أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحميد عبود - فقدان














المزيد.....

فقدان


عبد الحميد عبود

الحوار المتمدن-العدد: 8033 - 2024 / 7 / 9 - 17:36
المحور: الادب والفن
    


الفقدان
لم أجد محفظة النقود في جيوبي الكثيرة ، 600 اورو ضاعت دفعة واحدة ، لم أرجع على الدراجة في نفس الطريق حتى أعثر على المحفظة ولكني قلت " الله لا يردها " رن الهاتف الجوال وسمعت صوت شاذلي على الطرف الآخر :
_ مالَكْ تأخرت عن الميعاد ، ألا تنوي سداد دينك؟
_ لا .
ـ ليش لا ؟
_ لأن المحفظة ضاعت بالطريق وفيها 600 اورو.
_ تستاهل ، لو كان معك بطاقة مصرفية لما اضطريت لحمل النقود نقدا
لم أقُلْ له اني ضد المال وضد راس المال وضد المصارف والادخار بل تركته يثرثر وحده حتى زهق من صمتي وأطبق السماعة بوجهي ، شعرتُ براحة المتخفف المتجرد ورحتُ أقود الدراجة باستهتار ، أنا شكل تاني ، حين بلغت سن الاربعين اتخذتُ أخطر قرار بحياتي ، ان أحدد علاقتي بالمال على أساس انه الشيء الوحيد الذي يمنعني من الكتابة ، وبعد عشر سنوات كتابة تحولتُ من نكرة مجهولة إلى نكرة معروفة، بطبيعة الحال توقفتُ عن الكتابة لأنني محتاج ، تخليتُ عن الغريزة لصالح الضرورة ، المال كقيمة بذاتها مشروع مضاد للكتابة وللحياة وحتى للحقيقة .
سقتُ بالدراجة تحت زخات المطر ولم أسرع حتى أتلذذ البلل، عند جسر "أنيير " نظرت إلى ضفتي النهر ، النوارس الماء الطبيعة الاشجار الباسقة، ورحت اصفر صفيرا بنكهة اللامبالاة ، أضعتُ كل شيء: الوطن ، الحب ، النقود ، لم يعد عندي ما اضيعه
اذ وصلت مكان عملي فوجئت بزميلي الكونغولي يقوللي :
ـ اراك فرحانا اكثر من العادة ، هل ربحت باليانصيب مثلا ؟
_ لا ولكني خسرت 600 اورو .
وانقلب وجهه من أسود إلى أحمر :
_ هذا المبلغ يساوي نصف معاشك الشهري ! 15 يوم عمل !.
عندما أخرج من المتجر الذي أعمل فيه يتبسم لي شحاد مدمنٌ كحولي كل مساء فأنفحه بقطعة نقدية ولكنه اليوم تبسم لي بالمجان ، وقلت له :
_ اليوم لن اعطيك شيئا لأني أضعتُ المحفظة.
وقبل ان يسألني كم فيها من النقود ؟أكملتُ :
_ 600 اورو
وارتفع صوته مستنكرا :
_ يا مسيح ، لو فرضنا ان ثمن قنينة النبيذ هو 3 اورو فأنت أضعت 200 قنينة نبيذ .
المال متعب في حالتين فقط ، حين يكون معك منه الكثير وحين لا يكون معك منه شيء ،وهو متعب اكثر في الحالة الثانية ، ومع ذلك حاولتُ ان أنسى ولكني لم أنس تماما ، رحت أعزي نفسي بكلام معهود من طراز : أنا فلسطيني مخوزق ، الفقدان شرط وجودي الشارط ، 600 اورو مبلغ كبير حقا ، هذه الدراجة التي أسوقها هي كل ما تبقى لي، أصلحها وأزيتها وأرقع دواليبها ، اشتريتها مستعملة من سوق الخردة ب50 اورو ، 600 مقسومة على 50 يساوي 12 ، اذن أنا أضعتُ دزينة دراجات ، معلش، سأظل إيجابيا ، فأنا من القلة المرخص لها بالتجول في الحجر الصحي ، الشارع الخاوي لي وحدي ولا أتوقف عند الإشارة الحمراء ، إنْ أضعتُ شيئا فعندي أشياء ولم أنتبه لها الا الآن ، الصحة والعمل والتفاؤل وكتبي ، المال ضروري بالحد الضروري ، المال مطية نمتطيها ولا تمتطينا،ولكن من سيدفع فواتيري ؟ نفقة شهرية لبنتي ؟ ديوني للشاذلي ؟ فاتورة الكهرباء والماء ؟وإيجار البيت ؟ والضرائب والرسوم ؟وهواتف العائلة التي تأتي بانتظام وتذكرني بالواجب ؟ هات ، إدفع بالتي هي أحسن ، النقوط لمن ولد ، والحلوان لمن نجح ، والعيدية لمن عيّد ، ماذا أرد عليهم ونحن في موسم الأعياد ؟ العائلة مقبرة تأخذ ولا تعطي ، لستُ أبا لكل الجائعين، أمسكتُ الهاتف ورميته في نهر السين ، خللي السمك يرد عليهم . قدت الدراجة بسرعة اكبر ، أنا الآن بلا عائلة ولكني معيل ، فثمة بنتي ليلى التي ستكمل أعوامها الستة ، الليلة ليلى في عهدتي ، وهي تفضل المبيت عندي اكثر من بيت أمها لأني أتساهل معها بأكل الحلوى ، رايتها في ميدان بورغينيون مع أمها تنتظرني ، أردفتها خلفي على الدراجة ومضينا ، في الطريق ذكرتني :
_ لا تنس ان تشتري لي الحلوى يا بابا .
وهي على مقعد الدراجة الخلفي أخرجتْ دفترها وأظهرتْ لي كيف كتبت كل أحرف الأبجدية العربية وحدها وقالت انها تستحق على هذا قطعة حلوى كبيرة وانها هي من ستختارها بنفسها ، ليلى تنسيني كل همومي ، وهكذا لم أتذكر اني طفران تماما الا أمام المخبزة ، ومع ذاك دخلت وقلت للخباز الذي يعرفني كزبون يومي :
_ أحتاج لقطعة حلوى ب 2 اورو ولكني نسيت المحفظة بالبيت .
وقلب الخباز وجهه وأشار بإصبعه إلى لوحة مكتوب عليها بالبنط العريض "الدين ممنوع " طئطئت رأسي وخرجت ، بدأت ليلى تتحرقص :
_لِمَ لَمْ تشتريلي حلوى يا بابا ؟
_ لأني أضعتُ محفظة النقود ؟
_ وهل فيها كثير من النقود يا بابا ؟
_ 600 اورو فقط .
_ هل هو مبلغ كبير يا بابا ؟
_ انه بحجم 300 قطعة حلوى .
وقلبتْ ليلى وجهها ورفضت ان تصعد إلى البيت وقالت :
_ أفضِّلُ المبيت ببيت ماما
قلبتُ وجهي ،شعرت اني فقدت دفعة واحدة 600 اورو ، و15 يوم عمل ، و200 قنينة نبيذ ، ودزينة دراجات ، و300 قطعة حلوى ... وليلى



#عبد_الحميد_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- امراة تشبهني
- رد متأخر على المرحوم جابر عصفور
- قضية الأدب أم أدب القضية
- عن مغزى رسائل غادة السمان
- عمر يوسف سليمان أوالمروق اللغوي
- لا عزاء لي الا بنبش جثمان عمر مزي
- من أجل ثورة جنسية عربية
- أنا مش شارلي
- سعيد عقل
- لماذا ابايع الخليفة البغدادي
- مفكرة ثورجي في بلاد الكرد
- مفكرة ثورجي في الثورة السورية(2)
- مفكرة ثورجي في الثورة السورية (1)
- مفكرة ثورجي في الثورة السورية
- حلب التي لا تستحق اسمها
- اصبح عندي الآن بندقية الى حلب خذوني معكم
- الفساد ، ماركة سورية مسجلة
- ظبية خميس ، فاجرة في هيئة شاعرة
- أيها النساء ، أبو القاسم الأمين هو الداء وقاسم أمين هو الدوا ...
- بيان لرجل واحد ضد أيور الثقافة


المزيد.....




- -الملحد-.. فيلم إبراهيم عيسى الجديد يثير الجدل والسبكي ينفي ...
- مهرجان الجاز الدولي الأول في بطرسبورغ يجمع 600 موسيقي و200 أ ...
- تفاعل واسع مع تتويج بلال محمد كأول بطل عالم فلسطيني للفنون ا ...
- عاصمة مملكة كندة.. المنظر الثقافي لمنطقة الفاو الأثرية ثامن ...
- كولومبيا.. الإعلان عن تشكيل جبهة ثقافية عالمية لدعم فلسطين
- إدراج أم الجمال الأثرية الأردنية في قائمة اليونسكو لمواقع ال ...
- الفنانة لطيفة تثير الجدل بتصريح حول المهاجرين خلال حفل في تو ...
- اليونسكو تدرج أربعة معالم إفريقية على قائمة التراث العالمي
- وفاة إيدنا أوبراين مؤلفة رواية -فتيات الريف- عن عمر يناهز 93 ...
- أكبر جدارية وسط خيام النازحين.. فنان فلسطيني يجسّد بريشته مآ ...


المزيد.....

- Diary Book كتاب المفكرة / محمد عبد الكريم يوسف
- مختارات هنري دي رينييه الشعرية / أكد الجبوري
- الرفيق أبو خمرة والشيخ ابو نهدة / محمد الهلالي
- أسواق الحقيقة / محمد الهلالي
- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبد الحميد عبود - فقدان