أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض جون ستيوارت ميل















المزيد.....


نقض جون ستيوارت ميل


هيبت بافي حلبجة

الحوار المتمدن-العدد: 8040 - 2024 / 7 / 16 - 04:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


جون ستيوارت ميل هو أبن الفيلسوف والإقتصادي البريطاني جيمس ميل وتلميذ جيرمي بنثام ، وتتكثف منظومته الفكرية العامة حول نقطة جوهرية أساسية وهي ، إن الإنسان الفرد ، إن الفرد هو جوهر العالم ، هو جوهر الوجود ، هو جوهر الحرية ، هو جوهر السعادة ، ويؤكد ذلك من خلال إطروحته هذه : لو إجتمع العالم كله على رأي واحد وخالفهم شخص واحد وأبدى رأياٌ خاصاٌ به فلايجوز للعالم أن يقمع ماذهب إليه ذاك الفرد . فماذا يعني هذا :
من جانب موضوع الغيبيات ، في منظومته الفكرية ينفي جون ستيوارت ميل أي دور من جانب الغيبيات في حيثيات الأمور لدى الإنسان ، لذلك لايكترث بالوجود الإنطولوجي لها ولايتحمل عناء البحث عن قضاياها الجوهرية المعروفة لدي البشر .
من جانب المجتمعات السليمة ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن المجتمعات السليمة هي تكون كذلك بفضل جهود أفرادها ، فرداٌ فرداٌ وليس جماعات أو تجمعات ، فالفرد هو السبب الفعلي في خلق مجتمعات تنحو منحى السلامة ، سلامة الفرد نفسه ، ثم سلامة شروط تحقيق علاقات محمودة .
ومن جانب النظم السياسية ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن النظم السياسية ، والتي تدل دلالة تامة على المستوى التاريخي لتلك المجموعة ، وعلى درجة الوعي التاريخي لها ، يكمن جوهرها في أمرين :
الأول في سلامة الفرد نفسه وفي الشروط التي تحافظ على تلك السلامة ، في الفكر ، في العيش ، في حرية الأداء ، في كيفية الحرية . وبقدر الحفاظ على سلامة الفرد ، وكذلك حماية الأقلية وخصائصها الذاتية ، يكون النظام السياسي الموازي ليبرالياٌ بنفس المقدار ، وبنفس ذلك المقدار يدنو من حقيقة الليبرالية ، وبذلك المقدار تتحقق الحرية وكذلك النفعية .
والثاني في سلامة الشرط القانوني ، وموضوع القوانين بكل أنواعها ، وجوهر تنفيذ تلك القوانين وصحة التعبير عنها . بمعنى إن العلاقة الحميدة مابين القوانين وسلامة الفرد وحماية الأقلية هي جوهر العلاقة الأصلية مابين النظام القانوني والليبرالية ، ومابين الأثنين وموضوع النفعية ومتفرعاتها في الحرية والحقيقة .
ويكمل جون ستيوارت ميل تلك النقطة بهاتين النقطتين :
النقطة الثانية : خلافاٌ لهوبس يؤكد جون ستيوارت ميل إن البشر بفطرتهم ، بطبيعتهم ، ينتمون إلى الإستئناس وإلى التآلف وإلى التجمع وإلى الإيثار والتفضيل وحتى التضحية ، وهم يتمتعون بتلك الخصال الحميدة والمحمودة من حيث الأساس ، وما الأنانية والصفات السلبية التي تصدر من بعض البشر ليست إلا إنحرافاٌ عن القاعدة الأصلية . وهذا يعني :
من جهة أصيلة ، إن الحدود المتفاضلة مابين الفهم البشري والتفاهم البشري تفقد خواصها ليبرز جوهراٌ مشتركاٌ ينضوي في تأصيله ماهو محتوى النافع .
من جهة أولى ، إن شرط المنفعة هو أقوى بكثير ، وأعمق أكثر ، من شرط محتوى اللذة ، إلا إذا إرتقى الشرط الثاني إلى مستوى الشرط الأول ، وهذا لايتحقق إلا نظرياٌ . لإن البشر ، بحكم الإيثار والتفضيل والتضحية ، يسعون إلى تحقيق النفع العام أكثر من الصالح الخاص ، يسعون إلى الحفاظ على ما هو السوسيولوجي العام أكثر مما هو إنطولوجي خاص .
ومن جهة ثانية ، كما إن شرط الإيذاء ، إيذاء الآخرين ، هو شرط إستثنائي وخاص في حدوده ، ينبغي أن يكون شرط العقوبة يتناسب طرداٌ مع هذا الشرط ، ويتوافق ذلك بالكلية مع الشرط القانوني ، في جوهر محتوى الليبرالية السائدة ضمن درجتها ونوعها .
ومن جهة ثالثة ، وهكذا ندرك إن شرط البناء ، البناء السوسيولوجي ، من حيث التأصيل والأساس ، هو الشرط الذي تحدده نوعية الشروط الأخرى ، وهي التي تمنحه خواصه الحقيقية . كيف ذلك :
إذ لولا تلك الخصائل الإيجابية المتأصلة في حقيقة النفس البشرية ، لكانت الليبرالية خاوية في حدودها وعاقرة في حدها ، ولكان الشرط القانوني مجرد تعبير عن الحالة التأديبية ، كقيمة سلبية معدومة القيمة الإيجابية .
النقطة الثالثة : يؤكد جون ستيوارت ميل إن المنظرين والمفكرين أساءوا فهم حقيقة الأخلاق وكذلك حقيقة النفعية حينما تصورا وكإن النفعية مرهونة بالتصور الحيواني ، وبالحالة الحيوانية ، وباللذة المباشرة أو القريبة ، في حين إن النفعية هي شرط وخاصية بناء الفهم الإنساني لنفسه ، لحياته ، لعلاقاته ، لرؤيته في حدود أبعادها . وهذا يفرض قضيتين أساسيتين :
الأولى ، إن النفعية شرط خاص بالإنسان ، وتتخطى حدود خصائص الفرد الذاتية ليرتقي ، هو ، إلى مستوى العلاقة الحميمية والأصلية مابين الإنسان ومابين السوسيولوجي ، وهذه هي المفارقة الفعلية مابين النافع ومابين الصالح ، فالنافع جوهره السوسيولوجي ، والصالح جوهره المتعة واللذة .
والثانية ، إن النفعية قضية إجتماعية بالدرجة الأولى وتتجاوز حدود مفهوم السلوك ، بل هي التي تقتضي في حدها الأصيل نوع معين من السلوك . بمعنى إن ثمت تماهي وتناظر مابين النفعية من حيث هي قضية موضوعية في أعماق السوسيولوجي ومابين تلك الصفات الإيجابية التي هي العنوان الفعلي للذات الفردية .
فإلى المقدمات :
المقدمة الأولى : يربط جون ستيوارت ميل مابين محتوى النفعية وأساس الحرية ومضمون الحقيقة معتبراٌ إن لانوجد الحقيقة المطلقة ، وغياب الحقيقة المطلقة يعني غياب الإعتقاد الثابت ، وغياب الإعتقاد الثابت يعني تحرك المفاهيم من إلى ، يعني تحركاٌ من مستوى إلى مستوى ، من حالة إلى حالة متطورة بالضرورة ، وهذا التحرك يخلقاٌ تحركاٌ في الفهم الإنساني بثلاثة أشكال :
الأول ، مدى الفهم الإنساني للفهم نفسه ، بمعنى إن البشر تدرك نتائج ماتحققه على أرض الواقع من أمور وقضايا تحثهم على الإتيان بالمزيد ، وتحضهم على التماهي المشترك .
والثاني ، الفهم الإنساني لكافة القضايا ، بمعنى إن تلك القضايا تتحول في ذهن البشر إلى وظائف ومهام طبيعية أصيلة تجعلهم كقاعدة فعلية في النفعية والسعادة .
والثالث ، الفهم الإنساني لخواص ماهية الإنسان ، بمعنى إن هذا التحرك يخلق تحركاٌ في موضوع الحرية ، وفي موضوع النفعية ، في أساس كليهما من حيث المعنى ومن حيث المبنى ، وهذا يشير إلى جوهر تأصيل ثلاثة أمور بحجم القضايا :
الأمر الأول ، إن النفعية في المعنى والمبنى ، وكذلك الحرية ، هي تتجاوز إيجابياٌ محتوى أساس الفرد الذي أعتمد عليه جون ستيوارت ميل ، وارتقت إلى مستوى الحالة ، كحالة موضوعية ، كحالة تفرض شروطها وخوصها على ما سواها .
الأمر الثاني ، إن النفعية في المعنى والمبنى ، وكذلك الحرية ، هي حركة في حدين ، هي ميزان مابين قضيتين متلازمتين :
الأولى ، إحترام مبدأ النفعية لدى الفرد ، وكذلك إحترام مبدأ الحرية لديه ، وإحترام مبدأ النفعية لدى الأقلية مع إحترام مبدأ الحرية لديها ، لإن بهما تتطور المجتمعات ، وهكذا تتناظر النفعية والسعادة، وهكذا تتناظر النفعية والحرية .
والثانية ، تأصيل النفعية والحرية في حقيقة الشرط الإنساني ، الشرط الذي بدونه تنهار حيثيات كل من النفعية والحرية ، أي إن الشرط الإنساني كشرط تماثلي تناظري هو من يحدد حدود النفعية والحرية ، في حين إن الجانب الذي يمنح لهذا الشرط معناه الإجتماعي هو مبدأ إحترام أساس النفعية لدى الفرد ، وكذلك مبدأ إحترام أساس الحرية لديه ، في فهم ثابت ومستقر ، يتعلق بمضمون مايسمى عادة بالمعنى والمبنى ، وبمحتوى مايسمى عادة بالتاريخ البنيوي .
الأمر الثالث ، إن النفعية في المعنى والمبنى ، وكذلك الحرية ، هي تقبل ماهو ينتمي إلى السلوك وإلى التصرف كحالة ديالكتيكية أكثر مما هي ديناميكية ، لكنها تشترط مفهوم ومحتوى العلاقة ، ولاتتنازل عن هذا الشرط . وهذا مايرجع بنا إلى المفارقة مابين النافع ومابين الصالح .
المقدمة الثانية : من وجه آخر في العلاقة مابين الحرية والنفعية والحقيقة ، يبرز عنصر آخر وهو موضوع الأخلاق ، حيث يؤكد جون ستيوارت ميل إن محتوى الأخلاق ليس فطرياٌ لدى البشر ، إنما هو مكتسب في حدود العلاقة الصميمية والحميمية مابين البشر . وهذه الرؤيا تتناسب وتتطابق بعينها مع روح المنظومة الفكرية لدى جون ستيوارت ميل ، الأمر الذي يؤكد ، من حيث الجوهر ، على فحوى قضيتين خاصتين بجون ستيوارت ميل ، وهما :
القضية الأولى : إن الضمير ليس إلأ تعبيراٌ بشرياٌ ، قد ينتمي إلى السلوك والتصرف في جزيئات هنا وهناك ، لكنه لايستطيع أن ينتمي إلى النفعية حتى لو شارك ، من حيث الفعل ، في بعض الأحايين ، في إغناء محتوى النفعية . لإن هذه الأخيرة ، من حيث هي هي ، هي تتآلف في محتوى الملاحظة والتجربة ، المذهب التجريبي ، المذهب التجريبي النفعي ، في حين إن الضمير ، كضمير حسب التعريف البشري ، لايمكن أن ينتمي إلى الملاحظة والتجربة .
القضية الثانية : وهي من أقوى القضايا في إطروحات جون ستيوارت ميل الفلسفية ، وهي إن الأخلاق ليست معياراٌ لذاتها ، إنما هي تنتمي إلى مايمكن أن نسميه لدى جون ستيوارت ميل بالمعيار المشترك ، في الليبرالية ، في النفعية . الذي حسبه تصبح الأخلاق هي أخلاق النفعية ، والذي حسبه تصبح الحرية هي حرية النفعية ، وكذلك الأمر بالنسبة للحقيقة ، أي الحقيقة المشتركة مابين أخلاق النفعية ومابين حرية النفعية .
المقدمة الثالثة : في دفاعه عن الأخلاق في النفعية ، يربط جون ستيوارت ميل ، مابين النافع والصالح والأخلاق والسعادة :
من جهة ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن القيمة الأخلاقية للفعل هي بمقدار مايحقق هذا الفعل من سعادة ، تلك السعادة المرتبطة والمرهونة بالنفعية من حيث الأصل ، وبالحرية من حيث نفس ذلك التأصيل ، وكإن النفعية والحرية أمران متلازمان .
ومن جهة ثانية ، إذا كان النافع هو مايساعد في تحقيق السعادة العامة كفعل أصيل دون أي تأويل أو تفسير ، فإن الصالح الذي يرمي إلى تحقيق هدف قريب ، غاية مباشرة ، لايرتقي ، من زاوية هو هو ، إلى تلك القيمة الأخلاقية التي أشرنا إليها .
ومن جهة ثالثة ، إذا كانت النفعية تتضمن في ذاتها أعظم قدر من السعادة لأكبر عدد من البشر ، فإن الجانب الآخر لها يكمن في منع حدوث شقاء وألم وتعاسة ، والتقليل منها بقدر الإمكان إن حدثت ، وتفادي أوجاعها وآثارها .
ومن جهة رابعة ، ينهل جون ستيوارت ميل معظم تصوارته من التجربة الخالدة لسيدنا المسيح ، تلك التجربة التي تتضمن الفداء والخلاص لأجل إنقاذ البشرية من تعاستها ، ومنحها السعادة التامة والمطلقة في ملكوت الرب ، وهنا وفي هذا المستوى تتطابق النفعية مع الأخلاق والحرية والحقيقة ، وتتماهى النفعية ومحتوى السعادة معاٌ . ويبرز المفهوم الحقيقي لمفردة النافع ، ويتقزم الصالح إلى مستواه البشري العادي ، دون ذلك .
المقدمة الرابعة : يفاصل جون ستيوارت ميل مابين الملذات الحسية والملذات الفكرية ، حيث إن الأولى هي تليق بالحيوانات ، وتحدد مستوى سلوكيتها وتصرفها ، في حين إن الثانية تليق بالبشر ، وتحدد مستوى سلوكهم ووعي ذلك السلوك ، وترفع من الشأن البشري في موضوع درجة الكمال الروحي ، وهذا يرجع بنا إلى النقاط التي ذكرناها قبلاٌ .
نكتفي بهذا القدر ، وننتقد بالتالي :
أولاٌ : إن الإشكالية الكبرى لدى جون ستيوارت ميل هو إن تصوره يتمحورحول وكإن النفعية لها نوع واحد ، شكل واحد ، مضمون واحد ، ولايدرك حقيقة إن النفعية تتفاضل فيما بينها حسب التصورات البشرية ، بمعنى إذا طبقنا مفهوم النفعية على هذه التصورات لحصلنا على نتائج متناقضة ، متعاكسة ، تتنافر مع بعضها البعض ، فالجهاد في سبيل الله سوف ينتمي إلى النفعية لدى المسلم ، وإندحار الطبقة البرجوازية الذي هو جزء أساسي من النضال الماركسي سوف ينتمي بالضرورة إلى النفعية ، وكذلك دفع الجزية من غير المسلم للمسلم ، وحتى إله الإسلام تكون النفعية لديه حسب تصوره الخاص في موضوع ، وماخلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
ثانيأٌ : وإذا إعترض أحدهم على حديثنا السابق بقوله إن جون ستيوارت ميل يقصد ما هو النافع بحد ذاته ، فإن إعتراضه مردود ، ضمن مفهوم إذا كان سيدنا المسيح ، لكي ينقذ البشرية ، إلتجأ إلى محتوى الفداء والخلاص ، فإن إله الإسلام يحول عباده من نصارى ويهود ، مخلوقاته التي خلقها بنفسه ، إلى قردة وخنازير وكإن هذه القردة والخنازير ليست من مخلوقاته . وإذا كان زرادشت يكلم الإله قائلاٌ : لاقيمة لجبالك وسهولك ، وشمسك وقمرك ، إذا لم تنفع بها البشر ، فإن رسول الإسلام يمتح القوة من إله ليفرض الجزية على الآخرين ، من النصارى واليهود ، وهم صاغرون . وإذا كان بوذا يؤكد : إذا دعاك ربك لقتل أخيك فأبحث عن إله آخر ، فإن رسول الإسلام يؤكد : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا إن لا إله إلا الله .
وإذا إعترض أحدهم على حديثنا السابق بقوله إن جون ستيوارت ميل يؤكد على ماهو إيجابي تام في التجربة البشرية ، ويكافح ويطعن في ما هو سلبي ، فإننا نحيل الأمر إلى ثالثاٌ ضمن محتوى : إن ماهو نظري بحت لايشكل قاعدة حقيقية في التجربة البشرية ، فإلى ثالثاٌ :
ثالثاٌ : إن النفعية ليست معيارية ، وهي مفروضة أن تكون كذلك ، لإن جون ستيوارت ميل يرى النفعية في تحقيق أكبر قدر من السعادة لأكبر قدر من المجموع العام ، لأكبر عدد من الأغلبية ، كما إنه يرى النفعية في أساس الليبرالية ، لكن الليبرالية ، حسب جون ستيوارت ميل ، تتعلق بالمجموع العام ، أي إن شرط الليبرالية هو في السوسيولوجي وفي السوسيولوجيا معاٌ ، في حين إن الأغلبية ، وفي معظم الأحوال ، لاتحقق شرط الليبرالية ، فتكون حينها النفعية ناقصة شرطها الذاتي :
فمن جهة ، قد تكون الأغلبية معادية أصلاٌ ، وبطبيعتها ، للليبرالية ، للليبرالية النفعية ، حينها يكون شرط الليبرالية في السوسيولوجي وفي السوسيولوجيا باطل المفعول ، باطل الوجود أصلاٌ .
ومن جهة ثانية ، ثمت تناقض جسيم في منظومته الفكرية مابين تحقيق السعادة لأكبر عدد من الأغلبية ومابين مفهوم طغيان الشعب ، فهو يؤكد إن الشعب قد يطغى ويسحق إرادة أفراده ، فكيف يمكن أن ندرك ، من زاوية البعد الأصيل مابين الحق والحقيقة ، مابين التاريخ البنيوي والتاريخ الحدثوي ، إن النفعية قد تحققت ، تحققت في طغيان الشعب لأفراده ، أم تحققت في سعادة الأغلبية العددية ، أم في تنازل الأغلبية عن إطروحاتها .
ومن جهة ثالثة ، إن الربط مابين النفعية والسعادة والحرية هو مجرد إطروحة نظرية خاوية التأصيل في الواقع ، خاوية الأصل في السوسيولوجيا ، رغم تأكيدنا إن الربط مابين السعادة والليبرالية هو رأي قد يحتذى به بشرط ومضمون :
الشرط هو ، أن تكون الليبرالية والنفعية في خدمة الجميع ، خدمة جميع أفراد تلك المجموعة أو الدولة ، بحيث يتحقق شرط آخر وهو شرط الحرية كمفهوم سوسيولوجي وليس كمحتوى سلوكي تصرفي ، وهكذا بهذا الشرط تمتلك الحقيقة كتاريخ بنيوي أصالته وتأصيله ، وربما هكذا تكون النفعية في تمام المحتوى ، محتوى السعادة ، وهنا لامناص من أن نذهب إلى فقرة المضمون ، ونذهب مباشرة إلى رابعاٌ ، فإليهما .
المضمون هو ، مضمونين في مستويين متناظرين ربما متوافقين في التاريخ البنيوي ، المستوى السوسيولوجي ، والمستوى العلمي .
في المستوى الأول ، تكون كافة القضايا والأمور نسبية تامة ، ولايمكن أن يتحقق التماثل الحيوي في الحياة ، ولايمكن أن يتحقق التوازن الأصيل في الكون ، أنظروا فقط إلى حديث هذا النغل الوحشي ، والبغل الأبله ، والمعتوه المأفون ، وهو كان وزيراٌ للأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية :
إن العرب لم يخلقوا للبحث العلمي ، إنما هو مهمة الغرب ، وإن العرب لم يخلقوا أصلاٌ لضياع وقتهم في هكذا أمور ، لإن الكون مقام على ثلاثة أعمدة ، الله ، العرب والإسلام ، والغرب ، فالعرب قد خلقوا لعبادة الله ، للعبادة فقط ، وأما الغرب فقد خلقوا للبحث ، ولبذل الجهد ، وتقديم الإبتكارات والإختراعات للعرب والمسلمين ، وهكذا فقد سخر الله الغرب للعرب ، وبهذا يتحقق التوازن في الكون ، الغرب في خدمة العرب ، والعرب في خدمة الله .
في المستوى الثاني ، وهو مستوى خارج سياق الحديث من حيث الأصل ، وهو المستوى الموضوعي في النفعية ، وهو إيجابي بالمطلق من زاوية المبدأ ، الإبتكارات والإختراعات والفيزياء الكمومية ، وقد يتحول إلى ماهو سلبي في إستخداماته وفي صنعه ، الصواريخ النووية ، القنابل .
رابعاٌ : ماذا لو تمعنا في موضوع النفعية والسعادة والليبرالية ، لأدركنا بكل وضوح ومصداقية ، إن هذه التعابير لاتتخطى حدود المعنى ، وهي ليست ، في التأصيل ، إلا المعنى ، ولايحدها حد ولايؤطرها مؤطر ، ولامضمون ثابت في خواصها ، لوجود أربعة شروط تحدد وتعين مستواها :
الشرط الأول ، وهو الشرط التاريخي البنيوي ، وهو شرط يتعلق بالثقافة ، وبالفهم العام لمقتضيات الحياة ، وكيفية ممارسة العادات عبر فترة تامة وكاملة من الأجيال ، فالإسلام يمارس السعادة من خلال الحجاب والنقاب ، وإمرأة وهبت نفسها للنبي ، ولما قضى زيد منها وطراٌ زوجناكها .
الشرط الثاني ، وهو شرط درجة الوعي ، الوعي بالحياة ، الوعي بالكون ، وحتى الوعي بالسعادة الأصيلة ، والوعي الخاص بالليبرالية ، وهو الوعي الذي يحدد مستوى ودرجة الأخلاق ، ومن ثم يضفي على الحقيقة ذاتيتها ، والمثال الساطع على ذلك : تجربة سيدنا المسيح عليه السلام في الفداء والخلاص ، والتي تدل على الدرجة العظيمة من الوعي في فهم وإدراك التجربة البشرية ، في حين إن نبي الإسلام يصادر الحياة للذته الخاصة .
الشرط الثالث ، وهو شرط المادة المدركة الواعية ، وهذا المصطلح نستخدمه لنبين أمرين ، الأول إن الكون ليس مادة كما إنه ليس روحاٌ ، والثاني إن الوعي الإنساني لابد أن يكون جزءاٌ من الوعي الكوني ، وهو هنا يعني شرط المرونة في إدراك الأشياء ، وشرط فهم درجة السعادة .
الشرط الرابع ، وهو شرط المقارنة والنقد ، وهو شرط ضروري لفهم المقاربة والمفارقة مابين درجات السعادة ، ومحتوى الليبرالية ، وأساس الأخلاق .
خامساٌ : تتفاضل فلسفة جون ستيوارت ميل عن فلسفة أستاذه جيرمي بنثام في مستويين متكاملين ، المستوى الأول ، يعيب الأول على الثاني إن الملذات ليست كلها حسية ، إذ توجد ملذات خارج الحس ، فهي فكرية نفسية ، والمستوى الثاني ينتقد الأول الثاني في إنه قد ألغى من منظومته مايسميه الأول ، بالكمال الروحي ، وهكذا يتأرجح جون ستيوارت ميل مابين مابينين ، تارة في النفعية التجريبية وتارة في النفعية المثالية ، الأمر الذي يجعل منه متناقضاٌ في أربعة نقاط :
النقطة الأولى ، يؤكد جون ستيوارت ميل إن النفعية مرهونة بالواقع ، وخارج الواقع لاتوجد نفعية ، في حين إن الإيثار والتفضيل ، والتضحية في تجربة سيدنا المسيح عليه السلام ، ولاعلاقة لها بالواقع ، ولامعيار حقيقي فيها ، وإن توفرت فيها ملذات من درجة راقية . مع إدراكنا التام إن لاعلاقة للملذات ، سواء أكانت حسية أم فكرية نفسية ، بالنفعية .
النقطة الثانية ، الكمال الروحي لايتناسب أبداٌ مع موضوع الليبرالية ، لإن هذه الأخيرة هي حالة من الفكر ، من تطور المجتمعات ، حالة من النظام السياسي ، حالة من الحفاظ على حقوق الأقلية ، وعلى الحرية الفردية ، في حين إن الكمال الروحي تختص بذاتية الفرد في علاقة الفرد بالفرد ، عكس الليبرالية التي تختص بعلاقة الجميع بالجميع .
النقطة الثالثة ، لايوجد قياس في محتوى الملذات خارج الحس ، ولاحتى في الملذات الحسية ، ولايمكن أن تكون الملذات معياراٌ للنفعية ، ، لإن ، إضافة إلى الملذات الإيجابية هناك ملذات سلبية بالمطلق ، والتاريخ يشهد على ذلك بالملايين ، ونفسية الإنسان تشهد على ذلك بالمليارات ، وحتى إله الإسلام ، رغم عدم وجوده ، يشهد على ذلك : ونفس ماسواها فألهمها فجورها وتقواها . وهذا يفضي إلى نتيجة قاسية : تعارض الملذات والليبرالية .
النقطة الرابعة ، الكمال الروحي يفرض شيئاٌ ، قيداٌ ، على المنظومة العامة لجون ستيوارت ميل ، في جوهر حقيقة النفعية ، لإن الكمال الروحي هو خارج قياس الملاحظة والتجربة ، هو خارج معطيات الواقع ، كواقع معاشي . وإلى اللقاء في الحلقة الرابعة والستين بعد المائة



#هيبت_بافي_حلبجة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نقض وجود جهنم في الإسلام
- نقض لودفيغ فيتجنشتاين
- نقض محي الدين بن عربي
- نقض القوانين الهرمسية الكونية السبعة
- نقض مفهوم الجهاد في الإسلام
- نقض إسبينوزا
- نقض موضوع ـ المحلل ـ في الإسلام
- نقض هيجل
- نقض تحريم التبني في الإسلام
- نقض الدين والفلسفة
- نقض ذبح إبراهيم لإبنه في النص الإلهي
- نقض اللاوعي الجمعي لدى كارل يونغ
- نقض وجود الجنة ومحتواها في الإسلام
- نقض مفهوم الدين لدى فراس السواح
- نقض موضوع الزنا في الإسلام
- نقض إطروحات علي حرب البائسة
- نقض المنظومة الفكرية لدى ألبير كامو
- نقض مفهوم الكون لدى هولباخ
- نقض وجود الإله
- نقض محنة سيدنا إبراهام لدى كيركجارد


المزيد.....




- ترامب يكشف عن ما سيفعله مع روسيا والصين إذا فاز في الانتخابا ...
- إيلون ماسك محور جدل في أمريكا واتهامات له بالتحريض على قتل ب ...
- روسيا.. انخفاض عدد مستعمرات النحل بمقدار 500 ألف على مدى الس ...
- خسوف جزئي للقمر سيتمكن سكان مختلف مناطق العالم من مشاهدته
- Lava تكشف عن هاتفها الجديد لشبكات الجيل الخامس
- من النصر إلى كارثة. الغرب يتناسى أنه قبل عامين احتفل بهزيمة ...
- المهندسون الروس يدرسون مبادئ عمل صاروخ هيمارس الأمريكي
- نمط غريب ومفاجئ في إدارة الحملات الانتخابية في أمريكا
- بلقاسم حفتر لـ-الحرة-: شرق ليبيا وغربها يتوافقان على إعمارها ...
- بعد -محاولة الاغتيال الثانية-.. بايدن يتصل بترامب


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هيبت بافي حلبجة - نقض جون ستيوارت ميل