أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الديمقراطيّة : مجرّد شكل آخر من الدكتاتوريّة سلسلة مقالات للحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي )















المزيد.....



الديمقراطيّة : مجرّد شكل آخر من الدكتاتوريّة سلسلة مقالات للحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي )


شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 8039 - 2024 / 7 / 15 - 16:48
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


الديمقراطيّة : مجرّد شكل آخر من الدكتاتوريّة
سلسلة مقالات للحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي )
(ملاحظة : الكرّاس متوفّر بصيغة بى دى أف بمكتبة الحوار المتمدّن )


-" إن أشكال الدول البرجوازية فى منتهى التنوّع ، و لكن كنهها واحد : فجميع هذه الدول هي بهذا الشكل أو ذاك و فى نهاية الأمر ديكتاتورية البرجوازية على التأكيد . و يقينا أن الإنتقال من الرأسمالية إلى الشيوعية لا بدّ و أن يعطى وفرة و تنوّعا هائلين من الأشكال السياسيّة ، و لكن فحواها ستكون لا محالة واحد : ديكتاتورية البروليتاريا ."

( لينين ، " الدولة و الثورة " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 37 )
-" طالما هناك طبقات متمايزة ، - و طالما لم نسخر من الحسّ السليم و التاريخ ، - لا يمكن التحدث عن " الديمقراطية الخالصة" ، بل عن الديمقراطية الطبقية فقط ( و نقول بين هلالين إنّ " الديمقراطية الخالصة" ليست فقط صيغة جاهلة تنمّ عن عدم فهم لنضال الطبقات و لجوهر الدولة على حدّ سواء ، بل هي أيضا صيغة جوفاء و لا أجوف، لأنّ الديمقراطية، ستضمحلّ ، إذ تتطوّر فى المجتمع الشيوعي و تتحوّل إلى عادة ، و لكنّها لن تصبح أبدا ديمقراطية " خالصة ".

- إنّ " الديمقراطية الخالصة " ليست سوى تعبير كاذب للبيرالي يخدع العمّال . إنّ التاريخ يعرف الديمقراطية البرجوازية التى تحلّ محلّ النظام الإقطاعي ، و الديمقراطية البروليتارية التى تحلّ محلّ الديمقراطية البرجوازية " )."

( لينين ، " الثورة البروليتاريّة و المرتدّ كاوتسكى " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 18 )

- " الديمقراطية البروليتارية لأكثر ديمقراطية بمليون مرّة من أية ديمقراطية برجوازية " .
( لينين " الثورة البروليتارية و المرتدّ كاوتسكي " ، دار التقدّم ،موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 25)
- " الديمقراطية هي أيضا دولة و ... الديمقراطية تزول هي أيضا ، تبعا لذلك ، عندما تزول الدولة ".
( لينين ، " الدولة و الثورة " ، دار التقدّم موسكو ، الطبعة العربية ، الصفحة 20 )

- " جوهر ما يوجد فى الولايات المتّحدة ليس ديمقراطيّة و إنّما رأسماليّة - إمبرياليّة و هياكل سياسيّة تعزّز الرأسماليّة - الإمبرياليّة . و ما تنشره الولايات المتّحدة عبر العالم ليس الديمقراطيّة و إنّما الإمبرياليّة و الهياكل السياسيّة لتعزيز تلك الإمبرياليّة . "
( بوب أفاكيان ، جريدة " الثورة " عدد 43 ، 16 أفريل 2006)
- " فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ. طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها. المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم وإذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها، سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقية و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
( بوب أفاكيان ، مقولة مثلما وردت فى القانون الأساسي للحزب الشيوعي الثوري - الولايات المتحدة الأمريكية ،2008 )
(نشرت المقولة أوّل ما نشرت فى 2004 )
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------
كلمة للمترجم :
في آتاش / شعلة ، المجلّة الشهريّة للحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي) cpimlm.org ، صدرت سلسلة من المقالات بصدد الديمقراطيّة ، ضمن عامود واقع الشيوعيّة ، و قد ترجمها متطوّعون من موقع أنترنت revcom.us ونشرتها جريدة الحزب الشيوعي الثوري ، الولايات المتّحدة ، " الثورة " تباعا . و نظرا لما لمسنا فيها – على إقتضابها - من إلمام إلى درجة كبيرة بجوانب غاية في الأهمّية و الراهنيّة من الموضوع و من وجهة نظر شيوعيّة ثوريّة ، منطلقة من الشيوعيّة الجديدة و أعمال مهندسها بوب أفاكيان ، إرتأينا تعريبها و تقديمها للقرّاء باللغة العربيّة تعميما للفائدة و دفعا للنقاش حول مواضيع مركزيّة و حيويّة بالنسبة إلى الثورة الشيوعيّة و تحرير الإنسانيّة .
و جدير بالتنويه أنّ العنوان الذى إصطفيناه لهذه السلسلة من المقالات مأخوذ من شعار عثرنا عليه بصفحات جريدة " الثورة" و نرجّح أنّه جُملة لبوب أفاكيان ( الديمقراطيّة : مجرّد شكل آخر من الدكتاتوريّة ) الذى قدّرنا أن نجعل مقالا من مقالاته الحديثة ملحقا ( الملحق الأوّل ) لسلسلة مقالات الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي ) هذه . و قد نُشر مقال أفاكيان في ماي 2024 على صفحات جريدة " الثورة " و عنوانه " لا وجود لشيء إسمه " الكليانيّة " / " الشموليّة " –" الكليانيّة " " نظريّة " غير علميّة تماما – أو حقّا معادية للعلم – طبخها و روّج لها مثقّفون مدّاحون للنظام الرأسمالي – الإمبريالي" يدحض فيه دحضا منهجيّا و قويّا الهجمات " الشموليّة " على الشيوعيّة الثوريّة .
أمّا الملحق الثاني فقد فرض نفسه علينا في خضمّ ما يجرى من إبادة جماعيّة أمريكيّة / إسرائيليّة للشعب الفلسطيني و جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانيّة التي تقترفها الصهيونيّة و الإمبرياليّة العالميّة بدعم مباشر و غير مباشر من أنظمة رجعيّة عدّة على مرأى و مسمع من العالم قاطبة و بتواطؤ من الرجعيّين و الفاشيّن و النازيّين و " الليبراليّين " و " التقدّميّين" و خاصة " الديمقراطيّين " تقريبا من جميع الأصناف و من جميع القارات . و ما من شكّ أنّ قوى مختلفة أيضا إصطفّت من البداية – و إن صاغ بعضها نقدا لهذا التوجّه أو ذاك – إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني و ضد الجرائم المريعة المقترفة في غزّة و في الضفّة الغربيّة ؛ و طبعا ضد الإمبرياليّة العالميّة و خاصة الأمريكيّة و الصهيونيّة و الرجعيّة العربيّة و غير العربيّة ؛ كما ما من شكّ في أنّ قسما من جماهير و مثقّفى الشعوب إستفاق ، إلى درجة معيّنة ، من غفوته و من خداع شعارات الديمقراطية البرجوازيّة الرنّانة و الحرّية البرجوازيّة البرّاقة و حقوق الإنسان البرجوازيّة المتباهى بها و القوانين الدوليّة البرجوازية التي تخدم مصالح النظام الرأسمالي – الإمبريالي المهيمن على العالم و من ذلك و بشكل قمعي قانوني و ميداني مباشر و ملموس واضح لا أوضح منه و موثّق أيّما توثيق من مصادر متباينة المشارب ، في أكثر من بلاد عبر العالم لمسنا و كيفيّة التعاطى مع حرّية التعبير في أوروبا – و من أبرز الأمثلة على ذلك في أنجلترا و فرنسا و ألمانيا - و في أمريكا - لا سيما في شوارع و جامعات الولايات المتّحدة - و أستراليا و الهند و مصر و إسرائيل المعتبرة زورا و بهتانا " الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط " بينما هي دولة إستعماريّة إستيطانيّة توسّعيّة عنصريّة فاشيّة / نازيّة ... ؛ ما يؤكّد مجدّدا بما لا يدع مجالا لأدنى شكّ أنّ الديمقراطيّة البرجوازيّة الإمبرياليّة و الكمبرادوريّة و الصهيونيّة لا تعدو أن تكون حقّا و فعلا شكلا من أشكال الدكتاتوريّة البرجوازيّة ، أنّ الديمقراطيّة الطبقيّة شكل من أشكال الدكتاتوريّة الطبقيّة علما و أنّ الدكتاتوريّة بمعناها غير المشوّه برجوازيّا تساوى الحكم الطبقي كما يشير إلى ذلك جذع الكلمة عينه الذى يفيد " دكتيت " أي يملى و يفرض و في موضوع الحال يحكم .
-----------------------------------------------------------------------------------------------
هذه ليست ترجمة رسميّة -This is not an official translation
-----------------------------------------------------------------------------------






الديمقراطيّة البرجوازيّة تعنى دكتاتوريّة البرجوازيّة ( 1 )
آتاش / شعلة عدد 143 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي -اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 822 ، 2 أكتوبر 2023
Htps:///revcom.us/en/reality-communismbourgeois-democracy-means-class-dictatorship-bourgeoisie

ملاحظة الناشر : نُشرالمقال أدناه باللغة الفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 143 ، أكتوبر 2023 على موقع أنترنت cpimlm.org . و قد ترجمه إلى الأنجليزيّة متطوّعون من موقع أنترنت revcom.us .
-----------------------
بداية من هذا العدد من مجلّة آتاش / شعلة ، ضمن ركن " حقيقة الشيوعيّة " ، سنناقش الديمقراطية في سلسلة من المقالات التي تعتمد على أعمال بوب أفاكيان و بوجه خاص كتابه " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " ( 1986) . و المسألة هي التالية : دون القطيعة مع الأوهام السياسيّة و الأكاذيب الكبرى ، ليس بإمكاننا أبدا القيام بالثورة و بناء مجتمع مختلف جوهريّا بالنسبة إلى غالبيّة سكّان العالم ، خدمة لتحرير الإنسانيّة . ومن هذه الأوهام وهم الديمقراطيّة.
و من المهمّ أيضا القطيعة مع الديمقراطيّة البرجوازيّة كمثل أعلى و بديل للنظام التيوقراطي الفاشي لجمهوريّة إيران الإسلاميّة ، بقدر ما هو مهم كسر سلاسل الإستعباد الفكريّ لجمهوريّة إيران الإسلاميّة للدين .فى الوقاع ، لأجل معالجة كافة مشاكلنا الإجتماعيّة و عذاباتنا ، بما في ذلك الإطاحة بجمهوريّة إيران الإسلاميّة ، يجب أن نتساءل عبر أيّ نمط إنتاج (1) يقترف هذا النظام جرائمه ؟ بكلمات أخرى ، " من خلال أيّ نمط إنتاج سيجرى التعاطي مع أيّ مشكل إجتماعي ؟ ..." هو أكثر الأشياء أساسيّة ... لأنّه ، بالمعنى الجوهري ، أيّ شيء نقوم به في المجتمع متشكّل و في نهاية المطاف محدّد بما يكون عليه النظام الاقتصادي ( و هذا ، مرّة أخرى ، طريقة أخرى لقول " نمط الإنتاج " ) . ( بوب أفاكيان ، " الشيوعيّة الجديدة " ، " الجزء الأوّل – من خلال أيّ نمط إنتاج ؟ " ؛ الصفحات 48-57 ).
و اليوم ، بينما موضوع بديل جمهوريّة إيران الإسلاميّة يُطرح بجدّية في صفوف مروحة عريضة من الناس ، كافة المنظّمات و الأحزاب و البرامج من اليسار إلى اليمين تقدّم " الديمقراطيّة " بديلا . و رغم أنّه يتجنّب نقاش الجمهوريّة أم النظام الملكي، فإنّ رضا بهلوي [ الموالي للولايات المتّحدة ] يتحدّث عن الديمقراطيّة بيقين . و مجاهدو خلق [ الفاشيّون الموالون للولايات المتّحدة ] يتحدّثون عن جمهوريّة ديمقراطيّة . و حتّى أقسام من جمهوريّة إيران الإسلاميّة ، من مثل مهدى نصيري، قد إقترحوا ديمقراطية علمانيّة كبديل عقب " افنتقال من الجمهوريّة الإسلاميّة " أو " إنهيارها " (2) لكن ما من أحد منهم ينبس ببنت شفة عن صلة هذه " الديمقراطيّة " بالعلاقات الإقتصاديّة – الإجتماعيّة للرأسماليّة . يحيل عليها الجميع على أنّها " مثل أعلى " بلا جذور في البناء التحتيّ الاقتصادي للمجتمع . و في الأثناء ، تُستخدم الهجمات الرجعيّة و الإنتهازيّة على " الديمقراطيّة الغربيّة " من طرف خاميني ، المرشد الأعلى ، و أصوليّين إسلاميّين آخرين كحجّة للدفاع عن الديمقراطيّة البرجوازيّة و كدليل على " شرعيّتها " . الرابط المشترك لرفع راية " الديمقراطيّة " يمكن رؤيته حتّى في صفوف المجموعات و الأحزاب اليساريذة و النسويّة التي تسمّى نفسها شيوعيّة و في بيانات مثل ميثاق العشرين منظّمة . (3) و يشدّد هذا على أهمّية و ضرورة توضيح مضمون الديمقراطيّة .
ما هي الديمقراطيّة ؟
قبل كلّ شيء ، الديمقراطيّة شكل من أشكال الحكم ، الديمقراطيّة نوع من سلطة الدولة و ما من حكم محايد أبدا . في موقع القلب منها ، كلّ دولة لها طبقة ، و الديمقراطيّة ليست منأى عن الطبيعة الطبقيّة . فى كتابه " الأساسي من خطابات بوب أفاكيان و كتاباته " [ باللغة العربيّة ، مكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ] 1.22 ، كتب بوب أفاكيان :
" فى عالم يتميّز بإنقسامات طبقية ولامساواة إجتماعية عميقين ، الحديث عن " الديمقراطية " دون الحديث عن الطبيعة الطبقية لهذه الديمقراطية ، بلا معنى وأسوأ . طالما أنّ المجتمع منقسم إلى طبقات ، لن توجد " ديمقراطية للجميع " : ستحكم طبقة أو أخرى وستدافع عن وتروّج لهذا النوع من الديمقراطية الذى يخدم مصالحها و أهدافها . المسألة هي : ما هي الطبقة التى ستحكم و إذا ما كان حكمها ونظام ديمقراطيتها سيخدم تواصل أو فى النهاية القضاء على الإنقسامات الطبقيّة و علاقات الإستغلال والإضطهاد و اللامساواة المتناسبة معه ."
منذ زمن أرسطو و أفلاطون وصولا إلى يومنا هذا ، إرتأى منظّرو الديمقراطيّة أن يحدّدوا مبادئ عالميّة و خالدة لهذه الديمقراطيّة ، أي ، للدولة و الهيكلة الطبقيّة الذين هما مشروطين ومحدّدين تاريخيّا . و ب" مشروطين ومحدّدين تاريخيّا " نقصد أنّ الديمقراطيّة مؤسسة إجتماعيّة تظهر في إطار تاريخي خاص ، سدّا لحاجيات الطبقات المستغِلّة . إنّها لا توجد خارج الزمان و المكان ، خارج إطار طبقي – إجتماعي و لا يمكن أن تخترع في بعض المبدأ الأبدي و اللاطبقي ، و أيّة محاولة للقيام بذلك لا يمكن إلاّ أن تؤدّى إلى تأبيد المجتمع الطبقي و محو المسألة الجوهريّة لما إذا كان بمستطاع الإنسانيّة أن تتجاوز المجتمع الطبقي و الدولة و الديمقراطيّة .
و رغم أنّ ديمقراطيّة اليوم ، أي ، الديمقراطيّة البرجوازيّة في عصر الهيمنة العالمية للرأسماليّة – الإمبرياليّة ، مختلفة عن النماذج الأولى للديمقراطيّة في اليونان و روما خلال عصر العبوديّة ، لديها مظهر مشترك هام . في ظلّ العبوديّة ، إستُخدمت الديمقراطيّة كذلك من قبل الدولة لفرض دكتاتوريّة طبقيّة على الطبقات المستغَلّة . و بالضبط مثلما ضمنت الديمقراطية زمنها حقّ الإستغلال ، فحقّ الرأسمالي اليوم في إستغلال البروليتاريا مشمول بحدودها ، كما هو حال التنافس الرأسمالي من أجل العالم و إستغلال شعوب العالم ، و حقّ إستعباد النساء كجزء لا يتجزّأ من النظام الاجتماعي الرأسمالي، و حقّ إستغلال الطبيعة إلى درجة إضمحلالها . و هذا يعمل . عبر التاريخ ، مع نموّ قوى الإنتاج (4) ، تحوّلت طريقة الإستغلال من الإستغلال المباشر للمنتج ( لعبد أو فلاّح ) من طرف مالك العبيد أو مالك الأرض الذى بالنسبة إليه يعتبر الفلاّح " ملكا " قانونيّا . و هكذا نسبة إلى التحوّل في البنية التحتيّة الإقتصاديّة من العبوديّة إلى الإقطاعيّة و لاحقا إلى الرأسماليّة ، مؤسسة الدولة الواقعة في قلب البنية الفوقيّة السياسيّة تغيّرت أيضا .
الديمقراطية – العبوديّة و الديمقاطيّة – البرجوازيّة بالتالى نوعان من الدول الطبقيّة تنظّمان حقّ إستغلال الطبقة / الطبقات غير ذات الإمتيازت التي لا تملك وسائل إنتاج .
ما ميّز الديمقراطية البرجوازيّة عن الديمقراطيّة في الزمن القديم هو أنّ الديمقرراطية البرجوازيّة ظهرت من الثورات البرجوازيّة بخاصة الثورة الفرنسيّة ، ، و في تعارض مع سلطة الكنيسة و النظام الملكي و الإمتيازا الموروثة في عصر الإقطاعية . القيم و القوانين و البنية الفوقيّة السياسيّة المنظّر لهم و المكرّسين في عصر الرأسماليّة الجديد من قبل هذه الثورات تتناسب مع القاعدة الإقتصاديّة لنمط الإنتاج الجديد ، الذى يخدم مصلحة البرجوازيّة . لقد جرى التهليل للفرديّة ضد الجماعيّة الإقطاعيّة ، و للمساواة ضد الإمتيازات الموروثة . و الفلاّحون ، العبيد و اقنان ، وقع إستبعادهم من الأرض و من إمتلاك الأرض ، و تحويلهم إلى عمّال " أحرار" – حيث " ما يكسبونه " هو " القدرة على العمل " المعمّمة في تعارض مع العمل المطلوب لإنتاج شيء خاص . صاروا " أحرارا في غربة عملهم و مبادلته في السوق . و بالتالى تقديمه لمالكي وسائل الإنتاج .
و هكذا ، الديمقراطيّة البرجوازيّة ليست توزيع الحقوق " المتساوية " . إنّما هي بالأحرى أساس إجتماعي ، تنظيم معقّد لممارسة الدكتاتوريّة الطبقيّة ، حفاظا على نمط الإنتاج الرأسمالي وما يتناسب معه من علاقات طبقيّة و إجتماعيّة و ثقافيّة.
التنظير إلى الديمقراطيّة البرجوازيّة :
عند الإعداد لولادة المجتمع الرأسمالي و تعزيزه ، عديد المنظّرين البرجوازيّين نظّروا للديمقراطيّة البرجوازيّة . فكانت تنظيراتهم للديمقراطيّة قائمة على مجتمع برجوازي " مثالي " – فيه الأفراد المتذرّرون يتصرّفون كوحدات منفصلة ، وفق " طبيعة إنسانيّة " لا تتغيّر ولاطبقيّة ضمن حدود و وفق العلاقات السلعيّة و الإنتاج السلعي ، متّخذين قرارات لأنفسهم و حتّى للمجتمع على قاعدة التصويت الفرديّ .
و مع ذلك ، في مجتمع حيث قوّة عمل شخص يقع تبادلها بسلع ، هناك منافسة لا تتوقّف لكلّ شخص من أجل تجاوز الآخر، و في أي مجتمع أين توجد مثل هذه المنافسة و العلاقات السلعيّة ، هناك بالضرورة تقسيم للمجتمع إلى طبقات غير متساوية. و هذا هو الإطار الإجماعيّ ذاته الذى يفرض بلا هوادة على كلّ فرد أن يتنافس من أجل إمتياز على شخص آخر ، يقسّم المجتمع إلى طبقات غير متساوية .
لقد عوّضت الديمقراطيّة البرجوازيّة قوانين الحقّ الإلاهي الإقطاعيّة التي أقيمت على التفوّق و الإمتيازات " الممنوحة من الإلاه " لعدد قليل من الناس نسبة لغالبيّة المجتمع ، بقواينين إجتماعيّة قائمة على المساواة الشكليّة للأفراد أمام القانون . و هذه القطيعة مع الإقطاعيّة كانت ثوريّة وقتها إلاّ أنّها أبّدت المجتمع الطبقي بشكل مختلف ( شكل الرأسماليّة ) و مساواة شكليّة أمام القانون تضمن اللامساواة الإقتصاديّة و الإجتماعيّة في الوقاع . و اليوم ، أضحت الديمقراطيّة البرجوازيّة متقادمة و فات أوانها و حاجزا وجب تجاوزه . لم تعد الديمقراطيّة البرجوازيّة تستطيع أن تغيّر أبدا المجتمع من ما هو عليه إلى شيء أفضل . و الإنسانيّة في حاجة إلى تخطّى النظام الطبقي – لمصلحة غالبيّة المجتع المضطهَدَة و المستغَلَّة و من أجل تحرير نوعنا البشري .
شكل و مضمون المساواة القانونيّة :
شكل و مضمون المساواة أمام القانون ينسجمان تماما مع نمط الإنتاج الرأسمالي . و أساس المساواة القانونيّة ليس المساواة في حقّ العمل ، بل المساواة في السوق لتبادل قوّة عمل الإنسان . إنّ سير نمط الإنتاج الرأسمالي يترك على الدوام على الهامش قسما من السكّان . و بالتالي ، قانون المساواة لتبادل قوّة عمل الإنسان لا يشمل مساواة المعِدَة و مساواة البقاء على قيد الحياة .
عندما صار الإنتاج السلعي و التبادل المنتشرين ( أي النظام الرأسمالي ) مهيمنين في المجتمعات ، أضحى من الممكن الحصول على تبادل متساوي لأنواع من قوّة عمل الإنسان غير المتساوية . و تركّزت وسيلة مراكمة الثروة بيد فئة قليلة . و قد فُصلت الأغلبيّة عن وسائل الإنتاج و من أجل الحياة ، كان عليها أن تبيع و تقدّم عملها لمالكي وسائل الإنتاج . في ظلّ الرأسماليّة ، لم تعد قيمة عمل الإنسان تقدّر بالنشاط الملموس المستخدم لإنتاج منتوج ما . بدلا من ذلك ، العمل يقدّر بالكمّية المتوسّطة أي وقت العمل الضروري إجتماعيّا . و التبادل ليس مجرّد تجارة في السوق ، بل منهج يتخلّل كلّ شيء و حتّى يهيمن على نظرة الناس إلى العالم . و هكذا ، النظرة البرجوازيّة للمساواة لا يمكن أن تنفصل عن منبعها – العلاقات الإجتماعيّة و الطبقيّة للرأسماليّة .
في مجتمع مؤسّس على علاقات الإنتاج البرجوازيّة ، هناك نزاع لا يمكن التوفيق بين طرفيه ، بين البرجوازيّة والبروليتاريا. و من غير الممكن بالنسبة للبنية الفوقيّة ( بما في ذلك القوانين و المحاكم و الشرطة و الجيش و البيروقراطيّة و كامل جهاز الدولة و كذلك الأفكار و القيم و الأخلاق إلخ ) أن لا تدعم أو تعزّز علاقات الإنتاج و تقسيم العمل المميّز لهذا المجتمع وهو حتما مرادف له . توجد البنية الفوقيّة لتدعم إستغلال و إضطهاد الجماهير الشعبيّة و تستخدم عنفا واسع النطاق ضدّها لأجل الدفاع عن هذا النظام و مصالح طبقته الحاكمة .
الديمقراطيّة و الانتخابات :
يفصل الكثير من الناس الديمقراطيّة عن مضمونها الطبقي و يعتقدون أنّ جوهرها هو تماما حكم الأغلبية . و يحاولن أن يدلّلوا على أنّ الديمقراطيّة البرجوازيّة هي حكم الأغلبيّة بالإشارة إلى كيف أنّ حكم الأغلبيّة يتجسّد في الانتخابات . و مع ذلك ، كلّ سيرورة ديمقراطيّة يجب تقييمها في علاقة بالعلاقات الإقتصاديّة – الإجتماعيّة المهيمنة في المجتمع . فالانتخابات ليست حكما محايدا بين الطبقات و الأحزاب السياسيّة التي تمثّل مختلف الطبقات . الانتخابات في الديمقراطيّة البرجوازيّة تتحكّم فيها البرجوازيّة و ليست بأيّ شكل من الأشكال وسيلة لإتّخاذ القارا الأساسي . في الواقع ، الهدف الأوّلي للإنتخابات هو إصباغ صبغة " السلطة الشعبيّة " على النظام و سياسات و تصرّفات الطبقة الحاكمة و حرف و تقليص و التحكّم في النشاطات السياسيّة للجماهير الشعبيّة . و تنزع السيورة الإنتخابيّة نفسها إلى التوفيق بين العلاقات الطبقيّة الأساسيّة و العلاقات الطبقيّة العدائيّة في المجتمع ، و إلى تصوير الانتخابات كتعبير عن مؤسّسة تسمح للأفراد المتذرّرين في المجتمع أن ينخرطوا في المشاركة السياسيّة الشكليّة لتعزيز الوضع القائم . و لا تقلّص هذه السيرورة الناس إلى أفراد منعزلين فحسب بل تقلّصهم أيضا إلى موقع سياسي سلبيّ و تحدّد جوهر السياسة كسلبيّة متذرّرة : أفراد بوسعهم التصويت الفرديّ لخيار أو آخر ، بينما كافة الخيارات تصوغها و تقدّمها قوّة ناشطة فوق الجماهير المتذرّرة ك" مواطنين " .
الديمقراطيّة و العنف :
يحمل الكثيرون وهم أنّ الديمقراطيّة شكل حكم فوق الطبقات و بالتالي فوق العنف . و الفلسفة السياسيّة للديمقاطيّة الرأسماليّة تقوم على جهاز الدولة المحتكر للعنف . أي ، إنّه يعترف بانّ العنف هو الحقّ الذى تختص به وحدها القوّات المسلّحة للدولة و جهاز أمنها . و الديمقراطيّات البرجوازيّة و حكوماتها كانت الأولى في إستخدام القنابل النوويّة للهيمنة على العالم . و في عالم تحكمه هذه الديمقراطيّات الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، مئات آلاف الناس يموتون كلّ يوم جوعا و لأسباب متّصله بالجوع، و كلّ يوم عدد الأطفال العاملين و المهاجرين النازحين على الحدود يتصاعد . و رسميّا ، موقع العبيد يُفرض على النساء ، نصف سكّان العالم . و كلّ هذا يجرى تحت الراية الخادعة ل" المساواة " و " الحقوق المتساوية أمام القانون " .
و إليكم كيف وصف الفقيد أمير حسنبور تاريخ الديمقراطيّة " الغربيّة " و ممارساتها في بلدان " الشرق " ( بلدان تهيمن عليها الإمبرياليّة ) :
" منظّرو الديمقراطيّة مثل ميخاييل إغناتياف ( وهو صحفي و أستاذ جامعي و قائد الحزب الليبرالي الكندي ) ، قد حاججوا أنّ في القتال ضد الإرهاب ،يمكن إيقاف العمل بالديمقراطيّة و الحرّيات المدنيّة يمكن تعليقها ، و يمكن إستخدام التعذيب ... ما سجّلته الولايات المتّحدة في السنوات العشرة منذ غزو العراق هو التعذيب العنيف للسجناء و الإيقافات و إختطاف المعارضين و توقيفات المرور الدوليّة ، و السجون السرّية في الخارج ، دوس الحرّيات المدنيّة قانونيّا ، كلّ هذا برّره هؤلاء المنظّرون للديمقراطية . حتّى و إن أضاف المرء كلّ ركن من أركان ديمقراطية الغرب التىأنشأت للقتال ضد مواطنيها الخاصين ، و قتل الشعوب ، فإنّ سجلّ الديمقراطيّات في الشرق لن يسطع ببريق أكبر ... على خلاف ما يوجد في الولايات المتّحدة ، النظام الديمقاطي الهندي الذى وُلد في سيرورة حملات ضد الاحتلال و الإبادة الجماعيّة و العبوديّة الإباديّة الجماعيّة و نظام الفصل العنصري ، و قد تأسّس على أفكار و ممارسات اللاعنف و الإستقلال ، و مقاومة الإستعمار في القلب منه ... بيد أنّه بعد 63 سنة من الإستقلال ، لا تزال موجودة العببوديّة و العلاقات الإقطاعيّة و عيوبها و معها ، أشكال جديدة من العنف قد حوّلت حياة الناس في شبه القارة الهنديّة إلى جحيم : المتاجرة بالرجال و النساء و الأطفال للإستغلال الجنسيّ و إزالة الأعضاء ، و عمل العبيد و العمل الإجباري و العمل المؤمّن و قتل الجنين ( بنات ) و قتل الأطفال (بنات 9 ؛ و العنف ضد أكثر من 40 مليون أرملة ، و " أكبر بلد يشكو الجوع في العالم " ب 230 مليون إنسان يشكون من سوء التغذية ، و أعلى النسب المائويّة من الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية ( 48بالمائة ) ، و فاة مليوني طفل سنويّا جوعا ( 6000 يوميّا ) " (5) .
الهوامش :
1. “[N]ot only that things get produced but how they get produced. What relations do people enter into in carrying out the production of things? In other words, we’re back to the relations of production, what relations people enter into in producing and distributing and transporting these things. Another way to say that, once again, is what’s the mode of production through which all this is done? That sets the basic terms for everything that happens in society.” (Bob Avakian, The New Communism, Part 1, “Through Which Mode of Production,” page 53, excerpt and italics by Atash/Fire.)
2. Mahdi Nasiri. The Islamic Republic s Narrative Is Over.
3. Charter of Minimum Demands by 20 independent civil and trade -union- associations in Iran, February 16, 2023.
4. Productive forces are the set of means of production and knowledge of the producers. For example, self-exploration, spindle, land, factory, machinery, and knowledge related to the production by these tools. The productive forces of the feudal period were very low from the level of growth, but in the capitalist era, the -dir-ect producer (the worker) works with a variety of advanced means of production. The level of growth of these productive forces determines the relations of production. The relations of production include the three components of 1) ownership of the means of production, 2) the division of labor among those [involved] men in the process of production, and 3) how wealth is distributed among them. They form the “economic foundation” of society. And the political superstructure, which consists of government, culture and ideology, must more´-or-less conform to the character of the economic underpinnings so that this complex [web of production] can spin and operate.
5. “Democracy and Violence,” Amir Hassanpour, Atash/Fire Journal, No. 105-106, March 2011, pp. 79-85.



واقع الديمقراطيّة و المَثَل الأعلى للديمقراطيّة ( 2 )
آتش / شعلة عدد 144 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 827 ، 6 نوفمبر 2023
https://revcom.us
ملاحظة الناشر :
المقال أدناه نُشر بالفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 144 ، نوفمبر 2023 على موقع أنترنت cpimlm.org . و قد قام بترجمته إلى اللغة الأنجليزيّة متطوّعون من موقع revcom.us وقد وُضعت ملاحظات المترجمين بين قوسين . والجزء الأوّل من هذا المقال نُشر على revcom.us بتاريخ 2 أكتوبر 2023.
والمصدر الأساسي لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب بوب أفاكيان ،" الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " و أعماله الأخرى عن الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
------------------------------------------------------------
في الجزء الأوّل من هذه السلسلة ، ناقشنا كيف أنّ كلّ ديمقراطيّة و دولة لها مضمون طبقيّ و الحديث عن الديمقراطيّة دون الحديث عن مضمونها الطبقي لا معنى له . و قلنا كذلك إنّ الديمقراطيّة البرجوازيّة هي في الواقع دكتاتوريّة برجوازيّة مركّزة على أساس الرأسماليّة ، تحديدا الإضطهاد و الإستغلال الرأسماليّين ( و خاصة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ) . و قلنا إنّ الديمقراطيّة تمارس عمليّا فحسب في صفوف الطبقة الحاكمة ، بينما تمارس الدكتاتوريّة على الطبقة أو الطبقات المضطهَدة . و القوّة العسكريّة تعبير مكثّف لهيمنة طبقة على طبقة أخرى : يمثّل الجيش إحتكار ممارسة القوّة من قبل الطبقة الحاكمة و كلّ المؤسّسات الأخرى بما فيها البرلمان [ أو الكنغرس ] و الانتخابات ثانويّة أو مرتبطة به ، و يمكن حتّى الإستغناء عنها عند الإقتضاء . ( و بالرغم من هذا ، يماثل الناس عادة بين الديمقراطيّة و [ البرلمان و الانتخابات ] ).
بإختصار ، جهاز الدولة – خاصة القوّات المسلّحة و أيضا المحاكم و النظام التشريعي ، و البيروقراطيّة الإداريّة ، إلخ – يوجد بيد طبقة واحدة ، طبقة تهيمن على العلاقات الإقتصاديّة في المجتمع . وحتّى الأفكار والقيم التي تفرزها هذه الدولة ، أفكار مثل " المساواة " ، تتناسب و حاجيات هذه البنية التحتيّة الإقتصاديّة ، و كلّ الحقوق الفرديّة الممنوحة و مقيّدة بإطار هذا النظام . و هكذا ، جهاز دولة الديمقراطيّة البرجوازيّة ليس و لا يمكن أن يكون محايدا ، و لا يمكن لأيّة دولة أخرى ( بما في ذلك الدولة الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة الإشتراكيّة ) أن تكون محايدة .
في الجزء الثاني ، سنتفحّص الأوهام المنتشرة حول الديمقراطيّة و سننظر كذلك في حجج المنظّرين الذين يسعون إلى التوفيق بين التناقض الصارخ لواقع الديمقراطية و المثل الأعلى الديمقراطي .
و تلعب هذه الأوهام دورا هاما في ممارسة غضّ الطرف عن الجرائم ضد الإنسانيّة التي تقترفها الديمقراطيّات البرجوازيّة – وهي تشمل اليوم تدمير البيئة . كلّ الديمقراطيّات الغربيّة تدافع بلا قيد أو شرط عن حرب الإبادة الجماعيّة للجيش الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني في غزّة . تنظّر جميعها إلى هجمات حماس في 7 أكتوبر على المدنيّين الإسرائيليّين كعامل معرقل للديمقراطيّة – ديمقراطيّة تقتضى قتل 2.5 مليون إنسان على كوكب الأرض بإستخدام التكنولوجيا الأكثر تطوّرا من محرقة أوسفيتش !
و من الأوهام ، عندما تواجه واقع الديمقراطيّة الذى لا يمكن إنكاره ، هو الإعتقاد في أنّ [ الديمقراطيّة ] يمكن تحسينها و أنّها مثل أعلى لم نبلغه بعدُ لكن يجب أن نظلّ نتحرّك بإتّجاهه . و هذه حجّة من الحجج المستخدمة بالمدافعين عن الديمقراطيّة حينما تواج بالجرائم التي لا يمكن إنكارها للديمقراطيّات البرجوازيّة الكبرى .أجل ، يقولون ، حدث الكثير من الأشياء الرهيبة باسم الديمقراطيّة ، لكن رغم كلّ عيوبها ، لا تزال الديمقراطيّة أفضل شكل ممكن من الحكم . و هذه الطريقة في التفكير منتشرة شعبيّا بالخصوص في صفوف الناس في البلدان التي تحكمها أنظمة إستبداديّة قمعيّة بعنف ( كما هو الحال في إيران ، في ظلّ كلّ من نظام الشاه بهلوي و نظام الجمهوريّة الإسلاميّة .
أثناء تمرّد جينا [ في إيران ] ، شاهدنا نزعة في صفو عديد الشبّان نحو الديمقراطيّة مثلا أعلى . و على سبيل المثال ، إستمعوا إلى كلمات سرينا إسماعيلزاده التي تقارن الوضع في إيران و أثيوبيا و الوضع في لوس أنجلاس بالولايات المتّحدة، و تستخلص أنّ بلوغ " لوس أنجلاس " هو المثل الأعلى الذى يجب العمل في سبيله . (1) لكن هذه النظرة السطحيّة لا يمكن أن تكشف أبدا أنّ إيران / أثيوبيا و لوس أنجلاس و جهان للعملة الواحدة . هنا ، نضع " لوس أنجلاس " بين معقّفين لأنّ مدينة لوس أنجلاس عينها تنطوى على أقطاب مذهلة من الفقر و الثراء ، مثلما يمكن رؤية ذلك بين حفنة جماعاتها مسيّجة فى منازل أقلّية تملك ثروة أسطوريّة ، و آلاف مخيّمات الناس الفاقدين للسكن على طول جانبي طرقاتها . و الآن ، لنضرب مثالا آخر ، الشعر الذى رُفع في بالوشستان [ محافظة من محافظات إيران ] ، " لا مُلُكيّة و لا تيوقراطيّة ! [ نريد ] ديمقراطيّة و مساواة ! " يقترح الديمقراطيّة كبديل لعقود من الإضطهاد و الإستغلال على يد الشاه و الملالي .
و تبيّن هذه الأمثلة النزعات العفويّة الشعبيّة لبلوغ مثل هذا الحلّ لمّا يكونوا تحت ضغط هائل لحكومات إستبداديّة و فاشيّة / دينيّة كالجمهوريّة الإسلاميّة التي تمارس سلطة مطلقة خارج القانون – و المقارنة السطحيّة لإضطهادهم و إستغلالهم الخاصين ب " الجانب الآخر من العالم " في أوروبا و الولايات المتّحدة .
لكن ، إضافة إلى هذه النزعة العفويّة اللاعلميّة التي تبقى الناس بعيدين عن فهم واقع المشكل ، هناك آخرون تنظيرهم " يبرّر "هذا الموقف المميت و اللاعلميّ و يستخدم المنطق الأداتي لتحليل التاريخ لصالحهم الخاص . و هم يعدّون حتّى بانّ النضال من أجل الديمقراطيّة مجرّد " خطوة أولى " في الإطاحة بالجمهوريّة الإسلاميّة ، و بالتعويل على ذلك ، من الممكن بلوغ أهداف أعلى " لاحقا " .
مفهوم التوسيع المستمرّ و التحسين المستمرّ للديمقراطيّة
حجّة من حجج أنّ الديمقراطيّة ، حتّى و إن لم تكن كاملة ، هي على الأقلّ قابلة للتحسين و التوسيع ، تعتمد على سوء فهم تاريخ تطوّر الديمقراطيّة من الأزمان القديمة إلى الحاضر ، بإعتبارها خطّا مستقيما من المدينة / الدولة اليونانيّة إلى الدول الديمقراطيّة اليوم ، و [ أثناء السيرورة ] توسّعت لتشمل فئات من المجتمع كانت قبلا مهمّشة أو يجرى التمييز ضدّها - عبيد، نساء ، فقراء إلخ . و من هذا ، يستنتجون أنّ اليوم يتعيّن علينا أن نظلّ على ذات المسار التاريخّ ، موسّعين الديمقراطيّين لتشمل بلدانا ليست بعدُ ديمقراطيّة ، و في البلدان الديمقراطيّة يتعيّن أن نحاول توسيع الحقوق الديمقراطيّة للمهاجرين و المثليّين جنسيّا و سكّان مهمّشين آخرين ، و دمجهم في المجتمع البرجوازي . لكن لسوء الحظّ ، هذا الفهم للتطوّر التاريخي للمجتمعات الإنسانيّة متعارض مع الماديّة الجدليّة : بكلمات أخرى ، إنّه غير علميّ و منافى للواقع .
و هذا الصنف من الحجج ليس جديدا . فقد تقدّم بها أوّلا الديمقراطي الفرنسيّ آلكسيس دى توكفيل في القرن التاسع عشر " تغيّر المشهد الآن " ، كتب . (2)
لهذه الصورة الجميلة عيب " صغير " : أنّها ليست صحيحة البتّة – لم تكن صحيحة حينها و ليست صحيحة الآن ! ما الذى حصل مع إنحلال الإقطاعيّة عقب الثورة البرجوازيّة لم يكن توسيع الديمقراطيّة دون تمييز طبقيّ بل توسيع للعلاقات الجوهريّة للإستغلال الرأسمالي المعوّضة للعلاقات الإستغلاليّة الإقطاعيّة . لم يكن تعبيرا للسيادة الأكثر إتّساعا على نطاق واسع أبدا ، سيادة الشعببصرف النظر عن المكانة عن المكانة الإجتماعيّة ، بل سيرورات ديمقراطيّة كتعبير و مكوّن أساسيّ لتفوّق الديكتاتوريّة البرجوازيّة على البروليتاريا و أناس مضطهَدين آخرين لأجل الهدف النهائي لضمان و فرض هيمنتها على النظام الاقتصادي الأساسي ( الرأسماليّة و لاحقا ، نظام الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، أو الرأسماليّة العالميّة ).
و مع ذلك ، يجب أن نبقى في الذهن ، إلى حدّ معيّن ، أن " التغيير في المشهد " كان هو نفسه نتيجة قفزة في التنظيم الاجتماعي الإنساني من خلال الثورات البرجوازيّة التي بدورها ظهرت نتيجة تطوّر قوى الإنتاج التي صارت متناقضة عدائيّا مع نمط الإنتاج الإقطاعي . و هذه القفزة غيّرت تغييرا راديكاليّا البنية الفوقيّة السياسيّة و الدعامات الإقتصاديّة ، و لم تكن أبدا سيرورة تدريجيّة و في خطّ مستقيم .
لذا ، ما الذى يجعل مفهوم " تحسين الديمقراطيّة " هام جدّا بالنسبة إلى النظرة الديمقراطيّة إلى العالم ؟ مثلما كتب بوب أفاكيان : المثقّف الديمقراطي،
" ...يرغب في النظام الاجتماعي القائم لكن دون تجاوزاته الأسوأ ، بمجال للإصلاح و تلبية مطالب المضطهَدين طالما أنّها لا تهدّد بتفجير النظام القائم و الإنقلاب على كلّ العلاقات الإجتماعيّة القائمة ".(3)
لكن بقطع النظر عن رغبات و تطلّعاتهذه الفئة [ الوسطى ] ، الواقع هو أنّ هذا النوع من الديمقراطيّة ( و كافة تنويعات الديمقراطيّة في ظلّ النظام الرأسماليّ ) لا يمكن أن توجد دون [ الإعتماد على ] " التجاوزات " العنيفة ، دون إستغلال وحشيّ ، و أزمات و حرب و تدمير للبيئة . و إذا ، تمّ ، في لحظات ما و في بعض البلدان الإمبرياليّة ، بلوغ توسيع بعض الحقوق – على سبيل المثال في مكانة المرأة – لا يعود هذا إلى الطبيعة التوسّعيّة للديمقراطيّة ، و لا حتّى ببساطة إلى نضال النساء و المجموعات لكسب مزيد الحقوق . وتفترض هذه النظرة للمشكل أنّ الديمقراطيّة هي التي خلقت " إمكانيّة الصراع" هذه . و متى طبّقناها على بلدان جنوب الكوكب ، تبلغ هذه النظرة نفسها الإتنتاج الشوفيني أنّ سبب عدم بلوغها الديمقراطيّة و حقوق أكبر هو أنّها لم تناضل نضالا شاقا بما فيه الكفاية ! و في حين وقع توسيع بعض الحقوق ، فهذا يُعزى أوّلا إلى الموقع ذي الإمتيازات لهذه البلدان في النظام الرأسمالي – الإمبريالي ما سمح بإستقرار إقتصادي و سياسي قائم على إستغلال بقيّة العالم ، و هذا ليس شيئا كان أو سيكون أبدا ممكنا في ديمقراطيّات جنوب الكوكب – من الهند إلى البرازيل ، إلى إيران .
و ناظرين إلى الإطار الأوسع ، نرى أنّ خطر الثورات و وجود البلدان الإشتراكية في العالم كان له تأثير ذو دلالة ، ممارسا ضغطا على أجهزة الحكم لدي الديمقراطيّات [ الكبرى ] لتمنح بعض الحقوق في إطار نظامها – كي لا يرى الناس تخلّفهم مقارنة بالإشتراكيّة [ الحقيقيّة ]. و مثال سلبي لهذا هو أنّه رغم الإحتجاجات الشعبيّة الواسعة مثل إحتجاجات حياة السود مهمّة ، لم يقع أي تحسين في وضع السود في الولايات المتّحدة . بالعكس ، تحت ضغط أزمات النظام على الصعيد العالمي، حقّقت الفاشيّة بقيادة جمهوريّة كسبا وقوّة ، و قد شنّت هجمات ممنهجة على حقوق مُنحت قبلا و هم يحاولون الإلتفاف عليها.
التناقض بين المَثَل الأعلى للديمقراطيّة و واقع الديمقراطيّة
من جذور هذا المشكل ، رغم كلّ الوقائع المشا إليها أعلاه ، أنّ معظم الناس لا زالوا يعتبرون " الديمقراطيّة الخالصة " مثلا أعلى ، مع أنّ المثل الأعلى للديمقراطيّة يُخالف الممارسة العمليّة ل " الديمقراطيّات " . فمن جهة ، يغرقوننا بكتابات المنظّرين للديمقراطيّة الذين يقدّمون كلاّ من المبادئ العالميّة و الأبديّة و تصريحات المضطهَدين البرجوازيّين الذين يحمون باسم الديمقراطيّة . و من الجهة الأخرى ، لدينا واقع الحياة في ظلّ حكم هذه الديمقراطيّات و في العالم حيث لعقود إحتلّت مواقع القمّة . و بينما يمثّل هذا التناقض مصدرا هاما لفضح النظام و للنضال ضدّه ، التناقض هو ذاته مصدر متكرّر للأوهام حول " إمكانيّة تحسين " النظام الديمقراطي ، أو " التحقيق الفعلي " للمُثُل العليا الديمقراطيّة التي لم تتحقّق بعدُ .
و من نتائج هذا نلفى أنّ التنويعات الراديكاليّة للديمقراطيّة البرجوازيّة تظهر بإستمرار ، التنويع تلو التنويع الآخر ، ضمن معارضي النظام ، و حتّى النزعات الإشتراكيّة التي تشمل جعل الديمقراطيّة مثلا أعلى كمكوّن أساسيّ . و الدولة الإشتراكيّة هي أيضا ديمقراطيّة / دكتاتوريّة طبقيّة [ للبروليتاريا ] . و مع ذلك ، إذا لم تتحرّك هذه الديمقاطيّة بإتّجاه إضمحلال الدولة و الطبقات ( أي بإتّجاه إضمحلالها هي ذاتها ) ، و لا تتقدّم نحو عالم شيوعي ، إذا رأت الإشتراكيّة كهدف في حدّ ذاته ، بالتأكيد ستخسر طابعها الإشتراكي . ( سنناقش هذا الموضوع في المقالات القادمة ).
وكما أشرنا إلى ذلك ، تشويه عدم التكافئ في العالم ( أي إنقسام العالم إلى بلدان إمبرياليّة وبلدان تهيمن عليها الإمبرياليّة )، و قدوم عصر الإمبرياليّة الذى أفرزتهعولمة الرأسماليّة ، قوة ماديّة قويّة تغذّى الأوهام حول تحسين الديمقراطيّة و جعلها مثلا أعلى . و ينهض هذا التناقض بدور سياسي هام في العالم ، ضمن إطار هذا التشويه لتشكيل الأفكار و حتّى معارضات و صراعات . و الإنعكاسات السياسيّة و الإيديولوجيّة للإمبرياليّة في هذه الحال كانت متعدّدة الطبقات و متعدّدة الأوجه . فمن جهة ، " الأوقات العاديّة " ( التي وُجدت لعقود ) في البلدان الإمبرياليّة ، ولّدَت فئة " أرستقراطيّة " من البروليتاريا – فئة من العمّال ظروفهم ليست يائسة ، يساومون من أجل توسيع الحقوق الديمقراطيّة بدلا من البحث عن تغيير راديكالي . و من الجهة الأخرى ،في بلدانتهيمن عليها الإمبرياليّة ، حيث الظروف اليائسة بإستمرار ، عادة ما يرغب الناس في تغيير ثوريّ ، [ بيد أنّ ] آمالهم و أحلامهم تتشكّل و تتلوّن بوضع المجموعة الأولى و إمتيازاتها . و قد أدّى هذا إلى نزعة بارزة في البلدان الإمبرياليّة بإتّجاه الديمقراطيّة الإشتراكيّة في مجال السياسة و الإيديولوجيا و بإتّجاه القوميّة و الديمقراطيّة – البرجوازيّة في البلدان المهيمن عليها .
جوهريّا ، تعكس هذه النزعة السياسيّة و الإيديولوجيّة نظرة الرأسماليّين و الملاّكين الصغار و مثلهم الأعلى هو دولة فيها الثروة و السلطة ليستا مركّزتين بيد فئة قليلة .ف [ مثل تركّز هذه الثروة ] يُعدّ شكلا من أشكال الفساد أو خرقا للديمقراطيّة التي طبّقت أو على الأقلّ جرت محاولة تطبيقها . و المثل الأعلى البرجوازي الصغير لا يعى أنّ كلّ ، أو حتّى معظم ، الذين تقدّموا بهذه النظرة هم أنفسهم ملاّكين صغار أو هم يبحثون ببساطة عن تحقيق مصالحهم الخاصة . تتقاطع هذه النظرة مع تفكير المثقّفين الذين يفهمون أنّه عندما يتمّ تركيز الثروة و السلطة بيد أقلّية ، فإنّه بطريق الحتم سيقع إستعمالها إستعمالا سيّئا . هذه الطبقة تريد النكوص عن عصر الإحتكارات الإمبرياليّة نحو عصر بدايات الرأسماليّة . إلاّ انّها تفتقر إلى فهم أنّ سير و ديناميكيّة بدايات الرأسماليّة ذاتهما هما اللذان أفضيا إلى تطوّر الإحتكارات ، و أنّ الإمبرياليّة نمت على أسس الرأسماليّة عينها .
و مظهر آخر لهذا المشكل هو أنّ البرجوازيّة الصغيرة تنظر إلى المدّعاة " الديمقراطيّة الخالصة " على أنّها فوق الطبقات. و ترى مصالحها الخاصّة على أنّها مصالح جميع الطبقات . و بالتالى ، ترى الرأسماليّة المعدّلة و فيها يكون كلّ شخص قادرا على ممارسة " الديمقراطيّة المباشرة " في مجاله أو في مجالها ، بإعتبارأنّها تعود بالفائدة على كلّ فرد ! هكذا مفاهيم للحرّية و المساواة و الحقوق تتناسب مع موقع المنتجين الصغار للسلع .
ما هو المركزي في هذه النظرة إلى العالم ؟ إنّه المثل الأعلى لسيادة الفرد – ل " التحكّم في المجال الخاص " – الذى يعكس التحويل إلى ذرّات الناس الذين تكون هويّتهم أنّهم ملاّكي سلع و في الوقت نفسه هم عُرضة لإملاءات رأس المال و القوى المحرّكة لمراكمة رأس المال . و هذا يعنى أنّ هذا المثل الأعلى في الوقاع لا يمكن أن تبلغه غالبيّة شعوب العالم ( رغم أنّ الغالبيّة ذاتها لا تفكّر على هذا النحو . )
لذا المشكل ليس أنّ الديمقراطيّة الحقيقيّة " و " حقوق الإنسان الحقيقيّة " أو " المساواة الحقيقيّة : لم يقع تكريسهم بعدُ في أيّ مكان و إنّما كما أشار بوب أفاكيان ، الحديث عن الديمقراطيّة دون الحديث عن مضمونها الطبقي لا معنى له و أسوأ من ذلك . كتب أنّه حتّى إن تمّ تكريس كلّ هذه المُثُل العليا و المبادئ البرجوازيّة ، [ لنعيد صياغة كلمات بوب أفاكيان ]
ستكون النتيجة ذاتها كما هو الحال اليوم ، أي ، ستستخدم أقلّية أيّة فرصة للتمكّن من إستغلال الأغلبيّة و لضمان هذا الإستغلال ، ستستعمل القوّة بصفة مباشرة حفاظا على هذه العلاقات و ستلجأ كذلك إلى فارضين و سياسات فرّق تسُد . و هذا يعنى أنّه لو تمّ تطبيق مبدأ المساواة في الفرص للجميع تطبيقا تاما و ثابتا ، لن يتمّ بلوغ أيّة نتيجة مغايرة . و بكلمات أخرى ، لن يكون لدينا أيّ شيء عدا المجتمع البرجوازي الذى لدينا الآن ، و الذى ينطوى على لامساواة إجتماعيّة و على إستغلال للبروليتاريا . كي نحصل على نتيجة أخرى تتضمّن إلغاء اللامساواة الإجتماعيّة إلى جانب إلغاء الإستغلال ، لا بدّ من المضيّ أبعد من المُثُل العليا و مبادئ المجتمع البرجوازي و الظروف الماديّة التي هي تعبير عنه ، و الإطاحة به . لا بدّ من الإطاحة بالدولة البرجوازيّة وتجاوز ما سمّاه ماركس" الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي"( الفرص المتساوية للجميع ) و كافة العلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة التي تعكسه و تخوّل سيره .
منذ زمن حان الوقت لترك الموتى يدفنون موتاهم ، كما وضع ذلك ماركس ، و يشمل هذا فعليّا و بصفة خاصة ما يتّصل بجعل الديمقراطيّة مَثَلاً أعلى .
الهوامش :
1. In a video, Sarina talked about her dreams saying “I know that in the world, there s an Ethiopia and a Los Angeles, and because I am a perfectionist, I prefer Los Angeles." She was 16 when she was killed by the Islamic Republic s mercenaries.
2. Alexis de Tocqueville, “Author’s Introduction” to Democracy in America (New York: Vintage Books), ed. Phillips Bradley, Vol. 1, p. 9.
3. Bob Avakian, Democracy, Can t We Do Better Than That?, p. 85, English edition.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------









الديمقراطيّة و حرّية التعبير – القاعدة الإقتصاديّة هي العامل الحيويّ ! (3)
أتاش / الشعلة عدد 145 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 832 ، 11 ديسمبر 2023

ملاحظة الناشر : هذا المقال نُشر باللغة الفارسيّة في آتاش / الشعلةعدد 145 ، ديسمبر 2023 على موقع أنترنت cpimlm.org و ترجمه إلى الأنجليزيّة متطوّعون من موقع أنترنت revcom.us . و الكلمات و الجمل بين معقّفين أضافها المترجمون من أجل مزيد الوضوح . و قد جرى نشر الجزء الأوّل والجزء الثاني سابقا على موقع revcom.us.
والمصدر الأساسي لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب بوب أفاكيان،" الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟" و غيره من أعماله حول الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
----------------------
في القسمين السابقين ، ناقشنا جوهريّا أنّ الديمقراطيّة البرجوازيّة دكتاتوريّة برجوازيّة . و تفحّصنا أيضا كيف أنّ التناقض بين المثل الأعلى الديمقراطي و الواقع مصدرهعديد الأوهام و النظريّات البرجوازيّة الصغيرة لإصلاح و توسيع الديمقراطيّة البرجوازيّة ، و أنّ حدود أيّة دولة و بنيتها الفوقيّة العامة بما فيها الديمقراطيّة ، تتحدّد بقاعدتها الإقتصاديّة . و في هذا القسم ، سنناقش لماذا و كيف أنّ القاعدة الإقتصاديّة لأيّ نظام إجتماعي تحدّد مضمون و أبعاد" حقوقه " و خاصة كيف يشكّل ذلك " حرّية التعبير " بما هي مظهر من المظاهر الأكثر إحتفاءا و إعجابا بها في الديمقراطيّة البرجوازيّة . و في نهاية المطاف سنبيّن أنّ لتخطّى الأفق الضيّق ل " الحقذ البرجوازي " ما من سبيل آخر عدا الإطاحة الثوريذة بالطبقة الحاكمة و بناء نوع من الدكتاتوريّة / الديمقراطيّة المختلفة راديكاليّا .
و المشكل الأكثر جوهريّة هو أنّ في كلّ نظام إجتماعي ( أي النظام الرأسمالي أو النظام الإشتراكي ) ، البنية الفوقيّة السياسيّة يجب أن تخدم االنية التحتيّة الإقتصاديّة . و هذه ليست مجرّد تجريد نظريّ بل لها معنى ملموس . و هذا يعنى أنّ السياساتو التحرّكات التي هي ضد أو تقوّض البنية التحتيّة الإقتصاديّة ستؤدّى إلى الفوضى و تفكّك النظام بأكمله . إذا كانت القوانين ( التي هي جزء من البنية الفوقيّة السياسيّة ) في نزاع مع علاقات الملكيّة الأساسيّة ، ستتفسّخ كامل القاعدة الإقتصاديّة و المجتمع ( بمعزل عن ما إذا كان النظام الاجتماعي رأسمالي أو إشتراكي ) لن يقدر على السير .
تصوّروا ، على سبيل المثال ، أنّ الحاجيات الأساسيّة للحياة يتواصل إنتاجها كما تُنتج الآن في المجتمع الرأسمالي . يعنى الغالبيّة العظمى يُنتجها اعمّال الذين يبيعون قوّة عملهم مقابل أجور في المصانع [ أو المزارع ] يملكها الرأسماليّون ، و يبيع الرأسماليّون المنتوجاتالتى يملكونها و يتحكّمون فيها [ ملكيّة خاصة ] . ثمّ ، تصوّروا أنّ في هذه الظروف ، يقع تمرير قانون يقول ليس على أحد أن يدفع مقابل حصوله على حاجياته و أنّ بوسع كلّ فرد أن يأخذ [ أيّ شيء ] حسب حاجياته من ما تمّ إنتاجه ! واقع أنّ هذا يبدو عبثيّا ، و من غير الممكن تطبيقه مطلقا ، تعبير عن واقع جوهريّ : علاقات الإنتاج ( أي البنية التحتيّة الإقتصاديّة ) للمجتمع [ تحدّد إطار ] البنية الفوقيّة الإيديولوجيّة و السياسيّة بما فيها القوانين .
لكن ليست كافة النظريّات التي تتصادم مع القاعدة الإقتصاديّة الرأسمالية بوضوح غير واقعيّة كما هو حال هذا المثال الذىمرّ بنا ذكره . فمثلا ، هناك عديد نظريّات الديمقراطيّة البرجوازيّة التي ترتئى توزيعا عادلا للثروة أو حتّى التوزيع الادل لوسائل الإنتاج [ الأرض و الآلات و المصانع إلخ ] . تقول ، على سبيل المثا ، إنّ كلّ فرد يمكن أن يُمنح قطعة أرض ليفلحها و متى بدأ أيّ أحد في التقدّم على ألاخرين ، يمكن تسليط أداءات على الفائض و إعادة توزيعه من جديد ! لكن المشكل هو أنّ الإنتاج و التبادل السلعي سيؤدّيان على أساس نمط الإنتاج الرأسمالي هذا ذاته و بطريق الحتم إلى اللامساواة و إلى إستقطاب في المجتمع ؛ و حتّى لو تمّ العمل بحصّة متساوية من وسائل الإنتاج . و إضافة إلى ذلك ، هناك واقع أنّ قطع الأرض المتساوية لا يمكن أبدا أن تكون متساوية بشكل مطلق إذ أنّ بعض الأرض أخصب أو أقرب من الماء أو موقعها أفضل إلخ – و منتوجات هذه الأراضي يجب أن تروجبالسوق في تنافس مع منتوجات أخرى ، و [ مع ] المزارع من بلدان أخرى . و على هذا النحو ، قانون القيمة يربط جميع هؤلاء المنتجين المنفصلين من خلال السوق و يفرض معيارا معيّنا من النوعيّة و الفعاليّة عليها . و في النهاية ، عاجلا أم آجلا ن ستتطوّر اللامساواة بين هؤلاء المنتجين و مع تدخّل الحكومة لفرض المساواة [ في الملكيّة ] ستتعمّق الإنقسامات في المجتمع إلى درجة أنّ البعض سيحمل السلاحو يتمرّد على الحكومة التي تمنعهم من توسيع الإنتاج !
و إذا أرادت حكومة أن تمنع هذه السيرورة من أن تؤدّى إلى اللامساواة ، يجب أن توقف الإنتاج للسوق العالميّة ، و هذا مرّة أخرى ، غير واقعي و غير عمليّ ضمن إطار النظام الرأسمالي . لذا لا يهمّ مدى جودتك أو كمّية السياسات و القوانين التي تصدر للترويج للمساواة . طالما تسيرون ضمن إطار الإنتاج و التبادل السلعي الرأسمالي و تحويل قوّة العمل إلى سلع، ستولد اللامساواة .
لهذا ، في " العالمالوقاعي " ، تحديدا في المجتمع الرأسمالي ، هذا قانونيّا تماما لشركة ترفض أن تؤجّر الناس على أساسأنّ توظيفهم لن يكون مفيدا حتّى إن كان ذلك سيتسبّب في الجوع و فقدان المأوى للعاطلين عن العمل ( و ربّما لعائلاتهم ) . و إذا إحتلّ هؤلاء العاطلين من الفاقدين للمأوى فىمكان ما و أخذوا الغذاء و الثياب من مغازة ما دون دفع مقابل سيُعاقبهم جهاز [فرض ] الدولة – لأنّه عمل يمضى ضد سير البنية التحتيّة الإقتصاديّة للرأسماليّة ز لهذا من القانوني تسريح الناس الذين هو غير قادرين على جعل دفوعات الرهن او الإيجار . يمكن لشركة طاقة أو شركة ماء أو غاز أن تقطع الكهرباء و الماء و الغاز إذا لم تدفعوا الفواتير ، و هذا قانونيّ تماما .
و هذه القوانين التي تخدم و تنسجم مع مبدأ الملكيّة الخاصة و تبادل السلع [ في ] الإنتاج ، ليست مجرّد قوانين متّصلة بمجال الماليّة و الاقتصاد ، ولا تعكس أيضا مباشرة نمط الإنتاج . بالأحرى ، ترتبط بعض القوانين بالحفاظ على البنية الفوقيّة السياسيّة و الثقافّة و العسكريّة ، و هذه ، بدورها ، تخدم حماية و تعزيز علاقات إنتاج البنية التحتيّة . و على سبيل المثال، حرّية التعبير الممدوحة جدّا في " البلدان الديمقراطيّة " ليست في تناقض مع دكتاتوريّة البرجوازيّة بل هي قائمة بالأحرى ضمن ذلك الإطار و تتحدّد به لسببين إثنين . أحدهما هو أنّ الطبقة الحاكمة تهيمن على و تحتكر تشكيل الرأي العام . لهذا السبب ما كتبه ماركس و إنجلز في " بيان الحزب الشيوعي " أصحّ من أيّ يوم أبدا : " الأفكار السائدة في كلّ عصر أو أيّ مجتمع هي دائما أفكار الطبقة الحاكمة " . و ثانيا ، تهيمن الطبقة الحاكمة و تتحكّم في القوّات المسلّحة و تستخدمها لسحق الأفكار و التصرّفات التي تمثّل تهديدا جدّيا لنظامها .
و يحدث هذا بالضبط أمام أعيننا اليوم . حرب إسرائيلضد فلسطين قادت إلى إستقطاب حاد حول العالم . ليس من الممكنلملايين الناس أن يبقوا مكتوفى الأيدى لامبالين تجاه مذبحة في حقّ أكثر من 11 ألف إنسان في 40 يوما فقط ، فصارت الشوارع و الجامعات مواقعا للإحتجاج . إلاّ أنّ ردّ " الديمقراطيّات البرجوازيّة " لم تعترف بحرّية التعبير لمساندى فلسطين بل منعت- من شعارات المظاهرات إلى حمل علم فلسطين إلى لباس الكوفيّة .(1) بينما وسائل الإعلام و شبكات الأخبار الإفتراضيّة شوّهت بشكل واسع أو محت أخبار و آراء مساندى فلسطين . و هي تقوم بذلك بحماس كبير لأنّ إسرائيل حليف هام للديمقراطيّات الغربيّة و عدم الدفاع عنها يعنى دارة الظهر إلى المصالح الجوهريّة لنظامها .
و يسمون مجموعة حماس ب " الإرهابيّة " لكن لا سرائيل و لا أيّ شخص يخدممصالح الإمبرياليّة الأمريكيّة ينعت ب " الإرهابي " و رغمأنّ صمت وسائل الإعلام قد شهد تراجعا نظرا إلى درجة معيّنة غلأى إستقطاب المجتمع حول القضيّة الفلسطينيّة و تشديد الإنقسامات في صفوف الطبقة الحاكمة ، فإنّ وسائل الإعلام لم تستطع بعدُ أن تُعالج علنا مسألة ما إذا كان للولايات المتّحدة حقّ إدانة " الإرهاب " أصلا إعتبارا لجرائم الحرب و الممارسات الوحشيّة للولايات المتّحدة حول العالم . إنّ التحكّم و التصرّف في وسائل إعلام الطبقة الحاكمة كما نرى في هذه الأمثلة مظهر هام من الممارسة الشاملة لدكتاتوريّة البرجوازيّة في البناءالفوقيّ للمجتمع الرأسماليّ. لا وُجود للحرّية و المساواة للجميع ، لا في مجال الفكر السياسي و لا في العلاقات الإجتاعيّة و لا في العلاقات الإقتصاديّة للبنية التحتيّة . في جميع هذه المجالات ، لا وجود سوى للحكم الطبقيّ . و تكشف أوقات كهذه الدكتاتوريّة البرجوازيّة المخفيّة في حرّية التعبير .
و في إطار الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البرجوازيّة ، مفهوم حرّية التعبير نفسه يتأثّر أيضا بالبنية التحتيّة الإقتصاديّة و الإنتاج و التبال السلعي ، و مفهوم " سوق الأفكار " تعبير عن علاقات الملكيّة ال{اسماليّة . أحد منظّرى الحقوق البرجوازيّة ، جون ستوارت ميل ، دافع عن حرّية التعبير للجميع بما في ذلك للآراء غير الشعبيّة قائلا إنّ حجج أيّ نظريّة يجب الإستماع إليها ليس فقط من معارضيها بل أيضا من أفضل المدافعين عن هذه الفكرة . و يمكن تقسيم هذا الموقف إلى إثنين : فمن جهة ، ما يدافع عنه جون ستوارت ميل هو حقّ الأفراد في حوز ملكيّة فكريّة (2) و توماس جيفرسن ( أب الديمقراطيّة الأمريكيّة ) كان ينظر إلى ملكيّة الأفكار و الآراء كشكل من أشكال الملكية الخاصة ، و حماية الملكيّة بأي شكل من الأشكال أهمّ مهمّة تضطلع بها الحكومة .
في سوق الأفكار ، حرّية التعبير تعنى أنّ كلّ شخص مالك لأفكاره . إذا كانت لديه فكرة جديدة ، يجب أن " يسجّلها " على نحو يفيده ( مثل براءة الإختراع ) قبل الخروج للعموم بهذه الفكرة خشية أن " تسرق " منه . و بعد جعلها عامة ، يجب أن " تتنافس " مع أفكار أخرى من أجل أفضل قيمة ( حتّى إن لم تكن هذه القيمة ماليّة بصفة مباشرة ) . و في هذه السيرورة ، الشيء الوحيد الذى لا يهمّ هو ما إذا كانت الفكرة تخدم الحصول على فهم أفضل للحقيقة ، على فهم أفضل للعالم ، و تغييره خدمة لمصالح معظمالبشر . و هكذا تمسى الأفكار لا شيء أكثر من ملكيّة أصحابها ، لذا فإنّ تحدّيها بأيّة طريقة كان بمقارنتهابالواقع الموضوعي تُعتبر هجوما على مبدع الفكرة لأنّ ما يهمّ ليس الحقيقة بل فكرتى . " (3)
هذا من جهة و من الجهة الأخرى ، ما يدافع عنه جونستوارت ميل كحرّية تعبير هو كذلك مهمّ جدّا بالنسبة إلى وجهة النظر المرتبطة بمستوى من الواقع الماديّ ( سواء في المجتمع أم في الطبيعة ) ، تتحرّك و تتطوّر بإستمرار و من غير الممكن معرفتها دون نقاش و جدال حول الأفكار المتعارضة – و مع أفضل المدافعين عن هذه الأفكار . و يولّد النزاع بين الأفكار قدرا كبيرا من الطاقة في المجتمع لإكتشاف الحقيقة ، و فيه بإمكان الأفكار الصحيحة أن تثبت نفسها مجدّدا ، أو تصلح أخطاءها . أجل ، يجب أن يكون الجميع أحرارا – من الإضطهاد و من حدود الملكيّة الخاصة للأفكار – للتعبير عن آرائهم. لكنّ هذه ليست حرّية لبضعة أفراد فقط . أكثر من أيّ شيء آخر ، يجب أن تكون الجماهير الشعبيّة العريضة حرّة ، أثناء هذه السيرورة ، لبلوغ الحقيقة حول الأشياء و حول العالم ، في مظاهرها المتنوّعة و الأعمق ، و يجب تمكينها من البحث عن المعرفة العلميّة و إكتشاف الحقيقة . و فقط على مثل هذا النحو يمكن للناس التوصّل إلى أن يصبحوا مسيّرين حقّا للمجتمع و سادته .
و المظهر الآخر للمشكل هو أنذ " حرّية التعبير غير محدودة " في نظريّة جون ستوارت ميل لم توجد قط عمليّا . و حتّى إذا لم توج سياسة للمنع القانوني لأفكار خاصة ، لا يمكن لكلّ الأفكار و وجهات النظر في العالم أن تنعكس بشكل متساوى في وسائل الإعلام و المنشورات إعتبارا لإكراهات الوقت و الموارد . عمليّا ، ما يحدث في المجتمع الطبقي الرأسمالي هو أنّ مجموعة أفكار تتماشى و مصالح الطبقة الحاكمة تتنافس بينما يُزعم أنّه لا وجود لقيادة لهذه السيرورة . لكن البرنامج في المجتمع الإشتراكي ، آخذين بعين النظر الحدود الموضوعيّة ، هو حماية مروحة واسعة من الأفكار المتنوّعة والمتناقضة . و تتمّ قيادة هذه السيرورة على نحو يخدم بلوغ الحقيقة في أعلى مستوى ممكن بدلا من طريقة في ظرف معيّن تفيد الدولة ، أو حتّى الحزب الشيوعي . كلّ الحقائق فىنهاية المطاف تخدم مصالح البروليتاريا .
و لا حاجة إلى قول إنّه بالرغممن أنّ كافة القوانين و الحقوق المدنيّة في الديمقراطيّات البرجوازيّة تعتمد على تعزيز و توفير الاستقرار لدكتاتوريّة الطبقةالحاكمة ، فإنّ القوانين نفسها تؤوّل كذلك و تحوّر و تُستخدم ضد الناس من قبل الشرطة و المحاكم و السلطات القائمة عامة . و على سبيل المثال ، ليس في الجمهوريّة الإسلانميّة فحسب أنّ " حرّية التجمّع " مُعترف بها في الدستور (4) غير أنّها تُداس في التطبيق العملي . إبّان تمرّد جينا ، جرى قتل مئات الناس أو جرت إصابتهم بالعمى كما جرى إيقاف آلاف الآخرين . و في الولايات المتذحدة ، يعترف القانون بذات الحقوق للرجل الأسود في حمل سلاح و إستعماله للدفاع عن النفس شأنه في ذلك شأن الرجل الأبيض . لكن ، إذا وُجد رجل أسود نفسه وجها لوجه مع شًرطيّ ، من المرجّح جدّا أنّه سيخسر حياته ، و سيُعدّ قتله على يد الشرطيّ على الأغلب " قتلا مبرّرا " . القمع ، سواء في شكل قمع الأفكار أم في شكل القمع [ الجسدي ] من قوات الأمن أو الجيش ، يدلّل على وجود الدكتاتوريّة الطبقيّة ، و العامود الفقريّ للدكتاتوريّة الطبقيّة هذه هو جيشها و قوّاتها العسكريّة . لهذا ، لا يمكن أن يوجد شيء مثل " الثورة السلميّة " .
و الثورة تعنى تغيير القاعدة الإقتصاديّة و البنية الفوقيّة للمجتمع ؛ و هذا يتطلّب تعويض طبقة حاكمة بطبقة أخرى . و لم يشهد أيّ عصر في التاريخ طبقة حاكمة " تتخلّى " طواعيّة عن موقعها الطبقيّ إلى طبقة ترغب في إلغائها . و الثورة تعنى حلولطبقة حاكمة محلّ طبقة أخرى . و هذا أيضا ضروريّ للثورة في هذا العصر ، الثورة الشيوعيّة . لكن هدف الثورة البروليتاريّة ، على عكس هدف الثورات البرجوازيّة في القرن 18 ن هو إلغاء كافة العلاقات الإستغلاليّة ، كافة الإنقسامات الإضطهاديّة في العمل ، و كافة المؤسّسات السياسيّة و الأفكار [ التقليديّة ] التي تمثّل إنقسام المجتمع إلى طبقات. (5)
و رغم أنّ كلّ هذا وقع فضحه في ما يتّصل بالطبيعة الحقيقيّة للديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البرجوازيّة و جذور كّ الإضطهاد و الإستغلال و الحرب و الإبادة الجماعيّة التي نشاهدها ، فإنّ ذلك لا ينفصل عن الأسس الماديّة / البنية التحتيّة ل" الحقوق الديمقراطيّة " و آفاق الديمقراطية البرجوازيّة لا توجد و لم توجد قط في أيّ مكان ، ديمقراطيّة للجميع ، حرّية تعبير للجميع، مساواة بين المستغِلّين و المستغَلّين . في نظام الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، لا يمكن أبدا أن نحصل على عالم أفضل من ذلك الذىلدينا في الوقت الحاضر . لكن الآن ، مع ثورة فعليّة ، من الممكن أن ننشأ نظاما مغايرا كلّيا . و مع ذلك ، فإنّه بالنسبة على معظم الناس في العالم ، لا تزال الثورة شيئا غريبا بعدُ ، و يفضّل الكثيرون أن ينغمسوا في النضال لنيل المزيد من و أفضل " الحقوق الديمقراطيّة " حتّى مع أنّ تغيّر المناخ و التهديد بحرب نوويّة يهدّدان جدّيا الإنسانيّة في وجودها .
و في القسم القادم ، سنناقش ذلك رغمأنّه سيكون لدينا نوعا أفضل بكثير من الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة في المجتمع الإشتراكي، و صنف مغاير نوعيّا من الحرّية ، لن يكون إمتدادا للديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البرجوازيّة أو تحسينا لها .
ملاحظة ختاميّة من المترجمين للمال إلى اللغة الأنجليزيّة :
من أجل شرح أساسي للمصطلحات العلميّة التالية فىالمقال -1) وسائل الإنتاج 2)الإنتاج السلعي 3) قانون القيمة – الرجاء الإطّلاع على " السلع و الرأسماليّة – و التبعات الفظيعة لهذا النظام ، شرح أساسيّ " لبوب أفاكيان . [ تجدونه معرّبا بالموقع الفرعي لشادي الشماوي على صفحات موقع الحوار المتمدّن على الأنترنت ]
الهوامش :
1- مثلا ، في ما يتعلّق بالمنع في فرنسا :
2- حول الملكيّة الفكريّة ، بوب أفاكيان 2008 ، الفصل حول " حرّية الوعي كملكيّة خاصة " ، السوق الحرّة للأفكار – و بحث مختلف راديكاليّا و بدرجة أبعد دون عراقيل عن الحقيقة " .
3- المصدر السابق .
4- وفق المادة 27 من دستور إيران ، " تنظيم تجمّعات و مسيرات دون حمل سلاح مسموح به طالما لم يشوّش على مبادئ الإسلام ".
5 " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " ، بوب أفاكيان ، بانر براس 1986 .



















ما هي الديمقراطيّة الإشتراكيّة و لماذا هي دكتاتوريّة رأسماليّة ؟ ( 4 )
من آتاش / شعلة عدد 146 / مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 835 ، 8 جانفي 2024
https://revcom.us/en/reality-communismwhat-social-democracy-and-why-it-capitalist-dictatorship

ملاحظة الناشر : المقال أناه نُشر باللغة الفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 146 ، جانفى 2024 على موقع أنترنت cpimlm.org . و ترجمه إلى الأنجليزيّة متطوّعون من موقع أنترنت revcom.us . و الكلمات / الجمل الواردة بين معقّفين و بعض الهوامش أضافها المرتجمون قصد التوضيح . و قد نُشرت الأجزاء 1و2و3 قبلا على revcom.us .
والمصدر الأساسي لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب بوب أفاكيان" الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك؟" و أعماله الأخرى حول الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
-------------------------
في المقالات السابقة من هذه السلسلة ، ناقشنا أمثلة من الديمقراطيّة البرجوازيّة . و في هذا الجزء الرابع نناقش الديمقراطيّة الإشتراكيّة . إثر الحرب العالميّة الثانية ، سادت الديمقراطيّة الإشتراكية المعروفة ب " دولة الرفاه " ، سادت في معظم بلدان أوروبا الغربيّة . و قد حاولت الديمقراطيّات الإشتراكّة أن تصوّرها على أنّها مختلفة عن الديمقراطيّة البرجوازيّة من النوع السائد في الولايات المتّحدة . و رغم أنّ للديمقاطيّات الإشتراكيّة بعض أوجه الإختلاف الهامةعن أنواع أخرى من دكتاتوريّة الدول البرجوازيّة ، فإ،ّ أوجه الشبه أكثر جوهريّة : الدول الديمقراطيّة الإشتراكيّة دكتاتوريّات برجوازيّة .
في هذا المقال ، من خلال تحليل أوجه الشبهو أوجه الإختلاف و تفحّص وجهات نظر المدافعين عن الديمقراطيّة الإشتراكية، نبيّن كيف أنّ الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة في ظلّ الإشتراكيّة مغايرة كلّيا لهذه النماذج و لأيّ توسيع أو تحسين للديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البرجوازيّة . و في النهاية ، سنلقى نظرة على نظريّة كارل بوبر حول الديمقراطيّة الإشتراكيّة .
الديمقراطيّة الإشتراكيّة :
اليوم ، يمثّل المدافعون عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة كنموذج مرغوب فيه لمستقبل إيران ، قوّة نشيطة في المشهد السياسي ، و لهذه الفكرة تأثير كبير في صفوف المثقّفين . و يفصل هؤلاء المثقّفين تماما تاريخ الديمقراطية التاريخيّة في إيران عن الإطار التاريخي الأشمل لإندماج إيران في إطار الرأسماليّة العالميّة ( الرأسماليّة – الإمبرياليّة . و مثل البلدان الأخرى من " جنوب الكوكب " ، إيران بلد " تحت هيمنة الإمبرياليّة " . وهو خاضع لمتطلّبات مراكمة رأس المال في بلدان " المراكز " ( المرتروبولات ) و ، داخليّا ، [ تطوّرها ] مشوّه و مفكّك .
و قد شهد تطوّر الرأسماليّة في غيران عدّة منعرجات متنوّعة كلّ منها كان مرتبطا بتغيّرات كبرى في النظامالرأسمالي العالمي . ( لمزيد النقاش نحيلكم على الفصل المتّصل بالإقتصاد في " بيان و برنامج الثورة الشيوعيّة في إيران " -2017). و رفض المدافعون عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة في غيران هذا الواقع الحيويّ . و بالنتيجة " حلّهم " لإيران – " توسيع " البنية السياسيّة السائدة فى البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة في الغرب إلى إيران – عقيم و غير قابل للتطبيق في إيران .
و شرح بوب أفاكيان في كتابه " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " أنّ نزعة الديمقاطيّة الإشتراكيّة يمكن أن تنقسم إلى مجموعتين ؛ مجموعة تركّز على الخطط الإصلاحيّة المتنوّعة لبلوغ " الديمقراطيّة الإقتصاديّة " في أوروبا ( ما يُدعى بالمدافعين عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة لدولة الرفاه ) . و هؤلاء في المموعة الأولى أصبحوا يشاركون في السلطة ضمن دولهم البرجوازيّة الخاصة ، و يشدّ>ون على أنّ الديمقراطيّة غير ممكنة دون عدالة إقتصاديّة .
و بالتالى ، توزيع النهب الإمبريالي على صفوف الأقسام الأوسع من السكّان هو محور برنامجهم . و في علاقة بالديمقراطيّة ، كانت الممارسة و كان الدور الأساس لهذه المجموعة الدفاع و الدعوة إلى المجتمع البرجوازي و تقاليده في الغرب – ضد تحدّى الإمبرياليّة الإشتراكيّة السوفياتيّة في الماضي و الآن ضد الثورة الحقيقيّة و الشيوعيّة الثوريّة .
و تحاول المجموعة الثانية من الديمقراطيّين الإشتراكيّين أن تُميّز نفسها عن رؤساء المشجّعين للإمبرياليّة الغربيّة بتقديم وجهات نظرهم حول الديمقراطيّة بصيغة أكثر راديكاليّة و حتّى " ماركسيّة . إلاّ أنّه في نهاية التحليل ، مساعيهم لجعل الماركسيّة تنسجم مع الديمقراطيّة البرجوازيّة عقيمة هي الأخرى .
لننظر في البعض من وجهات نظر المدافعين الإيرانيّن عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة . و من أشهر الأسماء المعروفة من هؤلاء المثقّفين محمدّ رضا نكفار . فأثناء تمرّد جينا ، نظر و جعل مثلا أعلى كيف أنّ هذا الصنف من الديمقراطيّة يمكن أن يعارض به الحكم التيوقراطي و الملكي . " في نهاية المطاف ، لا وجود لأكثر من طريقتين للتعاطي مع الفوضى و الإضطراب الراهنين : دمج لأ الحركةالشعبويّة مع النظام القائم ] إستنادا إلى المساواة و المشاركة ، أو التعزيز القائم على السلطة الإستبداديّة و القمع و التسلّط . و هذا خيار بين شرف و كرامة أن يكون المرء مُواطنا مقابل الإهانة و الإذلال التاريخيين لأن يكون فلاّحا ". (1) و عدا واقع أنّ الظروف التاريخيّة للإهانة و الإذلال للشعب الإيراني لم تكن" إنتقائيّة " للغاية مثل كلّ هذا ، يجب أن نشدّد على أنّ مَثَل نكفار الأعلى للمساواة و مشاركة المواطنين – جوهر المَثَل الأعلى للديمقراطيّة البرجوازيّة – بعدُ قد فشلت .
و لأنّ نكفار يجهل الإطار الشامل لإندماج إيران في النظام الرأسمالي العالمي ( رغم أنّه واعيا جدّا لتاريخه ) ليس بإمكانه واقعيّا و علميّا أن يشرح لماذا فشلت الجهود الديمقراطية – البرجوازيّة في إيران ، و و يتواصل فشلها – هناك عائقان عالميّا تاريخيّان : أوّلا ، في عالم إمبريالي ، لا يمكن للديمقراطيّة البرجوازيّة أن توسّع إلى البلدان التي تهيمن عليها الإمبرياليّة ( خاصة النوع الخاص من " دولة الرفاه " لحفنة من البلدان ). و القيام بذلك يتطلّب تغييرات راديكاليّة في العلاقة بين بلدان " شمال الكوكب " و " جنوب الكوكب " و أيّ محاولة مشابهة ستفجّر التماسكالداخليّ للبلدان الإمبرياليّة ( إلى جانب واقع أنّ الديمقراطّة البرجوازيّة في هذه البلدان نفسها تتهدّدها اليوم القوى الفاشيّة ).
ما يجعل الديمقراطيّة ممكنة – و الديمقراطيّة البرجوازيّة بشكل أعمّ – في هذه القلّة القليلة من البلدان هو نهبها للبلدان في " جنوب الكوكب " . الأنظمة الدكتاتوريّة [ في البلدان المهيمن عليها ] رديف للإزدهار النسبيّ و الاستقرار السياسي المحلّي اللازم لوجود الديمقراطّة البرجوازيّة في البلدان الإمبرياليّة .
ثانيا ، رغم أنّ قسما كبيرا من ما كان يُعتبر " حركة شيوعيّة " في إيران يعتبر أنّ عصر الثورات البجوازيّة في " جنوب الكوكب " لا يزال قائما ، الواقع هو أنّ عصر الثورات البرجوازيّة قد إنتهى . و هذا النوع من التفكير – أنّ الثورة البرجوازيّة لم " تستنفذ " بعدُ من عديد الكرامات التي وفّرتها إلى " شمال الكوكب " -يمكن رؤيته في المُثُل العليا التي صاغها أشباه هابرمان (2) ، و يروّج لها عديد المثقّفين في " جنوب الكوكب " .
و مع ذلك ، أيّ مشكل يظلّ غير معالج في عصر الثورات البرجوازيّة لم يعد ممكنا معالجته ضمن الإطار ذاته ذلك أنّه في الممارسة العمليّة ( و ليس في الخيال ) ، أضحى هذا الإطار هو الإطار المعولم للرأسماليّة – الإمبرياليّة . و اليوم بشكل خاص ، أيّ محاولة للديمقراطيّة البرجوازيّة تتحوّل إلى مخفر أماميّ للإمبرياليّة ما يساهم في نهاية المطاف في نشر الأصوليّة الإسلاميّة ( و في أماكن أخرى ، الأصوليّة المسيحيّة ) ، كبديل . و لوضع ذلك بشكل بسيط ، تقتضى معالجة جميع " بقايا الماضي " كالعودة الرهيبة إلى إيديولوجيا عصر الظلمات و العلاقات الإجتماعيّة الأكثر تقليديّة ، تقتضى القطيعتين الراديكاليّتين اللتين شدّد عليهما ماركس [ و إنجلز – المترجم ] ، القطيعة مع علاقات الملكيّة التقليديّة و القطيعة مع الأفكار التقليديّة .
لأجل جعل نظريّته السياسيّة الديمقراطيّة الإشتراكيّة صالحة ، قلب نكفار واقعا هاما رأسا على عقب إذ كتب : " ثنائيّة الأوضاع في العالم تنجم عن التمييز الذى يؤدّى إلى ثنائيّة الموقف و إلى الظروف الناجمة عن الإستغلال . التمييز يسبق الإستغلال ، من موقف تحليليّ و منطقيّ و كذلك من موقف تاريخيّ " . (3)
لكن في الوقاع ، على عكس ما يوجد في ذهن البعض ، العلاقة بين التمييز و الإستغلال على عكس ذلك بالضبط . ليست بالضرورة علاقة واحد لواحد بل علاقة معقّدة حيث يرسى الإستغلال في " نهاية المطاف " أساس نظام هو جزء لا يتجزّأ من كافة أشكال الإضطهاد و التمييز .
و للعلاقة بين التمييز و الإستغلال عدّة أوجه و عدّة مستويات . لمّا صاغ ماركس " الكلّ الأربعة " (4) شرح صلاتها الداخليّة و الجدليّة . كما أوضح ما هو أوليّ و مسافاتها [ ما ينجم عن ماذا ] . هذا يقلب الواقع رأسا على عقب ( قول إنّ التمييز يسبق استغلال ) ، و يجعل نكفار يستنتج أنّه من الممكن معالجة مشكل التمييز ضمن إطار الرأسماليّة ، و لا يرى أنّ هناك حاجة إلى ثورة تهدف إلى سحق النظام الرأسمالي و تعويضه بنظام إشتراكي يعمل على إلغاء " الكلّ الأربعة " .
و يرى مدافعون آخرون عن الديمقاطيّة الإشتراكيّة كذلك مثل هذه الثورة غير واقعيّة . و على سبيل المثال ، كتب مهرداد درفيشيور ، مستلهما من فردريك جاميسون (5)، أنّ الدفاع عن مكاسب دولة الرفاه – بدلا من التصريحات الرومنسيّة و غير الواقعيّة حول إلغاء الطبقات و إلغاء العمل الملأجور – مهمّة هامة للقوى اليساريّة اليوم " .(6) و يقوم مشروع الديمقراطيذة الإشتراكيّة على " دمج الدفاع عن الديمقراطيّة مع العدالة الإجتماعيّة و الدفاع عن البيئة و المساواة الجندريّة و إلغاء التمييز ( بما في ذلك قتال العنصريّة و التمييز الإثنيّ ) " و " قد وقف في معارضة المشاريع اليساريّة الكلاسيكيّة ، مثل المصادرة السلبيّة للملكيّة الخاصة و تركيز الدولة الإشتراكيّة ".
لكن مصادرة الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و تركيز الإشتراكيّة ( الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البروليتاريّة ) ، التي ينعتها بأنّها مشروعا " كلاسيكيّا "، من المتطلّبات الحيويّة ، لإنشاء أساس ماديّ للعدالة الإجتماعيّة و لإنهاء التمييز و حماية البيئة. ففي الواقع ، على الرغم من كلّ ما يفكّر فيه أيّ شخص ، مصدر هذه المشاكل هو اسير و الديناميكيّة الفعليّين للرأسماليّة . و رغم أنّها ضرورة بالنسبة إلى الإشتراكيّة ، اليوم و مستقبلا ، القطيعة مع ممارسات الإشتراكيّة الأولى في الإتّحاد السوفياتي و الصين ( كما فعل ذلك بوب أفاكيان بتلخيصه الموجة الأولى من الثورات الشيوعيّة و إرسائه لأسس الشيوعيّة الجديدة ) ، لم يكن هذا أبدا و لن يكون أبدا ممكنا بنظرة ديمقراطيّة إشتراكيّة . و إنتظار بلوغ " الكلّ الأربعة " ضمن الديمقراطيّة البرجوازيّة ، شيء يسمّى " المشابكة " ، ليس واقعيّا ، بل طوباويّا – وهو شيء نُتّهم به نحن الشيوعيّين الثوريّين .
و طبعا ، يكتب درفيشبور بأنّ مشروعه الأليف ، " من كلّ من وجهة نظر تحقيق التقدّم و [ الحفاظ عليه ] على المدى الطويل ، أكثر فعاليّة بكثير بالنسبة إلى الدفاع عن الرفاه العام و في الوقت نفسه توسيعه " .
و كذلك ، أكّد فرج سركوجي ، أثناء برنامج يُطلق عليه " ضرورة الديمقراطيّة الإشتراكيّة في إيران " (7) ، أكّد أنّ " بقاء المجتمع على قيد الحياة ، و تطوّره المستدام ، و حتّى نموّ الرأسماليّة فيه لا يمكن أن يقوم على التمييز . " و في تصريحاته ، نرى مثالا صريحا أكثر للديمقراطيّة الإشتراكيّة و هدفها : جعل الرأسماليّة عقلانيّة ! و يسعى هذا المشروع إلى التدليل على أنّ النظام الرأسمالي و قوّته المحرّكة التي لا يمكن التحكّم فيها " التوسّع أو الموت " أنّه سيكون أكثر فعاليّة و إستدامة أن يأخذ بعين النظر حقوق النساء و السود و المهاجرين و البيئة . و يحاول إستخدام نمط الإنتاج الرأسمالي القائم على إستغلال قوّة العمل غير أنّه يجعل الأرباح " أكثر عدلا " و بالتالى يُقلّص من الإضطهاد المبنيّ في أسس هذا النظام .
و في بعض المناسبات ، يستعير مقولات من الأدب الماركسي ك " الهدف النهائي لإلغاء الإستغلال " . لكن كيف يحاول أن يبلغ هذا الهدف ؟ ب " التشديد المتزامن على الإشتراكيّة و على الديمقراطيّة ، و تطبيقهما خطوة خطوة ، إلى أن تُصبح غالبيّة العمّال واعية " ( حسب فرج سركوحي ). و هذا الصنف من التحليل و مقترحاته أمثلة لفصل البنية الفوقيّة السياسيّة عن القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع .
و أحد أهمّ المنظّرين لهذا النوع من الأخطاء هي أنياس هالار (8). في مجموعة بحوثها ، إرتأت – شأنها في ذلك شأن منظّرين آخرين من مدرسة بودابست – ديمقراطيّة غشتراكيّة تكون على النقيض ممّا سمّاه بوب أفاكيان ب " الإشتراكيّة الميكانيكيّة و الإقتصاديّة " للكتلة السوفياتيّة . لكن بدلا من القطيعة معها ، تقع هالار في حبال المثاليّة . فهي تسيء فهم العلاقة بين القاعدة الإقتصاديّة للمجتمع و بنيته الفوقيّة السياسيّة و الإقتصاديّة . و يُفضى بها هذا في نهاية المطاف إلى النظر إلى الديمقراطيّة كمَثَل أعلى يمكن أن ينسجم سواء مع البنية التحتيّة الإقتصاديّة الرأسماليّة أو البنية التحتيّة للإشتراكيّة !
كتبت أنياس هالار : " المبادئ الديمقراطيّة ذاتها ، إلى حدّ أنّها مبادئ شكليّة ، يمكن أن تخدم كمبادئ جوهريّة في دستور إمّا مجتمع رأسمالي أو مجتمع إشتراكي " . و أضافت : " بالفعل ، الديمقراطيّة الشكليّة ، يمكن أن تتحوّل إلى ديمقراطيّة إشتراكيّة دون معرفة أيّ أدنى تحوير . مبادئ الديمقراطيّة الشكليّة تصف كيفيّة التصرّف في التعاطى مع شؤون المجتمع، وكيفيّة إيجاد حلول للمشاكل ، لكنّها لا تفرض بايّ شكل من الأشكال حدودا على مضمون التطلّعات الإجتماعيّة المتنوّعة ." ( التشديد مضاف من آتاش )
و على النقيض من هذه الطوباويّة المثاليّة لأنياس هالار ، يؤكّد بوب أفاكيان :
" ...ليس بوسع الديمقراطيّة ، كمجموعة من المبادئ الشكليّة ، أن تخدم الإشتراكيّة كما تخدم الرأسماليّة " دون معرفة أيّ أدنى تحوير " ... لتكرار النقطة الأكثر أساسيّة ، يجب على الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة أن تشهد تغييرا نوعيّا ، راديكاليّا مقارنة بما كانت عليه في ظلّ الرأسماليّة – يجب قلبها – كي تمارس الديمقراطيّة في صفوف الطبقة الحاكمة الجديدة ، البروليتاريا ، بينما تمارس الدكتاتوريّة من قبل البروليتاريا على الطبقة الحاكمة السابقة ، البرجوازيّة .
دون القطيعتين الراديكاليّتين اللتين تحدّث عنهما ماركس و إنجلز على أنّهما حيويّتين ... دون معركة المرتفع التي ينبغي خوضها من أجل ذلك عقب تركيز الإشتراكيّة في البداية ... لن توجد إشتراكيّة ، ناهيك عن بلوغ الشيوعيّة في نهاية المطاف. هناك حاجة في مجال السياسة إلى المبادئ التي تعكس هذا و تخدم النضال لتجاوز مقاومة البرجوازيّة المطاح بها ( و القوى الطبقيّة البرجوازيّة الحديثة الولادة ) و تمكين الجماهير الشعبيّة لتصبح سيّدة كافة المجالات ... هناك حاجة إلى تطبيق الديمقراطيّة ( و الدكتاتوريّة ) بمضمون طبقيّ واضح و صريح ، و ليس المبادئ الديمقراطيّة الشكليّة " دون أيّ أدنى تحوير " . " (9)
كارل بوبر :
ومن المنظّرين الديمقراطيّين الإشتراكيّين الآخرين كارل بوبر ( فيلسوف من أصول مجريّة ) . عرض نظريّته وهي نقد للماركسيّة في كتابه الشهير " المجتمع المفتوح و أعداؤه " (10). و يتمثّل نقد بوبر للماركسيّة في كونه يعدّ أنّها تنتهج مقاربة " جوهريّ " [ أسنسيالست – المرتجم ] للإستغلالالرأسمالي و الدولة الرأسماليّة ذلك أنّ الماركسيّة لا تعتبرهما قابلين للإصلاح . و فى تسعينات القرن العشرين ، بحماس روّج الجناح الإصلاحي للجمهوريّة الإسلاميّة نظريّة بوبر و كتابه . و في الواقع ، أصبحت دعامة نظريّة كبيرة لسياساتهم الداعية " للإصلاحات " و إستُخدمت لتعبأة قسم من المثقّفين حول إعتقاد في " إمكانيّة إصلاح الجمهوريّة الإسلاميّة ".
وفق بوبر ، النظريّة الماركسيّة – أنّ أيّ شكل من أشكال الدولة ، دون إستثناء ، يمثّل دكتاتوريّة هذه الطبقة أو تلك ، و أنّ حتّى أكثرها " ديمقراطيّة " هي عمليّا دكتاتوريّة طبقيّة – نظريّة " جوهريّة " . في رأيه ، من الممكن لدولة أن توجد وهي ليست دكتاتوريّة . و يرى بوبر الديمقراطيّة و الدكتاتوريّة ككوكبين مختلفين ، قائلا إنّه حيث توجد ديمقراطيّة لا وجود للدكتاتوريّة و العكس بالعكس . و من أهمّ معايير أن تكون دولة " ديمقراطيّة " و " ليست دكتاتوريّة " هو أنّ الناس بوسعهم " إقالة " قادتهم السياسيّين . و في تعليقات نقديّة بالغة الأهمّية ، أجاب بوب أفاكيان :
" ... يمكن للناس " إقالة " ( يصوّتوا لإقالة ) سياسيّين معيّنين ، ليس بوسعهم بهذه الطريقة – أو أيّ طريقة أخرى عدا الثورة – " إقالة " الطبقة الرأسماليّة ( البرجوازيّة ) التي تحكم في الواقع المجتمع ، و هي تسيطر على السيرورة الإنتخابيّة نفسها ، وهي على أيّ حال تهيمن على سيرورة صناعة القرار السياسي و الأكثر أساسيّة ، تمارس إحتكار القوّة المسلّحة " الشرعيّة " ... ما من تحليل جدّيّ – و بالتأكيد ما من تحليل علميّ حقّا – لديناميكيّة السلطة السياسيّة و سيرورة صنع القرار السياسي في البلدان " الديمقراطيّة " ، من مثل الولايات المتّحدة ، يمكن أن تُفضى إلى أيّ إستنتاج آخر إلاّ أنّ كلّ هذا ، في الواقع ، تحتكره و تسيطر عليه تماما الطبقة الحاكمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، و أنّ الآخرين، عدا هذه الطبقة الحاكمة ، مستبعدة فعليّا من ممارسة سلطة سياسيّة و صناعة القرار السياسي الذى له مغزى ، على الرغم من مشاركة عامة الناس في الانتخابات " . (11)
و في النهاية ، الحلّ الذى يقترحه بوبر هو التالي : بدلا من التساؤل " ما هي الطبقة الحاكمة " ، يجب على الماركسيّين أن يتساءلوا " كيف تحتويها " ! لكن لا وجود لتجربة تبيّن أنّ الجماهير الشعبيّة يمكن أن " تحتوى " دكتاتوريّة البرجوازيّة التي لديها جهاز أمني و عسكريّ . و وجود مثل هذه الأوهام ( التي كانت الطبقة الحاكمة تروّج لها على الدوام ) كانت دائما توجّه ضربات يتعذّر إصلاحها لمعارضى الرأسماليّة و لمقاتلى الحرّية على طريق الحرّية .
" حلّ " بوبر للإستغلال الرأسمالي هو كذلك " إحتوائه " . و يعارض " حرّية الرأسماليّة غير المحدودة " قائلا : " في ظلّ النظام الرأسمالي المنزوع اللجام " ، الشخص الأقوى إقتصاديّا حرّ ل" إرهاب " الضعيف إقتصاديّا و يستولى على حرّيته ... يجب أن نطالب بتعويض سياسة الحرّية الإقتصاديّة غير المحدودة بتدخّل الدولة بالتخطيط الإقتصاديّ ". (12)
هنا نجد أنفسنا أمام نظريّة الكفالة و المفتاح فيها يقلّب بوبر الكلمات ليشوّه طبيعة الرأسماليّة . و كما كتب ريموند لوتا ، " الرأسماليّة علاقة إجتماعيّة و سيرورة إجتماعيّة ، جوهره بالفعل هو سيطرة مصالح غريبة و مناقضة بشكل عدواني على العمل . " ( ريموند لوتا ، " إنهيار أمريكا " ) (13) و الدولة البرجوازيّة ( سواء كان شكلها ديمقراطي – إشتراكي أو ديمقراطيّة – ليبراليّة أو فاشيّة ) ، حيويّة لفرض هذه العلاقة [ الإجتماعيّة ] . و دونها ، لا يمكن أبدا للبرجوازيّة أن تسيطر على قوّة العمل . ما من طلب بوسعه أن يوقف " الرأسماليّة المنزوعة اللجام " لأنّ قانون " التوسّع أو الموت " قانون " جوهريّ " للرأسماليّة ، و العنف الجسديّ هو النتيجة الحتميّة : حتّى إلى درجة التسبّب في الحروب المدمّرة و تدمير البيئة.
و كافة البلدان التي يقدّمها الديمقراطيّون الإشتراكيّون الإيرانيّن ك " أمثلة " و " نماذج للديمقراطيّة الإشتراكيّة – بما فيها البلدان السكندينافيّة – هي بلدان رأسماليّة إمبرياليّة و نتيجة نهب و منتهى إستغلال " جنوب الكوكب " ، إلى درجة معيّنة و لفترة من الزمن ، قادرة على توفير الرفاه و بعض الحقوق السياسيّة لتأمين مراكز قيادتها الخاصة .
لكن اليوم ، نشاهد هذه البلدان ذاتها تنزع أقنعتها " الديمقراطيّة " و تظهر بجلاء قبضتها الحديديّة الفاشيّة . و إنّه لمن المُدهش رؤية العديد من المثقّفين الديمقراطيّين – الإشتراكيّين يلتزمون صمتا مطبقا عن جريمة الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة ضد الشعب الفلسطيني – و هذا يشبه كثيرا صمتها المطبق عن المجازر و المذابح التي إقتُرفت في حقّ السجناء السياسيّين في إيران سنة 1988 !
هوامش المقال :
1. Radio Zamaneh, “The Dignity Movement”, Nikfar, Mohammad Reza, May 17, 1401 [From 2011 through July, 2023 Mohammad Reza Nikfar was Radio Zamaneh’s editor-in-chief. He continues to work closely with Radio Zameneh, and to write and teach.].
2. Jürgen Habermas is a prominent 20th century social-political theorist. For decades he has been a major figure in the Frankfurt School, which is known for revising the revolutionary heart out of socialism. One of his most widely read books is The Structural Transformation of the Public Sphere: An Inquiry into a Category of Bourgeois Society, a detailed social history of the development of the bourgeois public sphere from its origins in the 18th century salons up through modern, capital-driven mass media. His writings have been translated into more than 40 languages. Sources: Wikipedia and Library of Congress. [footnote added by translators]
3. Website Critique of Political Economy "belonging, not belonging," Nikfar, Mohammad Reza.
4. Bob Avakian: "To review: Marx said specifically the dictatorship of the proletariat is the transition to the abolition of all class distinctions, of all the production relations on which those class distinctions rest, of all the social relations that correspond to those production relations, and the revolutionization of all the ideas that correspond to those social relations."
5. Frederic Jamison is a "Western" Marxist, in the tradition of the Frankfurt School. He is best known for his critique of post-modernism, Postmodernism, or, The Cultural Logic of Late Capitalism (1991) and his research on critical theory. https://en.wikipedia.org/wiki/ [footnote added by translators]
6. “In Defense of Social Policy of the Social Democratic Welfare State” by Mehrdad Darvishpour, 2022. [Darvishpour is an Iranian-Swedish sociologist, and a Stockholm activist.)]
7. https://www.youtube.com/watch?v=14s95RjRjE&list=PLWDzMTmOOMFr3gwPQg5KTLP_Qd2bgRD6L, 09 May 2023.
8. Agnes Heller, [quoted in Democracy: Can t We Do Better Than That? Chapter 6: “Bourgeois Socialism and Bourgeois Democracy.”] Bob Avakian, 1986.
9. Ibid.
10. The Open Society and Its Enemies, Karl Popper, 1945. Its Persian translation by Ezatollah Fouladvand was published in 2005.
11. Avakian. “Making Revolution and Emancipating Humanity, Part 1.” In the section titled “Marxism as a Science—Refuting Karl Popper: Marxism’s falsifiability, Popper’s falsehoods, and a scientific approach.” 2007.
12. The Open Society and Its Enemies, Volume II in English pp. 124-125.
13. "Capital is a social relation and process whose essence is the domination of labor power by alien, antagonistic interests and the reproduction and expanded reproduction of that relation. The most fundamental law of the capitalist mode of production is the law of value and production of surplus value. The most important production relation of capitalism is the relation of capital to labor. And exploitation of wage-labor is the basis of the creation and appropriation of surplus value." From "On the Driving Force of Anarchy and the Dynamics of Change—A Sharp Debate and Urgent Polemic: The Struggle for a Radically Different World and the Struggle for a Scientific Approach to Reality," by Raymond Lotta [footnote by translators]




الديمقراطيّة التحريفيّة : إشتراكيّة في الإسم و رأسماليّة في الجوهر ( 5 )
من آتاش/ شعلة عدد 147 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 839 ، 5 فيفري 2024
https://revcom.us/en/reality-communismrevisionist-democracy-socialism-name-capitalism-essence

ملاحظة الناشر : نُشر المقال أدناه في مجلّة آتاش / شعلة عدد 147 ، فيفري 2024 بموقع أنترنت cpimlm.org . ترجمه إلى اللغة الأنجليزيّة متطوّعون من revcom.us . و الكلمات / الجمل الواردة بين معقّفين و بعض الهوامش ، اضافها المرتجمون من أجل المزيد من الوضوح . و قد نُشر الجزء1 و الجزء 2 و الجزء 3 و الجزء 4 سابقا على موقع أنترنت revcom.us .
-----------------------------------
في الجزء الرابع كتبنا عن الديمقراطيّة الإشتراكيّة و دولة الرفاه ، وهو شكل من أشكال الديمقراطيّة البرجوازيّة سائد في البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة في أوروبا الشماليّة . و غليه يجب أن نضيف " الديمقراطيّة التحريفيّة " التي كانت شكل الحكم في بلدان حيث وُجدت ثورات شيوعيّة و إشتراكيّة – تمّ الإنقلاب عليها لاحقا و أعيد تركيز الرأسماليّة فيها . و مثالان بارزان لذلك هما شكل حكم الدولة في الإتّحاد السوفياتي في الفترة بين إعادة تركيز الرأسماليّة سنة 1956 و إنهيار الإتّحاد السوفياتي سنة 1991 ، ، و شكل حكم الدولة في الصين من فترة إعادة تركيز الرأسماليّة سنة 1976 إلى اليوم . (1)
قبل إعادة تركيز الرأسماليّة و تحوّل البلدان إيّاهما إلى بلدين رأسماليّين – إمبرياليّين ، كان لكليهما تاريخ حكم إشتراكي ( دكتاتوريّة / ديمقراطيّة بروليتاريّة 9 . و لمّا أصبحا بلدين رأسماليّين ، تغيّر المضمون الطبقيّ للدولة و شكل [ الحكم ] . لكن نظرا لتاخيهما الإشتراكي ، أعادا تصميم بعض مظاهر العهد الإشتراكي ضمن النظام الرأسمالي الجديد و الضرورة التي يواجهها . لهذا " الديمقراطيّة التحريفيّة " هي الإسم الأنسب لهذا النموذج .
و تحاول هذه الديمقراطيّات التحريفيّة ، وهي تشبه كثيرا في ذلك الديمقراطيّات الإشتراكية ، أن تصوّر نفسها على أنّها مختلفة عن الديمقراطيّات البرجوازيّة من النوع السائد في الولايات المتّحدة . و بالفعل ، لديها [فعلا ] بعض الإختلافات معها . غير أ،ّ ما يجعل من المهمّ تفحّص هذا النموذج ليس مجرّد تجربة الإتّحاد السوفياتي و الصين . فهذا النموذج الملهم لتيّارات " يساريّة " حول العالم ، و في إيران ، و حتّى لبعض الأحزاب التي تحمل في إسمها نعت " الشيوعي " – و بعض ذلك سيجرى نقاشه أدناه . و في هذا المقال ، نتفحّص الإختلافات بين الديمقراطيّة التحريفيّة و الأصناف الأخرى من الديمقراطيّة البرجوازيّة ، و في النهاية ما يتقاسمونه في كيفيّة ممارسة الدكتاتوريّة البرجوازيّة .
اليوم يقع الترويج إلى الديمقاطيّة التحريفيّة التي إرتُئيت في وقت ما أساسا إنطلاقا من نظريّة و ممارسة المدافعين عن الإمبرياليّة الإشتراكية السوفياتيّة ( عقب 1956) ، من قبل المدافعين عن الصين الرأسماليّة – الإمبرياليّة على أنّها " ديمقراطيّة إشتراكيّة بمميّزات صينيّة " . و لهذه الديمقراطيّات التحريفيّة إختلافات بديهيّة مع نموذج الولايات المتّحدة . فعلى سبيل المثال ، تفتقد الديمقراطيّة التحريفيّة السوفياتيّة إلى أيّ صناعة قرار مؤسّساتيّة من طرف الجماهير ، مثل الانتخابات [ الخدعة ] بالولايات المتحدة . و في الصين اليوم ، التعبيرات الجماهيريّة عن الغضب بصدد الحرّيات المدنيّة يرجّح أن تكون أقلّ ممّا هي عليه في أوروبا و الولايات المتّحدة ، رغم واقع أنّه في دستور جمهوريّة الصين الشعبيّة ( الفصل 35 ) ، يُعترف بحرّية تعبير المواطنين و الصحافة و الاجتماع و المسيرات و المظاهرات إعترافا رسميّا .
و مشيرين إلى هذه الإختلافات ، يمحيها معارضون لهذه [ الديمقراطيّات التحريفيّة ] و يضعونها خارج إطار الديمقراطيّة . و في الأثناء ، بالعكس ، مقترحاتهم تراها على أنّها أكثر ديمقراطيّة من الديمقراطيّات " الغربيّة " . كلا الجانبان يخفقان في بلوغ جوهر هذه الدول [ التحريفيّة السوفياتيّة و الصينيّة ] و ديمقراطيّاتها . و ب" جوهر " نقصد أنّه قبل إنهيار سنة 1990، كانت للاتحاد السوفياتي ميزات دولة رأسماليّة إمبرياليّة ، وإثر الإنهيار ببساطة لم يفعل سوى إستبعاد قناع " الإشتراكي ". و اليوم ، روسيا هي الوريث الرئيسي لذلك البلد الرأسمالي – الإمبرياليّ . و على الرغم من واقع أنّ شكل الدولة الصينيّة يتباين مع الأشكال في البلدان الرأسماليّة – افمبرياليّة كما هي في الولايات المتّحدة و أوروبا الغربيّة ، " جوهر " ها هو ذات جوهر البلد الرأسمالي – الإمبرياليّ .
يجب أن نشير إلى أنّ أسباب الإختلافات هي بالفعل أنّ البلدان الرأسماليّة – الإمبرياليّة تتقاسم بدرجة أكبر نهب العالم الثالث و هكذا لديها " حريّة " أكبر في منح المزيد من الحقوق للمواطنين ، و كذلك الإختلافات التاريخية ( الطريق الذى أنتج المؤسّات الديمقراطيّة البرجوازيّة كالإنتخابات و المجتمع المدني في أوروبا . و تختلف التطوّرات في الولايات المتّحدة عن تلك التطوّرات التاريخيّة في روسيا و الصين ). و تروّج الديمقراطيّات التحريفيّة لتفوّقها معتبرة أنّ العمّال و الجماهير يُجلبون إلى المشاركة في إدارة الحياة الإجتماعيّة و الإقتصاديّة إلى درجة أوسع بكثير ممّا يحصل في الغرب . و هذا ، يقولون ، يعود إلى أنّ " في الصين ، الديمقراطيّة الإنتخابيّة تمضى اليد في اليد مع مجلس الديمقراطيّة :. و حينما يُحيل الإمبرياليّون الصينيّون على " الديمقراطيّة الإنتخابيّة " ، فإنّهم يقصدون إنتخاباتهم القوميّة – حيث يصوّت مليار إنسان مباشرة لإنتخاب ما يقارب 2.6 مليون نائب ل " المجلس الوطني الشعبيّ " أو المجلس التشريعي ، و يحيل " مجلس الديمقراطية " على مؤسّسة " ندوة مجالس الشعب الصينيّ " .
و يُزعم أيضا أنّه إلى جانب هذه الانتخابات ، هناك " ديمقراطيّة حكومة الأخيار " . فحسب دانيال أ. بال ، في كتابه " نموذج الصين " (2) ، لا يعانى هذا النموذج من نقاط ضعف ديمقراطيّة " لكلّ فرد صوت " ما يجعل منه أخلاقيّا مرغوبا أكثر و سياسيّا أكثر إستقرارا ! ثمّ يحلّل سيرورة الانتخابات الأكثر " ديمقراطيّة" بكثير ، مثلا ، إنتخاب السكرتير العام للجنة المركزيّة للحزب الشيوعي ( لنقرأ " الحزب الشيوعي للرأسماليّين الإمبرياليّين المتقنّعين بقناع الشيوعيّة " في الصين ) ، و الذى يتمثّل في عدّة خطوات : صوت [ للمترشّحين ] من قبل المسؤولين في الرتب الأدنى ، و إمتحان مكتوب مراقب علنيّا يتضمّن أسئلة حول اٌقتصاد السياسي و الفلسفة السياسيّة ، و إمتحان شفاهي بحضور كوادر السكريتاريّة العامة ومجموعة أعضائها و مراقبة سجلّ المترشّح بحثا عن أيّ علامة فساد . و يُتّخذ القرار النهائيّ بتصويت لجنة من 12 وزيرا. و حسب بال ، كلّ هذا يضمن أنّ الذين يتمّ إنتخابهم ديمقراطيّا يستحقّون المسؤوليّات التي إنتُخبوا من أجلها لكن في الديمقراطيّات الغربيّة – التي تعتبر نفسها نقيض الديمقراطيّة الأوتوقراطيّة الروسيّة والصينيّة – هكذا سيرورة غير موجودة. و طبعا ، هذا الزعم غير صحيح كذلك . في الدول الإمبرياليّة الغربيّة ، بالضبط كما في جميع الديمقراطيّات / الدكتاتوريّات البرجوازيّة ، الأفراد الذين يلتحقون بأجهزة الدولة و الأمن و الجيش على المستويات المحلّية و الوطنيّة يجب أن يشقّوا طريقهم عبر قنوات التدريب و الإختبار طوال سنوات . و بعد بلوغ مستوى معيّنا ، إن كانوا ليتصرّفوا عكس ما تمليه المبادئ الجوهريّة للنظام الأسمالي و سيره ، سيلفظهم النظام .
و هكذا ، المضمون الطبقي لكلا الشكلين – الديمقراطيّة البرجوازيّة و الديمقراطيّة التحريفيّة – دكتاتوريّة برجوازيّة . و يعمل الصينيّون و الصينيّات في ظلّ ظروف قاسية من العبوديّة المأجورة ، ليراكموا الثروات للرأسماليّين الصينيّين و شركائهم العالميّين . و البنية الإقتصاديّة الصينيّة إستغلاليّة ليس بالمعنى العام فقط ( تملّك رأسمالي لفائض القيمة ) . فظروف " أقصى الإستغلال " [ في معامل هشّة ] المميّز لبلدان " العالم الثالث " موجودة على نطاق واسع في الصين . و فضلا عن ذلك ، الصين بلد رأسمالي – إمبريالي يمارس إستغلالا و نهبا وحشيّين عبر قارات ثلاث (آسيا و أفريقيا و أمريكا اللاتينيّة )، من أندونيسيا إلى الفيتنام و مصر و إيران و باكستان ...إلى نيجيريا و الكنغو و فنزويلا و كولمبيا إلخ.
الديمقراطيّة الصينيّة ، شأنها في ذلك شأن كافة الديمقراطيّات ، ديمقراطيّة للطبقة الرأسماليّة و دكتاتوريّة ضد الذين تضطهدهم الطبقة الرأسماليّة و تستغلّهم . ما هو مختلف بشأن ديمقراطيّة الصين هو أنّ حكّامها يخفون طابعها الأساسي في غلاف من الماضي الإشتراكي الصيني . لكن طبيعتها الحقيقيّة واضحة تماما في دستور جمهوريّة الصين الشعبيّة ، الفصل 13 ، الذى ينصّ على : حقوق المواطن القانونيّة في الملكيّة الخاصة لا يمكن إنتهاكها .
و من هنا ، على عكس العقيدة الشعبيّة ، لا تؤمن البرجوازيّة الصينيّة بالديمقراطيّة ، ليس أكثر و ليس أقلّ من نظرائها و منافسيها في الغرب . لكن إعتبارا لحاجتها و تاريخها الخاصين ، تستعمل شكلا خاصا من الديمقراطيّة التي تجعل من الممكن أكثر بالنسبة لها أن تمارس دكتاتوريّة الطبقة الرأسماليّة ( دكتاتوريّة البرجوازيّة ) في ظروفها الخاصة .
و في الإتّحاد السوفياتي ، إثر إعادة تركيز الرأسماليّة (1956) ، كانت البرجوازيّة الإمبرياليّة غير قادرة على منح العمّال الروس نفس مستوى الأجور التي يتلقّاها العمّال في الولايات المتّحدة و البلدان الإمبرياليّة في الغرب بنفس قدر الفسحة للإبتعاد عن الخطّ الرسميّ ، أو بقدر دعه يعمل للمشاريع الصغرى . و بدلا من ذلك ، شدّدوا على التشغيل مدى الحياة و الرعاية الصحّية و تلبية الحاجيات الحياتيّة ألساسيّة ، و " مشاركة " الجماهير الشعبيّة في تسيير الاقتصاد و الحياة الإجتماعيّة ، خاصة من خلال جهاز النقابات الذى كان هو نفسه يسير كجزء من جهاز الدولة ،و الإبقاء على العمّال على الخطّ . و كذلك هناك حكم ذاتي لحكومات الجمهوريّات الآسيويّة [ ضمن إتّحاد الجمهوريّات الإشتراكيّة السوفياتيّة السابق ] إلخ . جميع هذه الإختلافات كانت و لا تزال تُستخدم من المدافعين عن الإمبرياليّة الإشتراكيّة السوفياتيّة كدليل على تفوّق الديمقراطيّة التحريفيّة على الديمقراطيّة البرجوازيّة . و في إيران بوجه خاص ، يشمل هذا [ كلاّ من اللاثوري ] حزب توده و فدائيّى خلق ( الأغلبيّة ) و المجموعات و الأفراد المنحدرين منهم .
عند تفحّص النموذج السوفياتي للديمقراطيّة التحريفيّة ، نظر بوب أفاكيان في بحث من البحوث الكبرى السوفياتيّة الحامل لعنوان " الإقتصاد السياسي للثورة " و فصله المفرد للديمقراطيّة . و مؤلّف ذلك البحث ك. زارودوف ، كتب " يزعم الإيديولوجيّون البرجوازيّون أنّ إعادة بناء الإشتراكيّة ليس شيئا آخر أكثر من نقيض للديمقراطيّة . و بكافة الوسائل الصحيحة و المخادعة ، يقلّصون و حتّى يستبعدون الدور الذى تنهض به قوى ثوريّة للطبقة العاملة ، قتال الشيوعيّين لممارسة وتوسيع الحقوق الديمقراطيّة للناس و الحرّيات " .(3) ( التشديد من آتاش )
و بالنسبة إلى هذا الكاتب – مثل المنظّرين التحريفيّن السوفيات بصورة عامة – الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة ببساطة تأكيد تام للديمقاطيّة في ظلّ الرأسماليّة و توسيع لها . و بدلا من بيان الحدود التاريخيّة للديمقراطيّة البرجوازيّة و مُثلها العليا ( كما جرى نقاش ذلك في مقالات سابقة ) ، يريدون التصرّف كأبطال حقيقيّين لهذه المُثُل العليا و أن يجعلوها تدوم إلى الأبد.
و يعكس حزب " اليسار " فى إيران - وهو متكوّن من وحدة بين فدائيّى خلق ( الأغلبيّة ) ، و منظّمة فدائيّى الشعبالمتّحدة في إيران – (4) و نشطاء يساريّين آخرين – يعكس تماما هذا الموقف في وثائقه . و من ذلك ، كتب حزب " اليسار " أنّ " الإشتراكيّة متداخلة مع الديمقراطيّة " و من ثمّة يعتبر مهمّته هي " تعميق الحكم الذاتي و الإدارة الذاتيّة ". و في وثائق هذا الحزب ، نشاهد أنّ الإشتراكيّة قد قُلّصت إلى سلسلة من " القيم الإشتراكيّة " ، و هذه القيم ليست شيئا أكثر من القيم المجمّعة في النظام الرأسمالي :
" بما في ذلك السلام و الحرّية و المساواة و العدالة الإجتماعيّة و التضامن و الديمقراطيّة و المساواة في الحقوق للنساء و لى ... و قيم أخرى تدافع عن حقوق الإنسان ، و إعادة التوزيع الديمقراطيّة إلخ ".
وتُلصق أحزاب المعارضة البرجوازيّة للجمهوريّة الإسلاميّة بما فيها تيّار بهلوي[ رضا بهلوي الموالي للولايات المتّحدة ]، معا تقريبا هذه الكلمات كأهداف " بديلة " ، دون التصريح بنمط الإنتاج الذى سيشكّل البنية التحتيّة الكامنة : نمط الإنتاج الرأسمالي أو الإشتراكي .
و حيث يتحدّثون عن الاقتصاد ، مثلهم مثل جميع المنظّرين البرجوازيّين ، يتحدّثون عن الأشكال و الصيغ دون توضيح المضمون الطبقيّ لهذا الاقتصاد . مثلا ، كتب حزب " اليسار " : " الاقتصاد المختلط – الدولة و التعاونيّات و الخاص – هو الشكل المناسب لتنظيم النظام الاقتصادي للبلاد " . (5) لكن خليطا من كلّ هذه الأشكال يُوجد بعدُ في كلّ البلدان الرأسماليّة الإمبرياليّة و الرأسماليّة التابعة ،مثل إيران و تركيا إلخ .
كلّ هذه الحيل يُقصد منها أنّه لأجل الحصول على أفعتراف الرسميّ ، سنبقى في حدود الرأسماليّة ، و نعترف بالحقوق المتساوية في ظلّ راية " الإشتراكية الديمقراطيّة " على أساس الإستغلال – الذى هو في القلب من اللامساواة العميقة و الواسعة الإنتشار في مجتمعات اليوم ، و يولّد بطريق الحتم لامساواة إجتماعيّة عميقة . هذه إشتراكيّة زائفة !
الإشتراكيّة الحقيقيّة تُفرزها ثورة تُطيح بالدولة الرأسماليّة بكلّ أشكالها ( الديمقراطيّة الليبراليّة و الديمقراطيّة الإشتراكيّة و الديمقراطيّة التحريفيّة و الديمقراطيذة الإسلاميّة إلخ ، و ترسى دولة هدف وجودها هو إلغاء كلّ الإختلافات الطبقيّة و إلغاء كلّ علاقات الإنتاج التي تنتج هذه الإختلافات الطبقيّة ، و إلغاء كلّ العلاقات الاجتماعية المناسبة لعلاقات الإنتاج الرأسماليّة ، و إلغاء كلّ الأفكار التي تخدم حكم الطبقات المستغِلّة [ " الكلّ الأربعة " ] ، لأجل فسح الطريق للإنسانيّة قاطبة بأنّ تتقدّم بإتّجاه المجتمع الشيوعي العالمي ، و في نهاية المطاف ، وضع الدولة نفسها ( الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة ) في متحف التاريخ .
توجد الديمقراطيّة الإشتراكيّة لتخدم هذا التوجّه ، على وجه التحديد إلغاء " الكلّ الأربعة " المشار إليها للتوّ ، و لبلوغ هذه الأهداف ستمارس دكتاتوريّة ضد سيرورة إعادة تركيز الدكتاتوريّة الرأسماليّة . و على هذا النحو ، الدولة الإشتراكيّة و آن معا ديمقراطيّة و دكتاتوريّة طبقيّة . و بالتحديد هذا التوجّه المعيّن في الحفاظ على الطابع الإشتراكي للمجتمع ، و ليست " الممارسة الأتمّ و توسيع الحقوق و الديمقراطيّة " ، كما يزعم حزب " اليسار " و الأب الروحي لهذه السيورة كنظريّة ، ك. زرودوف .
و زارودوف و عديد المدافعين الآخرين عن الديمقراطيّة التحريفيّة يسعون إلى دمج شيئين بالفعل مترابطين في صراع بينهما . و يشرح [ القائد الثوريّ] بوب أفاكيان أنّ هناك وحدة بين الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة الإشتراكيّة و التقدّم صوب الشيوعيّة ( حيث لن يكون هناك حكم طبقيّ و لن تكون هناك ديمقراطية / دكتاتوريّة ). هناك وحدة إلاّ أنّها وحدة أضداد . و فى نهاية التحليل ، المظهر الأهمّ لهذه العلاقة هو الصراع بينها ، يجب على أفشتراكيّة أن تتحرّك بإتّجاه تركيز الشيوعيّة ( و لا يمكن لهذا أن يتحقّق إلاّ على الصعيد العالمي ) و " إضمحلال " الدولة ( حتّى الدولة الإشتراكيّة ) . و يتطلّب هذا إجتثاث كلّ الظروف الماديّة و السياسيّة و الإيديولوجيّة التي تجعل من الإستغلال و الإنقسام الطبقي ممكنين في العالم و أيضا وُجود الدول ( كلّ من الدول البرجوازيّة و الدول الإشتراكيّة ) ممكنين .
و من الجلي أنّه ما من حاجة إلى أية دولة يعنى كذلك لا حاجة إلى الديمقراطيّة ، و أنّ إجتثاث كلّ ظروف تقسيم المجتمع إلى طبقات سيُفضى إلى " إضمحلال " الديمقراطيّة نفسها . و هذا ليس هدفا يمكن تحقيقه ب " دمقرطة ظروف العمل " أو بتوسيع الحقوق الديمقراطيّة .
هوامش المقال :
1. The Soviet -union- was a real socialist society from 1917 when Lenin led the first communist revolution, and China was a true socialist country from 1949 when Mao led the communist revolution there. For more, see the Interview with Raymond Lotta at revcom.us, “You Don t Know What You Think You ‘Know’ About... The Communist Revolution and the REAL Path to Emancipation: Its History and Our Future.”
2. The China Model: Political Meritocracy and the-limit-s of Democracy, Daniel A. Bell, 2016
3. K. Zarodov, The Political Economy of Revolution (Moscow: Progress Publishers, 1981), as quoted by Bob Avakian in Democracy, Can’t We Do Better Than That? (Banner Press, 1986, pages 155-157).
4. The United People s Fedayeen Organization in Iran is another of many factions of the original “Organization of Iranian People s Fadai Guerrillas” which existed from 1971 until 1980.
5. Charter of the Left Party of Iran (Fadaiyan Khalq)











الديمقراطيّة : الكليانيّة مقياس لا يمكن أن يقيس الواقع ( 6 )
من آتاش / شعلة عدد 148 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيثراني ( الماركسي - اللينينيّ – الماويّ ) – 5 مارس 2024
جريدة " الثورة " عدد 845 ، 18 مارس 2024
www.revcom.us

ملاحظة الناشر : نُشر المقال أدناه بالفارسيّة في آتاش / شعلة عدد 148 ، مارس 2024 على موقع انترننت
cpimlm.org و ترجمه إلى النجليزيّة متطوّعون من موقع revcom.us . و الكلمات و الجمل بين معقّفين و بعض الهوامش أضافها المرتجمون لمزيد الوضوح . و قد نشر الجزء 1 و الجزء 2 و الجزء 3 و الجزء 4 و الجزء 5 كذلك على موقع revcom.us .
و المصدر الأساسي لسلسلة المقالات هذه هو كتاب بوب أفاكيان " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " و أعماله الأخرى حول الديمقراطية / الدكتاتوريّة .
-----------------------------------
من أكثر المفاهيم إستعمالا و شعبيّة في الساحة السياسيّة الإيرانية اليوم مفهوم " الكليانيّة " وهي نظريّة طوّرتها هانا آرندت . و هذا المفهوم يُستخدم اليوم في صفوف القوى المعارضة اليمينيّة منها و اليساريّة ، و إن كان بمقاربة و فهم متباينين ، لوصف جمهوريّة إيران الإسلاميّة . و معظم ذوى النوايا الحسنة عادة ما يتبنّون أنّ الكليانيّة شكل متطرّف من الطغيان و الإستبداد حيث الدولة تتحكّم في المجتمع إلى أكثر المظاهر الشخصيّة لحياة الفرد . لكن البعض يستخدمون عمدا هذا السلاح الإيديولوجي لتشويه الحلّ الراديكالي الوحيد الذى ظهر خارج إطار النظام الرأسمالي – الإمبريالي ( أي الثورة الشيوعيّة ). و يحدّدون البدائل الوحيدة والثقافيّة على أنّها " الديمقراطيّة " ( بما فيها الأوتوقراطيّات البرجوازيّة " الجيّدة ")مقابل الكليانيّة في حين أنّ الخيار الحقيقي هو بين نوعين مختلفين من المستقبل . إمّا تأبيد هذا النظام ذاته الرأسمالي الإضطهادي و الإستغلالي بكافة الفظائع التي يُنزلها بغالبيّة شعوب العالم ، و اليوم ، - من خلال تدمير البيئة و الحرب النوويّة [ المهدّدة ] للحياة على كوكب الأرض و لكافة الإنسانيّة – مقابل التخلّص من هذا النظام و تركيز صنف مختلف جوهريّا من الدول ( ديمقراطيّة دكتاتوريّة طبقيّة ) لأجل التحرّك بإتّجاه عالم خال من الملكيّة الفرديّة لوسائل الإنتاج و من الإختلافات الطبقيّة و الإجتماعيّة ، و [ ما من حاجة فيه ] إلى دولة .
و بالتالى ، من المهمّ أن نلقي نظرة عن كثب على مفهوم أو نظريّة الكليانيّة رغم أنّه ن العسير أن نسمّيها نظريّة نظرا لفقدانها للمنطق و الإنسجام الداخليّين ، لفهم ليس كيف يُستخدم المصطلح و تحليله للمشكل الذى تمثّله جمهوريّة إيران الإسلاميّة و ما تقوله إنّه من الواجب القيام به لمعالجة المشكل فحسب ذلك أنّه إن كان المشكل هو أنّ جمهوريّة إيران الإسلاميّة كليانيّة ، ، سيكون الحلّ إنشاء " ديمقراطيّة جديدة " تتقدّم بها و تواصل التقدّم بها مرارا و تكرارا مروحة عريضة من المعارضة . لكن إن كان تحليلنا لطبيعة جمهوريّة إيران الإسلاميّة منسجما مع الواقع ، سنعترف بأنّها ليست مجرّد دولة فاشيذة تيوقراطيّة بل كذلك هي مترابطة تمام الترابط ببنية تحتيّة رأسماليّة متشابكة مع النظام الرأسمالي الإمبريالي العالمي. و من هنا ، لا يمكن للحلّ أن يكون أقلّ من الإطاحة بجمهوريّة إيران الإسلاميّة ، بهدف تركيز دولة و مجتمع إشتراكيّين . لذا لنلقى نظرة على ما هي الكليانيّة و لماذا مشكلنا مشكلنا مع نظام جمهوريّة إيران الإسلاميّة ليس شيئا يسمّى الكليانيّة .
أي مفهوم أو نظريّة بما فيها الكليانيّة لا يمكن فهمه دون أن نأخذ بعين الإعتبار الإطار الاجتماعي التاريخي و العالمي الذى ظهر فيه . لذا ، يجب أن تكون واضحة لدينا هتين النقطتين : 1- الفترة [ التاريخيّة ] التي تطوّرت فيها هذه النظريّة ، و 2- أنّ هذه النظريّة تشويه للواقع يخدم مصالح طبقة معيّنة و أهدافها السياسيّة الخاصة . و فضلا عن ذلك ، لم توجد قط دولة يمكن تفسير وجودها ب " الكليانيّة " . فجميع نماذج الدول المدّعى أنّها كليانيّة كانت في الواقع إمّا دولا من أنواع متباينة ضمن الأنظمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة – فاشيّة كانت أم أوتوقراطيّة بقناع إشتراكي – و إمّا دولا إشتراكيّة حقيقيّة ( الإتذحاد السوفياتي بين 1917 و 1956 ؛ و الصين بين 1949 و 1976 ).
و إليكم كيف وصف [ القائد الثوري ] بوب أفاكيان المضمون الحقيقي و الدور السياسي لنظريّة الكليانيّة :
" تطوّرت هذه النظريّة في إطار الحرب العالميّة الثانية بما في ذلك أحداث أواخر الثلاثينات وصولا إلى تلك الحرب و فوق كلّ شيء الوضع الذى نشأ بعدها . لم يقع الترويج لهذه النظريّة على نطاق واسع ( و لم يكن الإتّحاد السوفياتي مستهدفا بذات الطريقة التي يستهدف بها الآن ) خلال فترة 1941-1945 حينما كان الإتّحاد السوفياتي [ الإشتراكي ] متحالفا مع " الديمقراطيّات الغربيّة " ضد الحلف الفاشيّ ( أي ألمانيا و إيطاليا و الإمبرياليّة اليابانيّة و حلفاؤهم ). و بعد الحرب ، تمّ تخصيب هذه النظريّة و الترويج لها بشكل تام . فالإتّحاد السوفياتي – و ما كان حينها معسكرا إشتراكيّا كبيرا بإمكانيّات كبيرة تحت قيادته - قد ظهر كنقيض معادي للإمبرياليّة في الغرب . ( و صار الحال كذلك و أصبح يُنظر إلى هذا المعسكر على أنّه غاية في الخطورة ، عقب إنتصار الثورة الصينيّة سنة 1949 ) ." (1)
و من ثمّة ، في ثمانينات القرن العشرين لمّا أضحت الكتلة الإمبرياليّة – الإشتراكيّة السوفياتيّة منافسا جدّيا للإمبرياليّين الغربيّين ، مفهوم ( أو تُهمة ) الكليانيّة أمست من الأسلحة الإيديولوجيّة الأساسيّة في ذخيرة الإمبرياليّة الغربيّة التي وظذفتها في هذا النزاع . و إلى ألان ، كلّما إحتدم النزاع [ بين الإمبرياليّين ] – مثلا ، في الحرب بين روسيا و حلف الناتو في أوكرانيا – يبرّرون عمليّاتهم بهذا السلاح الإيديولوجي [ الكليانيّة ].
و تقدّم الكليانيّة نفسها ك " مقياس " جديد يمضى أبعد من التمييز بين اليسار و اليمين .و بالفعل ليست آرندت فريدة من نوعها في [ رفضها ] الإعتراف بهذه الإختلافات الجوهريّة . إنّها تُعوّل على بعض أوجه الشبه السطحيّة بين ألمانيا الهتلريّة و الإتّحاد السوفياتي في ظلّ قيادة ستالين لتخلق " النظريذة الجديدة للدولة " . فوفق آرندت ، ثمّة نوع جديد من الدول ، " الدولة الكليانيّة " التي ليست مختلفة عن الديمقراطيّة فقط و إنّما مختلفة بجلاء حتّى عن الدول الدكتاتوريّة ( الرجعيّة ، ألوتوقراطيّة إلخ التي وُجدت إلى حدّ الآن . و في هذه النظريّة الجديدة ، الدولة منفصلة عن الطبقات ، و عن التقسيم الاجتماعي الخاص الذى تمثّل الدولة إمتداا له ، و عن علاقات الإنتاج التي يجب على الدولة في نهاية المطاف أو أن تخدمها و تعيد إنتاجها .
" مقياس " الكليانيّة يوظّف للتسويق لكذبة كبيرة للغاية هي أنّ الحكومات الفاشيّة و الشيوعيّة هي نفسها (ّ!) و بالتوازي توظّف كتبرير للأنظمة العديدة التي ليست جدّ ديمقراطيّة في " العالم الحرّ " ضمن كتلة إمبرياليّة الولايات المتّحدة التي لا تعتبر كليانيّة (!) و على سبيل المثال ، بن سلمان [ محمّد ] عاهل المملكة العربيّة السعوديّة لا يُعتبر أبدا كليانيّا على الرغم من أنّه أمر بتقطيع أوصال جسد [جمال ] خاشغجى الناقد و الصحفيّ ! و كذلك الأمر مع إسرائيل ! ( رغم أنّ آراندت كانت ضد بعض الجرائم التي إرتكبتها الحكومة الإسرائيليّة ، لا هي و لا غيرها من المناهضين للكليانيّة قد نعتوا أبدا إسرائيل بالكليانيّة ) . و بطبيعة الحال ، هذا المقياس يخدم تجميل و حرف الإنتباه عن الطبيعة الإجراميّة للديمقاطيّات الإمبرياليّة الغربيّة . و بغضّ النظر عن مدى تداخلها مع العنصريّة و البطرياركيّة / النظام الأبوي / التفوّق الذكوري ، و التحريض على الحرب و تدمير البيئة حينما تواجه بشبح الشيوعيّة يجب علينا أن نركع لها !
و مفهوم الدولة ذاته مفهوم يفصل تمام الفصل بين البنية الفوقيّة السياسيّة و البنية التحتيّة الإقتصاديّة يستخدمه المثقّفون الإيرانيّون في تحاليلهم لجمهوريّة إيران الإسلاميّة لتقليصها إلى مجرّد نظام كلياني ، دون تجشّم عناء تفسير الإختلافات بين هذه النظام و الأنظمة الأخرى الرجعيّة و الإستبداديّة . ووفق وثائق حكومة الولايات التّحدة ، يبدو أنّه منذ أن أمضت جمهوريّة إيران الإسلاميّة إتّفاق 25 سنة مع الصين ، إعتبرتها كليانيّة . (2) قبل ذلك ، بالعودة إلى 1979 و قبلها ، كانوا يعاملون حكّام إيران كأكثر بقليل من إسلاميّين رجعيّين إقليميّين – أحيانا كحلفاء للولايات المتّحدةفى قتالها ضد التهديد الشيوعي .
و في المدة الأخيرة ، مقياس الكليانيّة هذا ليس غير دقيق فحسب بل هو كذلك يفتقر إلى القدرة على قياس الصفة الأساسيّة للدولة : أنّها دكتاتوريّة طبقة على طبقات أخرى . و مفهوم " الكليانيّة " ليس شيئا أكثر من أداة سياسيّة لرسم خطّ تمايز بين كتل أصدقاء الولايات المتّحدة و أعدائها .
لكن ، إلى جانب الأهداف السياسيّة الخاصة للكليانيّة التي لم يدركها الكثيرون ، لماذا هذا المفهوم غير منسجم عمليّا مع الواقع وهو بالتالى غير علميّ ؟
في موقع مركزي من كامل نظرة و منهج منظّرى مناهضة الكليانيّة ، توجد إعادة صقل و إعادة تأويل الأحداث حسب المفاهيم الماقبليّة لنظريّتهم . و هذه نظرة و منهجيّة قسريّين : أيّ شيء لا يتماشى مع النظريّة ، و أي حدث من أحداث تاريخ العالم لا يتطابق مع و لا يؤكّد مقدّمات هذه النظريّة ، يتمّ تحويره و بتره لينسجم معها . و يشبه هؤلاء المنظّرين تماما المتعصّبين بهذا الشأن كما يصوّر ذلك الكليانيّون في كتاباتهم . (3)
و على سبيل المثال ، آرندت تتساءل لماذا ساندت الجماهير الشعبيّة في ألمانيا ، و حتّى قسم من الأنتلجنسيا ، هتلر (و سؤال مشابه يُطرح حول مساندة الجماهير و المثقّفين للخميني [ آية الله علي الإيراني] في 1978 ). و بدلا من تفحّص الديناميكيّات الحقيقيّة لولادة الفاشيّة من رحم النظام الرأسمالي – كانت مترسّخة في هزيمة ألمانيا في الحرب العالميّة ألولى ، و الظروف المتبدّلة للناس في بلد إمبريالي مهزوم و أبعاد ذلك العديدة السياسيّة منها و الإجتماعيّة بما فيها محدوديّات قوى أخرى على مسرح الأحداث – توبّخ آرندت الجماهير ( " تحالف الغوغاء مع النخبة " ) و ماضية ضد كلّ الوقائع على العكس من ذلك، أعلنت نهاية الإمبرياليّة !
ثمّة الكثير من أوجه الشبه بين هذا و بين لعبة – التوبيخ المستهدفة للمعارضين ل [ثورة إيران ] سنة 1979 . و هناك الكثير منالتعقيد في تأثير عدّ عقود من حكم بهلوي [ الشاه محمّد رضا ] الموالي للغرب على حياة الشعب الإيراني ، و الوضع العالمي و القمع المحلّى ، و في نهاية المطاف سير النظام الرأسمالي الإمبريالي الذى أفرزت ديناميكيّته الداخليّة بدائلا رجعيّة كالأصوليّة الإسلاميّة . و اليسير جدّ إلصاق كلّ هذا بغباء الجماهير و المثقّفين ، و بكون الخميني كليانيّ !
كتبت آرندت :
" إنّنا بالفعل في نهاية عصر البرجوازيّة ، عصر الربح و السلطة ، و كذلك في نهاية الإمبرياليّة و التوسّع . عدوانيّة الكليانيّة لا تنبع من الرغبة فى السلطة و إن كانت تبحث بحماس عن التوسّع ، فهي تفعل ذلك ليس للتوسّع من أجل تحقيق الربح و إنّما فقط لأسباب إيديولوجيّة : جعل العالم منسجما للتدليل على حسّه العالي الخاص كان على صواب ". (4)
أساس هذه النظرية هو تحديدا أنّ للكليانيّة ديناميكيّتها الخاصة الفريدة وهي لا تسير وفق ديناميكيّة الإمبرياليّة ! لذا ، غاية في السوء بالنسبة لها ما يتّصل بوقائع الحرب العالميّة الثانية التي تبيّن أنّها خيضت في صفوف بلدان إمبرياليّة حول إعادة تقسيم العالم و بوجه خاص لكسب ميزات سيطرة على مناطق إستراتيجيّة . و علاوة على ذلك ، تستعمل الطبقة الرأسماليّة الحاكمة على الدوام الإيديولوجيا لتحكم و تبرّر أعمالها و لتوسّع مجالات نفوذها . و إمبرياليّة الولايات المتّحدة تلخّص هذه الممارسات خائضة الحروب و متدخّلة عسكريّا حول العالم باسم " تصدير الديمقراطيّة ". إن لم يكن هذا من أجل التوسّع و الربح ، إن كانت الإمبرياليّة قد إنتهت ، لماذا لا تستخلص آرندت و لا يستخلص آخرون من مدرسة فكرها أنّ الولايات المتّحدة دولة كليانيّة بسبب مثل هذه الرغبة في السلطة .
لكن بعض الناس ليس بوسعهم مجرّد رؤية أنذ مزاعم الكليانيّة في تناقض تام مع الواقع ، و أنّ في كلّ الحالات التي تطبّق فيها هذه النظريّة تكون متناقضة تمام التناقض ! و على سبيل المثال ، قال مهدى خلاجى إنّ الإمبرياليّة لم توجد قط في إيران ( و مع ذلك في هذه اللحظة بالذات ، توجد جمهوريّة إيران الإسلاميّة في إطار النظام الإمبريالي ). في رأي خلاجى، الدولة الشيعيّة ليست بالضرورة دولة كليانيّة ! و من هذا علينا أن نستخلص أنّ الدولة الوحيدة التي هي بالضرورة و بالتأكيد كلينيّة – و بالتالى وجب تجنّبها – هي الدولة الإشتراكيّة .
و فضلا عن المنهج غير العلميّ ، مظهر آخر للكليانية المعادية للعلم هو النظريّة الخاطئة بأنّطبيعة الإنسان غير قابلة للتغيّر. و تمضى آرندت بعيدا إلى حدّ إعتبار نظريّة داروين عن التطوّر غير صالحة ! و إستبعاد إمكانيّة تغيير تفكير الإنسان و سلوكه الاجتماعي هو في الواقع معرضة لإمكانيّة تغيير العالم – عالم مليئ بإستغلال و إضطهاد الإنسان للإنسان ، و علاقات عدائيّة بين الناس ، و الحروب المدمّرة – ما يؤدّى إلى القبول بكافة هذه الفظائع . حسب آرندت و أمثالها في إيران ، من توراج أتباكى إلى مهدى خلاجى و بهارا هدايات (5) " مشروع النظام الكلياني هو خلق " إنسان جديد " لكن ينتهى كلّ شيء إلى تحطيم كلّ شيء " و وفق آرندت ، ليس مشروع صنع " إنسان جديد " شيئا سيّئا وحسب و إنّما يُفضى تغيّر فكر الإنسان نتيجة تغيّر الظروف الخارجيّة إلى عدم الاستقرار و تضارب الأفكار اللذان تراهما كمظهر واضح من " الشخصيّة الكليانيّة " أو الذهنيّة الكليانيّة ! (6)
و الواقع هو أنّ النوع البشريّ قابل أيّما قبول للتأقلم [ و يمكن أن يتغيّر ي كما تتغيّر الظروف – و فوق كلّ شيء الأنظمة الإجتماعيّة . الناس قادرون على إنجاز تغييرات هائلة في نظرتهم و معتقداتهم و حتّى في مشاعرهم ... و بالنسبة إلى الذين لا مصلحة لديهم في الوضع القائم ، هذا تحريريّ للغاية . لكن بالنسبة لأمثال آرندت ، مجرّد محاولة التغيير تبعث فيهم الرعب . و يشمل هذا أيّ صنف من التغيير حتّى لبلوغ المساواة في الفرص و التعليم . كتبت آرندت :
" تجريبيّة / بوزيتيفيزم القرن التاسع عشر و الفكر التقدّميّ للقرن ذاته شوّها هذا الهدف ، هدف المساواة بين البشر عندما إنبريا لبيان ما لا يمكن بيانه ، على وجه التحديد ، أنّ البشر متساوون بطبيعتهم و مختلفون فقط بفعل التاريخ و الظروف ، كي تكمن المساواة بينهم ليس في الحقوق ، بل في الظروف و التعليم ." (7)
و ردّ بوب أفاكيان على ذلك قائلا :
" هنا تكشف آرندت الجوهر البرجوازي – و بالأخصّ الديمقراطي – البرجوازي – لنظرتها ، و في الوقت نفسه الجوهر الرجعيّ للمثل العليا الديمقاطيّة – البرجوازيّة في هذا العصر : مفهوم و التشديد على أنّ من جهة المساواة هي أعلى مبدأ لكن من الجهة الأخرى ، المساواة بين البشر ليست سوى مساواة في الحقوق . " (8)
و بالنسبة إلى مناهضى الكليانيّة ، لا يهمّ أنّه بالنسبة إلى جمهوريّة إيران الإسلاميّة " الإنسان الجديد " غارق في الدين و التفوّق الذكوري / البطرياركيّة ، و التراتبيّة الإجتماعيّة الإضطهاديّة و العلاقات الإقتصاديّة الإستغلاليّة – و أنّ الإنسان الذى يقع تغييره في المجتمع الإشتراكي المستقبلي يكره كلّ هذا ، و أنّ هذا التغيير جزء من تفكيك هذه العلاقات الإجتماعيّة اضطهاديّة و الإستغلاليّة و طرق تفكير عصور الظلمات المتناسبة معها . و كما وضع ذلك ماركس ، الظروف يغيّرها الإنسان و هذا يعنى أنّ الإنسان / الإنسانة يمكن أن يُغيّلر نفسه / أن تغيّر نفسها . و بالنبة إلى مناهضى الكليانيّة ، كلّ ما يهمّ هو أنّ الإنسان القديم – الفرد المتذرّر الذى أوجدته الرأسماليّة قبل بضعة مئات السنوات بإجتثاث الفلاّحين من الأرض و تحطيم المجتمعات الإقطاعيّة و مالك السلعة ( الذى يملك سلعة هي قوّة عمله ) – يجب أن يبقى ببساطة على الحال التي هو عليها ، بقمّة مساهمته في المجتع ، بإدلاء بصوت لقسم من الطبقة الحاكمة . لكن ترك الصوت نفسه يذهب إلى صالح كتلة فاشيّة من الطبقة الحاكمة مثل هتلر و ترامب أو أردوغان ، يُدخل مناهضة الكليانيّة في أزمة ، لذا ، يوبّخون الجماهير على سوء إستعمالها ل " حقّها في التصويت " .
للمفارقة ، حسب البعض و منهم خلاجى ، ما هو مفتاح في قتال الكليانيّة و " الإنسان الجديد " هو الإندفاع الذاتي و الوعي الذاتي ! هذا كما لو أنّ أولئك الذين تُطلق عليهم آرندت " المكتفين ذاتيّا و الفريدين " . يعيشون في فراغ و يمكنهم عن وعي أن يختاروا علاقاتهم الإجتماعيّة الخاصة و علاقات إنتاجهم ؛ كما لو كانوا يعيشون خارج أيّ نظام خاص سياسي و إيديولوجي و إقتصادي - إجتماعي بلا طبقة مهيمنة و لا إيديولوجيا حاكمة تؤثّر على المجتمع و تعطى توجّها لعفويّتهم . وفق خطّ التفكير هذا ، كل ما يوجد خارجهم أفراد منعزلون . بينما في ذات بلدان المثل الأعلى الديمقراطي – البرجوازي، أناس منذ النشأة تغمرهم بشكل ثابت و بإستمرار معلومات مشوّهة . و من خلال نظام تعليمهم الشامل و وسائل الإعلام ، و بغير ذلك من الوسائل يكذبون على الناس حول كافة المواضيع المهمّة في الأحداث السياسيّة الراهنة و الأحداث العالميّة و تاريخ العالم . و بصفة منهجيّة يغرسون في أذهان الجماهير نظرتهم الخاصة إلى العالم المضلّلة و المقلوبة رأسا على عقب . و ينجزون هذا ليس عبر ممارسات قصوويّة و غريبة كتلك المصوّرة في كتاب جورج أوروال ، " 1984 " ، و مجتمعه الكلياني[ الروائي ]، و إنّما من خلال السير " العادي " والديمقراطي للمجتمع والدولة الديمقراطيّين – البرجوازيّين.
و أحيانا ، يُستخدم مفهوم الكليانيّة إستخداما عشوائيّا بحيث يذهل آرندت ذاتها ، إن بلغ سمعها ذلك . فرضا كاظمزاده ، مثلا، يعتقد أنّ الحكومات الكليانيّة يتمّ إيجادها لقال الفرديّة و الحياة الخاصة . كتب : " في القرن الماضى ، كافة الأنظمة الكليانيّة كانت جماعيّة و أنظمة مجموعات موجذهة ... من الفاشيّة و النازيّة في أوروبا إلى " الديمقراطيّات الشعبيّة " في الإتّحاد السوفياتي و الصين الشيوعيّين . جميعها كانت تعتمد على مبدأ إعطاء الأولويّة إلى المصالح الجماعيّة على حساب حقوق الفرد . و على ما يبدو هناك صلة عضويّة بين المجموعة الموجّهة و الكليانيّة بحيث أنّه في الإيديولوجيا الرسميّة لهذه الأنظمة ، لا يجد الفرد معنى لحياته و لا يُعترف به رسميّا إلاّ في إطار المجموعة و الدور الموكل له ضمن المجموعة ". (10)
و تبيّن أساسيّات التاريخ الاجتماعي أنّ النزاع بين الفرد و المجتمع حاضر في كلّ أصناف المجتمعات لكن المشكل هو أن هذا التناقض يُصبح تناقضا عدائيّا في المجتمعات الطبقيّة كالمجتمع الرأسمالي ( لا يهمّ إن كانت الطبقة الحاكمة تحكم حكما فاشيّا أو حكما ديمقراطيّا ليبراليّا ) لأنّه في تقسيم العمل الاجتماعي القائم ، معظم المجتمع يجب أن يخدم مصالح طبقة الأقلّية التي تقف فوقهم و ضدّهم و ضد مصالحهم الجماعيّة . و بالعكس ، في المجتمع الإشتراكي ، الفرديّة و مواهب الفرد من هذه الأغلبيّة تزدهر أكثر بألف مرّة . لكن في ظلّ الرأسماليّة ، معظمالعمّال في المجتمع يعاملون ك " لا أحد " و غالبا كمجرّد " فائض [عمل ] " – وليس كبشر بأتمّ معنى الكلمة يملكون مواهبا مذهلة ، ما يتركنا بفقط هذه المصالح " الجماعية" و " الفرديّة " مقابل تلك المصالح " الجماعيّة " " الفرديّة " !
و بصدد موضوع كليانيّة جمهوريّة إيران الإسلاميّة ، كتب كاظمزاده ؛ " المنزل و الأسرة هما المكانان الوحيدان في مجتمعنا اللذان يقاومان بدرجة لها دلالتها تشكيلة من التدخّلات المباشرة و المستمرّة للحكومة " . هكذا ، الأسرة ! رغم واقع أنّه حّتى في إطار هذا النظام الرأسمالي ، عادة ما تكون الأسر تراتبيّة على نحو إقطاعي . و شؤون الأسرة أداة من أهمّ أدوات غرس إيديولوجيا الطبقة الحاكمة و التحكّم في و قمع قسم واسع من المجتمع – خاصة النساء و " فرديتهنّ " . و ليس لهذا صلة ب " عين الأخ الكبير " و كليانيّة جمهوريّة غيران الإسلاميّة . بالأحرى ، هذا جزء من كيف تسير كافة الدول في النظام الرأسمالي الإمبريالي ، أين علاقات التفوّق الذكوري / البطرياركيّة متجذّرة في الأسرة .
منتهى فرديّة آين راند لا يُنقذ مجتمعا من الكليانيّة . و بدلا من ذلك ، يقسّم المجتمع إلى ملايين الخلايا المتعادية و المتنافسة، كلّ منها ترى الأخرى عائقا لحرّيتها و إزدهارها الخاصين . و مثل هذه النظرة أساس الديمقراطيّة الليبراليّة و أساس تبريرها للنزاعات و الحروب الإمبرياليّة . وهي كذلك أساس الحلول الفاشيّة للقيام بالحرب ضد " الآخر " . و لا يمكن أن يوجد إلاّ إذا أغمضنا أعيننا على المصالح المشتركة للإنسانيّة جمعاء التي لها ، موضوعيّا ، القدرة على التقدّم إلى أبعد بعد من هذا النظام الإضطهادي و الإستغلالي .
الهوامش :
1. Bob Avakian. Democracy: Can t We Do Better Than That?, pgs. 170-171.
2. Iran and China, the Totalitarian Twins, U.S. Department of State, July 20, 2020.
3. Avakian. Democracy…., pg. 170.
4. Hannah Arendt, Totalitarianism, cited on pg. 175 of Avakian, Democracy….
5. See: https://www.youtube.com/watch?v=ulP09gkCt7g & https://www.youtube.com/watch?v=F6mlDBCTQ6o & https://iranwire.com/fa/features/124516-Bahareh-Hedayt-Ma-Liberalha-kajai-Midan-Bartanzi-Stadhayim/. See also Lilly Babayi and Somayeh Kargar, “On Which Side Of History Do We Stand?” RadioZamineh.com
6. Arendt, Totalitarianism, p. 39.
7. Arendt, Totalitarianism, p. 186.
8. Avakian, Democracy…, pgs. 186-187.
9. https://www.radiofarda.com/a/f3_privatelife_totalitarian_regime_Iran/2082829.html












ممارسة الديمقراطية ، ممارسة المساومة مع الوضع السائد ( 7 )
آتاش / شعلة عدد 149 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – الليسنيني – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 848 ، 7 أفريل 2024
https://revcom.us/

ملاحظة الناشر : المقال أدناه نُشر باللغة الفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 149 ، أفريل 2024 ، على موقع أنترنتcpimlm.org . و ترجمه إلى اللغة الأنجليزية متطوّعون من موقع أنترنت revcom.us .
و الكلمات و الجمل بين معقّفين أضافها المترجمون من أجل مزيد الوضوح . و الأجزاء 1 و2 و3 و4 و5 و6 نُشرت أيضا على موقع revcom.us .
و المصدر الأساسي لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب بوب أفاكيان ، " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا إنجاز أفضل من ذلك ؟ " (1986 ) و أعماله الأخرى عن الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
-----------------------------------------------------
بصفة متكرّرة تنتهى إلى مسامعنا شعارات " الإنتقال الديمقراطي " و " ممارسة الديمقراطية " صادرة عن مروحة واسعة من القوى ، في كلّ من المعارضة لجمهوريّة إيران الإسلاميّة و من أولئك ضمن نظام تلك الجمهوريّة . و نسمع أنّ " الديمقراطيّة ليست نقطة نهاية بل سيرورة " أو أنّ " الديمقراطيّة تتطلّب أناسا مارسوا الديمقراطيّة " . [ في فيفري 2024،] أنتج برنامج برغار التابع لقناة البى بى سى باللغة الفارسيّة " الإنتقال الديمقراطي " (1) وهو عبارة عن سلسلة من الموائد المستديرة التي ركّزت على عديد البلدان بما فيها الشيلي و ماليزيا و كوريا و تركيا . و يبدو أنّ هناك فرضيّة واسعة الإنتشار بأنّ " مشكلنا " في إيران هو أنّنا لم نمارس الديمقراطيّة . لذا يتثار المسألة على النحو التالي : كيف يمكن نا الإنتقال إلى الديمقراطيّة أو نتوصّل إلى ممارسة الديمقراطيّة ؟
في هذا المقال ، ستبيّن أنّ " الإنتقال الديمقراطي " مفهوم يعنى البلدان مثل إيران و التي تهيمن عليها البرجوازيّة الإمبرياليّة. و تأكيد أنّ بلدان جنوب الكوكب لا تزال في مرحلة " إنتقاليّة " أو مرحلة " ممارسة " الديمقراطيّة ، من جهة ، مسعى إلى تبرير اللاتكافئ في العالم و البون الشاسع بين البلدان الإمبرياليّة لشمال الكوكب و بلدان جنوب الكوكب . و من الجهة الأخرى ، يصوّلا التدخّلات الإمبرياليّة و تركيزها لحكومات إستبداديّة كجزء من هذا الإنتقال . و في هذا المقال ، سنتفحّص إقتصاد و سياسة هذه " الإنتقالات " و تاليا نعود إلى الفهم [ العلمي ] للطبيعة الجوهريّة لل"ديمقراطيّة " : ديمقراطيّة / دكتاتوريّة برجوازيّة أم ديمقراطية / دكتاتوريّة بروليتاريّة .
و من ميزات و عوامل الإنتقال الديمقراطي تقليص تدخّل الدولة في الاقتصاد أو تطوير إقتصاد " سوق حرّة " . فمثلا ، يقول [ الأستاذ ] محسن رناني ، " تحويل التحكّم في قوى السوق تطوير ديمقراطي . في معظم البلدان الديمقراطيّة نشاهد أنّ الحرّية الإقتصاديّة شرط ضروريّ للحرّية السياسيّة لكن العكس غير صحيح " (2). و كذلك يقول [ عالم الاقتصاد ] حسن منصور إنّ في الشيلي ، عبّدت السياسات الاقتصاديّة الليبراليّة الجديدة لبينوتشى و دكتاتوريّته العسكريّة الفاشيّة الطريق للديمقراطيّة ! و حتّى عقب رحيل بينوتشى [ عن طريق ] إستفتاء ، " شيكاغو بويز " ( علماء الاقتصاد الرأسماليّين الأمريكيّين المدرّبين ،) واصلوا ذات الاقتصاد في الشيلي طوال حكم حكومات ثلاثة متعاقبة . من جهة ، جلب هذا البرنامج نموّا إقتصاديّا هخاما للشيلي لفترة من الزمن . و من الجهة الأخرى، أفرزت عمليّة الخصخصة / الخوصصة الكبرى لامساواة إقتصاديّة مدهشة ، و كان لها تأثير سلبي طويل الأمد على الرعاية الصحّية و التعليم و التقاعد ، ما أفرز في النهاية أزمات إقتصاديّة . و في كوريا الجنوبيّة ، خوصصة [ المؤسّسات العموميّة ] و تطوير إقتصاد السوق الحرّة مع الإستثمار الأمريكي في ثمانينات القرن العشرين – إثر قتل الشيوعيّين و طرد كافة المعارضين تحت قناع قتال الشيوعيّة – يُقال أنّها مثّلت نقطة إنطلاق الإنتقال الديمقراطي ! و ما لا يُقال ، مع ذلك ، هو أنّ كوريا الجنوبيّة تحوّلت إلى بلد منتهى الإستقطاب الطبقي . حياة بعض الطفيليّين الأغنياء تقام على تحطيم حياة الكثيرين كما يصوّر ذلك تصويرا جيّدا في فلم الطفيلي . (3)
برنامج البى بى سى [ برغار ] وصف ماليزيا و تركيا على أنّهما على طريق الديمقراطيّة على الرغم من صعود الأصوليّة أفسلاميّة هناك – لتأقلم الإسلاميّين مع إقتصاد السوق ! و هذا الزعم يقدّم رغم القمع العنيف لحركة البيئة حديقة جيزي [ بتركيا ] ، و إيقاف الصحفيّين المعارضين لأردوغان [ الرئيس التركي ] ، و طرد أساتذة المعارضة من الجامعات ، و العمليّات العسكريّة الإجراميّة لأردوغان في كردستان و في جميع قوانين أردوغان الإسلاميّة المعادية للنساء . و هذه [ الأنظمة ] الإسلاميّة إندمجت صلب إقتصاد السوق [ العالمي ] .
و الشيء نفسه صحيح بالنسبة إلى جمهوريّة إيران الإسلاميّة و الفئات الرأسماليّة الإسلاميّة التي صعدت إلى السلطة سنة 1979 . و بوجه خاص ، شرعوا في سيرورة العولمة الرأسماليّة عندما طبّقوا أوامر صندوق النقد الدولى و البنك العالمي بشأن " التعديلات الهيكليّة " تطبيقا حرفيّا .
لذا لماذا يستبعد عديد الناس إيران من تقييمهم لهذه السيرورة من الدمقرطة ؟
للإجابة على هذا السؤال ، نحتاج إلى النظر إلى أبعد من الخلافات في هذه الجزئيّة أو في تلك من الأنظمة القانونيّة و البرلمانيّة . ما حصل في جميع البلدان المذكورة على أنّها نماذج ناجحة من الإنتقال الديمقراطي لم يكن التطوير المتمنّى للسوق [ الحرّة ] ، و إنّما تشديد الإندماج في النظام الرأسمالي العالمي ، بخاصة عقب الحرب العالميّة الثانية مع إنتصار الولايات المتّحدة على البلدان الإمبرياليّة التي خسرت الحرب ، و [ لاحقا ] عندما كان العالم الإمبريالي في نزاع مع الكتلة الإشتراكية السوفياتيّة ( قبل إعادة تركيز الرأسماليّة في ألإتّحاد السوفياتي أواسط خمسينات القرن العشرين ) و مع الصين ( من أواسط خمسينات القرن العشرين إلى إعادة تركيز الرأسماليّة فيها سنة 1976 ).
و قد طبٌّت تركيا الديمقراطية مع الإلتحاق بحلف الناتو العسكري و مع الهجوم على الأكراد و الأرمن و المثليّين و المتحوّلين جنسيّا ! و صارت كوريا الجنوبيّة دولة مستقلّة و " ديمقراطيّة " في حين كان الجيش الأمريكي يحتلّها ! ( لا يزال في كوريا الجنوبيّة حوالي 30 ألف جندي من الولايات المتّحدة ). و ماليزيا ، حسب أزادة بورزاند [ مقطع 24 فيفري من " برغار" ] ، تمارس الديمقراطيّة بمساعدة السياسة الإمبرياليّة للولايات المتّحدة نظرا لإرثها الكولونيالي ! و الشيلي [ مارست الديمقراطية ] بتنفيذ إنقلاب دموي للولايات المتّحدة ضد حكومة آلندى التي طالبت بالإستقلال عن إمبرياليّة الولايات المتّحدة . و إيران ليست جزءا من المجموعة " الديمقراطيّة " ليس لعمق و توسّع جرائمها ضد الشعب الإيراني – بل لأنّ إيران ليست حليفا لإمبرياليّة الولايات المتّحدة .
و سبب آخر تبدو فيه فكرة الإنتقال نحو الديمقراطي!ّة جالبة لإهتمام كبير هي مفهوم " التقدّم بلا ألم " وهي منسجمة مع النظرة البرجوازيّة الصغيرة . و [ هذه الطبقة ] تحبّذ التفكير في أنّ÷ بإمكانها التقدّم نحو مستقبل " مثالي " دون إجتثاث النظام الحاكم ، بفقط إدخال تغييرات تدريجيّة على قوانين النظام القائم الذى يسير في إطار الرأسماليّة . و حين يثبت الواقع غير ذلك ، تصبح محبطة و [ تفرض ] إمكانيّة إنجاز تغيير و تتخلّى عن الثورة لأنّها الثورة تتطلّب تضحيات بما تضحيات يقدّمونها هم أنفسهم ! و الأوهام الشعبيّة حول الديمقراطيّة جزء من ظاهرة حيث بإستمرار يحدّد الناس أنفسهم بالأفق الضيّق لما يتمّ توفيره لهم من قبل الطبقة الحاكمة العالميّة .
لأنّه حتّى مع أنّ مثل هذه الحلول متقادمة و لا تمثّل شيئا إيجابيّا في نهاية التحليل ، يجدون أنفسهم نسبيّا آمنين سياسيّا ، على الأقلّ إلى حدّ الآن ، ب‘تبار أنّهم يعوّلون على القوى " الديمقراطيّة " العالميّة .
و فضلا عن ذلك ، ما يسمّى بممارسة الديمقراطيّة هو ، في الواقع ، ممارسة التسامح و التسوية بين الشعب المضطهَد و الطبقة الحاكمة المضطهِدَة . لهذا يقول محسن رناني ، " في البلد أ ، عندما يحتجّ الناس و تعالجهم الشرطة بالضرب ، يستخدمون سكاكينا أو بنادق و يهاجمون الشرطة ". و بوضوح ، البلد أ أكثر ديمقراطيّة من البلد ب ، لأنّ شعبه قد تعلّم قدرات التراجع ، لأنّ " القدرة على التراجع هي قدرة إيقاف العنف ". و لا تستخدم هذه الحجّة من طرف الذين يقدّمون أنفسهم على أنّهم مثقّفون الذين يلجؤون إلى الخداع للإنقلاب على جوهر العنف المنظّم ضد الشعب على يد الطبقة الحاكمة بواسطة قوّات الشرطة و قوّات الجيش . و العديد من المثقّفين غارقين في هذا الإطار من الأفكار الذى صنعه النظام الرأسمالي بأنّ المساومة مع الوضع السائد إلى درجة أنّه يبدو لهم أنّ المساومة مع الوضع القائم مقبولة بالنسبة إليهم و هم ينبذون تمرّد الشعب ضد ظروف إضطهاده و إستغلاله ، و ينعتونه بأنّه لاديمقراطي .
و من المهمّ ، توجد سابقة لهذه النظرة التي تقلب الأمور رأسا على عقب في وثيقة تأسيسيّة هامة للديمقراطيّة البرجوازيّة – إعلان إستقلال الولايات المتّحدة . فهناك أيضا ، [ هناك تقلب رأسا على عقب ] الحقيقة و الأكاذيب ، الصواب و الخطأ، و الضحيّة و الجلاّد و الحروب العادلة و الحروب غير العادلة في العلاقات بين السكّأن الأصليّين [ في شمال أمريكا ] و الأوروبيّين الذين ركّزوا الولايات المتّحدة على أساس المذابح و النهب و الإستيلاء على أراضي السكّان الأصليّين . بهذا المعنى تنهض إستراتيجيا " العدالة الإنتقاليّة " دورا هاما في الإنتقال إلى الديمقراطيّة ، بتيسير تسوية بين الباقين على قيد الحياة و المجرمين . و فى الشيلي بعد بينوتشى ، رغم مأسسة بعض اللجان للبحث في الوقائع ، لم يقع عقاب حتّى بينوتشى نفسه على جرائمه ، و هكذا لا الباقون على قيد الحياة و لا الذاكرة التاريخيّة قد تمّت دراستها لتقييد مدى هذه الجرائم .
هذا هو ذات " المسامحة و النسيان " لرضا بهلوي [ أمير التاج ] (4)- الذى يشغل نفسه على الدوام بإعطاء الضوء الأخضر لمجرمى جمهوريّة إيران الإسلاميّة . و هذه سيرورة جوهريّة لمشروع " الإنتقال إلى الديمقراطيّة " الذى يتمّ الترويج له الآن – بدلا من ثورة فعليّة – من طرف حتّى أناس من مثل نرجس محمّدى . و بالرغم من كون الثورة لا تعنى الثأر ، فهي كذلك لا تعنى الإبقاء على الهيكلة الأمنيّة – العسكريّة للدولة دون مساس و إدماجها في الحكم الجديد . هكذا يُمارس الشكل البرجوازي من الديمقراطية . هل نرغب في مثل هذه الديمقراطيّة ؟ هل نرغب في ممارسة الديمقراطية بالترحيب بمجرمى الأنظمة السابقة ؟
إنّ إنشاء " مجتمع مدني " قويّ و مستقلّ يشمل وسائل الإعلام و النشطاء الإجتماعيّين و المثقّفين ، يكون منفصلا عن الدولة ، مظهر آخر من ممارسة الديمقراطية عامة ما ينبت في صفوف الطبقة الوسطى . لهذا تجرى المحاججة بأنّه من أجل الحصول على مجتمع مدني ، يجب على المرء أن يبني طبقة وسطى و لبناء طبقة وسطى يجب على المرء أن يطوّر الرأسماليّ’ . و بالتفكير على هذا النحو ، نموّ الرأسماليّة هو الذى يضمن الديمقراطيّة و السبب في أنّ إيران تفتقد إلى مجتمع مدني قويّ هو تخلّف الرأسماليّة و صغر طبقتها الوسطى ! و بالعكس ، في البلدان المهيمن عليها في جنوب الكوكب ليست منفصلة عن النظام الرأسمالي العالمي و هياكله – غير أنّ سير و ديناميكيّة نموّ الرأسماليّة الذى يؤدّى إلى تقليص الطبقات الوسطى ، و يؤدّى إلى التحديد من الحرّيات السياسيّة و المدنيّة ، و حتّى إلى دوس حقوق الإنسان الأساسييّة . و حسب [ المساهمين في سلسلة " برغار " ] مع ذلك ، نعت أيّ من هذه الدول ب " الديمقراطيّة " ليس خطأ ، رغم دوسها لعديد حقوق الإنسان الأساسيّة – من قمع النساء و المثليّين و المتحوّلين و المزدوجين جنسيّا ، إلى الإيقافات ، إلى التطهيرات الواسعة من المعارضين السياسيّين – هذا هو جوهر الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة البرجوازيّة . بكلمات أخرى ، [ الديمقراطيّة] تعتمد على اللامساواة و على إضطهاد القسم الأكبر من الشعب و على العلاقات الإستغلاليّة المعتمد على الرأسماليّة . و الخاطئ هو الحديث عن طبيعة هذه الديمقراطيّة : من أجل من توجد ؟ ما هو النظام الطبقي الذى تخدمه ؟ و خطأ آخر عندما يتمّ كشف قبح الديمقراطية البرجوازية ، هو اللجوء إلى الحجّة الواهية القائلة بأنّ " هذا ليس بعدُ ديمقراطية خالصة" و الديمقراطية " الخالصة " " لم تأت بعدُ ".
كتب بوب أفاكيان أنّ الديمقراطيّة :
" ...فى حدّ ذاتها مصدر متكرّر – و على ما يبدو " لانهائي " – للأوهام حول " تحسين " النظام الديمقراطي أو " التكريس الفعلي " للمُثُل الديمقراطيّة – بإختصار ، للأفكار المسبّقة و الخداع الديمقراطيّين ...
و طبعا ، هناك قاعدة ماديّة قويّة لهذا في ظروف العالم الموضوعي في هذا العصر ، خاصة أساس الإنقسام بين حفنة من الدول الإمبرياليّة و العدد الكبير من الأمم التي تضطهدها الإمبرياليّة ." (5)
لهذا السبب بالضبط ، تقرع البرجوازيّة [ في الأمم المضطهَدَة ] طبل " الإنتقال الديمقراطي " ما يعنى أنّه لا يمكن للمرء أن يحصل على ديمقراطية في هذه المستعمرات مرّة واحدة ، و يجب أن توجد دكتاتوريّات عسكريّة أو حكم أتوقراطي لفترة من الزمن ، بوهم أنّها في يوم ما ستبلغ الديمقراطية الحقيقيّة مثل تلك في البلدان الإمبرياليّة . لكن هذا اليوم لن يأتي أبدا إلاّ إذا أصبحت هذه البلدان بلدانا إمبرياليّة ، نتيجة حروب أو تفكّ:ات كبيرة في الهياكل العالميّة السياسيّة منها و الإقتصاديّة و الأمنيّة .
و هذا الضرب من التنظير ، مثل مفهوم " البلدان النامية " قائم على إعتقاد بوجود سيرورة تطوّر أو دمقرَطَة في العالم أين بعض البلدان ببساطة تقف فوق بلدان أخرى لا تزال متخلّفة ! إنّه لا يعترف بأنّ البون الشاسع بين البلدان الإمبرياليّة و البلدان المهيمَن عليها نتيجة ضروريّة و منطقيّة لسير الرأسماليّة المعولمة ، حيث حفنة من البلدان لها ديمقراطيّة و نموّ لا يمكن أن توجد إلاّ على أساس الإضطهاد و الإستغلال إلى أقصى الحدود لعديد [ الشعوب ] في بلدان أخرى . و تاريخيّا، إنّه لواقع أنّه كلّما ضعُف موقع الطبقات الحاكمة في إيران و الإمبرياليّين ، تصبح الديمقراطيّة شبه مهيمنة و تنمو حرّية الشعوب ، على سبيل المثال بين عشرينات القرن العشرين و خمسيناته ( قبل إنقلاب الولايات المتّحدة سنة 1953 ) ! و الكتاب غير المنتهى " الديمقراطية غير التامة " الذى ألّفته منظّمة الشيوعيّين الثوريّين ( لاحقا " إتّحاد الشيوعيّين الإيرانيّين " ) يعالج الدور الأساسي للإمبرياليّين في هذا التخلّف و هذا القمع .
لكن إذا نظرنا إلى إيران بمعنى ميزات الديمقراطيّة البرجوازيّة التي تطرّقنا إليها هنا ، ديمقراطيّة أساسيّة ما وقع تطبيقها في إيران . و نجم عن تشكّل الدولة – الأمّة المعاصرة في إيران ديمقراطية / دكتاتوريّة برجوازيّة لها قرن من التاريخ ، بدستور ، و مؤسّسات عسكريّة و أمنيّة . و قد إنجزت انتخابات في ظلّ نظام بهلوى [ الشاه محمّد ] و صارت حتّى أوسع في ظلّ الجمهوريّة الإسلاميّة . طوال هذه المدّة ، " أجنحة الطبقة الحاكمة " المتنوّعة قد حكمت بإنتقالات ديمقراطيّة [ للسلطة عقب الانتخابات ] ، و في الوقت نفسه وقع قمع صوت العمّال و الفلاّحين و الجماهير عامة و بوجه خاص النساء و الأقلّيات القوميّة ، و إهانتهم و إخضاعهم .
و بالفعل ، ما لم يوجد هو حلّ حقيقيّ لكسر دائرة هذه الحركات من المدّ و الجزر في حكومات الطبقات المستغِلّة بأشكال متنوّعة من الأنظمة الملكيّة و جمهوريّة إيران الإسلاميّة ، حلّ جمهوريّة إشتراكية جديدة و تركيز ديمقراطية / دكتاتوريّة البروليتاريا حينما لن توجد الدولة نفسها إلاّ من خلال سيرورة إنتقال إلى عالم شيوعي . بيد أنّ هذه المرحلة الإنتقاليّة لن يمكن بلوغها في ظلّ هذا النظام أو بنسخ علاقات الإنتاج و البنية الفوقيّة السياسيّة و العلاقات و القيم الإجتماعيّة لهذا النظام.
هل يعنى هذا أنّ النظرة الشيوعيّة للديمقراطيّة نظرة سلبيّة كلّيا ؟ أجاب بوب أفاكيان :
" لا، إنّها نظرة ماديّة جدليّة . بالملموس ، هذا يعنى أنّ الشيوعيّين يعترفون بأنّ الديمقراطيّة ليست هدفا في حدّ ذاته بل وسيلة لبلوغ هدف ؛ و أنّها جزء من البنية الفوقيّة ، و تتناغم مع و تخدم قاعدة إقتصاديّة خاصة ؛ و أنّها تقوم في ظروف تاريخيّة معيّنة وهي عموما مرتبطة بالعصر البرجوازي ؛ و أنّها لم توجد أبدا بشكل مطلق أو شكل " خالص " و إنّما كان لها على الدوام طابع طبقي محدّد وهي مشروطة بالعلاقات الجوهريّة بين الطبقات ؛ و أنّ لها طابع و دور مميّزين في المرحلة الإنتتقاليّة من المجتمع الرأسمالي و العصر البرجوازي إلى عصر الشيوعيّة العالميّة ، و ستضمحلّ مع بلوغ الشيوعيّة " .(6) ( التسطير مضاف في النسخة الفارسيّة )
و العمل في سبيل هذه الديمقراطية الإشتراكيّة ، بداية من الآن ، يعنى تحويل تفكير الناس خدمة للثورة للإطاحة بالدولة القائمة و إنشاء ديمقراطية إشتراكيّة – و ليس بالعمل من أجل المساومات مع الطبقة المستغِلّة .
و الحقوق الأساسيّة للشعب في الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة سيجرى نقاشها في الأعداد القادمة [ من مجلّة آتاش / شعلة].
هوامش المقال :
1. BBC Persian podcast, “Pargar” held a series on the "Transition to Democracy: Chile, South Korea, Turkey and Malaysia.” Guests: journalist Habib Hosseinifard, and economist Hassan Mansour.
February 3, 2024, “Chile in the Transition to Democracy”
February 10, 2024, “South Korea: Labyrinthine Transition to Democracy”
February 24, 2024, “Malaysia, the Reasons for the Stability of its Democracy”
2. “Transition to Democracy in Iran Today,” Mohsen Renani s Interview with Iran Farda Monthly.
3. Parasite, Bong Joon-ho, 2019.
4. Prince Reza Pahlavi in a meeting with a number of Republicans: “The end of the line will be whether the armed forces stand with the people´-or-the regime my red line is revenge!”
5. Bob Avakian, Democracy, Can’t We Do Better Than That? Chapter 3, “Illusions of Democracy,” pg. 86. 1986, Banner Press.
6. Ibid, Chapter 7 “Democracy and the Communist Revolution,” pg. 215.



الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة (8)
آتاش / شعلة عدد 150 ، مجلّة الحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينينيّ – الماوي )
جريدة " الثورة " عدد 857 ، 10 جوان 2024
https://revcom.us/en/reality-communism-1

ملاحظة الناشر : المقال أدناه نُشر باللغة الفارسيّة في مجلّة آتاش / شعلة عدد 150 ، ماي 2024 ، على موقع أنترنت cpimlm.org . و ترجمه إلى الأنجليزيّة متطوّعون من موقع revcom.us . و قد أضاف المترجمون كلمات و جمل بين معقّفين وبعض الهوامش لمزيد التوضيح . و الجزء 1 و2 و3 و4 و5 و6 و7 قد وقع نشرها على موقع أنترنت revcom.us.
و المصدر الأساسيّ لهذه السلسلة من المقالات هو كتاب ، " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " (1986) و الجزء الثاني من كتاب ، " العصافير ليس بوسعها أن تلد تماسيحا لكن الإنسانيّة بوسعها أن تتجاوز الأفق " و كتابات أخرى لبوب أفاكيان حول الديمقراطيّة / الدكتاتوريّة .
------------------------------
في سلسلة المقالات إلى حدّ الآن ، نقدنا جميع الديمقراطيّات في إطار الرأسماليّة . و قلنا إنّ كلّ المجتمعات الموجودة اليوم تتميّز بعلاقات إضطهاديّة و إستغلاليّة و اللامساواة . و التاريخ الطويل للمجتمع المنقسم إلى طبقات مستغلّة و مستغَلّة يتميّز بالدكتاتوريّة الإقتصاديّة للطبقة المهيمنة . و هنا ، " الدكتاتوريّة " ليست الكلمة الشائعة الإستعمال لكن وصفا علميّا للدولة في المجتمع المنقسم إلى طبقات . و الوجه الآخر للعُملة هو أنّ هناك ديمقراطيّة بالنسبة إلى فئة المجتمع التي تمارس الدكتاتوريّة .
ليست الديمقراطيّة و لا يمكن أن تكون شيئا مُطلقا في حدّ ذاته أو غاية في حدّ ذاتها . لا يمكن أن يوجد شكل " خالص " : يتّخذ دائما شكلا كجزء من الدولة – أي ، دكتاتوريّة – طبقة أو أخرى ، و بصفة خاصة في هذا العصر ، دكتاتوريّة البرجوازيّة أم دكتاتوريّة البروليتاريا . بيد أنّه هناك إختلاف نوعيّ عميق في مضمون الديمقراطيّة في ظلّ حكم طبقة أو أخرى ، أي ، بين الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة و الديمقراطيّة في ظلّ الرأسماليّة . (1)
في مقال سابق [ من هذه السلسلة ] ، لاحظنا أيضا أنّ مقاربة الشيوعيّة للديمقراطيّة ليست سلبيّة كلّيا .
فثمّة إختلاف نوعيّ عميق بين الدولتين – الطبقيّتين ، أي ، بين الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة و الديمقراطيّة في ظلّ الرأسماليّة . حتّى و إن كانت الدولة الإشتراكيّة كذلك دكتاتوريّة / ديمقراطيّة ، فإنّ الطبقات المستغٍلّة ( الأقلّيات التي تحتكر الاقتصاد و تستغلّ عمل الآخرين ، و تراكم رأس المال ) لا تمسك بالسلطة . و أبعد من ذلك ، و أهمّ ، مهمّة و هدف الدولة الإشتراكيّة ( الدكتاتوريّة / الديمقراطيّة البروليتاريّة ) خُطوات تدريجيّة لإلغاء الظروف التي تجعلها هي نفسها ضروريّة .
ببساطة المجتمع الإشتراكي هو مرحلة إنتقاليّة من الرأسماليّة إلى الشيوعيّة العالميّة . و رغم حصول القطيعة مع الرأسماليّة، تأثيرات و بقايا الإنقسامات الإجتماعيّة الرأسماليّة و الطُرق التقليديّة للتفكير تظلّ لوقت طويل ، و تصبح مصدرا للصراع الطبقي الدائر . و الحصار الرأسمالي العالمي للمجتمع الإشتراكي ينفُخ في النزعات البرجوازيّة القائمة و يعزّزها في المجتمع الإشتراكي . و كلّ هذه المسائل تحتاج إلى وجود دولة ، دكتاتوريّة / ديمقراطيّة البروليتاريا ، عبر مرحلة إنتقاليّة إشتراكيّة .
و الحفاظ على الطابع الإشتراكي لهذه الدولة ، مع ذلك ، يرتهن بإيجاد ظروف إضمحلالها . و يُنجز هذا بالتقدّم في مهمّتين مُتوازيتين : التثوسر المستمرّ للعلاقات الإقتصاديّة و الإجتماعيّة ، و النظرة السياسيةّ و الإيديولوجيا السائدتين في المجتمع الإشتراكي نفسه ؛ و خدمة نموّ و تطوّر الثورة العالميّة . و على هذا النحو ، يتحرّك المجتمع بإتّجاه العالم الشيوعيّ و كذلك تفعل الدولة .
و السعي وراء هذا الهدف ( تركيز مجتمع شيوعيّ وهو ممكن فقط على الصعيد العالمي ) يميّز الدولة الإشتراكيّة طوال المرحلة الإنتقاليّة الإشتراكية نحو الشيوعيّة و يشكّل سياساتها . و نظرا إلى كون النظام الرأسمالي – و علاقاته الإجتماعيّة و الإنتاجيّة و الأفكار النابعة من ذلك نظام عالمي ، فإنّ إجتثاث عروقه سيرورة عالميّة . و بالتالى ، الأمميّة مكوّن من ممارسة البروليتاريا للدكتاتوريّة / الديمقراطيّة و تعبيرها الملموس هو أنّ الدولة الإشتراكيّة في كلّ مكان من العالم تعمل كقاعدة إرتكاز للثورة العالميّة .
في هذا المقال ، سنتطرّق بشكل مقتضب إلى مسألتين : 1) إن كانت الإشتراكيّة خطوة نوعيّة متقدّمة نسبة للرأسماليّة و كافة أنصاف العلاقات الإستغلاليّة ، و إن كانت البروليتاريا تمثّل مصالح أغلبيّة الشعب ، و إن كان العصر الإشتراكي يتحرّك بإتّجاه القضاء على الإستغلال و الإضطهاد ، عندئذ لماذا الدكتاتوريّة ضروريّة في المجتمع الإشتراكي ؟ 2) كيف ستختلف الديمقراطيّة في الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة عن الديمقراطيّة في ظلّ الرأسماليّة ؟
للإجابة على السؤال الأوّل ، لنعُد إلى النقطة الجوهريّة و مفادها أنّ البنية الفوقيّة السياسية و الإيديولوجيّة لكلّ مجتمع في علاقة جدليّة بالقاعدة الإقتصاديّة ، و في نهاية المطاف القاعدة الإقتصاديّة هي التي تحدّد المؤسّسات السياسيّة و الثقافيّة للمجتمع . في ظلّ الدولة الإشتراكيّة ، تغيّر البروليتاريا طبيعة القاعدة الإقتصاديّة بالتحكّم في البنية الفوقيّة ، و تستخدم هذه السلطة لإلغاء الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج و تستبعد الربح و قانون القيمة من الدور الموجّه للإقتصاد . و بطبيعة الحال، تُنجز هذه التغيّرات من خلال سيرورة مديدة و معقّدة من الصراعات . و هذه التطوّرات في البنية التحتيّة الإقتصاديّة تجعل بنية فوقيّة مختلفة ليست ممكنة فحسب بل ضروريّة . و ، في كلّ خطوة تعمّق هذه التطوّرات في القاعدة الإقتصاديّة ، تنجز تغييرات كبرى أيضا في البنية الفوقيّة ، و العكس بالعكس .
و إلغاء العلاقات الرأسماليّة و القوانين المتّصلة بها و التي تمثّل عراقيلا لنموّ قوى الإنتاج ( بالملموس ، الملكيّة الخاصة لوسائل الإنتاج ، و فوضى الإنتاج ) ، و الإجتثاث التدريجي لطُرق التفكير الناجمة عن النظام السابق للإضطهاد و الإستغلال – ستوفّر حرّية كبرى لممارسة الشعب لسيادة تلبّى حاجيات المجتمع ، و تجاوز كلّ الإختلافات الطبقيّة و العلاقات الإجتماعيّة الإضطهاديّة . و هذا يوفّر عمليّا القاعدة الماديّة للديمقراطيّة الإشتراكيّة ، غير أنّ هذا يقتضى حقبة ملتوية من الصراع الطبقي . و قد قال لينين عن حقّ إنّ :
" ... المصادرة وحدها ، كعمل قانوني أو سياسي ، لا يعالج المسألة ... حينما يطرح التاريخ مسألة ما إذا كانت أم لا إمتيازات العهد القديم و الإمتيازات القديمة لآلاف السنوات – في مثل هذا الوقت للحديث عن الأغلبيّة و الأقليّة ، حول الديمقراطية الخالصة ، حول عدم ضرورة الدكتاتوريّة و حول المساواة بين المستغِلّ و المستغَل ! يا لها من منتهى البلاهة و التحفّظ العميق جدّا اللذين يحتاجونهم لهذا ! (2)
و يعود هذا ، كما شرح بوب أفاكيان ، مهندس الشيوعيّة الجديدة و القائد الثوري ، المجتمع الإشتراكي مرحلة إنتقاليّة إلى الشيوعيّة . و حتّى بعد الإطاحة بالبرجوازيّة و مصادرة ملكيّة المستغِلّين السابقين ، و حتّى بعد تحويل وسائل الإنتاج التي كانت ملكيّة خاصة سابقا ( بشكل أو آخر ) إلى ملكيّة عامة ، و سيظلّ الإنتقال التام إلى مجتمع خالى من الطبقات ، إلى المجتمع الشيوعي يتطلّب صراعا حادا على عدّة جبهات .
و النضال من أجل بلوغ هذا الهدف يعنى مواجهة و إجتثاث علاقات الإنتاج و الأفكار التقليديّة ؛ فلهذه التقاليد التي تراكمت طوال آلاف السنوات جذور عميقة . و هناك عراقيل هائلة يجب إقتلاعها تماما من الجذور . و ليس بوسع المرء أن يتجاوز فجأة نوع التناقضات الإجتماعيّة " ... تناقضات و لامساواة موروثة من المجتمع القديم و لا يمكن تجاوزها دفعة واحدة و إنّما بطرق متنوّعة و إلى درجات مختلفة ستظلّ قائمة لبعض الوقت . و على رأس كلّ هذا ، بيّنت التجربة أنّه من غير المرجّح إلى أقصى الحدود أن تتركّز الإشتراكية بضربة واحدة في أيّ شيء مثل جميع أو حتّى غالبيّة ، بلدان العالم ، لكن من المرجّح أن تتركّز في فقط بلد واحد أو في بضعة بلدانن في ظرف معيّن من التناقضات العالميّة ... لهذا ، منظور إليها على ضوء كلّ ما تقدّم ، يُصبح من الواضح أنّ البرجوازيّة لا تزال لها اليد العليا في العالم ككلّ – و يرجّح أن يكون هذا لبعض الوقت – إلاّ أن هذا يتداخل مع ، و بالفعل يحدّد الإطار العام و أساس النضال في سبيل التقدّم بتثوير المجتمع في بلد إشتراكي معيّن ". (3)
و بهذا المعنى ، ينبغي على الدولة الإشتراكيّة ، بطريقة إستعجاليّة ، في كلّ مرحلة من المراحل، و إلى أقصى درجة ممكنة، ليس أن تعالج التناقضات في صفوف المجتمع الموروثة من الماضي ، و العلاقات بين الناس فحسب – من مثل التفوّق الذكوري و كره النساء و العنصريّة و البون الشاسع بين العمل اليدوي و العمل الفكريّ ، و البون الشاسع بين المركز و الأطراف إلخ – بل كذلك يجب أن تعالجها بأسرع ما أمكن في كلّ مرحلة . غير أنّه عليها أن تعالجها على نحو يوطّد إمكانيّات التقدّم و يعمّق الإشتراكيّة في صفوف الشعب و يحوّل تفكير الناس – من خلال مشاركتهم و قيادتهم في معالجة تناقضات المجتمع – و كذلك نشر الثورة إلى أبعد من حدود الدولة الإشتراكيّة .
و من طبيعة المجتمع الإشتراكي ، بما في ذلك دوره كمرحلة إنتقاليّة إلى عالم خالٍ من علاقات الإستغلال و الإضطهاد و الإنقسامات الإجتماعيّة ، ينبع التشخيص المفتوح و دستور الدولة الإشتراكيّة كتعبير عن مصالح ، بالمعنى الأوسع ، طبقة خاصة ، البروليتاريا – ما يُفضى في نهاية المطاف إلى تحرير الإنسانيّة ككلّ من الإنقسامات الطبقيّة و كافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد و النزاعات العدائيّة المدمّرة التي تفرزها مثل هذه العلاقات – و الدور الصريح لهذه الدولة الإشتراكيّة كأداة لقمع مصالح و القوى التي هي و التي تعمل في معارضة عدائيّة لهذا . و مع ذلك ، بينما دستور الدولة الإشتراكية – و مؤسّسات و هياكل الحكم و السيرورات المنبثقة عنها – يجب أن تأخذ بعين الإعتبار الإنقسامات الإجتماعيّة التي " وُرثت " من المجتمعات السابقة القائمة على علاقات الإستغلال ( و التي ستظلّ موجودة بدرجات متفاوتة و بأشكال متنوّعة ، لفترة زمنيّة طويلة في المجتمع الإشتراكي ) ، في الوقت نفسه " حكم القانون " ينبغي أن يستند إلى دستور الدولة الإشتراكيّة و كذلك القوانين الخاصة التي تصدرها على أساس ذلك الدستور ( و التي يجب أن يُحكم عليها ، حسب تنوّعها، في إنسجام مع ذلك الدستور ) و يجب تطبيقها كذلك على كلّ إمرء في المجتمع . و هذا تناقض آخر من الصعب معالجته لكن يجب معالجته معالجة صحيحة .(4)
الإختلافات :
على عكس الصورة التي يرسمها المنظّرون البرجوازيّون ل " حكم القانون " على أنّه مضاد للدكتاتوريّة و ترويجهم للحرّية و الديمقراطيّة على أنّهما هدف في حدّ ذاتهما ، الواقع هو أنّه بأيّ شكل كان ، " حكم القانون " جزء من الدكتاتوريّة ، و يفرض حكم الطبقة السائدة . و لوضع ذلك بشكل واضح جليّ ، القوانين و الحقوق جزء من البنية الفوقيّة السياسيّة للمجتمع و لهما طابع طبقي خاص . وفى ظلّ الإشتراكيّة ، يكون لهما طابع طبقي بروليتاري لأنّهما يخدمان التحويل الإشتراكي للمجتمع و يعبّدان الطريق لتحقيق مجتمع شيوعي على الصعيد العالمي . و عندما يتمّ بلوغ الشيوعيّة ، لن تعود هناك حاجة إلى القانون . و في المجتمع الإشتراكي هناك مؤسّسات تطبّق قانونها ( الفرع التنفيذي و جهازه ) ، لكن تطبيق القانون يكون مصاحبا بتعبأة الجماهير و تشريكها المتنامي في التقدّم بأهداف الدولة الإشتراكيّة .
يتناغم " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا " مع واقع أنّ الإشتراكيّة تشمل نظاما إقتصاديّا و نظام حكم خاص ( دكتاتوريّة البروليتاريا ) ، و فترة إنتقاليّة نحو الشيوعيّة . و في كلّ مرحلة من هذه السيرورة و في كلّ خطوة من هذه المرحلة الإنتقاليّة ، يتعيّن على الدستور أن يأخذ بعين الإعتبار شيئين إثنين : أوّلا ، يجب أن يعكس المستوى الجاري من تطوّر الإنتاج و العلاقات الإجتماعيّة في كلّ لحظة معطاة من السيرورة الإنتقاليّة ، و الأهداف المناسبة لتلك المرحلة ؛ ثانيا ، يجب أن يشجّع النضال من أجل دفع المرحلة الإنتقاليّة إلى مراحل أكثر تقدّما من الإشتراكيّة ، و أساسا بإتّجاه الشيوعيّة ( إلى جانب النضال من أجل مثل هذا الهدف عبر العالم قاطبة ).
لكن هذا لن يكون سيرورة يسيرة أو هيّنة ذلك أنّ هناك نزاع بين حاجيات الشعب الأكثر جوهريّة و أساسيّة – التقدّم نحو الشيوعيّة – و ما يرغب فيه الناس عفويّا في أيّ زمن معطى . و يوفّر هذا التناقض الأساس الموضوعي لإتّهام الحكومات الإشتراكيّة بإجبار الناس على يوتوبيا غير ممكنة ! لكنّ الحلّ الصحيح لهذا التناقض لن يكون إستخدام " القوّة " ، بل أن يُرسي الدستور حدود و الإطار العام الذى ضمنه يسير المجتمع ، في أيّ لحظة معيّنة بما في ذلك تشجيع وجهات النظر و البرامج المعارضة .
و هذا النزاع بين الأفكار المتنافسة بمشاركة الجماهير في النقاش و الصراع حول القضايا الجوهريّة ، سينهض بدور هام في معالجة هذه التناقضات كي يمكن في أيّ ظرف من الظروف ، تصبح مواقف الناس ، إلى أقصى درجة ممكنة ، منسجمة مع مصالحها الجوهريّة . بكلمات أخرى ، الدور الآخر للدستور هو توفير إطار لمواصلة النضال ضد النزعات العفويّة في صفوف الشعب .
و سيوفّر الدور القيادي المؤسّساتي للطليعة الشيوعيّة الموضّح في الدستور ، في تسيير الحكم و عامة في السيرورة السياسيّة للمجتمع الإشتراكي ، سيوفّر " لبّ صلب " لهذا النضال . و إستنادا إلى هذا " اللبّ الصلب " ، تحديدا القيادة الشيوعيّة ، سيوجد الكثير من المرونة لظهور نزعات و تيّارات متنوّعة و معارضة في المجتمع ، إلى درجة أنّ الدولة الإشتراكيّة ستمضى إلى " حدود السحب و التمزّق " (5) لكن ليس إلى حدّ الإطاحة بها .
و الإختلاف الجوهري بين الدستور و السيرورات السياسيّة للمجتمع الإشتراكي و تلك للمجتمعات الرأسماليّة عامة ، تنبع من الإختلاف العميق في طبيعة و في ديناميكيّة النظامين – إختلافات في القاعدة الإقتصاديّة و في البنية التحتيّة ، و في علاقات الإنتاج و العلاقات الإجتماعيّة ، و في الأهداف و الطابع الطبقي لسيروراتها السياسيّة .
و لنأخذ ، على سبيل المثال ، الانتخابات . في كلّ من الديمقراطيّة الإشتراكيّة و الديمقراطيّة البرجوازيّة ، ثمّة انتخابات . لكن كما قلنا في المقالات السابقة ، في الديمقراطيّات البرجوازيّة الانتخابات مجرّد وسيلة لنقل السلطة ضمن فئات متنوّعة من الطبقة الحاكمة و لخلق وهم أنّ للناس دور في الحياة السياسيّة للمجتمع . بيد أنّه في المجتمع الإشتراكي ، الدور الإيجابي الذى تضطلع به الانتخابات أكبر من جعل الناس يناقشون القضايا الحيويّة للمجتمع ، و الحصول على الوعي بمدى إختلاف البرامج المناسبة لمصالح طبقيّة متباينة . و أيضا ستكون الانتخابات وسيلة للحزب الشيوعي ليقيّم أداءه في تحويل نظرة الناس إلى العالم . لكن بالنسبة إلى النوعين من الدول ، ليست الانتخابات – و ليس بوسعها أن تكون أبدا – التعبير عن أعلى طموحات الشعب و أهمّ مصالحه الجوهريّة . (6)
و الإختلاف الجوهري بين الديمقراطيّة في هذين الصنفين من الأنظمة ينعكس كذلك في حقوق الشعب . ليس مجرّد أنّه في ظلّ الإشتراكيّة للناس حقوق أكثر – هناك إختلاف في مدى و إطار هذه الحقوق . و يعود هذا إلى كون ، كما وضع ذلك ماركس ، " لا يمكن أبدا للحقّ أن يكون أعلى من الهيكلة الإقتصاديّة للمجتمع و تطوّره الثقافي المشروط بتلك الهيكلة " .
مع إنتصار الثورة الشيوعيّة و التغييرات الموضوعيّة في كيفيّة هيكلة القاعدة الإقتصاديّة و لأ التغيير المتّصل بذلك في ] البنية الفوقيّة الإجتماعيّة – الثقافيّة للمجتمع ، تنشأ إمكانيّات جديدة لحقوق الناس . و مثلما قال ماو تسى تونغ إنّ حقوق العمّال ليست منحصرة في الحصول على الأجور ، و ساعات العمل و نوع بيئة العمل
" ... لا جدال في أنّ حقّ العمّال في تسيير الدولة و المؤسّسات المتنوّعة و التعليم و الثقافة . عمليّا ، هذا أكبر حقّ من حقوق العمّال في ظلّ الإشتراكيّة ، الحقّ الأكثر جوهريّة ، الحقّ الذى دونه لا وجود لحقّ للعمّال ، ولا في التعليم و لا في الإجازة المرضيّة إلخ .المسألة الأهمّ بالنسبة إلى الديمقراطيّة الإشتراكيّة هي : هل للعمّال الحقّ في إخضاع القوى المعادية المتنوّعة إلى تأثيرهم ؟ ...بإختصار ، يجب أن يكون للشعب حقّ تسيير البنية الفوقيّة ". ( 7 )
و الحقّ الأكثر جوهريّة للشعب في المجتمع الإشتراكي – وهو غير ممكن التحقيق حتّى في أكثر الديمقراطيّات تقدّما في إطار الرأسماليّة – هو حقّ ممارسة السلطة السياسيّة وفقا لمصالحه الجوهريّة و المساهمة في القرارات المؤثّرة على المجتمع.
و ختاما ، علينا أن نشدّد على أنّ أهمّ مظهر مميّز للمجتمع الإشتراكي هو دوره و هدفه خلال مرحلة تاريخيّة إنتقاليّة و التحرّك ، إلى جانب النضالات الثوريّة حول العالم ، نحو الهدف النهائيّ لإرساء الشيوعيّة عبر العالم – بإتّجاه عالم يكون قد وقع إجتثاث الإنقسامات الطبقيّة و اللامساواة الإجتماعيّة ألخرى و العلاقات الإضطهاديّة ، و تكون الدولة كجهاز قمع مهما كان شكلها ، قد إضمحلّت من الوجود . [ و سيعنى هذا نهاية ] الدور المؤسّساتي الخاص الذى تنهض به الدولة في توجيه إدارة المجتمع ، و حكم القانون و حتّى الحقوق . و مثلما قال ماركس ، هذا المستقبل سيعنى قفزة أبعد من الأفق الضيّق للحقّ البرجوازي – قفزة عميقة في التطوّر التاريخي للعلاقات الإجتماعيّة الإنسانيّة . (8) فالدولة الإشتراكية :
" ليست مليون مرّة أكثر ديمقراطيّة ، إنّها طريقة جديدة نوعيّا و مختلفة بعمق : إنّها تمثّل و تعتمد على أوسع مشاركة متعمّقة أبدا للجماهير المستغَلّة و المضطهَدَة سابقا في كافة مجالات المجتمع – و أكثر من ذلك تقتضى تمكّنها المتنامي من تسيير شؤون الدولة ، و إدارة الاقتصاد و مظاهر أخرى من الإدارة ، و بالفعل للبنية الفوقيّة ككلّ بما فيها الثقافة و كذلك مجالات الإيديولوجيا . و كلّ هذا يمضى أبعد – مرّة أخرى ، هو مختلف نوعيّا عن – مجرّد مسألة ديمقراطيّة شكليّة أو حقوق شكليّة . " (9)
هوامش المقال :
1. Bob Avakian, Democracy, Can’t We Do Better Than That? Banner Press, 1982, Chapter 7, “Democracy and the Communist Revolution,” pg. 227-8. [back]
2. V. I. Lenin, “Proletarian Revolution and Renegade Kautsky,” Lenin’s Collected Works, Vol. 28, pp. 252-254. Quoted in Democracy, Can’t We Do Better Than That? page 228. This Lenin quote strongly counters the propaganda that calls Marxism s theory of the future utopian. In this polemic and repeatedly elsewhere, Lenin has said that in order to build socialism and advance towards communism, one must start with material conditions and people as they have been "delivered" by the old society (whether´-or-not they have undergone dramatic changes in the process of gaining power through mass armed struggle). [back]
3. Bob Avakian, Democracy, Can’t We Do Better Than That?, pg. 226.
For further discussion, see For a Harvest of Dragons, Chapter 3, Part 2 also see A Terrible End´-or-an End to the Terror, Chapter 2, pages 149-151, and Chapter 4, pages 195-199, as well as Conquer of the World, The International Proletariat Must and Will, Section 2. [back]
4. Bob Avakian, Birds Cannot Give Birth to Crocodiles, But Humans Can Soar Beyond the Horizon, Part 1: Revolution and the State, Subhead “Bourgeois Political Philosophy, Its-limit-ations and Distortions.” [back]
5. Ibid Footnote 14 quoting from the Constitution of the Revolutionary Communist Party, USA ("Appendix, Communism as a Science") on “solid core with a lot of elasticity” [back]
6. Ibid Subhead: The Notion of "Human Nature" — As a Reflection of Capitalist Society [back]
7. Mao Tse-tung, A Critique of the Soviet Economy (1977) Monthly Review Press. Pg 61. [back]
8. See Birds Cannot Give Birth to Crocodiles, But Humans Can Soar Beyond the Horizon, “Democratic Intellectuals, Idealist Notions, and the Need for Materialism.” [back]
9. Bob Avakian, Democracy: Can t We Do Better Than That? pg. 229. [back]
------------------------------------------------------------------------------------------------------------

















الملحق الأوّل :

بوب أفاكيان : لا وجود لشيء إسمه " الكليانيّة " / " الشموليّة " – " الكليانيّة " " نظريّة " غير علميّة تماما – أو حقّا معادية للعلم – طبخها و روّج لها مثقّفون مدّاحون للنظام الرأسمالي - الإمبريالي
www.revcom.us بوب أفاكيان ، 20 ماي 2024 ؛
في رسالتى عدد 37 على وسائل التواصل الاجتماعي (@BobAvakian Official) ، أحلت على مقالى " إستفزاز آخر مغالطة " الكليانيّة " " لكنّه حقيقة بسيطة و أساسية حول الشيوعيّة "، الذى يُستهلّ بالموقف الصريح التالى :
" من الشائع جدّا سماع التنديد بالشيوعيّة على أنّها " كليانيّة " بيد أنّ في الواقع لا وجود لشيء إسمه الكليانيّة . "
و يمضى ذلك المقال ليشير إلى :
" لم يوجد أبدا مجتمع – في روسيا و الصين أو أيّ مكان آخر – ينسحب عليه مع ما تؤكّده هانا آراندت في " جذور الكليانيّة " وهو عملها الأساسي و " إنجيل " " المناهضين للكليانيّة ". "
و مثلما شرحت بإسهاب ، " الكليانيّة " " نظريّة " غير علميّة تماما – أو في الواقع ، هي معادية للعلم – طبخها و روّج لها مثقّفون مدّاحو هذا النظام( النظام الرأسمالي – الإمبريالي ) من الفظائع الأبديّة وهي تخدم صرف الإنتباه و تبرير الجرائم الكبرى التي ما إنفكّ يقترفها هذا النظام ضد الإنسانيّة و الحثّ على المعارضة اللاعقلانيّة للثورة و بوجه خاص الثورة الشيوعيّة . و كون من الممكن أن يأخذ أيّ إمرء هذه " النظريّة " مأخذ الجدّ و أن يتمّ التعاطى على نطاق واسع مع هذه " النظريّة " كنوع من " الحكمة المقدّسة " – شاهد مرير على الرغبة المبيّتة من قبل الكثير و الكثير من الناس بمن فيهم الذين يعلنون أنّهم " ليبراليّون " ، ليأقلموا أنفسهم مع هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، الذى يقوم على الإستغلال بلا رحمة لمليارات الناس حول العالم منهم مئات ملايين الأطفال ، وهو يُفرض من خلال القمع الوحشيّ و العنف المدمّر الكثيف.
و تسعى " نظريّة " " الكليانيّة " إلى المماثلة بين الشيوعيّة و الفاشيّة على أنّهما نظامان في منتهى القمع يشتركان في واقع أنّ الحكم من خلال إنكار الحقوق الأساسيّة للناس و إبقاء الجماهير الشعبيّة في حالة من الرعب المستمرّ . و في الواقع، ، الشيوعيّة و الفاشيّة revcom.us كما أوضحت ذلك ، في مقالات و أعمال أخرى متوفّرة على موقع أنترنت متعارضان تمام التعارض و هما جوهريّا في تناقض عدائيّ . و تمثّل الشيوعيّة و تجسّد النضال من أجل القضاء النهائي على كافة علاقات الإستغلال و الإضطهاد في صفوف البشر ، بينما تبحث الفاشيّة عن فرض التعبيرات الأكثر تطرّفا و تشويها لهذه العلاقات . و تقوم الشيوعيّة على منهج و مقاربة علميّين و تعتمد على أرقى طموحات الناس إلى عالم حيث يمكن حقّا للبشر أن يزدهروا ، دون هذه الإنقسامات و التناقضات العدائيّة التي تفرزها . و الفاشيّة جوهريّا معادية للعلم و تعوّل على الترويج للجهل و التطيّر و التشويهات الفجّة للواقع ، و تعبئة جماهير الناس الذين لا يفكّرون و هم متطرّفون في تعصّبهم و دوافعهم النزعات و الأفكار المسبّقة الأكثر فسادا ، و كره مقيت لكافة الذين ليسوا جزءا من " عرق السادة " الذكور .
و مثلما سأحيل على ذلك لاحقا في هذا المقال ، هناك نقد حقيقي ينبغي إجراؤه و دروس هامة ينبغي إستخلاصها ، من الطرق التي إشتملت على مشاكل و أخطاء هامة في تجربة المجتمعات الإشتراكيّة بقيادة الشيوعيّين ، أوّلا في الإتّحاد السوفياتي ( من 1917 إلى 1956 ) وتاليا في الصين ( من 1949 إلى 1976 ) ، و من ذلك الطرق التي إنحرفوا بها عن المبادئ الأساسيّة للشيوعيّة . لكن ، بهذا الصدد ، عديد النقاط الحيويّة تحتاج إلى أن نشدّد عليها .
أوّلا ، حلّلت عددا من الأعمال ، وهي متوفّرة على موقع أنترنت revcom.us ، هذه الأخطاء قد إقترفت في إطار غير مسبوق من التحدّيات الصعبة ، لا سيما في شكل ضغط لا يتوقّف و حتّى هجمات مدمّرة كُبرى من قبل قوى إمبرياليّة و غيرها من القوى المصمّمة على القضاء على هذه المجتمعات الإشتراكيّة .
ثانيا ، الأخطاء التي إرتُكبت لا تميّز بل تمثّل نزعة مناهضة ثانويّا لما هو رئيسيّا و حتّى بشكل طاغي تغييرات تحريريّة تمّ التوصّل إليها في الفترة التاريخيّة القصيرة من وجود هذه البلدان الإشتراكيّة .
ثالثا ، ما من مشكل من هذه المشاكل و الأخطاء تشرحه " نظريّة " " الكليانيّة " و محاولتها أن تماثل بين الشيوعيّة و الفاشيّة – و هذا كما سأبيّن ، يمثّل تشويها فجّا لطبيعة هذه المجتمعات الإشتراكيّة و للشيوعيّة و للواقع بصفة أشمل .
و ختاما ، من خلال العمل الذى أنجزته ، مستندا إلى تجربة الثورات الشيوعيّة السابقة ، و مروحة عريضة من التجارب الإنسانيّة ، جدّ تطوير الشيوعيّة الجديدة وهي تمثّل مواصلة و كذلك قفزة نوعيّة إلى أبعد من و ببعض الطرق الهامة قطيعة مع النظريّة الشيوعيّة كما جرى تطويرها سابقا . و كتعبير أساسي لهذه الشيوعيّة الجديدة ، هناك " دستور الجمهوريّة الإشتراكيّة الجديدة في شمال أمريكا " الذى ألّفته وهو يتضمّن نظرة شاملة و مخطّط ملموس لمجتمع جديد راديكاليّا و تحريريّ ، يهدف إلى تحرير الإنسانيّة ككلّ من جميع علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، من خلال بلوغ الشيوعيّة عبر العالم . و مثلما قد قُلت بصدد هذا الدستور :
" إنّه لأمر واقع أنّه في لا مكان آخر ، عمليّا لا وجود في أيّة وثيقة تأسيسيّة مقترحة أو مرشدة لأيّة حكومة ، لأيّ شيء يُشبه ليس حماية فحسب بل تموين المعارضة و النقاش الفكريّ و الثقافي مثلما هو متجسّد في هذا الدستور ، بينما لهذا كلبّ صلب له ، أرضيّة في التغيير الاجتماعي للإقتصاد ، بهدف القضاء على كافة الإستغلال و ما يتناسب معه من تغيير للعلاقات الإجتماعيّة و المؤسّسات السياسيّة ، لإجتثاث كافة الإضطهاد و الترزيج عبر النظام التعليمي و في المجتمع ككلّ لمقاربة س" تسمح للناس بالبخث عن الحقيقة مهما كان المكان الذى تؤدّى إليه ، بروح التفكر النقدي و الفضوليّة العلميّة ، و على هذا النحو التعرّف بإستمرار على العالم و التمكّن بشكل أفضل من المساهمة في تغييره وفقا للمصالح الجوهريّة للإنسانيّة ."
و بهذا أعلاه في الذهن ، بوسعنا الآن العودة إلى التحليل الأشمل ل " نظريّة " " الكليانيّة " و الطريقة التي تشوّهه بها بصورة ثابتة – و تؤدّى إلى إبعاد الناس عن الفهم العلمي ل – الواقع لا سيما التجربة التاريخيّة الحيويّة للثورة الشيوعيّة و المجتمع الإشتراكي .
و " التحليل المستفيض " الذى أشرت إليه في بداية المقال هنا متضمّن في كتابي " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " أين أبيّن الإفلاس التام لهذه " النظريّة " " الكليانيّة ". و هذا الكتاب جرى تأليفه قبل أربعين سنة ، لكن حتّى الآن هناك أجزاء منه لم تعد لها الفائدة ذاتها ( مثلا ، يتضمّن تحليلا لطبيعة و دور الإتّحاد السوفياتي الذى لم يعد موجودا ) ، و هناك بعض الأشياء الخاصة قد أصوغها بشكل مختلف نوعا ما ( بمرور السنوات و مواصلتى التعلّم ) ، التحليل الأساسي في الكتاب بما فيه " نظريّة " " الكليانيّة " ، يبقى نهائيّا صالحا و هاما للغاية . و وفقا لذلك ، سأضمّن هذا المقال بعض الفقرات المهمّة من نقد الكتاب ل " الكليانيّة " ، إلى جانب بعض التعليقات الإضافيّة لتوفير المزيد من الإطار و الشرح . [ هذه المقتطفات من قسم " النظريّة الكليانيّة و دورها السياسي " ، صفحات 167-190).
مثلما كتبت في بداية نقدى ل " الكليانيّة " ، ليست نظريّة علميّة ( على الأقلّ ليست نظريّة علميّة صحيحة ) بل تشويه للواقع خدمة لمصالح طبقيّة محدّدة و أهداف سياسيّة محدّدة " .
و " المصالح الطبقيّة المحدّدة " هي مصالح الطبقة الحاكمة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، لا سيما الطبقة الحاكمة للولايات المتّحدة ( و " حلفاؤها الإمبرياليّون الغربيّون " ) .و " الأهداف السياسيّة المحدّدة " تتشكّل بواقع أنّ هذا الكتاب لآرندت ( " جذور الكليانيّة " ) وُضع في الفترة بُعيد نهاية الحرب العالميّة الثانية ، عندما كانت تندلع " الحرب الباردة " مع الإتّحاد السوفياتيى الإشتراكي حينها . و كان هدف و كانت غاية ذلك الكتاب ( كما أشرت إلى ذلك في نقدي ) قبل كلّ شيء " إستهداف الإتّحاد السوفىاتي " على أنّه " محور الشرّ في العالم " ( كما وضع ذلك لاحقا رونالد ريغن ) و خدمة لمدح عديد الأنظمة اللاديمقراطيّة التي تشكّل الجزء الأكبر من " العالم الحرّ " و على رأسه الولايات المتّحدة و أيضا " تجميل صورة " و صرف الإنتباه عن الطبيعة الإجراميّة للديمقراطيّات الإمبرياليّة الغربيّة ذاتها .
و في الوقت نفسه ، أشرت كذلك إلأى أن تحليل آرندت " يفتقد إلى الإنسجام الداخلي و المنطقي حتّى " . و يبرز هذا ، على سبيل المثال ، فى واقع أنّه رغم كونه يبدو في البداية أنّ آرندت تحلّل " الكليانيّة " بكلا الشكلين الفاشي و الشيوعي ، فإنّ هدفها الفعلي هو الشيوعيّة . و كتابها حقّا مجرّد قطعة مُتقنة و متباهية لكن فقيرة فكريّا و مخادعة من " دعاية الحرب الباردة ". و ضمن أشياء أخرى ، يمكن رؤية هذا ، من ناحية ، في واقع أنّ آرندت كتبت أنّ " متحدّثين عمليّا ، سيكون هناك فرق صغير سواء كانت الحركات الكليانيّة تتبنّى نموذج النازيّة أو البلشفيّة " [ الشيوعيّة ] – لكنّها لاحقا تحاجج أنّه أثناء فترة ثلاثينات القرن العشرين إلى الحرب العالميّة الثانية ( التي بدأت سنة 1939 و إنتهت سنة 1945 ) لم يكن " كليانيّا " تماما سوى الإتّحاد السوفياتي ، بينما إيطاليا الفاشيّة ( و على رأسها موسيليني ) لم تكن "كليانيّة " ، و حتّى ألمانيا النازيّة ، في ظلّ هتلر ، " لم تتحوّل بعدُ تماما إلى كليانيّة " و " فقط إن كسبت ألمانيا الحرب كانت [ هكذا ! ] ستتحوّل إلى حكم كلياني تام التطوّر ".
و يؤدّى هذا بآرندت إلى سلوك طريق التشويه المتكرّر للواقع خدمة لحملتها المناهضة للشيوعيّة و المخاضة باسم معارضة " الكليانيّة " . و مثلما أشرت إلى ذلك في نقدى لهذا ، آرندت ( و أشباهها من " المناهضين للكليانيّة " ) متعصّبون تماما في تصويرهم ل " الكليانيّة " بقدر ما يفعلون مع " الكليانيّين " الذين يخترعونهم . و هنا إليكم بعض الأمثلة :
- تقدّم آرندت زعما سخيفا بأنّه مع الكليانيّة " نحن فعلا مع نهاية العصر البرجوازي للأرباح و السلطة ، و كذلك نهاية الإمبرياليّة و التوسّع " ! هل عليّ أن أتحدّث عن مدى فقدان ذلك الزعم للصلة مع الواقع – و كان كذلك فاقدا لهذه الصلة زمن كتابة آرندت لتلك الأسطر ؟! ( المزيد لاحقا بصدد مساعى آرندت إلى " تجميل " الإمبرياليّة ).
- و توافق آرندت على ما يمكن إعتباره فقط موقفا مختلاّ عقليّا لبوريس سوفارين " الإشتراكي " الفرنسي المعادي للشيوعيّة و الذى قال عمليّا بشأن ستالين ( الذى قاد الإتّحاد السوفياتي لعدّة عقود ، بداية من عشرينات القرن العشرين ) بأنّ ستالين كان يقول دائما عكس ما يفعله ، و يفعل عكس ما يقول . ( إستخدم سوفارين تماما " دائما "- و وافقت آرندت على ذلك !). و هذا سخيف و جنوني ظاهريّا – كما كان أيّ شخص يفكّر تفكيرا عقلانيّا أن يقرّ بذلك في الحال . و كما أشرت في الردّ على ذلك : " هل بوسع لايّ كان حقّا تصوّر شخص ، ناهيك عن مجتمع بأسره ، يسير عمليّا بينما يحكمه مبدأ القول الدائم لعكس ما يفعله و فعل عكس ما يقوله ؟ " إنّ مواقفا من هذا القبيل صادرة عن سوفارين و وافقت عليها آرندت ، تمثّل حقّا أبعادا جنونيّة حقيقيّة يبلغها " المناهضون للكليانيّة " في مسعى منهم للتعبير عن تعصبّهم " المناهض للكليانيّة ".
- و مثلما أشرت في نقدى لآرندت ( و قد كتبت عن المسألة بإسهاب أكبر في أعمال أخرى ) ، عقب وفاة قائد الثورة الروسيّة ف.إ. لينين سنة 1924 ، لمّا واجه الإتّحاد السوفياتي وضعة كونه الثورة الإشتراكيّة المظفّرة الوحيدة في العالم ( مع سحق عنيف لمحاولات أخرى للثورة مثلا في ألمانيا ) ، وُجد صراع في صفوف القادة السوفيات حول مسألة ما إذا كان من الممكن لنظام إشتراكي أن يُبنى في بلد واحد – و إن كان ذلك ممكنا ، كيف المضيّ فيه . و كان ذلك مشكلا حادا بوجه خاص في الإتّحاد السوفياتي حينها ، في حين كان معظم السكّان يعيشون في ظروف متخلّفة صعبة في الريف الممتدّ الأطراف ، و كانت هذه الجمهوريّة السوفياتيّة الجديدة محاصرة من طرف قوى إمبرياليّة عدوانيّة ، و العديد منها ( بما في ذلك الولايات المتّحدة ) قد وقفت إلى جانب محاولة غير ناجحة للمعادين للثورة لسحق الجمهوريّة السوفياتيّة و إلحاق الهزيمة بها بواسطة حرب أهليّة تلت ثورة 1917 الروسيّة ( و بعض هذه البلدان الإمبرياليّة عمليّا غزت تراب الجمهوريّة السوفياتيّة الجديدة أثناء تلك الحرب الأهليّة ).
لكنّ آرندت ترفض الإعتراف بأيّ شيء من هذا : بالنسبة إليها ، هذه التحدّيات الحقيقيّة جدّا ، و هذا الصراع الذى تطوّر في صفوف القيادة السوفياتيّة في هذا الوضع الحرج – كلّ هذا لم يكن حقيقيّا – كان مجرّد إختراع من ستالين ، خدعة إستخدمها ستالين كدزء من سعيه الكلياني من أجل السلطة المطلقة . و هذا مثال بارز آخر لكيفيّة تجاهل لما يسمّون ب " الأكاديميّين " من " المناهضين للكليانيّة " للواقع الفعلي ، أو تشويهه بفضافة خدمة ب" نظريّتهم " المعادية للعلم .
- تحاول آرندت أن تقول إنّ الماركسيّة – أو في الوقاع تشويهها للنظرة و الأهداف العلميّة و التحريريّة التي صاغها أوّل من صاغها ماركس – هي أساسا نفس الشيء و تعصّب النازيّين الإبادي الجماعي و المعادي للعلم . و كتبت آرندت التالي:
" ما يقف وراء إعتقاد النازيّين في القوانين العرقيّة كتعبير عن قانون الطبيعة في الإنسان ، هو فكرة داروين عن الإنسان كنتاج للتطوّر الطبيعي ، و هذا لا يتوقّف بالضرورة مع أنواع الكائنات البشريّة الحاليّة ، بالضبط مثلما هو الحال في ظلّ عقيدة البلاشفة [ أتباع لينين ] في الصراع الطبقي كتعبير عن قانون التاريخ الذى يعرض فهم ماركس للمجتمع على أنّه نتاج حركة تاريخيّة عملاقة تسير وفق قانون حركتها الخاصة نحو نهاية زمن التاريخ عندما ستقضى على نفسها .
لاحظوا أنّ آرندت هنا تشوّه بفجاجة نظريّة التطوّر التي طوّرها شارل داروين – مصوّ{ة هذه النظريّة الراسخة علميّا على أنّها مصدر قوانين عرقيّة إباديّة جماعيّة نازيّة ! و تاليا تمضى آرندت إلى تشويه فجّ لنظريّة ماركس . و القسم اتلأخير من ما يعتبر تشخيصا لآرندت للماركسيّة هنا ينطوى على تشابه أكبر مع فلسفة فريديريك هيغل الذى كان لديه تأثير في البداية على ماركس لكن ماركس تجاوزه ، عمليّا " قالبا على رأسها " أجزاء مفاتيح من " المنهج الجدليّ " لهيغل . و هذا يتجاوز ما يمكن أن أتناوله في هذا المقال غير أنّ النقطة المفيدة هنا هي أنّ ماركس لم يعتبر بلوغ الشيوعيّة على أنّه " نهاية زمن التاريخ " ، بل بالأحرى بداية عصر جديد من تاريخ الإنسانية ، بإلغاء علاقات الإستغلال و الإضطهاد في صفوف البشر .
و مرّة أخرى ، في محاولة يائسة للتسوية بين النازيّة / الفاشيّة – و كما بيّنت ، لإفراد الشيوعيّة بأنّها أسوأ الإثنين- و تجد آرندت نفسها مجبرة على حتّى المزيد من التشويهات الفجّة . و كما كتبت ردّا على هذا التشويه الخاص ، فقط لأنّ الناس أنصار نظرة عالميّة شاملة ، و تؤكّد أكثر على على أ،ّ هذه النظرة إلى العالم مناسبة مباشرة لتغيير العالم على النحو المرجوّ ، " هل يجعل ذلك نظراتهما إلى العالم نفسها في الأساس ، أو يجعلها تحوّل الإختلافات بينهما غير ذات جدوى ؟ " هناك إختلاف جوهريّ حقّا عالم من الإختلاف بين النظرة و المنهج العلميّين و التحريريّين للشيوعيّة ، كما طوّرها أوّلا ماركس، من جهة و النظرة و المنهج النازيّين ( و الفاشيّين عامة ) المعاديين للعلم و الإباديّين الجماعيّين – عالم من الإختلاف الواضح لأيّ شخص جدّي و يبحث بصدق في هذا ، و ليس أعمى ب " مناهضة الكليانيّة " غير العقلانيّة .
- و تمضى آرندت حتّى أبعد من ذلك لتشدّد على أنّه " على عكس بعض الأساطير ما بعد الحرب ، هتلر لم يحاول أبدا الدفاع عن " الغرب " ضد البلشفيّة بل ظلّ دائما على إستعداد للإلتحاق ب " الحُمر " [ الشيوعيّين ] من أجل تدمير الغرب ، حتّى في معمعان الصراع ضد الإتّحاد السوفياتي ". الكثير و الكثير من الواقع مختلط في هذا الموقف لآرندت ، إلى درجة أنّه من الصعب معرفة من أين نشرع في فضح الأكاذيب المعروضة هنا . و لننطلق مع واقع أنّ أحد المظاهر المحدّدة لنظرة هتلر ، إلى جانب روحه العدوانيّة الإبادية الجماعيّة ضد اليهود ، و كذلك الكره المتعصّب أيضا ضد الشيوعيّة و الشيوعيّين ( الذين كانوا من أوائل المستهدفين بالسجن و القتل ) . و إلى جانب هذا ، هناك واقع أنّ في الحرب العالميّة الثانية ، الغزو الكبير للاتحاد السوفياتي من قبل ألمانيا النازيّة الهتلريّة كلّف الشعب السوفياتي حياة حوالي عشرين إلى ثلاثين مليون نسمة . و في الختام ، ألحق الإتّحاد السوفياتي الهزيمة بهذا الغزو ما قصم فعلا ظهر آلة الحرب النازيّة و مثّل عاملا حيويّا في الهزيمة الشاملة لألمانيا النازيّة ، و مثّل منعرجا في الحرب ككلّ . و نقدى لآرندت يقتبس من كتاب " إنهيار أمريكا " [ لريموند لوتا – المترجم ] بشأن هذه النقطة الأساسيّة :
" التاريخ العسكري هنا غاية في الوضوح . حتّى ونستن تشرشل قد إعترف في مارس 1943 أنّه بالنسبة إلى الستّة أشهر القادمة ستكون بريطانيا العظمى و الولايات المتّحدة " تلعبان " مع نصف دزّينة من الفيالق الألمانيّة بينما [ الإتّحاد السوفياتي و على رأسه ] ستالين كان يواجه 185 فيلقا .
أمّا بالنسبة إلى واقع أنّه في سنة 1939 وقّع الإتّحاد السوفياتي حلف عدم إعتداء مع ألمانيا النازيّة : و مثلما يشير كذلك كتاب " إنهيار أمريكا " ، هذا الحلف وقّعه الإتّحاد السوفياتي نظرا لكونه يحتاج ربح الوقت للإعداد لما يرجّح جدّا أنّه سيكون هجوما ألمانيّا نازيّا على الإتّحاد السوفياتي . و ، كما أشرت إلى ذلك ، " الحلف بين الإتّحاد السوفياتي و ألمانيا سنة 1939 وافق عليه ستالين فقط بعد محاولاته المتكرّرة لجلب " الديمقراطيّات الغربيّة " إلى تحالف ضد ألمانيا التي وقع رفضها بصفة متكرّرة ".
و سنتان عقب إمضاء ألمانيا هذا الحلف " عدم الإعتداء " ، كسرت الإتّفاق وشنّت غزوا كبيرا للاتحاد السوفياتي ، بكلّ النتائج الفظيعة لذلك ( بما فيها الوفايات السوفياتيّة التي بلغت أكثر من 10 أضعاف وفايات المعارك التي تكبّدتها الولايات المتّحدة و بريطانيا و فرنسا مجموعين معا ، و بكلّ الدمار الكبير و الجوع و الرعب الشامل الذين تسبّب فيهم هذا الغزو ، و كان ذلك أيضا العامل المفتاح في هزيمة ألمانيا النازيّة في آخر المطاف .
و مع كلّ هذا ، تريد آرندت من الناس أن يعتقدوا في أنّ هتلر " بقي دائما مستعدّا للإلتحاق ب " الحُمر " لتحطيم الغرب ، حتّى في معمعان الصراع ضد روسيا السوفياتيّة " ! أن تكون آرندت تمكّنت من كتابة هذا عمليّا دليل على الحكمة القديمة القائلة بأنّ " الورق سيظهر كلّ ما يُكتب عليه " – حتّى التشويهات الأفظع و الأكثر فجاجة للوقائع التاريخيّة خدمة لأهداف إيديولوجيّة ( و في هذه الحال ، معاداة آرندت للشيوعيّة بفظاظة باسم " معاداة الكليانيّة " ).
و مثلما أشرت في كتاب " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " – و مثلما تعمّقت في ذلك أكثر منذ الأربعين سنة الماضية – من منظور التغيير الثوريّ للعالم ، لتحقيق تحرير الجماهير الإنسانيّة ، و في نهاية المطاف الإنسانيّة ككلأّ ، من جميع أنظمة و علاقات الإستغلال و الإضطهاد ، من الصحيح الدفاع عن الدور العام لستالين في قيادة و الدفاع عنم أوّل دولة إشتراكيّة في العالم في وجه ظروف في منتهى الصعوبة - و كما رأينا ، هجمات كبرى مدمّرة . لكن ، في الوقت نفسه ، هناك نهائيّا نقد جدّي في حاجة إلى الإنجاز لدور ستالين في مجمل هذه السيرورة . و يشمل هذا دروسا حيويّة بمعنى التقدّم بالنضال الثوري من أجل الإشتراكيّة ، و في نهاية المطاف عالم شيوعي ، على أساس علمي أرسخ و تحريريّ حقّا . و بالفعل ثمّة أهمّية كبرى للتقييم النقدي لتاريخ التجربة الشيوعية ككلّ ، وهو ما إضطلعت به أيضا.
و هذه سيرورة بدأت فيها ، بطريقة مكثّفة ، في عملى " كسب العالم ..." [ متوفّر بالعربيّة بمكتبة الحوار المتمدّن ، ترجمة شادي الشماوي ] ضمن ذات الفترة الزمنيّة عموما و " الديمقراطية : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " و ما واصلت القيام به في حوالي الأربعين سنة مذّاك ، مع تطوير الشيوعيّة الجديدة . هناك عدّة أعمال ألّفتها وهي متوفّرة على موقع أنترنت revcom.us وهي تعمّقت شيئا ما في هذا . ( و هناك أعمال مهمّة لآخرين ، و بوجه خاص ريموند لوتا الذى يطبّق منهج الشيوعيّة الجديدة على هذا التلخيص التاريخي الهام ) . لكن هذا التلخيص الضروري ، النقدي ، على أساس علميّ ، مختلف كلّيا و جوهريّا عن عمل آرندت و " مناهضين للكليانيّة " آخرين – و هدفهم هو تشويه الشيوعيّة خدمة للهيمنة الرأسماليّة – الإمبرياليّة ، و نهب و تدمير الشعوب و البيئة ، عبر العالم ، و منهجهم لتحقيق هذا الهدف ، هو التشويه المريع و الفجّ حقّا للواقع الحيويّ .
و كما هعو واضح مع آرندت ، ما يكشفه هذا هو خوف عميق متأصّل – و لا مبالغة في قول رعب – من أفق تغيير راديكالي ، حتّى ذلك من الصنف الأكثر تحريرا . مع آرندت ، يتبيّن هذا ليس في كرهها اللاعقلاني للشيوعيّة فحسب بل أيضا ، كما لاحظت ذلك ، في تشويهها و شعورها بالضيق العميق المتأصّل للداروينيّة التي تحيل عليها على أنّها " تطوّر إرتدى عمامة العلم " – كما لو أنّ نظريّة التطوّر كانت شيئا مؤذيا و مخادعا ( " إرتدى عمامة " العلم كما وضعت ذلك – بدلا من كونها واقع علمي راسخ رسوخا جيّدا ). و هناك وحدة في كره آرندت للتطوّر و كرهها للشيوعيّة . و مثلما كتبت في " الديمقراطيّة : أليس بوسعنا أن ننجز أفضل من ذلك ؟ " :
" فهم أنّ النوع البشريّ قادر على مرونة كبيرة ، أنّه يملك مرونة كبيرة في ما يتّصل بتفاعله مع بقيّة الطبيعة ، و أنّه مع تغيّر ظروفهم – و فوق كلّ شيء نظامهم الاجتماعي – الناس قادرون على أن يغيّروا تغييرا كبيرا نظرتهم و معتقداتهم ... أجل ، حتّى مشاعرهم ... و كلّ هذا تحريريّ بقدر هائل بالنسبة إلى الذين ليست لديهم مصلحة شخصيّة في نظام الأشياء الحالي ... لكن بالنسبة إلى الناس أشبه آرندت مجرّد محاولة [ إحداث هذه التغييرات ] أمر في حدّ ذاته مُرعب . و من هنا نستمع [ من آرندت ] إلى التخمينات الوجوديّة السوداء التالية : " منذ اليونانيّين ، عرفنا أنّ الحياة السياسيّة العالية التطوّر تنطوى على شكوك عميقة الجذور في المجال الشخصي ، إستياء عميق ضد المعجزة الباعثة على أفضطراب المتضمّنة في واقع أنّ كلّ شخص منّا مصنوع كما هو – فريد ، لا مثيل له ، غير قابل للتغيّر " ( التشديد مضاف في مقتبسى الأصلي ، و التسطير مضاف هنا ).
في رسالتى على وسائل التواصل الاجتماعي عدد 22، @BobAvakianOfficial تحدّثت عن واقع أنّ÷ لا وجود لشيء إسمه " الطبيعة الإنسانيّة " . و في هذه الرسالة سأمضى أكثر في كيف أنّ الثورة الشيوعيّة ستضع نهاية لكلّ الإستغلال و الإضطهاد – و ، إلى جانب ذلك ، ستجعل من الممكن إيجاد طريقة مختلفة راديكاليّا و مثيرة للحماس في علاقة الناس بعضهم ببعض .
ستستخدم الشيوعيّة التكنولوجيا و الموارد في العالم و معرفة و قدرات الناس في العالم ، من أجل المصلحة العامة . و هذا سيمكّن من خلق وفرة مشتركة لجميع الناس، ما يقضى على حاجة الأفراد إلى الصراع فقط من أجل البقاء على قيد الحياة، و إلغاء حاجة الناس إلى المنافسة مع بعضهم البعض للحصول على الحاجيات الأساسيّة للحياة . و على هذا الأساس ، سيصبح ممكنا إحداث تغيير جوهريّ في ما يفكّر الآن أنّه " طبيعة إنسانيّة " .

و مرّة أخرى ، واقع أنّ ( كما أشرت إلى ذلك في رسائل وسائل التواصل الاجتماعي ) الناس يمكن أن يتغيّروا و يتغيّرون فعلا كامل الوقت ، خاصة مع التغيّرات في ظروفهعم – و هناك إمكانيّة أن يتغيّر الناس على نحو يبعث الحماس و تحريري – و هذا أمر مشجّع و ملهم بالنسبة إلى كلّ الذين ليست لهم مصالح شخصيّة في هذا النظام الرأسمالي-الإمبريالي الوحشيّ.
لكن أولئك أمثال آرندت الذين لديهم مصالح شخصيّة في هذا النظام ، ليس بوسعهم سوى الإنكماش مرعوبين من أفق التغيير التحريري الواعي للظروف و الناس وهو أمر تمثّله الثورة الشيوعيّة و يمكن بلوغه بواسطتها .
و يُفضى هذا بشخص مثل آرندت ليس إلى الإنخراط في التشويه و الإفتراء السخيفين و الشنيعين للشيوعيّة ، إلاّ أنّه في الوقت نفسه يشوّه كذلك – و بالفعل يبرّر – أفظع جرائم بلدان " الغرب " و قواهم القياديّة الإستعماريّة و الإمبرياليّة ، بخاصة الولايات المتّحدة و بريطانيا . و هكذا ، تستهين آرندت بفظائع العبوديّة في الولايات المتّحدة و بوجه خاص بزعم بالي و مناقض للواقع بأنّ ملاّكى العبيد " كانوا يريدون إلغاء العبوديّة تدريجيّا " . و يتعارض هذا بعمق مع الوقائع " السيّئة الحظّ " – من مثل أنّ قائد من قادة ملاّكى العبيد ، توماس جيفرسن ، كان مسؤولا عن التوسيع الكبير لمناطق العبوديّة في الولايات المتّحدة من خلال إشتراء لويزيانا في بدايات القرن التاسع عشر . و " ملاّكى العبيد " الذين ، وفق آرندت ، كانوا يريدون إلغاء العبوديّة تدريجيّا ، شنّوا حربا أهليّة في ستّينات القرن التاسع عشر في محاولة فاشلة ليس لمجرّد الحفاظ على بل إن أمكن توسيع العبوديّة .
و في ذات مسعى إعادة كتابة التاريخ لأجل الدفاع عن بعض أسوأ فظائع " الديمقراطيّات ( الإمبرياليّة ) الغربيّة " ، حاججت آرندت أنّه في ظلّ حكم الإستعمار البريطاني ، في عشرينات القرن العشرين و ثلاثيناته ، بين الحربين العالميّتين الأولى و الثانية :
" رغم أنّ حكم الإمبرياليّة البريطانيّة غرق في بعض السوقيّة و الوحشيّة فقد نهض بدور أقلّ بين الحربين العالميّتين مقارنة بما سبق أبدا و قدر أدنى من حقوق الإنسان وقعت صيانته . هذا الإعتدال وسط جنون تام عبّد الطريق لما أسماه تشرشل " القضاء على إمبراطوريّة فخامة الملك " و في النهاية يمكن أن يغدو معناه تغيير الأمّة الأنجليزيّة إلى كومنولث أنجليز ".
كلّ هذا لا يعدو سوى تبييض الفظاعات الرهيبة التي ميّزت حكم الإستعمار البريطاني في الهند و في أنحاء أخرى من آسيا و أفريقيا و غيرهما – شيء ضمن أشياء أخرى موثّق تماما و على نطاق واسع في كتاب لكارولين ألكينس ، " إرث العنف: تاريخ الإمبرياطوريّة البريطانيّة " . أمّا بالنسبة إلى تشرشل – الذى يتمتّع تقريبا بالوقار الشبيه بذلك الذى يناله الإلاه من طرف ممثّلى الإمبرياليّة " الغربيّة " ، بما فيها أولئك في الولايات المتّحدة ، " الليبراليّ,ن " و " المحافظون " على حدّ سواء – إنّه لواقع راسخ جيّدا أنّه كان إستعماري و عنصريّ متعنّت ، مسؤول عن الجرائم الشنيعة ضد الإنسانيّة قبل الحرب العالميّة الثانية و أثناءها و بعدها ، و الذى لم يقبل بنهاية الإمبراطوريّة البريطانيّة إلاّ عندما إضطرّ إلى القيام بذلك ، عقب تحمّله مسؤولبيّة عن الأعمال الأكثر فجاجة في محاولة للحفاظ على الإمبراطوريّة .
و من المهمّ أن نبقي في أذهاننا أنّ ما بيّنته هنا بشأن آرندت ليس خاصا بها و إنّما على العكس ، أمر نموذجيّ بالنسبة إلى مدّاحى الإمبرياليّة " الغربيّة " ، الولايات المتّحدة ، و تشويههم الفجّ و الإرادي للواقع – و بوجه خاص تجربة الشيوعيّة – بإفلاس " نظريّتهم " " الكليانيّة " .
و ما هو صادم هو أنّ هذا يؤدّى حتّى بآرندت إلى درجة أن تحاجج بأنّ الحياة في العالم الشيوعي ستكون بسوء ( إن لم تكن أسوأ من ) تدمير نوويّ . و في علاقة بهذا ، تحيل آرندت إلى الكليانيّة على أنّها " نظام معسكرات إعتقال " ( و ، مرّة أخرى ، من المهمّ أن نبقي في أذهاننا زعم آراندت بأنّ فقط الإتّحاد السوفياتي ، و ليس حتّى ألمانيا النازيّة ، هو الذى صار " كليانيّا تماما " ). و ؤكّد آراندت على أنّ إنتصار " نظام معسكرات الإعتقال " هذا سيعنى " ذات الموت الحتمي للبشر شأنه في ذلك شأن إستخدام القنبلة الهدروجينيّة بالنسبة إلى البشر " . و يقترب هذا كثيرا من – إن لم يكن مماثلا في الواقع ل – الصرخة الجنونيّة المعادية للشيوعيّة : " الموت أفضل مكن الحُمر " . أو كما أشرت إلى ذلك في ردّى على هذا الموقف لآرندت : " إنّها تعبّر عن فكرة مشابهة جدّا لتلك التي يردّدها الناطقون الرسميّون باسم الإمبرياليّة الغربيّة اليوم و الذين يؤكّدون أنّه مهما كانت الحرب النوويّة فظيعة هناك شيء أسوأ منها ... و هذا الشيء هو إستعباد الكليانيّة ".
و من جميع ما تقدّم ما إقتبسته في البداية هنا ، من مقالى السابق حول " الكليانيّة " (1) يجب أن يتكشّف صحيحا بأكثر قوّة:
" مثلما شرحت بإسهاب ، " الكليانيّة " " نظريّة " غير علميّة تماما – أو في الواقع ، هي معادية للعلم – طبخها و روّج لها مثقّفون مدّاحو هذا النظام( النظام الرأسمالي – الإمبريالي ) من الفظائع الأبديّة وهي تخدم صرف الإنتباه و تبرير الجرائم الكبرى التي ما إنفكّ يقترفها هذا النظام ضد الإنسانيّة و الحثّ على المعارضة اللاعقلانيّة للثورة و بوجه خاص الثورة الشيوعيّة . و كون من الممكن أن يأخذ أيّ إمرء هذه " النظريّة " مأخذ الجدّ و أن يتمّ التعاطى على نطاق واسع مع هذه " النظريّة " كنوع من " الحكمة المقدّسة " – شاهد مرير على الرغبة المبيّتة من قبل الكثير و الكثير من الناس بمن فيهم الذين يعلنون أنّهم " ليبراليّون " ، ليأقلموا أنفسهم مع هذا النظام الرأسمالي – الإمبريالي ، الذى يقوم على الإستغلال بلا رحمة لمليارات الناس حول العالم منهم مئات ملايين الأطفال ، وهو يُفرض من خلال القمع الوحشيّ و العنف المدمّر الكثيف."
هامش المقال :
1. ANOTHER PROVOCATIVE BUT SIMPLE AND BASIC TRUTH ON COMMUNISM AND THE FALLACY OF “TOTALITARIANISM”



الملحق الثاني :

" الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط " دولة فاشيّة
بول ستريت ، جريدة " الثورة " عدد 831 ، 4 ديسمبر 2023
https://revcom/us/en/only-democracy-middle-east-fascist-state

ملاحظة الناشر : هذا المقال لبول ستريت ، مؤرّخ و كاتب ، نُشر في الأصل في غرّة ديسمبر 2023 على موقع
ThePaulStreetReport .
نسق قياسيّ لقتل و ترحيل " الحيوانات البشريّة "
الدليل الأكثر بداهة لدعم أطروحة أنّ إسرائيل دولة فاشيّة هو العنصريّة العنيفة للإحتلال و نظام الفصل العنصريّ / الأبارتايد الذى طالما فرضته بالقوّة العسكريّة و شبه العسكريّة للقتل الجماعي لأبناء و بنات الشعب الفلسطيني . و قد تصاعد إستخدام القوّة المميتة بداهة في الشهرين الأخيرين ، إثر هجوم حماس الرهيب في 7 أكتوبر ما وفّر لتلّ أبيب تعلّة لتنفيذ برنامج همجيّ للتطهير العرقي الذى إلى الآن قام بترحيل 1.7 مليون فلسطيني من سكّان غزّة الذين يعدّون 2.3 مليون نسمة بينما قتل من نساء و أطفال غزّة طوال السبعة أسابيع الماضية أكثر ممّا قُتل من النساء و الأطفال في أوكرانيا طوال سنتين من الحرب ( مقالى في ThePaulStreetReport تعمّق في بعض التفاصيل التي توفّرت لنا بعدُ وهي مرعبة ) . و الشيء الجديد الوحيد هو النسق الرهيب الذى تقتل به إسرائيل أبناء و بنات الشعب الفلسطيني الذين نعتهم وزير الدفاع الإسرائيلي بفاشيّة على أنّهم " حيوانات بشريّة " .
فاشيّة العالم الثالث
و هناك على الأقلّ قسما آخران يدعمان أطروحة أنّ إسرائيل دولة فاشيّة . و تجدر الملاحظة أيضا أنّ الشبكة العالميّة لليهود المناهضين للصهيونيّة ( IJAN ) قد أبرزت " الدور القمعيّ العالمي الذى تنهض به إسرائيل " . فإسرائيل قد حوّلت طوال عدّة عقود خبراتها في القمع المطوّرة من خلال ترحيل الفلسطينيّين و إضطهادهم ، إلى صناعة عالميّة مرتبطة بفاشيّة العالم الثالث المدعومة من الولايات المتّحدة ، عبر العالم: " إنّ قدرات إسرائيل الفريدة في التحكّم في الحشود و الترحيل القسريّ و المراقبة و الاحتلال العسكريّ قد أفضت إلى وضعها في مقدّمة الصناعة العالميّة للقمع : إنّها تطوّر و تصنّع و تسوّق تكنولوجيا تستخدمها الجيوش و الشرطة حول العالم بأهداف قمعيّة . إرتبط دور إسرائيل في هذه الصناعة بالجيش الإسرائيلي الذى إستخدم أوذلا أسلحته الحربيّة ضد الشعب الفلسطيني في فلسطين التاريخّة ، و ضد البلدان المجاورة . و في السنوات الحديثة ، مع نمو الاهتمام بالمراقبة و تكنولوجيا و تقنيات الشرطة في صفوف الحكومات عبر العالم ، ظهرت صناعة خدمات خاصة " الأمن القومي " على أساس هذه الأدوات المجرّبة ميدانيّا لتستغلّ و تصدّر هذا الاهتمام ... و قد زَوّدت إسرائيل بالأسلحة و درّبت مليشيا و جيش و شرطة مدنيّة و طوّرت و وفّرت تكنولوجيا مراقبة و إستراتيجيّات قمعيّة و مدّت بوسائل مروحة عريضة من التقنيات الأخرى للتحكّم من الأسلحة " غير القاتلة " إلى تكنولوجيا الحدود . و قد نهضت إسرائيل بدور في تسليح و تدريب أنظمة الفصل العنصري / الأبارتايد في جنوب أفريقيا و روديسيا ، و أنظمة إستعماريّة في الشرق الأوسطو شمال أفريقيا ، و دكتاتوريّين في أمريكا الوسطى و آسيا . كما لعبت إسرائيل دورا كبيرا و عالميّا في فرض قيود على حرّية الحركة و مراقبة الشرطة للمجموعات و تقويض نضالات الشعوب من أجل العدالة ... و إسرائيل تبيع الأسلحة و التكنولوجيا و التدريب و تقنيات العنف للذين تعتبرهم حلفاء و حتّى للذين تعتبرهم أعداء . تبيع إسرائيل و قد باعت إلى دول إسلاميّة و شيوعيّة و رأسماليّة و دكتاتوريّة و إشتراكيّة ديمقراطيّة . و القوّة المحرّكة وراء تصدير الأسلحة الإسرائيليّة ، علاوة على محرّك الربح ، هي الحاجة إلى تحالف وثيق و قويّ مع القوى الإمبرياليّة العظمى التي تزوّدها بالدعم المستمرّ عسكريّا و دبلوماسيّا ، و الأسواق و التمكّن من النفوذ . لذلك تجد إسرائيل أولويّة في بيع الأسلحة إلى الحلفاء و عملاء هذه القوى . " و تشمل سوق الأدوات و التقنيات القمعيّة المجرّبة ضد الفلسطينيّين قوّات شرطة الولايات المتّحدة التى تتولّى فرض الفصل العنصريّ / الأبارتايد العنصريّ – الطبقي الفعلي المحلّى الأمريكي و يغذّيه أكبر نظام سجن جماعي في العالم – نظام سجون الولايات المتّحدة العملاق العنصريّ .
" الآن هو نظام فاشيّ "
و علامة ثالثة عن الجوهر الفاشيّ لدولة إسرائيل هو القمع الذى وجّهته لسكّانها ذاتهم الذين نقدوا هجومها الأخير على الشعب الفلسطيني ، أكبر هجوم منذ النكبة الأصليّة . أسبوعان بعد هجوم حماس الرهيب في 7 أكتوبر ، أعلن رئيس شرطة إسرائيل ، كوبى سهابتاي ، أنّه سيوجد " صفر تسامح " مع الإحتجاجات المناهضة للحرب . و هدّد بإرسال المتظاهرين ضد الحرب إلى غزّة وهي تحت القصف على نطاق لم يسبق له مثيل . " كلّ من يودّ أن يصبح مواطنا إسرائيليّا ، مرحبا به . " قال سهابتاي ، " و كلّ من يودّ أن يتعاطف مع غزّة مرحّب به . سأضعه في الحافلات المتّجهة إلى هناك الآن . سأساعده على الوصول إلى هناك ... سيوجد صفر تسامح مع أيّة محاولة تحريض ... لن يُسمح بالإحتجاجات ... لسنا في وضع يخوّل لكافة أنواع الناس أن يأتوا و يختبرونا ". كم كان هذا فاشيّا ؟
منذ بداية الحرب الأخيرة و الأشرس لإسرائيل على غزّة ، مئات الإسرائيليّين بمن فيهم اليهود ، وقع إيقافهم لمجرّد الشكّ في دعمهم أو إثارتهم " الإرهاب " . سبب الإيقافات المزعوم " إرهاب " هو أيّ علامة معارضة لحرب إسرائيل المريعة ضد غزّة . و منشورات وسائل التواصل الاجتماعي المعتبرة داعمة بصفة غير كافية للمذابح الإجراميّة لإسرائيل في حقّ غزّة كانت تكفى لحصول إيقافات . و اليهود و الفلسطينيّونالإسرائيليّون يقع قمعهم لجرائم فكر . و قد قلّبت شرطة إسرائيل وسائل التواصل الاجتماعي باحثة عن علامات أنّ أيّ من مواطني الأّة قد عبّر عن " دعم لحماس ". و مرّر الكنيست الإسرائيلي إجراءا يجرّم " الإستهلاك المنهجيّ و المستمرّ لمنشورات منظّمة إرهابيّة " ، مهدّدا اليهود بالسجن لا يقرأونه و يشاهدونه و يسمعونه .
و موسّعة إلجام الأصوات على أئمّة جامع الأقصى ، نعت الشرطة الإسرائيليّة رجال الدين المسلمينمن الإشارة إلى الهجوم على غزّة في خطب الجمعة .
و رفضت المحكمة العليا الإسرائيليّة السماح بالإحتجاجات المناهضة للحرب في المدن الفلسطينيّة ، أمّ الفحم و سكنين . " عندما كانت مجموعة من السياسيّين الفلسطينيّين ، منهم بعض الأعضاء السابقين بالكنيست ، تحاول أن تحتجّ على الحرب في الناصرة ، كانت الشرطة الإسرائيليّة تحاصرها بسرعة شديدة " . ( The New Arab Reports )
و أكثر من ذلك :
" تعرّض الدكتور ماير باروشين ، نشاط إسرائيلي مناهض للحرب على غزّة ، إلى الإيقاف حديثا و جرى بحثه من أجل تهمة العصيان و محاولة إقتراف خيانة . و وُضع في سجن إنفرادي لأربعة أيّام . و هذا العجوز ذو ال62 سنة ، كان إلى فترة حديثة أستاذ حضارة و تاريخ أمريكي في معهد عالي في بيتاه تكفا . و مشغّله ، بلديّة بيتاه تكفا، قدّمت شكاة مع الشرط إثر نشره مقالات على الفايسبوك تنقد الجيش الإسرائيلي و سلوك الحكومة في الحرب ضد غزّة ".
و طُرد الدكتولر باروشين من عمله لأنّه تجرّأ على الحديث ضد العقاب الجماعي و قتل الأطفال .
و علّقت لجنة الأخلاق البرلمانيّة افسرائيليّة عضويّة الكنيست لليساريعوفر كاسيف لمدّة 45 يوما عقب نقده لحرب الإبادة الجماعيّة الإسرائيليّة ضد غزّة . و عُوقب كاسيف لإمتلاكه الإستقامة لملاحظة أنّ :
- قادة إسرائيل لطالما رحّبوا بحماس كأداة تساعدهم في الحيلولة دون تشكيل دولة فلسطينيّة مستقلّة .
- شيء مثل 7 أكتوبر كان حتميّا عتبارا لإشتداد الإرهاب الإسرائيليّ ضد الشعب الفلسطيني في كلّ من غزّة و الضفّة الغربيّة .
- إتنمت حكومة نتنياهو الإستبداديّة و الإبادية الجماعيّة فرصة 7 أكتوبر لتنفّذ حملة ترحيل جماعيّة في غزّة ( و اليوم جاء في تقرير جريدة " النيويورك براس " أنّ الجيش الإسرائيلي كان على علم مفصّل بمخطّط حماس ل 7 أكتوبر " منذ ما يزيد عن السنة " ).
و في حوار صحفيّ نُشر على Truthout أواخر أكتوبر ، لاحظ كاسيف أنّ الحكومة الإسرائيليّة كانت تزوّد المليشيا الصهيونيّة -الفاشيّة و " المستوطنين " المجرمين بالأسلحة . كما لاحظ أنّ المعارضين في إسرائيل تعرّضوا لعنف الغوغاء الذى تتسامح معه الشرطة الإسرائيليّة – وضع " فاشيّ "هدّد أحد أصحابه المقرّبين :
" ...إنّه لمن الممنوع التظاهر و الإحتجاج ضد الحرب . " الديمقراطيّة الوحيدة في الشرق الأوسط تمنع التظاهراتعلى كلّ من المواطنين العرب و اليهود – ليس دعما لحماس ، إنسى الفكرة – بل لمعارضة الحرب أو مجرّد التعبير عن التعاطف الإنساني مع المدنيّين الأبرياء في غزّة . لا يُسمح لهم بالقيام بذلك . و الأمس ، وُجدت محاولة من أصدقائي و رفاقي في حيفا ، شمال إسرائيل ، للتظاهر . ففرّقت الشرطة المحتجّين بعنف و كالت لهم الضرب و أوقفت بعضهم . الآن ، هو نظام فاشيّ . و هذا مجرّد قمّة جبل الجليد ... فمن الممنوع التعبير عن التاطف مع شعب غزّة . من الممنوع التعبير عن الوجع لما يحصل مع أطفال غزّة الذين يتمّ قتلهم . من الممنوع معارضة الحرب على وسائل الإتّصال الاجتماعي . و قد جرى تسريحأناس من عملهم لقيامهم بذلك . و أُطرد الطلبة من معاهدهم و جامعاتهم ... و هناك عديد اليهود الذين يلحق بهم أثر هذا أيضا . و صديق لى ، اليوم بالذات ، أعلن أنّه وقع طرده من معهد كان يدرّس به لأنّه كتب إعتراضا على الحرب في الفايسبوك ...و بات الآن من الشرعيّ قتل المواطنين الفلسطينيّين و إطلاق النار عليهم و كذلك هو الحال بالنسبة إلى اليهود الديمقاطيّين أو اليساريّين في ما يتعلّق بالخطاب العام . و لا يتوقف الأمر عند الخطاب العام و حسب فالشرطة تحوّلت إلى مليشيا خاصة لوزير الأمن القومي إتامار بن غفير ... قبل أسبوعا من الآن ، جدّت تظاهرتين بتلّ أبيب ضد الحرب . حينها كان بعدُ مسموحت بها . و أثناء واحدة من التظاهرتين ، ضربت الشرطة بعض المتظاهرين ، رجال و نساء كانت أعمارهم تتجاوز السبعين سنة . و ثمّ أثناء تظاهرة أخرى أكبر حجما بقليل ، بعد بضعة ساعات ، مجدّدا بتلّ أبيب ، تعرّضت للهجوم الخبيث و العنيف من قبل المتفرّجين . و لم تساعد الشرطة المتظاهرين بل قدّمت العون لمن هاجموهم ... و لا يتعلّق الأمر بالشرطة فقط . فهناك مليشيات المستوطنين و المتعصّبين الذين تسلّحهم الدولة الآن . و الوزير الذى أشرت إليه ، هذا المتعصّب ، أصدر أمرا ييسّر على الجميع الحصول على ألأسلحة . و الكثير من الناس ، ليس جميعهم ، بل الكثير من الناس المسلّحين الآن متعصّبون من ذات نوع باروش غلدشتاين الرجل الذى قتل 29 فلسطيني كانوا يصلّون في الخليل قبل ثلاثين سنة ...سيسيل الدم داخل إسرائيل بفعل هؤلاء الفاشيّين ، بفعل هذه المليشيا التي أشرت إلى أنّها تصاحب الشرطة – و الشرطة بعدُ تتصرّف كمليشيا . إنّهم مدرّبون . و لديهم مخيّمات تدريب . و هم منظّمون في الشبكات الإجتماعيّة و على تطبيقة الواتساب . و لديهم أهداف و أسماء يساريّين و فلسطينيّين و عناوينهم إلخ . و يكتبون على الجدران ، لا تقولوا لم نحذّركم . و هم الآن مجيّشين و مجهّزين بأسلحة و مدرّبين ، و لديهم ضوء أخضر من الحكومة . وإنّها لمسألة وقت فقط قبل أن يشرعوا في إطلاق النار على الناس ... و هناك صديق عزيز على قلبى – يساري راديكالي جدّا وهو كذلك يهودي أورتودكسي متشدّد . إنّه صوت بارز من الأصوات المناهضة للإحتلال و العنصريّة . إسمه إسرائيل فراي . يعيش في بناي براك . هاجمته الغوغاء الإسرائيليّة اليمينيذة قبل بضعة أيّام وهو في منزله . لم ينجحوا في الدخول إلى المنزل إلاّ أنّه خارج المنزل تجمّع بضعة مئات كانوا يقذفون المنزل بأشياء . هاتفته لمّا سمعت عن ما كان يجرى . و عندما إلتقيته ، لم يكن يستطيع الكلام حقّا بما أنّه كان من الواضح أنّه كان يدافع عن أطفاله الصغار في منزله و لم يستطع الخروج منه . أخشى ما يخشاه كان أن يكسروا الباب و يدخلوا ... و إستغرق حضور الشرطة وقتا . و حينما وصلوا المكان إصطحبوه إلى سيّارته و أبقوه فيها . لم يدافعوا عنه . لم يقوموا بحمايته . لم يرافقوه إلى مكان آمن . لم يفعلوا سوى إبقائه هناك ، فكان عليه أن يفرّ بسيّارته و الغوغاء تلاحقه إلى أن بلغ مستشفى بتلّ أبيب حيث تمكّن من الدخول و اللجوء إلى أمن المستشفى . و الآن لبضعة أيّام ، يتخفّى في مأوى . الدولة لا توفّر الحماية و الشرطة لا توفّر الحماية . "



#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ...
- موجات حرارة عالميّة قاتلة تكتسح الكوكب ... دون ثورة ، قبضة م ...
- هذا الأسبوع في غزّة : تصاعد اليأس و التدمير و إنتشار الأمراض
- مع تخييم إستشراء تهديد الجوع ، الولايات المتّحدة / إسرائيل ي ...
- المؤتمران الماويّان للحزب الشيوعي الصيني و تحريفية دنك سياو ...
- الحكومة الإسرائيليّة تُطلق العنان ل - مستوطنين - عنصريّين مس ...
- بوب أفاكيان:لا لترامب الفاشيّ ! لا لجو بايدن الإبادي الجماعي ...
- مقدّمات نظريّة بصدد الصراع الطبقيّ في ظلّ الإشتراكيّة الفصل ...
- لنحشد قوّة دفاعا عن أرنداتى روي – لنوقف هجوم الحكومة الهنديّ ...
- جمهوريّة إيران الإسلاميّة ليست - مناهضة للإمبرياليّة - – إنّ ...
- إزدواجيّة خطاب و تواطؤ الحكومة المكسيكيّة في ما يتّصل بالإبا ...
- 4 جويلية 2024 : لنقُل لا للإحتفال بأمريكا – نموذج حقيقيّ للإ ...
- تحيين غزّة : - هذه اللحظات من اللحظات الأكثر وحشيّة في تاريخ ...
- تقرير الأمم المتّحدة توثّق جرائم حرب إسرائيل و جرائمها ضد ال ...
- بايدن يلعب - لعبة اللوم - بشأن إيقاف إطلاق النار و أجندا الك ...
- الديمقراطيّة في ظلّ الإشتراكيّة
- جمهوريّة الإعدامات : أنتم المجرمون ! أوقفوا إعدام البشر ! - ...
- مجزرتان إسرائيليّتان في النصيرات في غضون ثلاثة أيّام : مئات ...
- بوب أفاكيان : الفلسفة و الثورة – الجزء الأوّل و الجزء الثاني
- إدانة دونالد ترامب لإرتكابه 34 جريمة ¬¬¬– الصدام الآتى والحا ...


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 574
- مبعوث أممي يقترح تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والبوليسار ...
- م.م.ن.ص// متابعة الرفيقة سميرة قاسمي في حالة اعتقال وايداعها ...
- اقرا الاشتراكي
- رغم معاناتهن.. السودانيات الأجدر بالمقاومة سلمًا وحربًا
- انقذوا شمال غزة من الموت بالجوع والقصف
- الشرطة تفض احتجاجًا لأهالي جبل تقوق النوبية
- الفصائل الفلسطينية تدين العدوان الأمريكي البريطاني الجديد عل ...
- مصادر لبنانية: غارة لطيران الاحتلال على بلدة اليسارية جنوبي ...
- المبعوث الأممي للصحراء يقترح تقسيم الإقليم بين المغرب وجبهة ...


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - شادي الشماوي - الديمقراطيّة : مجرّد شكل آخر من الدكتاتوريّة سلسلة مقالات للحزب الشيوعي الإيراني ( الماركسي – اللينيني – الماوي )