/ 2003
> إننا مدمنون ليس على الكوكائين ولكن على التوافقية . الديموقراطية لا تعيش بسبب التوافق بين الجميع وإنما من الخلاف المتكافىء في الفرص والقرار المتكافىء في الفرص..< (فالتر شيل – رئيس جمهورية سابق في ألمانيا الاتحادية – من الحزب الليبرالي الألماني) (المصدر: جريدة فرانكفورتر ألغماينه 22/6/2003)
على العكس مما توقّعه القائمون على النظام بأن نيران البراكين الكردية الصغيرة في سورية ستنطفىء مع مرور الزمن بممارسة شيء من الكبت واتباع سياسة الترغيب والترهيب معاً والاستمرار في سياسة التعريب الشاملة التي برروها فترة طويلة بأنها مجرد رد فعل على "التهويد" الذي يمارسه غير الكرد في فلسطين والذي لاعلاقة للكرد به لا من قريب ولا من بعيد، فإن هذه القضية العادلة بحكم كل الشرائع والقوانين في العالم تزداد التهاباً وتنتقل مع الأيام، وبخاصة بعد سقوط الحكم البعثي في دولة "أم المقابر" المجاورة لسورية، إلى قضية "معارضة ديموقراطية" وليس مجرد قضية "أقلية اثنية" كما يبدو للعيان من التحرّك الكردي مؤخراً على الصعيدين الاقليمي والدولي، على الرغم من أنه تحرّك خجول إلى حد كبير ومشوب بالحذر وتحوم فوقه غمائم الخوف وتسيطر عليه مشاعر التردد.
والخوف الأكبر للأكراد الناشطين سياسياً في سوريا، ومنهم من عاصر كل عصور إصدار البيانات وتقديم مذكرات الترجي والتوسل، يأتي على شكل شعور بالنقص. فمن الذين نعتبرهم قياديين وسياسيين من يخاف أن يتهم حزبه بالتعامل مع "الامبريالية والصهيونية والاستعمار والاحتلال" وغير ذلك من التهم التي أطلقها البعثيون على قادة الكرد منذ أن اخترعوا للبارزاني الخالد لقب "الملا الأحمر الذي يعمل لصالح اليهود واسرائيل!" عندما نشبت الثورة بقيادته ورعايته في 1961م، مع أن هؤلاء القادة الجدد واثقون من أنهم لم يتعاملوا ولن يتعاملوا مع أحد إلا لمصلحة شعبهم الكردي المستضعف والشعوب التي يعيشون معها ، والتاريخ أثبت للجميع بأن الكرد لم يقاتلوا إلا من أجل تحقيق أهدافهم في الديموقراطية وفي نيل حقوقهم القومية المغتصبة ولحماية بني قومهم من الإبادة العنصرية، وليس للكرد طموحات في أرض العرب ولا في مالهم ولا في نفطهم ولا في السيطرة والحكم على رؤوسهم..
وما على مثقفي شعبنا إلا أن يزيلوا غشاوة الخوف هذه عن عيون بعض القادة حتى ينطلق خيل النضال القومي الوطني على كل الساحات من أجل سورية ديموقراطية تتحقق فيها حقوق الشعب الكردي وتترسخ في دستور البلاد وتنفّذ في الواقع، وهذا ما لايمكن تحقيقه في ظل النظام القائم أبداً بدليل استمرار سياسته القائمة على رفض الآخر والتفرّد بالسلطة حتى بعد زوال مرحلة "الحركة التصحيحية" بوفاة الأسد الأب ومجيء عهد "الجمهورية الوراثية".. ولايمكن الخروج من قوقعة "التردد والتساهل والتوسل" إلا بعودة المثقف الكردي نفسه إلى ذاته وقواه الداخلية وإعادة ترتيب كيانه الخاص والعام على أساس من الثقة بالنفس والتقرّب من الحركة بعقل منفتح وقلب مفعم بالأمل وإزالة ما في طريقه ويمكن أن يصده عن المشاركة في نضال شعبه، فهو يدرك قبل غيره أن مسؤولية قيادة الشعب وتحرير العقل وتغيير الوضع القائم مسؤوليته أيضاً ولاتقع على عاتق "الحزبيين" فقط.
من المثقفين الكرد من شنّ في الآونة الأخيرة حملاته النابوليونية على الحركة الكردية متهماً إياها بأنها تضيّق المجال على المثقف وتمنعه من طرح ما في جعبته من أفكار يراها جيدة وضرورية لمعالجة جسد الحركة الوطنية الكردية المترهل المصاب بكثير من العاهات وغير القادر على القيام بأعماله الاعتيادية المطلوبة منها، فتختفي أربعة أحزاب كردية وراء (يوم الطفل العالمي) وخلف تظاهرة للأطفال والنساء لتفصح عما تريده للنظام القائم.. ومن "قادة الأحزاب" من يتهم هؤلاء "المراقبين الخارجين على الأعراف الحزبية" بالثرثرة على ضفاف الفرات دون القيام بأي محاولة جدية لدعم "الكفاح الثوري العظيم" الذي تقوم به الأحزاب.. وبين هذا وذاك تقف هيئة المحكمة عاجزة عن فهم القضية وتؤجل الحكم مرة بعد أخرى عسى أن يتفق الطرفان المتعاكسان خارج المحكمة ويرتاح منهما القاضي والشهود والمحامون والناس جميعاً.. ولكن هاتين السمفونيتين المتقاطعتين أداء ً مستمرتان وليس هناك من يتمكن من منعهما من الاستمرار .. نعم يمكن ذلك بطرح الجديد من أسلوب النضال بحيث لاتضيع حقوق "الوراثة والشرعية والقيادة" ولايتم التفريط بخبرات المثقف في المجال الدولي ولايستهان بعلمه .. هذا "الجديد" يجب أن يعطي جواباً على المسألة الشكسبيرية التي لم تحل بعد: أن نكون أو لانكون!! فإذا كان الجواب إيجابياً فما علينا إلا أن نطرح السؤال الآخر الذي يختفي تحته:
- كيف يجب أن نكون؟ جزءاً من النظام القائم أم تابعاً له أم معارضاً له؟
وهذا السؤال يقودنا إلى اكتشاف سلسلة طويلة من الأسئلة المطروحة ، لا من قبل المثقف وحده وإنما من قبل الشعب الكردي أيضاً.. ومنها:
- إذا أردنا أن نصبح جزءاً من النظام فهل يقبل بنا النظام وإذا شئنا أن نكون تابعين له فماذا سيعطينا من حقوق وإذا أصبحنا معارضين له فماذا سيفعل بنا؟
وإذا قررنا أن نصبح معارضين وننزع عنا الأقنعة التي نختفي خلفها من تظاهرات في مناسبات كيوم المرأة العالمي ويوم الطفل العالمي وعيد نوروز ، ونقول: بعد اليوم سننزل إلى الشوارع ونأخذ أطفالنا ونساءنا معنا دون أن نضعهم أمامنا ليكونوا عرضة لهراوات القامعين من شرطة ومخابرات (أمن؟!!) ووحدات تأديبية..فمن أين يجب أن نبدأ؟ وماذا سيقوم به المثقف الكردي والعربي تجاهنا وهو غير قادر على المشاركة في قراراتنا وفي رسم مخططاتنا؟ ما هي حدود المسموح به لهذا المثقف؟ هل ندعه يتدخّل في شؤون قياداتنا أم نبلّغه بقراراتنا فقط ونطالبه بالالتزام بها؟
طبعاً إذا ما قررنا أن نصبح شكلاً من أشكال المعارضة السورية الديموقراطية، فهل تسمح أساليبنا التنظيمية الكلاسيكية وأنظمتنا الداخلية بذلك ؟ ماذا علينا القيام به لاحداث تغيير نوعي وطوعي في هذه التنظيمات ؟..
النظام القائم لن يتعامل معنا بالرفق واللين إذا ما انخرطنا في "مؤامرة الديموقراطية!!" وسيعاملنا بقسوة. فما هي طاقتنا للاستمرار في نضالنا الجديد؟ وما هي طاقة النظام على مكافحة "الشغب الكردي"؟ هل ستشاركنا القوى العربية همومنا وأعمالنا؟ وهل هناك قوى عربية مهيئة لأن تسير في تظاهراتنا؟ أم أنها تعتبرها مظاهرات مبرمجة على غرار الاحتفالات الكردية السياسية التي تقوم بها بعض الأطراف الكردية بين الحين والحين؟ .. هل سيتمكن النظام من حصر "الديموقراطية الملتهبة" في شارع من شوارع دمشق يبدأ بالسير صوب منظمة دولية معينة وينتهي في معتقلات البعث العديدة؟ طبعاً بعض قادة الكرد سيعترض على طرح مثل هذه الأسئلة وغيرها ومنهم من يبدي استعداده للمشاركة في توسيع سجون النظام بتكثير عدد المعتقلين من أبناء وبنات الكرد ولكنه في الوقت نفسه يحذر من التواصل وتعامل مع المنظمات الدولية بالصورة العلنية التي يطلب بعض "المتمردين" بها..
ولكن قد يتمكن بعضهم من إسكات شعب كامل عقوداً من الزمن إلا أنه لن يتمكن من إخفاء هذا السيل من الأسئلة المتعلقة بهذا الشعب...ولابد له من الإجابة عنها قريباً أو عاجلاً..