داخل حسن جريو
أكاديمي
(Dakhil Hassan Jerew)
الحوار المتمدن-العدد: 8029 - 2024 / 7 / 5 - 15:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرت علينا قبل أيام الذكرى الرابعة بعد المائة ثورة العشرين المجيدة التي اندلعت شرارتها في مدينة الرميثة بمحافظة المثنى عام 1920 ,حيث رفعت عشيرة الظوالم (وهي فرع من عشائر بني حجيم في محافظة المثنى ) راياتها معلنة الحرب ضد الاحتلال البريطاني .يذكر ان القوات البريطانية قد غزت العراق في شهر تشرين الثاني عام 1914 عندما نزلت قواتها في الفاو , وفي شهر نيسان عام 1915 سيطرت على مدينة البصرة ,وتقدمت نحو بغداد وإحتلتها في شهر آذار عام 1917 بعد معارك مع القوات العثمانية.
إندلعت شرارة الثورة بقيام عشرة رجال أشداء من الظوالم , إقتحام سراي شرطة مدينة الرميثة , لتحرير الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم من سجنه , حيث كان معتقلا من قبل قوات الإحتلال البريطاني . وبعد مهاجمة السراي من قبل الرجال العشرة تم تحرير الشيخ شعلان وعاد إلى مضارب عشيرته سالما . وبعد هذه الحادثة حصلت عدة معارك , أهمها معركة البو حسان، العارضيات الأولى والعارضيات الثانية, كما قامت القوات البريطانية بقصف مدينة الرميثة لأول مرة بالطائرات . بلغت خسائر الثورة نحو (8450 ) شهيدا ، أغلبهم من القبائل في منطقة الفرات الأوسط، بينما بلغ عدد القتلى من الجنود البريطانيين نحو ( 312 )جنديا مع فقدان نحو (451) منهم، وبلغ عدد الجرحى نحو( 1228) جريحا . إمتدت بعدها الثورة لتشمل معظم مناطق العراق بمشاركة سكانها من مختلف التوجهات .
تميزت الثورة بتلاحم قبائل ومجموعات مختلفة من العراقيين ضد الاحتلال , حيث أجمعت على رفضها لسطة الحكم البريطاني ورغبتها الشديدة في الاستقلال وتأسيس حكم وطني.أدت الثورة إلى تغيير النهج البريطاني في الحكم والتوصل إلى اتفاق لتأسيس حكومة عراقية عام 1921، حيث تأسست المملكة العراقية تحت حكم الملك فيصل الأول، وأصبح للعراق نوع من الاستقلال الذاتي على الرغم من بقاء النفوذ البريطاني.
تعتبر ثورة العشرين حدثًا مهمًا في تاريخ العراق لأنها كانت خطوة نحو الاستقلال الوطني وتأسيس الدولة الحديثة .أسهمت الثورة في تنمية الروح الوطنية العراقية وتعزيز الوحدة بين مختلف فئات المجتمع العراقي. كانت ثورة العشرين حركة شعبية واسعة شارك فيها العديد من القادة والزعماء العشائريين والدينيين, أبرزهم :
شعلان أبو الجون: زعيم عشيرة الظوالم في محافظة المثنى.
محمد سعيد الحبوبي: عالم دين نجفي بارز.
. عبد الواحد آل سكر: زعيم عشيرة آل فتلة
. محمد تقي الشيرازي: مرجع ديني في كربلاء وأحد المحركين الرئيسيين للثورة
أبرز نتائج الثورة
1.تأسيس الدولة العراقية الحديثة
وافقت بريطانيا على تأسيس نظام ملكي في العراق. تم تنصيب الملك فيصل الأول ملكا للعراق في عام 1921،مما وضع أساسًا لبناء دولة عراقية مستقلة.
2.تأسيس جيش عراقي وطني
- كان من بين مطالب الثوار إنشاء جيش عراقي وطني. بعد الثورة، بدأت بريطانيا بتشكيل جيش عراقي يتكون من أبناء العراق ليكون نواة للجيش الوطني المستقل.
3. وضع دستور دائم لتنظيم الحياة السياسية في العراق , بإعتماد نظام الملكية الدستورية , وتأسيس مجلس نواب منتخب ومجلس أعيان مختار من وحهاء وأعيان العراق , على غرار مجلسي العموم واللوردات البريطانيين. كان هذا أول دستور دائم يشرع في العراق . ألغي هذا الدستور ولم يشرع دستور دائم آخر حتى إحتلال العراق وغزوه عام 2003 حيث شرعت إدارة سلطة الأحتال دستورا في ظل ظروف إستثنائية مضطربة .
4. تبلور مفهوم المواطنة والهوية العراقية لتكون بديلا للهويات العشائرية والأثنية والدينية والطائفية .
5. الاعتراف الدولي باستقلال الدولة العراقية .
- على الرغم من أن الاستقلال الكامل لم يتحقق فورًا بعد الثورة، إلا أن الضغوط الناتجة عنها أدت إلى اعتراف عصبة الأمم بالعراق كدولة مستقلة تحت الانتداب البريطاني في عام 1920، ثم حصل العراق لاحقا على استقلاله الكامل في العام 1932 ,وبذلك كان العراق أول دولة عربية تحصل على عضوية عصبة الأمم.
6. تحديث المجتمع العراقي بإعتماد نظم التربية والتعليم الحديثة , بديلا لنظم التعليم البدائية القائمة يومذاك على الكتاتيب التي يقتصر دورها على تعليم الأبجدية وتلقين بعض الدروس الدينية, وتم إنشاء المعاهد والكليات الجامعية .
7. تحديث البنية التحتية بأنشاء الجسور وطرق المواصلات ووسائل الإتصالات وبناء الموانئ والمطارات وشق الأنهر وبناء السدود وبعض المصانع .
لا ندعي هنا أن حكومات العهد الملكي التي إنبثقت من رحم الثورة كانت جميعها حكومات رشيدة , بل كانت خاضعة لمصالح كبار الملاكين ورجال المال والإقطاعين وشيوخ العشائر , دون الإهتمام الكافي بمصالح الفقراء والكادحين , لكنها كانت في جميع الأحوال أفضل من سابقاتها في العهد العثماني , والمؤسف أنها أفضل من حكومات العهود الجمهورية التي أعقبتها وأنتجتها الإنقلابات العسكرية التي يحلو لمناصيرها تسميتها بالثورات . لم يجن الناس من الإنقلابات هذه سوى الشعارات الثورية البراقة الفارغة من أي مضمون, سوى المزيد من الفقر والجوع والقتل والتشريد والدمار حتى يومنا هذا .
بإختصار كانت ثورة العشرين حدثًا تاريخيًا مهمًا في تاريخ العراق والمنطقة، تركت بصمات واضحة على مسار الأحداث السياسية والاجتماعية في البلاد .وثورة العشرين كانت بحق ثورة وطنية بكل معاني الثورة , وما سواها كانت أما تمرد عشائري لمطالب عشائرية ضيقة خاصة بها و أو عصيان وخروج عن السطة لتعارض مصالحها مع الصالح العام , أو محاولات إنفصالية من بعض الجماعات الساعية لقيام كيانات خاصة بها , أو إنقلابات عسكرية نفذها بعض العسكرين الطامحين لتولي المناصب القيادية العليا في الدولة ,بالتعاون مع بعض الأحزاب السياسية العاجزة عن تولي السطة عبر الوسائل الطبيعية , وبذلك إلتقت مصالحها للإطاحة بالسلطةالقائمة تحت غطاء مسمى الثورة . كانت نتائج هذه الإنقلابات كارثية بكل المعايير , خراب ودمار وتخلف وقتل وتشريد وتهجير ومصادرة حقوق الناس في ظل حكومات عسكرية ونظم سياسية إستبدادية,يقودها دكتاتور نصب نفسه فوق القانون بوصفه معجزة جادت بها السماء على شعبه المسكين , جاء ليملا الأرض عدلا بعد أن ملأت فسقا وجورا ,وبات الشعب المسكين يتطلع إلى مكارمه التي يجود بها عليه.يحلو لبعض مناصري هذه ألإنقلابات العسكريةتسميتها بالثورات , لكن ثورة العشرين المجيدة تبقى أم الثورات الحقيقية .
وهنا نقول أن الثورة إنما تعني التحول الجذري والشامل في النظام السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي القائم، وذلك عادة من خلال استخدام القوة أو العنف أو غيرها من الوسائل غير التقليدية. تهدف الثورات إلى إحداث تغيير كبير في السلطة أو البنية الاجتماعية، وغالبًا ما تنجم عن مشاعر السخط وعدم الرضا عن الوضع القائم. يمكن أن تكون الثورات سياسية، مثل الثورة الفرنسية، أو اجتماعية، مثل الثورة الصناعية، أو ثقافية، مثل الثورة الرقمية . فثورة العشرين بهذا المفهوم كانت ثورة سياسية كبرى , نجم عنها تأسيس دولة العراق الحديث وإنهاء الوجود العثماني فيه الذي إستمر عدة قرون , وإن لم يكن إستقلال دولة العراق عند سنة التأسيس , إستقلالا كاملا ناجزا ,حيث كان في البداية تحت سلطة الإنتداب البريطاني , ليتطور لاحقا ليصبح إستقلالا ناجزا تحت النفوذ البريطاني حيث كبلت بريطانيا العراق بمعاهدات وقيود حدت كثيرا من حريته, لكن وضع العراق في جميع الأحوال صار أفضل مما كان عليه وقابلا للتطور , ليصبح العراق لاحقا حرا مستقلا وسيد نفسه , إذ وضع العراق نفسه في المسار الصحيح الذي يفضي حتما إلى الإستقلال , وهذا ما تم بفضل نضال الشعب العراقي وتضحياته الجسيمة .
لم تنجو ثورة العشرين من محاولات التشويه والإفتراء والتزوير والإساءة إلى رموزها دون وجه حق , فها هو النظام العراقي السابق ينتج فلما سينمائيا بعنوان " المسألة الكبرى " . انتج هذا الفيلم عام 1983 أثناء الحرب العراقية الإيرانية. تكلفة الفلم نحو (24 ) مليون دولار أمريكي،علما أن العراق لم يعرف عنه إنتاج أفلام سينمائية سابقا . كانت الغاية من إنتاج الفلم كما تبين عند عرضه الإساءة لرموز ثورة العشرين وقائدها الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم ,ومناصريه عشائر الفرات الأوسط التي كانت وقود الثورة ومحركها الأساس ,والتقليل من شأنهم, وتزوير حقائق التاريخ من حيث مكان إندلاع الثورة وشخوصها وسير معاركها , من منطلق إعادة كتابة التاريخ التي تبناها النظام يومذاك , مما أثار حنق جماهير المثنى وغضبها عند عرض الفلم في أحد دور السينما في مدينة السماوة في منتصف عقد الثمانينيات, حيث راحت تهتف الجماهير بصوت مدوي أرعب السلطات المحلية :
لون شعلان يدري انباكَت الثورة
جا شكَ التراب وطلع من كَبره
هنا هنا هنا بالسويب المسألة الكبرى
إسأل ذوله كلها أيتام من العشرين
المجد والخلود لشهداء ثورة العشرين .. شهداء العراق الأبرار .
#داخل_حسن_جريو (هاشتاغ)
Dakhil_Hassan_Jerew#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟