غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 20:13
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تربط الحاضرية الوجودية بين تجربة الفرد في اللحظة الراهنة والأحلام التي تكشف عن جوانب من كينونته وطريقة إدراكه للعالم وللذات. هذا التكامل بين الوجود والأحلام يكشف الكثير من الممارسات البشرية التي يمكن ارجاع أصولها وتأثيراتها الى بنى حلمية اتخذت ايديولوجيات اثرت في تطور الحضارة الإنسانية على مدى التاريخ. الأحلام تكشف جوانب من اللاوعي والتطلعات الباطنية للبشر، والتي غالباً ما تؤثر بشكل غير مباشر على سلوكهم وأنماط تفكيرهم في الواقع, بعض الأنظمة الفكرية والإيديولوجيات الكبرى في التاريخ كانت لها جذور في البنى الحلمية للأفراد أو المجتمعات، والتي انعكست على تطور الأديان, التفاعل بين الوجود والأحلام يكشف عن صعوبة الفصل التام بين الواقع الملموس والأبعاد التخيلية للوعي البشري، وهذا له آثار على كيفية فهمنا للتطور الحضاري, لفهم هذه العلاقات بشكل أعمق، هناك حاجة إلى تكامل مناهج علمية متعددة كعلم النفس والأنثروبولوجيا والتاريخ والفلسفة وغيرها, وفقًا للنظرة الحاضرية الوجودية للأحلام، هناك عدة طرق يمكن أن تساعد الأفراد في تطوير مهارات التفكير الإبداعي, تشجيع الوعي والمراقبة الذاتية, النظرة الوجودية تؤكد على أهمية الوعي الذاتي والمراقبة المستمرة للأحلام. هذا يساعد الفرد على إدراك أنماط التفكير والمشاعر المختلفة، مما يزيد من قدرته على التصور والإبداع، استكشاف اللاوعي والغموض، الوجوديون يشجعون على التعامل مع الجوانب غير المنطقية والغامضة في الأحلام. هذا يعزز قدرة الفرد على التفكير خارج الصندوق وتوليد أفكار جديدة وغير تقليدية، تشجيع الخيال والتخيل، النظرة الوجودية للأحلام تركز على استكشاف الإمكانات الكامنة والخيال الإبداعي، كل هذا يساعد الفرد على تخطي الحدود التقليدية للتفكير، الوجوديون يربطون الأحلام بتجارب الفرد الشخصية وسياقه الحياتي. هذا يساعد على إنشاء روابط إبداعية بين الأفكار المختلفة وإيجاد طرق فريدة للتعبير عن التجارب، النظرة الوجودية تؤكد على حرية الفرد في تفسير أحلامه وتحمل المسؤولية عنها. هذا يعزز الثقة بالنفس والقدرة على التفكير بطرق مستقلة وإبداعية. بشكل عام، النظرة الوجودية للأحلام توفر إطارًا فكريًا يساعد الأفراد على تطوير مهارات التفكير الإبداعي من خلال تشجيع الوعي الذاتي، استكشاف اللاوعي، تنمية الخيال، وتعزيز الاستقلالية والمسؤولية الذاتية، هناك دوافع غريزية كثيرة تحدد بعض سلوكيات الانسان وتدخل بالتالي في طريقة تفسيره للأحلام ومن هذه الدوافع، هي تلك الحاجات والرغبات الأساسية التي تنبع من طبيعة الإنسان كمخلوق حي، والتي تؤثر بشكل كبير على سلوكياته وتصرفاته في الحياة المعاصرة. من أهم هذه الدوافع والغرائز نجد:
الحاجة إلى الأكل والشرب:
تعد هذه الحاجة من أبرز الدوافع الحيوانية التي تحرك الإنسان للبحث عن الطعام والماء لإشباع جوعه وعطشه. وقد أدت الثورة الصناعية والتطور التكنولوجي إلى ظهور أنماط استهلاكية متطرفة أحياناً لإشباع هذه الرغبة.
الحاجة إلى النوم والراحة:
يحتاج الإنسان إلى قسط كاف من النوم والراحة لتجديد طاقته وحيويته. ولكن في عالم اليوم المليء بالضغوطات والالتزامات، أصبح من الصعب على الكثيرين تخصيص الوقت الكافي للراحة.
الغريزة الجنسية:
تعتبر هذه الغريزة من أقوى الدوافع التي تؤثر على سلوك الإنسان. وفي ظل الثورة الجنسية والانفتاح الإعلامي، أصبحت هذه الغريزة تأخذ أشكالاً متنوعة وأحيانًا متطرفة.
الحاجة إلى الأمن والحماية:
يسعى الإنسان دائمًا لتأمين بيئة آمنة له ولأسرته، وقد ظهرت العديد من السلوكيات المرتبطة بهذا الدافع مثل الاستثمار في أنظمة الأمن والحماية.
الحاجة إلى الانتماء والتواصل الاجتماعي:
يُعد الانتماء إلى جماعة والتواصل مع الآخرين من الحاجات الأساسية للإنسان. وقد ساهمت التقنيات الحديثة في إيجاد أنماط تواصل جديدة، إلا أنها أحياناً تحد من التفاعل المباشر.
كان الانسان حتى في طبيعته البدائية كان يحتاج الى الراحة والنوم وكان يحلم، ينظر إلى الحلم باعتباره تجربة روحية وفوق طبيعية، ويُعتقد أنه يربط الإنسان بعالم الأرواح والقوى الخفية، اعتبر الإنسان البدائي الحلم وسيلة للاتصال بالعالم الآخر والتنبؤ بالمستقبل، كان يفسر أحلامه باعتبارها رسائل من الآلهة أو الأرواح، وكان الحلم يلعب دوراً مهماً في طقوس العبادة والشعائر الدينية عند الإنسان البدائي، هكذا اعتبر الحلم جزءاً من الواقع الروحي والسحري للإنسان البدائي.
الإنسان المعاصر
ينظر الإنسان المعاصر إلى الحلم باعتباره ظاهرة نفسية تحدث أثناء النوم وتعكس الرغبات والمكبوتات في اللاوعي، تطورت نظرة الإنسان المعاصر للحلم مع ظهور علم النفس وأبحاث فرويد وغيره، فأصبح ينظر إليه كوسيلة لفهم الذات والوصول إلى اللاوعي، يستخدم الإنسان المعاصر تفسير الأحلام كوسيلة للتنبؤ بالمستقبل أو فهم الماضي، ولكن بشكل أكثر عقلانية من النظرة البدائية، على الرغم من التطور العلمي، لا يزال للحلم بُعد روحي وعاطفي عند الإنسان المعاصر في بعض الحالات. ويمكن القول إن الحلم انتقل من كونه تجربة روحية إلى كونه ظاهرة نفسية عند الإنسان المعاصر، ولكن لا تزال له دلالات رمزية وعاطفية لا يمكن إنكارها. كانت هناك العديد من التفسيرات الأنثروبولوجيا لظاهرة الحلم لدى الإنسان البدائي:
التفسير الميتافيزيقي
في الثقافات البدائية، كان الناس يعتقدون أن الأحلام هي انفصال مؤقت للروح عن الجسد أثناء النوم، الأحلام تُعتبر وسيلة للتواصل مع العالم الروحي والقوى الخفية.
التفسير الاجتماعي
الأحلام كانت تُستخدم في المجتمعات البدائية لتعزيز التماسك الاجتماعي والروابط الأسرية، الأحلام كانت تُشارك في طقوس وممارسات دينية واجتماعية مهمة.
التفسير النفسي
الأحلام كانت تُعتبر وسيلة للتعبير عن الرغبات والمخاوف المكبوتة لدى الفرد، الأحلام كانت تُساعد في معالجة الصدمات النفسية والضغوط الاجتماعية.
التفسير الوظيفي
الأحلام كانت تُستخدم في المجتمعات البدائية للتنبؤ بالمستقبل والتخطيط للنشاطات اليومية، الأحلام كانت تُساعد في تطوير المهارات الصيد والزراعة والاستكشاف.
هذه تفسيرات الأنثروبولوجيا توضح كيف كان الإنسان البدائي ينظر إلى ظاهرة الحلم وكيف استفاد منها في حياته اليومية والمعتقدات الثقافية والدينية لديه، كان الانسان يعتبر الحلم حقيقة تكون متحققة في الحياة الواعية لذا يتخذ اجراءات بناء على هذه الحقيقة، هذه نقطة مهمة جداً في فهم تفسير الإنسان البدائي للأحلام. من خلال أبحاث الأنثروبولوجيا، تبين أن الإنسان البدائي كان ينظر إلى الأحلام على أنها حقائق ملموسة وليست مجرد أوهام أو خيالات. في العديد من المجتمعات البدائية، كان الناس يعتقدون أن الأحلام تعكس حقائق موجودة في عالم آخر أو في مستوى روحاني أسمى. لذلك، كان الإنسان البدائي يعتبر أن ما يراه في الأحلام هو نوع من الواقع المتصل بالعالم الآخر أو بالقوى الخفية، وبناءً على ذلك، كان الناس في هذه المجتمعات يتخذون إجراءات وقرارات حياتية مهمة بناءً على ما يرونه في أحلامهم. فالأحلام كانت تُعتبر إشارات من العالم الآخر أو من القوى الخفية توجه سلوك الإنسان البدائي وتساعده في اتخاذ القرارات الحياتية الصحيحة، هذا الاعتقاد بواقعية الأحلام وارتباطها بالعالم الروحي أو الميتافيزيقي كان له تأثير كبير على ثقافة وممارسات المجتمعات البدائية في ذلك الوقت. هناك آثار أو بقايا لهذا الاعتقاد بواقعية الأحلام في الثقافات والممارسات المعاصرة، لا تزال آثار هذا الاعتقاد بواقعية الأحلام موجودة في بعض الثقافات والممارسات المعاصرة، على الرغم من التطور العلمي والثقافي الذي طرأ على فهم الأحلام:
في بعض الثقافات الأصلية والشعوب البدائية:
لا تزال هناك مجتمعات في أجزاء من العالم، كالشعوب الأصلية في أمريكا اللاتينية والشعوب الإفريقية والأسترالية الأصلية، تعتبر الأحلام وسيلة للاتصال بالعالم الروحاني والقوى الخفية. لذلك، لا تزال الأحلام تلعب دوراً مهماً في الممارسات الدينية والطقوسية لدى هذه الشعوب.
في علم النفس التحليلي:
نجد أن علماء النفس مثل سيغموند فرويد وكارل يونغ قد أعادوا إحياء فكرة واقعية الأحلام، حيث اعتبروها وسيلة للوصول إلى اللاشعور والبناء النفسي للإنسان.
في الأدب والفنون:
تظهر فكرة واقعية الأحلام في الأعمال الأدبية والفنية التي تستخدم الأحلام كمنطلق لخلق عوالم فانتازية وسريالية.
في بعض الممارسات الروحية والشفائية:
ما زال هناك من يعتبر الأحلام وسيلة للاتصال بالعالم الروحاني والحصول على إرشادات وتنبؤات للحياة, على الرغم من التقدم العلمي في فهم طبيعة الأحلام، إلا أن فكرة واقعية الأحلام لا تزال موجودة في بعض الثقافات والممارسات المعاصرة بشكل محدود.
تاثير الوجود على السلوك والاحلام التي يمكن ان تسير بعض السلوكيات الوجودية , يكمن تفسير تأثير الأحلام على السلوكيات الوجودية بشكل فلسفي من خلال المنظور الوجودي الحاضري:
فكرة الوعي والواقع:
الفلسفة الحاضرية الوجودية ترى أن الفرد هو من يحدد طبيعة الواقع من خلال وعيه وإدراكه. الأحلام في هذا السياق تُعد جزءًا من هذا الواقع الذي يُشكله الفرد بوعيه.
التفاعل بين الوجود والوعي:
وفقًا للفلسفة الوجودية، يؤثر الوجود على الوعي والإدراك، والعكس صحيح. فالأحلام بوصفها جزءًا من الوعي والتجربة الذاتية للفرد، تؤثر بدورها على سلوكه وطريقة وجوده في العالم.
الحرية والمسؤولية:
الوجودية تؤكد على حرية الفرد في اختيار طريقة وجوده وتحمل المسؤولية عن ذلك. الأحلام في هذا السياق يمكن أن تكون مصدرًا لإلهام وإثارة تؤثر على قرارات الفرد وسلوكياته الوجودية.
الأصالة والتأصيل:
الوجودية تدعو إلى الأصالة والتأصيل في الوجود، أي أن يكون الفرد صادقًا مع ذاته. الأحلام قد تكشف جوانب مكبوتة أو مكتشفة في ذات الفرد تؤثر على سلوكه الأصيل.
الوجود والمعنى:
الوجودية تبحث عن معنى الوجود الإنساني. الأحلام قد تكون وسيلة للفرد للبحث عن هذا المعنى وتوجيه سلوكه الوجودي نحوه، بشكل عام، يمكن القول إن الفلسفة الوجودية الحاضرية ترى في الأحلام انعكاسًا للوعي والوجود الإنساني، ما يجعلها مؤثرة على السلوك الوجودي للفرد وطريقة وجوده في العالم.
وفقًا للفلسفة الوجودية، يمكن أن تساعد الأحلام الفرد في تحقيق الأصالة والتأصيل في الوجود على عدة مستويات:
الكشف عن الذات:
الأحلام غالبًا ما تكشف جوانب مكبوتة أو مخفية من شخصية الفرد وذاته. هذا الكشف يمكن أن يساعد الفرد في التعرف على ذاته بشكل أعمق وأصيل.
استكشاف الرغبات والدوافع:
الأحلام قد تعكس الرغبات والدوافع الحقيقية للفرد، والتي قد تكون مختلفة عما يظهره في حياته اليومية. فهم هذه الرغبات والدوافع يساعد الفرد في التأصيل في وجوده.
إعادة التقييم والتأمل:
الأحلام يمكن أن تدفع الفرد إلى إعادة تقييم قناعاته وتصوراته عن ذاته وعن العالم. هذا التأمل والتقييم يساعده في العودة إلى جوهره الحقيقي وتأصيل وجوده.
الإلهام والإبداع:
الأحلام قد تكون مصدرًا للإلهام والإبداع لدى الفرد، مما يساعده في التعبير عن ذاته بطريقة أصيلة وفريدة.
الشجاعة والاستبصار:
مواجهة الأحلام وفهمها يتطلب من الفرد الشجاعة والاستبصار، وهما سمتان أساسيتان في تحقيق الأصالة والتأصيل الوجودي.
في النهاية، تتيح الأحلام للفرد فرصًا للكشف عن ذاته والغوص في داخله، مما يساعده في اتخاذ قرارات وسلوكيات أكثر أصالة وتأصيلًا في وجوده,منها التأمل والتفكير العميق, المراجعة الذاتية المنتظمة,الاستماع إلى صوتك الداخلي الوعي بالسياق والتأثيرات الخارجية,كما كانت مصدر الهام للكثير من الأفكار على مدى التاريخ الإنساني, هناك أبحاث تناولت بالفعل كيفية تأثير الأحلام على الممارسات الدينية في مختلف الثقافات والتقاليد الدينية. وهذا مجال بحثي مهم لفهم الصلة الوثيقة بين الأحلام والتجربة الدينية.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟