أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الازمات والنزاعات الاقليمية وأثرها على عملية التغيير والاصلاح الديمقراطي















المزيد.....


الازمات والنزاعات الاقليمية وأثرها على عملية التغيير والاصلاح الديمقراطي


عبد الحسين شعبان

الحوار المتمدن-العدد: 1773 - 2006 / 12 / 23 - 09:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يعجّ العالم بالكثير من الازمات والنزاعات الاقليمية، وبخاصة في البلدان النامية في آسيا وأفريقيا وامريكا اللاتينية، وما زالت الكثير من دول هذه القارات لم ترسِ بعد على طريق تطور سلمي مستقل، بسبب من كوابح داخلية وعوامل خارجية تحول دون اختيارها الحر للاصلاح والتغيير الديمقراطي. ولعل منطقة الشرق الاوسط تمثّل نموذجاً لعناصر الجذب والشدّ داخلياً وخارجياً لأزمات ونزاعات، تكاد تكون مزمنة ومعّتقة حالت وتحول دون إحداث التنمية المنشودة والسير في طريق الاصلاح والتغيير الديمقراطي.
ورغم وجود ارهاصات وتطورات عربية نحو التعددية واجراء انتخابات والقيام باصلاحات دستورية وقانونية وسياسية واتساع هامش حرية التعبير وحق المشاركة والحق في التنظيم والرغبة في السير في دروب التنمية والتغيير الديمقراطي، الاّ أن منطقتنا وبلداننا ما تزال تفصلها هوّة كبيرة عن التطور العالمي في هذا الميدان. وكشفت تقارير التنمية البشرية الصادرة عن البرنامج الانمائي التابع للامم المتحدة، عن النقص الفادح في ميدان الحريات العامة والخاصة، واستمرار القهر السياسي وهضم حقوق المرأة والاقليات، وضعف الاستفادة من منجزات العلم والتكنولوجيا وضآلة فرص المعرفة والثقافة!!
ان منطقة الشرق الاوسط تعاني من نزاع اساسي أقليمي ودولي منذ نحو 6 عقود من الزمان، فما زال الشعب العربي الفلسطيني بعيداً عن امكانية عودته الى دياره وفقاً لقراري الامم المتحدة 181 و194، وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أساس حق تقرير المصير. كما تبقى قرارات الامم المتحدة 242 و338 لتسوية النزاع وفقاً للشرعية الدولية بعيدة عن التطبيق، وتزداد المنطقة توتراً واشتعالاً بسبب إستمرار الاحتلال الاسرائيلي ومواصلة بناء الجدار خارج نطاق الشرعية الدولية، وارتكاب المجازر التي كان آخرها مجزرة بيت حانون، التي أدانتها الجمعية العامة للامم المتحدة.
كما تعاني منطقة الشرق الاوسط من نزاعات اقليمية وحدودية وحروب أهلية، دينية وعرقية فضلاً عن أعمال عنف طائفية، بحيث اصبحت بؤرة للعديد من التوترات والاحتقانات الجيوسياسية والاجتماعية والاقتصادية، زادها أهمية وجود النفط فضلاً عن الموقع الاستراتيجي المتميّز.
لقد ساهمت النزاعات والحروب، في خلق أزمات تكاد تكون مستديمة في المنطقة، واثرت سلبا في عملية التوجه نحو الديمقراطية والتنمية. ففي بلدان المشرق على سبيل المثال مصر والعراق وسورية ولبنان والاردن ، التي شهدت في الاربعينيات والخمسينيات ، على أقل تقدير، تجارب ديمقراطية جنينية ومتفاوتة وناقصة، تعثرت بالارتباط مع تطورات خارجية وعوامل نكوص داخلية، فاضافة الى الصراع العربي-الاسرائيلي وبحجته أيضاً، ثم بسبب الصراع الدولي بين الشرق والغرب في عهد الحرب الباردة، تم ربط العديد من دول المنطقة بأحلاف عسكرية، وإتسعت مصادرة الحريات والتضييق على المعارضات وملاحقتها وانتهاك حقوق الانسان، وتبديد الثروة الوطنية على العسكرة والسلاح والامن بدلاً من توظيفها للتنمية وتعزيز الديمقراطية.

وأود أن أشير هنا الى أن الموجه الديمقراطية الجديدة التي شهدتها أوروبا الشرقية في اواخر الثمانينات واوائل التسعينات، بانهيار الأنظمة الشمولية، انكسرت عند شواطئ البحر المتوسط. ولم يكن ذلك بمعزل عن أن القوى الدولية المتنفذة، لم ترغب حينها في إحداث التغيير المنشود، حفاظاً على مصالحها الاساسية خصوصا إنحيازها لأحد أطراف الصراع، والسعي لوضع اليد على منابع النفط وإحكام السيطرة على اسعاره وتجديد واستحكام القواعد العسكرية الاستراتيجية في المنطقة، بما فيها استخدام وتجريب وبيع أسلحة جديدة.
ولعبت الحروب والنزاعات الحدودية دوراً عائقاً امام تقدم العديد من دول المنطقة باتجاه الديمقراطية والاصلاح، ومن أهم الحروب والنزاعات التي شهدها الوطن العربي ، بعد الصراع العربي – الاسرائيلي ، الحرب العراقية – الايرانية (1980 – 1988) وبعدها غزو القوات العراقية للكويت عام 1990 وحرب "قوات التحالف الدولي" ضد العراق عام 1991، واستمرار نظام العقوبات الدولي لمدة 13 عاماً وفيما بعد شن الحرب على العراق واحتلاله في 9 نيسان (ابريل)2003.

ومن النزاعات الحدودية التي اكتسبت شهرة كبيرة النزاع الاماراتي–الايراني بخصوص الجزر العربية الثلاث، أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى، والتي احتلتها ايران عام 1971، والنزاع المصري – السوداني بخصوص حلايب، والنزاع القطري – البحريني بشأن جزر حوار، والنزاع الجزائري– المغربي بخصوص الصحراء الغربية ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو، التي تأسست عام 1976، والنزاع المغربي– الاسباني بشأن استمرار احتلال اسبانيا لسبتة ومليلة، والنزاع الليبي – التشادي، والنزاع السعودي – اليمني، والنزاع اليمني – اليمني (قبل الوحدة) والنزاع الارتيري – الاثيوبي والنزاع الصومالي – الاثيوبي والنزاع الارتيري – الجيبوتي وغيرها.

ويمكن اعتبار الاجتياحات التركية للاراضي العراقية، وبخاصة في الثمانينيات والتسعينيات فضلاً عن مشاكل الحدود التركية – العراقية والتركية – السورية وما له علاقة بأزمة المياه، وبخاصة في حوض دجلة والفرات وبناء السدود، عامل إقلاق لقضية الاستقرار والسلام في المنطقة، والتي هي أحد شروط التطور الديمقراطي.

كل هذه الحروب والنزاعات الحدودية وذيولها، وبخاصة العسكرة وتبديد الموارد على شراء السلاح، كانت على حساب قضية الاصلاح والتغيير الديمقراطي. فبحجة "الخطر الخارجي" و "العدو الأجنبي"، الذي يدق على الابواب جرت مصادرة الحريات والتضييق على المواطنين ودفعت العديد من البلدان العربية للعيش على الحافة وفي حالة الطوارئ المستمرة . ولعل بعض البلدان العربية ما تزال تطبق أنظمة الطوارئ والاحكام العرفية منذ نحو أربعة عقود من الزمان.
وساهمت " العولمة " ومحاولات فرض الاستتباع الى جانب فرض نمط محدد للتطور ، وبخاصة بعد التحولات العاصفة التى اجتاحت أوربا الشرقية ، في تقييد الارادة السياسية وإخضاع شعوب وأمم للهيمنة ولسياسات ومناهج لا تنسجم مع طموحها وأهدافها معطلة اختيار سبل تطورها المستقل.

جدلية الداخل والخارج!

لا يمكن تعليق غياب أو ضعف التوجه نحو الاصلاح والتغيير الديمقراطي على النزاعات والازمات الاقليمية والدولية حسب، بل ان صورة كبح الديمقراطية ونموذج الاستبداد تظهران على نحو جلي وصارخ من خلال المّعوقات والاسباب والتحديات الداخلية الكبيرة، التي تعّرقل نمو الوطن العربي للسير في طريق الاصلاح والتغيير الديمقراطي.

فإلى جانب ضعف البُنى والتراكيب الاساسية للدول العربية الحديثة الاستقلال أو النشوء، يلعب ضعف التجربة، وبالتالي تراكمها، دوراً بارزاً في هذا المجال.

إن نظرة الى الديمقراطيات العالمية تبيّن لنا كيف وصلت الى هذه النتيجة من التطور الديمقراطي الذي هو تراكم لسلسلة من التجارب . نذكر هنا مثالاً هو الثورة الفرنسية عام 1789، حيث وضعت أساسها الثقافي الديمقراطي في حركة واسعة للتغيير على المستوى الفكري، في حين أن التجربة العربية المعاصرة لم تستطع بناء مستلزمات التغيير الثقافي الديمقراطي ، ليتم استكمال وتطوير المنجز السياسي والسير بالتوجهات التنموية على قاعدة ديمقراطية.

لقد تعطلت المحاولات الاصلاحية، التي بدأت في اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في العالمين العربي والاسلامي. ولو تمّكن العرب من استلهام كتاب عبد الرحمن الكواكبي "طبائع الاستبداد" مثلما استلهم الفرنسيون كتاب "روح الشرائع" لمونتسكيو او "العقد الاجتماعي" لروسو، لأمكن تهيئة مستلزمات ثقافية للتحول الديمقراطي، بما يستجيب لخصوصيته القومية والثقافية والدينية وخصوصاً لمفكرين مثل جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده ورفاعة الطهطاوي وشبلي شميل وفرح انطون والتونسي والنائيني وغيرهم.

لقد نمت الديمقراطية وتطورت في أوربا وأمريكا من تفاعلات تحتية وبالارتباط مع تراث هذه الشعوب والبلدان ، إلا أنها في العالم العربي والاسلامي، هناك من اراد لها ان تكون من فوقية. فهل يمكن تحقيق الديمقراطية دون تفاعلات تحتية أساسية، بما يؤثر على البناء الفوقي وبالاستفادة منه في تسريع عملية التحّول؟
واذا كانت فكرة الديمقراطية تمثل الحداثة، فانها ليست مقطوعة الجذور عن التراث وهناك نماذج مهمة من الابحاث والدراسات في العالم العربي والاسلامي عن الإصلاح والحداثة والتطور وحقوق الإنسان، إذ أن قطع الصلة مع التراث يؤدي الى التغريب، فالحداثة لا تعني قبول الوصاية والاستتباع الفكري والثقافي. والفكر هو الذي يتجاوز الجغرافيا والجنسية والعرق والدين واللغة وغيرها من التصنيفات التي تؤدي الى حشره في دائرة ضيقة.

إن استلهام التراث ومواكبة التطور العالمي، لا بدّ أن يسيرا في خط متواز، وليس متقاطعاً، فالشورى وان كانت لا ترتقي الى مفهوم الديمقراطية الحداثوي العصري، الاّ أنه يمكن اعتبارها نوعاً من المشاركة الأولية وترجيح الرأي "وأمرهم شورى بينهم "، ومصطلح " أهل الحل والعقد "، و " مبادئ العدل والانصاف " في التاريخ العربي- الاسلامي مرتكزات أساسية للدولة العادلة وللحكم الصالح.

وقد لاحظ رفاعة الطهطاوي في كتابه "تخليص الابريز في تلخيص باريز" أن مفهوم الحرية " الفرنسي " هو ما نطلق عليه مصطلح " العدل والانصاف " فالحرية تعني المساواة بحيث لا يجور ( من الجور ) حاكم أو سلطان على بشر أو انسان، بل ان القوانين هي المحكّمة والمعتبرة.

وبدلاً من العودة الى التراث، الذي يضع العدل والانصاف مرتكزاً أساسياً للدولة العادلة يسود ضعف احترام حقوق الانسان، بل يطرح الموروث والتقاليد البالية عوضاً عن ذلك. وهنا يتم التشبت بدور العشيرة، أو الطائفة أو المذهب أو الدين أو الجهة، وكل ما له علاقة بالتعصب، خصوصاً النظرة الدونية الى المرأة في محاولة لتهميش دورها ، والتنكر لحقوقها ومساواتها العاملة في مخالفة الكرامة الانسانية التي ضمنها كتاب الله – القران الكريم، وكذلك الموقف الاستعلائي من الاقليات القومية والدينية وغيرها.

واذا ما أضفنا الى كل ذلك عوامل موضوعية كالجهل والفقر والمرض والامية، وخصوصاً التوزيع غير العادل للثروة ونقص الوعي الديمقراطي عموماً، فان الكوابح الداخلية تشكل عائقاً امام مسألة التحول الديمقراطي والانتقال الى الحكم الصالح.

ان ضعف وهشاشة الدولة الحديثة وعدم وجود تقاليد ديمقراطية أمور أدّت الى سيادة الاستبداد خصوصاً في ظل انعدام الرقابة والشفافية، فضلاً عن الفساد الاداري والمالي لأجهزة الدولة.

كما أن عدم وجود دساتير أو برلمانات أو مجالس منتخبة أوحتى "معينة" على أساس المشاركة التمثيلية في بعض البلدان العربية، والتباعد بين دائرة الحكام والمحكومين ساهما في وضع المزيد من العقبات أمام التغيير الديمقراطي ومستلزمات انجاز اصلاح شامل.

ولا بدّ هنا من الاشارة الى الانقلابات العسكرية ودور الجيش في تخريب الحياة المدنية السلمية وعرقلة تطورها. ولعل تجربة العديد من الدول العربية مثال على ذلك، إذ لعب الجيش دوراً كابحاً لنمو وتطور الحركة نحو الديمقراطية والاصلاح، بل انه ساهم في إلغاء وتضييق الهوامش الديمقراطية التي كانت قائمة، كما حصل في بلدان المشرق العربي وبعض بلدان المغرب العربي.

وبحجة العدو الخارجي جرت مصادرة الحريات العامة وفرضت احكام الطوارئ، الامر الذي ساعد فيه وصول الجيش الى قمة السلطة السياسية، وزاد في الامر أنظمة "الحزب الواحد" والدولة التسلطية الشمولية وغياب المعارضة الشرعية والقانونية. لقد تم قطع التطور التدريجي في البلدان العربية والتجربة الديمقراطية الناشئة، بواسطة الثورات والانقلابات العسكرية وإلغاء التعددية الحزبية والسياسية وإلحاق النقابات ومنظمات المجتمع المدني والاتحادات المهنية، بمؤسسات الدولة البيروقراطية.

وكان لهيمنة الجيش على مقاليد الامور دوراً قي تقليص فرص التعددية السياسية والفكرية وإضعاف وتلاشي النقد والنقد الذاتي وكذلك ضعف المساءلة والشفافية، مما أدى الى وهن الحياة السياسية واعتلال مسألة الاصلاح والديمقراطية تحديداً. وزاد الامر تعقيداً محاولة استنساخ تجربة البلدان الاشتراكية من طرف دول " التحرر الوطني" كما أطلقنا عليها مع إهمال خصوصية الوطن العربي وتطوره التاريخي.

اما الدول المحافظة أو " المعتدلة" كما تسمى أحياناً سواءاً ذات اليُسر او ذات العُسر – وان حابت الغرب أحياناً– الاّ انها لم تأخذ بديمقراطيته، وخصوصاً في مسألة تداول السلطة واجراء انتخابات دورية والرقابة، وفي التحكم بمصادرة الثروة واستثمارها. وفي كلا الحالين كانت قضية الديمقراطية السياسية او الاجتماعية هي المفقودة وهي الغائبة، سواءاً على صعيد الفرد وحرياته او على صعيد المجتمع وتقدمه، وخصوصاً بتحكم الاجهزة الحكومية والامنية البيروقراطية.

■ الواقع العربي الراهن

رغم تبني الاستراتيجية الكونية خطة للاصلاح السياسي والقانوني التي وردت في الخطابات المعلنة للولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرها من دول الاتحاد الاوروبي بأسماء مختلفة آخرها " الشرق الاوسط الجديد" بعد " مشروع الشرق الاوسط الكبير"، الاّ ان العالم العربي، ورغم الضغوط الخارجية، شهد نكوصاً وتراجعاً أحياناً في بعض الجوانب، خصوصاً بإرتفاع موجة العنف في المنطقة واستفحال الاحتقان الطائفي والمذهبي والاثني واستشراء التطرف والتعصب الديني، وإستغلال حملة مكافحة الارهاب أحيانا لابتزاز الحكومات، من جهة ومن جهة أخرى ابتزازها هي لشعوبها تحت يافطة مكافحة " الارهاب " ! مما أدى الى تقليص مساحة الحقوق والحريات.

وكان استمرار وتصاعد المواجهة بين اسرائيل من جهة والشعب الفلسطيني من جهة أخرى، خصوصاً بعد فوز حماس في الانتخابات، وفيما بعد في المواجهة الاسرائيلية مع حزب الله اللبناني واندلاع حرب الايام الـ33 العدوانية في صيف العام الجاري ما دفع المنطقة كلها الى القلق خصوصاً ما رافق ذلك من تداعيات.

وكانت صورة الحرب على العراق وقبلها على افغانستان ماثلة للعيان خصوصاً وأنها انعكست بصورة سلبية خطيرة على الحريات لجميع دول المنطقة، سواءاً بتشديد الاجراءات القمعية او بفرض قوانين من شأنها الحد من حرية التعبير، كما كانت الحدث الابرز والاكثر خطورة الذي شهده العالم، بعد احداث 11 ايلول (سبتمبر)2001 الارهابية.

واظهرت هذه الحرب هشاشة النظام الدولي القائم، وعدم صدقية الكثير من الادعاءات، خصوصاً بتجاوزات صارخة على الشرعية الدولية، التي رغم الكثير من التحفظات على توظيفها سياسياً، الاّ انها مع ذلك لم تمنح خطة التدخل العسكري الترخيص المطلوب، ولم تكن هناك مبررات كافية بشأن شن الحرب، بحجة امتلاك العراق اسلحة دمار شامل او ضلوعه في اعمال ارهابية بالتنسيق مع تنظيمات القاعدة، وهو ما تم اكتشاف زيفه لاحقاً!

لقد أثارت الحرب الكثير من ردود الافعال، القانونية والسياسية والعملية، ناهيكم عن تجاوزها على الحريات وكامل منظومة حقوق الانسان وما له علاقة بتطورات ملف الاصلاح والديمقراطية، خصوصاً وقد عارضتها الكثير من دول العالم وحركات السلام ومؤسسات المجتمع المدني وشهدت الساحة العالمية تظاهرات أكثر من 400 مدينة أساسية.

من جهة أخرى شهد العالم خلال الاعوام القليلة الماضية، تقليص مساحة الحرية وارتفاع وتيرة القهر من خلال انتهاكات القانون الدولي الانساني والقانون الدولي لحقوق الانسان واختلال في معادلة الاصلاح والتغيير الديمقراطي، ولعل مشهد العراق، الذي وقع تحت الاحتلال قد أصبح المثال الأكثر سفوراً على التناقض والإلتباس، حيث اطلقت يد الفوضى، خصوصاً بتفكيك مؤسسات الدولة العراقية وحل الجيش، وارتفاع وتيرة العنف الطائفي على نحو غير مسبوق، فضلاً عن الفساد الاداري والمالي، مما اضعف المواطنة، والهوية وأصبح الولاء الطائفي والمذهبي والاثني هو الاساس في ظل وجود الميليشيات واعمال الارهاب وانتشار الجريمة المنظمة.

خاتمة
يمكن القول: لم يعد بامكان حكومة ما، بحجة "السيادة" أو"عدم التدخل"، التملّص من خطة الاصلاح والتغيير الديمقراطي، تحت أية ذريعة كانت فقد أصبح الامر استحقاقاً دولياً، وكان صدور قرار الجمعية العامة للامم المتحدة في 4 كانون الاول (ديسمبر) 2000 بمثابة مرجعية دولية للاصلاح والديمقراطية، حين اعتبر الديمقراطية قضية كونية وفيها خاصيات مشتركة، ولا وجود لطريق واحد "نموذج" للوصول اليها، وانها تعتمد على تقاليد ومعتقدات الامم والشعوب. ولم يعد بإمكان أية دولة ان تضع نفسها خارج إطار المساءلة الدولية والتدخل الانساني من جانب المجتمع الدولي، فيما اذا انتهكت المعايير الدولية لحقوق الانسان، وتلك أصبحت مسألة " فرض عين وليس فرض كفاية " كما يقال، رغم السياسة الازدواجية والمعايير الانتقائية والتوظيف السياسي لفكرة التدخل لاغراض انسانية، التي هي فكرة في غاية الاهمية في مواجهة تغوّل الدولة على مواطنيها.

لقد اصبحت قضية الحريات والاصلاح والديمقراطية جزءاً محورياً من حقوق الانسان ومن الحق في التنمية لكل بلد من بلدان العالم وجزءاً من الامن الوطني والامن القومي على المستوى الاقليمي، لذلك فان قضية الاصلاحات السياسية والقانونية التي طرحت منذ الاستقلالات العربية في القرن الماضي، والتي لم تتحول الى برنامج شامل جاد وراسخ، وظلّ هناك من يتجاذبها داخلياً وخارجياً.
ويبدو ان الضغوط الخارجية، التي تتم ممارستها على نحو شديد وبخاصة بعد احداث ايلول (سبتمبر) 2001، بما فيها الدعوة الى اصلاح للخطاب التربوي والديني، اخذت تؤثر في اجراء مراجعات على صعيد كل بلد عربي، فإمّا باتجاه اجراء مراجعة والسير في الركب العالمي، او القيام بمحاولة ترقيعية لإمتصاص النقمة وركوب الموجة دون أن تردم الهوة السحيقة بين الواقع العربي وبين التطور الدولي. وتريد القوى الداخلية الاصلاحية في الحكم وخارجه، الشروع بإستحقاق التغيير والاصلاح، دون اللجوء الى عملية قيصرية قد تكون نتائجها غير محسوبة. وحتى القوى التي تعوّل على الخارج أخذت تتردد في طرح مسألة التغيير بالوسائل الحربية.

وهنا تتلاقى مستلزمات التغيير بين تحديات الخارج وضرورات الداخل، وان اختلفت الاهداف أحياناً. فاذا كان هدف الخارج هو استئصال بؤرة الارهاب وتجفيف منابعه وتشكيل ملامح بيئة جديدة بعيداً عن التطرف والتعصب تمهيداً للسير في طريق الاصلاح والديمقراطية، فان حاجة الداخل تبدو ماسّة بعد أن وصلت انظمة الحكم الى طريق مسدود في العديد من البلدان العربية المحافظة أو ذات الانظمة الثوروية. وهكذا أصبح الاصلاح ضرورة من ضرورات مواجهة الارهاب من جهة، كما يراد لها في الغرب، وبين الحاجة الضرورية التي تنبع من صميم التطور الداخلي من جهة أخرى.
الاصلاح والتغيير الديمقراطي مسار كوني وعملية ديناميكية متواصلة لا يمكن لأحد أن يعفي نفسه منها، أو يحيط نفسه بالعزلة لتفادي تأثيراتها... لكن ما يعطّل السير فيها والمضي قدماً لتحقيق وانجاز مهماتها، هو النزاعات والازمات الاقليمية والدولية، التي تحول دون وجود ظروف سلمية مناسبة وبيئة دولية واقليمية لرعاية الاصلاح والتغيير الديمقراطي الداخلي.





#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عام بريمر العراقي في الميزان
- المحكمة الجنائية الدولية
- هل سيتمكن المالكي من حل المليشيات ؟
- ما بعد العدوان الاسرائيلي
- العراق وتحديات المستقبل
- الطبعة السيستانية لولاية الفقيه
- الائتلاف والاختلاف في ستراتيجيات وتاكتيكات المقاومة العربية
- الدكتورعبدالحسين شعبان دعم امريكا لاسرائيل لايشجع على الثقة ...
- التسامح والاسلام
- حرية التعبير
- بول بريمر العراقي في الميزان
- العاشق الذي يلاحقه الشعر ويبكيه العراق
- العالم العربي ما بعد العدوان الاسرائيلي على لبنان
- هل تستطيع حلّ العقدة العراقية والسورية اللبنانية ؟!! جامعة ا ...
- بيئة العنصرية وكراهية الآخر هل نحن في مواجهة مع الغرب!؟
- مفارقات - الالتباس- الحضاري مسيحيو العراق والاساءة الى النبي ...
- حوار مع الناقد والمفكر العراقي عبدالحسين شعبان
- رؤية في مشروع الدستور العراقي الدائم
- هل هو فعل إكراه أم فعل ارادة ؟
- الفيدراليات العراقية بين التأطير والتشطير


المزيد.....




- من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا ...
- ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا ...
- قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم ...
- مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل ...
- وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب ...
- واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب ...
- مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال ...
- -استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله- ...
- -التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن ...
- مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبد الحسين شعبان - الازمات والنزاعات الاقليمية وأثرها على عملية التغيير والاصلاح الديمقراطي