أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - موقع 30 عشت - الحلقة الخامسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية















المزيد.....



الحلقة الخامسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية


موقع 30 عشت

الحوار المتمدن-العدد: 8043 - 2024 / 7 / 19 - 00:19
المحور: القضية الفلسطينية
    


يقدم موقع 30 غشت الحلقة الخامسة (ما قبل الأخيرة) من دراسة بعنوان "القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية".

محاور الحلقة الخامسة
IV - وثائق الثورة الفلسطينية
الوثيقة الأولى
الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية (1968)
في التعريف بفلسطين:
تعريف الصهيونية من طرف منظمة التحرير الفلسطينية
الوثيقة الثانية
مشروع قرار مقترح على المجلس الوطني الفلسطيني السادس (القاهرة، شتنبر 1969)
الوثيقة الثالثة
من أجل دولة ديموقراطية في فلسطين
1 ـــ التراب الوطني
2 ـــ المكونات
3- الإيديولوجيا
الوثيقة الرابعة
بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
الوثيقة الخامسة
نحو حل ديموقراطي للمسألة الفلسطينية
الوثيقة السادسة
الأرضية المشتركة للمجلس الوطني الفلسطيني السابع مايو 1970
الوثيقة السابعة
فتح: الثورة الفلسطينية واليهود (1970)
V- ملحق
الماركسية الفلسطينية، من أين أتت وإلى أين تسير. ماهر الشريف
ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ
الحلقة الخامسة
ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية
IV - وثائق الثورة الفلسطينية
الوثيقة الأولى
الميثاق الوطني الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية (1968)
الوثيقة عبارة عن توافق، بين مختلف القوى السياسية الفلسطينية، لم يكن جذريا، وطرح تصورا لتحرير فلسطين وطنيا و دولتيا، و مما جاء فيه:
في التعريف بفلسطين:
1) فلسطين جزء من الشعب العربي الفلسطيني، جزء لا يتجزأ من الوطن العربي الكبير، والشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية.
2) فلسطين في حدود الانتداب البريطاني تشكل كيانا ترابيا لا يتجزأ.
3) وحده الشعب الفلسطيني له الحقوق الشرعية على وطنه، وبعد تحرير وطني سيمارس حقه في تقرير المصير حسب متمنياته وإرادته وحدها.
4) الهوية الفلسطينية ميزة أصيلة ومتأصلة ودائمة تنتقل من الآباء إلى الأبناء، لا الاحتلال الصهيوني ولا شتات الشعب العربي الفلسطيني الناتج عن الآلام التي عاناها، بإمكانها مسح هذه الهوية الفلسطينية.
5) الفلسطينيون هم المواطنون العرب المقيمين بشكل عادي بفلسطين حتى 1947، سواء فرض عليهم التهجير أو بقوا على أرضهم، كل شخص ولد بعد هذا التاريخ من آباء فلسطينيين، سواء في فلسطين أو خارجها فهو فلسطيني.
6) اليهود المقيمون بشكل عادي في فلسطين حتى حدود بداية الغزو الصهيوني فهم فلسطينيون.
8) الشعب الفلسطيني يجتاز حاليا فترة نضال وطني من أجل تحرير وطنه، لهذا السبب فالاختلافات بين القوى الوطنية الفلسطينية يجب أن توضع في المستوى الثاني، وإعطاء الأولوية للتناقض الأساسي، الذي يوجد من جهة، بين الصهيونية والامبريالية، ومن جهة أخرى الشعب العربي الفلسطيني.
تعريف الصهيونية من طرف منظمة التحرير الفلسطينية
الفصل 22
"الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويا بالإمبريالية العالمية، وتعارض كل عمل تحرري، وكل حركة تقدمية في العالم، إنها عنصرية متطرفة بطبيعتها، عدوانية وتوسعية واستعمارية في أهدافها، وفاشية في وسائلها، وإسرائيل هي أداة الحركة الصهيونية، والقاعدة الجغرافية للإمبريالية العالمية، متموقعة استراتيجيا في قلب الوطن العربي، من أجل محاربة آمال الأمة العربية من أجل تحررها و وحدتها وتقدمها.
إن إسرائيل هي مصدر دائم يهدد السلام في الشرق الأوسط، وفي العالم كله، وبما أن تحرير فلسطين سيقضي على الوجود الصهيوني والامبريالي، ويساهم في تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فإن الشعب الفلسطيني يبحث عن دعم كل القوى التقدمية والمحبة للسلام في العالم، ويدعوها باستمرار، بغض النظر عن انتسابها ومعتقداتها لتقديم المساعدة والدعم للشعب الفلسطيني في نضاله العادل من أجل تحرير وطنه".
(القرارات المتخذة من طرف المجلس الوطني الفلسطيني من 1 إلى 17 يوليوز 1968).
الوثيقة الثانية
مشروع قرار مقترح على المجلس الوطني الفلسطيني السادس (القاهرة، شتنبر 1969)
ميزة هذا المشروع، نقده للمفاهيم والتصورات العنصرية والشوفينية، التي كانت تحملها بعض التيارات الفلسطينية، ويتطرق المشروع لمستقبل النضال السياسي فيما يخص العلاقة مع اليهود، وقد كان المشروع بمثابة كابوس بالنسبة للصهاينة وللأنظمة العربية الرجعية.
بعد هزيمة 1948، حافظت المنظمات الفلسطينية والأنظمة العربية على نفس الحلول الشوفينية والعنصرية (رمي اليهود في البحر، ذبح اليهود).
بعد هزيمة 1967، انهارت كل النداءات الشوفينية لتترك مكانها للحلول الامبريالية الرجعية القائمة على "الاعتراف بإسرائيل في حدود آمنة".
المجلس الوطني الفلسطيني، انطلاقا من الطموحات الديموقراطية للشعب الفلسطيني، يقرر:
- رفض الحلول الشوفينية الفلسطينية والعربية القائمة، سواء قبل أو بعد يونيو 1967، والداعية إلى ذبح اليهود ورميهم في البحر، وكذلك رفض الحلول الرجعية القائمة على القبول بدولة إسرائيل في حدود آمنة ومعترف بها حسب القرار الشهير ل 22 نونبر. كل هذه الحلول تتعارض مع حقوق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه، وتقوم بغرس دولة رأسمالية عنصرية توسعية بالشرق الأوسط مرتبطة بالرأسمالية العالمية المعادية لحركات التحرر الفلسطيني والعربي، ولقوى التحرر والاشتراكية في العالم.
- النضال من أجل حل ديموقراطي شعبي للمسائل الفلسطينية والإسرائيلية، ويقوم على إلغاء الواقع الصهيوني المجسد عبر مجموعة المؤسسات الدولتية (الإدارة، البوليس والجيش) وحل كل المنظمات السياسية والنقابية الشوفينية والصهيونية، وخلق سلطة ديموقراطية وشعبية في فلسطين، حيث يتعايش اليهود والعرب بدون تمييز ولا اضطهاد وطني أو طبقي. إن هذا الحل الديموقراطي قادر على تحرير العرب واليهود من كل الإيديولوجيات الصهيونية والعربية، إن هذا الحل سيحول المنطقة إلى قاعدة ثورية تشكل جزءا من الثورة العالمية.
الوثيقة الثالثة
من أجل دولة ديموقراطية في فلسطين
إن هذا النص هو الأكثر اكتمالا وتفصيلا، وهو قرار ل "الاتحاد العام للطلبة الفلسطينيين"، وقد تم التصويت عليه سنة 1970. ومعلوم أن هذه النقابة كانت رأس رمح اليسار الفلسطيني، وهو نص أكثر وضوحا، يقوم بتحديد معنى مشروع "فلسطين الديموقراطية"، وذلك ضمن أفق سياسي واجتماعي تحرري، يقوم على قاعدة نضال التحرر الوطني.
1-التراب الوطني:
إن فلسطين الجديدة التي تمت مناقشتها هنا، ليست الضفة الغربية لنهر الأردن المحتلة أو قطاع غزة ،أو هما معا، إنهما منطقتان محتلتان من طرف الإسرائيليين منذ 1967، إن وطن الفلسطينيين، الذي تم الاستيلاء عليه واستعماره سنة1948، ليس أقل أهمية من الجزء المحتل سنة1967، من جهة أخرى، فإن وجود دولة عنصرية ومضطهدة (إسرائيل) قائمة على المغادرة والهجرة المفروضة على جزء من مواطنيها لا يمكن قبوله من طرف الثورة، ولو تعلق الأمر بقرية صغيرة فلسطينية، فكل توافق لصالح الدولة الاستعمارية والعدوانية مرفوض، ولا يمكن له أن يستمر، وليس من أمر دائم سوى سكان فلسطين اليهود والمسيحيون والمسلمون في بلد يدمجهم جميعا.
2-المكونات:
كل اليهود أو المسلمين والمسيحيين، اللذين يعيشون في فلسطين أو منفيين بالقوة لهم الحق في المواطنة الفلسطينية. إن هذا المبدأ يضمن لكل الفلسطينيين المنفيين العودة إلى وطنهم، سواء ولدوا في فلسطين أو المنفى، ومهما تكن جنسيتهم الحالية، وهذا يعني كذلك أن كل اليهود الفلسطينيين حاليا، هم إسرائيليون، لهم نفس الحقوق بطبيعة الحال بشرط رفضهم الشوفينية الصهيونية والعنصرية، ويقبلون بالكامل أو يعيشوا كفلسطينيين في فلسطين الجديدة.
إن الثورة ترفض المبدأ الذي حسبه فقط، اليهود اللذين كانوا يعيشون بفلسطين قبل 1948 أو قبل 1914، وأحفادهم، وحدهم يقبلون. بعد كل هذا، فديان و آلون قد ولدوا في فلسطين قبل 1948، وهم، وكذلك الكثير من زملائهم، هم صهاينة عنصريون ليست لهم صفة الفلسطيني.
3- الإيديولوجيا:
إن الفلسطينيين خلال نضال تحررهم، ولحظة تحررهم، يقررون نظام الحكم والتنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لوطنهم المحرر (نذكر هنا أن مصطلح فلسطين يضم الفلسطينيين العرب المنفيون، أو أولئك اللذين يعيشون في الأرض المحتلة، وكذلك اليهود المعادين للصهيونية).
إن فلسطين الديموقراطية والتقدمية ترفض، عبر استئصال، كل شكل حكومة تيوقراطية فيودالية أرستقراطية استبدادية أو عنصرية شوفينية، ستشكل بلدا ،لا يسمح باضطهاد أو استغلال جزء من السكان من طرف مجموعة أخرى أو أشخاص، من دولة توفر الحظوظ المتساوية لكل مواطنيها من أجل العمل أو القيام بالشعائر الدينية والتعليم، وحق القرار السياسي والتعبير الثقافي والفني: إن هذا ليس حلما طوباويا، ذلك أن النضال من أجل تحقيق فلسطين الجديدة يخلق من ذاته المناخ الضروري لنظام المستقبل للحكم، أي أن الحرب الشعبية للتحرير، تولد قيما جديدة، وسلوكا جديدا، يشكلان ضمانة للديموقراطية التي ستستتبع التحرر.
الوثيقة الرابعة
بيان الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
كانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، من ضمن عشر منظمات، ومن بينها حماس، اللذين رفضوا اتفاقيات منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل (أوسلو)، وقاموا بخلق جبهة الرفض في دمشق، ويظهر البيان مواقف اليسار الفلسطيني الذي تم طمسه.
رغم أهمية البيان، فهو لم يقدم بديلا لخيانة منظمة التحرير الفلسطينية، ودعا إلى انطلاق الانتفاضة بدون هدف سياسي، والاعتقاد أن خلق جبهة الرفض، خاصة مع حماس، سيقوم بذلك، وهو أمر واهم، وفي نفس الوقت اتسم موقف الجبهة الشعبية برفض الاقتتال الفلسطيني، الشيء الذي يتناقض مع خيانة البورجوازية البيروقراطية الفلسطينية المتحالفة مع الصهيونية والإمبريالية. إن هذا الموقف ما كان له ليستمر، فإما أن يهمش أصحابه كما وقع للجبهة الشعبية، أو يتجذر في اتجاه فئات راديكالية، لكنها رجعية.
البيان
أمام التطور الدراماتيكي الذي عرفه النزاع في الشرق الأوسط، خاصة بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وبهدف دراسة الأحداث الأخيرة، اجتمع المكتب السياسي للجبهة الشعبية من أجل تحرير فلسطين يوم 6و 7شتنبر، وتوقف طويلا، وعميقا عند الاتفاق الكارثي والاستسلامي المعروف باسم "غزة – أريحا أولا"، والذي تم توقيعه بين العدو الصهيوني والجزء المسيطر من منظمة التحرير الفلسطينية، وقد استخلص المكتب السياسي بالنسبة لهذا الاتفاق، الخلاصة التالية:
يتعلق الأمر باختراق استراتيجي حققه الكيان الصهيوني ومشروعه السياسي في النزاع بين دولة إسرائيل والشعب الفلسطيني، إنه استسلام تام أمام الشروط السياسية المطروحة من طرف التحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. إن هذا الاتفاق هو نتيجة منطقية لدخول القيادة المسيطرة لمنظمة التحرير الفلسطينية، في مسلسل مدريد، الذي تم إطلاقه بعد التحول الكارثي، الذي تم على الصعيد العالمي.
إن المكتب السياسي للجبهة الشعبية يسجل المخاطر التالية في اتفاق "غزة – أريحا أولا":
1-تخلي القيادة المسيطرة في منظمة التحرير الفلسطينية عن برنامجها الوطني، أي الحقوق التالية:
- حق تقرير المصير
- حق عودة اللاجئين
- حق خلق دولة مستقلة عاصمتها القدس
2- لقد أعطى الاتفاق الحق بدون مقابل لكل مطالب إسرائيل، نلاحظ هذا خاصة عن طريق الحفاظ الدائم على قوات الاحتلال تحت تسمية جديدة "إعادة توزيع القوى" عن طريق الحفاظ على مجموع المستوطنات وسكانها، عن طريق الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي في أيدي المحتل الإسرائيلي، وأخيرا، عن طريق استغلال الخيرات الطبيعية من طرف إسرائيل.
3- هذا الاتفاق يؤدي إلى تقسيم الشعب الفلسطيني، وتمزيق الأرض الفلسطينية
4- إن هذا الاتفاق يتخلى عن مسألة مدينة القدس، التي لن يتم مناقشتها إلا في مستقبل بعيد بدون أية ضمانة. إن الاتفاق يمزق الأرض المحتلة في 1967 إلى سلسلة وحدات ترابية متميزة بدون ضمانة فيما يخص طبيعة الحل النهائي.
5- إن هذا الاتفاق يعوض المؤسسات القمعية للاحتلال بمؤسسات قمعية فلسطينية، "الشرطة الفلسطينية". إن دور هذه الشرطة هو ضمان أمن القوات المحتلة، وقمع معارضة الجماهير الفلسطينية، وكذلك، المعارضة السياسية المنظمة.
6 – إن هذا الاتفاق يهدف إلى توقيف الانتفاضة، وتصفيتها نهائيا.
7 – إن هذا الاتفاق يقوم بتصفية الحق في العودة، ويفتح الباب للإقامة النهائية للاجئين الفلسطينيين في البلدان التي تستقبلهم.
8 – هذا الاتفاق يعترف نهائيا بالدولة الصهيونية لإسرائيل مقابل الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد التخلي عن الميثاق الوطني وبرنامج الوحدة الوطني والكفاح المسلح.
وبكلمة أخرى، هناك اعتراف بالدولة الصهيونية، بعد تحويل منظمة التحرير الفلسطينية إلى حزب سياسي، والتخلي عن طابعها كحركة تحرر وطني.
9 – إن الاتفاق يحقق اختراقا تاريخيا للمشروع السياسي الصهيوني في العالم العربي، وذلك عن طريق توقيع اتفاقات التطبيع الشامل مع كل بلد من الدول العربية، والمستفيد الوحيد من ذلك، هو الدولة الصهيونية. إن تحقيق هذا الاتفاق سيضع نهاية للمشروع الوطني الفلسطيني، ويقوم بتصفية مجموع المكتسبات المحققة بفضل نضال شعبنا:
أن توقيع اتفاق "غزة – اريحا أولا"، يقود الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، إلى اعتبار القيادة المسيطرة في منظمة التحرير الفلسطينية، وعلى رأسها ياسر عرفات، خارج الإجماع الوطني الفلسطيني.
إن هذه القيادة تتخلى بوضوح عن مجموع حقوقنا التاريخية والشرعية، وتتجاوز كل الشروط التي وضعها المجلس الوطني الفلسطيني، التي وضعها كثمن للمشاركة في مسلسل مدريد – واشنطن.
إن هذه الخلاصة السياسية تقودنا إلى اعتبار هذا الجزء من البورجوازية البيروقراطية المسيطرة خارج الخط الوطني. إن هذا الجزء البيروقراطي القائد لمنظمة التحرير الفلسطينية، قد أصبح حليفا للعدو الصهيوني في مشروعه لتصفية القضية الوطنية لشعبنا. إن هذا الجزء القائد، يمتلك قاعدة اجتماعية تشكل أقلية في المنظمة، لا ترى إلا مصالحها الاقتصادية والسياسية، وتجد نفسها في تحالف مباشر مع المشاريع الامبريالية والصهيونية.
إن التعاون في ميادين الأمن والاقتصاد المقررة في هذا الاتفاق، ليست إلا الدليل على هذا التحالف.
إن استسلام هذه الفئة البيروقراطية في منظمة التحرير، لا يعني استسلام البورجوازية الوطنية الفلسطينية في مجموعها.
أمام هذا الوضع الخطير، الذي تعرفه منظمة التحرير الفلسطينية، تقترح الجبهة الشعبية على مجموع القوى الفلسطينية المعارضة لهذا الاتفاق التصفوي بإعادة النظر في مختلف مؤسسات منظمة التحرير ومكوناتها، نقترح خوض مجموعة من الأنشطة الشعبية والجماهيرية، هدفها إعطاء شعبنا في الأراضي المحتلة، كما في أراضي الشتات، إمكانية اختيار بحرية وديموقراطية، ممثليهم اللذين سيشكلون مؤسسات منظمة التحرير، وخاصة مجلسا وطنيا جديدا. إن الأسس السياسية لمختلف هذه الأنشطة ستكون الارتباط بالميثاق الوطني الفلسطيني، واحترام برنامج الوحدة الوطنية الفلسطينية، ومواجهة اتفاق "غزة –أريحا أولا".
إن منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها جبهة وطنية ذات تمثيلية واسعة بالنسبة لنا، كما بالنسبة لشعبنا، تمثل الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، إنها شأن لكل الفلسطينيين، وليست ملكية لقائد واحد أو قيادة واحدة.
إن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ستعزز تحالفاتها في إطار القيادة المشتركة للجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية، وفي إطار تحالف المنظمات العشر المناهضة لهذا الاتفاق، ونقترح على مجموع الشخصيات الفلسطينية الوطنية، اللذين عبروا عن معارضتهم لهذا الاتفاق، تشكيل جبهة واسعة ستنقد منظمة التحرير الفلسطينية، وستعطي لشعبنا ممثلا في مستوى كفاحه وتضحياته وآلامه، وكذلك طموحاته المشروعة والتاريخية. إن الجبهة الشعبية توجه نداء إلى أعضاء وأطر وقادة فتح، اللذين عبروا عن معارضتهم لهذا الاتفاق الكارثي، إلى تعزيز الروابط مع مجموع القوى الفلسطينية الوطنية. إن الجبهة الشعبية لن تسقط في الفخ المنصوب من طرف العدو، الذي يهدف إلى حرب مدينية فلسطينية، وتستمر الجبهة وتعزز دورها في الانتفاضة، إنه أحسن جواب نقدمه لأولئك اللذين وقعوا الاتفاق التصفوي لحقوقنا، وندعو كل القوى الفلسطينية إلى فعل نفس الشيء.
إن الجبهة الشعبية تدعو الجماهير العربية والقوى الطليعية إلى خلق وضع معارض لسياسة التطبيع الشامل بين الدولة الصهيونية والأنظمة العربية، إن الشعب المصري أعطانا المثال بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
إن يوم توقيع هذا الاتفاق سيكون يوم حداد وطني، وأولئك اللذين وقعوه يفقدون شرعيتهم، وليس لهم الحق في الكلام باسم شعبنا. إن هذا التوقيع لا يلزم شعبنا في نضاله المشروع ضد الاحتلال الصهيوني.
الوثيقة الخامسة
نحو حل ديموقراطي للمسألة الفلسطينية
طرحت الوثيقة في المجلس الوطني الفلسطيني السادس – القاهرة شتنبر 1969
وعرفت نقاشا واسعا داخل المجلس.
التمايز، والعلاقة المحددة ما بين الصهيونية والإمبريالية
جاءت الصهيونية بصورة رئيسية نتيجة رد فعل، من جانب البورجوازية الصغيرة والمتوسطة اليهودية، (وهي التي تشكل لب اليهودية)، تجاه أمرين، هما:
1-تردي أوضاع اليهود في أوروبا الشرقية، ذلك أن اليهود كانوا يمثلون الرأسمالية البدائية (أي التجارية والربوية)، فكان لابد أن يوجه لهم انهيار الاقتصاد الإقطاعي وأشكال الرأسمالية البدائية ضربة قاصمة، زادها ضراوة انتقال التوازن بين تطور الرأسمالية وانهيار الإقطاعية والرأسمالية البدائية، بحيث كان من الصعب جدا على اليهود الاندماج ببنية النظام الاقتصادي الجديد ضمن علاقات الإنتاج الجديدة التي تتطور ببطء شديد لا يتفق مع سرعة انهيار العلاقات القديمة.
2- تعاظم موجة العداء للسامية في أوروبا الغربية، إذ أن التمركز الرأسمالي، أي ظهور الرأسمال الاحتكاري حطم الطبقات الوسطى، فارتدت هذه ضد العناصر اليهودية، فرأت في هذه الطبقات على أنها تنافسها على موارد رزقها، وتزيد أوضاعها ترديا. غير أن الصهيونية كإيديولوجيا ليست إلا انعكاسا مشوها للواقع وتنظيرا مموها لحاجة مادية.
والصهيونية، من حيث، هي انعكاس مشوه للواقع تغني نفسها عن عناصر البحث عن الدوافع والأسباب الكامنة وراء العداء للسامية وعن الأشكال المتنوعة لهذا العداء، والوظيفة الاجتماعية التي كان يؤديها، وعن طبيعة النظام الاقتصادي – الاجتماعي الذي أوجدها، وتذهب إلى أن "الطبيعة البشرية" لا تتغير، وأن النزعة البشرية ذاتها، هما بالتالي خالدان لا يمكن الوقوف في وجههما والقضاء عليهما.
وتنتقل الصهيونية بعد افتراض خلود العداء للسامية لتحل المشكلة بالقفز من فوقها، أي بالقول أن الخلاص، هو في قبول اللاسامية واضطهاد الأقليات هما أمران من صلب الطبيعة اللاسامية كأمر واقعي طبيعي وعادي، والهجرة إلى فلسطين لتتحول الأقلية فيها إلى أكثرية تحكم نفسها بنفسها في دولة قومية.
كذلك، فإن الصهيونية، من حيث هي تنظيم مموه لحاجة موضوعية مادية، ليست إلا تعبيرا عن فعل "الشعب- الطبقة" اتجاه الضغوط الاقتصادية أساسا، تلك الضغوط التي تهدد بإحداث تمايز داخلي، أي تحويله إلى طبقات، وبالتالي إنهاء دوره الاجتماعي كطبقة موجودة، ومن ثمة كشعب ذو خصائص ناجمة بالتحديد من هذا الدور الاجتماعي.
كما أن الصهيونية، انعكاس لرفض البورجوازية الصغيرة والمتوسطة، السقوط إلى مصاف البروليتاريا، وحاجتها إلى سوق قومية مستقلة في دولة قومية، والصهيونية ككل إيديولوجيا قومية تحاول أن تطمس معالم نشوئها الحديث نسبيا، بأن تخلق لنفسها أصلا أسطوريا يعود إلى الماضي السحيق (أسطورة تعلق اليهود عبر التاريخ بأرضهم الأم – فلسطين)، وعرض مطالبها ومطامحها القومية على أنها تجديد لملكية قديمة (الحق التاريخي لليهود في فلسطين).
ومن الطبيعي، أن يكون الحل الذي تقدمه الصهيونية للمسألة اليهودية –إقامة دولة يهودية في فلسطين– "وهما طوباويا بورجوازيا صغيرا". والمسألة اليهودية التي تتخذ شكل مسألة عالمية لوجود اليهود في مختلف الأقطار، لا يكون حلها على هذا المستوى ضمن النطاق الرأسمالي، فالقضاء على اللاسامية لن يتم إلا بالقضاء على مسبباتها، أي بالقضاء على النظام الاقتصادي الذي أوجدها. و بالفعل فإن إقامة إسرائيل لم يحل المسألة اليهودية، حيث أن اللاسامية لم تنته، و إن كانت قد دفعت بفعل ظهور أشكال أخرى من الاضطهاد العرقي والعنصري في الغرب (العنصرية تجاه السود، العنصرية تجاه العمال و خاصة من العرب).
"لكن الحل الوهمي الذي تقدمه الصهيونية للمسألة اليهودية ، هو الذي يحدد الطبيعة الخاصة للاستعمار الصهيوني لفلسطين، وهو الذي يجعل هذا الاستعمار مختلفا عن الاستعمار النموذجي المعتاد، فالاستعمار النموذجي يلجأ عن تعمد إلى تحطيم الاقتصاد البدائي للبلاد المستعمرة ليتمكن من استغلال السكان الأصليين في التعدين والصناعة والزراعة الرأسمالية، أما الاستعمار الصهيوني، فهو من طبيعة خاصة، فرضها هدفه المحدد (إقامة دولة يهودية) الذي جعله يعمد إلى استملاك واغتصاب الأرض، واحتلال هذه الأرض وإفراغها من سكانها الأصليين (وفي أحسن الأحوال إلى إقامة دولة أحادية العنصر)، والاستعمار الصهيوني يختلف حتى عن أقرب أشكال الاستعمار إليه، وهو الاستعمار الأبيض في جنوب إفريقيا. فهذا الأخير يقوم على إقامة مجتمع مغلق للبيض منعزل عن مجتمع السود (فصل مناطق السكن، والمدارس، و وسائل النقل، وكافة مرافق الحياة الخاصة بالبيض، عن تلك الخاصة بالسود) ولكن ذلك لا يحول دون استغلال البيض للسكان الأصليين، ودمجهم بعلاقات الإنتاج كطبقة مستغلة مضطهدة، أما الاستعمار الصهيوني فيقيم مجتمعا يهوديا مغلقا، ولكنه لا يستغل السكان الأصليين، بل يطردهم كلية.
في الطبيعة العدوانية التوسعية للاستعمار الصهيوني
كان لابد للاستعمار الصهيوني حتى قبل إنشاء إسرائيل، من أن يستعدي الشعب الفلسطيني كله، لأنه يشكل نقضا مباشرا لوجوده الوطني، وتعديا صارخا على حقوقه الوطنية وإنكار لها. ومن جهة أخرى، قامت الاستراتيجية الإسرائيلية منذ البداية على فرض الأمر الواقع.
فمن إنشاء المستوطنات الزراعية المحصنة التي تمثل أمرا واقعا عسكريا – اقتصاديا، و بناء و فرض مجتمع يهودي معزول في فلسطين منذ بداية الاستيطان إلى الاستقلال بهذا المجتمع ، بعد طرد السكان عام 1948، إلى فرض الاحتلال على مثلث النقب الجنوبي أثناء محادثات الهدنة عام 1948، إلى فرض الاحتلال على بئر قطار في مثلث العوجا عام 1950، إلى احتلال المنطقة المجردة الوسطى على الحدود السورية عام 1951 ،إلى انتزاع حقوق الملاحة في خليج العقبة في أعقاب عام 1956 ،إلى احتلال الأراضي العربية عام 1967، و سياسة فرض الواقع هذه ذات طبيعة توسعية واضحة، ليس مردها فحسب إلى محاولة حل مسألة الأمة الإسرائيلية عن طريق التوسع العسكري باحتلال أراضي جديدة لحماية أراضي قديمة، بل هي تعود أساسا إلى القاعدة التي نشأ عليها المجتمع، من حيث كون غايته لم شتات الجاليات اليهودية الموزعة في أنحاء العالم، و بالتالي لابد من التوسع لاجتذاب و توطين يهود الشتات. وهذا التوسع لا يعني فقط توسيع الأرض، بل تأمين حمايتها، مما يدفع إلى مزيد من التوسع.
هذه الطبيعة التوسعية لإسرائيل أدت إلى تناقض حاد، ما بينها وبين الشعوب العربية ككل، التي ترفض مجتمعا غريبا عنها على أرضها، ليصبح تهديدا ماثلا لها أبدا، وقوة تقف في وجه آمالها في التحرر الوطني والوحدة والتقدم الاجتماعي.
في العلاقة بالإمبريالية
يحدد الحل الصهيوني للمسألة اليهودية العلاقة ما بين الصهيونية والإمبريالية.
سياق: ضيق قوى الإنتاج بالحدود القومية الصهيونية خلق دولة قومية مصطنعة، ومعزولة:
= لابد من تحالف مع الامبريالية
فالدولة القومية المصطنعة، لا يمكن أن تقوم إلا كوجود استعماري مرتبط بالإمبريالية التي تسيطر على المنطقة
= تاريخ الحركة الصهيونية هو تاريخ العلاقة مع الامبريالية
-الاتصال بقيصر ألمانيا والسلطان العثماني في بداية الحركة
- التحالف مع بريطانيا بعد عام 1917، ومع الولايات المتحدة بعد 1945
← إنه اختيار فرضته طبيعة الهدف (انظر اليوميات الأولى لتيودور هرتزل).
إن هذه العلاقة المحددة ما بين إسرائيل والإمبريالية، تجعل المسألة الفلسطينية مسألة تدخل في صلب النضال المعادي للإمبريالية في المنطقة، ويجعل إسرائيل أشد تناقضا مع القوى الطبقية التي تخوض هذا النضال. من ذلك كله، نستنتج أن إسرائيل بحد ذاتها فوة استعمارية من طبيعة خاصة، ولكنها في الوقت ذاته، جزء من المعسكر الإمبريالي يرتبط في الوقت الراهن مع الولايات المتحدة الأمريكية، و هي القوة التي تسيطر على المعسكر الامبريالي، غير أن الطبيعة الخاصة للاستعمار الإسرائيلي تعطي إسرائيل استقلالا نسبيا، يتمثل في سياسات خاصة تمليها المصلحة الخاصة لإسرائيل، والتي أحيانا لا تكون متطابقة مع المصلحة العامة للمعسكر الإمبريالي، لكن هذا الاستقلال نسبي لأن تميز إسرائيل لا يخرق وحدة المعسكر الامبريالي، وفي الوقت ذاته لا تغطي الوحدة على هذا التميز.
الترابط العضوي ما بين النضال الفلسطيني والثورة العربية
إذا كانت الاستراتيجية، كما هي بالفعل، أولويات وتحديد ادوار وتحديد العلاقات المتبادلة، فإن نظرة الفكر القومي البورجوازي الصغير إلى مسألة علاقة النضال الفلسطيني للثورة العربية، وكذلك نظرة الفكر الفلسطيني البورجوازي الصغير إلى المسألة ذاتها، تؤديا لتهافتها النظري، إلى غياب الاستراتيجية الواضحة. يعمد الفكر القومي البورجوازي الصغير إلى معارضة أية محاولة لتحديد دور النضال الفلسطيني ضمن الثورة العربية بكلام عام، وغامض، وغائم، من "الشمولية القومية للثورة العربية". و ليست هذه المعارضة سوى محاولة للهروب من التحديد الذي سيكشف لا محالة عجز البرنامج القومي البورجوازي الصغير، ذلك البرنامج الذي أجل النضال المعادي للصهيونية طويلا حتى تتحرر الأمة العربية من الاستعمار، متغافلا الدور النشيط الذي تلعبه إسرائيل في دعم الوجود الامبريالي في المنطقة العربية، فكانت النتيجة أن وصلت حركة التحرر العربية المعادية للإمبريالية بقيادة البورجوازية الصغيرة حدودا لم تستطيع، لطبيعتها الطبقية أن تتخطاها ، تاركة الخطر الصهيوني يستشري و يكرس، كذلك، تخفي هذه المعارضة في طياتها محاولة لإخضاع النضال الفلسطيني للبرنامج الراهن للقومية البورجوازية الصغيرة المتمثل في حصر الخطر الإسرائيلي، لا إزالته من ناحية، و كبح جماح التحول الثوري الذي تشهده المنطقة ، و الذي يهدد مواقع البورجوازية الصغيرة من ناحية أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، تحاول المعارضة باسم الشمولية العربية أن تتستر على عجز الحركة القومية البورجوازية من الخروج على قوانين لعبة العلاقات العربية، كما تفرضها الأنظمة الرجعية، واضطرار هذه الحركة، نتيجة لهذا العجز، إلى التزام موقف الصمت اتجاه محاولات الأنظمة الرجعية تطويق المقاومة الفلسطينية وإجهاضها والتزام موقف الوسيط ما بين الأنظمة الرجعية والمقاومة.
أما الفكر الفلسطيني البورجوازي الصغير، فيذهب في رده، إلى عجز البرنامج اليومي البورجوازي الصغير إلى حد الفصل التعسفي بين النضال الفلسطيني والثورة العربية، مصورا النضال ضد الصهيونية، على أنه من اختصاص الثورة الفلسطينية، وأن مهمة الجماهير العربية العريضة تقتصر على دعم وإسناد الثورة الفلسطينية، وتشكيل ما يسمى بالجبهة العربية المساندة. إن ذلك، يتغاضى عن الفلسطينيين في التحليل الأخير، غير قادرين بمفردهم على تحطيم الكيان الصهيوني إذا ما اقتصرت الجماهير العربية على الدعم الستاتيكي الجامد، كما أنه يتغاضى عن أن النضال ضد الصهيونية أصبح مهمة مطروحة على جدول أعمال حركة التحرر الوطني العربي ككل بعد حرب يونيو 1967، وانجرار المنطقة كلها إلى الصراع، وهو في النهاية يتغاضى عن الوشائج العضوية التي تربط الصهيونية بالإمبريالية، وذلك كله يؤدي إلى غياب المنظور الاستراتيجي الواضح، وإلى سياسة انتهازية تتعامل مع الرجعية العربية، الحليفة للإمبريالية على حساب النضال المعادي للإمبريالية، وبالتالي على حساب النضال ضد الصهيونية ذاته.
إن الثورة العربية تركيب لنضالين مترابطين و متزامنين ،هما : النضال ضد الصهيونية و النضال ضد الامبريالية، و النضالان مترابطان لترابط الصهيونية و الامبريالية، و هما لابد أن يكونا متزامنين و متداخلين، لأن النصر النهائي على الصهيونية رهين بنشوء أنظمة عربية ثورية قادرة على تعبئة الطاقات و الموارد العربية في حرب تحرير شعبية تواجه تفوق العدو الصهيوني حضاريا و تكنولوجيا، و هذا يعني أن النصر النهائي على الصهيونية رهين بنزع السيطرة الامبريالية على المنطقة العربية ،أو عن معظمها على الأقل ... و لكن النضال ضد الامبريالية هو أساسا نضال طبقي، فالإمبريالية بحكم سيطرتها و هيمنتها على المنطقة العربية من خلال تحالفها مع الأقليات العربية الحاكمة في الأنظمة الرجعية، و من خلال عجز أنظمة بورجوازية الدولة عن شن نضال حاسم و منهجي و متماسك ضد الامبريالية، و من هنا لابد للنضال ضد الامبريالية من أن يضع الطبقات التي من مصلحتها هذا النضال مقابل الطبقات التي من مصلحتها التحالف مع الامبريالية، و من أن يصبح نضالا لتحطيم الأنظمة المتحالفة مع الاستعمار، و إقامة أنظمة ديموقراطية شعبية تستطيع الطبقات الكادحة بها أن تحقق التحرر الكامل و التقدم الاجتماعي.
← عكس ذلك يعطي أنظمة هجينة تقوم على تحالف طبقي هجين، أدى ويؤدي، إلى الهزائم على المستوى الداخلي وعلى المستوى الخارجي، مثال التجربة الناصرية والبعثية.
إن التفاعل الجدلي بين النضال الوطني و النضال الطبقي، يؤدي إلى خلق أداة ثورية عربية موحدة ذات استراتيجية متناسقة موحدة، و لكن خلق هذه الأداة يفترض مسبقا وجود القوى الطبقية القادرة على خوض النضال الطبقي المعادي للإمبريالية، لكن المعضلة أن هذه القوى غائبة أو ضعيفة جدا، فلحد الآن، وبعد السقوط التاريخي للقومية البورجوازية الصغيرة، وعجزها عن القيام بالمهام التاريخية في مرحلة الثورة الوطنية الديموقراطية، لم يترافق مع بروز طبقة جديدة على المسرح السياسي العربي، ومن هنا، فإن المهمة المركزية للثوريين الجدد، هو بناء القوى الشعبية من العمال والفلاحين والشرائح الدنيا من البرجوازية الصغيرة، وخوض النضال بقيادة إيديولوجية الطبقة العاملة وبرامجها وشعاراتها.
طبيعة الحلول التي قدمت للقضية الفلسطينية
كل الحلول المقدمة تاريخيا كانت تعبيرا عن الموقف الطبقي:
1-الرجعيةالعربية، قدمت حلا لفظيا شوفينيا قوامه ذبح اليهود ورميهم في البحر وتهجيرهم جميعا. إنه موقف شوفيني يبث الشوفينية في الجماهير العربية، هدفه طمس التناقض مع هذه الجماهير، و بالتالي طمس الصراع الطبقي، و قامت هذه القوى بابتزازات تهديدية تجاه القوى الثورية متهمة إياها بأنها تفتت الوحدة الوطنية و القومية، و بالتالي تخدم العدو الصهيوني، علما أن هذه القوى الرجعية تشكل ضمانا للوجود الإسرائيلي لأنها جليفة الامبريالية، و لأنها تحافظ على البنى التقليدية المتخلفة للمجتمع العربي في مواجهة التطور التكنولوجي و الحضاري الإسرائيلي، و هذا التحالف الموضوعي مع الصهيونية هو ما تريد الرجعية أن تخفيه وراء الكلام الشوفيني المهووس، ويعتبر هذا الموقف أن كل يهودي هو صهيوني، وهذا بالضبط ما سعت الصهيونية، ولا تزال تسعى لإثباته.
لم تعد الرجعية، بعد 1967، قادرة على طرح هذا الحل، فكان أن قفزت الرجعية بمنطق شوفيني مرة أخرى، مبالغة إلى أبعد الحدود بقوة العدو مصورة الوضع على النحو التالي:
هناك مؤامرة صهيونية يهودية عالمية للسيطرة على مقدرات العالم، وما قيام إسرائيل وتوسعها إلا الحلقة الأولى من هذه المؤامرة، التي ذهبت ضحيتها الرأسمالية الغربية في تأييدها لقيام إسرائيل ودعمها لها.
← من هنا محاولة الرجعية تبرير الهزائم، انطلاقا، من منطق ما دام للصهاينة هذه القدرة في التحكم في الغرب، فطبيعي أن تقع الهزيمة، فالغرب نفسه ضحية للصهيونية. ثم هي محاولة لتبرئة الامبريالية من جريمة دعم إسرائيل ومساندتها، ومن تم تبرير التحالف معها، فالغرب ضحية المؤامرة الصهيونية العالمية، إنه بريء لكنه مخدوع.
خلاصة هذا الموقف، هو حل وديع كالحمامة "النضال ضد الامبريالية والصهيونية ليس هو الحل، بل الحل في تعزيز التحالف العربي مع الغرب، وإفهام الغرب وإقناعه أنه ضحية المؤامرة فيتوقف عن دعم إسرائيل".
2- الحل الذي قدمته أنظمة بورجوازية الدولة
تنظر هذه الأنظمة إلى هزيمة 1967 كهزيمة عسكرية محضة، لا سبيل للخلاص من آثارها إلا بنصر عسكري تحرزه القوات النظامية، و هذه الأنظمة هي نفسها لا تستطيع خوض نضال منهجي متماسك ضد الامبريالية، لأن ذلك يعني التضحية بالامتيازات الحديثة العهد التي أحرزتها الفئة المتبرجزة المتربعة على رأس هذه الأنظمة ، و لا تستطيع التحالف مع الامبريالية لأن لهذه الأخيرة حلفاء أكثر إخلاصا و وفاءا، يعني الأنظمة الرجعية، ثم أنها لا تستطيع الخروج عن قواعد اللعبة السياسية كما تفرضها الأنظمة الرجعية، إضافة إلى تناقضها مع الجماهير الشعبية، و من ثمة إلغاؤها لدور هذه الجماهير في التصدي للمسألة الفلسطينية، وفي التصدي لمشكلة التخلف. وما دام إحراز النصر على العدو الصهيوني يتطلب النضال الحازم ضد الإمبريالية ونسف الهيمنة الرجعية على المسرح السياسي العربي، واستنهاض الجماهير الشعبية،
فلا تجد حلا أمامها سوى اللجوء إلى قرار مجلس الأمن، أي عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل حرب يونيو. إن هذا الحل ليس بحل، فإسرائيل سواء في حدود أضيق أو أوسع، و حتى لو عاد اللاجئون، تشكل خرقا لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وستظل مخفرا أماميا للإمبريالية، وخطرا على حركة التحرر الوطني العربية.
3- هناك حل آخر يتبناه اليسار الصهيوني، والرجعية الفلسطينية في الضفة الغربية، ويقوم على إنشاء دولة فلسطينية في جزء من فلسطين تتعايش مع إسرائيل وتعترف بها. إنه حل يهدف بيع القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني، وخلق دولة دمية في يد إسرائيل، يشكل منفذا اقتصاديا تستطيع إسرائيل من خلاله أن تخضع العالم العربي لسيطرتها.
4- وهناك حل رابع تبنته منظمة "ماتزبين"، ويقوم على إنشاء دولة ثنائية القومية لكل فلسطين، وهذا الحل خاطئ لأنه من ناحية، يضع حاجزا تعسفيا ما بين فلسطين والمنطقة العربية، أي أنه يهدف إلى حل المسألة ضمن حدود التجزئة الراهنة، وضمن حدود الواقع القائم، أي بتسوية مع الصهيونية، ثم إن الدولة الثنائية لا تعطي ضمانا لعدم اضطهاد أي من الطرفين للطرف الآخر، وما دام الحل سيقوم ضمن حدود الواقع القائم، فإن الطرف الإسرائيلي هو الطرف الذي سيمارس الاضطهاد.
5- هناك حل خامس ويقوم على اتحاد فدرالي بين إسرائيل ودولة فلسطينية، ويتبناه يوري أفنيري، وهذا الحل من طبيعة إصلاحية بورجوازية صغيرة، فهو لا يذهب إلى القضاء على الصهيونية وإسرائيل، بل يريد فقط أن ينزع منهما بعض مساوئهما، ومن ثمة يغفل جوهر القضية، وهو أن إسرائيل كدولة، وبأي شكل من الأشكال، تشكل نقضا لحق الشعب الفلسطيني في تحقيق مصيره.
3) الحل الديموقراطي
مرتكزات هذا الحل:
1-التمييز بين اليهودية والصهيونية، واعتبار أن التناقض ليس بين اليهود والعرب، بل بين الصهيونية من جهة، والأمة العربية، ومن ضمنها الشعب الفلسطيني، من جهة أخرى، والقضاء على الصهيونية، لا القضاء على اليهود، هو شرط هذا الحل. ولكن ما دامت الصهيونية هي الإسمنت الذي يشد لحمة المجتمع الإسرائيلي، فإن الجالية الاسرائيلية تبقى جالية مضطهدة (بكسر الهاء)، إذن فلابد من تحطيم الصهيونية، وتحطيم الاستعمار الصهيوني في فلسطين.
إن هذا الاستعمار من طبيعة خاصة، يتمثل في السيطرة اليهودية على فلسطين في دولة أحادية الجنس، وعلى اعتبار فلسطين أرضا ليهود العالم، ومن هنا إلغاء قانون العودة، الذي يعتبر أي يهودي في العالم ذو حق أصيل في استيطان فلسطين، وفقط بعد القضاء على الكيان الصهيوني وخصائصه البنيوية، يمكن للعرب واليهود أن يعيشوا في فلسطين في ظل مساواة تامة بعيدا عن أي ظل من ظلال القهر القومي والديني.
بطبيعة الحال، لا يكفي القضاء على الكيان الصهيوني، بل يجب أيضا، وضع الأسس الكفيلة بعدم انبعاث الصهيونية، وهذا لن يكون إلا إذا كانت فلسطين المستقبل ضمن دولة اشتراكية تنظم المنطقة كلها. فلو افترضنا أن فلسطين ستشكل بعد القضاء على الصهيونية دولة مستقلة، وستكون هذه الدولة ذات أغلبية يهودية، ولا شيء يمنع أن تتحول هذه الدولة إلى إسرائيل جديدة ذات حضور أكبر وأقلية عربية أكبر، وتمارس اضطهاد الأقلية العربية، وتبعث من جديد كل الخصائص البنيوية لإسرائيل الحالية.
إن الاشتراكية هي وحدها القادرة على حل مسائل الاضطهاد القومي لأنها تلغي الأساس المادي لكل اضطهاد. ليس هناك إمكانية لحل حقيقي ضمن الديموقراطية الليبرالية لأنها لا تشكل بحد ذاتها ضمانا لحل مسألة الاضطهاد القومي، أي، وفي أحسن الأحوال، قد تبدل اضطهادا باضطهاد، وفي هذه الحالة اضطهاد العرب للإسرائيليين.
إن الحل الديموقراطي لن يتحقق إلا عبر النضال الثوري، بالقضاء على الكيان الصهيوني عبر عملية ثورية تتحقق بحرب شعبية طويلة الأمد، يقترن فيها النضال ضد الصهيونية بالنضال ضد الامبريالية.
تناهض الرجعية الحل الديموقراطي باعتباره يؤدي إلى التسوية، وتقوم بتشويه الموقف الديموقراطي، ويطرح الرجعيون السؤال:
ماذا لو وافقت إسرائيل على الحل الديموقراطي؟
إن الموقف الرجعي هنا، مبني على افتراض مستحيل، فكيف يمكن لإسرائيل أن توافق على الحل الديموقراطي، هو يعني زوالها، والقضاء عليها.
هناك وجهة نظر ماركسية شكلية سطحية تقول بكل بساطة بضرورة تحالف البروليتاريا العربية مع البروليتاريا الإسرائيلية، وتغفل هذه النظرة أن حركة التحرر الوطني العربية لا تواجه، لمرحلة قادمة على الأقل، الطبقة الإسرائيلية الحاكمة فحسب، بل تواجه المجتمع الصهيوني برمته، وتغفل أيضا أن العمال الإسرائيليين والمستوطنين الزراعيين قد شكلوا تاريخيا العمود الفقري للاستيطان الصهيوني، الشيء الذي حدد دورهم بالعلاقة مع السكان العرب كنقيض عدائي لهم، فهل يعني هذا استحالة التحالف فوق القومي على المدى البعيد؟
للجواب على هذا السؤال لابد من تحليل طبيعة المجتمع الإسرائيلي باعتباره مجتمعا رأسماليا.
لقد نمت وسائل الإنتاج الصهيونية في معظمها، قبل 1948، تحت شعار الملكية الجماعية، وكان هذا أمرا طبيعيا لأن عملية الاستيطان الصهيوني كانت تنفذها وكالات صهيونية عامة ك "الوكالة اليهودية"، و "الصندوق القومي اليهودي" و "الهستردوت".
لقد اخذت الأمور في البداية طابعا اشتراكيا طوباويا ردا على البؤس اليهودي من جهة، وردا على التهم اللاسامية بأن اليهود بطبعهم غير منتجين. لكن ما أن تأسست دولة إسرائيل حتى بدأت رؤوس الأموال تتدفق، فما لبثت أن نخرت القطاعين الجماعيين اللذين أنشئا قبل 1947، والآن يسيطر القطاع الخاص على 92% من مؤسسات الصناعة، يعمل فيها 76% من الأيدي العاملة، وأصبح دور القطاع العام والجماعي هو مساعدة القطاع الخاص، والحفاظ على توازنه وازدهاره. أما "الكيبوتزات"، فلم يعد يقطن فيها اليوم إلا 3،3% من السكان، و تقدم 3،5% من الإنتاج الصناعي و قرابة ثلث الإنتاج الزراعي، و بدأت الكيبوتزات تستعمل العمل المأجور، وفي هذا المجتمع تشكل الطبقة العاملة 30% من السكان، ويشكل الفلاحون 20%، ويملك 10% من السكان نصف الدخل الوطني عام 1956، ولا يتبع توزيع الدخل والمكانة الاجتماعية معيار الانتماء الطبقي فحسب، فهاذان الأمران يخضعان أيضا للأصول القومية للمستوطنين، والتقسيم في النهاية تقسيم طائفي يتجلى في التمييز بين اليهود الغربيين الأشكناز واليهود الشرقيين السفارديم، وفي سنة 1964 ، كان متوسط دخل الشرقي لا يتجاوز 49% من متوسط دخل الفرد، وكانت نسبة الشرقيين تصل إلى 10% من مجموع السكان، وبناء عليه، ستعمل الصهيونية عن عمد على طمس التناقضات الطبقية داخل المجتمع الإسرائيلي لتحافظ على تجانسه كمجتمع مستعمر(بكسر الميم).
هكذا تم إنشاء نقابة " الهسترودوت" باعتبارها نقابة عمالية وموظفين، ومؤسسة للضمان الاجتماعي، في نفس الوقت، وربطت مختلف الأحزاب الإسرائيلية من يمينها إلى يسارها بالوكالة اليهودية، ولا شك أن الدعاية العربية الشوفينية (رمي اليهود في البحر) قد قدمت خدمات في مجال تحقيق مستوى مرتفع من الوحدة الداخلية، وطمس التناقضات الطبقية.
إن طبيعة المجتمع الصهيوني تجعل من التخلي عن الصهيونية أمرا لا يمكن أن يتجه له المجتمع الصهيوني بذاته، بل هو لا يمكن إلا أن ينتزع انتزاعا من خارج دولة إسرائيل. وليس هذا الأمر حالة فريدة في التاريخ، فماركس نفسه قد أشار إلى أمر مشابه بالنسبة لإيرلاندا، فهو يقول: "لقد اعتقدت طويلا أن بالإمكان بفضل نهوض الطبقة العاملة الانجليزية، وقد دافعت دائما عن هذا الرأي في جريدة "نيويورك تريبيون" غير أن دراسة المسالة بمزيد من التعمق أقنعتني بالعكس. إن الطبقة العاملة الانجليزية لن تتمكن من القيام بأي شيء ما لم تتخلص من إيرلاندا ... إن جذور الرجعية الانجليزية في انجلترا قائمة في استعباد إيرلاندا". إن هذا ما يمكن قوله عن الوضع في فلسطين.
إن إمكانية بروز التناقضات الطبقية داخل إسرائيل تعتمد على الوصول بالمجتمع الإسرائيلي إلى الأزمة، أي أنها تعتمد على تغيير ميزان القوى الراهن لصالح حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي، وعلى النضوج السياسي لهذه الحركة،
بحيث تستطيع مخاطبة سكان إسرائيل وإفهامهم أن الصهيونية لم تحل المسألة اليهودية وأنها تلتقي مع اللاسامية في منتصف الطريق، بحيث أن هدف كليهما إخراج اليهود من مختلف الدول وإرسالهم إلى إسرائيل، بحيث بالإمكان طرح حل ديموقراطي للمسألة الفلسطينية، يقدم آفاقا ديموقراطية لمصير سكان إسرائيل، وهنا يكون الحل الديموقراطي كشعار استراتيجي لاعبا لدوره في العمل على تفتيت الجبهة الداخلية لليهود.
إن طبيعة الصهيونية تجعل من المستحيل الجمع بين الولاء للصهيونية والموقف الثوري، فلا يمكن اعتبار الإسرائيلي ثوريا ما لم يكن معاديا للصهيونية بحزم ونشاط، وهذا يتطلب النضال ضد الكيان الإسرائيلي من داخله، والاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، هذا وحده الكفيل بوضع الأسس الموضوعية لتحالف موضوعي بين الثوريين العرب والإسرائيليين.
ملحوظة:
تميل بعض الأوساط اليسارية الأوروبية، وخاصة التروتسكية منها، إلى القول أن من واجب الثوريين العرب الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الإسرائيلي، و تضيف هذه الأوساط أنه ما دام سكان إسرائيل يشكلون شعبا فلا مناص للثوريين من الاعتراف بحق تقرير المصير، و هذا ينم عن عدم فهم للمسألة القومية بشكل عام ،و المسألة الفلسطينية بشكل خاص، فهؤلاء يقفون باسم الأممية الرابعة على بعد متساو من طرفي الصراع القومي ليشجعوا الطرفين و يطالبونهما باعتراف كل طرف بالطرف الآخر ، متصورين أن ذلك يحل المشكلة، متناسين أن هناك مضطهدين (بكسر الهاء) و مضطهدين (بفتح الهاء) و أن من واجب الثوريين الحقيقيين أن يدعموا المضطهد (بفتح الهاء) ضد المضطهد (بكسر الهاء).
وسواء قلنا، أن هناك شعب إسرائيلي، أو كونه في طريق التكون، فهل يعني هذا ضرورة لحق تقرير المصير للشعب الإسرائيلي؟ ماركسيا، فحق تقرير المصير يعني حق الانفصال، والماركسية تعترف بحق تقرير المصير، ولكن بشكل سلبي فقط، فهي لا تجعل من هذا الحق مقدسا طوباويا، بل تجيب بنعم أو لا.
لكل مسألة من مسائل الانفصال طبقا لكل حالة على حدى، مخضعة المسألة لمسألة الصراع الطبقي و الثورة الاشتراكية، هادفة إلى تحقيق السلم القومي ليتخلص الصراع الطبقي من القيود التي يفرضها عليه موضوعيا التناقض القومي، و يقول لينين:
"البروليتاريا تعترف بالمساواة في الحقوق وتقر لجميع الأمم حقا متساويا في إنشاء دولة قومية، ولكنها تضع مصلحة التحالف بين البروليتاريين في جميع الأمم فوق كل اعتبار آخر، وتنظر إلى كل مطلب قومي، وإلى كل انفصال قومي، على ضوء نضال العمال الطبقي. (لينين "مسائل السياسة القومية والأممية البروليتارية").
إن وجود إسرائيل كدولة يشكل إلحاقا بالمعنى الذي يؤكده لينين، فهو يقول " "مفهوم الإلحاق، يفترض عادة:
1-مفهوم العنف، مفهوم الاضطهاد القومي الأجنبي (ضم منطقة أجنبية)، وأحيانا:
2-مفهوم خرق الوضع الراهن
ثم يؤكد، أن الإلحاق، كما يفهمه الماركسيون، هو:
"خرق لحق حرية أمة من الأمم في تقرير مصيرها" وتعيين حدود دولة من الدول خلافا لإرادة السكان".
ومن هنا يصبح من واجب الثوريين الإسرائيليين الاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني، يصبح واجبا عليهم النضال ضد الإلحاق، فهذا هو السبيل الوحيد لتخطي الطابع القومي للمواجهة العربية – الإسرائيلية، ويقول لينين:
"لكي نتمكن من القيام بالثورة الاشتراكية، ومن إسقاط البورجوازية، ينبغي على العمال أن يتحدوا اتحادا وثيق العرى، والنضال من أجل حرية تقرير المصير، أي ضد الإلحاق يسير هذا الاتحاد".
أما مطالبة الثوريين العرب بالاعتراف بحق تقرير المصير للشعب الإسرائيلي، فذلك فهم معكوس للمسألة، ذلك أننا إذا نظرنا إلى المسألة على ضوء مصلحة الثورة الاشتراكية العالمية، كما يجب أن نعمل، فإننا نجد أن هذه المصلحة تقتضي القضاء على الصهيونية ككيان و وجود، أي كدولة أحادية العنصر في فلسطين، و لكن هذا لا يكفي، بل يجب أن توضع الأسس الكفيلة بعدم انبعاث الصهيونية بعد القضاء عليها، وهنا تكمن المشكلة، فحق الشعب الإسرائيلي في تقرير مصيره يعني تشكيل دولة منفصلة في فلسطين، مما يفسح المجال واسعا أمام انبعاث الصهيونية. فما معنى أن تحل المسائل القومية على حساب امتيازات المضطهد (بكسر الهاء)، إذا لم يتناول ذلك في الحالة التي تبحث الامتيازات الأساسية للصهيونية، ألا وهو تشكيلها لدولة إسرائيلية منفصلة.
يقول لينين:
"إن مختلف المطالب الديموقراطية بما فيها حق الأمم في تقرير مصيرها ليست شيئا مطلقا، بل هي جزء من مجموع الحركة الديموقراطية" (اليوم الحركة الاشتراكية العالمية).
من الممكن في بعض الحالات العينية الملموسة أن يناقض الجزء، الكل، وفي هذه الحالة يجب نبذ الجزء. إن أي حل للمسألة الفلسطينية يجب أن يضع في الاعتبار أن تشكيل اليهود لدولة مستقلة في فلسطين (حق تقرير المصير، يعني حق الانفصال) هو خرق في حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره.
← إن الحل الديموقراطي للمسألة الفلسطينية هو الحل، وما عداه هو تكريس للأمر الواقع، وهذا الحل يضع التقدميين الإسرائيليين أمام مسؤوليتهم في دعم النضال الفلسطيني في النضال ضد إسرائيل من الداخل. إن وضع هذا الحل محل التنفيذ يتطلب عملية ثورية، نضالا، هو حرب التحرير الشعبية بقيادة تحالف عظيم ما بين قوى النضال الفلسطيني وقوى الثورة العربية.
عن نشرة "الثوري"
"نحو حل ديموقراطي للمسألة الفلسطينية" 1970
وثيقة من إنجاز "الجبهة الشعبية الديموقراطية لتحرير فلسطين"
الوثيقة السادسة
الأرضية المشتركة للمجلس الوطني الفلسطيني السابع (1970)
1. إن الجماهير الفلسطينية العاملة والكادحة، وكذلك كافة القوى التي لها مصلحة في المشاركة في مرحلة التحرر الوطني الهادفة إلى التحرير الكامل للأرض الفلسطينية، هي القوى المكونة للثورة الفلسطينية.
2. النضال الفلسطيني ينطلق من الإيمان بوحدة الشعب على الأرض الفلسطينية الأردنية، ومن الإيمان بأن الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية، وأن الأرض الفلسطينية جزء من الأرض العربية.
3. إن الثورة الفلسطينية جزء لا يتجزأ من حركة الثورة العربية المعاصرة، وحركة التحرر العالمية ضد الإمبريالية والصهيونية العالمية.
4. أعداء التحرر الوطني الفلسطيني هم الصهيونية ودولة إسرائيل والإمبريالية وكل القوى المتواطئة المرتبطة جدليا و وظيفيا بالإمبريالية والاستعمار.
5. هدف النضال الفلسطيني هو تحرير فلسطين كلها، والعيش المشترك لجميع مواطنيها، متساوين في الحقوق والواجبات، في إطار آفاق وحدة الأمة العربية وتقدمها.
6. إن الحرب الثورية الشعبية هي الطريق الأساسي لتحرير فلسطين.
7. يسعى شعب فلسطين وحركة تحريره الوطني إلى التحرر الشامل ويرفضان كافة الحلول التصفوية والإستسلامية السلمية، بما في ذلك المناورات الرجعية والإمبريالية الهادفة إلى إقامة الدولة الفلسطينية على جزء من الأرض الفلسطينية، كما يرفضان قرار التصفية لمجلس الأمن. (قرار المجلس بتاريخ 22 نوفمبر 1967).
8. تعتبر المقاومة الأرض العربية المحيطة بإسرائيل هي ميدان العمل المشروع للنضال الفلسطيني. وأي محاولة لإغلاق بلد عربي أمام المقاومة، هي بمثابة خيانة للأهداف التحررية لشعب فلسطين والأمة العربية.
9. تؤكد المقاومة استقلالها التام عن كافة الأنظمة العربية، وترفض كل محاولات التطويق أو الرعاية أو التسلل أو الاستعادة.
10. تتفق كافة فصائل المقاومة على تشكيل لجنة عسكرية موحدة لتوسيع نطاق الكفاح المسلح، والانتقال إلى مرحلة جديدة من العمل الفدائي وحرب الشعب التحريرية.
11. إن تسليح الجماهير الفلسطينية والعربية في الدول المتاخمة للأرض الفلسطينية المحتلة ضرورة حيوية لحماية المقاومة من محاولات التصفية، ولمشاركة هذه الجماهير بشكل مباشر وفعال في مكافحة العدوان الامبريالي الصهيوني.
12. إسرائيل في جوهرها مجتمع عنصري منغلق مرتبط بالإمبريالية. ولذلك فإن القوى التقدمية المحدودة داخلها لا تستطيع إحداث تعديل جذري في طبيعتها الصهيونية والعنصرية والإمبريالية. ويترتب على ذلك، أن هدف الثورة الفلسطينية هو تصفية كيان إسرائيل الصهيوني بمؤسساته المختلفة وتحقيق كافة أهداف الثورة.
=النقاط التي يتم الاتفاق عليها تصبح ملزمة للجميع، أما النقاط التي لم يتم الاتفاق عليها بعد، فهي متروكة لمبادرة كل منظمة في إطار منظورها الخاص، والمصلحة العامة للثورة.
وستشارك كافة الفصائل في المجلس الوطني الفلسطيني المقبل والمؤسسات المنبثقة عن منظمة التحرير الفلسطينية. وأهمية كل منظمة داخل المجلس، لن تكون موضوع نقاش بين المنظمات.
بقرار من المجلس الوطني، تنشأ لجنة مركزية تضم كافة فصائل المقاومة لتتولى دورها القيادي، وتحل محل القيادة الموحدة. وستضم اللجنة المركزية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وممثلي كافة تنظيمات المقاومة، ورئيس المجلس الوطني، وقائد جيش التحرير.
حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح
منظمة التحرير الفلسطينية وكافة المؤسسات التابعة لها (جيش التحرير الشعبي، قوات التحرير الشعبية، اللجنة التنفيذية)
طلائع حرب التحرير الشعبية (الصاعقة)
الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين
الجبهة الشعبية الديمقراطية لتحرير فلسطين
المنظمة الشعبية لتحرير فلسطين
جبهة النضال الشعبي الفلسطيني
المنظمة العربية الفلسطينية
الجبهة الشعبية (القيادة العامة)
جبهة التحرير العربية
منظمة عمل التحرير الفلسطينية

الوثيقة السابعة
فتح: الثورة الفلسطينية واليهود (1970)
ǀ موقف الفلسطينيين من اليهود
منذ سنة. أصدرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح برنامجها السياسي رسميا، وحددت الهدف النهائي لنضالها التحرري:
"إننا نناضل اليوم من أجل إنشاء فلسطين الغد الجديدة، فلسطين تقدمية وديمقراطية وغير طائفية، يتمتع فيها المسيحيون والمسلمون واليهود بحرية العبادة والعمل والعيش في سلام، ويتمتعون بحقوق متساوية".
ونقرأ أيضا:
"إن ثورتنا الفلسطينية تمد يدها لكل من يريد أن يقاتل معها للعيش في فلسطين المتسامحة والديمقراطية، دون تمييز في العرق أو اللون أو الدين".
وهذا البيان كان يكرره ويشرحه ويكمله ممثلو فتح في كل مرة يشاركون فيها في تجمع دولي. ونقل عدد من الصحافيين هذه الجملة عن الناطق الرسمي باسم فتح أبو عمار (ياسر عرفات):
"عندما نهزم العدو ونحرر فلسطين، سننشئ وطنا لنا جميعا".
أبو أياد، أحد قيادات فتح أعلن في مقابلة مطولة مع دار النشر "الطليعة":
"أن الثورة الفلسطينية أدانت كافة أشكال الاضطهاد والتمييز، وأن فتح، مستعدة لمساعدة اليهود، أينما كانوا، إذا تعرضوا لاعتداءات عنصرية".
لم يكن مثل هذا الإعلان مجرد حجة دعائية بسيطة: بل كان من المقرر أن يتجسد بعد بضعة أسابيع، في يوليوز/تموز1969، عندما قام الطلاب المنتسبون إلى فتح بحماية البروفيسور اليهودي إيلي لوبيل، في فرانكفورت، ألمانيا، ضد الهجمات ومحاولة القتل التي ارتكبت ضده، من قبل الصهاينة الألمان. وبالمثل، قامت فتح بحماية حياة أعضاء حزب ماتزبين اليهودي في ألمانيا الذين تلقوا تهديدات بالقتل في أعقاب هذا الحادث.
فكرة ثورية
وإذا كان كل هذا يبدو صعب التصديق، فذلك بسبب المرارة التي ولدتها المأساة الفلسطينية، منذ وعد بلفور واحتلال فلسطين، من قبل الصهاينة. أدى هذا الاحتلال إلى طرد الفلسطينيين من وطنهم ونزوحهم، من أجل إنشاء "دولة يهودية على وجه التحديد: "إسرائيل".
إن الدعوة إلى فلسطين جديدة منفتحة ومتسامحة تجاه اليهود وغير اليهود تمثل نقطة تحول في النضال الفلسطيني. لكن هذه الفكرة ليست جديدة:
فقد اقترح الفلسطينيون إنشاء مثل هذه الدولة على لجنة بيل عام 1937، وعلى الكونت برنادوت عام 1948. أما فكرة جعل اليهود والمسلمين والمسيحيين يعيشون في سلام ووئام، فهي أيضا فكرة قديمة جدا.
وأعلنت فتح:
"هذا ليس حلماً طوباوياً أو وعداً كاذباً، لأننا عشنا دائماً بسلام، مسلمين ويهوداً ومسيحيين، في الأرض المقدسة. لقد آوى عرب فلسطين اليهود الفارين من الاضطهاد في أوروبا المسيحية وساعدوهم". كما رحبوا بالأرمن المسيحيين الفارين من اضطهاد تركيا المسلمة، واليونانيين، والقوقازيين، والمالطيين وغيرهم".
الجديد، هو أن العرب غير اليهود المنفيين والمطرودين من ديارهم والمطرودين من وطنهم على يد اليهود المستوطنين في فلسطين، لا يزال بإمكانهم، رغم كل شيء، وبينما يلوحون بالبنادق ويسارعون إلى تحريرهم ووجودهم ذاته، أن يطالبوا بدولة تجمعهم مع الضحايا السابقين والمعتدين والمضطهدين السابقين.
وهذه الفكرة ثورية ونتائجها متعددة ومهمة.
هذه الفكرة ثورية جدًا في الواقع، لدرجة أن قلة من الناس، خارج أولئك المتأثرين بشكل مباشر، يمكنهم الإيمان بها ودعمها. ومع ذلك، فإن فكرة فلسطين ديمقراطية غير طائفية هي فكرة مرغوبة وممكنة في نفس الوقت. ويكفي أن نؤمن بها ونناضل من أجل تحقيقها، مهما كانت التضحيات، من أجل إحلال السلام الدائم في فلسطين.
الفلسطينيون المنفيون
ثلاثون عاماً من الانتداب والهيمنة الإنجليزية أتاحت للشعب الفلسطيني أن يعرف عدوه جيدا. في أذهان الناس، كانت الإمبريالية البريطانية والإمبريالية الصهيونية مرتبطتين ارتباطًا وثيقا.
وقد اشتبه العديد من الفلسطينيين بالفعل في المؤامرة التي كانت تحاكها هاتان الإمبرياليتان، وهي على وجه التحديد، إنشاء "وطن قومي يهودي" وطرد العرب الفلسطينيين.
حدثت ست ثورات دموية بين عامي 1919 و1939. وكانت موجهة بشكل أساسي ضد المحتل البريطاني. ولكن مهما كانت مسؤولية الإنجليز - وهي عظيمة - فقد تم طرد الفلسطينيين فيما بعد على يد الإرهابيين اليهود. وفي غضون أشهر قليلة، تم طردهم من بلادهم بسبب مجازر مثل مذبحة دير ياسين وألقوا بهم في الصحراء القريبة. وفي الوقت نفسه، دعا قادة مضطهديهم إلى إنشاء "وطن يهودي حصريًا"، معتبرين إياهم، المنفيين، مواطنين من الدرجة الثانية، يستحقون الطرد من وطنهم.
اليهود والصهاينة
وقد تحمل بعض القادة "المثقفين" عناء التمييز بين اليهود والصهاينة، وكرروا: "نحن لسنا مناهضين لليهود، نحن مناهضون للصهيونية. نحن أيضًا ساميون واليهود أبناء عمومتنا". ولكن بدا من غير الواقعي أن نسمعهم يقولون: "من بين أفضلنا، هناك يهود، نحن فقط ضد دولة إسرائيل".
وفي بؤسهم، لم يعد اللاجئون يميزون: فقد أخبرهم الإسرائيليون أنفسهم أن كل اليهود في العالم هم صهاينة. الضغط "اليهودي" على الولايات المتحدة، والأموال "اليهودية"، والمهاجرين اليهود، كل هذا أعطى الانطباع بأن العدو يفرض نفسه في كل مكان وأن أمل عودة الفلسطينيين كان غير مؤكد للغاية.
فلا نستغرب إذن سيادة المرارة والخوف. أصبحت "بروتوكولات حكماء صهيون" أدباً عصرياً ومعادياً للسامية، طورته العنصرية الأوروبية في سياق مختلف تماماً، في الوقت الذي كان فيه اليهود الضحايا، وانتشر في كل مكان تقريباً. وانتشرت هذه الموجة من المرارة والكراهية والارتباك إلى الدول العربية الأخرى، ومساعدة الدعاية الصهيونية التي أرادت إثارة رحيل اليهود العرب من وطنهم للانضمام إلى الأراضي المحتلة.
في الواقع، كان الآلاف من هؤلاء اليهود سيبقون في وطنهم، لو كانت الظروف غير ذلك، وكانوا سيستمرون في العيش، كما كانوا لمئات السنين، في سلام ووئام مع جيرانهم.
الثورة، عهد جديد
في الأول من كانون الثاني (يناير) 1965، أطلقت فتح، بعد ست سنوات من الإعداد العسكري والعمل السياسي، عملية الثورة الفلسطينية. لقد أمضيا العامين الأولين في ترسيخ وجودهما في "الساحة" الفلسطينية. لقد وضعت تجربة عام 1967 المؤلمة والنزوح الثاني الذي أعقبها الفلسطينيين بشكل نهائي على طريق الثورة.
يمكنهم أخيرا حمل السلاح والعودة إلى ديارهم للقتال ضد المحتل. لقد أدركت الجماهير الفلسطينية أن تحريرها لا يمكن أن يأتي من عمل الجيوش العربية، في شكل حرب كلاسيكية، بل من خلال حرب التحرير الشعبية. واستعاد الشعب الثقة، وولدت الأمة من جديد. الكرامة (معركة الكرامة) والانتصارات الأخرى، التضحيات والمقاتلون الذين سقطوا على أرض المعركة، والتصعيد المسلح، جسّد وعزّز الشعور بالانتماء إلى فلسطين.
وفي الوقت نفسه، جلبت الثورة النضج للمقاتلين. وعلى الرغم من التناقض الذي قد يبدو عليه الأمر، إلا أن أولئك الذين يقاتلون يصبحون أكثر تسامحا. العنف في الأفكار والكلمات لا يصاحبه إلا الإحباط واليأس.
بدأت الطريقة التي ننظر بها إلى العدو تتغير، وبدأ التمييز بين اليهودي والصهيوني يأخذ معنى. إن الرغبة في الانتقام ليست كافية لشن حرب تحرير. بدأ المقاتلون بالتفكير في أهدافهم النهائية. أدت المناقشات مع المثقفين اليهود التقدميين الذين جاؤوا من جميع أنحاء العالم للدخول في حوار مع الثورة إلى عمق أكبر من أي وقت مضى.
العقيدة الجديدة
وقام قادة الثورة بدراسات ومناقشات أدت إلى تساؤلات جدية: لقد عانى اليهود من الاضطهاد على يد العنصريين المجرمين، النازيين، كما نعاني من الصهاينة. ثم نقوم بإنشاء أوجه تشابه كاشفة. "كيف يمكننا أن نكره اليهود كيهود؟" سأل الثوار أنفسهم، فكيف وقعنا في فخ العنصرية؟
تم إجراء دراسة للتاريخ والفكر اليهودي: غالبية الذين أتوا إلى فلسطين كانوا فارين من معسكرات الاعتقال الألمانية. فقيل لهم: أنتم شعب بلا أرض لأرض بلا شعب. وتم التأكيد لهم أن الفلسطينيين قد غادروا فلسطين بمحض إرادتهم، بعد أوامر القادة العرب، كجزء من خطة غادرة لتنفيذ مذبحة عامة لليهود.
ثم رددت "الآلة" الصهيونية للمهاجرين اليهود الجدد، كما للمستوطنين القدامى، أنه لم يكن هناك سوى بديل واحد: إما القتال من أجل البقاء وحماية "إسرائيل"، أو التعرض للذبح، أو، في أحسن الأحوال، الفرار في زورق خطير على البحر، البحر المتوسط.
وحتى اليهود العرب - الذين يطلق عليهم الصهاينة اسم "اليهود الشرقيين" - الذين كانوا مع ذلك، داخل إسرائيل، عرضة للتمييز من جانب الأوليغارشية الأوروبية الصهيونية، كان عليهم أن ينتهي بهم الأمر إلى قبول الحجة، والنضال من أجل ما اعتبروه بقائهم على قيد الحياة.
كان الهدف من القتال ضد الصهيونية هو الكشف للفلسطينيين عن نقاط قوة وحدود الشخصية اليهودية. لم يكن اليهود وحوشا، ولا رجالا خارقين، ولا أقزاما. وتشكلت صورة إنسانية جديدة لليهودي. مارتن بوبر، إسحاق دويتشر، إلمر بيرجر، وموشيه مينوهيم، كل هؤلاء المفكرين الإنسانيين اليهود تمت قراءتهم وإعادة قراءتهم.
صورة جديدة
لقد حرر الثائر الفلسطيني نفسه من معظم صوره النمطية القديمة. ويدهش الزوار الأجانب عندما يزورون قواعد الكوماندوز، وبشكل خاص معسكرات “الأشبال”، أشبال الأسود المقاتلة. إن الثائر الفلسطيني مستعد للموت من أجل تحرير فلسطين ولن يقبل أي بديل مهما كان الثمن الذي سيدفعه. لكن لديه فكرة واضحة عن العدو والهدف النهائي. عندما جاء الطلاب اليهود من أوروبا لقضاء جزء من الصيف في الأردن في مخيم الفتح، تم تبنيهم بشكل عفوي.
وتتطلع فتح إلى اليوم الذي يأتي فيه آلاف اليهود للقتال إلى جانبها من أجل تحرير فلسطين. ونظراً للأحداث الأخيرة، فمن الممكن أن يحدث هذا في وقت أقرب مما نعتقد.
الخطوة الأولى:
اتخذ الثوار الفلسطينيون الخطوة الأولى بالمطالبة بإنشاء فلسطين ديمقراطية غير طائفية. هناك تغيير في الموقف: فالفلسطينيون المنفيون والمضطهدون يعيدون تحديد أهدافهم ويريدون إنشاء فلسطين جديدة تضم أيضًا اليهود الحاليين في إسرائيل.
ولكي يصبح هذا الهدف قابلا للتحقيق، لا بد من البدء بالانتباه للمحاور، ما هو الموقف الحالي لليهود فيما يتعلق بمثل هذا الهدف، وما الذي يمكن أن يغير حالتهم الذهنية؟ سيتم التعامل مع هذا الموضوع الآن. ومن ثم سندرس فلسطين الجديدة، وندرس كيف تظهر نفسها في المرحلة الراهنة من الثورة. ونأمل أن تساعد هذه الطريقة في بدء حوار جدي، ثورتنا شابة وديناميكية، وسيواصل نشطاؤها النضال والتعلم حتى النصر.
ǀǀ موقف اليهود من الفلسطينيين
إن الثورة الفلسطينية، كما قلنا، اعتمدت رسميا كهدف نهائي لنضالها التحرري إنشاء فلسطين ديمقراطية غير طائفية، يستطيع المسيحيون واليهود والمسلمون العيش فيها دون تمييز. ويمثل تبني هذا الهدف تغييرا ثوريا في منظور مستقبل فلسطين. الفكرة، بالطبع، ليست جديدة تماما، فقد عاش الفلسطينيون المسيحيون والمسلمون واليهود معا لعدة قرون في سلام ووئام، أو على الأقل مع الحد الأدنى من الاحتكاك.
ومع ذلك، فإن الاحتلال الصهيوني لفلسطين واقتلاع جزء كبير من سكانها، مسلمين ومسيحيين، مدفوعين بالإرهاب والخداع والقوة الغاشمة، قد أحدث تغييرا عميقا في عقليتهم.
لقد تعلم الفلسطينيون المنفيون أن يكرهوا اليهود باعتبارهم مضطهدين، وإمبرياليين، والسبب الوحيد لعذاباتهم. وأشاروا إلى أن اليهود المضطهدين، بعد أن وجدوا ملجأ في فلسطين، أصبحوا بدورهم مضطهدين. وأصبح من الصعب على العديد من الفلسطينيين المضطهدين التمييز بين اليهود والصهاينة، والارتقاء فوق معاناتهم والتمييز بوضوح بين أعدائهم الحقيقيين.
وكانت النتيجة الأهم للثورة الفلسطينية هي تحرير الفلسطينيين من قيودهم وبؤسهم وإذلالهم ويأسهم. ما إن استطاع الفلسطيني أن يحمل البندقية بيده ويتحكم في مصيره، حتى كبر ونضج بسرعة.
بدأت الثورة على الفور بإجراء دراسات عن عدوها ونفسها. إن حركة التحرير التقدمية لا يمكن أن تستلهم الانتقام ولا يمكن أن تحددها العنصرية التي تميز عدوها في رغبته في الغزو. ومنذ ذلك الحين، نظرنا إلى تاريخ معاناة الشعب اليهودي وأهدافه.
ساعدت المناقشات الجادة مع اليهود التقدميين من أوروبا وأمريكا في تشكيل صورة جديدة لليهود بشكل عام، ولكن أيضا لليهود كصهاينة وكمواطنين فلسطينيين: رجال، بعد أن تعرضوا للاضطهاد من قبل بعض الأوروبيين العنصريين والنازيين، تم التلاعب بهم من قبل العنصريين والنازيين، والأوروبيين الصهاينة الذين وجهوهم إلى فلسطين مكان الفلسطينيين المطرودين.
نجحت الثورة في إحداث تغيير جذري في تفكير الفلسطينيين وموقفهم من عدوهم، ولم يعد الفلسطينيون مدفوعين بمشاعر الكراهية تجاه اليهود في حد ذاتهم، ويعتبرونهم أعضاء في مجتمع مثل الآخرين، سواء كانوا مسيحيين أو مسلمين.
إن سلوكهم وموقفهم من الفلسطينيين وثورتهم، كل هذا يصبح أكثر أهمية من اسمهم، ولغتهم أو معتقداتهم الدينية، ويناضل الفلسطينيون من أجل إقامة دولة ديمقراطية متسامحة وأرض محررة "لنا جميعا"، يهودا ومسيحيين ومسلمين. ويعتبر هذا التغيير في الموقف الخطوة الأولى نحو إنشاء دولة جديدة، وسيكون التغيير في موقف اليهود، الذين من جانبهم يفهمون الفلسطينيين وثورتهم، أمرا آخر. فلسطين منفتحة ومتعددة ومتسامحة تجاه اليهود.
إن المسلمين والمسيحيين أفضل بكثير من دولة عنصرية خالصة، تأسست على مبدأ الإقصاء والبؤس لجزء من سكانها. ما مدى إمكانية تحقيق هذا الهدف؟
هذا سيعتمد على موقف اليهود داخل فلسطين وخارجها وعلى مدى تقدم الثورة. وكما درسنا موقف الفلسطينيين المسلمين والمسيحيين، سندرس الآن موقف اليهود وردود أفعالهم.
محاولة لتحليل السلوك اليهودي
إن أي محاولة لدراسة وتفسير السلوكيات وردود الفعل الأخلاقية لمجموعة سكانية ما تخضع لصعوبات، وقد يشتبه في تحيزها وتشويهها. ونحن لا ندعي التحرر من هذا النوع من الضعف، ولكننا سنحاول التقليل من تأثيره.
سنبدأ بالاقتباسات المباشرة وبالرجوع إلى المستندات عندما يكون ذلك ممكنا.
هناك مشكلة أساسية تتطلب دراستنا، وهي أن معظم السلوكيات و"الإيديولوجيات" التي تمت دراستها، بناها الصهاينة، من خلال رعاية منظمتهم الدعائية. ربما لم يتم قبولها من قبل جميع أو أغلبية اليهود في العالم، ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن الصهاينة نجحوا إلى حد كبير في ربط اليهودية بالصهيونية في نظر غالبية اليهود، وخاصة في الدول الغربية. وقد ساعدت الفظائع التي ارتكبها النازيون والتهديدات المعادية لليهود في العديد من البلدان، على أن يحافظ الصهاينة على قبضتهم على عقول اليهود في كل مكان.
فبدون أموال اليهود، وبدون نفوذهم السياسي، وبدون دعمهم، لم تكن إسرائيل لتتمكن من البقاء، ولما كان الاحتلال الإمبريالي الصهيوني قد استمر. وفي نهاية المطاف، فإن قوة ونفوذ يهود العالم، الذين يتلاعب بهم الصهاينة، هو الذي أدى إلى إدامة مأساة الفلسطينيين وقمعهم واستعبادهم ونفيهم.
ولذلك من المهم جداً أن ندرك المشاعر التي يشعر بها اليهود تجاه الفلسطينيين، وكيف ينظرون إليهم "كشعب" وإلى أي مدى أثرت هذه المشاعر على العمل الذي أدى إلى طرد الفلسطينيين. والأهم من ذلك أن نسأل هل يمكن تغيير هذا الرأي؟
كيف ينظر الصهاينة إلى الفلسطينيين؟
في البداية، كان موقف الصهاينة تجاه الفلسطينيين هو ببساطة تجاهل وجودهم. العبارة الشهيرة لإسرائيل زانغويل:
"أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" تلخص هذا الموقف.
وقد عبر حاييم وايزمان عن حكم أكثر "روعة":
"هناك دولة، على ما يبدو، تسمى فلسطين، دولة بلا سكان، ومن ناحية أخرى، هناك شعب يهودي، وليس لديه هذا البلد. ما الذي يمكن فعله سوى وضع الحجر الكريم في الخاتم، لتوحيد الناس في وطنهم؟ "
ويشير أوري أفنيري إلى أن تيودور هرتزل، في كتابه "الدولة اليهودية" الذي أطلق الحركة الصهيونية الحديثة، اهتم بساعات العمل وسكن العمال وحتى بالعلم الوطني، ولا يقول لنا كلمة واحدة عن عرب فلسطين.
بالنسبة للصهاينة كان العربي هو "الرجل الخفي". نفسياً، لم يكن موجوداً، ومع ذلك، فإن هذا الموقف لا يمكن أن يصمد أمام اختبار الحقائق. تم اكتشاف فلسطين لتكون دولة مزدهرة في وقتها، نما عدد سكانها وأنجزت مهمتها، وزرعت ترابها في سلام نسبي، وقدمت مساهمتها بشكل عام للمجتمع العربي. وتؤكد العديد من التقارير التي نشرت في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أن العرب الفلسطينيين، على سبيل المثال، كانوا ينشطون بشكل مكثف في مجال الحمضيات، لقد أنتجوا برتقالا ذا جودة استثنائية كان مشهورًا بالفعل في القرن الثامن عشر.
أشار آحاد هعام، وهو يهودي روسي وفيلسوف عبري، في عام 1891 إلى أن فلسطين ليست فارغة، وأن ذلك يطرح مشاكل، وأوضح بعد رحلة إلى فلسطين، أنه كان من الصعب العثور على أراضٍ عربية هناك، والتي لم يتم العثور عليها بعد تم النعناع البري.
عندما علم ماكس نورداو، الزعيم الصهيوني، بوجود سكان عرب في فلسطين، ركض إلى هرتزل، وهو يصرخ:
"لم أكن أعرف ذلك! ولكن بعد ذلك، نحن نرتكب الظلم..."
ثم يتناول الإنتاج الصهيوني للكليشيهات، موضوعًا آخر قبله عدد كبير من اليهود والمسيحيين في أوروبا وأمريكا، وساهم بشكل كبير في تحديد موقف اليهود من الفلسطينيين.
وبحسب الصهاينة، فقد صادف أنهم عاشوا في فلسطين بالصدفة، كانوا متخلفين، ولم يكن لهم كيان وطني ولا حضارة. وقد تم تبني هذا الرأي في إعلان بلفور سيئ السمعة، حيث وصف الفلسطينيين بأنهم شعب أصلي، قد يكون له حقوق دينية ومدنية، ولكن ليس حقوقًا سياسية، ولا يشكل شعبًا حقيقيًا. لاحقًا، تم اختراع أنهم في الواقع ليسوا عربًا بل بدوًا، بدوًا متجولين، ينهبون تربة فلسطين الخصبة ويجلبون هذه الأرض الرائعة من الحليب والعسل إلى حالة من الدمار المتزايد.
وبالتالي، فإن هبوط اليهود الأوروبيين في فلسطين سيكون نعمة هناك، "لأن اليهودي الأوروبي كان حاملا لحضارة متفوقة، وسيّد التكنولوجيا الأوروبية، وكان قادرا على جلب بركات هذه الحضارة إلى السكان البدو في فلسطين". ومن الواضح أن هذه كانت "مهمة حضارية" نموذجية.
علاوة على ذلك، كان هرتزل نفسه مستعمرا أوروبيا، وإمبرياليا ألمانيا، بقدر ما كان يهوديا، ولم يخف ذلك:
"مع اليهود،" كما قال، "سيصل العنصر الثقافي الألماني إلى الشرق، وسيصل إلى الشرق، وسيصل إلى الشرق". "الدليل هو أنه، حتى لو كانوا من أصل يهودي، فإن الكتاب الناطقين بالألمانية هم الذين يقودون الحركة الصهيونية. إن الألمانية هي لغة المؤتمر (مؤتمر بازل) والغالبية العظمى من اليهود يشاركون في الثقافة الألمانية".
ويضيف أبعد من ذلك بقليل:
"إذا أراد الله أن نعود إلى وطننا التاريخي، فعلينا أن نعمل كممثلين للحضارة الغربية، وأن نجلب عادات الغرب المصاغة بعناية إلى هذه الزاوية البائسة من الشرق، المثقلة بالمصائب".
صورة القادة الفلسطينيين
لم يتوافق الفلسطينيون مع الصورة التي قدمها لهم الصهاينة، وعلم العالم في نهاية المطاف أن هناك فلسطينيين مستعدين للقتال من أجل العيش أحرارا. وقد وجد صانعو الشعارات الصهيونية إجابة على هذا السؤال بسهولة: كان من الممكن أن يصبح الفلسطينيون مواطنين مطيعين لو لم يلوثهم المحرضون والمتعصبون. لقد كانت الصراعات الأسرية أو العائلية أو "القبلية" بين الأغنياء، هي التي تسببت وحدها في هذه المشاكل.
هذه الصراعات من شأنها أن تتسبب في دمار عامة الناس وهم الذين سيدفعون الثمن. ويصف موريس صموئيل القادة الفلسطينيين بأنهم:
"جيش من الكسالى والفنانين خلف الكواليس ومثرثري المقاهي الطفيليين، الذين هم المسؤولون الأولون عن الأجواء غير المستقرة. ولا يمكن تنفيذ النشاط السياسي في فلسطين من قبل "السكان الأصليين" الذين لا يفهمون هذه الأمور والأشياء، ولكن فقط من قبل المحرضين".
الموقف من "اللاجئين" الفلسطينيين
تم إنجاز استعمار فلسطين واقتلاع الفلسطينيين جزئيًا في عام 1948، واكتمل في عام 1967. وقد تحققت أخيرًا كل الأحلام والبرامج الصهيونية. تم إنشاء وطن لليهود في فلسطين، وأصبح "السكان الأصليون" لاجئين ومنفيين محرومين من منازلهم وحقوقهم الوطنية. إن هذه المأساة الإنسانية الكبرى، التي جلبت البؤس والذل واليأس لمليون، ثم مليون ونصف رجل، كانت قضية مظلمة، وجريمة مع سبق الإصرار.
وقد تم تقديم هذا الوضع الجديد على النحو التالي: لقد باع الفلسطينيون أراضيهم لليهود، ثم فروا من البلاد للسماح للجيوش العربية بقتلهم. وهكذا، فعلها هؤلاء الخونة الأصليون مرة أخرى، رفضوا العيش في سلام مع الأوروبيين الذين جلبوا الحضارة، واستمعوا إلى المحرضين الذين استولت عليهم شهوة فكرة المذبحة اليهودية.
فالفلسطينيون لا يستحقون أي تعاطف في بؤسهم وخسارتهم لوطنهم، بل ينبغي وصمهم أو السخرية منهم. ويمكن أيضًا استيعابهم بسهولة في الدول العربية الأخرى. لقد كان شغفهم بفلسطين سخيفاً وغبياً وفي غير محله. ولم يكن لديهم أي سبب يجعلهم متحمسين للعودة إلى ديارهم، فربما كانت مخيمات اللاجئين الحالية أكثر راحة من أكواخهم في فلسطين. علاوة على ذلك، ألم يكن هؤلاء البدو دائمًا من البدو الرحل؟ لماذا يشكون؟
وبعد ذلك، يواصلون الغش في الإحصائيات التي يقدمونها للأمم المتحدة: فهم يزيفون الأرقام لزيادة أعدادهم والحصول على المزيد من حصص الإعاشة. باختصار، إنهم فريسة للديماغوجيين والمحرضين الذين يستخدمونهم كبيادق في لعبة سياسية عالمية.
وقبل كل شيء، لا ينبغي لهم أن يتظاهروا بالعودة إلى فلسطين الصهيونية! لقد أصبحت متحضرة، ولم تعد ملكا لهم. لن يشكلوا سوى طابور خامس، جيش من المخربين أو المتعاونين مع العدو. وعلى أية حال، فقد تم تعويضهم إلى حد كبير من قبل "اليهود الشرقيين" من الدول العربية.
إن هذا العرض للأشياء، القائم على مهمة حضارية وعلى تدمير شخصية الفلسطينيين، لا يزال قائما حتى اليوم: هؤلاء الثوار ليسوا سوى إرهابيين، نحن نعلم أن الفلسطينيين ليسوا قادرين على المشاعر والأفعال الشجاعة والشجاعة والوطنية: إنهم لا يجيدون إلا الازدواجية والمؤامرة.
لكن التاريخ يظهر أن الفلسطينيين لم يبيعوا وطنهم: ففي عام 1948، كان اليهود يمتلكون أقل من 6% من الأراضي، وتم شراء أقل من 1% من الفلسطينيين. لم يغادر الفلسطينيون بلادهم بأوامر من الزعماء العرب: لقد غادروا في حالة من الرعب وطاردهم الصهاينة. لذا فإن المشكلة هي كيف تم دفع اليهود إلى قبول مثل هذه النظرة المضللة للأشياء.
المفارقة اليهودية
إن حقيقة قبول الدعاية الصهيونية من قبل يهود العالم أجمع، ونجاحها في تحديد موقف اليهود تجاه الفلسطينيين، هي في الواقع أمر مدهش للغاية، فقد كان هناك دائمًا يهود استمروا في إعلان الحقيقة، لكنهم كانوا الأقلية. أما الآخرون فقد قدموا الرجال والمال وثقل نفوذهم لجعل إسرائيل حقيقة واقعة، وإدامة الجرائم المرتكبة ضد الفلسطينيين، أهل الكتاب، رجال النور، ضحايا المذابح الروسية والإبادة الجماعية النازية وداتشاو ومعسكرات الاعتقال الألمانية الأخرى، يغلقون أعينهم وآذانهم، ويغيرون الأدوار، من المظلومين إلى الظالمين. هذه هي المفارقة اليهودية في العصر الحديث.
كتب آحاد هعام، في بداية القرن، أن سلوكهم يظهر أن اليهود لم يتعلموا شيئا من تاريخهم.
ويصرح:
"ماذا يفعل إخواننا في فلسطين؟ على العكس تماما من السابق: لقد كانوا خدما في أرض منفاهم، ووجدوا أنفسهم فجأة في صيف من الحرية غير المحدودة وغير المقيدة، والتي لا يمكن العثور عليها إلا في تركيا. هذا وقد أحدث التغيير المفاجئ ميلا نحو الاستبداد، كما هو الحال دائما عندما يصبح العبد هو السيد، ويعاملون العرب بعدوانية وقسوة، ويقيدون حقوقهم بشكل غير معقول، ويهينونهم بلا سبب، ويأخذون المجد منهم. ولا أحد يتخذ أي إجراء ضد هذا التوجه الدنيء والخطير".
وفي عام 1919، كتب يهودي آخر، وهو دبليو برون:
"نحن الذين نعاني من الاضطهاد في جميع أنحاء العالم، والذين يطالبون باحترام حقوق الإنسان في بلادنا، نحن ذاهبون إلى فلسطين لعكس الأدوار هناك".
في عام 1923، لاحظ عالم الأنثروبولوجيا اليهودي الأمريكي غولدنوايزر بقلق، أن اليهود في فلسطين متحيزون ضد الفلسطينيين، ويعتبرونهم أقل شأنا، وروى زياراته للمدارس اليهودية، حيث تحدث معه المعلمون عن غباء العرب ودونيتهم الفطرية.
عندما سأل غولدنوايزر أحد المعلمين اليهود، عما إذا كان يعلم هذا لطلابه، أجاب المعلم: "لكنهم يعرفون ذلك بأنفسهم".
يقول آرثر كوستلر أن "كل يهودي، سواء كان ماركسيا أم لا، يعتبر نفسه عضوا في العرق المختار، ويعتبر العربي أقل منه".
الفصام الأخلاقي
هذه المفارقة، المنتشرة على نطاق واسع بين اليهود في عصرنا، تسمى "الفصام الأخلاقي"، "قصرا لنظر الأخلاقي"، من قبل الصحفي اليهودي جيإف ستون.
هذا الشخص، الذي تم توسيمه من قبل منظمة الإرغون عام 1948، كتب مقالًا ثاقبًا للغاية في عام 1967. إنه يجري مقارنات دقيقة للغاية بين السلوك الصهيوني وسلوك النازيين، ويستخلص منها استنتاجات نفسية، رافضًا الحجج الإسرائيلية بشأن نزوح الفلسطينيين، يقول السيد ستون:
"إن الرأي القائل بأن اللاجئين فروا "طوعًا"، أو لأن قادتهم ضغطوا عليهم للقيام بذلك إلى ما بعد انتهاء القتال، لا يستند إلى أسطورة فحسب، بل لا يشكل حتى تهديدًا مبررا: هل فقد اللاجئون اليهود الألمان حقهم في استعادة ممتلكاتهم، بحجة أنهم فروا "طوعا" من بلادهم في عهد هتلر؟
ويواصل السيد ستون:
"إن الإرهاب اليهودي، من خلال مذابح الإرغون الوحشية، مثل تلك التي وقعت في دير ياسين، وأيضا تحت ضغط أقل وحشية من الهاغاناه، "شجع" العرب في حد ذاته على مغادرة المناطق التي أراد اليهود الاستيلاء عليها لأسباب استراتيجية أو ديموغرافية. لقد ضمنوا أنه في أكبر جزء ممكن من إسرائيل سيكون هناك أقل عدد ممكن من العرب.
وفيما يتعلق بما يسمى "التعويض" الذي يمكن إقامته بين الفلسطينيين و"اللاجئين اليهود" من العالم العربي، يقول السيد ستون: "ينظر العرب الفلسطينيون إلى هذا "التعويض" بنفس الطريقة التي ينظر بها اليهود الألمان. عندما قام الرايخ الثالث، رفض إعادة البضائع بحجة "تعويضها" عن خسائر اللاجئين الألمان من السوديت. ويشير إلى أن ""قصرا لنظرا لأخلاقي" هذا، يسمح للصهاينة بالإصرار على حقوق الشعب اليهودي في فلسطين بعد ألف وتسعمائة عام من المنفى، وحرمان اللاجئين العرب من هذه الحقوق نفسها بعد تسعة عشر عامًا فقط من الغياب".
ويضيف ستون:
"إن انعدام الجنسية هو الموضوع الرئيسي للصهيونية، لكن حق اللاجئين العرب في هذا الوضع المثير للشفقة محروم تماما".
ومرة أخرى:
"إن أولئك الذين عانوا من آثار العنصرية والتمييز في جسدهم وفي كرامتهم، هم أقل عذرا، لكونهم عنصريين، من أولئك الذين لا يستطيعون أن يعرفوا إلا من خلال الخيال الأثر المدمر للتحيز العنصري".
يروي السيد ستون مقابلة مع موشيه ديان، على شاشة التلفزيون الأمريكي، 11 يونيو 1967، أعلن ديان أنه إذا تمكنت إسرائيل من استيعاب الفلسطينيين في "الأراضي المحتلة"، فإنها لن تفعل ذلك، لأنها ستحول إسرائيل إلى دولة عربية يهودية متعددة الجنسيات، بدلاً من ذلك دولة يهودية "نريد دولة يهودية مثلما لدى الفرنسيين دولة فرنسية".
ويخلص ستون إلى أن "إسرائيل تخلق نوعا من الفصام الأخلاقي في يهود العالم وفي الشتات، ويعتمد خلاص اليهودية على وجود مجتمعات علمانية وعنصرية و"تعددية".
وفي إسرائيل تجد اليهودية نفسها تدافع عن مجتمع، حيث لا يمكن تشريع الزواج المختلط، حيث يتمتع غير اليهود بوضع أدنى من اليهود، وحيث يكون المثل الأعلى عنصرياً وحصريا.
يجب على اليهود أن يقاتلوا في الشتات، من أجل أمنهم ووجودهم، والمبادئ والممارسات التي يجدون أنفسهم يدافعون عنها في إسرائيل. أولئك الذين يأتون من العالم الخارجي، حتى في لحظات حماسهم الأكبر لإنجازات إسرائيل، يشعرون بنوبات من رهاب الأماكن المغلقة، ليس جغرافيا فحسب، بل روحيا أيضا.
وسرعان ما بدأ أولئك الذين وقعوا في الحماسة النبوية يشعرون بأن النور الذي توقعوه من صهيون، هو في الواقع مجرد قومية جديدة وضيقة.
ومع ذلك، فإن فترات أعظم النجاحات الإبداعية لليهودية، يجب أن ترتبط بحضارات ذات طابع متنوع وبلحظات عظيمة من التوسع والتسامح: خلال الفترة الهيلينية، في ظل الحضارة العربية في شمال أفريقيا، في إسبانيا، في أوروبا الغربية وأمريكا.
إن القيم العالمية، لا يمكن أن تكون إلا ثمرة رؤية عالمية: فعظمة الأنبياء تكمن في قدرتهم على تجاوز حدود التنظيم العرقي. لا يمكن للقومية ليليبوتية (المتناهية الصغر) أن تخلق حقائق صالحة للبشرية جمعاء. هذه هي جذور الاختلاف المتزايد بين اليهود والإسرائيليين، فالأول لديهم إحساس بمهمة الشهود في الغابة البشرية، أما الأخيرين فيهتمون فقط برفاهية قبيلتهم.
هل سيغير اليهود سلوكهم؟
لقد أظهرنا من خلال هذه الاقتباسات، أنه كان هناك دائمًا يهود يعارضون الصهيونية أخلاقياً، ولم يكن هناك أبدًا رأي يهودي متجانس حقا.
إن نجاح الدعاية الصهيونية في تحفيز غالبية اليهود وجذبهم إليها، لا يمكن أن يُعزى إلى الخداع أو التلاعب الفكري وحده. اليهود أذكياء، بما يكفي لعدم الاستسلام للدعاية وحدها. إن معاداة السامية في الغرب، والنفاق السائد في المجتمعات الغربية على أسس عنصرية ودينية، هو الذي دفع اليهود أخيرا، تدريجيا، إلى هذا الفصام الأخلاقي المذكور أعلاه.
وبصراحة، يجب أن نضيف إلى هذه العوامل سلوك العرب الخاطئ في كثير من الأحيان.
قبل الثورة الفلسطينية، سادت المواقف المعادية لليهود في العالم العربي، ولا شك أن ذلك كان نتيجة للسلوك المعادي للعرب من جانب اليهود. ولم يتمكن الفلسطينيون من تقديم حل إنساني ومعقول للصهيونية الإسرائيلية. لقد وجد اليهود صعوبة في العيش في الدول العربية، وألقت مشكلة الأقليات بظلال من الشك على هذا الاحتمال، لكي يجدوا الأمن في وسط العالم العربي دون وجود إسرائيل عسكرية.
والحقيقة، أن اليهود استفادوا خلال الفترة 1948-1967 من الأمن، بينما حرم الفلسطينيون، وربما العرب الآخرون معهم، من الأمن.
لقد خلقت الثورة الفلسطينية بديلاً جديدا:
لا أمن في دولة عنصرية، بل كل الأمن في فلسطين ديمقراطية جديدة.
هناك حوار يتطور بين الثوار الفلسطينيين واليهود الليبراليين التقدميين والاشتراكيين، وحتى المحافظين المتدينين. ويفتح اليهودي أذرعه أكثر فأكثر لاحتضان الثورة الفلسطينية والترحيب بها.
إن الصهاينة قلقون حقاً من هذه الظاهرة الجديدة. وقد اتهم مقال نشر في صحيفة جيروزاليم بوست بتاريخ 2 يوليو 1969 هؤلاء اليهود بأنهم خونة جدد لشعبهم، واعتبر تحالفهم مع الثورة هو الأكثر خطورة وتهديدا، وعلى الرغم من تسليط الضوء على ظاهرة الفصام الأخلاقي اليهودي. يتلقى الضمير صدمة باكتشاف العواقب النهائية للصهيونية.
لكن، يمكننا أن نعتقد أن اليهود غير الإسرائيليين سوف يتفاهمون مع الثورة الفلسطينية قبل اليهود الإسرائيليين. ففي نهاية المطاف، تقبل الفرنسيون في باريس الثورة الجزائرية بسهولة أكبر من تقبل الفرنسيين للأقدام السوداء. ومع ذلك، يجب أن تستمر الجهود في فلسطين لجذب اليهود إلى الثورة. إن تقدمنا سيكون له عواقب، ومن الواضح أنها ستؤدي إلى تصلب موقف بعض الصهاينة اليهود ضد الفلسطينيين، وخاصة الأوليغارشية التي لن تخسر إلا في فلسطين المفتوحة والديمقراطية، ولكنها سوف تخلف أيضاً تأثيراً مفيداً، من خلال إظهار أن إسرائيل المكرسة للاستثناء هي موطن، وليس ملجأ، بل موطن لانعدام الأمن، ولن تكون قادرة على الاستمرار.
وتتحمل الثورة الفلسطينية مسؤولية كبيرة في اتخاذ قرار بكسب اليهود لقضيتها بالأفعال، وليس بالأقوال فقط. ولا ينبغي للثورة - بل ولن تفوتها - أن تفوت أي فرصة لتثبت ليهود العالم ويهود فلسطين، أنها ستقف معهم إذا اضطهدوا، وأنها عازمة على خلق وإحياء مجتمع معهم. فلسطين الجديدة التي لن تقوم على الغش أو العنصرية أو التمييز، بل على التعاون والتسامح.
إذا نجحت مثل هذه الحملة في الفوز على الأرض وفي القلوب، فإن فلسطين الديمقراطية ستصبح محتملة ومرغوبة وقابلة للتحقيق.
كيف سيبدو هذا البلد الجديد؟ ماذا تعني الثورة الفلسطينية حقاً بهذه الكلمات: ديمقراطية، تقدمية، وغير طائفية؟ إنها أسئلة جدية تتطلب عناية خاصة، وستكون موضوع الجزء الأخير من هذه الدراسة.
ꓲꓲꓲ فلسطين الديمقراطية الجديدة
من المؤكد أن إنشاء مجتمع تقدمي منفتح على كافة الفلسطينيين هو حل أفضل من رمي "العرب في الصحراء" أو "اليهود في البحر". ولكن لكي يكون هذا الحل ممكنا، يجب أن يكون مقبولا من قبل الأطراف المعنية، وكذلك من قبل شعوب العالم، باعتبارها طرفا ثالثا معنيا، ويجب أن يثبت أن هذه الخطة يمكن أن تنجح.
وقد سبق أن تناولنا سلوك الثورة الفلسطينية في تحقيق هذا الهدف، مع التركيز على موقفها من اليهود. لقد تم إثبات حدوث تغيير ثوري: فلم يعد الفلسطينيون ينظرون إلى اليهود كأعداء بالوراثة، إنهم يحددون بوضوح العدو على أنه دولة إسرائيل العنصرية الاستعمارية وحلفائها الإمبرياليين. ومن خلال قراءة الأدب اليهودي، والتواصل مع اليهود التقدميين في جميع أنحاء العالم، واكتساب المزيد من الثقة مع تقدم الثورة، يتغير السلوك الفلسطيني.
ثم، تم تحليل سلوك اليهود. تستمر الدعاية الصهيونية في النظر إلى الفلسطينيين على أنهم بدو وإرهابيون متعطشون للدماء وخونة. لكن عدداً من اليهود - وخاصة أولئك الذين يعيشون خارج فلسطين - يغيرون رأيهم ويلتفون حول الدعوة إلى فلسطين تقدمية وغير طائفية. ويظل تغيير عقلية وسلوك اليهود الفلسطينيين مهمة لم تنجزها الثورة بعد. لكن حرب التحرير الشعبية التي تهدف إلى تدمير الدولة الإمبريالية العنصرية ستخلق ظروفا معيشية جديدة تجعل فلسطين جديدة ممكنة.
وهكذا تغير جذريا البديل المقدم ليهود فلسطين. في السابق كانت دولة إسرائيل قوية حيث خطر الإلقاء في البحر، أما اليوم، تقترح الثورة، بدلاً من انعدام الأمن في إسرائيل الحصرية والعنصرية، "فلسطين مفتوحة وآمنة ومتسامحة لجميع سكانها."
ومن ثمة، فإن الثورة الفلسطينية، تميل على المدى الطويل إلى تجنيد اليهود الفلسطينيين وغير اليهود في قوات التحرير، وهذا يشكل خطوة مهمة نحو تحقيق هدفها النهائي، ولكن هذا يتطلب تغييراً عميقاً في السلوك اليهودي.
ولتحقيق هذا الهدف، لا بد الآن من بلورة وتوضيح مشروع فلسطين الديمقراطية.
الصعوبات والقيود:
من الصعب ومن المجازفة، في هذه المرحلة الأولى من الثورة، أن نصدر بياناً واضحاً وقاطعاً حول ما ستكون عليه فلسطين الجديدة المحررة؟
إن الواقعية، وليس الحلم الرومانسي، هو ما يجب أن يكون عليه نهجنا الثوري الرئيسي،
ولا نعتقد أن النصر قريب. إن الثورة لا تستهين بالعدو وحلفائه الإمبرياليين. إن ما سيحدث خلال سنوات النضال الشاق من أجل التحرير لا يمكن التنبؤ به بسهولة. هل سيصبح سلوك اليهود الفلسطينيين أكثر صرامة أم مرونة؟ اندفاعة جديدة نحو اليمين، وتزايد الإرهاب ضد العرب؟
.......
ومن ناحية أخرى، إذا انضم اليهود إلى الثورة بأعداد كبيرة، أو تعاونوا معها، فإن ذلك من شأنه أن يوفر أساسًا أكثر صلابة لتنمية فلسطين الجديدة. والثورة تعمل بجدية لتحقيق الفرضية الثانية. إن عمليات حرب العصابات موجهة بشكل أساسي ضد الأسس العسكرية والاقتصادية للدولة الاستعمارية الصهيونية. عندما يتم اختيار هدف مدني، يتم بذل جهد لتقليل الخسائر في أرواح المدنيين، على الرغم من صعوبة التمييز بين المدنيين وغير المدنيين في هذا المجتمع الإسبرطي (نسبة إلى اسبارطة) الحديث، حيث تتم تعبئة كل شخص بالغ.
ومن خلال ضرب مناطق غير عسكرية على وجه التحديد، نحاول إثارة صدمة نفسية بين الإسرائيليين، من خلال جعلهم يفهمون أن الدولة العنصرية والعسكرية لا تستطيع أن توفر لهم الأمن، عندما تنظم إبادة جماعية ضد الجماهير الفلسطينية المنفية والمضطهدة. وفي حالة القنبلة التي وقعت في شارع ديزنغوف في تل أبيب، قام مقاتلو "فتح" بتأجيل العملية ثلاث مرات لاختيار موقع (أمام مبنى قيد الإنشاء) ووقت (حوالي منتصف الليل) بهدف زيادة الضوضاء وتقليلها إلى أقصى حد. وكانت النتيجة إصابة عدد قليل من الأشخاص، لكن بعض عمال المناجم اهتزوا، وأدى ذلك إلى تفكير جدي.
ومهما حدث، وعلى الرغم من كل الشكوك، فإن الثوار الفلسطينيين، مدفوعين باليقين بمستقبل أفضل لأرضهم المضطهدة، يجعلك تفكر الآن، وتجد إجابات لآلاف الأسئلة المتعلقة بهذا المستقبل. وحتى لو كانت هذه الردود عشوائية، فإنها ستفتح حوارا يمهد الطريق نحو حلول ناضجة وإنجازات مثمرة.
نبذة عن فلسطين الديمقراطية:
1. الأرض
إن فلسطين ما قبل عام 1948، كما تم تعريفها خلال الانتداب البريطاني، هي الأرض التي يجب تحريرها وإنشاء دولة ديمقراطية وتقدمية عليها. فلسطين المحررة ستكون جزءاً من الوطن العربي، ولن تكون دولة أجنبية داخل هذا الوطن.
إن الاتحاد المحتمل بين فلسطين والدول العربية الأخرى من شأنه أن يجعل مشكلة الحدود أقل أهمية، ويضع حداً للطبيعة المصطنعة للوضع الحالي لإسرائيل، وربما للأردن. ستكون الدولة الجديدة معادية للإمبريالية، وستنضم إلى صفوف الدول التقدمية والثورية. وبالتالي، سيتعين عليها أن تقطع الروابط، الحيوية اليوم بالنسبة لإسرائيل، للاعتماد الكامل على الولايات المتحدة، وسيكون اندماجها في المنطقة مطلبا أساسيا.
ويجب أن يكون واضحا تماما أن فلسطين الجديدة المذكورة هنا ليست فقط الضفة الغربية المحتلة من نهر الأردن، أو أراضي غزة، التي هي مناطق يحتلها الإسرائيليون منذ حزيران / يونيه 1967.
إن وطن الفلسطينيين الذي اغتصبوه واستعمروه عام 1948، هو لا يقل تكلفة أو أهمية عن الجزء المحتل عام 1967. ومن ناحية أخرى، فإن مجرد وجود دولة إسرائيل العنصرية والقمعية، القائم على الترحيل والنفي القسري لجزء من مواطنيها، لا يمكن أن تقبله الثورة، حتى لو كانت مجرد قرية فلسطينية صغيرة، فإن أي ترتيب لصالح الدولة الاستعمارية غير مقبول، ولا يمكن أن يستمر.
فقط، سكان فلسطين هم الدائمون: اليهود والمسيحيون والمسلمون في بلد يدمجهم جميعا.
2. المكونات
يحق لجميع اليهود والمسلمين والمسيحيين الذين يعيشون في فلسطين أو الذين تم نفيهم قسراً من هذا البلد، الحصول على الجنسية الفلسطينية. ويضمن هذا المبدأ حق جميع الفلسطينيين المنفيين في العودة إلى وطنهم، سواء ولدوا في فلسطين أو في المنفى، وبغض النظر عن جنسيتهم الحالية. وهذا يعني أيضًا أن جميع اليهود الفلسطينيين -الإسرائيليين حاليًا- يتمتعون بنفس الحقوق، بشرط رفضهم بالطبع للشوفينية الصهيونية والعنصرية، والقبول الكامل بالعيش كفلسطينيين في فلسطين الجديدة.
ولذلك ترفض الثورة بشكل صريح المبدأ الذي يقضي بقبول اليهود الذين عاشوا في فلسطين قبل عام 1948، أو قبل عام 1914، وأحفادهم فقط. ففي نهاية المطاف، ولد ديان وألون في فلسطين قبل عام 1948، وهما، مثل العديد من زملائهما، صهيونيان عنصريان متشددان، ومن المؤكد أنهما غير مؤهلين للحصول على مكانة فلسطينية.
وفي مقابلة شهيرة، أكد أبو إياد، أحد مسؤولي فتح، أنه ليس فقط اليهود التقدميين المناهضين للصهيونية، بل حتى الصهاينة الحاليين الذين يظهرون استعدادًا للتخلي عن أيديولوجيتهم العنصرية، سيتم الترحيب بهم كمواطنين فلسطينيين. وترى الثورة أن معظم اليهود الإسرائيليين الحاليين سيغيرون سلوكهم وينضمون إلى فلسطين الجديدة، خاصة بعد تدمير آلة الدولة الأوليغارشية والاقتصاد الطبقي والمؤسسة العسكرية.
3- الإيديولوجيا
إن الفلسطينيين، خلال نضالهم التحريري، وفي وقت تحريرهم، هم الذين سيقررون نظام الحكم والتنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لوطنهم المحرر. (ويتكرر هنا أن مصطلح "الفلسطينيين" يشمل الفلسطينيين العرب المنفيين، والذين يعيشون في الأراضي المحتلة، وكذلك اليهود المناهضين للصهيونية).
ومع ذلك، فإن فلسطين الديمقراطية والتقدمية ترفض عن طريق الإلغاء أي شكل من أشكال الحكم الثيوقراطي أو الإقطاعي أو الأرستقراطي أو الاستبدادي أو العنصري الشوفيني. ستكون دولة لن تسمح بقمع أو استغلال جزء من السكان من قبل مجموعة أخرى، أو من قبل أفراد، دولة ستمنح فرصًا متساوية لكل مواطن في العمل، وإنجاز الواجبات الدينية، والتعليم، والحق في الحياة السياسية، والقرار والتعبير الثقافي والفني.
وهذا ليس حلما طوباويا، لأن النضال من أجل تحقيق فلسطين الجديدة في حد ذاته، يخلق المناخ اللازم لنظام الحكم المستقبلي، أي أن حرب التحرير الشعبية تولد قيما جديدة وتثير سلوكا جديدا، هو ضمانة للديمقراطية التي ستلي التحرير. والدليل على ذلك، هو التغير في السلوك تجاه العمل الجماعي الذي لوحظ في مخيمات اللاجئين والمقاتلين في الأردن ولبنان. يوافق الفلسطينيون وغيرهم من الإخوة الذين ينضمون إليهم طوعا على العمل وتوفير سبل عيشهم، لا يوجد استغلال ولا استعباد. إن قيم الحياة البشرية تتغير.
وخلافاً للغارات الإسرائيلية بالنابالم وعمليات القتل العشوائية التي تقوم بها، فإن المقاتلين الفلسطينيين يختارون أهدافهم، مما يظهر أشكالا جديدة من العلاقات الإنسانية. لا يمكن إقامة علاقة السيد والعبد بين المقاتلين الذين يقاتلون من أجل الحرية. إن زيادة الوعي بالأبعاد الدولية لمشكلتهم، ومراعاة من يدعم الظالم ومن يساعد المظلوم، يخلق مسؤوليات جديدة تجاه المجتمع الدولي، وخاصة تجاه أنصار التحرر والديمقراطية.
ولذلك فإن الفلسطينيين لن يقبلوا بعد تحريرهم أن يخضعوا لأحد، ولن يقيموا نظام قمع ضد أي فئة، لأن ذلك سيكون نفياً لسبب وجودهم وتنازلاً عن مثلهم الثوري. وهذا واضح في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان والأردن. وبعد اثنين وعشرين عامًا من القمع والإذلال على يد الشرطة السرية والمستغلين المحليين، استيقظت المعسكرات على الثورة.
في النضال، كسر المنفيون أغلالهم، وطردوا الشرطة السرية وجواسيسهم والمستغلين الذين كانوا حلفاءهم، وأنشأوا إدارة ديمقراطية مستقلة. تم إنشاء الخدمات الطبية والتعليمية والاجتماعية محليًا من قبل المنظمات الثورية على أساس المبادرة الشخصية التي أعادت الكرامة واحترام الذات، وانخفضت معدلات الجريمة في هذه المعسكرات بشكل كبير إلى 10% مما كانت عليه قبل الثورة. لقد حل الانضباط الشخصي محل الشرطة.
وأقامت الميليشيا الجديدة حلقة وصل بين الطليعة الثورية وقواعد الجماهير الشعبية، ويتم وضع الضوابط الديمقراطية. إن هؤلاء الفلسطينيون لن يقبلوا القمع أو الخضوع، ولن يفرضوا مثل هذا النظام على أحد. لقد اكتشف الصحفيون وغيرهم من الزوار الأجانب أنه لا يوجد في أي مكان في العالم العربي أشخاص ناضجون ومتسامحون مع اليهود كما هو الحال في مخيمات الأردن ولبنان، وخاصة بين "الأشبال". هؤلاء الشباب الفلسطيني (الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و16 عامًا) متحررون تمامًا من أي عقدة معادية لليهود. لديهم رؤية أوضح لفلسطين الديمقراطية الجديدة من البورجوازيين الذين يعيشون في المدن. هؤلاء المراهقون هم محررو الغد، وسوف يكملون تدمير القمع الإسرائيلي ويعيدون بناء فلسطين الجديدة.
وفي نهاية المطاف، إذا كانت فلسطين الديمقراطية والتقدمية هذه لا تزال مجرد مدينة فاضلة، فإن المقاتلين الفلسطينيين وسكان المخيمات بصدد تحقيقها.
مفهومان خاطئان:
لقد ظهرت في بعض الأوساط تفسيرات مختلفة لفلسطين الديمقراطية، الأمر الذي يتطلب التوضيح، والتصحيح أحياناً. وسنحاول هنا مناقشة اثنين من هذه التفسيرات التي تبدو ذات أهمية خاصة بالنسبة لنا:
1) لا ينبغي الخلط بين مفهوم فلسطين غير الطائفية ومفهوم الدولة المتعددة الأديان أو ثنائية القومية. ولا ينبغي لفلسطين الجديدة أن تُبنى حول ثلاث ديانات للدولة أو جنسيتين، فهو يعني ضمنا، بشكل أكثر بساطة، غياب الاضطهاد الديني الذي تتعرض له مجموعة من قبل مجموعة أخرى، وحرية الفرد في ممارسة شعائره الدينية دون تمييز. لا ترغب الثورة في أي تصلب في القواعد الدينية. ولا يتصور أي توزيع صارم محدد مسبقًا، على أسس دينية للوظائف السياسية والمناصب المهمة الأخرى. النموذج اللبناني (حيث تقوم هرمية رجعية أو شبه إقطاعية أو رأسمالية تجارية بتقسيم المناصب والوظائف على أساس الانتماء الطائفي، لإدامة الهيمنة على الجماهير) غريب تماماً عن روح الثورة. وقد كرر ياسر عرفات عدة مرات أن رئيس فلسطين المحررة يمكن أن يكون يهودياً أو مسلماً أو مسيحياً، ليس بسبب دينه أو الطائفة التي ينتمي إليها، بل بحكم جدارته كفلسطيني. علاوة على ذلك، تتشابكا لحدود الدينية والعرقية بشكل وثيق في فلسطين، بحيث أصبح مصطلح ثنائية القومية والثنائية العربية اليهودية لا معنى له، أو الأفضل من ذلك، مفتوح تمامًا للطعن.
إن غالبية اليهود الموجودين حاليا في فلسطين هم من اليهود العرب، ولذلك فإن فلسطين تجمع العرب اليهود والمسيحيين والمسلمين، وكذلك اليهود غير العرب، واليهود الغربيين.
2) لا يمكن لفلسطين الديمقراطية الجديدة أن تشكل بديلاً عن التحرير، بل على العكس من ذلك، فهو هدفها الأسمى. دولة دمية في الضفة الغربية وفي منطقة غزة، إسرائيل منزوعة الأيونات على طراز أفنيري، أو "مبسترة". أو كونفدرالية سامية، ترفضها الثورة بشكل قاطع.
إنها مخططات عنصرية تهدف إلى خداع الفلسطينيين وغيرهم من العرب، من أجل الحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية والخضوع الفلسطيني. كل هذه الخطط تنص على استمرار العدوان الأساسي الذي أدى إلى التهجير القسري للفلسطينيين وقمع الجماهير. إن الشرط الذي لا غنى عنه لفلسطين الجديدة يتطلب تدمير الأسس السياسية والاقتصادية والعسكرية للدولة الاستعمارية الشوفينية والعنصرية. إن الحفاظ على آلة عسكرية متقدمة تكنولوجياً، بفضل التدفق المستمر لرأس المال الغربي، وتبادل السكان، سمح للمنظمة الصهيونية التوسعية بمواصلة عدوانها وتكراره، وتصفية هذه المنظمة ضرورية لميلاد فلسطين الجديدة.
الفترة الانتقالية:
من المنطقي تمامًا أن يتم اتخاذ التدابير الجماعية الانتقالية مباشرة بعد التحرير، بل وحتى أن يستمر بعضها في الدولة، أي أن امتيازات جماعية أو جماعية معينة تُمنح إلى جانب الامتيازات الفردية البحتة. وسيكون لليهود وغير اليهود الحق في ممارسة شعائرهم الدينية وتطوير ثقافتهم ولغتهم. ومن الطبيعي، على سبيل المثال، أن يتم تدريس اللغتين العربية والعبرية كلغتين رسميتين في المدارس الحكومية لجميع الفلسطينيين، اليهود وغير اليهود.
سيتم ضمان الحق في حرية التنقل داخل وخارج البلاد. وسيسمح للفلسطينيين الراغبين في مغادرة البلاد طوعا بالقيام بذلك. وستكون الهجرة محدودة خلال فترة انتقالية عند عودة جميع الفلسطينيين المنفيين الراغبين في العودة إلى وطنهم. وفي الدولة الدائمة الطبيعية، ستخضع الهجرة لأنظمة متفق عليها، ومع الأخذ بعين الاعتبار القدرة الاستيعابية للبلاد، ستكون الهجرة مفتوحة دون تمييز. سيتم ضمان حرية الوصول والزيارة والحج وكذلك السياحة - مع مراعاة الأنظمة العادية - لجميع اليهود والمسلمين والمسيحيين في العالم، الذين يعتبرون فلسطين مكانًا مقدسًا للحج والتأمل.
هل فلسطين الجديدة قابلة للحياة؟
يصرح العديد من النقاد ذوي النوايا الحسنة، أنه على الرغم من أن إنشاء فلسطين ديمقراطية أمر ممكن، إلا أنه لن يستمر لفترة طويلة، حجتهم الرئيسية هي أن التوازن الديموغرافي والثقافي سوف يكون لصالح اليهود. وهذا العامل، برأيهم، سيؤدي إما إلى وضع متفجر أو إلى سيطرة الدولة، فلسطين الجديدة على يد اليهود والعودة إلى الدولة الصهيونية الجديدة المقنعة. هذه الحجة جادة وتبدو معقولة تمامًا في السياق الحالي للانقسام الأوروبي، الذي يقدم العرب كمجموعة عرقية متخلفة...
أما بالنسبة للسكان، فيوجد حاليا 2.5 مليون يهودي في فلسطين، مقارنة بـ 2.6 مليون عربي فلسطيني (مسيحيين ومسلمين) في الأراضي المحتلة قبل عام 1967 وبعدها، وفي المنفى، لكن معدل المواليد ومعدل النمو الطبيعي الصافي أعلى بين العرب الفلسطينيين منه بين اليهود في فلسطين.
كانت الهجرة السبب الرئيسي لزيادة عدد اليهود، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أن 250 ألف يهودي غادروا فلسطين بشكل دائم منذ عام 1949، خلال فترة ساد فيها الأمن النسبي، وكان معظم هؤلاء المهاجرين من اليهود الأوروبيين. علاوة على ذلك، فإن غالبية المهاجرين الجدد هم من اليهود العرب الذين وجدوا صعوبة بالغة في البقاء في بلادهم، بعد إنشاء ووجود دولة إسرائيل الاستعمارية المعتدية.
سيؤدي النضال الثوري، حتما، إلى زيادة معدل الهجرة، وخاصة أولئك الذين يتمتعون بوضع متميز في الدولة العنصرية والذين سيكونون مترددين في التكيف مع مجتمع مفتوح ومتنوع. وبالتوازي مع هذا التطور، سيكون التحديث المتزايد في الدول العربية وموقفها المتسامح تجاه جميع الأقليات، بما في ذلك المواطنين اليهود. وقد بدأت فتح بالفعل مفاوضات مع العديد من الدول العربية من أجل السماح للمهاجرين اليهود باستئجار ممتلكاتهم وإعادتها إليهم، مما يضمن لهم المساواة الكاملة في الحقوق.
ومن المتوقع أن تؤدي كل هذه العوامل إلى الحفاظ على التوازن الديموغرافي النسبي في فلسطين.
أما مستوى التنمية الاجتماعية والتعليمية، فهو يتزايد بسرعة بين الفلسطينيين العرب. وتشير التقديرات إلى أن عدد الفلسطينيين في المنفى من حاملي الشهادات الجامعية يتجاوز 50 ألفاً، وقد أدوا ببراعة أدوارا كمعلمين وفنيين، ومارسوا المهن الحرة في العديد من الدول العربية، خاصة في شبه الجزيرة العربية.
لقد واجه الفلسطينيون العرب هذا التحدي الثقافي قبل عام 1948، ونجحوا في فترة قصيرة نسبياً لم تتجاوز الثلاثين عاماً لدعم المنافسة مع اليهود في الزراعة والصناعة والتعليم وحتى في مجال التمويل والمصارف. إن عرب فلسطين، متسلحين بروح الثورة المنتصرة، ومفعمين بالأمل بفضل الصداقة الحميمة التي أظهرها لهم العديد من اليهود، سيكونون شركاء فعالين ومتساوين في بناء الوطن الجديد.
إن اندماج فلسطين في المنطقة العربية سيزيد من حيويتها الاقتصادية والسياسية. سيتم استبدال المقاطعة العربية الحالية بالمساعدات الاقتصادية والعلاقات التجارية، وهو الهدف الذي فشلت دولة إسرائيل الاستعمارية فشلاً ذريعاً في تحقيقه، وظلت تابعة لأميركا منذ ولادتها.
خاتمة:
إن مفهوم فلسطين الديمقراطية غير الطائفية، ليس واضحًا تماما بعد، ويحتاج إلى مزيد من الدراسة، ولكننا لا نستطيع أن نفعل ما هو أفضل في هذه المرحلة من النضال الصعب من أجل التحرير. لقد تغلب الفلسطينيون على مرارتهم وإحباطهم في وقت قصير نسبيا من خلال الكفاح المسلح.
قبل سنوات قليلة، كان مجرد مناقشة هذا المشروع، يعتبر تصفية للمشكلة، أو خيانة عظمى. وحتى اليوم، يجد بعض العرب صعوبة في قبول الهدف الذي اقترحناه، ويأملون سراً ـأو علنا ألا يشكل هذا الهدف أكثر من مجرد عمل دعائي تكتيكي.
حسنًا، دعنا نقول ذلك بشكل قاطع ونهائي، هذا ليس كل شيء. تهدف الثورة الفلسطينية إلى النضال من أجل إنشاء فلسطين ديمقراطية وغير طائفية جديدة، كهدف طويل المدى لحركة التحرير. إن إبادة اليهود أو الفلسطينيين المنفيين وإقامة دولة عنصرية أو ثيوقراطية في فلسطين، سواء كانت يهودية أو مسيحية أو مسلمة، أمر غير مقبول على الإطلاق، ولا يمكن أن ينجح أو يدوم. إن الجماهير الفلسطينية المضطهدة ستقاتل وستقدم كل التضحيات من أجل إسقاط الدولة القمعية والحصرية.
إن العنصريين الإسرائيليين منزعجين بشدة من فكرة فلسطين ديمقراطية، ويكشف هذا السخط تناقضات الصهيونية، كما يكشف الفصام الأخلاقي الذي أصاب يهود العالم منذ إنشاء إسرائيل.
إن تبني هذا الهدف الجديد من قبل العديد من اليهود التقدميين، الذين لآرائهم أهمية، يخيف الصهيونية العالمية، وقد تعرض العديد من هؤلاء اليهود للتهديد والتحرش من قبل الصهاينة بسبب تمسكهم بمبادئ فلسطين الديمقراطية كهدف نهائي للانفراج.
وشن الصهاينة حملة لتشويه سمعة هذه الفكرة، خاصة بين اليهود، وكان جهدهم عبثا.
إن قوة المنطق وذكرى سنوات من الاضطهاد الذي عانت منه المجتمعات الحصرية على يد العنصريين تفتح أعين اليهود وغيرهم، وتجعلهم يفهمون أن الحل الدائم الوحيد الذي سيحقق السلام الدائم والعدالة لفلسطيننا، هو بناء دولة تقدمية وديمقراطية، بلد منفتح ومتسامح لنا جميعاً.
V- ملحق
نظرا لشح المراجع والمصادر فيما يخص وثائق ومصادر تتعلق بتجربة الحزب الشيوعي الفلسطيني، ومن ثمة إمكانية تقديم تقييم نقدي لتلك التجربة مع تسليط الضوء على معطياتها ومراحلها، فقد اخترنا مقالا نقديا من توقيع ماهر الشريف تحت عنوان "الماركسية الفلسطينية، من أين أتت، وإلى أين تسير".
وجدير بالذكر، أننا لا نتفق مع جوانب مختلفة من المقال، خاصة من جهة المرجعية الإيديولوجية التي يقوم عليها النص النقدي، وكذلك المعالجة التاريخية لتجربة الحركة الشيوعية العالمية ودروسها خاصة نصوص و وثائق الأممية الشيوعية الثالثة الخاصة بحركات التحرر الوطني ... و نأمل في العودة إلى هذا الموضوع مستقبلا إذا توفرت الشروط، و هو ما ننتظره من اليسار الفلسطيني عموما، فيما يخص تجاربه النضالية.

الماركسية الفلسطينية، من أين أتت وإلى أين تسير
ماهر الشريف
تشكل الحزب الشيوعي الفلسطيني قي سنوات العشرينات (القرن20) بمساهمة من المهاجرين من أصول أوروبية، وعرف في تاريخه تقلبات عديدة أثرت على معالجته للمسألة الوطنية والديموقراطية، وقد لعبت علاقته بالاتحاد السوفياتي دورا سلبيا في تطوره. ومع انطلاق الانتفاضة الأولى ونهاية الروابط بالاتحاد السوفياتي بعد سقوطه، راجع الحزب مبادئه التنظيمية ودوره في المجتمع، وانطلق في بناء ما أسماه حزب الشعب الفلسطيني. وفي الحقيقة، منذ مؤتمره الثاني الذي انعقد في نهاية أكتوبر 1991 قرر الحزب تبني برنامج جديد وتغيير اسمه، فأصبح يسمى "حزب الشعب الفلسطيني"، فماذا تعني هذه التغييرات؟ هل تخلى الحزب عن الماركسية؟ أو هي محاولة لتجذيرها وتطويرها بطريقة مستقلة في فلسطين؟ فالحزب يعلن أنه "استمرار للتقليد الثوري للشيوعيين الفلسطينيين خلال العشرينات السابقة" ومع ذلك، فهناك اختلاف مع مؤتمره الأول سنة 1983.
سيحاول الكاتب ماهر الشريف أحد القادة السابقين "للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" جوابا على هذه الأسئلة، وذلك من خلال التطرق للفترات الرئيسية في تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين، و سيظهر كيف أن استعمال الماركسية تطور في سياق ميزته الأساسية و هي التبعية للمركز الشيوعي العالمي، و ينطلق الكاتب من فرضية مفادها أن هذه التبعية لمركز ما، يعتقد أنه يمثل الماركسية الصحيحة، يعني الحزب الشيوعي للاتحاد السوفياتي، ساهم في منع الشيوعيين الفلسطينيين من تطوير فكر ماركسي مستقل و مواقف لواقع بلادهم، و رغم ذلك، فقد كانت هناك جوانب إيجابية لهذا المركز، عندما دعمت اللجنة التنفيذية للأممية الشيوعية تعريب الحزب الشيوعي في فلسطين في سنوات العشرينات.
تظهر الحالات المختلفة من قبل شبلي جميل و سلامة موسى تأخر المثقفين العرب حتى بعد اندلاع ثورة أكتوبر، عن فهم و استيعاب الفكر الماركسي و الاشتراكي بشكل عام، و لم تبدأ ترجمة النصوص إلى العربية إلا في الثلاثينات (القرن 20). وتعرف الماركسيون الأوائل على الماركسية عن طريق لينين، وليس عن طريق ماركس مباشرة، ثم إن الأمر ظل يتعلق، في المشرق عموما بمجموعة صغيرة من المثقفين، اللذين تعرفوا على أفكار ماركس عن طريق اتصالهم بالغرب، وتعرفهم على ثقافات ولغات غربية، ولم يقدم أي عرض لأفكار ماركس إلا سنة 1915، عن طريق الكاتب المصري مصطفى حسنين المنصوري "تاريخ المذاهب الاشتراكية". هكذا، لم يترجم كتاب "البيان الشيوعي" عن طريق خالد بكداش إلا سنة 1933، بينما لم يترجم كتاب "الرأسمال" إلا سنة 1947 عن طريق المترجم راشد البراوي (هناك رأي أخر يرى أن أول ترجمة للكتاب تمت سنة1931 عن دار الانجلو مصرية). وقد صرح يوسف إبراهيم يزبك أحد مؤسسي الحزب الشيوعي السوري اللبناني في استجواب مع مجلة "دراسات عربية" في غشت 1971، صرح أنه لم يقرأ أي عمل لماركس و انجلز إلا منذ مدة قصيرة، وكتابه الأول الذي قرأه هو "ما العمل" سنة 1926، ويظهر أن ترجمة مؤلفات لينين قد بدأت في العشرينات، مثل "الدولة والثورة" الذي ترجم من طرف أحمد رفعت، ونشر في القاهرة سنة 1922.
وقد كان هذا طبيعيا بشكل عام، فشخص لينين ونشاطه وتفكيره قد أغرى كل من كان يطمح إلى تغيير ثوري في بلدان مستعمرة وشبه مستعمرة، وكانت أفكار لينين حول الامبريالية والاضطهاد القومي والاستعماري والتحرر الوطني، كلها أفكار تغري الشباب الثوري.
بدايات الشيوعية الفلسطينية
ككل حزب شيوعي عربي، كان الحزب الشيوعي الفلسطيني خاضع لقرارات وقوانين الأممية الثالثة (انظر شروط الانتساب للأممية الثالثة: 21 شرطا). لقد ولد الحزب الشيوعي الفلسطيني في بداية العشرينات تحت الانتداب البريطاني، وبمبادرة من ثوريين يهود غرباء عن الواقع الفلسطيني، كانوا متأثرين بتجربة الصراع الطبقي التي عاشوها في أوروبا قبل الهجرة إلى فلسطين، مما جعلهم يفضلون المسألة الاجتماعية على مسألة التحرر الوطني.
إن هذه الرؤية الضيقة ساهم في تدعيمها المؤتمر السادس للأممية الشيوعية صيف 1928 عندما تبنى سياسة "طبقة ضد طبقة"، مما جعل الحزب الشيوعي الفلسطيني ينظر إلى الحركة الوطنية العربية، ليس ردا من طرف الشعب الفلسطيني الخاضع لاضطهاد و استغلال الاستعمار الانجليزي المتحالف مع الصهيونية، بل تعبيرا عن البورجوازية العربية و الملاكين العقاريين، اللذين في نظره لا يختلفون عن الحركة الصهيونية، التي تمثل مصالح البورجوازية اليهودية، لكن في بداية سنوات الثلاثينات، و بتوجيه من الأممية الشيوعية، سيحاول الحزب أن يتعرب، و دعا العمال إلى الانتساب إلى الحركة العمالية العربية، و لكن دائما في إطار الصراع الطبقي، و مما جاء في المؤتمر السابع للحزب في دجنبر 1930 في برنامجه:
"تعبئة العمال والفلاحين في النضال ضد الامبريالية البريطانية وأداتها الصهيونية، النضال ضد البورجوازية العربية ومواقفها، التي تخون حركة التحرر الوطني، التشجيع بكل الوسائل على إطلاق الثورة الزراعية في فلسطين".
وفي وثيقة أخرى، جاءت بعد ذلك، ورد فيها ما يلي:
"أن البروليتاريا العربية، وهي تتابع نضالها من أجل الاستقلال الوطني، يجب أن تعي أنه لا يمكنها الوصول إلى تحقيق ذلك بدون ثورة زراعية وبدون تشكيل حكومة عمالية وفلاحية".
لم يتجاوز الحزب الشيوعي الفلسطيني هذه المواقف قبل انتفاضة 1936- 1939، حيث بدأ يظهر توجه جديد للحزب، شجع على ذلك قرارات صادرة عن المؤتمر السابع للأممية الشيوعية صيف 1935، حيث تبنت هذه لأخيرة سياسة الجبهة الشعبية، مع إعطاء استقلال نسبي للأحزاب الوطنية، بإعادة النظر في العلاقة بين اللجنة التنفيذية للأممية ومختلف الفروع. وإذا كانت نهاية سنوات الثلاثينات قد عرفت بداية وعي الشيوعيين الفلسطينيين بأن الحركة الوطنية العربية هي حركة كل الشعب، و بأن جميع الطبقات الاجتماعية تساهم في النضال ضد الامبريالية و الصهيونية، فالسيرورة لم تكتمل حقيقة إلا في خريف 1943 بتشكيل "عصبة التحرر الوطني"، هذه الأخيرة لم تعلن نفسها كماركسية – لينينية، و رفضت تبني تسمية و أشكال التنظيم التقليدي للأحزاب الشيوعية، و أرادت أن تكون الجناح اليساري للحركة الوطنية العربية، و من مؤسسيها هناك مناضلون عرب غادروا الحزب الشيوعي الفلسطيني نتيجة الانشقاق بين اليهود و العرب عشية الحرب العالمية الثانية، و قد جاء هذا نتيجة تطورات متقاطعة على المستوى الفلسطيني، حيث ظهر تيار واسع ديموقراطي يساري بين العمال و المثقفين العرب، و على المستوى الدولي، تراجع التناقضات بين الاتحاد السوفياتي و الدول الرأسمالية، و صعود الديموقراطية في النضال ضد الفاشية و النازية، إضافة، إلى أنه في ماي 1943 تم حل الأممية الثالثة، فلم يعد أي مركز للحركة الشيوعية العالمية ،مما ساعد على اتساع هامش الحرية بالنسبة للأحزاب، و ذلك في إبراز خصوصياتها الوطنية من أجل تحديد استراتيجيات و تكتيكات موافقة للواقع المحلي، هكذا أصبحت "عصبة التحرير الوطني" ترى في الحركة الوطنية العربية، حركة لكل الشعب الفلسطيني بكل مكوناته الاجتماعية. لقد كانت قاعدة العصبة الاجتماعية تتكون من العمال والمثقفين، وكانت تؤكد أنه فيما يخص العلاقات بين العمال و الباطرونا، أن كل عربي "كان مالكا لمعمل أو عاملا له مسؤولية متساوية نحو الوطن"، و بالتالي، فإن تلبية المطالب العمالية هي واجب وطني، يستفيد منه الباطرون و العامل و البلد، و من واجب العامل العربي أن يساهم في تطور الاقتصاد الوطني، و عليه إقامة علاقة مع الباطرون العربي مختلفة عن العلاقة بالباطرون الأجنبي.
أما فيما يخص أهداف العصبة، فهي حسب ميثاق العصبة:
انسحاب القوات الإنجليزية، إنهاء الانتداب، تكوين حكومة ديموقراطية تضمن حقوق السكان الفلسطينيين بدون استثناء العرق أو الدين.
ويميز الميثاق بين السكان اليهود في فلسطين وبين الصهيونية، فهذه الأخيرة هي حركة في خدمة الامبريالية وضد مصالح الأمة العربية ويهود فلسطين أنفسهم، وتلافى الميثاق مسألة النظام السياسي، واكتفى بالإعلان أنه من الأساسي تطوير الديموقراطية في المجتمع، و وسط الحركة الوطنية، كشرط أولي لضمان حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني.
إن هذه التجربة التي شكلت محاولة أصيلة لتطبيع الماركسية مع الأرض الفلسطينية عبر رفض النقل الميكانيكي في المجال السياسي والتنظيمي، مما ساعد على تفتح غير مسبوق، ومع الأسف لم تستمر هذه المحاولة. وابتداء من 1947 – 1948 ظهرت لدى الشيوعيين الفلسطينيين العلامات الأولى للعودة إلى الماضي، واعتماد طرق التفكير والأنماط التقليدية، وتعود الأسباب إلى عودة الحزب الشيوعي السوفياتي إلى الساحة الدولية وتطور الأوضاع في فلسطين، ومع هزيمة 1948 وكل نتائجها قامت اللجنة المركزية لعصبة التحرير الوطني بتقديم نقد ذاتي. ففي ماي 1951 اجتمعت وقررت حل العصبة، وخلق الحزب الشيوعي الأردني، ومما جاء في النقد الذاتي، أن خلق العصبة، كان نتيجة انحراف وطني، ويسجل التخلي عن الأممية البروليتارية، فبرنامج العصبة بندائه إلى "الوحدة الوطنية العربية بدون استثناء"، ينكر الدور القيادي للطبقة العاملة في النضال الوطني.
وتمت الدعوة إلى التشكل ضمن روح الأممية، والإخلاص والحب للاتحاد السوفياتي، قلعة السلام العالمي، والدفاع عن حريات كل الشعوب، وكذلك لقائده الكبير ستالين مرشد كل الشيوعيين في العالم، وقد حصل هذا التطور نتيجة للإشعاع الذي عرقه الحزب الشيوعي السوفياتي بعد مشاركته في الحرب الوطنية ضد النازية في الحرب العالمية الثانية. هكذا، و في شتنبر 1947، و كرد على نظرية ترومان و مخطط مارشال تم خلق الكومنفورم "مكتب المعلومات للأحزاب الشيوعية"، و الذي سيتحول خلال الحرب الباردة إلى مركز جديد، وتم حل هذا المركز الجديد (الكومنفورم) بعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي مع تغيير الأطروحات، و تم تشكيل الندوات الدولية للحركة الشيوعية منذ فبراير 1957، و ذلك من أجل تنظيم العلاقة بين مختلف الأحزاب الشيوعية، وتحديد التوجهات السياسية العامة.
بعد الاعتراف بمنظمة التحرير سنة 1974، كممثل رسمي للشعب الفلسطيني، اتخذت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الأردني، وأغلبيتها من الفلسطينيين قرار خلق حزب شيوعي فلسطيني مستقل، الشيء الذي ولد اعتراض القادة السوفياتيين، اللذين رأوا أنه لا يمكن أن يولد حزب شيوعي فلسطيني بدون دولة فلسطينية مستقلة. وأخيرا، في سنة 1982، تأسس هذا الحزب على النمط القديم، باعتباره الطليعة السياسية، ويتبنى الماركسية – اللينينية ومبادئ المركزية الديموقراطية، ويحدد البرنامج أهداف ومهام النضال الفلسطيني، وقد أعطى أهمية للنضال الوطني، ويعلن أنه في فترة التحرر الوطني، فالحزب الشيوعي هو حزب العمال والفلاحين الفقراء والمثقفين الثوريين. ويشير إلى وجود فئة من الفلاحين الفلسطينيين الفقراء، وبطبيعة الحال، فهذه الأخيرة لا وجود لها في أرض المنفى. وفي الأراضي المحتلة ليس لها وجود مستقل لأن كل الفلاحين يعانون من الاجتثاث بسبب الاستيطان الصهيوني وانتزاع الأراضي الفلسطينية.
ومرة أخرى، وفي ربيع 1985 تعلن البريسترويكا السوفياتية ضرورة القضاء على تقسيم العالم إلى معسكرين، فحصلت زعزعة في النمط السائد في التفكير داخل الحركة الشيوعية العالمية. هكذا استقال الحزب الشيوعي السوفياتي القائد سواء على المستوى السياسي أو الإيديولوجي، تاركا الساحة فارغة بالنسبة للأحزاب الشيوعية في مختلف البلدان، ومع سقوط المنظومة الشرقية، ومعها الأسس الإيديولوجية ونموذج الحزب، حصلت مراجعات على المستوى السياسي والإيديولوجي والتنظيمي.
وقد أدرك الشيوعيون الفلسطينيون ضرورة هذه المراجعة خاصة بعد انطلاق الانتفاضة في دجنبر 1987، فأدركوا أنه من الضروري الخروج من الإطار الضيق الذي كانوا يعيشون فيه، فتم التخلي عن كل المفاهيم الأساسية السابقة، كمفهوم حزب الطليعة، ونفس الشيء بالنسبة للتنظيم. وفي يناير 1990 طرحت اللجنة المركزية للنقاش مجموعة من القرارات الداخلية والخارجية للحزب، وبرنامج سياسي جديد وقوانين جديدة،
وبعد سنتين من النقاش انعقد المؤتمر في أكتوبر 1991، وتبنى الاسم الجديد ومضمون البرنامج الجديد، وأصبح الحزب "حزب الشعب الفلسطيني". وتتلخص المهمتان الأساسيتان في: التحرر والاستقلال، شعاران يخدمان المصلحة الوطنية، وتحقيقهما والشرط الأول لتحقيق مصالح الطبقات الاجتماعية، الشيء الذي يفرض على الجميع الوحدة التضامنية حتى لا تتحول التعارضات الطبقية إلى نزاعات، ولم يعد الحزب ممثلا لطبقة اجتماعية محددة، بل حزب مفتوح لكل الطبقات الوطنية للشعب، وتتلخص الأهداف في التحرير والاستقلال الوطني والديموقراطية والتقدم والعدالة الاجتماعية والاشتراكية بألوان فلسطينية. وعلى المستوى النظري اختفى مرجع الماركسية – اللينينية، وبالمقابل يتكلم الحزب عن استعمال المنهج العلمي و الديالكتيكي، الذي ينهل من قيم الحرية و المساواة و العدالة الاجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع بحلقة سادسة وأخيرة
توجد الحلقة الخامسة من هذه الدراسة بصيغة بدف، وهي مرفقة بمجموعة من الصور على موقع 30 غشت
http://www.30aout.info



#موقع_30_عشت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ــ ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ...
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية
- الحزب الماركسي ـ اللينيني الثوري في خط منظمة -إلى الأمام-
- حول كومونة باريس وما بعدها التجربة والدروس
- بصدد العدوان الدموي التصفوي الصهيوني على الشعب الفلسطيني
- كلمة الموقع في هول الكارثة الزلزال
- تحت أعواد المشنقة ـــ يوليوس فوتشيك
- الثورة الفرنسية ــ إعلان حقوق الإنسان والمواطن 26 غشت 1789 و ...
- كتاب: -الأقدام العارية ـــ الشيوعيون المصريون: 5 سنوات في ال ...
- موقف البلاشفة أمام القضاة البلاشفة في الاستنطاقات وأمام الن ...
- إصدار جديد: محاكمة ماركس ورفاقه في -عصبة الشيوعيين- محاكمة ...
- بيان هام: جواز تلقيح أم إبادة جماعية
- إصدار جديد لموقع 30 غشت: -أزمة الرأسمالية العالمية والصراع ا ...
- إصدار جديد لموقع 30 غشت: -ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع-
- في الذكرى 51 لتأسيس المنظمة الماركسية اللينينية المغربية -إل ...
- أزمة الرأسمالية العالمية والصراع الطبقي البكتيريولوجي - وجهة ...
- - ما يجب أن يعرفه كل ثوري عن القمع - فيكتور سيرج - الحلقة ال ...


المزيد.....




- هل لقرار الكنيست أثر على مستقبل قيام دولة فلسطينية مستقلة؟
- قتلى ومصابون جراء خروج قطار عن مساره في الهند
- فوتشيتش يؤكد لزيلينسكي على أهمية الحوار لتحقيق السلام
- الداخلية الفرنسية تمنع ضباط الشرطة من مضغ العلكة خلال الأولم ...
- الخارجية الأردنية تستدعي السفير الهولندي وتوجه رسالة شديدة ا ...
- رجل يطعن شرطيا بسكين في باريس
- الطوارئ الروسية: هبوط طائرة -بوينغ- في كراسنويارسك وعلى متنه ...
- الصحة الفلسطينية تنذر من خطر كارثة صحية جديدة في القطاع
- إسرائيل.. رفض مقترح الانسحاب من معبر رفح
- إعلان نتائج الانتخابات التشريعية السورية


المزيد.....

- اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال / غازي الصوراني
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو ... / محمود الصباغ
- القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال ... / موقع 30 عشت
- المؤتمر العام الثامن للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين يصادق ... / الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين
- حماس: تاريخها، تطورها، وجهة نظر نقدية / جوزيف ظاهر
- الفلسطينيون إزاء ظاهرة -معاداة السامية- / ماهر الشريف
- اسرائيل لن تفلت من العقاب طويلا / طلال الربيعي
- المذابح الصهيونية ضد الفلسطينيين / عادل العمري
- ‏«طوفان الأقصى»، وما بعده..‏ / فهد سليمان


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - موقع 30 عشت - الحلقة الخامسة ــ القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية