|
تجديد الفكر الدينى يحتاج الى تجديد فى الفكر والثقافة
منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 8040 - 2024 / 7 / 16 - 18:47
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
============= تجديد الخطاب الدينى يحتاج الى تجديد فى الفكر والثقافة ========================================= مرت عشر سنوات ، حينما بادر الرئيس السيسى ، وطالب لأول مرة ، بضرورة تجديد الخطاب الدينى . وفى جميع خطبه ، أو أغلبها ، كان حريصا على اعادة المبادرة . لكن تدريجيا ، اختفى تجديد الخطاب الدينى " فى ظروف غامضة " . بمتابعة الأخبار اليومية ، اتضح أن المؤسسات الدينية ، لا تتوقف عن بناء وتجديد وترميم المساجد . عدد المساجد فى مصر ، وصل الى 194, 151مسجدا . فى عام 2020 ، صرحت وزارة الأوقاف ، ان مصر قديما كانت معروفة بأنها بلد الألف مأذنة ، والأن أصبحت بلد ال 100000 مأذنة وأكثر ، وأنه مؤخرا قد تم انفاق 17 مليار جنيها، فى بناء وتجديد 11000 مسجدا . وأوضحت قائلة : " لا يمكن لآحد أن يشكك فى ايمان مصر وتدينها بعد الآن ". ولنأخذ فقط العاصمة القاهرة ، فنجد أن بها 3450 مسجدا ، و3884 زاوية فى منطقة الجنوب ، وفى المدن الجديدة 365 مسجدا . تؤكد هذه الأرقام ، عدة أمور ، لابد من مواجهتها : أولا ، أن المؤسسات الدينية الرسمية ، تشخص قضية تجديد الخطاب الدينى ، أنها " نقص فى الصلاة " ، وبالتالى جاء العلاج بتوفير المزيد من المساجد ، ( بيوت الله ) ، وتجديد ما يحتاج الى التجديد ، والترميم . وهذا بالطبع تشخيص غير سليم . وفقا للمعلومات المتاحة ، فان مصر 2019 ، بها من المساجد أكثر من السعودية وتركيا والمغرب . والشعب المصرى اكتسب صفة " التدين الفطرى " ، من شدة حرصه على أداء الصلاة . ولأن الثقافة الاسلامية السائدة ، هى أن " الصلاة عماد الدين " ، وأن " تارك الصلاة كافر " ، فالجميع يؤدونها . ثانيا ، بناء المزيد من المساجد ، وتجديدها وترميمها ، ينفق الملايين والمليارات من الجنيهات ، دون الاعتبار أننا بلد محدود الموارد ، وصلت ديونه الخارجية 2023 الى 168 مليار دولار ، وتجاهل معاناة الأغلبية ، من الفقر ، والبطالة ، والجهل والمرض ، مصاحبة بارتفاع سكانى ضخم ، أمر غير مقبول . ان صرف 17 مليار جنيه ، مؤخرا ، لترميم 11000 مسجد ، كما هو معلن ، بمنتهى الأريحية ، والفخر ، سلوك لابد من ايقافه . ان بناء الانسان المصرى ، والانسانة المصرية ، أول ما يتطلبه ، فى بلد فقير، مثقل بالديون ، هو تحديد النسل ، والتعليم الجيد ، والاسكان المناسب ، والعلاج الصحى الكريم ، والبيئة النظيفة ، وفرص العمل المتزايدة ، ومؤسسات اعلامية وثقافية ، توقظ الوعى المغيب ، وتنبذ الفكر الذكورى ، وتمويل أنشطة فنية ترفع مستوى الحس الجمالى ، والمتعة الراقية ، مع عمق المضمون الانسانى . الدولة غير ملزمة ابدا ، خاصة التى تستدين ، وتستورد الضرورات ، أن تنفق على بناء دور العبادة ، وادخال المواطنين والمواطنات الجنة . وليس لدينا فى الحكومة ، " وزارة الصلاة " . فالدين مسئولية كل مواطن ، ومواطنة ، يحظر تدخل الدولة . ثالثا : صرحت وزارة الأوقاف ، أن معدل بناء المساجد وتجديدها : " لن يجعل أحدا يتشكك فى ايمان وتدين مصر بعد الآن ". اذن تكثيف بناء المساجد وتجديدها ، ليس للصلاة . ولكن لخرس الألسنة التى تشك فى ايمان ، وتدين مصر . منْ الذى يشكك ؟. شئ غير مفهوم . رابعا : مقياس الدين ، أو معيار الايمان ، هو " الصلاة فى أحد بيوت الله " ، المساجد . وهذا معيار شكلى، مفرغ من الجوهر . ساد هذا المعيار ، مع " الصحوة الاسلامية " فى منتصف سبعينيات القرن الماضى ، حيث تم تسليم الوطن المصرى ، والشعب المصرى ، " تسليم أهالى " ، الى الاسلام الشكلى المظهرى ، القائم على الطقوس ، والزى ، واقحام الدين فى الحياة ، وتنجيم المشايخ تربية النسخ الاسلامية المستوردة من الصحراء ، والخليج ، والوهابية ، والسلفية والاخوانية ، تمهيدا للحكم ، واعادة الخلافة الاسلامية . ان أعظم ايمان ، وأعمق تدين ، هو العمل المستمر المخلص ، من أجل سعادة البشر ، وتقليل معاناتهم النفسية ، وآلامهم الجسدية ، وتوفير كل وسائل العمل والتحقق والترفيه ، والأمان ، فى ظل مناخ عادل ، يسوده العقل ، والقانون المتجدد مع تجدد الحياة . هل المسلم ( بالوراثة ) الذى يخرج من المسجد بعد الصلاة ، ويذهب لذبح أخته لأنها تحب زميلا لها ، أو يضرب زوجته ، لعدم استئذانها فى الخروج ، أو يستدرج ابنته ويقتلها ، لأنها ليست عذراء ، أو يفرض الحجاب والنقاب على أمه ، أويضرب ابنه الصغير ، ليجبره على أداء الصلاة ، يكون عظيم الايمان ، عميق التدين ؟؟. ولماذا لا يصبح المستشفى الذى أجرى عملية معقدة ، بأرخص التكاليف ، لينقذ شابا من الموت ، ويعيده الى أمه ، وأبيه ، بيتا من بيوت الله ؟؟. فى مصر يوجد كما أسلفنا 194, 151 ، مسجدا 2024 . أما عدد مستشفيات مصر ، فهو 1798 مستشفى ، 662 مستشفى حكومى ، و1136 قطاع خاص ، 2023 . أهذا معقول ، أو مقبول ؟؟. ان وجود 50 مسجدا فاخرا ، متلاصقا ، بالميكرفونات ، فى قرية صغيرة ، ليس بها مستشفى واحد مجهز ، وسط أحوال معيشية وبيئية ، تحت خط الانسانية ، لهو مشهد مألوف فى الريف المصرى . رابعا : التشخيص " الكيفى " لقضية تجديد الخطاب الدينى ، غائبة تماما ، وربما يكون غير مرغوب فيه أصلا . فالتشخيص " الكمى " ، أدى الى علاج " كمى " ، وهو الزيادة العددية للمساجد . أما التشخيص " الكيفى " ، وأقصد به " محتوى " الأحاديث ، والدروس ، والمواعظ ، وخطب الجمعة ، باق كما هو ، يرسخ من الخطاب الدينى التقليدى ، الموروث منذ مئات السنوات ، والذى لم يعد يتناغم ، مع متطلبات الدولة المدنية الحديثة . وهى دولة المواطنة بلا تفرقة ، أو تمييز من أى نوع ، وجعل الدين علاقة شخصية ، لا تخرج الى الفضاء العام ، والعدالة بين النساء والرجال ، وحيادية الدولة تجاه كل العقائد ، عدم تديين أى قضية ، ومهام الدولة هى القضاء على الفقر ، والبطالة ، والمرض ، والجهل ، والانفجار السكانى ، عن طريق التوفير المستمر لفرص العمل ، واقامة المشروعات ، والاكثار من المدارس والجامعات ومعامل الأبحاث ، والحدائق ، والأندية الرياضية الشعبية ، والتوسع فى بناء المستشفيات والوحدات الصحية ومراكز العلاج ، المجهزة على أعلى مستوى فى الريف والمدن ، والمخصصة للفقراء ، وذوى الدخول المحدودة ، وذوى الاحتياجات الخاصة ، اما مجانا ، أو بمقابل زهيد . رغم أننى لا أستشهد بمقولات الشيوخ ، أو رجال الدين ، لكن هناك مقولة لشيخ الاسلام ، ابن تيمية 22 يناير 1263- 26 سبتمبر 1328 ، حنبلى المذهب ، أعتبرها القول الفصل فى غاية الدين ومرضاة الله . يقول ابن تيمية : " ان الله يقيم وينصر الدولة العادلة ، وان كانت كافرة ، ولا يقيم ولا ينصر الدولة الظالمة ، وان كانت مؤمنة ". وقال المعنى نفسه بطريقة أخرى : " الدنيا تدوم مع العدل والكفر ، ولا تدوم مع الظلم والاسلام ". ويؤكد ابن خلدون 27 مايو 1332- 17 مارس 1406، هذا المنحى ، بمقولته : " العدل أساس المُلك ". لم يقل أحد من علماء وفقهاء المسلمين ، أن الله : " يقيم وينصر الدولة المصلية " ، أو أن " الحياة تدوم مع الصلاة " ، أو أن " الصلاة أساس المُلك ".
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسرحية .. أين قلبى ؟ .. شهوة النكاح ثلاث قصائد
-
يعيشون فى القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن السابع لشبه الج
...
-
فى المطار .. انتحلت شخصيتى قصيدتان
-
القرار .. فقط حينها .. الطبيب الشرعى ثلاث قصائد
-
أعجز عن النوم مع - الكذب - فى فراش واحد
-
وردة دُفنت .. أحبك قصيدتان
-
- المصرية اليوم - تهدى باقة ورد الى - المصرى اليوم -
-
الوطن المحشور .. خمس قصائد
-
شرطة - الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر - تتنكر فى شكل- المطو
...
-
البئر الملوثة .. قصيدة
-
الخطاب الأخلاقى للنساء فقط
-
ليس من وظائف الدولة المدنية مكافحة الالحاد والفكر اللادينى
-
لماذا مع - التدين بالفطرة - وتضخم - التدين المغروس - انحدرت
...
-
الجهر بالافطار فى نهار رمضان من أساسيات الدولة المدنية
-
تمهيد التربة لزراعة المواطن الصالح والمواطنة الصالحة
-
سرير القهر .. احتياج قصيدتان
-
الثمن الذى ندفعه من أعصابنا ودمنا وسعادتنا لنأكل
-
- أمى - ليست ناقصة عقل ودين
-
بائعة الفجل وبائعة الشِعر
-
نعش اللعنات .. استعباد قصيدتان
المزيد.....
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
ليبيا.. سيف الإسلام القذافي يعلن تحقيق أنصاره فوزا ساحقا في
...
-
الجنائية الدولية تحكم بالسجن 10 سنوات على جهادي مالي كان رئي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|