مصرع عبد السلام عارف ، والصراع على السلطة
العسكريون يحسمون الصراع لصالح عبد الرحمن عارف
أولاً : مصرع عبد السلام عارف
في الثالث عشر من نيسان 966 ، قطعت محطتا الإذاعة والتلفزيون العراقية بثهما الاعتيادي ،واستعيض بتلاوة آيات من القرآن الحكيم ،وأعلنت فيما بعد ،أن الرئيس عبد السلام عارف قد لقي مصرعه بحادث سقوط طائرة مروحية ،كان يستقلها مع بعض الوزراء ،وكبار مساعديه ،في جنوب العراق ، قرب القرنة .
ولم يُكشف النقاب عن حقيقة مقتل عبد السلام عارف ،إذ أعلنت الحكومة أن الطائرة التي كان يستقلها عبد السلام عارف قد سقطت بسبب هبوب عاصفة رملية ،ولكن هناك الكثير من الشكوك حول حقيقة مصرعه ،فهناك الصراعات الداخلية ، بين عارف والعناصر الناصرية من جهة ،وبينه وبين البعثيين من جهة أخرى كما كان هناك صراع بين الإمبريالية ،والعناصر الناصرية التي أقلقها محاولاتهم المتكررة إلحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة ،وليس ببعيد أن تكون وراء مصرعه ، وربما كان هناك ما هو أبعد من ذلك ، حيث حاول عبد الرحمن البزاز ، المعروف باتجاهاته الغربية ، وبوجه خاص بريطانيا ، الوصول إلى كرسي الرئاسة ،ودخوله في منافسة مع عبد الرحمن عارف ،المدعوم من قبل القوى العسكرية المهيمنة على الحكم فعلياً .
الصراع على السلطة وتولي عبد الحمن عارف الحكم :
لم يكد يذاع خبر مصرع عبد السلام عارف ، في حادث الطائرة المروحية ، حتى بدأ الصراع على قمة السلطة ، وكانت أطراف الصراع تتمثل أساساً في جبهتين رئيسيتين ، على الرغم من محاولة الزعيم الركن [ عبد العزيز العقيلي ] ترشيح نفسه للرئاسة كجبهة ثالثة ،لكنه لم يستطع الحصول على تأييد أي من الذين يحق لهم التصويت ،وهاتان الجبهتان هما :
1 ـ الجبهة الأولى : وتتمثل بالعسكريين الممسكين بزمام القوة ، حيث يمسكون بأيديهم كل المراكز الأساسية في الجيش ،وقد وقفت هذه الجبهة إلى جانب اللواء عبد الرحمن عارف،شقيق عبد السلام عارف ،وكيل رئيس أركان الجيش آنذاك ، وقائد الفرقة العسكرية الخامسة ،المدرعة المكلفة حماية النظام العارفي.
2 ـ الجبهة الثانية : وتتمثل برئيس الوزراء ،عبد الرحمن البزاز ،ومن حوله كل العناصر المرتبطة مصالحها بالدول الغربية ، بشكل أو بآخر إضافة إلى العناصر الإقطاعية والرجعية ، وكان البزاز يطمح في إعادة الحكم المدني إلى العراق ، وإقامة نظام برلماني على النحو الذي كان سائداً أبان العهد الملكي ،يرتبط بوشائج قوية مع الغرب ، وبسبب توجهاته هذه وقف الناصريون ضد انتخابه رئيساً للجمهورية ، واختاروا الانحياز إلى جانب عبد الرحمن عارف ، حيث لم يكن أحداً منهم مرشحاً لهذا المنصب ، وهم بلا شك كانت لهم القناعة أن عبد الرحمن عارف شخصية ضعيفة يسهل السيطرة عليها والتأثير عليها في مجال إدارة البلاد ، وربما فكروا كذلك في أن وصول عبد الرحمن عارف إلى نصب الرئاسة يسهل لهم مستقبلاً الوثوب إلى السلطة .
وبموجب الدستور فأن انتخاب رئيس الجمهورية ، في حالة شغور المنصب ،يتمّ من قبل مجلس الوزراء ، ومجلس الدفاع الأعلى بصورة مشتركة بأغلبية الثلثين.
وهكذا فقد بادر مجلس الوزراء ،ومجلس الدفاع الأعلى بعقد اجتماع عاجل ، في 16 نيسان 966 لانتخاب رئيس جديد للجمهورية،وقد طُرح في الاجتماع ثلاثة أسماء :
1ـ الأول:عبد الرحمن عارف ،وكيل رئيس أركان الجيش ،وقائد الفرقة الخامسة المدرعة .
2 ـ الثاني :عبد الرحمن البزاز ،رئيس الوزراء .
3 ـ الثالث : الزعيم الركن عبد العزيز العقيلي ، قائد الفرقة العسكرية الأولى .
وفي دورة الاقتراع الأولى حصل البزاز على 14صوتاً من مجموع 28صوتاً ، فيما حصل عبد الرحمن عارف على 13 صوتاً ، ونال عبد العزيز العقيلي على صوت واحد فقط ،هو صوته ،وكان الضباط المصوتين لعبد الرحمن عارف 11ضابطاً من مجموع 12، أي باستثناء العقيلي ، فيما صوت 14 من الوزراء للبزاز ،وعضوان لعبد الرحمن عارف .
ولكون أن أحداً لم يفز بأغلبية الثلثين ، بموجب الدستور فقد جرت دورة ثانية ، كان فيها تأثير الضباط حاسماً ، فقد أصروا على انتخاب عبد الرحمن عارف مهما كان الثمن ،رافضين قبول تولي البزاز رئاسة الجمهورية ، مما أضطر البزاز إلى سحب ترشيحه تحت ضغط العسكريين لصالح عبد الرحمن عارف ، فقد كانت القوى المسيطرة على الجيش ،وخاصة عدد من أقرباء عارف ،وفي المقدمة منهم [ سعيد صليبي ] رجل النظام العارفي القوي ، لها القول الفصل في عملية الانتخاب ، كما أن عبد الناصر ،والناصريين ،وقفوا إلى جانب عبد الرحمن عارف ، ضد البزاز ، المعروف بولائه للغرب .
وبالنظر لكون عبد الرحمن عارف يتسم بالضعف ،وعدم القدرة على إدارة شؤون البلاد ،وقلة طموحه ،فقد اضطر البزاز ورفاقه للرضوخ لانتخاب عارف ، حيث اعتبروه أقل خطراً من غيره على استمرار مراكزهم في السلطة .
وهكذا تولى عبد الرحمن عارف رئاسة الجمهورية ،فيما بقي البزاز رئيساً للوزارة ، وكان نظام عبد الرحمن عارف امتداداً لنظام أخيه عبد السلام ،وإن كان أقل عدوانية منه ،وبقي محور النظام يستند على الحرس الجمهوري ،وتعاون الضباط[ الجمليين ] الذين كانوا يشكلون العمود الفقري للحرس الجمهوري ، وفي المقدمة منهم [ سعيد صليبي ] و[ عبد الرزاق النايف ]، و[عبد الرحمن الداؤد ].
كان عبد الرحمن يفتقر إلى الدهاء والطاقة ، ولا يتمتع بسلطة قوية لاتخاذ القرارات ، ويفتقد للحدس السياسي، والمعرفة بالشؤون العامة ، وعدم القدرة على إدارة دفة الدولة ، كما كان يفتقر إلى روح المبادرة والمناورة ، حتى شعر كل من كان حوله ، إلى انه لم يخلق ليكون رئيس دولة ، فاقداً لأي طموح ، ولذلك فقد كان العوبة بيد عدد من الضباط المتخلفين والأنانيين ، الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ، معتمدين على الولاءات العشائرية ، والإقليمية ، وكان [سعيد صليبي ] يلعب الدور الأكبر ، من بين جميع الضباط ، في إدارة شؤون البلاد العسكرية ، فيما أعتمد عارف على [خيرالدين حسيب ] ، ناصري من مدينة الموصل ، في جميع الأمور المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والنفطية . أما الشؤون السياسية ، فكانت من حصة عبد الرحمن البزاز ، رئيس الوزراء .
لم يسد في العراق على عهده أي استقرار سياسي بسبب تصارع الأجنحة ، المدنية منها والعسكرية ،فلم يكن العسكريون راضين على وجود البزاز رئيساً للوزارة ، واضطر البزاز في آخر الأمر إلى تقديم استقالة حكومته تحت ضغط العسكريين ، في 16 آب 966 . لقد حاول البزاز خلال فترة حكمه الممتدة من 18 نيسان 965 إلى 16 آب 966 إعادة الاعتبار للإقطاعيين ، وكبار ملاكي الأرض القدامى ، كما قدم لهم خدمات ، وامتيازات حرمهم منها قانون الإصلاح الزراعي ، الذي شرعته حكومة عبد الكريم قاسم ، فقد رفع معدل الفائدة المدفوعة للإقطاعيين عن ثمن الأرض المستملكة منهم بموجب القانون ، من 0,5% إلى 3 % سنوياً ، وبذلك حمل الفلاحين المعدمين حملاً ثقيلاً ليست لهم القدرة على حمله ، مما أدى إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية أكثر فاكثر .كما انه قام بتحديد قيمة مياه فروع الأنهر التي تتدفق لسقي تلك الأراضي ، وبذلك حقق للإقطاعيين دخلاً كبيراً ، أقتطعه من دخول الفلاحين الضعيفة أصلاً .
لقد سعى البزاز إلى تقليص دور العسكريين وامتيازاتهم ، وحاول تقليص ميزانية وزارة الدفاع ، مما أثار غضب العسكريين عليه ، ودفعهم إلى السعي للتخلص منه ، مستغلين محاولة عارف عبد الرزاق الانقلابية في 15 آب 67 ليطلبوا منه الإستقالة ، ورضخ البزاز للأمر وقدم استقالة حكومته ، وطلب عبد الرحمن عارف من الزعيم الركن المتقاعد [ناجي طالب ]تأليف وزارة جديدة في آب عام 1967 ،ومعلوم أن ناجي طالب هو أحد أعضاء اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار الذين ساهموا في ثورة 14 تموز 958 ،وهو من مواليد 1917،من مدينة الناصرية شيعي ويمثل الاتجاه القومي في تلك اللجنة ، وقد تولى عدة مناصب وزارية في عهد عبد الكريم قاسم ، لكنه انشق عن عبد الكريم قاسم وتعاون مع انقلابي 8 شباط 1963 حيث عينوه وزيراً للصناعة في حكومتهم التي شكلوها بعد نجاح الانقلاب .
أما ما أورده السيد أمين هويدي في كتابه [ العراق وعبد الناصر ] ودوره هو والوفد الذي جاء من مصر، برئاسة عبد الحكيم عامر ، للمشاركة في تشييع عبد السلام عارف في اختيار عبد الرحمن عارف رئيساً للجمهورية ،فإن فيه الكثير من المبالغة
وهو الذي عودنا في ما أورده على صفحات كتابه من وقائع مختلقة لا أساس لها من الصحة ، والتي فند العديد منها الأخ الدكتور سيار الجميل ، يجعلنا نشكك في روايته للأحداث التاريخية في العراق منذ قيام ثورة 14 تموز 1958 وحتى نهاية الحقبة العارفية ،عندما وقع انقلاب 17 تموز ،1968بتعاون عبد الرزاق النايف مدير الاستخبارات العسكرية ،وعبد الرحمن الداؤد آمر قوات الحرس الجمهوري ، وسعدون غيدان آمر كتيبة الدبابات في الحرس الجمهوري ، مع حزب البعث ، وبتخطيط ودعم من الولايات المتحدة وبريطانيا كما اعترف عبد الرزاق النايف بعد أن نفذ البعثيون انقلاباً ضده في 30 تموز 68 ونفيه إلى لندن حيث ذكر في تصريح له أن الأمريكان هم الذين فرضوا عليه التعاون مع البعثيين ، وكان الدكتور ناصر الحاني الذي عينه انقلابي 17 تموز وزيراً للخارجية هو عراب الانقلاب وصلة الوصل بين النايف والداوؤد والبعثيين والولايات المتحدة .
كان عبد الرحمن يفتقر إلى الدهاء والطاقة ، ولا يتمتع بسلطة قوية لاتخاذ القرارات ، ويفتقد للحدس السياسي، والمعرفة بالشؤون العامة ، وعدم القدرة على إدارة دفة الدولة ، كما كان يفتقر إلى روح المبادرة والمناورة ، حتى شعر كل من كان حوله ، إلى انه لم يخلق ليكون رئيس دولة ، فاقداً لأي طموح ، ولذلك فقد كان العوبة بيد عدد من الضباط المتخلفين والأنانيين ، الذين لا يهمهم سوى مصالحهم الشخصية ، معتمدين على الولاءات العشائرية ، والإقليمية ، وكان [سعيد صليبي ] يلعب الدور الأكبر ، من بين جميع الضباط ، في إدارة شؤون البلاد العسكرية ، فيما أعتمد عارف على [خيرالدين حسيب ] ، ناصري من مدينة الموصل ، في جميع الأمور المتعلقة بالشؤون الاقتصادية والنفطية . أما الشؤون السياسية ، فكانت من حصة عبد الرحمن البزاز ، رئيس الوزراء .
لم يسد في العراق على عهده أي استقرار سياسي بسبب تصارع الأجنحة ، المدنية منها والعسكرية ،فلم يكن العسكريون راضين على وجود البزاز رئيساً للوزارة ، واضطر البزاز في آخر الأمر إلى تقديم استقالة حكومته تحت ضغط العسكريين ، في 16 آب 966 . لقد حاول البزاز خلال فترة حكمه الممتدة من 18 نيسان 965 إلى 16 آب 966 إعادة الاعتبار للإقطاعيين ، وكبار ملاكي الأرض القدامى ، كما قدم لهم خدمات ، وامتيازات حرمهم منها قانون الإصلاح الزراعي ، الذي شرعته حكومة عبد الكريم قاسم ، فقد رفع معدل الفائدة المدفوعة للإقطاعيين عن ثمن الأرض المستملكة منهم بموجب القانون ، من 0,5% إلى 3 % سنوياً ، وبذلك حمل الفلاحين المعدمين حملاً ثقيلاً ليست لهم القدرة على حمله ، مما أدى إلى تدهور أوضاعهم الاقتصادية أكثر فاكثر .كما انه قام بتحديد قيمة مياه فروع الأنهر التي تتدفق لسقي تلك الأراضي ، وبذلك حقق للإقطاعيين دخلاً كبيراً ، أقتطعه من دخول الفلاحين الضعيفة أصلاً .
لقد سعى البزاز إلى تقليص دور العسكريين وامتيازاتهم ، وحاول تقليص ميزانية وزارة الدفاع ، مما أثار غضب العسكريين عليه ، ودفعهم إلى السعي للتخلص منه ، مستغلين محاولة عارف عبد الرزاق الانقلابية في 15 آب 67 ليطلبوا منه الإستقالة ، ورضخ البزاز للأمر وقدم استقالة حكومته ، وطلب عبد الرحمن عارف من الزعيم الركن المتقاعد [ناجي طالب ]تأليف وزارة جديدة في آب عام 1967 ،ومعلوم أن ناجي طالب هو أحد أعضاء اللجنة العليا لحركة الضباط الأحرار الذين ساهموا في ثورة 14 تموز 958 ،وهو من مواليد 1917،من مدينة الناصرية شيعي ويمثل الاتجاه القومي في تلك اللجنة ، وقد تولى عدة مناصب وزارية في عهد عبد الكريم قاسم ، لكنه انشق عن عبد الكريم قاسم وتعاون مع انقلابي 8 شباط 1963 حيث عينوه وزيراً للصناعة في حكومتهم