|
المشهد العراقي
سامي الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 1766 - 2006 / 12 / 16 - 09:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
عند الحديث عن العراق عليك أن تحدد اتجاه بوصلة تفكيرك لتعرف أين ستتجه ، وتتمكن من الخوض بأحد الاتجاهات الأصلية الطبيعية للبوصلة ، أو تتفرع للاتجاه الفرعي المتوالد من مؤشر البوصلة العراقية ، هذه البوصلة التي تشتت تركيزك الذهني ورؤيتك السياسية ، وتجعلك تقف حائراً من أين تبدأ وإلي أين ستتجه بطريقك . هذه هي الحالة العراقية التي نقف أمامها اليوم ، كلما أردت أن تطرق أحد جزيئياتها تجد نفسك علي أبواب أخري تقتحمها بدون سابق إعداد أو استئذان ، فكلما أمسكت بأحد حكايات المشهد يقفز لذهنك سؤال في غاية الأهمية ، ويستنزف منك دقائق وأنت تفكر وتتأمل كيف تبدأ وتسرد المشهد بصورته المعقدة بتركيبها ، كيف ستبدأ بكتابة فصل النهاية . نبدأ من حيث سننتهي ألا وهو الحالة السياسية التي يعيش في خضمها العراق في ظل حكومة المالكي التي شيدت وجودها وأركانها علي أنقاض حكومة الجعفري ، وكليهما صبغ تركيبته الوزارية بصبغة تنم عن قواعد حزبية وسياسية طائفية ، حيث تقوقعت الحكومتين بالمنطقة الخضراء وغضت البصر عن شلال الدم النازف من الجسد العراقي ، ولم تحرك ساكنا أمام هدم البناء الاجتماعي للشعب العراقي الذي تحول لبناء مفتت يحكمه العصبية الطائفية التي يقودها الشيعي والسني ، فمن سياسة تفجير المفخخات في الأسواق والشوارع وحصد عشرات بل مئات الأرواح البريئة يومياً ، إلي عمليات الخطف والتعذيب ومن ثم القتل ، وتدمير المساجد وحرق المصلين أحياء ، وشن الغارات المتبادلة علي الأحياء السكانية ، إلي جمع الجثث من شوارع العراق .. وجميعها يخضع لمصطلح الفاعل مجهول . هذا جزء من المشهد الذي يدور علي ارض الرافدين الذي تحول لمستنقع موت للقوات الأمريكية التي تلاحقها حراب المقاومة الباسلة التي انطلقت منذ اليوم الأول لسقوط بغداد ، والتي أجبرت بفعل عملياتها الرائعة من إسقاط رامسفيلد وهروب أيتامه لخارج العراق ، كما أسقطت النظرية العسكرية الأمريكية التي حاولت من خلالها إرهاب الشعوب وإخضاعها لإرادتها ، وباعتراف أقطاب هذه النظرية ومصمميها فإن الولايات المتحدة تتعرض لهزيمة قاسية علي أيدي أبطال المقاومة العراقية ، وهو ما دفع بوش الصغير للبحث عن حلول تبرر هروبه من جحيم العراق ن ومخرجا يحفظ له ما تبقي من ماء الوجه له ولقواته ومرتزقته وعملائه ، وهذا ما جسده بزيارته الأخيرة للأردن ، ولقاءه بعبد العزيز الحكيم وهو ما مثل حوار غير مباشر بين أمريكا وإيران متمثله بشخص الأخير (الحكيم ) ، وما لقاء الاثنان سوي سيناريو ينقذ رقاب أمريكا من هزيمة تسطر علي الأرض ، ويحجم الثور الطائفي الهائج المتمثل بإيران التي أشعلت فتيل ستحرق نفسها من خلاله بما إنها تمثل الجار الأكثر تأثرا بما يحدث علي الساحة العراقية ، وكذلك اضطهادها لشعب الأهواز الذي سيكون له دور فاعل في المعادلة السياسية كلما اشتدت أزمة الطائفية ، وهو الشعب الذي سيمثل الشوكة في حلق الثور الطائفي الهائج . ومن صور المشهد العراقي المذابح التي ترتكبها قوات الاحتلال من خلال قصفها للمدنيين الآمنين في منازلهم ، وما جريمة الإسحاقي سوي أحد هذه الجرائم التي ترتكبها الطائرات والقوات الأمريكية ومرتزقتها ، وجريمة علي جبين العالم الديمقراطي ، ووصمة عار يدون في سجل الخاضعين الصامتين من الأمتين العربية والإسلامية وقوي التحرر العربي ، حيث أن هذه الصواريخ تنطلق من القواعد الجاثمة علي الأرض العربية المجاورة ، وهي نفس القواعد التي دمرت العراق واحتلت أرضه وتأمرت عليه ، وحتما ستدفع هذه الدول ثمناً باهظاً من خيانتها ، وستجني ثمار عمالتها قريبا ، وما يدلل علي ذلك الانقسامات الحادة علي الساحتين اللبنانية والفلسطينية ، ونتائج الانتخابات البحرينية الأخيرة ، وهي مدلولات سياسية ذات مغزى كبير ، ورسائل لجميع الدول العربية وخاصة التي شاركت بوأد العراق ، ولا زالت تشارك بقتل أطفال العراق واغتصاب نسائه . فالمياه الراكدة بدأت تتحرك بفعل هيجان الثور الطائفي الديني والسياسي . تتشابك حلقات المشهد العراقي الذي يشهد هجرة جماعية هرباً من جحيم الموت والفقر والقتل ، والظلم الذي يمارس ضد المواطن العراقي بطوائفه ومعتقداته وانتماءاته ، هربا من مجتمع يخضع لقوانين وأنظمة عصابات الموت المنظمة ، العراق الأمن القوي الغني بثرواته أضحي يخضع لقوانين العصور الوسطي تتحكم به شريعة الغاب ، فالمجتمع العراقي الذي أنتج أول قانون بشري علي سطح المعمورة ينظم الحياة المدنية ، حيث تحول مجتمع حمو رابي لمجتمع عشوائي تحكمه العشوائيات وقوانين العصابات المجردة من كل ما هو إنساني . حيث فتحت الدول العربية والغربية أبوابها للمهاجرين العراقيين ، بنفس المشهد الذي فتحت به أبوابها للاجئ الفلسطيني سابقا وكدسته بمخيمات اللجوء وفرضت عليه قواعد وأنظمة خاصة ، أما العراقيين فاليوم تشرع لهم أبواب الدول العربية كنوع من الاستيعاب الاقتصادي والسياسي ، ولكن السؤال المفترض هل سيستمر هذا الاستيعاب ؟. من واقع التجربة لن يستمر فتح الأبواب العربية للمهاجر العراقي ، بل سيخضع لنفس السياسة التي خضع لها اللاجئ الفلسطيني ، حيث سيخضع لقوانين وأنظمة خاصة ضمن ما يسمي شروط الإقامة .. والقوانين المحلية ... الخ من الإجراءات القانونية وتقييد حريته ، أو تجميعه بمخيمات معزولة وعليه مواجهة مصيره . اللوحة مكتسية بالسواد ، والصورة قاتمة جداً ، والنفق مظلم لا يضيئه سوي قبس من النور يتجلي بالمقاومة العراقية الباسلة التي تحاول العديد من الأطراف تشويهها ، وتشويه صورة المقاتل العراقي ، ليبقي العراق يغرق في بحر الظلمات تنخر جسده الأطماع الأمريكية والإقليمية ، وعصابات الاحتلال وعملائه الذين يتغنون بالديمقراطية العراقية وهم وأبنائهم يعيشون خارج العراق ، هذه الديمقراطية التي حولتهم للصوص يمتصوا الدم العراقي ، وجزارين يقتاتوا علي اللحم العراقي ، ومن يدفع الثمن هو المواطن العراقي الذي يحاصر بالموت والجوع والقتل والاختطاف والانقسام ، ويمزق الجسد العراقي كأرض وهوية وانتماء ووحدة جغرافية . استطاع العراق بتاريخه إنتاج نموذج حضاري وعلمي مميز حيث مثلت بغداد خاصة والعراق عامة مصنعاً إنتاجياً للحضارة البشرية ،ومعملاً علمياً قدم للتاريخ البشري أبهي صور الحضارة ، ومهد لثورة علمية ثقافية لا زالت شاهدة علي عظمة العراق وأهل العراق . هذا الإرث الذي اقتسمته قوي الظلام وأغرقته في جاهليتها وحقدها ، في ظل مباركة وصمت عربي علي مستوييه الرسمي والشعبي . فهل سيغفر العراق صمتنا وتآمرنا وخيانتنا ؟ وهل ستغفر الأجيال القادمة هذا التاريخ الأسود لأمة احتست نخب موت بلاد الرافدين؟ إن أراد العراقيين وطنٌ فعليهم التثبت بمقاومتهم ، وبأرضهم الواحدة الموحدة ، وبنخيلهم الشامخ ، وتراثهم ، وعروبتهم ، فلن يجدي البحث عن التاريخ ، ولن تجدي الانقسامات ... فعراق واحد مقاوم هو عراق النصر ...
#سامي_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجبهه الشعبيه و ذكري التأسيس ** سامي الأخرس
-
شربل بعيني وأنا
-
لا يوجد حكومة وحدة وطنية
-
البرنامج والتكتيك ما بين الشعار والتطبيق
-
أكذوبة الثوابت ورواتب الموظفين
-
الفطور والعشاء من الكماليات عند الطفل العربي
-
الطبيب الذي تحول لضمير وحكيم الثورة(جورج حبش
-
مذبحة بيت حانون وعبثية المطالبة بموقف عربي
-
اسطورة نساء بيت حانون ...وجاهلية رجال خان يونس
-
بيت حانون وتعرية الوجوه القبيحة
-
ملفات الفساد تعالج علي الهواء مباشرة
-
فلسطين بعد التعديل
-
ضرورة وجود قوة ثالثة تعيد التوازن للساحة الفلسطينية
-
خالد ابو هلال يعلن بدء الحرب الأهلية
-
الأمة العربية ومصطلح المؤخرة الفكرية
-
عذرا راشيل كوري ... فخرا عبدالرحيم الحمصي ... سامي الأخرس
-
صمت وسقوط وموت
-
غزة تبكي قدرها
-
رحلة بغرفة العناية القلبية المكثفة
-
لينا ورمل البحر
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|