منى نوال حلمى
الحوار المتمدن-العدد: 8026 - 2024 / 7 / 2 - 16:42
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يعيشون فى القرن الواحد والعشرين بعقلية القرن السابع فى شبه الجزيرة العربية
==================================================
مبدأيا أقول ، أن فى كل المجتمعات ، وعلى مر العصور ، وُجدت الجرائم . وطالما أن
العدالة غائبة ، وهناك تفرقة بين البشر ، على أساس الفلوس والنفوذ والدين والجنس ، والعِرق ، فالجريمة ستبقى .
والمجتمع المصرى ، مثل غيره من المجتمعات ، شهد الجرائم من كل نوع .
لكن الملاحظ ، أن الجرائم بشكل عام ، قد زادت ، فى الكم ، وفى درجة البشاعة . وما كان يُرتكب ليلا على استحياء ، أو فى السِر ، أصبح يواجهنا علنا ، وبجرأة مستحدثة ، وفى عز الظهر . حتى فى القرى ، والكفور ، والعزب ، والنجوع ، المعروفة بأنها بيئة مسالمة ،
تنفر من العنف ، وأهلها يتعاملون كأنهم من عائلة واحدة ، تأثرت بالجريمة فى المدن
الكبرى .
بعد تأملاتى ، خلصت الى أن ما يسمونها " الصحوة الاسلامية " ، التى وقعنا تحت احتلالها ، منذ سبعينيات القرن الماضى ، وحتى الآن ، هى المسئولة الأولى عن تغير الجرائم
فى مصر ، كما ، وكيفا . بل هى وراء الانحدار الأخلاقى ، والتجريف الحضارى ، والركود الثقافى ، الذى أصاب الوطن . وهذا ليس مستغربا ، من منظومة دينية ، تعادى كل القيم الحضارية الحديثة .
واذا أضفنا المشكلات المزمنة فى واقعنا ، فان النتيجة هى اخراج أسوأ ، وأردأ ، النسخ الكامنة فى النفوس ، كبت ، وتطلعات ، وانحيازات ، وسلوكيات همجية ، وغرائز بدائية ، موروثة من قرون سحيقة .
تعرضت الشخصية المصرى ، منذ الصحوة ، الى تشويه مخطط ، يقوده ويزعمه ،
التدين الشكلى المسيس ، لتأسيس مجتمع لا يكترث بأحوال الدنيا الفانية ، من اجادة للعمل ، والانتاج ، ومسئولية الانسان عن أفعاله ، وقدراته على تغيير حاضره .
أصبح الدين ، هو الطقوس الدينية ، من أجل الآخرة ، لأننا لم نُخلق الا للعبادة .
المرأة قطعة لحم تُغطى منذ طفولتها بالحجاب ، وظيفتها مضاعفة النسل الاسلامى بكثرة
الانجاب . وبالتالى يفقد المجتمع نصف طاقاته الانتاجية .
خرجت علينا الفتاوى الدينية السلفية ، من أدراج التاريخ ، تجرم الاختلاط ، وتحرم
الفنون ، وعمل النساء ، تبيح زواج القاصرات ، وارضاع الكبير ، تمدح تعدد الزوجات ،
والتداوى بشرب بول البعير ، والحجامة .
ولأن فكرة الوطن ، عند التيارات المتأسلمة الجهادية سعيا للحكم ، غير معترف بها ، حيث " الاسلام " هو الوطن . فقد اشتغلت على " أسلمة " القضايا الوطنية ، وتفريغها من هويتها المصرية . حتى الظواهر الطبيعية ، مثل الموجات الحارة الشديدة ، والزلازل ، ما هى الا غضب من الله ، عقابا على عدم تطبيق الشريعة الاسلامية .
وحتى تزدهر هذه الأفكار ، لابد من اشاعة مناخ عام ، من كراهية الآخر المختلف ، وكراهية اكتشافات العلم الحديث ، وكراهية الغرب الحاقدين على المسلمين ، المتآمرين على الاسلام . ولابد أيضا من استمرار " تخويف " الناس ، 24 ساعة يوميا ، من اقتراب
القيامة ، والثعبان الأقرع فى القبر ، ونار جهنم الخالدة .
قبل هذه الصحوة ، لم يكن المجتمع المصرى ، بهذا العنف ، والعدوانية ، والكراهية ، والذكورية ، وكسب المال السريع دون جهد ، وانتشار المخدرات ، وبؤر الفساد الأخلاقى ، والتحرشات الجنسية الصارخة ، ورجوع الفتوات والبلطجية فى الشوارع ، والهجوم الشرس على الفن ، والموسيقى ، و كل ما يخلق البهجة والفرح والاحتفال . وكانت قيمة الجمال ، حاضرة فى حياة أبسط البسطاء . الآن تلتصق البيوت بالقمامة المتراكمة ، والتلوث السمعى بمكبرات المساجد التى تتكائر أسرع من معدل المواليد ، ولا أحد يشعر ، أو يفعل شيئا . وهذا منطقى ، فاذا كانت الحياة الآخرة ، هى " الهدف " ، و " الغاية " ، فلا معنى لتجميل الحياة
قبل الموت . ولذلك يتحول الاهتمام الى بناء المساجد والجوامع والمدافن ، ومدارس تحفيظ
القرآن ، بدلا من بناء المستشفيات ، والمصانع ، والحدائق ، ودور الترفيه . فى أفقر قرية ،
نجد مئات المساجد المتلاصقة بميكرفوناتها ، المفروشة بكل فخامة . بينما لا يوجد مستشفى
واحد مجهز . وكأن مشكلة الوطن عام 2024 ، هى نقص الصلاة ، وليس الفقر والمرض
والجهل .
فى هذا المناخ المتضخم بالتدين ، يصبح رجال الدين ، والمشايخ ، ومقدمو الاعلام الاسلامى ، هم " النجوم " ، المطلوب رأيهم فى كل شئ . والرسل والأنبياء ، فى قرون مضت ، يصبحون " المرجعية " ، فى الفكر والسلوك . وقد ساعدتهم الظروف الاقتصادية الطاحنة ، على اكتساب المزيد من المصداقية ، والشعبية ، والنظر الى الوطن ، كعدو ،
لا يريد خيرا للناس .
بدلا من اللغة المدنية ، الصواب والخطأ ، قانونى وغير قانونى ، دستورى وغير دستورى ، سادت اللغة الدينية ، الحلال والحرام ، دار اسلام ، ودار كفر .. مسلمين وكفار ونصارى .
انها التربة الخصبة ، للتناقضات والازدواجيات ، لتصبح أكثر نشاطا ، وبجاحة ، والتى تقع فريستها الفئات الأضعف ، النساء ، والفقراء ، والجهلة ، وبسطاء العقول ، والمهزومين ، والمحبطين ، واليائسين ، والذكور الذين يعاملون طول الوقت ، كشهوات جنسية جائعة محرومة ، من أى علاقة صحية سوية ، مع الجنس الآخر . لكنهم يربون على تمجيد الفحولة الجنسية ، وعلى الصيد الحلال ، لكل أنثى تجرأت على ترك البيت ، الى الفضاء العام .
النتيجة النهائية المطلوبة ، هى انسان تملؤه التناقضات ، يمشى بالازدواجيات ، خائف ، متخبط ، يشعر بالضآلة واليأس ، ذو عقلية خرافية هشة ، يتأقلم مع القبح ، يطارده الشعور بالذنب طول الوقت ، بسبب حصار المحرمات ، المتربصة بأبسط المباهج . انسان حاضر العنف ، لا يشعر بالأمان ، دائم التعاسة والتجهم ، متحفز للهجوم ، سريع الاستفزاز من أتفه الأسباب . وفى لحظة ، ينفجر، ويعتدى ، ويسب ، ويشتم ، ويلعن ، ويقتل ، ويذبح
بالسكاكين ، ويخنق ، ويحرق ، ويضرب بالنار ، أو بالفأس ، أو بالشاكوش ، أو بالمقص ، أو بايد الهون .
ان التيارات الاسلامية المسيسة ، تخدع الناس باسم الفضيلة ، والعفة ، والدين ، وهى لا يهمها الفضيلة ، ولا تبالى بالعفة ، ولا تكترث بالدين . فهى تعلم علم اليقين ، أن الشعب المصرى ، يسلم عقله وحياته ، لأى أحد يتكلم " بقال الله وقال الرسول ".
خراب مصر ، والجلوس على حكمها ، هو الهدف . وأى شئ ، يصيب مصر بالضعف ، أو الانقسام ، أو البلبلة ، تدعمه وتنفق عليه ، وتجند له المرتزقة ، فى كل مؤسسات الدولة . وأى خير لمصر ، تنقض عليه فورا ، كالطيور المسعورة ، وتجهضه قبل الاكتمال .
هذه الأيام نحتفل بذكرى ثورة 30 يونيو 2013 . الثورة التى ستبقى دائما ، لهذه التيارات المتأسلمة المسيسة ، " شوكة فى الزور " ، تمنعها من التنفس بطبيعية ، وراحة .
الاحتفال بثورة 30 يونيو ، لن يكتمل الا بالقضاء التام ، على مخطط تخريب ، وتفتيت وحكم مصر بالدين ، فى كافة أشكاله ، وتفاصيله اليومية . فى الاعلام ، والتعليم ، والثقافة ،
والفن ، والاقتصاد ، وقوانين الأحوال الشخصية .
الوفاء لثورة 30 يونيو ، التى أنقذتنا ، من بيع مصر ، وتعليق المشانق فى الشوارع ، وتكفين النساء وهن أحياء ، وانتهاك كل معنى للحريات ، والحقوق ، والخصوصية ، وأن نصبح بلدا مثل أفغانستان ، لن يؤتى ثماره ، الا بتدعيم صارم للدولة المدنية .
الدول المدنية ، لا دين لها . لكن فى ظلها يحق لكل انسان ، أن يكون له دينه ، بشرط ألا يفرضه على الآخرين ، وألا يخرج به الى الفضاء العام . وهذه نقطة يجهل بها غالبية الناس .
وبالتالى يجب نشر هذا الوعى ، كأولوية قومية .
ان الحكومة الجديدة ، تضع " بناء الانسان المصرى " من أولوياتها . السؤال كيف يتحقق ذلك ، والانسان فى مصر ، يعيش فى القرن الواحد والعشرين ، بعقلية الانسان فى القرن السابع ، لشبه الجزيرة العربية ؟؟.
#منى_نوال_حلمى (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟