أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - ادم عربي - الاقتصاد السياسي للنقود!















المزيد.....

الاقتصاد السياسي للنقود!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8046 - 2024 / 7 / 22 - 20:48
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


بقلم : د . ادم عربي

لَوْ طَرَحْتَ عَلَى مُسْتَثْمِرٍ مُغْرَمٍ بِالْمَالِ وَالأَوْرَاقِ المَالِيَّةِ السُّؤَالَ التَّالِي: هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَلِدَ المَالُ؟ هَلْ يَسْتَطِيعُ المَالُ أَنْ يُنْتِجَ مَالًا آخَرَ مِنْ نَفْسِهِ؟ لَكَانَ جَوَابُهُ الفَوْرِيُّ: نَعَمْ، النُّقُودُ تَنْجِبُ نُقُودًا.
أَرِسْطُو، بِعَقْلِهِ المُتَوَقِّدِ، أَدْرَكَ الحَقِيقَةَ فَقَالَ إِنَّ المَالَ لَا يُنْجِبُ مَالًا؛ فَالمَالُ بِطَبِيعَتِهِ غَيْرُ مُنْتِجٍ. أَمَّا ابْنُ خَلْدُونَ فَتَسَاءَلَ: مَا هُوَ العَامِلُ المُشْتَرَكُ بَيْنَ سِلْعَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ يَجْعَلُهُمَا قَابِلَتَيْنِ لِلتَّبَادُلِ (كَمَا فِي المُقَايَضَةِ)؟ هَذَا العَامِلُ المُشْتَرَكُ هُوَ "العَمَلُ"، أَيْ كَمِيَّةُ العَمَلِ المُخْبَأَةِ فِي السِّلْعَةِ.
عِنْدَمَا نَتَبَادَلُ المِلْحَ بِالسُّكَّرِ، فَإِنَّ هَذَا التَّبَادُلَ يَعْكِسُ مُسَاوَاةَ كَمِيَّةِ العَمَلِ المَبْذُولِ فِي إِنْتَاجِ كُلٍّ مِنْهُمَا. فَالتَّبَادُلُ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لَيْسَ سِوَى مُبَادَلَةِ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ، تَخْتَلِفَانِ فِي الاِسْتِخْدَامِ وَتَتَمَاثَلَانِ فِي العَمَلِ المُسْتَهْلَكِ لِإِنْتَاجِهِمَا.
مع تَطَوُّرِ التَّبَادُلِ وَتَوَسُّعِ نِطَاقِهِ، نَشَأَتِ الحَاجَةُ إِلَى النُّقُودِ. بَدَايَةً ظَهَرَتِ النُّقُودُ السِّلْعِيَّةُ، ثُمَّ النُّقُودُ المَعْدِنِيَّةُ (كَالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ)، وَأَخِيرًا النُّقُودُ الوَرَقِيَّةُ. لِفَهْمِ النُّقُودِ بِشَكْلٍ أَعْمَقَ، يَجِبُ عَلَيْنَا دِرَاسَةُ ظَاهِرَةِ تَبَادُلِ السِّلَعِ، مِثْلَ تَبَادُلِ المِلْحِ بِالسُّكَّرِ.
عِنْدَمَا أُبَادِلُ كَمِّيَّةً مِنَ المِلْحِ بِكَمِّيَّةٍ مِنَ السُّكَّرِ، فَهَذَا يَعْنِي أَنَّنِي أَخَذْتُ المِلْحَ مِنْ شَخْصٍ آخَرَ مُقَابِلَ السُّكَّرِ الَّذِي أَعْطَيْتُهُ لَهُ. هَذَا التَّبَادُلُ لَا يَكُونُ مُمْكِنًا إِذَا كَانَ تَبَادُلُ مِلْحٍ بِمِلْحٍ أَوْ سُكَّرٍ بِسُكَّرٍ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَوَازُنٌ فِي العَمَلِ المَبْذُولِ لِإِنْتَاجِ كِلَا السِّلْعَتَيْنِ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّبَادُلِ يُعْرَفُ بِالمُقَايَضَةِ.
مَعَ تَقْسِيمِ العَمَلِ وَتَنَوُّعِ المُنْتَجَاتِ، اشْتَدَّتِ الحَاجَةُ إِلَى سِلْعَةٍ مَا لِتُؤَدِّي وَظِيفَةَ "النَّقْدِ" كَوَسِيلَةٍ لِتَبَادُلِ السِّلَعِ. هَكَذَا ظَهَرَتِ النُّقُودُ المَعْدِنِيَّةُ، وَكَانَتِ الذَّهَبُ هُوَ السِّلْعَةَ الَّتِي اتَّفَقَ الجَمِيعُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا كَوَسِيلَةٍ لِلتَّبَادُلِ لِأَنَّهَا تَحْتَفِظُ بِقِيمَتِهَا وَلَا تَتَلَفُ بِسُهُولَةٍ.
النَّقْدُ الذَّهَبِيُّ أَصْبَحَ مِقْيَاسًا لِقِيَمِ السِّلَعِ وَوَسِيلَةً لِتَبَادُلِهَا، وَكَذَلِكَ وَسِيلَةً لِلادِّخَارِ. عِنْدَمَا أُعْطِي شَخْصًا كَمِّيَّةً مِنَ السُّكَّرِ وَأَحْصُلُ مِنْهُ عَلَى ذَهَبٍ، يُمْكِنُنِي الِاحْتِفَاظُ بِهَذَا الذَّهَبِ لِشِرَاءِ سِلْعَةٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، مِمَّا فَصَلَ بَيْنَ عَمَلِيَّتَيِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَجَعَلَ الِادِّخَارَ أَكْثَرَ فَعَّالِيَّةً.
مَعَ تَطَوُّرِ التَّبَادُلِ التِّجَارِيِّ، تَحَوَّلَ النَّقْدُ الذَّهَبِيُّ إِلَى شَكْلِهِ الْوَرَقِيِّ، حَيْثُ أَصْبَحَتِ الْأَوْرَاقُ النَّقْدِيَّةُ تُمَثِّلُ الذَّهَبَ. بَدَأَ النَّاسُ فِي اسْتِخْدَامِ الْأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ فِي مُعَامَلَاتِهِمُ التِّجَارِيَّةِ لِثِقَتِهِمْ فِي الْجِهَةِ الْمُصْدِرَةِ لَهَا، وَالَّتِي كَانَتْ فِي الْبِدَايَةِ الْمَصَارِفَ، ثُمَّ أَصْبَحَ الْمَصْرِفُ الْمَرْكَزِيُّ هُوَ الْجِهَةَ الْوَحِيدَةَ الْمُخَوَّلَةَ بِإِصْدَارِ النُّقُودِ الْوَرَقِيَّةِ، مِمَّا أَضَافَ قُوَّةً مَالِيَّةً لِلدَّوْلَةِ إِلَى جَانِبِ قُوَّتِهَا السِّيَاسِيَّةِ.
الْآنَ عِنْدَمَا أُعْطِي شَخْصًا كَمِّيَّةً مِنَ السُّكَّرِ وَيَحْصُلُ مُقَابِلَهَا عَلَى أَوْرَاقٍ نَقْدِيَّةٍ، تُصْبِحُ الْعَلَاقَةُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ عَلَاقَةَ دَائِنٍ بِمَدِينٍ، حَيْثُ أَنَّنِي قَدَّمْتُ لَهُ سِلْعَةً وَلَمْ أَسْتَلِمْ سِلْعَةً مُقَابِلَهَا بَلْ أَوْرَاقًا نَقْدِيَّةً تُعَدُّ بِمَثَابَةِ صُكُوكِ دَيْنٍ. يُمْكِنُنِي اسْتِخْدَامُ هَذِهِ الْأَوْرَاقِ لِشِرَاءِ أَيِّ سِلْعَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ فِي بَلَدِي لِأَنَّ الْجَمِيعَ يَثِقُ بِالْجِهَةِ الْمُصْدِرَةِ لِهَذِهِ الْأَوْرَاقِ.
ظُهُورُ الأَوْرَاقِ النَّقْدِيَّةِ أَسَّسَ لِاقْتِصَادٍ مُوَازٍ لِلاقْتِصَادِ الحَقِيقِيِّ، حَيْثُ يُنْتَجُ وَيُتَدَاوَلُ السِّلَعُ الحَقِيقِيَّةُ. فِي هَذَا الاقْتِصَادِ المُوَازِي، لَا تُضَافُ سِنْتَاتٌ جَدِيدَةٌ لِلثَّرْوَةِ الحَقِيقِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ وَلَا تُفْقَدُ. فَقِيمَةُ العُمْلَةِ تَتَأَثَّرُ بِعَوَامِلِ العَرْضِ وَالطَّلَبِ، وَأَسْوَاقُ الأَسْهُمِ وَالسَّنَدَاتِ تُسَاهِمُ فِي خَلْقِ اسْتِثْمَارَاتٍ لَا تَعْكِسُ بِالضَّرُورَةِ زِيَادَةً فِي الثَّرْوَةِ الحَقِيقِيَّةِ.
عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، إِذَا اسْتَثْمَرْتَ مَبْلَغًا فِي الصِّنَاعَةِ فَإِنَّ الرِّبْحَ النَّاتِجَ يُضِيفُ إِلَى ثَرْوَةِ المُجْتَمَعِ الحَقِيقِيَّةِ، بَيْنَمَا إِذَا اسْتَثْمَرْتَ فِي الأَسْهُمِ، فَإِنَّ الرِّبْحَ يَكُونُ عَلَى حِسَابِ خَسَارَةِ مُسْتَثْمِرٍ آخَرَ. مِنْ هُنَا، يَأْتِي النُّمُوُّ الحَقِيقِيُّ لِثَرْوَةِ المُجْتَمَعِ مِنْ خِلَالِ إِنْتَاجِ السِّلَعِ وَالخَدَمَاتِ الَّتِي تُلَبِّي حَاجَاتِ الأَفْرَادِ وَالجَمَاعَاتِ.
لِتَوْضِيحِ الفَرْقِ الجَوْهَرِيِّ بَيْنَ الاسْتِثْمَارِ فِي الاقْتِصَادِ الحَقِيقِيِّ وَالاسْتِثْمَارِ فِي سُوقِ الأَوْرَاقِ المَالِيَّةِ، تَخَيَّلْ أَنَّكَ تَمْتَلِكُ مِلْيُونَ دُولَارٍ وَقُمْتَ بِاسْتِثْمَارِهَا إِمَّا فِي القِطَاعِ الصِّنَاعِيِّ أَوْ فِي سُوقِ الأَسْهُمِ. لِنَفْتَرِضْ أَنَّكَ حَقَّقْتَ رِبْحًا قَدْرُهُ مِئَتَا أَلْفِ دُولَارٍ مِنْ هَذَا الاسْتِثْمَارِ.
إِذَا كَانَ اسْتِثْمَارُكَ فِي القِطَاعِ الصِّنَاعِيِّ، فَإِنَّ هَذَا الرِّبْحَ يُمَثِّلُ إِضَافَةً حَقِيقِيَّةً إِلَى الثَّرْوَةِ الإِجْمَالِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ، حَيْثُ يُعَزِّزُ الإِنْتَاجَ وَالابْتِكَارَ. أَمَّا إِذَا اسْتَثْمَرْتَ فِي سُوقِ الأَسْهُمِ، فَإِنَّ هَذَا الرِّبْحَ لَا يُسَاهِمُ فِي زِيَادَةِ الثَّرْوَةِ العَامَّةِ، بَلْ يُعَادِلُ خَسَارَةً تَكَبَّدَهَا مُسْتَثْمِرٌ آخَرُ فِي السُّوقِ ذَاتِهِ، مِمَّا يَعْنِي أَنَّ الرِّبْحَ الإِجْمَالِيَّ يَظَلُّ ثَابِتًا دُونَ تَأْثِيرٍ حَقِيقِيٍّ عَلَى الثَّرْوَةِ الكُلِّيَّةِ.
وَفِي الخِتَامِ، الاتِّجَارُ بِالرُّمُوزِ المَالِيَّةِ لَا يُضِيفُ شَيْئًا إِلَى الثَّرْوَةِ الحَقِيقِيَّةِ لِلْمُجْتَمَعِ، لَكِنَّهُ يَشْتَمِلُ عَلَى أَرْبَاحٍ وَخَسَائِرَ لِلْمُسْتَثْمِرِينَ.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولما أشرق وجهك
- فلسفة أكسل هونيث!
- الديالكيك ...فهماً وتحليلاً!
- على ضفافِ طَيْفِكِ!
- فوز اليسار في فرنسا ...واقع وتحديات
- هل الوعي البشري هو الذي اخترع اللغة؟
- فلسفة جاك دريدا!
- فلسفة يورغن هابرماس وملاحظاتي عليها!
- مفاسِد تربوية وأخلاقية!
- واشنطن وموسكو.. صراعٌ لتبادُل المصالح!
- في فلسفة اللغة!
- الفلسفة العلمية مُركَّب كيميائي من كل العلوم!
- السياسة بين التَّفسيرين المثالي والواقعي!
- الانتخابات الأوروبية والديمقراطية المُزَيَّفة!
- في فلسفة الموت والحياة !
- طلّقها يا بني!
- فسادُ الكتابة!
- القيمة وأهميتها الإقتصادية عند ماركس!
- أسباب وأوجه الأزمة في تعريف -الحقيقة-!
- أحْكَم الناس في الحياة أناس علَّلوها، فأحسنوا التعليل!


المزيد.....




- إعلام الاحتلال: اليمن لديه خط إنتاج محلي لأسلحة فعالة من أجل ...
- الجزائر تتوج بالميدالية الذهبية في أولمبياد الرياضيات بإنجلت ...
- بعد حظر لعامين.. العراق يستأنف زراعة الأرز بسلالة جديدة
- الاتحاد الأوروبي يمدد عقوباته الاقتصادية على روسيا 6 أشهر إض ...
- مصر.. أكبر تراجع تاريخي في قيمة الدين الخارجي
- النزاهة ترصد فرقاً في تقدير أسعار بدل بيع عقارات في ذي قار
- السياحة المفرطة.. نعمة على الحكومات ونقمة على السكان المحليي ...
- الدولار المجمّد والمزور.. كيف تستدرج شبكاته ضحاياها في 3 دول ...
- التضخم في المغرب يرتفع إلى 1.8% على أساس سنوي
- عربيا.. العراق يحتل المرتبة الرابعة بإنتاج لحوم الدجاج


المزيد.....

- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى
- جذور التبعية الاقتصادية وعلاقتها بشروط صندوق النقد والبنك ال ... / الهادي هبَّاني
- الاقتصاد السياسي للجيوش الإقليمية والصناعات العسكرية / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - ادم عربي - الاقتصاد السياسي للنقود!