|
جريمة غسل الأموال وطرائق الكشف عنها
حسين علي محمود
الحوار المتمدن-العدد: 8037 - 2024 / 7 / 13 - 09:39
المحور:
المجتمع المدني
غسيل الأموال يكون عن طريق عملية تحويل الأموال التي تم الحصول عليها بطرق غير قانونية إلى أموال تبدو كأنها مشروعة ومصدرها قانوني حيث تتم هذه العملية عادةً عبر عدة مراحل، تشمل إيداع الأموال في نظام مالي، إخفاء مصدرها من خلال عمليات مالية معقدة، دمجها في الاقتصاد. ان غسيل الأموال يعتبر جريمة خطيرة وله آثار سلبية على الاقتصاد والمجتمع، حيث يمكن أن يساهم في تمويل الأنشطة الإجرامية مثل الإرهاب، والاتجار بالمخدرات، والفساد. لذلك، تتخذ الحكومات والمؤسسات المالية إجراءات صارمة لمنع غسيل الأموال ومكافحته، من خلال تنظيمات وتشريعات وبرامج للامتثال ومراقبة المعاملات المالية المشبوهة.
يشجع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الدول لتطوير سياسات لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ومراقبة وتحليل المشاكل والاستجابات ذات الصلة وزيادة الوعي العام عن غسل الأموال وتمويل الإرهاب والعمل كمنسق للمبادرات التي تشترك في تنفيذها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى. تم تعريف غسل الأموال في اتفاقية فيينا لعام 1988 مادة 3.1 كما يلي: "تحويل الأموال او نقلها مع العلم بأنها مستمَّدة من أيَّة جريمة او جرائم، بهدف إخفاء أو تمويه المصدر غير المشروع للأموال أو قصد مساعدة أيَّ شخص متورَّط في ارتكاب مثل هذه الجريمة أو الجرائم على الإفلات من العواقب القانونية لأفعاله؛"
■ هناك شكلان رئيسيان لغسل الأموال:
▪︎ الغسل الذاتي: عندما تحاول منظمة إجرامية عبر وطنية إخفاء المصادر الأصلية غير المشروعة لعائدات الاتجار بالمخدرات الاصطناعية عن طريق غسلها للأموال بنفسها.
▪︎ غسل الأموال الاحترافي: عندما يتخصص مهنيون ماليون يعملون كمجموعة مستقلة ومنظمة في تقديم المشورة أو الخدمات من أجل غسل الأموال للمجرمين أو لجماعات الجريمة المنظمة عبر الوطنية.
■ ان غسيل الأموال له تأثيرات سلبية كبيرة على المجتمع والاقتصاد، منها:
▪︎ غسيل الأموال يمكن أن يؤدي إلى تدفقات غير منتظمة لرأس المال، مما يؤدي إلى عدم استقرار الأسواق المالية. ▪︎ عند اكتشاف تورط المؤسسات المالية في عمليات غسيل الأموال، مما يؤدي الى فقدان الناس الثقة في هذه المؤسسات، فيسبب تراجع الاستثمارات وتباطؤ النمو الاقتصادي. ▪︎ غسيل الأموال غالبا ما يرتبط بالجرائم المنظمة والفساد، مما يعزز بيئة الإفلات من العقاب ويزيد من مستويات الجريمة في المجتمع. ▪︎ معاناة الشركات القانونية من منافسة غير عادلة عندما تستخدم الأموال المغسولة لتمويل عمليات غير قانونية أو للحصول على مزايا غير عادلة في السوق. ▪︎ ان الأموال المغسولة غالبا ما تُستثمر في مشاريع غير منتجة أو غير قانونية، مما يقلل من الموارد المتاحة للتنمية الاقتصادية الفعلية. ▪︎ الحكومات والمؤسسات المالية تحتاج إلى استثمار موارد كبيرة في أنظمة الامتثال والتنظيم لمكافحة غسيل الأموال، مما يزيد من التكاليف العامة.
■ غسل الأموال عملية تتبع عادة ثلاث مراحل للإفراج النهائي عن الأموال المغسولة في النظام القانوني المالي. مراحل غسل الأموال الثالثة:
الإيداع Placement : حيث يتم إدخال الأموال غير القانونية إلى النظام المالي من خلال عدة وسائل مثل البنوك، الشركات الصغيرة، أو المؤسسات المالية الأخرى. قد يشمل ذلك تقسيم الأموال إلى مبالغ صغيرة لتجنب الكشف عنها ولِإبعادها عن الارتباط المباشر مع الجريمة.
التمويه او التغطية Layering : يتم تحويل الأموال من خلال سلسلة من المعاملات المالية المعقدة لجعل تتبع مسار الأصل صعباً وذلك عن طريق التحويلات البنكية، شراء الأصول مثل العقارات أو السيارات، أو إنشاء شركات واجهة.
الادماج Integration : يتم إعادة إدخال الأموال إلى الاقتصاد الشرعي بحيث تبدو وكأنها أتت من مصدر قانوني، حيث يمكن استخدام هذه الأموال للاستثمار في الأعمال التجارية والعقارات أو شراء الأصول القانونية. في الواقع قضايا غسل الأموال قد لا تشمل كل الثلاث مراحل، بعض المراحل قد يتم ادماجها او تكرر أكثر من مرة. فعلى سبيل المثال، تقسم المبالغ النقدية المكتسبة من مبيعات المخدرات إلى مبالغ صغيرة ثم تودع بواسطة "وسيط نقل الأموال" وتحول بعد ذلك كدفع مقابل خدمات لشركة وهمية، وفي هذه الحالة يتم حدوث الإيداع والادماج في مرحلة واحدة. تسجيل البعض أملاكهم من مصادر الفساد باسماء أخرين لا تنطلي على خبراء غسيل الاموال فلديهم تقنيات تتبع ذكية قادرة على الإمساك بمسارات الغسيل بحرفية.
■ هناك دائما مستفيدون رئيسيون من عمليات غسيل الأموال :
▪︎ الجماعات الإجرامية والمنظمات الإرهابية إذ يستخدمون غسيل الأموال لتحويل العائدات غير القانونية إلى أموال نظيفة يمكن استخدامها دون إثارة الشكوك. ▪︎ المسؤولون الفاسدون والسياسيون حيث يستخدمون هذه العمليات لإخفاء الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية مثل (الرشوة والابتزاز). ▪︎ الأفراد والشركات المتورطة في أنشطة غير قانونية: مثل تجارة المخدرات، والاتجار بالبشر، والتهرب الضريبي.
تاريخيًا، تضمنت أساليب غسيل الأموال التحزيز، أو هيكلة العمليات المصرفية لمبالغ كبيرة من الأموال في معاملات صغيرة متعددة، غالبا ما تكون موزعة على العديد من الحسابات المختلفة، لتجنب الكشف، واستخدام تبادل العملات والتحويلات البرقية أو مهربي النقود لنقل الأموال عبر الحدود. تتضمن طرق غسيل الأموال الأخرى الاستثمار في سلع متنقلة مثل الأحجار الكريمة والذهب التي يمكن نقلها بسهولة إلى ولايات قضائية أخرى، الاستثمار في الأصول ذات القيمة وبيعها بشكل متحفظ مثل العقارات، القمار، التزوير، وإنشاء شركات وهمية. في حين أن هذه الأساليب لا تزال قيد الممارسة، تتضمن أنواع غسيل الأموال أيضًا أساليب حديثة تضفي لمسة جديدة على الجريمة القديمة من خلال الاستفادة من الإنترنت. أدى ظهور المؤسسات المصرفية عبر الإنترنت وخدمات الدفع المجهولة عبر الإنترنت والتحويلات باستخدام الهواتف المحمولة في العملات الافتراضية مثل البيتكوين إلى زيادة صعوبة اكتشاف التحويل غير القانوني للأموال. اضافة الى ذلك، استخدام الخوادم الوكيلة وبرامج إخفاء الهوية يجعل غسيل الأموال متكاملاً، يكاد يكون من المستحيل اكتشافه، حيث يمكن تحويل الأموال أو سحبها دون ترك أثر لعنوان آي بي (ip address). يمكن أيضا غسيل الأموال من خلال المزادات والمبيعات عبر الإنترنت، ومواقع المقامرة وحتى مواقع الألعاب الافتراضية، حيث يتم تحويل الأموال غير المشروعة إلى عملة ألعاب (عملات المقامرة واللعب..الخ)، ثم تحويلها مرة أخرى إلى أموال بحيث تصبح اموال «نظيفة» حقيقية وقابلة للاستخدام ولا يمكن تعقبها.
من الخطوات الإيجابية انضمام العراق إلى عضوية مجموعة "إغمونت" (Egmont) لوحدات التحريات المالية، لتعزيز جهود مكافحة الفساد وغسيل الأموال. وتضم المجموعة 167 دولة، وتعمل على تسهيل تبادل المعلومات الخاصة بالسجلات الإجرامية وغسل الأموال وتمويل الإرهاب على الصعيد الدولي، من خلال تزويد المكتب بشبكة اتصالات آمنة مع دول العالم، بما يسهم بمتابعة حركة الأموال دوليا وتعزيز إجراءات التحقيقات المالية، وصولا لعمليات استرداد الأموال والأصول.
عقوبة جريمة غسيل الأموال في القانون العراقي تتراوح حسب القوانين واللوائح الصادرة بهذا الشأن. وفقا لقانون مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015، تتضمن العقوبات ما يلي: ▪︎ السجن : تتراوح مدة السجن من سنتين إلى عشر سنوات. ▪︎ الغرامة : تتراوح الغرامة من 5 ملايين دينار عراقي إلى 25 مليون دينار عراقي. ▪︎ مصادرة الأموال : يمكن مصادرة الأموال المتحصلة من الجريمة أو أي أصول متعلقة بها.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تشمل العقوبات إجراءات أخرى مثل منع المتهمين من ممارسة بعض الأنشطة التجارية أو المهنية، وتجميد الأصول.
ان استخدام التقنيات المتطورة وتشريع القوانين الصارمة يسهم بشكل كبير في تعزيز قدرة المؤسسات المالية والحكومات على كشف ومنع محاولات غسيل الأموال بفعالية أكبر. حيث يجب الكشف، باستخدام التقنيات الحديثة الذكية من خلال عدة وسائل وإجراءات تتبعها الجهات المختصة :
▪︎ تحليل البيانات الكبيرة (Big Data Analytics) تستخدم أدوات تحليل البيانات الكبيرة (خوارزميات) لجمع وتحليل كميات ضخمة من البيانات من مصادر متعددة مثل المعاملات البنكية، وبيانات العملاء، والتقارير المالية. يمكن لهذه الأدوات تحديد الأنماط المشبوهة أو غير العادية في المعاملات المالية.
▪︎ تقنية البلوك تشين Blockchain : هي دفتر الأستاذ الرقمي الذي يتم فيه تسجيل المعاملات، حيث يمكن استخدام البلوك تشين لتوفير سجل غير قابل للتغيير للمعاملات، مما يجعل من الصعب إخفاء الأنشطة غير القانونية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استخدام العقود الذكية لتنفيذ وإنفاذ القوانين المالية تلقائيا.
▪︎ الذكاء الاصطناعي (AI) وتعلم الآلة (Machine Learning): تستخدم هذه التقنيات لتحليل البيانات الكبيرة واكتشاف الأنشطة المشبوهة، حيث يمكن للنماذج تعلم أنماط غسيل الأموال من البيانات التاريخية والتنبؤ بالأنشطة المستقبلية التي قد تكون غير قانونية. ▪︎ التحليل الشبكي (Network Analysis): يمكن استخدام هذه التقنية لتحديد العلاقات بين الأفراد والشركات والتحقق من اتصالاتهم المالية وتحليل الشبكات المعقدة التي قد تشير إلى عمليات غسيل أموال، كما يمكن استخدام هذا التحليل للكشف عن التبادلات المالية غير العادية بين الحسابات المرتبطة. ▪︎ مراقبة المعاملات في الوقت الحقيقي (Real-Time Transaction Monitoring): ينبغي ان تستخدم البنوك والمؤسسات المالية أنظمة مراقبة قادرة على فلترة وتحليل المعاملات المالية في الوقت الحقيقي للكشف عن الأنماط المشتبه بها والأنشطة غير العادية على الفور لتنبيه السلطات المختصة. ▪︎ التعرف على الأنماط (Pattern Recognition): تستخدم الجهات الرقابية والحكومية تقنيات متطورة لتحليل البيانات والتعرف على الأنماط في العمليات المالية التي يمكنها تحديد الأنشطة المالية المشبوهة والتي تتناسب مع أنماط معينة لغسيل الأموال. ▪︎ التكنولوجيا البيومترية (Biometric Technology): استخدام تقنيات التعرف على الهوية البيومترية، مثل بصمات الأصابع والتعرف على الوجه والصوت، لضمان أن الحسابات البنكية تستخدم فقط من قبل أصحابها الشرعيين. ومنع استخدام الهويات المزيفة في المعاملات المالية. ▪︎ التعاون الدولي وتبادل المعلومات: تعزيز التعاون بين البنوك والمؤسسات المالية على مستوى دولي لتبادل المعلومات حول الأنشطة المشبوهة وتنسيق الجهود لمكافحة غسيل الأموال، يمكن أن يكشف عن شبكات غسيل الأموال العابرة للحدود. ▪︎ الرصد والتبليغ عن العمليات المالية المشبوهة: ان البنوك والمؤسسات المالية الأخرى ملزمة بالإبلاغ عن أي معاملات مالية غير اعتيادية أو مشبوهة إلى الجهات الرقابية. ▪︎ يجب تدريب الموظفين بإستمرار في المؤسسات المالية على كيفية التعرف على علامات غسيل الأموال والإبلاغ عنها.
#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السلامة المرورية واهميتها في المنظومة المجتمعية
-
الاختناقات المرورية أزمة تنتظر الحلول
-
الارهاب الفكري وايديلوجية تفخيخ العقول
-
ثقافة الانترنت
-
الكلاب البشرية أو ظاهرة الاستكلاب
-
التحرش الجنسي
-
بناء الإنسان
-
ظاهرة الكلاب السائبة
-
الماكينة البشيرية وصناع المحتوى
-
الذباب الالكتروني .. طريقة عمله وتأثيره
-
الإنتحار و تداعياته على المجتمع
-
المخدرات .. أضرارها وكيفية الوقاية منها
-
آفة الطلاق في المجتمع .. الاسباب والحلول
-
التصحر والتغيرات المناخية من أبرز التحديات التي تواجه المجتم
...
-
الابتزاز الإلكتروني ومدى تأثيره على المجتمع
-
سقوط طائرة رئيسي؛ اسباب وخفايا غامضة‼️
-
زعماء وملوك دولة العراق منذ التأسيس والى اليوم
-
اليوم العالمي لحرية الصحافة
-
بلوگرات وفشنستات الدولة العميقة
-
انجاب بدون وعي
المزيد.....
-
ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر
...
-
الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج
...
-
مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا
...
-
اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات
...
-
اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
-
ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف
...
-
مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
-
الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
-
تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة
...
-
هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|