|
أصل الحياة
حازم كويي
الحوار المتمدن-العدد: 8044 - 2024 / 7 / 20 - 14:21
المحور:
الطب , والعلوم
البروفيسور د. راينر شيمنغ* ترجمة:حازم كويي
قبل 100 عام، نشر عالم الكيمياء الحيوية الروسي السوفييتي ألكسندر أوبارين نظريته عن أصل الحياة. حجر، سرطان البحر، لعبة مصنعة فنياً– من الواضح أن هذه الأشياء تختلف بشكل كبير عن بعضها البعض. إنهم ينتمون إلى ثلاثة عوالم للواقع، أطلق عليها الفلاسفة أيضاً اسم "الطبقات" (نيكولاي هارتمان) أو "الأشكال الحركية" (فريدريك إنجلز) أو تسمية اخرى، أي الطبيعة الجامدة، والطبيعة الواعية، والإنسان (الإنسان بقدر مايتجاوز الطبيعة). الطبقات هي أيضاً مراحل التطور في الكون. وعلى الرغم من المعرفة المتراكمة حتى الآن،فإن التحولات بين المراحل لاتزال لغزاً. قبل 100 عام، تم تقديم نظرية عن أصل الحياة على الأرض تفي بالمعايير العلمية لأول مرة. فقد نشرأوبارين (1894-1980) في كتابهِ "أصل الحياة" (باللغة الروسية) عام 1924، وظهرت لها ترجمة بالإنكليزية في عام 1936، وبالألمانية عام 1957. في كتاباته اللاحقة، شرح أوبارين نظريته بمزيد من التفصيل، ومع توضيح ذلك باستخدام مصطلحات اليوم. بدأ التطور ذو الصلة منذ حوالي أربعة مليارات سنة، عندما بردت الأرض المُبكرِة بدرجة كافية لبقاء الماء السائل على السطح. وكان الغلاف الجوي في ذلك الوقت يتكون من الهيدروجين وبخار الماء والميثان والأمونيا وثاني أوكسيد الكربون وغازات أخرى بكميات أقل، لكنه لم يكن يحتوي على أي أوكسجين. تسبب الإشعاع الشمسي والبراكين والنيازك والتفريغ الكهربائي في تدفقات طاقة قوية. أصبح الغلاف الجوي للأرض مفاعلاً كيميائياً كبيراً. حيث تمطر منتجات هذاالتفاعل على السطح. تتم العمليات الكيميائية التي تؤدي إلى تكوين المادة الحية في المحاليل المائية. كان أوبارين يفكر في "المحيط البدائي"، ولكن يمكن أيضاً أخذ المسطحات المائية الأخرى في الاعتبار. عززت المعادن الذائبة والأسطح المعدنية التفاعلات. من هذا الخليط من المواد، ظهرت في البداية مركبات عضوية بسيطة، ثم أصبحت متزايدة التعقيد، وأخيراً اللبنات الأساسية للحياة: البروتينات، والحمض النووي الريبوزي، ويُسمى اختصاراً (RNA)وهو( جزئ حيوي يتواجد تقريباً لدى كل الكائنات الحية والفيروسات، كما يلعب أدواراً متعددة في نقل وفك التشفير وتنظيم التعبير عن المعلومات الوراثية وتحفيز العديد من التفاعلات الكيميائية). والحامض النووي(DNA)وهو (من أهم الأحماض النووية التي تُشكِّل إلى جانب كل من البروتينات والليبيدات والسكريات المتعددة الجزيئات الضخمة الأربعة الضرورية للحياة). وفي مرحلة حاسمة، تعمل الفقاعات الصغيرة العائمة في الماء - التي يُطلق عليها أوبارين اسم [coacervatus = مكدسة معاً]، هياكل تشبه القطرات، تنشأ تلقائياً في أنظمة مكونة من 2 أو 3 غرويات مختلفة (غروية) من المواد الجزيئية الكبيرة في محلول مائي)ـ كمفاعلات مُصغرة ومستودعات مُصغرة. تعرف الكيمياء العضوية في الواقع الفقاعات ذات الخصائص التي يفترضها أوبارين. بالفعل في مرحلة ما قبل البيولوجية من Cocervates، حدث التطور وفقاً لقواعد داروين - مُختصرة إلى الانتقاء الطبيعي. التطور الكيميائي سبق التطور البيولوجي. ولتوضيح الأمر: أجرت الطبيعة عدداً لا يمكن تصوره من "التجارب"، ولم يساهم سوى جزء صغير منها في ظهور الحياة. كان ظهور الحياة من مادة غير حية هو الموضوع الرئيسي لأوبارين. درس عالم الأحياء والكيمياء الحيوية وعمل في جامعة موسكو منذ عام 1912. أعطته وظائفه المختلفة وإداراته وغيرها، الحرية الكافية للقيام بذلك. وتوسعت آفاقه عند إقامته في الخارج. منذ عام 1934 كان أوبارين عضواً في اكاديمية العلوم السوفيتية، ومن عام 1937 أستاذاً للكيمياء الحيوية. حاصلاً على العديد من الأوسمة، ومنذ عام 1956كان عضواً في (الأكاديمية الوطنية الألمانية للعلوم ليوبولدينا) التي تأسست عام 1652. وأيضاً في أكاديمية العلوم في برلين منذ عام 1966. التجارب المؤكدة. حظيت نظرية أوبارين بإهتمام مُتأخر في الخارج، تم أيضاً إكتشاف الميزات الأساسية مرة أخرى بشكل مستقل. وينطبق هذا بشكل خاص على عالم الأحياء الإنكليزي المتنوع جون بي إس هالدين (1892-1964) وكتابه الصادر عام 1929 بعنوان "أصل الحياة". أعترف لاحقاً بأولوية أوبارين. وجاء التأكيد أيضاً من الكيميائي الأمريكي هارولد سي.أوري (1893-1981)، ومن بين أشياء أخرى في كتابه الذي صدر عام 1952 بعنوان "الكواكب". أجرى أوري بصفته مُنشئ الفكرة وزميله ستانلي ميلر (1930-2007) بصفته المُمارس للتجربة الشهيرة التي سميت باسمهما عام 1953، والتي كانت تهدف إلى إعادة إنشاء العمليات التي حدثت على الأرض المبكرة. يبدو الإعداد التجريبي لتجربة ميلر- يوري كما يلي: وعاء زجاجي كبير يحتوي على الهيدروجين والميثان والأمونيا، وفي بعض الأحيان يحتوي أيضاً على أول أوكسيد الكربون أو ثاني أوكسيد الكربون و/أو النيتروجين، ولكن بدون الأوكسجين. يتم توصيل دائرة المياه إلى وعاء التفاعل؛ يتبخر الماء ويتكثف بالتناوب. وأخيراً، يوجد قوس في مساحة رد الفعل يحاكي عاصفة رعدية. تجاوزت النتيجة توقعات المُجربين: تم العثور في النهاية على العديد من المركبات العضوية - الأحماض الألكانوية والأحماض الأمينية وغيرها الكثير، في الوعاء. تكررت تجارب نوع ميلر- يوري لاحقاً، وتنوعت. فقد كانوا دائماً متوافقين مع سيناريو أوبارين-هالدين. هذا النموذج لا يزال قائماً حتى يومنا هذا. تم ملء الثغرات وإستكشاف التفاصيل. إلا أن الآراء تختلف حول المشهد الذي نشأت فيه الحياة. ويجري النظر في المحيطات وبرك المد والجزر وغيرها من المواقع. وهناك مرشح محدد هو ما يسمى بالنقاط الساخنة في أعماق البحار - وهي شقوق في الأرض ناجمة عن النشاط البركاني الذي تخرج منه الغازات الساخنة والمعادن. يتأثر النقاش اليوم بحقيقة أن إمكانية الحياة على الأجرام السماوية الأخرى أصبحت أكثر واقعية. من وجهة النظر هذه، من المُلاحظ أن عالم الأحياء على الأرض مُتجانس إلى حد ما. تنوع الكائنات الحية أكثر خارجية. من الناحية الكيميائية الحيوية والوراثية، جميع أبناء الأرض متشابهون تماماً مع بعضهم البعض. يذهب المرء إلى حد إفتراض "سلف" واحد، لقد تم إعطاؤه بالفعل اسماً: لوكا. وهذا يعني "آخر سلف مشترك عالمي". إذا كان لوكا موجوداً، فهو بكتيريا أو ميكروب مشابه (ليس فرداً، بل مجموعة سكانية). النيازك بإعتبارها هي التي جلبت الحياة. يقول بعض الباحثين إنه كان من الممكن أن يكون الأمر مختلفاً تماماً. ربما لم تنشأ الحياة (أو لم تنشأ فقط) على الأرض، لكن جراثيم الحياة سقطت من الفضاء على كوكبنا وبدأت بالتطور البيولوجي هناك. علاوة على ذلك، ربما لا تكون الهجرة الكونية لجراثيم الحياة حدثاً فردياً، ولكنها عملية طبيعية واسعة النطاق تسمى التبذر الشامل. وتستند هذه الفرضية أيضا على الحقائق. الأجسام الصغيرة (مُصطلح جماعي لكل شيء من الغبار إلى الصخور إلى الكويكبات والمُذنبات) تسافر في نظامنا الشمسي، أحياناً تخرج منه، وأحياناً تسقط على جسم سماوي (كوكب أو قمر). يمكنها نقل جراثيم الحياة - أي الجراثيم أو الكائنات الحية في حالة راحة وإنتظار، تسمى الكمون. وقد ثبت أن بعضها قادر على البقاء على قيد الحياة أثناء السفر إلى الفضاء، خاصة عندما تكون محمية بالمواد المحيطة. تقوم النيازك بشكل مُتقطع بضرب قطع من جسم سماوي، والتي يمكن أن تصل بعد ذلك إلى سرعة الإفلات. على سبيل المثال، تم العثور على قطع من الصخور من المريخ على الأرض. وبهذه الطريقة، يمكن لجراثيم الحياة أن تنتقل من جرم سماوي إلى آخر. وعلى عكس كل التوقعات، يمكن أن تحدث تفاعلات كيميائية عضوية على أجسام صغيرة في الفضاء البارد. تم إكتشاف العديد من المركبات العضوية على الكويكبات والمُذنبات، بما في ذلك العديد منها المعروفة من الكيمياء الحيوية. الأوبئة التي تسببها الجراثيم الغريبة. كان الكيميائي الفيزيائي السويدي الشهير سفانتي أرينيوس (1859-1927) ممثلاً بارزاً لفرضية التبذر الشامل. في كتابه الذي صدر عام 1908 بعنوان "صنع العوالم"، يصورPanspermie (Panالتي تعني «جميع» و spermie التي تعني «البذور») وهي فرضية تقول بأن «بذور» الحياة موجودة في جميع أرجاء الكون، وأن الحياة على الأرض من الممكن أنها قد أتت من تلك «البذور», وأنه من الممكن أن هذه البذور قد نَبتت بالفعل في بعض الكواكب)، مشدداً على الضغط الإشعاعي من الشمس (أو نجم آخر) كسبب للحركة. أصبح عالما الفيزياء الفلكية فريد هويل (1915-2001) وشاندرا ويكراماسيغي (من مواليد 1939) أكثر تحديداً، أنها توفر صلة بين علم الأوبئة وPanspermie. وهم يعتقدون أن الأوبئة العالمية تنجم بشكل متكرر عن مسببات الأمراض التي تصل إلى الأرض من الفضاء. إن ما يسمى بـ transspermia هو نسخة أضعف من panspermia، أي هجرة جراثيم الحياة بين الأجرام السماوية المجاورة. المريخ والأرض مُرشحان جديان لذلك. الحياة على الأرض يمكن أن تأتي من المريخ. هناك سببان لذلك: يعتقد بعض الباحثين أن آثار الحياة تظهر فجأة نسبياً في تأريخ الأرض - بقدر ما يمكن إعادة بنائها - كما لو لم يكن لها أسلاف على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، من الممكن أن تكون الحياة قد ظهرت على المريخ في وقت أبكر بكثير من ظهورها على الأرض. ولأنه برد بشكل أسرع كونه أصغر بكثير من الأرض، فقد وفر ظروفاً مواتية للحياة، وخاصة الماء والغلاف الجوي الذي كان أكثر كثافة مما هو عليه اليوم. وبطبيعة الحال، فإن panspermia و transspermia يؤجلان المشكلة الأساسية فقط، فهي لا تشرح كيف نشأت الحياة في الأصل. إذا كنت تعتمد على مثل هذا البديل، فسيتم إعادة السؤال الكبير إلى البداية.
*البروفيسور د. راينر شيمنغ: مدرس الرياضيات في جامعة گرايسفالد الألمانية، له أبحاث في مجالات الفيزياء الرياضية والهندسة التفاضلية وعلم الأحياء الرياضي. مُنذ تقاعده عام 2010 تحول إلى الفلسفة.
#حازم_كويي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بدون السلام كل شئ لاشئ. تحديات اليسار الاشتراكي
-
التغيرات المناخية المتطرفة
-
إنتصار الطبيعة على الرأسمالية.
-
تصاعد دور ونمو الحزب الشيوعي النمساوي.
-
مساعدات التنمية في السودان: مطرقة التقشف القاتلة
-
دراسة: الإنفاق على الأسلحة النووية زاد بمقدار الثلث خلال خمس
...
-
الصين. الجميع يشعرون بالتهديد من خلال التسلح.
-
مثل رعاة البقر في البراري.
-
من يُصوت لليسار؟
-
محاولات الهيمنة الأميركية.
-
تجارة الأسلحة تزدهر بفضل الحرب والأزمات.
-
الثقة المفقودة والقوة العكسرية ليست كل شئ.
-
المستقبل وأدواته الجديدة لإيقاف كوارث الحروب والمناخ.
-
رؤية يسارية للأقتصاد المخطط .
-
النفايات البلاستيكية خطر يهدد الحياة على كوكبنا
-
الدوران الانقلابي في المحيط الأطلسي على وشك الوصول إلى نقطة
...
-
البرازيل: تغييرات ديمقراطية وتصاعد دورها الدولي.
-
أهمية المحيطات بالنسبة للمناخ وبقاء البشرية. والاستهانة بها
...
-
من يصوت لليمين المتطرف في أمريكا اللاتينية؟
-
رياح الحزب الشيوعي النمساوي القادمة. ومن أجل المزيد لمقاومة
...
المزيد.....
-
أضرار المضادات الحيوية دون استشارة الطبيب.. إنفو جراف
-
أسهم شركات التكنولوجيا تهبط بمؤشر -نيكي- الياباني
-
وفاة جون بريسكت نائب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بعد معركة طو
...
-
تغييرات تساعد على الوقاية من الإصابة بمرض السكري
-
6 أشياء يجب فعلها حال تجاوز وزن طفلك الحد الطبيعى
-
ما هي المشروبات التي تساعد في تخفيف آلام الدورة الشهرية؟
-
عبارات جميلة عن بداية عام 2025
-
7 طرق منزلية للتخلص من الرشح ونزلات البرد
-
كلمات حزينة ومؤلمة عن سنة 2024
-
تفسير رؤية قطة تقف على كتفي في المنام
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|