الافتتاحية:
عما يسمى بـ(المقاومة) و السبل الكفيلة بإنهاء الإحتلال الامريكي
يتفق الجميع بان الوجود الامريكي في العراق ليس إلا إحتلالا عسكريا مباشرا. وليس بمقدور الامريكان ايضا نفي ذلك بل اذعنوا لها حين صدر القرار الاخير للامم المتحدة والذي يشرعن ذلك الإحتلال . وتسعى الإدارة الامريكية لتسويغ وجودها المحتل بمبررات شتى منها كونها فترة إنتقالية تعقبها حكومة عراقية او ضرورتها للقضاء على الفلول الصدامية التي ما برحت، وهي تلفظ انفاسها الأخيرة، تسعى خائبة لتذكير العراقيين بوجودها وبانها عائدة لنعود إلى مرحلة ( قائد شجاع لشعب عظيم!!!).
وإزاء الإحتلال الامريكي فلا مفر من المقاومة . ولكن هناك مقاومة و مقاومة بل شتان بين الامرين . وتتعدد بل تتقاطع و تتناقض دوافع و اهداف ومبررات واشكال المقاومة بحسب اهداف القائمين ورائها والداعين لها بوجه الوجود العسكري والمدني الامريكي في العراق.
فهناك فلول القوى الصدامية التي ( تحلم !) بالعودة إلى ماض يعلم الجميع بانها ولت إلى غير رجعة( إلا البعثيين على شاكلة صدام ورهطه والمراهنين عليه من انصار القومية العربية وبعض التيارات الإسلامية في الدول العربية). كما نرى اشكال اخرى من المقاومة تدعي سعيها لإنهاء الإحتلال بمعزل عن خلفياتها وتداعياتها والآفاق والبدائل التي تطرح عن الإحتلال الأمريكي . وقد طرحت كل ذلك من جديد وخاصة منذ احداث عمليات ( شبه الجزيرة ) و ( عقرب الصحراء ) في المحافل السياسية و الشعبية داخل العراق وخارجه تساؤلات قديمة _ جديدة عن مغزى الإحتلال والمقاومة بوجهه . وتعددت وكما هو متوقع الآراء والمواقف السياسية بين الاحزاب و المنطمات العراقية حول القتال في وسط العراق وشماله الغربي وفي مناطق الموصل والرمادي و راوة و بلد والفلوجة وغيرها .
لقد اكدنا مرارا بان الوجه الاكثر قتامة لما يدور من تحولات سياسية خطيرة في العراق و منذ 2 آب 1990 يتمثل وحتى يومنا هذا في خروج قضية السلطة السياسية في العراق من إطارها الداخلي وتحولها، ضمن صراع رجعي مقيت، إلى ورقة تتجاذبها الصراعات الدولية والاقليمية حيث تلعب امريكا الدور الاساسي و المحوري فيها. وقد توج حرب آذار 2003 و السقوط المخزي للزمرة الصدامية الفاشية في 9 نيسان ذروة تلك العملية كما شكل نقطة إنعطاف حادة في مسار التحولات السياسية في بلادنا.
وهكذا شكل الإحتلال الامريكي الاخير محطة رئيسية في عملية تمتد منذ آب 1990 تلتها فصول معروفة.
إذن فمن الطبيعي ان تستمر لعبة الشد والتراخي حول مستقبل العراق وتتخذ اشكالا متفاوتة الحدة والتنوع وتأتي قضية المقاومة بوجه الإحتلال الامريكي وقواتها في العراق ضمن ذلك السياق الأشمل .
ولكي لا تختلط الأوراق وتمر هذه الحلقة من التطورات بدون النقد والتناول الثوري لها من الضروري التأكيد على جملة من الحقائق و المواقف عن مغزى وسبل المقاومة بوجه القوات الامريكية وخاصة عندما نتيقن من إستمرارها في خضم الإحتراب السياسي الجاري والازمة المستفحلة والمتواصلة لمسألة الحكم في ظل إستمرار الفلتان الأمني وعدم الإستقرار وغياب المؤسسات .
اولا : إن للشعب العراقي ، صاحبة القضية الاساسية، مطلق الحق في مقاومة الوجود العسكري والمدني الأمريكي في بلادنا . فطالما هناك الإحتلال الأمريكي المباشر او المقنع وطالما تواصلت عملية مصادرة حق الشعب العراقي في اختيار شكل النظام السياسي الذي يبتغيه تبقى المقاومة امرا متوقعا .
إن وجود و إستمرار الإحتلال هو العلة الأساسية لما يدور في العراق من فوضى ودمار وفلتان امني وسياسي وإستباحة ثروات البلاد بل ومستقبله.
ثانيا : لقد تم ولأكثر من ثلاثة عقود حرمان شعبنا ليس فقط من حرية إختيار نوع الحكم فقط بل ومن ابسط حقوقه الأساسية ايضا لذا فمن الطبيعي بل ومن الضروري ان يعبر ابناء شعبنا عن إرادته وتطلعاته ويعبيء كل طاقاته من اجل إقامة حكومة تمثيلية شعبية حرة وديمقراطية تعبر عن طموحه في الحرية والكرامة والسؤدد وتحقق ليس فقط اهدافه وتطلعاته المخنوقة بالحديد والنار بل يؤهله للإنطلاق نحو غد ارحب وافضل واجتثاث جذور شتى اشكال الإضطهاد والإستغلال الطبقي والسياسي .
ثالثا : ولأجل التعبير الحر عن إرادتهم فإن الشعب العراقي وخاصة فئاته وطبقاته المهمشة من حلبة النضال السياسي كالعمال و الكادحين والفلاحين والشبيبة والمثقفين والمرأة وسائر فئات الشغيلة احوج ما تكون لأشكالُ من التنظيم والتسيير الذاتي تحشد وتعبيٌ صفوفهم . إن الخيط المشترك بين مجمل اطياف احزاب المعارضة العراقية السابقة من جهة وامريكا وحكمه المدني من جهة اخرى هي تغييب الشعب العراقي وخاصة الفئات والشرائح المذكورة عن حلبة الجدل والصراع الدائر في العراق. صراع يحدد لا مناصة شتى ملامح المجتمع و لعقود قادمة.
إن تبلور الإرادة الشعبية الحرة وخاصة المنظمة في اطر جماهيرية كالمجالس الشعبية ذات الصلاحية الفعلية في الأحياء و المحلات السكنية او لجان وهيئات جماهيرية تمثيلية على صعيد المدن او إتحادات وجمعيات ونقابات تعبر عن تطلعات تلك القوى والشرائح، بوسعها تحويل فئات الشعب المهمشة والمغيبة حاليا، إلى كتلة ثالثة في الصراع بين الاحزاب المحلية والإدارة المدنية الامريكية التي تنحصر همهم في الصراع حول مغانم السلطة.
لذا فإن غياب القوة الشعبية والجماهيرية المنظمة تتيح الفرصة لكي يدعي كل من هب ودب تمثيله الشعب العراقي ومصادرة تطلعاته والحجر عليه لأهداف لا تنسجم بل وتتناقض مع اهداف الفئات المذكورة.
رابعا : وهنا نصل إلى بيت القصيد .
إن ما يدعى بالمقاومة وما يجري هنا و هناك من حملات كر وفر و من تصد مسلح للقوات الأمريكية تثير ليس الشك والريبة من الداعين او المروجين لها او الواقفين ورائها بل واكثر من ذلك.
إن دعاة ( المقاومة ! ) اولئك ليسوا في الأساس إلا فئتان. فئة من بقايا الزمرة الصدامية وفلولها المنهارة تستغل الفرصة التي اتاحتها لها امريكا وقواتها للفرار من الغضبة الشعبية كما تحاول إستغلال روح النقمة والسخط المتأججة في صدور شعبنا من الإحتلال وتبعاته الكارثية وخاصة الفلتان الأمني المرعب، لكي تظهر كخفافيش الليل حيث لاتتورع عن ممارسة كل عمل دنيء وخسيس مطلقا عليه صفة ( المقاومة !) بوجه الغزاة الامريكيين.
اما الفئة الثانية من اهل ( المقاومة ) فهي قوى طائفية متخلفة حرمت من نعمها وإمتيازاتها وتسعى من خلال (المقاومة !) تلك نحو نيل حصة اكبر منها وفقا لمفاهيم طائفية ودينية ومذهبية لا يربطها شيء بتطلعات شعبنا المثخن بجراح تلك النزعات .
اما اساليب المقاومة المذكورة فهي اساليب مشبوهة كما إنها ذو صلات وإرتباطات خارجية مكشوفة ومدعومة من قوى إقليمية تبحث عن مصالحها وإن كانت على اشلاء ابناء شعبنا المنكوب .
اما السؤال الجوهري هنا فهي : بم يطالب دعاة المقاومة اولئك؟ ما بديلهم عن الإحتلال ؟ ماذا في جعبتهم لأبناء شعبنا غير العودة إلى مرحلة المقابر الجماعية؟ وهل هناك خيط وإن كان واهيا يربطهم مع تطلعات واهداف وآمال ومطاليب شعبنا؟
إن التمعن في تلك التساؤلات المشروعة يفضح دعاة هذا الشكل من ( المقاومة ) اكثر و اكثر .
إن الهدف الأساسي لتلك القوى هو السعي لحرف نضال الشعب العراقي ومقاومته المشروعة من اجل جلاء القوات الأمريكية عن جادة الصواب وكل ذلك من اجل اهداف مريبة .
إن المقاومة الشرعية الوحيدة هي النضال الجماهيري و الشعبي العارم بوجه الإحتلال ومخططاته وبوجه مصادرة حق ابناء شعبنا في الحرية وإقامة حكومة عراقية منتخبة تحت إشراف دولي نزيه يلبي كل طموحاتهم ويحقق كل اهدافهم السياسية و الإقتصادية والإجتماعية .
فأشكال النضال المدني كالتظاهر والإضراب و الإعتصام ومقاطعة السلطة المدنية الأمريكية وتنظيم الصفوف في الأحياء و المراكز الإدارية والخدمية وفي المدارس والمصانع والكليات و وصولا للعصيان المدني الشامل هي الوسيلة الفضلى التي تؤهل جماهير الشعب العراقي نحو اخذ زمام قضيته بيده . نضال مدني وعصري بوسع كل فرد المشاركة النشطة فيها.
كما إنها الوسيلة الوحيدة لقطع دابر كل من يريد الصيد في الماء العكر والتستر على اهدافه الرجعية بإسم الشعب العراقي. إنها تمرين نضالي حي بوسعها البدء والإنطلاق حتى من اشكال بدائية و اولية إلا إنها كفيلة بحشد قوى شعبنا كالبديل و الكتلة الثالثة المستقلة.
إن النضال الجماهيري المنظم وبتلك الأشكال المدنية والعصرية في هذه المرحلة بوسعها فضح مرامي واهداف المحتلين الأمريكان ودعاة ( المقاومة ! ) والمنادين بالعودة إلى العهد الصدامي البغيض في آن واحد كما إنها بوسعها قطع دابر كل القوى الخارجية الأخرى الطامعة في إستمرار غياب الأمن وعدم الإستقرار كي تصيد في الماء العكر .
إن تتويج نضال الشعب العراقي وحشد نضالاته في عصيان مدني شامل يرفع راية شعاراته ومطاليبه في جلاء القوات الأمريكية والبريطانية وتنظيم إستفتاء جماهيري وإقامة حكومة شعبية منتخبة ومسؤولة امام الناخبين وإعادة بناء الخدمات الأساسية والقضاء على فلول البعث وقطع دابر تدخل دول الجوار في بلادنا لهو الخطوة الأولى نحو خلاص شعبنا وليس ما يسمى باشكال المقاومة التي تجري هنا وهناك و لا تهدف سوى لزعزعة الامن ومواصلة مسلسل الفلتان الأمني لكي تحقق اهدافها الدنيئة . كما إن ذلك لا يخدم في نهاية المطاف سوى امريكا وتقوي حجتها القائلة بغياب الأمن وضرورة البقاء في العراق لفترة اطول وبعدم مقدرة العراقيين في حكم انفسهم.