غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8025 - 2024 / 7 / 1 - 22:57
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
الفلسفة الميتافيزيقية تبحث في الأسئلة الجوهرية حول الوجود والطبيعة والحقيقة المطلقة، في هذا السياق، تنظر إلى الأخلاق والمعنى من منظور كوني وشامل، الميتافيزيقيون يؤكدون على وجود حقائق أخلاقية ومعنوية مطلقة، مثل الخير والشر، والجمال والقبح، هذه الحقائق تكمن خارج الذات الإنسانية، القيم الأخلاقية والمعنوية تُشتق من مصادر متعالية، فيما يلي الاسس البنائية للميتافيزيقيا نذكر منها:
(Ontology) تبحث في ماهية الأشياء وماهية الوجود
(Epistemology): تبحث في إمكانية المعرفة والحقيقة والواقع
(Axiology) تبحث في ماهية الخير والجمال والعدل
(Philosophy of Mind) هذا المبحث يتناول طبيعة العقل والنفس
(Theology) هذا المبحث يتناول وجود الله وطبيعة الإله والعلاقة بين الله والعالم
هذه الأسس البنائية الرئيسية للميتافيزيقيا تشكل إطارًا فلسفيًا عامًا لدراسة الوجود والمعرفة والقيم، والعقل، والنفس، والله. وقد تناولها الفلاسفة عبر التاريخ بتفاصيل وأبعاد متعددة.
الفلسفة الحاضرية الوجودية ترى الأخلاق والمعنى كمسائل شخصية وذاتية. الفرد هو من يُنشئ قيمه الأخلاقية والمعنوية من خلال حريته وإرادته، وبالتالي الحاضريون الوجوديون يؤكدون على أهمية الاختيار الحر والمسؤولية الشخصية في تحديد الأخلاق والمعنى. الفرد لا يكتشف قيما مسبقة، بل يخلقها بنفسه. كون المعرفة الكونية غير محددة موضوعيا، غير كاملة غير نهائية وغير ثابتة، كيف يمكن ان يكون التكامل مع الابعاد الشخصية...؟ هذا يطرح تحديات أمام محاولة التكامل بين الأبعاد الشخصية والكونية, أن توليف وتركيب المعارف والخبرات الشخصية والكونية يتفق مع النظرة الوجودية الحاضرية التي ترفض الماهيات القبلية المطلقة, وهذا يعكس عدم اليقين الذي يحيط بالموضوعي والكوني في ظل حدود المعرفة الإنسانية الحالية, بالتالي، التوليف والتركيب بين الأبعاد الشخصية والكونية، دون الالتزام بماهيات قبلية، ينسجم مع رؤية وجودية حاضريه تسمح بالتفاعل الديناميكي والتشكيل المتبادل بين الذاتي والموضوعي, وهذا يمثل نهجًا بناءً وفعالاً لتحقيق التكامل المنشود, الخبرة الإنسانية هي نتاج هذا التفاعل. الميتافيزيقيا غالبًا ما تبدو كمعرفة مقحمة أو مفروضة نتيجة لنقص في المعرفة العلمية أو الاستدلال الموضوعي الصارم, هناك نزعة تاريخية لدى بعض الفلاسفة إلى البناء على افتراضات ميتافيزيقية جوهرية أو مطلقة بدلاً من التكيف مع الحقائق والبيانات الواقعية, المهم هو أن تكون الميتافيزيقيا متوافقة مع المنهجية العلمية وأن تستند إلى البيانات والحقائق الموثوقة وهذا غير ممكن الا بالطرق التوليفية الا قحامية,الا ان الميتافيزيقيا عندما تُستخدم بشكل حذر، يمكن أن تساعد في التأمل المتعمق والفهم المجرد غير الامبريقي الشامل للظواهر الإنسانية, وهذا هو النهج التوليفي غير المتكامل وغير الموضوعي. السؤال المهم والاساسي كيف يمكن للميتافيزيقيا أن تساهم في التقدم العلمي والمعرفي. هناك بالفعل عدة طرق توليفيه محددة يمكن للميتافيزيقيا أن تلعب دورًا فيها:
طرح الأسئلة الجوهرية:
الميتافيزيقيا تساعد في طرح أسئلة أساسية حول الوجود، الحقيقة، الهوية، السببية، الزمان، المكان وغيرها. هذه الأسئلة قد تساعد في توجيه البحث العلمي والمناقشات النظرية.
تحديد المفاهيم الأساسية:
الميتافيزيقيا قد تساعد في طرح المفاهيم الأساسية مثل المادة، الطاقة، الوعي، الحياة وغيرها. هذا قد يساعد على تنظيم المعرفة العلمية وتطوير النظريات.
التنسيق بين التخصصات:
الميتافيزيقيا قد توفر إطارًا تكاملياً يربط بين مختلف التخصصات العلمية والإنسانية. وهذا يُمكّن من تبادل المعارف والأفكار عبر الحدود التخصصية.
توسيع حدود الفهم:
الميتافيزيقيا قد تشجع على التفكير المتعمق والخيال العلمي من خلال طرح احتمالات واسعة النطاق. وهذا قد يؤدي إلى اكتشافات علمية جديدة.
تقييم الافتراضات الضمنية:
الميتافيزيقيا قد تساعد في الكشف عن الافتراضات الضمنية في النظريات والممارسات العلمية. وهذا قد يساعد على تطوير مناهج أكثر دقة وموضوعية.
لكن طرح الاسئلة الجوهرية والاساسية حول الوجود هي اسئلة الانسان منذ البدء وقد اجاب بطرق متعددة لكنه لم يصل الى الاجابة النهائية، بقيت اجاباته اسيرة للأساطير وآلهة الميتافيزيقيا. إن قدرة الإنسان المحدودة وخبرته المحدودة في الكون الواسع جعلت من الصعب الوصول إلى إجابات نهائية على هذه الأسئلة الجوهرية. فالإنسان دائمًا محدود بالوقت والمكان والمعرفة، على مر التاريخ، تطورت المعرفة والفهم البشري تدريجيًا من خلال الاكتشافات العلمية والفلسفية، ولكن هناك دائمًا مجالات لا تزال غامضة وتتطلب المزيد من البحث والتفسير، وان تعددت التفسيرات والإجابات على هذه الأسئلة عبر الحضارات والمذاهب الفلسفية. هذا التنوع يعكس صعوبة الوصول إلى إجابة شاملة ونهائية، لذلك، على الرغم من استمرار السعي لإيجاد إجابات على هذه الأسئلة الجوهرية، إلا أنها ستبقى مفتوحة على التفسير والنقاش الفلسفي المستمر. والأهمية تكمن في استمرار هذا الحوار والبحث بدلاً من الوصول إلى حل نهائي، هناك حدود وتحديات تواجه دراسة التجارب الميتافزيقية بالطرق العلمية المألوفة اولها عدم توفر العينة الموضوعية، لذلك هناك مبادرات وأساليب إضافية يمكن استخدامها:
الاعتماد على تقارير المتأملين والممارسين أنفسهم كمصدر أساسي للمعرفة.
استخدام الأساليب الكيفية والظاهراتية لفهم التجارب الذاتية بصورة أعمق.
تطوير أساليب جديدة للقياس والتقييم تأخذ في الاعتبار الجوانب الممارسات التأملية والروحية لهذه التجارب. في حين النظرة الوجودية الحاضرية تركز على التجربة المباشرة والحالية للفرد، دون الحاجة للافتراضات الميتافيزيقية أو السياقات الاسطورية والثقافية. وهذا منظور له مبرراته الفلسفية والعملية. التجربة الحاضرية تحدث ضمن سياقات ثقافية وتاريخية معينة، وفهمها يتطلب فهم هذه السياقات الأوسع, المسائل الوجودية والقيمية التي تثيرها التجربة الحاضرية لا تحتاج إلى أطر ميتافيزيقية للتفكير فيها بصورة شاملة ,المنظور الوجودي الحاضري هو نقطة بداية مهمة، لكن فهم المعرفة الإنسانية بشكل كامل قد يتطلب التكامل بين هذا المنظور والأبعاد التأملية ذات الصلة, التوازن بينهما هو ما يشكل رؤية أكثر شمولية,ان التقدم العلمي والتقني في مجال الفضاء وعلوم الفيزياء الفلكية اثار تساؤلات حقيقية عن المكان الموضوعي لعلوم الميتافيزيقيا ,اشكالية المكان الموضوعي للمعرفة في إطار الميتافيزيقيا تعد من التحديات الكبرى هناك عدة آراء حول ذلك:
الموضوعية المطلقة
وفقًا لهذا الرأي، توجد حقائق ومعارف موضوعية مطلقة خارج الذات البشرية، وهي تمثل الواقع الحقيقي. المعرفة يتم الوصول إليها عبر العقل والتأمل الفلسفي.
الموضوعية النسبية
هذا الرأي يقر بوجود معرفة موضوعية، ولكنها نسبية وتتأثر بالسياق الثقافي والاجتماعي والتاريخي. المعرفة لا تمثل حقيقة مطلقة، ولكنها تمثل فهمًا نسبيًا للواقع.
البنائية المعرفية
وفقًا لهذا الرأي، المعرفة ليست شيئًا موضوعيًا خارج الذات، ولكنها بناء ذهني للحقيقة. الواقع الموضوعي لا يمكن الوصول إليه بشكل مباشر، وإنما يتم بناء المعرفة عبر التفاعل بين الذات والعالم.
الشكوكية المعرفية
هذا الرأي يشكك في إمكانية الوصول إلى معرفة موضوعية حقيقية. الواقع المعرفي هو أمر نسبي وذاتي، ولا توجد حقيقة مطلقة خارج الفرد.
وفقًا لهذا الآراء، لا توجد معرفة مطلقة أو منفصلة عن الذات الإنسانية، بل المعرفة هي نتاج التفاعل النشط بين الإنسان وعالمه. فالإنسان لا يكتشف معرفة موجودة مسبقًا، ولكنه يبني ويشكل المعرفة من خلال الخبرة والإدراك والتجربة. إن هذا الموقف البنائي للمعرفة يتناسب مع رؤية الحاضرية الوجودية وينقض الميتافيزيقيا الحديثة والتاريخية التي ترفض الموضوعية المطلقة وتؤكد على النسبية والذاتية في بناء المعرفة الإنسانية، فالمعرفة ليست انعكاس للواقع الخارجي، بل هي صنع وبناء إنساني نشط مستمد من التفاعل مع محيط الإنسان وعالمه. إذا كانت المعرفة ناتجة عن التفاعل النشط بين الذات الإنسانية والعالم الطبيعي، من دون وجود معرفة موضوعية مطلقة خارج هذا التفاعل، فإنه لا يجب ان تكون هناك حاجة ملحة إلى الميتافيزيقيا كمجال للبحث عن معرفة مطلقة أو جوهرية. في هذا السياق، يمكن القول إن المعرفة الإنسانية تستمد أساسها من الوجود الطبيعي والخبرة الحسية والعقلية للإنسان. فالعلوم الطبيعية والتجريبية تصبح الطريق الأساسي للوصول إلى المعرفة، بدلاً من الاعتماد على التأمل الميتافيزيقي المجرد. بالتالي، تفقد الميتافيزيقيا دورها المركزي كمجال للبحث عن المعرفة الحقيقية والأساسية. يصبح التركيز على الوجود الطبيعي والمعرفة المستمدة من التفاعل الإنساني معه هو الأولوية، مما يقلل من الحاجة إلى النظريات الميتافيزيقية التقليدية والمعاصرة. هذا التحول في الرؤية يعكس نزعة معرفية أكثر واقعية وبنائية، تستند إلى الوجود الطبيعي والتجربة الإنسانية كمصدر للمعرفة، بدلاً من البحث عن حقائق مطلقة خارج هذا الإطار. ينطبق هذا على مجلات أخرى، في مجال الأخلاق، بدلاً من البحث عن قواعد أخلاقية مطلقة خارج السياق الإنساني، يمكن النظر إلى الأخلاق كبناء اجتماعي ينشأ من خلال التفاعل بين البشر وتجاربهم الحياتية. فالقيم الأخلاقية لا تكون مفروضة من الخارج، بل تشكل نتيجة للتفاوض والاتفاق بين الأفراد والمجتمعات حول ما هو صواب وخطأ. كذلك في مجال السياسة، بدلاً من البحث عن نظريات سياسية مثالية مجردة، يمكن التركيز على كيفية بناء النظم السياسية والمؤسسات من خلال التفاعل الاجتماعي والثقافي. فالسياسة تصبح ممارسة بنائية تنبع من الظروف والسياقات المحددة للمجتمعات البشرية. وبهذا المنظور، تصبح المعرفة في المجالات الإنسانية والاجتماعية نتاجًا للتفاوض والتفاعل بين البشر، بدلاً من الانطلاق من افتراضات مجردة أو أحكام مطلقة. هذا يتيح فرصًا أكبر للتغيير والتطوير، حيث تصبح المعرفة في هذه المجالات قابلة للتشكيل والتفاوض الاجتماعي.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟