النسيء في الجاهلية والاسلام

عبد الكريم ناصر الجندي

الحوار المتمدن-العدد: 8031 - 2024 / 7 / 7 - 02:47
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    

النسيء في الجاهلية والإسلام
النسيء لغة : ذهب البعض إلى أن النسيء هو تبديل شهر حرام بشهر آخر محلل دون زيادة أو نقصان ومنهم الزمخشري وابن حبيب .
وقال البعض الآخر ومنهم الطبري والبيروني - هو الكبيس أي كبس سنة قمرية لشهر ثالث عشر وذلك باعتبار أن الفرق بين السنة القمرية والشمسية هو أحدى عشر يوما ، فحتى تتطابق مواعيد الاشهر القمرية مع الشمسية يجب اضافة شهر الى السنة القمرية كل ثلاث سنوات ويقال أيضا شهرا كل ثلاثين عاما ،وقال الطبري أن النسيء هي النسوء وهي المرأة الحامل وهي التي تحمل طفلا ليس من جزءا من جسدها ونسأت المرأة أي حملت .والسنة التي تحمل اياما غير ايامها فهو النسيء بمعنى الكبيس والزيادة .
كيف تعامل العرب في الجاهلية مع النسيء بشكل عام والقرشيين بشكل خاص .
يقال أن العرب أخذوا النسيء وتعلموه من اليهود وكان رئيس مجلس السنهدرين عند اليهود يلقب ب ((ناسي))والذي توكل اليه مهمة نسء الشهور وهي هنا بمعنى الكبس حتى تأتي الأعياد في مواعيدها من كل عام متطابقة مع التقويم الشمسي .
بالنسبةللعرب يقال أن كان لهم تقويمان تقويم شمسي يتعلق بمعاشهم وأوقات ومواعيد تجارتهم وزراعتهم اذا كانوا من أصحاب الزراعة ،وتقويم قمري يتعلق بالعبادات والأعياد ،وقد يضطرون الى مطابقة التقويمين مع بعضهما فالتجارة القادمة من اليمن والشام تحتاج الى طقس مناسب للمسير وحركة رياح للسفن ،فيجب توافق التقويمان وخصوصا اذا كانت التجارة تنشط في مواسم الاعياد والحج فيجب أن يكون التقويمان متطابقان ليأتي كل شيء بموعده ،وباعتبار أن التجارة والحج كانت تحتاج لسفر طويل وقطع مساحات في الصحراء وكان قسم كبير من العرب يعيش على غزو هذه القوافل ممادعى الى ايجاد أشهر مقدسة يحرم فيها القتال والسلب والغزو ،فكانت هناك أشهر تسمى الأشهر الحرم كما هو في الاشهر الأربعة المحرمة وهي ذي الحجة وذي القعدة ورجب ومحرم )الا أن هذا لم يثبت في المرحلة المتصلة في الاسلام فلا توجد معلومات ثابتة وواضحة كيف تحولت من عملية كبيس للسنة الى عملية تبديل شهر حرام بشهر آخر وهذا ما كان يحدث عند القرشيين وما حولهم
فيما يتعلق بقريش :
تختلف المصادر بتاريخ استخدام قريش وماحولها للنسيء فهناك مصادر تقول بأن قصيا هو أول من قام بعملية نسئ الشهور ثم أورثها لأولاد أخته من كنانة وروايات أخرى تقول بأن قصيا عندما استولى على أمر مكة وافق العرب على ماكانوا عليه لأنه اعتبره دينا بنفسه فأقر صفوان وعدوان والنسأه على ماكانو ا عليه وبحسب البيروني أن العمل بالنسيء عند قريش حتى حرمها الاسلام هو مائتي عام .والذي يقوم بالنسء عند العرب يسمى (قلمسا)جمع قلامسة واغلب القلامسة من كنانة .
كيف يتم النسىء :
لايوجد مايؤكد لماذا قريش وما حولها كانوا يستخدمون النسيء بمعنى التبديل أي تبديل شهر حرام بشهر محلل دون زيادة بعدد أشهر السنة ، ولم تكن عملية كبيس أي كبس للسنة الثالثة لتأتي الاعياد والاسفار في مواعيدها .
وبعض المصادر ذهب الى استخدام النسيء تبديلا وليس كبيسا هو ان العرب وقريش خصوصا اصحاب غزو وحرب وخصوصا قبيلة كنانة وكان أكثر النسأه منهم ،ويقال كان كبيرهم جنادة بن عوف الكناني مطاعا في الجاهلية فكان في موسم كل حج يقوم الى أعلى الجبل ويقول :(إن الهتكم أحلت لكم المحرم فأحلوه فيذهب الناس للقتال والغزو وأخذ الثأر ،وعندما يشق القتال على الناس ويسألوه وقف القتال فيقوم في الموسم ويقول ان الهتكم حرمت عليكم المحروم فحرموه ))فيتوقف القتال في بداية الشهر ،وهذا ماكان من النسيء قبل مجيء الاسلام وهو التبديل بالشهر دون الزيادة أو النقصان في أشهر السنة ،وهو مايسمى بالمواطأه :وواطأني فلان أي وافقني وهي قيام النسأة بموافقة من يسألهم بتحريم شهر وتحليل آخر ،وهذا يختلف تماما عن مفهوم النسئ عند اليهود وهو بمعنى الكبس أي اضافة أحدى عشر يوما للسنة القمرية على رأس ثلاث سنوات لتأتي الأعياد والمناسبات في مواعيدها ،ونحن نرى أن أسماء الاشهر العربية تدل على فترات من السنة قد لاتنطبق مع أسمائها فرمضان مثلا هو من الحر وشدة القيظ وهو تاسع الشهور ومن اسمه يفترض أنه يأتي في الصيف الا أن الأخذ بالنسيء على معنى التبديل وليس الكبيس قد يأتي في الشتاء وقس على ذلك مثل ربيع الأول وربيع الآخر ورغم أن بعض المصادر تقول بأن اسماء الاشهر العربية التي نعرفها استقرت على أسمائها في مستهل القرن الخامس للميلاد وتم تسميتها بهذه الأسماء من قبل ( كعب بن مرة)الجد الخامس للنبي محمد الاأنه لايوجد شيء من هذه المراجع يوضح لماذا كان القرشيين في الفترة السابقة للإسلام يقومون على هذا الحساب وهذه الطريقة ومن دون توافق بين الشهر ومعناه .
موقف الاسلام من النسيء
كان موقف الاسلام واضحا من النسئ فقد حرمه حرمة قطعية واعتباره عبثا بنظام الكون الثابت ،وجاء ذلك واضحا في الآية (( إن النسئ زيادة بالكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا ماحرم الله زين الله سوء أعمالهم والله لايهدي القوم الكافرين ))والواضح هنا من الآية أن التحريم واقع على نسيء المواطأه أي الذين يبتغون تحليل شهر محرم بشهر آخر لغاية في أنفسهم كسفر أو حرب ،ولكن هذا في المواطأه ولكن اذا كان النسيئ بمفهوم الحساب لمعرفة الشهور ومواقيتها ومطابقة الأعياد والمواسم لمواعيدها كل عام ((أي نسيء الكبيس )) والناس بحاجة لحساب الكبيس لاستمرار مصالحها وثبات مواعيدها وأوقاتها وهو مؤكد في القرآن في الآية التي تقول هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدرناه منازل لتعلموا عدد السنين والحساب .ما خلق الله ذلك إلا بالحق ....))ولكن في نص آخر من القرآن نجد أنه حتى حساب الكبيس قد تم تحريمه وذلك وفق ماجاء في الآية (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم وذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهم أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلوكم واعلموا أن الله مع المتقين )أي هنا حرم الكبيس باعتبار القول أن الشهور عند الله اثنا عشر شهر لاتزيد ولاتنقص ،وفي رواية البيروني عند فتح مكة في السنة الثامنة للهجرة يقال أن النسأه أنسأوا شهرا في سنة تسعة وحسب رواية البيروني أن النبي محمد انتظر حتى قال ان الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ) ويقال أن النبي انتظر حتى تبلغ عدد الشهور المنسوءه ضعفا كاملا من أضعاف اثنى عشر فيعود كل شهر قمري الى موضعه ،والبعض قال أنه انتظر حتى وافق ذي الحجة عند المشركين ذي الحجة في حساب المسلمين فدخل مكة ولانعلم هل كان له باع ومعرفة في النسئ وحساباته ؟؟حسب ماورد أعلاه ،واذا توافق دخوله مكة فلماذا لم يثبت عليها المسلمون يحيث تأتي في ميعادها في السنة المقبلة متوافقة مع الشهور ومسمياتها ولماذا تركت الشهور بهذا الوضع فشهر رمضان قديأتي صيفا وقد يأتي شتاءا، وصيام الشتاء بعيد جدا عن صيام الصيف والغاية المرجوه منه ،وهي الصبر والتحمل والتي لاتوجد في صيام الشتاء مثلا ،
ولم يعرف هل كان بقاء الاشهر القمرية على هذا الوضع بقرار من النبي أم جاء باجتهاد وحسابات ممن أتى بعده وعلى أية حسابات تم ذلك ،أم تم ذلك للتأكيد على تحويل هذه الأشهر العربية الى أشهر اسلامية وقطع أي صلة لها بفترة الجاهلية وترك الشهور تدور كما نعرفها من دون حاجة للنسء سواء كان تبديلا أو كبيسا لما له من صلة وذكرى بعبادة الأوثان والحرب والغزو كما ذهب الباحثان ((رودانسون ومونتغمري )).عبد الكريم الجندي .

#عبد_الكريم_ناصر_الجندي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات