الحاضرية الوجودية وفلسفة اللذة

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

الحوار المتمدن-العدد: 8036 - 2024 / 7 / 12 - 12:07
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    

انه موضوعً فلسفيً شائكً حول طبيعة اللذة والسعادة والاختلافات بين الإنسان والحيوان، من منظور فلسفي، يمكن النظر إلى اللذة على أنها حالة ذهنية إيجابية تتميز بالسرور والرضا، والتي تنشأ من تلبية الحاجات والرغبات الأساسية، عند النظر إلى الحيوانات، فإن اللذة تبدو مرتبطة بشكل أكبر بالإشباع الفوري للاحتياجات الأساسية مثل الطعام، والماء، والنوم، والتكاثر. وتميل الحيوانات إلى الاستجابة بشكل مباشر للمثيرات البيئية التي تؤدي إلى هذه اللذة الفيزيولوجية، بالمقابل، يتمتع الإنسان بقدرة على الحصول على اللذة من خلال مجموعة أوسع من المصادر. فالإنسان قادر على الاستمتاع بالتفكير والمعرفة والتطلعات المستقبلية والإنجازات الإبداعية، والعلاقات الاجتماعية، والخبرات الجمالية. وبالتالي، فإن اللذة عند الإنسان تنطوي على أبعاد ذهنية وفكرية وروحية أكثر تعقيدًا، في هذا السياق، يطرح الفلاسفة والمفكرون تساؤلات حول ما إذا كان للحيوانات مستوى من الوعي والإدراك يسمح لها بتجربة اللذة بطريقة مشابهة للإنسان، وما إذا كان هناك اختلافات جوهرية في طبيعة اللذة بين الإنسان والحيوان. وهذا مجال خصب للاستكشاف والنقاش الفلسفي المتواصل. هناك اختلافات جوهرية في مصادر اللذة بين الإنسان والحيوان من منظور فلسفي:
الإنسان والغرائز البيولوجية
عند الحيوانات، اللذة ترتبط أساسًا بالإشباع الفوري للحاجات البيولوجية الأساسية كالطعام والماء والجنس، بينما لدى الإنسان، اللذة تنبع أيضًا من مصادر أكثر تعقيدًا مثل الإنجازات الذهنية والإبداعية والمعرفية.
الوعي والإدراك
يُعتقد أن الحيوانات تتمتع بوعي محدود وإدراك بسيط لبيئتها المباشرة وإشباع حاجاتها، أما الإنسان، فلديه قدرة على الوعي الذاتي والتفكير التجريدي والتخطيط للمستقبل، مما يثري مصادر اللذة لديه.
التطلعات والمعاني الوجودية
بينما تكتفي الحيوانات باللحظة الحاضرة، يسعى الإنسان إلى البحث عن المعنى والتطلع لتحقيق أهداف ذات قيمة وجودية، فالإنسان قادر على الاستمتاع بالخبرات الجمالية والفكرية بطريقة لا تتوفر لدى الحيوانات.
التفاعل الاجتماعي
بينما تتمحور لذة الحيوانات حول الذات والإشباع الفردي، يستمد الإنسان اللذة من علاقاته الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين، فالإنسان قادر على التعاطف والحب والصداقة والانتماء، مما يزيد من مصادر اللذة لديه.
بالتالي، يتضح أن الإنسان يتمتع بمجموعة أوسع ومتنوعة من مصادر اللذة مقارنة بالحيوانات، والتي تتجاوز المستوى البيولوجي البحت وتنطوي على أبعاد ذهنية وروحية وإبداعية وإنسانية أعمق. هناك ايضا اختلافات بارزة في مصادر اللذة بين الإنسان والحيوان من منظور علم النفس:
التعقيد العصبي والمعرفي
عند الحيوانات، اللذة ترتبط بالدوائر العصبية الأساسية المرتبطة بالإشباع الحسي والغرائزي المباشر، أما عند الإنسان، فاللذة تنبع من تفاعل أنظمة عصبية وعقلية معقدة، بما في ذلك المناطق المرتبطة بالتفكير المجرد والذاكرة والتنظيم الذاتي.
الدور المعرفي والتقييمي
في الحيوانات، اللذة تنشأ بشكل أساسي من استجابات حسية تلقائية لمؤثرات بيئية بينما لدى الإنسان، اللذة تتأثر بعمليات إدراكية وتقييمية معقدة تشمل التوقعات والذكريات والمعتقدات والمعايير الاجتماعية.
التنظيم الذاتي والتحكم الانفعالي
عند الحيوانات، اللذة ترتبط بالاستجابات الفورية والتلقائية للحوافز البيئية، أما عند الإنسان، فاللذة تخضع لعمليات تنظيم ذاتي ومراقبة انفعالية تسمح بتأجيل الإشباع وتنظيم السلوك.
الأبعاد الاجتماعية والثقافية
اللذة عند الحيوانات هي ذاتية ومحصورة في السياق الفردي، بينما لدى الإنسان، اللذة تتأثر بشكل كبير بالسياق الاجتماعي والثقافي والقيم والمعايير السائدة. بشكل عام، يتميز الإنسان بقدرات معرفية وتقييمية وتنظيمية أكثر تطورًا مقارنة بالحيوانات، مما ينعكس على طبيعة وأشكال اللذة لديه. كما أن البُعد الاجتماعي والثقافي يلعب دورًا محوريًا في تشكيل مصادر اللذة الإنسانية.
العلاقة بين اللذة والسلطة عند الإنسان والحيوان ستكشف عن فروقات جوهرية:
السلطة والتكافؤ بين الحيوانات
في العالم الحيواني، السلطة تنشأ عادةً من الهرمية الاجتماعية والقوة البدنية، هناك نوع من التكافؤ في القوة والنفوذ بين الأفراد داخل المجموعات الحيوانية، اللذة لدى الحيوانات لا تحتاج إلى السلطة، بل ترتبط بإشباع الحاجات الحيوية المباشرة.
السلطة والتفاوت الاجتماعي عند الإنسان
في المجتمعات الإنسانية، السلطة تنبع من مصادر متنوعة كالثروة والمكانة والمعرفة والسيطرة، هناك تفاوت اجتماعي كبير في توزيع السلطة والنفوذ بين الأفراد والجماعات، اللذة عند الإنسان قد ترتبط بالسلطة والنفوذ كوسيلة لتعزيز المكانة والسيطرة.
الأبعاد النفسية للسلطة والاستغلال
بينما الحيوانات تستخدم السلطة بشكل غريزي لضمان البقاء والإشباع الحيوي الإنسان قد يستخدم السلطة لأغراض نفسية معقدة كالسيطرة والتحكم والاستغلال، هناك أبعاد نفسية مثل الانتقام والسادية والنرجسية قد تنشأ عند الإنسان نتيجة لعلاقات السلطة.
الأبعاد الأخلاقية والقانونية
في المجتمعات البشرية، السلطة والاستغلال يخضعان لمعايير أخلاقية وتنظيمات قانونية، بينما السلطة في العالم الحيواني تخضع فقط للقوانين الطبيعية للبقاء والاستمرار. بشكل عام، تتسم العلاقة بين اللذة والسلطة عند الإنسان بدرجة أكبر من التعقيد والتباين مقارنةً بالحيوان، نتيجة للأبعاد النفسية والاجتماعية والأخلاقية المتطورة لدى الإنسان. هناك اختلافات أخرى بين الإنسان والحيوان في علاقة اللذة بالسلطة والنفوذ:
استدامة السلطة والنفوذ
عند الحيوانات، السلطة والنفوذ غالبًا ما تكون مؤقتة وترتبط بالقوة البدنية والهرمية الاجتماعية، أما عند الإنسان، السلطة والنفوذ يمكن أن تستمر لفترات طويلة عبر مؤسسات اجتماعية وسياسية معقدة.
الوسائل المستخدمة لتحقيق السلطة والنفوذ
الحيوانات تعتمد بشكل أساسي على القوة البدنية والتهديد، الإنسان يستخدم وسائل متنوعة كالمعرفة والمهارات، والتكنولوجيا، والنفوذ السياسي، والاقتصادي.
التعقيد النفسي والاجتماعي
عند الإنسان، اللذة المرتبطة بالسلطة والنفوذ مرتبطة بحاجات نفسية معقدة كالاستقلالية والكفاءة والسيطرة، كما أن المكانة الاجتماعية والنفوذ السياسي والاقتصادي يشكلان مصادر لذة للإنسان.
الأبعاد الأخلاقية والقانونية
في المجتمعات البشرية، هناك ضوابط أخلاقية وقانونية على ممارسة السلطة والنفوذ لمنع الاستغلال والإساءة، بينما في عالم الحيوان، السلطة والنفوذ تخضع فقط لقوانين الطبيعة. بشكل عام، تتسم علاقة اللذة بالسلطة والنفوذ لدى الإنسان بدرجة أكبر من التعقيد والتنوع مقارنةً بالحيوان، نتيجة للخصائص النفسية والاجتماعية والأخلاقية المتطورة لدى الإنسان.
الانسان والغنى المادي النقدي
الانسان يعتبر الغنى المادي نوع رئيسي من انواع اللذة وهدفه في الحياة الحصول على المال باي طريقة، لكن فلسفيا لا تعني هذه لذة وهنا تقارن باللذة الحسية لدى الحيوان، هناك اختلاف جوهري بين طريقة إدراك اللذة لدى الإنسان والحيوان، خاصة فيما يتعلق بالجانب المادي والنفسي.
من وجهة نظر فلسفية
بالنسبة للحيوان، اللذة ترتبط بالحواس والمتع الفيزيولوجية البحتة مثل الأكل والشرب والجنس، أما بالنسبة للإنسان، فاللذة لا تقتصر على المتع الحسية فحسب، بل تتعداها إلى الجوانب المعنوية والفكرية، فالإنسان قادر على تحقيق لذة من الإنجازات الفكرية والإبداعية والمعرفية، كما أن الثراء المادي قد لا يحقق له الرضا والسعادة الحقيقية ويصبح من المتع الحسية. لذلك، الحصول على المال لا ينبغي أن يكون الهدف الوحيد للإنسان، بل يجب أن يكون وسيلة لتحقيق الذات والإشباع المعنوي. وهذا ما يميز طبيعة اللذة عند الإنسان عن الحيوان.
مستويات اللذة عند الانسان:
اللذة الحسية والفيزيولوجية
وتشمل المتع المرتبطة بالحواس كالطعم والشم واللمس والتي تشبه إلى حد كبير ما نجده عند الحيوان.
اللذة النفسية والعاطفية
مثل اللذة المصاحبة للعلاقات الاجتماعية والحب والانتماء والشعور بالأمن والقبول، كما تشمل اللذة المرتبطة بتحقيق الذات وإشباع الحاجات النفسية كالاستقلالية والكفاءة.
اللذة المعرفية والإبداعية
وتتمثل في المتع المصاحبة للتعلم والفهم، والاكتشاف، والإبداع الفني، والعلمي.
الإنسان يجد لذة في ممارسة النشاطات الفكرية والإبداعية.
يتميز الإنسان بتنوع مصادر لذته وارتقائها إلى مستويات أعلى من مجرد الإشباع الحسي، لتشمل جوانب نفسية ومعرفية وروحية. وهذا ما يعطي لذة الإنسان أبعادًا أكثر تعقيدًا وثراءً. إن تجربة وأهمية مختلف مستويات اللذة عند الإنسان تتأثر بشكل كبير بالسياق الثقافي والخصائص الفردية. وهذا ما يضفي تنوعًا وثراءً على فهم ظاهرة اللذة الإنسانية. هناك فرق جوهري بين المراتب الدنيا والمتع الحسية لللذة الحيوانية، وأعلى مراتب اللذة التي يجب ان يصل إليها الإنسان وهي اللذة المعرفية. وهي التي تتميزبمايلي :
التعالي والسمو:
فهي تتجاوز المتع الحسية والنفسية البسيطة إلى شعور بالتواصل مع الكون والوجود الأسمى.
اللاّنهائية والأزلية:
فهي ليست لذة زائلة أو محددة بزمان ومكان، بل تجربة أزلية لاّنهائية.
عدم التناقض مع الألم:
بل قد ترتبط هذه اللذة الروحية بتحمل الألم والمعاناة كجزء من تحقيق الكمال الأخلاقي.
هذه المراتب العليا للذة الإنسانية تتميز بخصائص وجودية أكثر عمقًا من مجرد المتع الحسية والنفسية، ولا يمكن أن تتحقق من خلال اللذة المادية البحتة. فهي تمثل أرقى طموحات الإنسان وأسمى آماله، يمكن للإنسان من خلال الحاضرية الوجودية الوصول إلى المراتب الأسمى للذة. هناك ارتباط وثيق بين الحاضرية الوجودية والتحقق الأخلاقي الذي يمثل أعلى مراتب اللذة الإنسانية، الحاضرية الوجودية تعني الإدراك والحضور الكامل في اللحظة الراهنة، بدون انشغال بالماضي أو القلق تجاه المستقبل. لذة الوعي ووعي اللذة في الحاضرية الوجودية، تتطلب التوحد مع الخبرة الراهنة والتفكير فيها بطريقة موضوعية، بشكل عام، يمكن القول إن لذة الوعي ووعي اللذة في الحاضرية الوجودية يعززان الانغماس العميق في التجربة الحالية والاستمتاع بها. اما اللذة المادية تتعلق بإشباع الرغبات الحسية والجسدية مثل الأكل، الشرب، الجنس، والراحة الجسدية، يشترك فيها الإنسان مع الحيوانات، وهي الرغبات الأساسية للبقاء والتكاثر، لا ان اللذة الروحية/العقلية هي التي تؤدي إلى الازدهار الإنساني الأعمق.

#غالب_المسعودي (هاشتاغ)       Galb__Masudi#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات