أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - أفكار في النقاش السوري العام















المزيد.....

أفكار في النقاش السوري العام


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8048 - 2024 / 7 / 24 - 10:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشيع في النقاشات العامة بين السوريين فكرتان تتعلقان بالديموقراطية، تعكسان قدراً لا بأس به من الاختلاط فيما يخص فهم أو تصور النظام الديموقراطي بصفته بديلاً مقترحاً عن نمط الحكم العائلي المنحط الذي يستعمر الدولة السورية.
الفكرة الأولى تنطلق من طبيعة قليل أو كثير من الأشخاص المعارضين للطغمة الحاكمة في سورية، أشخاص في مواقع بارزة سياسياً أو إعلامياً أو سوى ذلك، كي تستنتج أن الطغمة الأسدية هي، بعد كل شيء، أفضل أو ليست أقل سوءاً من هؤلاء المعارضين الذين يطالبون بإسقاط النظام. وإن هؤلاء المعارضين إذا قُيض لهم أن يحكموا فلن يكونوا أقل إجراماً وفساداً من النظام الذي يطالبون بإسقاطه. وهناك إضافات وحواش "شعبية" كثيرة على هذا المتن، من نوع إن من تعرفه خير ممن تتعرف عليه، وإن من يأتي جديداً إلى الحكم سيكون أكثر نهماً للسرقة والفساد قياساً على من شبع وامتلأت جيوبه، وإن كل حاكم، كائناً من يكون، سيملأ الدولة بجماعته، وأن ما يحرك هؤلاء المعارضين ليس الحرص على البلد أو الصالح العام كما يزعمون، بل الحسد والطموح الشخصي وحب السلطة ... الخ. وتُشفع هذه المحاكمات والقناعات بالإحالة إلى سلوك سيء أتي به هذا "القائد" المعارض أو ذاك، أو إلى تصريح طائفي أو إقصائي من هذا أو ذاك ممن تكلموا أو يتكلمون باسم "الثورة"، بوصفها شهادات تؤكد الفكرة.
يجد هذا التصور طريقه إلى الحديث اليومي على هيئة تعابير "شعبية" مثل مديح شخص بأنه ديموقراطي، ليس بمعنى أنه يرى في الديموقراطية نظام حكم مناسب، وينحاز ويعمل من أجل هذه الغاية، بل بمعنى إنه من طبيعة شخصية تقبل الرأي الآخر وتقبل التعددية والاختلاف. يمكن وصف الشخص بأنه نزيه أو حكيم أو عادل ... الخ، ولكن وصفه بأنه ديموقراطي على هذا النحو، يؤشر إلى مفارقة استخدام صفة نظام سياسي (آليات وعلاقات قوى) لوصف طبيعة شخصية. لكن الأهم أن نزع هذه الصفة (الديموقراطية) عن شخصيات معارضة لنظام الأسد، بسبب تصرفات أو تصريحات سيئة، واعتبار أن ذلك يسوغ استمراره، ينم عن مشكلة في التصور، وكأن بناء نظام حكم ديموقراطي يتطلب توفر جماعة ذات طبيعة شخصية "ديموقراطية" تضطلع بالمهمة. هذا أمر متعذر بطبيعة الحال، من أين لنا أن نحصل على هؤلاء في وسط استبدادي مزمن على المستويات كافة، وليس فقط على المستوى السياسي. وإذا افترضنا أن هذا تحقق لنا، يبقى: كيف نضمن تعاون واتفاق هؤلاء "الديموقراطيين" وتجانس تصوراتهم السياسية؟ وكيف يمكن منحهم السلطة الكافية لبناء نظام سياسي كامل. ثم ، بعد ذلك، كيف نضمن أن السلطة التي سيحوز عليها هؤلاء لبناء الديموقراطية الموعودة لن تغير نفوسهم، وينتهون إلى فرض أنفسهم، إلى الأبد، على الجميع، كما فعل غيرهم؟ فالسلطة مفسدة.
هذه النظرة شائعة وتحتاج إلى مناقشة لأن انتصارها ينتهي، في الواقع، إلى أسوأ نتيجة سياسية يمكن تصورها، وهي الركون إلى الأمر الواقع السوري الذي يصعب تصور ما هو أسوأ منه. أصحاب هذه النظرة يفهمون التغيير الذي يريده السوريون على أنه تغيير فئة حاكمة مستبدة، بفئة أخرى ديموقراطية، والحال إن تغيير الأفراد لا يعول عليه للتغيير في نظام الحكم، ذلك أن نظام الحكم أقوى من الأفراد. نظام الحكم القائم على أسس الاستبداد السياسي، لن يفشل في صناعة "رئيس" مستبد، وسوف يحيل الفئة الحاكمة إلى فئة مستبدة، بصرف النظر عن الطبيعة الشخصية للأفراد. النظام القائم على آليات استبدادية سوف يختار ويصنع، في النهاية، الأفراد المناسبين له، وسوف يهمش أكثر فأكثر، النزيهين وذوي الآراء المستقلة، وينبذهم بشتى السبل، طالما حافظ هؤلاء على نزاهتهم واستقلاليتهم.
بالمقابل فإن نظام الحكم القائم على أسس ديموقراطية (آلية إنتاج الشرعية السياسية المترافقة مع آليات للرقابة والمحاسبة) من شأنه أن يضع حدوداً يصعب تجاوزها في وجه الأفراد ذوي الميول التسلطية والفاسدة والإقصائية. على هذا يصح أكثر أن نقول إن نظام الحكم "يصنع" الفئة الحاكمة، من أن نقول إن الفئة الحاكمة تصنع النظام. وما يرسي أسس النظام الديموقراطي هو توازن قوى بين جماعات مصالح وفئات لا تمتلك أي منها القدرة على سحق البقية، فتتواضع على آليات الحكم. ولا بد، كي تتحقق معايير ديموقراطية معقولة، أن يكون للمجتمع حضور واع وقوي من خارج الدولة.
لا يمكن أن يكون سلوك الفرد دليلاً كافياً على فساد أو صواب ونجاعة أفكاره السياسية. إذا كان أمين الخزنة يسرق ويزور الأوراق ويضع المؤسسة في عجز دائم، لن يكون الحل بتغيير الشخص، بل بابتكار آليات (برامج حواسيب وكاميرات مراقبة مثلاً) تمنع أمين الخزنة من التلاعب. وقد يبتكر هذه الآليات ويقترحها أحد أقل الأشخاص أمانة.
الفكرة الثانية التي تشيع في النقاش السوري العام هي أن شعوبنا لا تُحكم إلا بالبسطار العسكري، وأن أي حكم آخر هو سبيل إلى الفوضى. إذا كانت الفكرة الأولى أكثر شيوعاً بين عموم الناس، فإن لهذه الفكرة جمهور واسع في وسط النخبة. لهذه الفكرة مساند وحجج ليست قليلة، وهو ما يفسر شيوعها بين كثير من المثقفين العامين، على أنه شيوع "سري" في الغالب، تحت ضغط سيطرة الموجة الديموقراطية على العالم اليوم، فقليل من يجرؤ على هذا القول إلا في المجالس الخاصة، مخافة أن يفقد الاتساق مع "سمة العصر".
هناك كتب وتنظيرات جدية مضادة للديموقراطية، مثل كتاب هانس هيرمان هوبه (Democracy, The God That Failed)، (الديموقراطية، الإله الذي فشل)، الذي لا يخلو من أفكار وجيهة، ولكن يشد الانتباه أن هذا الكتاب صدر باللغة الإنكليزية في 2001، وترجم إلى العربية في 2019، ويجري تداوله بكثرة هذه الأيام. قد يكون في الأمر التماس مواساة ما، إلى جوار الحاجة إلى الفهم.
حديثاً، يُستدل على صحة الفكرة المضادة للتغيير بالمقارنة بين حال البلدان العربية قبل "الثورات العربية" وبعدها. والحال، إذا وضعنا جانباً كل مزايا النظام الديموقراطي وكل عيوبه، فإن هذه المقارنة هي بالضبط ما يؤكد، على الضد مما يراد منها، أهمية النظام الديموقراطي بوصفه النظام الذي يسمح باستيعاب الخلافات السياسية وفتح سبل الخروج منها باقل قدر من الخسائر.
مشكلة النظام المستبد أنه لا يمتلك وسيلة سوى العنف في وجه الاحتجاجات، وفي ظروف معينة، كالتي توفرت في الثورات العربية، انتهى الأمر إلى تدمير كل ما يمكن اعتباره إنجازات للنظام المستبد. من هذه الزاوية يمكن تشبيه النظام المستبد ببناء لا يمتلك أمام الزلازل سوى الانهيار، ولا يمكن لأحد أن يضمن عدم حدوث الزلازل.
التغني بالاستبداد على أنه نظام الأمن وانعدام الفوضى وتثقيل وزن البلد وجعله رقماً صعباً بين الدول ...
الخ، يكافئ، فضلاً عن تغافله التام عن الفساد المستشري والقمع الواسع والنقص المتعدد الجوانب لكرامة الأهالي، المقامرة بكامل مصير البلد كما هو حال سوريا اليوم.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سأبقى أذكر ذلك المساء المختلف في السجن
- غزة، التنافر بين الحق وتمثيله
- دروس قاسية تنتظر الفرنسيين
- القضاء الدولي، مقايضة شعوب بأفراد
- لا تقاطع مخبراً في السجن
- عن التوثيق ومنصة الذاكرة السورية
- الحرب على غزة تتحول حرباً على الديموقراطية
- جديد وثيقة المناطق الثلاث في سوريا
- الأبواب الحديدية
- الثقافة بوصفها خديعة
- في معنى استمرار الثورة السورية
- حين تصبح الهوية عبئاً (المثال السوري)
- غزة بوصفها مرآة عصرنا
- عن احتجاجات المزارعين في فرنسا وأوروبا
- -أبناء التهمة- الإسلامية
- ليس دفاعاً عن الإسلاميين
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 1
- النظام التسلطي المحض وسبل تفكيكه - 2
- في الشخصية السياسية لرياض الترك
- الفعل الجنسي بوصفه دينمو خفي لتغذية دونية المرأة


المزيد.....




- الإعلام الحكومي بغزة: العدوان الإسرائيلي على خان يونس أودى ب ...
- الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد يتعرض لمحاولة اغتيال ...
- بوحفص فضلاوي .. حكاية طالب بكالوريا ألهم بمثابرته الجزائريين ...
- الألعاب الأولمبية: رجال أمن مغاربة وقطريون لحماية الألعاب وف ...
- فيديو يوثق لحظة قتل أمريكية سوداء على يد شرطي وبايدن يعلق
- الشرطة المالية الإيطالية تضبط 121 مليون يورو من أمازون بتهمة ...
- المعارضة الجزائرية تندد بـ -المناخ الاستبدادي- المحيط بالانت ...
- المستشار شولتس ينوي الترشح لولاية ثانية رغم تراجع شعبيته
- بعد موجة الانقلابات.. هل اقتربت نهاية مجموعة -إيكواس-؟
- ليبيا.. طائرة روسية تحمل شحنة جديدة من المساعدات الإنسانية ت ...


المزيد.....

- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي
- تأملات في كتاب (راتب شعبو): قصة حزب العمل الشيوعي في سوريا 1 ... / نصار يحيى
- الكتاب الأول / مقاربات ورؤى / في عرين البوتقة // في مسار الت ... / عيسى بن ضيف الله حداد
- هواجس ثقافية 188 / آرام كربيت
- قبو الثلاثين / السماح عبد الله
- والتر رودني: السلطة للشعب لا للديكتاتور / وليد الخشاب
- ورقات من دفاتر ناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- ورقات من دفترناظم العربي - الكتاب الأول / بشير الحامدي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - أفكار في النقاش السوري العام