|
الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية!!
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 1772 - 2006 / 12 / 22 - 11:48
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقاومة هي عمل من أعمال الرفض أو الاحتجاج أو الاعتراض أو الممانعة، سواءاً كانت بصورة سلمية أو عنفيّة، أي سواءاً إتخذت أساليب مدنية- شعبية أو إعتمدت على الاساليب المسلّحة أو العسكرية عبر مجموعات أو خلايا أو بؤر ثورية، دفاعية أو هجومية ضد إحتلال خارجي أو أنظمة حكم داخلية دكتاتورية – شمولية أو غير ذلك.
تسعى الجماعات " الثورية" المسلّحة، الصغيرة العدد والمحدودة التأثير في البداية، الى كسب قطاعات من الجمهور ومن ثم تعمل على زجّه للانخراط في المقاومة او تقديم الدعم لها بحيث يشكل ظهيراً لحمايتها وتسهيل مهمتها! وفي الغالب فإن الجماعات الثورية الطليعية تبدأ عملها بمبادرة من قيادات سياسية او حزبية او دينية وبخاصة في اوساط المثقفين بحيث تتمكن من بلورة توّجه المقاومة وتعمل على إقناعها للإلتحاق في الكفاح دفاعاً عن مصالحها ومن اجل مستقبلها!!
يطلق احياناً على المقاومة مصطلح " الانصار" وهو الذي استخدم في اوروبا والاتحاد السوفييتي السابق ضد القوات الالمانية في الحرب العالمية الثانية. وقد استخدم مصطلح حروب الانصار لوصف عمليات المقاومة الطويلة الامد، او حروب الغوار Gorella War كما اطلق اسم " المقاوم" على " الفدائي" الذي اصطلح عليه بالبارتزان Partizan واستخدمت الحركة الكردية منذ مطلع الستينات من القرن الماضي إسم " البيشمركة" على التجمعات الكردية المسلحة ضد الحكومات المتعاقبة. وشاع مصطلح المقاومة في المنطقة العربية في اواسط الستينات وبخاصة بعد انطلاقة منظمة " فتح" الفلسطينية في الاول من كانون الثاني (يناير) 1965، ثم سادت وتعززت بعد عدوان الخامس من حزيران (يونيو) 1967 واصبح لها وهج خاص وألق ساحر. وتجذّرت وتعمّقت ثقافة المقاومة في الستينات حيث أخذت تنظيمات عربية تشكل او تشترك او ترسل متطوعين لجبهات المقاومة التي تأسست، وذلك كجزء من توجهات تلك المرحلة.
واذا راجعنا المصطلحات والمفردات السياسية التي استخدمتها المقاومة الفلسطينية، فنراها انتشرت على نحو واسع لدى الاحزاب والقوى السياسية العربية وبشكل خاص في الاعلام، لدرجة يمكن القول إن " لغة" ما قبل المقاومة إختلفت عن لغة ما بعدها، حيث طبعت هذه اللغة والخطاب الذي ساد على اساسها الحياة العامة آنذاك ولم يتمكن أحد من إعفاء نفسه منها او غلق الابواب لعدم التأثر بها!
في الستينات ايضاً برزت ظاهرة الجيفارية التي أثرّت لدرجة غير قليلة في اوساط حركة المقاومة العربية. والظاهرة نسبة الى المناضل الارجنتيني " تشي جيفارا" الطبيب والوزير الذي ترك وزارة الصناعة في حكومة كوبا الثورية،وتوّجه الى الريف والادغال في بوليفيا تاركاً رسالة الى فيدل كاسترو الزعيم الثوري الكوبي، مودعاً ايّاه بتلك الرومانسية الثورية والاحتجاج النضالي، الذي يريد تغيير الواقع وأنْ كان بطريقة لا تخلو من " الارادوية" ولكنها بكل الاحوال افضل من الانتظار حسب المنطق الذي كان سائداً! كان جيفارا مثل الشاعر الفرنسي بودلير الذي قال: لقد بُليت سراويلنا من مقاعد الدرس محتجاً على رتابة الدراسة الاكاديمية، فالحياة واسعة وهي المدرسة او الجامعة الحقيقية التي تمنح الانسان هذا القدر من الحرية وتعطيه الامكانية على التفكير من اجل التغيير فيما اذا توفرت لديه ارادة صلبة وقوية. وهكذا ودع جيفارا مقاعد السلطة الوثيرة والجاه والمغريات جميعها، ليتولى قيادة مجموعات مسلحة فدائية لمقاومة السلطات الدكتاتورية المستبدة عبر بؤر ثورية متنقّلة في بوليفيا على امل ان تمتد الثورة الى عموم امريكا اللاتينية.
اعتقد جيفارا ان الثورة ينبغي ان تكون مستمرة ومتواصلة، ولذلك قرر الانخراط في عمل مباشر ليطوي الخدر والجمود والترهل والبيروقراطية! وليرفض منطق الدولة والدبلوماسية، ليستمر في منطلق الثورة والكفاح.
لعل الموت الدراماتيكي لتشي جيفارا وقبل ذلك حلمه الرومانسي " بالتحرير" هو الذي جعله يمثل هذه المكانة المتميّزة والفريدة في قلوب الثوريين والمقاومين من شتى الاشكال والاتجاهات . وحالياً فإن استعادة جيل الشباب لصورة وحلم جيفارا حتى وان كان استرجاعاً نظرياً لحلم معتّق بعد اربعة عقود من الزمان على مصرعه، يعني فيما يعنيه، محاولة قراءة مرحلة كانت اكثر نبلاً واشد طهرية وأعمق تضحية مما تبعها من مراحل وخصوصاً بعد التراجع العربي الرسمي.
ان الصينيين قد بدأوا باستخدام الكفاح المسلح وصولاً لنجاح ثورتهم الكبرى في العام 1949، وكان الشعار الذي رفعوه " مسيرة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة ". اما الفيتناميون فقد كان كفاحهم المسلح لطرد الغزاة الفرنسيين والامريكان فيما بعد، وخلال الخمسينات والستينات والسبعينات برعت القيادة الفيتنامية في الكفاح المسلح في حين كانت تتعامل بالسياسة ببراعة كبيرة ايضا وشهدت مفاوضات باريس نجاحا كبيراً للدبلوماسية الفيتنامية بعد النجاح الكبير في العمل المسلح والخسائر الكبيرة التي تعرضت لها الولايات المتحدة اضافة الى احتجاج الرأي العام الامريكي والعالمي ضدها مما اضطرها الى " الانسحاب" . في الصين لمع اسم ماوتسي تونغ وليو شاوشي، وفي فيتنام كان اسم العم هوشي منه والجنرال جياب من الاسماء التي اشتهرت على المستوى العالمي، خصوصاً تاكتيكات واساليب عمل الجنرال جياب، التي كانت المقاومة الفلسطينية تدرسها كجزء من فكر المقاومة العسكري على المستوى العالمي.
ان رحلة جيفارا وكاسترو ورفاقهما بعبور جبال السيرامايسترا ومن ثم الاطاحة بنظام باتيستا واقامة نظام ثوري بدلاً عنه بعد ان كانت كوبا حديقة خلفية للامبريالية الامريكية الصاعدة، كان محط اعجاب وتقدير من جانب المقاومة الفلسطينية وخصوصاً بعد إلتحاق جيفارا بالحركة المسلحة في بوليفيا وقيادته لها ومن ثم استشهاده المثير!
لقد استخدم جيفارا فكرة " النواة الثورية" بدلاً من الحزب الثوري كما كان سائداً، واعتمد على " الطليعة" لكسب الجمهور وصولاً للحظة الثورية بالزحف على المدن وبخاصة العاصمة، كما استند الى الريف بما فيه من اوضاع اجتماعية وتضاريس جغرافية للانطلاق الى المدن. واعتبر جيفارا حركة التحرر الوطني ظهيراً للانظمة الاشتراكية القائمة انذاك والطبقة العاملة في البلدان الرأسمالية حينها، بل ان جيفارا والاتجاه الذي مثله ذهب اكثر من ذلك حين اعتبر حركة التحرر الوطني وما تملكه من امكانات راس رمح في الكفاح ضد الامبريالية انذاك خصوصاً في حروب طويلة الامد ، وذلك للطاقات والامكانات التي تملكها والتي تجعلها مصدر اساس للحركة الثورية.
استخدمت المقاومة الفلسطينية في الستينات والسبعينات الكثير من المصطلحات والافكار الجيفارية والصينية والفيتنامية، وأخذت بالعديد من توجهاتها واساليب كفاحها، وشاع مصطلح " هانوي عربية" الذي يعني ضرورة وجود قاعدة خلفية "محررة" للمقاومة باحدى العواصم العربية المتاخمة للحدود الفلسطينية، بل ان بعض الاتجاهات اليسارية رفع شعار " كل السلطة للمقاومة" .. تيّمناً بشعار " كل السلطة للسوفيات" الذي رفعه حزب لينين البلشفي عشية ثورة اكتوبر، واندلع قتال داخلي مع بعض الانظمة العربية خصوصوا ما حصل في ايلولو (سبتمبر) 1970 من مأساة حقيقية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي قد تأثرت بهذه الافكار، بل ان حركات عربية اخرى سارت على هذا الطريق ، في اليمن الجنوبية وكذلك في ثورة ظفار في عُمان وبعض ارهاصات " ثورية" في العراق وغيرها، فان المقاومة اللبنانية رغم انطلاقتها بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982، قد اتخذت توجهاً آخر خصوصاً بصعود نجم " حزب الله" وما قام به من دور قيادي بارز ساهم فيما بعد في قيادة المقاومة وصولا لطرد المحتل الاسرائيلي واضطراره الى الانسحاب، واعلان تحرير الجنوب اللبناني. التوجه الذي اعتمدته المقاومة اللبنانية والذي طبع حركتها هو التوجه الاسلامي.
وكان مثل هذا التوجه قد تعزز بعد نجاح الثورة الايرانية عام 1979 وبرزت جماعات فلسطينية شكلّت تنظيمات خاصة اصبحت تدريجيا بموازاة حركة فتح منها : تنظيم حماس والجهاد وهما تنظيمان اسلاميان. وشملت " الصحوة الاسلامية العديد من البلدان العربية والاسلامية كجزء من موجة دينية عالمية حيث تعززت مثل هذه الاتجاهات في امريكا اللاتينية التي شهدت دوراً كبيراً للكنيسة وما سمي بعد ذلك بلاهوت التحرير وذلك في اوروبا.
تمكنت حركة حماس من الفوز بالانتخابات الفلسطينية، التي كانت باعتراف الجميع انتخابات ديمقراطية، ملحقة " هزيمة" سياسية بتنظيم فتح التاريخي الذي كان دوره يترّهل بعد إتفاقيات اوسلو وقيادته للسلطة الفلسطينية منذ العام 1993 وما بعدها. لكن هذا الفوز ترك تأثيراته على عموم دول المنطقة حيث استشاطت اسرائيل غضباً ومعها الولايات المتحدة والعديد من دول الاتحاد الاوروبي واخذت تطالب حماس لتغيير خطابها السياسي والاعتراف باسرائيل، دون ان تُلزم نفسها بالانسحاب الكامل وتمكين الشعب العربي الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه وفقا للشرعية الدولية كما يقال. وكانت اسرائيل تستخف بالقرارات الدولية وبضمنها القرارات 242 و338 و425 وتتنكر لحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وفقاً للقرار 194.
وعندما رفضت حركة حماس تقديم تلك التنازلات المجانية المذلة بدأت اسرائيل بتطبيق سياسة الخنق والتجويع واخيراً الاجتياح بعد قطع الكهرباء والماء عن نحو مليون فلسطيني وتدمير البنية التحتية وبخاصة في قطاع غزة واختطاف 8 وزراء و 24 نائباً من المجلس التشريعي الفلسطيني (البرلمان).
كل ذلك يجري وتستمر اسرائيل في استكمال بناء الجدار العنصري العازل الذي قطع اوصال الشعب العربي الفلسطيني، في خطوة وضعتها محكمة العدل الدولية في لاهاي في رأي استشاري بأنها غير شرعية وغير قانونية تعكس استخفاف اسرائيل مرة اخرى بقواعد القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة.
وعلى النطاق العالمي وفي ظل حملة مكافحة الارهاب الدولي وصدور قرارات من الامم المتحدة 1368 و1373 و1390 بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) الارهابية اصبح ضمن سيادة القطب الواحد ظل حديث عن المقاومة والحق في طرد المحتل ضرب من ضروب تأييد الارهاب الدولي وتشجيعا له او تواطؤاً معه وذلك احدى مفارقات الوضع الدولي الراهن!
وقد سعت الولايات المتحدة الى تسييس تلك القرارات وتوظيفها لتبرير انتهاكات لقواعد القانون الدولي سواءاً الحرب على العراق او ما قامت به قواتها لاحقاً من تجاوزات خطيرة على اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها وخصوصاً بروتوكول جنيف الخاص بحماية ضحايا المنازعات الدولية المسلحة. وتعترف اتفاقيات جنيف وبخاصة الملحقين بحق مقاومة الاحتلال كما تشترط التعامل مع المسلحين وفقاً لقواعد القانون الدولي الانساني، كما تشترط شروطاً خاصة بالمقاومة، كونها تخضع لقيادة وترتدي زيّ موحداً وتوضع السلاح على نحو واضح وتحمل اشارات معينة. اما في العراق فقد انطلقت بعض القوى في مقاومة الاحتلال الامريكي- البريطاني بعد سقوط بغداد في 9 نيسان (ابريل)2003، وقد اخذت تلك المقاومة تتسع رغم انها اختلطت بالارهاب احيانا، كما جرت محاولات اغراضية بصورة مباشرة او غير مباشرة لتشويه سمعة المقاومة والصاق بعض الاعمال الارهابية بها، خصوصاً الارتكابات بحق السكان المدنيين الابرياء العزل، كقطع الرؤوس وجزّ الاعناق والجثث المجهولة الهوية وخطف الرهائن وتفجير اماكن العبادة والخطابات الطائفية والتقسيمية وغير ذلك من الاعمال التي لا مصلحة لمقاومة الاحتلال بها!
المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعراقية تلتقي وتختلف في الآن ذاته، وهي ما بين الاتصال والانفصال احيانا او الوصل والفصل، فهي من جهة لديها بعض المشتركات الاساسية ومن جهة اخرى لدى كل واحدة منها خصوصياته وكذلك اعداؤه وكذلك حلفاؤه ومناصروه، ففي فلسطين هناك استعمار استيطاني اجلائي عنصري ، يريد طرد سكان البلاد " الاصليين " واحلال " اليهود" محلهم من شتى اصقاع الدنيا، وهو لا يستهدف الارض حسب بل البشر " الانسان" أيضاً، كما انه استعمار واحتلال توسعي لا يكتفي بما حصل عليه من مكاسب سياسية واستيلاء على اراضي الغير " العرب" بل يسعى الى التوسع على حساب الدول العربية "دول الجوار"، ولهذا السبب ظلّت اسرائيل دون دستور كما انها لا تحدد حدودها، اي ليس لها حدود حتى هذه اللحظة رغم قيامها منذ 15 ايار (مايو)1948 وظلّت قوانينها حول الجنسية والارض مثار تساؤل دستوري عالمي، خصوصاً اعطاء الحق لكل يهودي في الحصول على الجنسية الاسرائيلية لمجرد التقدم بطلب للحصول عليها وبشروط محدودة جداً في حين يحرم العربي الفلسطيني من هذا الحق حتى وان كان يعيش في " اسرائيل" وتوضع عليه شروطاً تحجب عنه في الكثير من الاحيان مثل هذا الحق!
الاستعمار الاستيطاني والاحتلال الاجلائي هو ذاته النهج الاسرائيلي ازاء مزارع شبعا اللبنانية والجولان السورية، ناهيكم عن محاولاته في السيطرة على الموارد المائية اضافة الى المواقع الستراتيجية. ومثل هذا الاستعمار او الاحتلال لا يمكن له التفكير بالسلام الحقيقي او التعايش لان ذلك سيؤدي الى نكوص وانحدار لمشروعه ويعطل من تطبيق ستراتيجيته المعلنة منها وليست المستترة، وهو يريد ان يبقى عنصر توتر وقلق وحروب دائمة في المنطقة تستنزف طاقاتها ومواردها وتعطّل تنميتها ويستثمرها الحكام للابقاء على انظمة الاستبداد وتبرير عدم السير في طريق التنمية والديمقراطية بالخطر الخارجي والعدوان الاسرائيلي، وذلك ما يبرر عدوانه واستمرار احتلاله ورغبته في التوسع والاجلاء.
الاحتلال في العراق ليس اجلائياً او احلاليا، فقد ارتبط بمشروع مكافحة الارهاب الدولي وخصوصاً بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر) الارهابية التي حصلت في الولايات المتحدة 2001. وتعكزّت الولايات المتحدة على هذا المبرر اضافة الى امتلاك العراق اسلحة دمار شامل لكي تقوم بالعمل العدواني خارج نطاق الشرعية الدولية، التي لم ترّخص او تفوّض الولايات المتحدة الشروع به. وبررت الولايات المتحدة فيما بعد احتلالها للعراق والبقاء فيه حالياً لبسط الديمقراطية وتعميم نموذج الحرية العراقي والقضاء على الجماعات الارهابية التي تريد إفساد التجربة العراقية، لكن الامور رغم مرور ثلاث اعوام ونيّف وصلت الى طريق مسدود وتتعرض شعبية الرئيس بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير الى انحدار شديد لم تشهده مؤسسات الرئاسة في البلدين من قبل، حيث تبرز حركة معارضة شديدة لبقاء القوات الامريكية والبريطانية في العراق لدرجة اخذت تذّكر بحرب الفيتنام في السبعينات.
يمكن القول ان انتصار المقاومة في لبنان او الحاق هزيمة بالمشروع الصهيوني في فلسطين يمكن ان يترك تأثيراته على العراق، كما ان تعثر وتدهور المشروع الامريكي في العراق، سينعكس ايجابياً على حركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية.
واذا كان ثمت متغيرات قد حصلت في خطاب المقاومة، فان هناك اسبابا موضوعية وذاتية كما اشرنا. فقد كان خطاب المقاومة في الستينات والسبعينات وطنياً وعروبياً عاماً وان كان هناك تمايزات فكرية، لكنه ظل خطاباً قريبا او جزءاً من حركة التحرر الوطني العربية وحليفها انذاك الاتحاد السوفييتي. اما في الوقت الحاضر فان خطاب المقاومة الغالب او جزء مؤثر منه في فلسطين هو خطاب اسلامي واحيانا يربط تعاليم السماء بالواقع على الارض.
اما خطاب المقاومة اللبنانية فهو خطاب اسلامي بصفة غالبة رغم انه خطاب غير مغلق بل منفتح على خطابات اسلامية لدول المنطقة بما فيها ايران، في حين ان خطاب المقاومة العراقية هو خطاب اسلامي اكثر تشددا مطعم بخطاب قومي تقليدي او عروبي، وفي بعضه الآخر هو خطاب عروبي ووطني مطعم بنكهة اسلامية واضحة وحادة احياناً، رغم ان الكثير من العموميات وعدم التحديد ظلّت سمة بارزة لاتجاهات المقاومة العراقية خصوصاً الموقف من المستقبل وقضية الديمقراطية والتعددية والموقف من حقوق المرأة والاقليات وغيرها.
واذا كانت قيادة المقاومة الفلسطينية بجميع فصائلها الاسلامية او " غير الاسلامية" معروفة، كما ان قيادة عرفات سابقاً لعبت دوراً دبلوماسياً دولياً مؤثراً وبخاصة في السبعينات واستطاعت الحصول على مكاسب للشعب الفلسطيني على هذا الصعيد سواءاً الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية او دمغ الصهيونية بالعنصرية بالقرار 3379 الصادر في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) 1975 وغيره من القرارات، وفيما بعد قيادة حركة حماس، التي اصبحت اشهر من نار على علم، وان قيادة حزب الله والسيد حسن نصرالله للمقاومة اللبنانية اكسبها الكثير من الاحترام والتقدير خصوصاً مساهمتها الجليلة بتحرير الجنوب، لكن هذا الامر ما زال غامضاً واحيانا يتعرض الى نقد شديد وتساؤلات كثيرة، بل إتهامات من بعض الاطراف بشأن قيادة غير معروفة ناهيكم عن برنامج محدد وبخاصة في الموقف من الديمقراطية بعد النحرير. بتقديري من الضروري التفريق بين قيادة الزرقاوي الارهابية (او خلفه بعد مقتله) وبين قيادة حركة مقاومة متنوعة تستهدف طرد الاحتلال. وهنا لا بدّ من اجلاء الصورة وتوضيح المواقف دفعاً لاي إلتباس او إبهام او شكوك. قد يحتاج الامر الى بعض الوقت كما تقول بعض التبريرات، لكنه يبقى مسألة حيوية وراهنة ولها علاقة بمستقبل حركة المقاومة ضد الاحتلال ناهيكم عن الموقف من الديمقراطية وحقوق الانسان فهذه تحدد معايير لا يمكن بأي حال الزوغان عنها او تجاهلها. يمكنني القول ان هناك تقاربا بين ستراتيجيات المقاومات الفلسطينية واللبنانية والعراقية تقضي بانهاء الاحتلال واستعادة شعوب هذه البلدان حقها في تقرير المصير. وهذا هدف ستراتيجي عام وهناك بعض الاهداف والتاكتيكات الجزئية التي قد تكون ذات طابع خصوصي او مختلف. وهذه التاكتيكات والاهداف الجزئية والتفصيلية قد تغني او تثري الخطة الستراتيجية العامة وليس بالضرورة ان تتعارض معها. كما ان هناك تنوعاً احياناً على صعيد كل بلد في المجموعات المقاومة وقد تكون هناك اختلافات فيما بينها لكنها تلتقي عند الهدف الستراتيجي العام وهو انهاء الاحتلال.والاختلاف او الائتلاف امر طبيعي في ظل اوضاع صعبة ومتنوعة وبالغة الحساسية! ان ارساء ثقافة المقاومة وبخاصة ازاء العدو الخارجي يتطلب رفض ثقافة الخنوع عبر تفكيكها، وكذلك تعميم النماذج الايجابية وبالتالي توسيع دائرة المشاركة في حركة واسعة تستخدم امكانات وتاكتيكات مختلفة ومتنوعة وصولا لالحاق الهزيمة بالعدو والعمل بكل الوسائل الممكنة والمتاحة لاجلاء قواته من البلدان المحتلة ووضع جدول زمني لذلك.
ورغم هذه الاهداف العامة والمشتركة، فهناك تعقيدات وخصوصيات متنوعة ومختلفة بين بلد وآخر، ناهيكم عن اللوحة السياسية والدينية والاثنية والمذهبية في كل بلد بما يتوجب اضافة الى الستراتيجية العامة وضع ستراتيجيات وتكتيكات خاصة بالاستفادة من القوى المحركة وكل ذلك يؤدي الى التكامل وليس التنافر، اما اهمال الخصوصيات والاصرار على عموميات ودون الاخذ بنظر الاعتبار التطور التاريخي والواقع الاجتماعي والاصطفافات والتحالفت السياسية داخل كل بلد فان ذلك سيكون عنصر تفتت وتآكل، ناهيكم عن وجود قوى متباينة ومختلفة في الموقف من الاحتلال من حيث طبيعتها ومواقفها وتكتيكاتها سلبا او ايجابا بما يستوجب التصدي لها حسب خصوصيات كل بلد ووفقا لمعرفة دقيقة بتوازن القوى واتجاهاتها!!
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الازمات والنزاعات الاقليمية وأثرها على عملية التغيير والاصلا
...
-
عام بريمر العراقي في الميزان
-
المحكمة الجنائية الدولية
-
هل سيتمكن المالكي من حل المليشيات ؟
-
ما بعد العدوان الاسرائيلي
-
العراق وتحديات المستقبل
-
الطبعة السيستانية لولاية الفقيه
-
الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية
-
الدكتورعبدالحسين شعبان دعم امريكا لاسرائيل لايشجع على الثقة
...
-
التسامح والاسلام
-
حرية التعبير
-
بول بريمر العراقي في الميزان
-
العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق
-
العالم العربي ما بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان
-
هل تستطيع حلّ العقدة العراقية والسورية اللبنانية ؟!! جامعة ا
...
-
بيئة العنصرية وكراهية الآخر هل نحن في مواجهة مع الغرب!؟
-
مفارقات - الالتباس- الحضاري مسيحيو العراق والاساءة الى النبي
...
-
حوار مع الناقد والمفكر العراقي عبدالحسين شعبان
-
رؤية في مشروع الدستور العراقي الدائم
-
هل هو فعل إكراه أم فعل ارادة ؟
المزيد.....
-
رصدتهما الكاميرا.. مراهقان يسرقان سيارة سيدة ويركلان كلبها ق
...
-
محاولة انقلاب وقتل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا.. تهم من ا
...
-
ارتفاع قياسي للبيتكوين: ما أسباب دعم ترامب للعملات المشفرة،
...
-
الكربون: انبعاثات حقيقية.. اعتمادات وهمية، تحقيق حول إزالة ا
...
-
قائد القوات الصواريخ الاستراتيجية يؤكد لبوتين قدرة -أوريشنيك
...
-
روسيا تهاجم أوكرانيا بصاروخ جديد و تصعد ضد الغرب
-
بيع لحوم الحمير في ليبيا
-
توقيف المدون المغربي -ولد الشينوية- والتحقيق معه بتهمة السب
...
-
بعد أيام من التصعيد، ماذا سيفعل بوتين؟
-
هجوم بطائرات مسيّرة روسية على سومي: مقتل شخصين وإصابة 12 آخر
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|