقيقيون . ، ووصل الدشطوطى بإدعاء الجذب الى الشهرة ، وبعد أن صار وليا فى إعتقاد الناس ( عاد اليه عقله ) ليتمتع بثمار جذبته الاختيارية المؤقتة. ويصف الدشطوطي جذبته حاكيا عن نفسه (..فحصل لي جاذب إلهي وصرت اغيب اليومين والثلاثة ثم افيق اجد الناس حولي وهم يتعجبون من أمري ، ثم صرت اغيب العشرة أيام والشهر ولا آكل ولا أشرب ..... فخرجت سائحا إلى وقتي هذا ) .وبهذا أصبح الدشطوطى متمتعا باعتقاد الناس ، إذ كان المجذوب يوصف عادة بأنه معتقد (بفتح القاف) وبانه مقصود بالزيارة ) ..
3ــ ونعطى أمثلة للفقهاء ( الماكرين ) الذين آثروا أن يتظاهروا بالجذب ( رياءا و إثما وعدوانا.!! ):
3 / 1 : محمد المجذوب ( كان طالب علم وصار خطيبا في جامع ، وما لبث أن هام على وجهه مجذوبا ) . أى ترك الخطابة وترك الجامع وإنجذب فصار مشهورا ، فذكرته المراجع التاريخية ، ولو ظل خطيبا ما إنتبه له المؤرخون .
3/ 2 : ابن البناء ( كان فقيها فاضلا عاقلا انتفع به جماعة من الطلبة فاحتجب وخرج على الناس مجذوبا ) ، أى إنه أحتجب ليسأل الناس عن سبب احتجابه وينتظرون ظهوره ، ثم يظهر لهم فجأة ، وهو مجذوب .!!.
3 / 3 : (واشتغل الكمال الدمياطي بالعلم وكان على طريقة حسنة ، ثم انجذب ) . كان طالب علم ضمن آلاف الطلبة ، وعندما إنجذب صار شيئا مذكورا .
3 / 4 : وكان أبوبكر البجائي فقيها مالكيا (ثم حصل له جذبه وصار صاحب كرامات ) .
3 / 5 : قاضي القضاة الجلال الأنصاري انجذب بدعوى أن هاتفا دعاه للعبادة فساح في الأرض ( إلى أن أُذن له في الجلوس فبلغ المجاهدة مقام المشاهدة ) ، أى زعم أنه هاتفا دعاه الى أن يكون مجذوبا فصار مجذوبا ، ثم جاء له الأمر بالجلوس شيخا صوفيا ، فجلس شيخا صوفيا ، وبلغ درجة ( المشاهدة ) أى مشاهدة الخالق جل وعلا بزعمه .!!،
3 / 6 : وكانت لآخرين أسبابهم القوية في الجذبة، فالشيخ حُطيبة ) وإسماعيل الصالحي ) كلاهما عشق امرأة فانجذب ، وضاق الطوخي بما عليه من ديون فأظهر الجذب وكثُر من يعتقده ، وأحيانا كان يرجع عن جذبته ثم يعود إليها ) . يعنى ينجذب إذا طارده الدائنون ، فإذا أمن منهم عاد لطبيعته
3 / 7 ولم يقنع بعض الصوفية فاتخذوا من الجذب وسيلة للشهرة ، فيحي الصنافيري كان صوفيا ثم حدثت له جذبه ربانية فوصل إلى مقام القطبانية وسعت له الخلق وكان عمر الكردي صوفيا بخانقاة سعيد السعداء فانجذب واشتهر بالصلاح وحتى يشتهر الدشطوطي كانت هيئته كالمجاذيب ) وانجذب أبوالفضل وفا ) .
واتخذ كثير من الأولياء في نهاية العصر سمة المجاذيب كما يظهر في الطبقات الكبرى للشعراني ....
ثالثا : بعض مظاهر الجذب
1ــ وكان المجذوب يهذي بماله علاقة بعمله قبل الجذب فكان( الشيخ بهاء الدين المجذوب يحفظ البهجة كأن لا تزال تسمعه يقرأ فيها..) .. وكان فرج المجذوب يقول : ( عندك رزقه فيها خراج ودجاج وفلاحون ) ، وابن البجائي يقول: ( الفاعل مرفوع والمخفوض مجرور وكان القاضي ابن عبدالكافي ( يقول في بيت الخلاء : ولا حقّ ولا استحقاق ولا دعوى ولا طلب ) ..
2ــ وتفنن المجاذيب في اتخاذ كل غريب في مظهرهم من حلق الوجه ولبس القرون او الألياف او الحرير او الحديد في اعناقهم ، او يتخذ الأعلام على رأسه، أو يركب جريدة قد صور لها وجها وعينين ، أو يعلق فيها جرسا ، أو يتخذ الحروز الكثيرة حول عنقه كقلادة المرأة او يحمل الطبل في عنقه ) . ومنهم من يمشي عريانا، أو يرتدي زي الجندي ويمشي بالسلاح والسيف ، أو يلبس زي القضاة والتجار ، ويغير الألوان . وربما حمل على رأسه عمامة نحو قنطار) . وتارة يصيح احدهم ، أويصمت ، أو يتكلم ثلاثة أيام ويسكت مثلها ) .
3 ــ وقد يعرف أحدهم بالوقوف الطويل في مكان معين لا ينتقل منه صيفا او شتاء ، وبما امتدت المدة إلى ثلاثين سنة فبما يزعمون ، أو ينام أحدهم في كانون الطباخ ، أو يقيم في الأمكنة الخربة او البرية وحوله الحيوانات ) .
4 ــ وعٌرف المجاذيب من أتباع ابن خضر المجذوب بأن احدهم (إذا طاب يضرب رأسه بعصاه هائلة ضربات متعددة بحيله وقواه ، ولا يسيل له دم ) .
وكانت لآخرين أحوال مضحكة فكان ابن مصيغير يخاصم ذباب وجهه ويتشوش من قول المؤذن (الله أكبر) فيرجمه ويقول عليك يا كلب نحن كفرنا يا مسلمين حتى تكبروا فينا ) .! . واذا مرت عليه جنازة وأهلها يبكون يمشي معهم ويقول : ( زلابية هريسة زلابية هريسة ) .
وكان بعضهم إذا رأي امرأة في الطريق ( يضربها ويقول غطي يدك فاشتهر بذلك ) وكان اذا سأل أحدهم الدعاء من الشيخ نجيم قال له: ( كشك ولحم )، واذا دفعوا لجمال الدين الأسود نقودا جديدة انشرح وقال محمدي محمدي (فيحصل للسامع انبساط ) .
5 ــ ويعبر عنهم المثل الشعبي ( زى المجاذيب .. كل ساعة في حال )



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن ( ربا / يربو / إنتقاد حسنى مبارك فى مصر وقت سطوته )
- عن : أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : ...
- عن ( بيع قناة السويس وهل مات السيسى / فى الوصية / تسجيل الأح ...
- أثر دين التصوف في الزّى وشُرب القهوة عادة إجتماعية
- عن ( خير أجناد الأرض )
- أثر دين التصوف في : المبالغة فى الحزن والنوم فى المساجد والت ...
- عن ( نفى شفاعة النبى يوم الدين )
- عن : أثر دين التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية : ...
- عن ( إسرائيل والصحابة / إلهاء بالفضائح / ليس له سوى سعيه / ا ...
- أثر دين التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية : فى ع ...
- عن ( مغرمون / غول وينزفون / مسألة ميراث / غواش / المنافقون و ...
- عن : أثر دين التصوف في العادات الاجتماعية فى مصر المملوكية : ...
- عن ( الماعز وتقديس الصحابة / هجص القزوينى عن الفيوم ويوسف عل ...
- عن أثر دين التصوف فى الاعتقاد فى التنجيم والاستخارة
- هل كلمة ( حرامى ) موجودة فى القرآن ؟
- أثر دين التصوف فى الاعتقاد فى التفاؤل والتشاؤم
- عن ( إنكار السُنّة فى العصر العباسى / ظلم ذوى القربى )
- عن : أثر التصوف فى المعتقدات الاجتماعية : ( الاعتقاد فى الجن ...
- عن ( السيسى وشيخ الأزهر / المصرى الظالم المظلوم )
- عن : أثر دين التصوف فى المعتقدات الاجتماعية فى ( التداوى وال ...


المزيد.....




- استبعاد الدوافع الإسلامية للسعودي مرتكب عملية الدهس في ألمان ...
- حماس والجهاد الاسلامي تشيدان بالقصف الصاروخي اليمني ضد كيان ...
- المرجعية الدينية العليا تقوم بمساعدة النازحين السوريين
- حرس الثورة الاسلامية يفكك خلية تكفيرية بمحافظة كرمانشاه غرب ...
- ماما جابت بيبي ياولاد تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر ...
- ماما جابت بيبي..سلي أطفالك استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- سلطات غواتيمالا تقتحم مجمع طائفة يهودية متطرفة وتحرر محتجزين ...
- قد تعيد كتابة التاريخ المسيحي بأوروبا.. اكتشاف تميمة فضية وم ...
- مصر.. مفتي الجمهورية يحذر من أزمة أخلاقية عميقة بسبب اختلاط ...
- وسط التحديات والحرب على غزة.. مسيحيو بيت لحم يضيئون شجرة الم ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - أثر دين التصوف فى التركيب الاجتماعي فى مصر المملوكية : المجاذيب