|
الحاضرية الوجودية وفلسفة الاخلاق
غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8048 - 2024 / 7 / 24 - 23:07
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا يمكن القول بأن الأخلاق الفلسفية هي بالضرورة "قمة الأخلاق" بشكل مطلق. توجد العديد من المناهج الفلسفية الأخلاقية المختلفة، كالأخلاق الفضيلية والنفعية والواجبية، وليس هناك اتفاق على أي منها هو الأفضل، تختلف الأخلاق الفلسفية عن الأخلاق الدينية في المنطلقات والمصادر، فالأولى تعتمد على العقل والتأمل الفلسفي، بينما الثانية تستند إلى الوحي الإلهي. وليس من الضروري أن تكون إحداهما أفضل من الأخرى، تتأثر الأخلاق بالسياق الاجتماعي والثقافي الذي تنشأ فيه، وقد لا تكون الأخلاق الفلسفية أنسب في جميع السياقات مقارنة بالأخلاق الدينية السائدة. تواجه الأخلاق الفلسفية تحديات في التطبيق العملي وقابليتها للتنفيذ على أرض الواقع مقارنة بالأخلاق الدينية المتجذرة في المجتمع، لذلك، لا يمكن القول بشكل مطلق أن الأخلاق الفلسفية هي "قمة الأخلاق"، بل هي أحد الأنماط الأخلاقية التي تحمل قيمًا وأسسًا فكرية قيمة، ولكن لا تتفوق بالضرورة على كل الأنماط الأخرى في جميع السياقات والمواقف. الفضيلة الداخلية والخارجية والاخلاق أن الفرق بين الفضيلة الداخلية والخارجية كما تم تناولها في فلسفة سقراط وأرسطو هي كما يلي: الفضيلة الداخلية عند سقراط تركز على الحالة النفسية الداخلية للفرد وصفاته الذاتية، تتحقق من خلال المعرفة الذاتية والتأمل الفلسفي، تعتبر الفضيلة نتيجة مباشرة للمعرفة الصحيحة، تتجسد في الحكمة والعدل والشجاعة وغيرها من الصفات الفضيلية, السعادة تنبع من داخل الفرد نتيجة تحقق هذه الفضائل الداخلية وبالتالي تنعكس على الاخلاق. الفضيلة الخارجية عند أرسطو تركز على السلوكيات والأفعال الخارجية للفرد، تتشكل من خلال التربية والممارسة والاعتياد على السلوكيات الفضيلية, ليست مجرد معرفة نظرية، بل حالة نفسية وسلوكية متجسدة في الممارسة، تتضمن فضائل مثل السخاء والشجاعة والاعتدال والعدالة، السعادة تتحقق من خلال ممارسة هذه الفضائل في الحياة العملية والتفاعل الاجتماعي وبالتالي تنعكس على التعامل الاخلاقي. سقراط ركز على الفضيلة كحالة داخلية للنفس تتحقق من خلال المعرفة، بينما أرسطو نظر للفضيلة كسلوكيات خارجية تتشكل من خلال الممارسة والتربية. وفق هذا الفهم، تتباين آراؤهما حول دور الفضيلة والمعرفة في تحقيق الاخلاق. لذا نجد ان هناك معاني متعددة للفضيلة في الفلسفة الأخلاقية. يمكن تلخيص بعضها على النحو التالي: الفضيلة كصفة أو خاصية أخلاقية الفضيلة هنا تشير إلى الصفات الأخلاقية المرغوبة، مثل الشجاعة، والعدالة، والحكمة، والاعتدال. هذه الصفات تعتبر فضائل ويُنظر إليها على أنها مثالية وجديرة بالتقدير. الفضيلة كسلوك أخلاقي الفضيلة هنا تعني السلوك الأخلاقي المستحق للثناء والتقدير، أي القيام بالأفعال الصواب وفقًا للمعايير الأخلاقية المتفق عليها. الفضيلة كحالة نفسية أو روحية في هذا المعنى، الفضيلة تشير إلى حالة داخلية للفرد، كالطهارة والنقاء والكمال الأخلاقي. وهذا يتقاطع مع فكرة الفضيلة الداخلية كما طرحها سقراط. الفضيلة كغاية أخلاقية هنا ينظر الى الفضيلة على أنها الهدف الأسمى والغاية النهائية للسلوك الأخلاقي. فالفرد يسعى للتحلي بالفضائل بهدف تحقيق الكمال الأخلاقي. بشكل عام، يمكن القول إن مفهوم الفضيلة في الفلسفة الأخلاقية يشير إلى الصفات والخصال المثالية والحالة النفسية المرغوبة أخلاقيًا، والتي تشكل الأساس للسلوك الأخلاقي المستحق للثناء. هناك اختلافات في مفهوم الفضيلة بين الفلسفات الأخلاقية المختلفة. فقد تبنت المدارس الفلسفية المختلفة تصورات متنوعة حول طبيعة الفضيلة وأهميتها في الأخلاق. من بين هذه الاختلافات: الفضيلة في الأخلاق الأرسطية أرسطو يرى الفضيلة كحالة وسطى بين طرفين متطرفين. فالشجاعة مثلاً هي الوسط بين الجبن والتهور. والفضيلة هي الحالة المتوازنة التي تحقق الكمال الإنساني. الفضيلة في الأخلاق الكانطية كانط يركز على الواجب والقانون الأخلاقي كأساس للفضيلة. فالفضيلة هي الالتزام بالقواعد والواجبات الأخلاقية بغض النظر عن النتائج. الفضيلة في الأخلاق النفعية بالنسبة للنفعيين، الفضيلة هي ما يؤدي إلى تحقيق أكبر قدر ممكن من السعادة والرفاه للأكثرية. وهي ليست قيمة مطلقة في حد ذاتها. الفضيلة في الأخلاق الدينية في الأخلاق الدينية، الفضيلة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالتقوى والالتزام بالتعاليم الدينية. فهي تكتسب قيمتها من مصدرها. الفضيلة في الأخلاق الوجودية بالنسبة للحاضريين الوجوديين، الفضيلة تتمثل في الحرية والأصالة والمسؤولية الفردية. فالفرد هو من يحدد معنى الفضيلة بنفسه. الاختلافات في مفهوم الفضيلة تعكس التباين في الأسس الفلسفية والمرجعيات الأخلاقية للمدارس الفكرية المختلفة. هناك عدة تحديات رئيسية تواجه الأخلاق الفلسفية في ظل الأخلاق الدينية السائدة في المجتمع: الهيمنة الثقافية للأخلاق الدينية في المجتمعات المتدينة، غالبًا ما تهيمن الأخلاق الدينية على المجال العام والخاص، مما يجعل الأخلاق الفلسفية تواجه تحديًا في الاختراق والتأثير. الاصطدام مع المعتقدات الدينية الراسخة قد تتعارض بعض المبادئ والقيم الأخلاقية الفلسفية مع المعتقدات الدينية السائدة، مما يُثير جدلاً واستنكارًا من قبل المؤمنين. الشكوك حول مصدرية وأساسية الأخلاق الفلسفية في ظل تمسك المجتمع بالأخلاق الدينية، قد يثار الشك حول مصداقية الأخلاق الفلسفية وأساسها العقلي دون استناد إلى وحي إلهي. محدودية الانتشار والتأثير الاجتماعي غالبًا ما تكون الأخلاق الفلسفية محصورة في الأوساط الأكاديمية والنخبوية، مما يحد من انتشارها وتأثيرها على المستوى الاجتماعي الواسع. إشكالية التطبيق العملي قد تواجه الأخلاق الفلسفية تحديات في ترجمة مبادئها وقيمها إلى ممارسات عملية في ظل هيمنة الأخلاق الدينية. تختلف الاخلاق بين المجتمعات والمجموعات الاثنية هناك ثمة خيط مشترك يجمع بين الاخلاق الوجودية والميتافيزيقي والدينية باختلاف المذاهب وهو مفهوم الخير والشر، الضار والنافع وهما مصدر الاخلاق في كل الممارسات الاخلاقية، نعم، مفهوم الخير والشر، والضار والنافع، هو المصدر الأساسي للأخلاق في مختلف الممارسات الأخلاقية، سواء الوجودية منها أو الدينية. في الأخلاق الوجودية، يُنظر إلى الخير والشر باعتبارهما نتاج التفكير والاختيار البشري. فالإنسان هو الذي يحدد ما هو خير وما هو شر، انطلاقًا من تجاربه ومعاييره الذاتية. وبالتالي، تكون الأخلاق في هذا السياق مرتبطة بالفعل الإنساني وما ينتج عنه من نتائج نافعة أو ضارة. أما في الأخلاق الدينية، فإن مفهوم الخير والشر يستمد أساسه من المصادر الدينية والإلهية. فالله أو الكائن الأعلى هو الذي يحدد ما هو خير وما هو شر، وعلى البشر أن يلتزموا بهذه التعاليم الإلهية. وبالتالي، تكون الأخلاق في هذا السياق مرتبطة بالامتثال للوصايا والأوامر الدينية والتي لها علاقة بالخير والشر أيضا. على الرغم من هذا الاختلاف في المصدر، إلا أن مفهوم الخير والشر، والضار والنافع، يُعد أساسًا مشتركًا بين الأخلاق الوجودية والأخلاق الدينية. فكلاهما يسعى إلى تحديد ما هو مرغوب وما هو مرفوض، وما هو مفيد وما هو ضار، وذلك بغية توجيه السلوك الإنساني والحكم عليه. وبالتالي، يمكن القول إن مفهوم الخير والشر، والضار والنافع، هو المصدر الأساسي للأخلاق في جميع أشكالها، سواء كانت وجودية أم دينية، وهو ما يجعله حجر الزاوية في الممارسات الأخلاقية المختلفة. لذلك نجد ان هناك بعض الحالات التي قد يتعارض فيها مفهوم الخير والشر بين الأخلاق الوجودية والأخلاق الدينية: الأفعال المحظورة دينياً، ولكن مقبولة اجتماعياً في بعض السياقات الاجتماعية، قد تكون بعض الأفعال مقبولة وحتى مرغوبة، بينما تحرمها الأديان. مثل تعاطي بعض المخدرات أو الممارسات الجنسية خارج إطار الزواج. الأفعال المشروعة دينياً، ولكن مرفوضة اجتماعياً في المقابل، قد تكون بعض الأفعال مشروعة وحتى مطلوبة دينياً، ولكن مرفوضة اجتماعياً. مثل تعدد الزوجات في بعض المجتمعات. الأفعال التي تنطوي على المصلحة الفردية على حساب المصلحة العامة في بعض الأحيان، قد يرى الفرد أن فعلاً معيناً هو الخير من وجهة نظره الشخصية، بينما تراه الأخلاق الدينية أو المجتمع على أنه شر أو ضرر على المصلحة العامة. الأفعال التي تتعارض مع الحرية الفردية قد تفرض بعض الأديان قيوداً على حرية الفرد في التصرف أو الاختيار، بينما تعتبر الأخلاق الوجودية هذه القيود تعارضاً مع مبدأ الحرية الفردية. في هذه الحالات وغيرها، قد ينشأ تعارض بين مفهوم الخير والشر كما تراه الأخلاق الوجودية وبين ما تحدده الأخلاق الدينية. وهذا التعارض قد يضع الفرد في موقف صعب عليه فيه اتخاذ قرار أخلاقي، لكن هذه الحالات لا تنفي الدور الأساسي لمفهوم الخير والشر في كلا النوعين من الأخلاق. ولكنها تشير إلى ضرورة التوفيق بينهما والبحث عن حلول وسطية تراعي الاعتبارات الوجودية والدينية. منها تشجيع الحوار والتفاعل البناء بين أصحاب الأخلاق الوجودية والأخلاق الدينية قد يساهم في فهم وجهات النظر المختلفة وايجاد أرضية مشتركة، ولا يوجد حل جاهز لتجاوز هذه التعارضات، ولكن السعي الدائم للحوار والتفكير الناقد والمرونة في التعامل قد يساعد في إدارة هذه التحديات الأخلاقية.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحاضرية الوجودية والنقد الأخلاقي لعولمة التفاهة
-
الحاضرية الوجودية وترحيل الزمان
-
الحاضرية الوجودية ومفهوم المواطن المستقر والعبودية الطوعية ف
...
-
الحاضرية الوجودية وحوار الفلاسفة والطرشان
-
الحاضرية الوجودية و عناصرالحداثة عند امبرتو ايكو
-
الحاضرية الوجودية والاحلام
-
الحاضرية الوجودية والدوافع الغريزية للابداع
-
الحاضرية الوجودية والنهج الراسمالي الجديد
-
الحاضرية الوجودية والمثقف المزيف
-
الحاضرية الوجودية والنقد الجذري للرأسمالية
-
الانسانية والانسانوية والحاضرية الوجودية
-
القلق من الاندثار وتحقيق المعنى في الحاضرية الوجودية
-
الحاضرية الوجودية و العالم الافتراضي
-
الوعي والانغماس في الحاضرية الوجودية
-
الحاضرية الوجودية وفلسفة اللذة
-
مابعد الانسان والحاضرية الوجودية الشاملة
-
الماهية والوجود والفلسفة الحاضرية الوجودية الشاملة
-
قصدية الوجود بين النظام والعشوائية في الحاضرية الوجودية
-
التصميم الذكي وتعدد الاكوان والحاضرية الوجودية
-
خوارزميات الوعي و ازمة المثقف الأصيل* في الحاضرية الوجودية
المزيد.....
-
القتلى صبي و4 نساء وأين المشتبه به السعودي الآن؟.. الشرطة ال
...
-
الصين تبني أكبر مطار في العالم على جزيرة اصطناعية
-
لبنان.. الاعتداء على عناصر أمن حماية السفارة السعودية في بير
...
-
مجرة -أضواء عيد الميلاد- تكشف عن كيفية تشكّل الكون
-
-نحفر للعثور على بلاط المنزل-.. سوريون يعودون إلى منازلهم ال
...
-
الحرب في يومها الـ 443: الجيش يطلب إخلاء مستشفى كمال عدوان و
...
-
صحيفة: قطر -ستوقف- مبيعات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي إذا تم
...
-
مستشار السيسي يعلق على موجة الإنفلونزا التي تقلق المصريين
-
-البديل من أجل ألمانيا- يطلب عقد جلسة عاجلة للبرلمان على خلف
...
-
دراسة: الذكاء الاصطناعي قادر على الخداع والتمسّك بوجهة نظره
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|