أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - تجلّيات الأدب التأمّلي في قصيدة الومضة دراسة تقنية ذرائعية مستقطعة في المجموعة الشعرية / بارقات تومض في المرايا / للشاعر السوري منذر يحيى عيسى بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي















المزيد.....



تجلّيات الأدب التأمّلي في قصيدة الومضة دراسة تقنية ذرائعية مستقطعة في المجموعة الشعرية / بارقات تومض في المرايا / للشاعر السوري منذر يحيى عيسى بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي


عبير خالد يحيي

الحوار المتمدن-العدد: 8024 - 2024 / 6 / 30 - 03:14
المحور: الادب والفن
    


إغناء:
خلق الله مخلوقات كوكبنا الحية على ثلاثة أجناس، إنسان، حيوان، ونبات، وزوّد كل جنس بعطايا فارقة تميّزه عن الجنس الآخر، وتؤمن استمراريته وديمومته عبر دورات الحياة المتعاقبة من لحظة الخلق إلى قيام الساعة، فكانت الغريزة حصة الحيوان الكبرى، بينما أُعطي الإنسان قوة التفكّر التي أشعلت فيه الرغبة بالمعرفة، معرفة الحياة بمجهولاتها وظواهرها.
التأمل : هو ثمرة التفكّر العميق الذي يتميّز به الإنسان عن المخلوقات الأخرى، وهو ذاتي، وليس محدودًا بين بعدَي الزمان والمكان، ويلعب دورًا بارزًا في كل الفضاءات الإنسانية ومجالاتها العلمية والأدبية.
1- الأدب التأملي:
التأمل، لغة: " هو التثبيت، وتأمّل الرجل تثبت في الأمر ونظر" .
وأمّا من منظور علم النفس " فيقوم على الاستبطانIntrospection ، وملاحظة النفس واسترجاع الخبرات الشخصية والمشاعر الباطنة التأمل وتحليلها" .
والاستبطان:"هو وصف انشغال الفرد بذاته نرجسيًّا، وقلقه عليها" .
بينما تحدّد المصطلحات الفلسفية بأن التأمّل هو:" الاستغراق Absorption في التفكير".
إلّا أن التفكير نشاط ذهني يتحرّى الأسباب والنتائج، بينما التأمّل نظرٌ فيه اعتبار، لذلك كثيرًا ما ينصرف معنى التأمل إلى النظر الديني دون سواه، أو النظر الفلسفي، ومن ثم نقول الحياة التأملية كمقابل الحياة العملية.
"وهناك فرق كبير بين أن يكون التأمل من منظار شخصي يغلب عليه الوجدان، وبين أن يكون ثمرة تجربة يغنيها العقل، أو فكرة نحو الفلسفة الخالصة" .
" فالأدب التأملي إذًا هو ثمرة امتزاج الفكر بالخيال، حيث يغيب الإنسان عن ذاته الحسّية في ذاته الروحية، فيشخّص الطبيعة ويرسم منها الخيالات، ويبث فيها من ذاته رؤى تعتمد على حسن التفكير مبني على سعة الاطلاع" .
أما الأدب التأملي في العصر الحديث والمعاصر، وقد شهد أواخر القرن التاسع عشر تطورًا كبيرًا في أدب التأمل، بعيدًا عن الصبغة القبلية، وتبلور مع شعراء المهجر واتخذ لنفسه مكانًا خاصًا يعرض نفسه في غالب الفنون الأدبية، النثرية والشعرية، ونستطيع أن نقول أنه كوّن لنفسه مدرسة خاصة.
2- القصيدة الومضة :
عرّف الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة (التوقيعة) التي كما يلي: " قصيدة قصيرة جدًّأ من نوع (جنس الحافة)، تتناسب مع الاقتصاد، والسرعة، وتتميّز بالإيجاز والتركيز وكثافة التوتر، عصبها ( المفارقة) الساخرة، والإيحاء، والانزياح، والترميز، ولها ختام مفتوح قاطع أو حاسم، مدهش، أي أن لها ( قفلة) تشبه (النقفة) المتقنة، ملائمة للحالة، تحكمها الوحدة العضوية، فهي متمركزة حول ذاتها، (مستقلة)، أو تكون (مجتزأة) يمكن اقتطاعها من بناء القصيدة الطويلة، وهي في شفافيّتها وسرعتها تشبه ومضة البرق، لكنها ليست مائعة الحدود كالومضة، وتستخدم التوقيعة ( أحيانًا) أساليب السرد، وكل توقيعة هي قصيدة قصيرة جدًّا، لكن ليست كل قصيدة قصيرة توقيعة، وكل توقيعة تعتبر ومضة، ولكن ليس كل ومضة تعتبر توقيعة".
أما الومضة - كما يضيف المناصرة – فهي : " صورة صافية منفصلة عن الذات وتفتقد إلى المفارقة التي هي عصب التوقيعة".
وتعد قصيدة الومضة، في شكلها الحالي، نمطَا جديدًا من أنماط القصيدة العربية، وهي ربيبة أدب التأمل، إذ تستسقي مواضيعها ومضامينها من منهله، وقد انتشرت في السبعينات من القرن العشرين، ثم ازدهرت شيئًا فشيئًا حتى أصبحت شكلًا شعريًّا متميّزًا، فهي قصيدة النضج والاكتمال؛ لأنها القصيدة التي تستفز عقل المتلقي وفكره، وهي تُبنى في الغالب على عدد من الكلمات وسطور بسيطة مختزلة ومختصرة، لكنها مفتوحة على عالمٍ مترامٍ من التأويل والتحليل والشرح.
وهذا الشكل الشعري ليس مبتورًا عن التراث العربي، فلدينا في الشعر العربي القديم ما يطلق عليه( المقطعات)، حاول فيها بعض الشعراء، ك ( بشار بن برد) و( أبي العتاهية) و( المعري)، التجديد في الشكل والمضمون الشعري، حسب الواقع المفروض للخروج من عباءة الأطلال والديار والمحبوبة إلى موضوع واحد مكثّف، فأنتجوا مقطعات بين البيت وخمسة أبيات، قام ( أدونيس) بجمعها في " ديوان البيت الواحد" ، وقد كانت عبارة عن قصائد ومضة مكونة من بيت واحد يقوم على فكرة وصورة. وليست مقطعات البارودي و رباعيات الخيام التي تُرجمت إلى اللغات الأجنبية عنّا ببعيد.
وليس مستغربًا هذا الشيوع والانتشار الكبير لقصيدة الومضة خلال الثلاثة عقود الماضية، إذا سلّمنا بأن الأدب يحمل عبء التغيّر الكبير بما يوازي المتغيّرات الاجتماعية والسياسية والثقافية، حتى غدا الأدب بكل أجناسه الشعرية والسردية كتابات ثورية متمرّدة على كل ثابت، تماشيًا مع الوضع العربي المأزوم بكل مظاهر العنف والطغيان، وكل ما نتج عنه من تمرّد وتضجّر وسأم، لا يناسبه إلّا هذا الشكل القصير المكثّف والمَوتور، شعرًا ونثرًا.
وعملية إبداع قصيدة الومضة هي مغامرة كبيرة غير مضمونة النتائج، لذا لا نستغرب إخفاق الكثيرين من شعراء الحداثة في إنتاجها، " بينما نجح عدد قليل جدًّا بكتابتها بالشكل الذي كوّن مع الأيام والممارسة مقياسًا فعليًّا لبنية تركيبة قصيدة الومضة" .
بعض النقاد يرى قصيدة الومضة مجرد استنساخ لشعر ( الهايكو) الياباني، ومنهم من يرى أنها امتداد لشعر (الإبيجرام Epigram) اليوناني، إلّا أن للذرائعية رأيها القاطع بانتماء الأدب العربي إلى أصوله وجذوره التراثية، لأنه التاريخ الثقافي والموروث التراثي للأمة، وطالما تثبّتنا من وجود جذور لهذا الفن في تاريخنا الأدبي والتراثي فالانتماء يكون إلى هذا الأصل، وما نسْبُه إلى غير ذلك إلا نوعًا من التغريب بقصد الحطّ من قدر إنتاجنا الأدبي المعاصر.
ويعزو بعضُ الباحثين التضاربَ في التسميات والمصطلحات لهذا الشكل الشعري، إلى هذا الاختلاف حول أسباب النشأة، فأطلقوا عليها ( قصيدة الومضة)، و( التوقيعة) التي تعدّ " أحد الفنون النثرية في الأدب وتتميّز بالإيجاز البلاغي ودقّة الصياغة، وقد عملت هذه على توجيه الواقع السياسي..." ، وهي تسمية معروفة في العصر العباسي، إضافة إلى مسميات أخرى مختلفة، مثل (القصيدة المضغوطة)، (الكتلة المركّزة)، (المكثّفة)، (قصيدة الفكرة) و( قصيدة الفقرة) و( القصيدة الخاطرة)، كثيرون يرون أن أفضل تسمية لها هي (التوقيعة) التي اشتقها الشاعر عز الدين المناصرة من مفهوم التوقيعات النثرية أو من الومضات التي تعتمد على صفاء الصورة، ولكني أجد تسمية ( القصيدة الومضة ) هي التسمية الأفضل، فهناك فروق قليلة بين الومضة والتوقيعة، ولكن هذه الفروق ليست فاصلة أو حادة مما يجعل التداخل بينهما أمرًا طبيعيًّا وواردًا. فالمفارقة ملازمة للتوقيعة، وليس من الضروري أن تكون ملازمة للومضة، وبالتالي فإن جمالية الإدهاش والبساطة هي تعويض عن المفارقة في التوقيعة، أما الدهشة فهي مشتركة بين الومضة والمفارقة، كما أن التوقيعة أكثر تحديدًا وكثافة، بينما يسيطر الضباب على الومضة السريعة.
"تتفق هذه التسميات في النواحي الشكلية، وهي القصر والإيجاز وأحادية الفكرة أو الموضوع الذي تتم معالجته، ولكننا نستطيع أن نفرّق بين الهايكو وهذا الشكل الشعري في استخدامه للصور البلاغية المتنوعة وخاصة الاستعارة، كما نفرّق بينه وبين الإبيجرام الأوروبي الذي يعتمد على القصيدة الساخرة" .
سأدرس السمات الفنية هذا الشكل الشعري في المستوى الديناميكي، بينما أدرس السمات الأسلوبية في المستوى اللساني.
تنتمي قصائد هذه المجموعة إلى هذا النوع من الأدب، أدب التأمّل، من حيث المضامين، وهي مكتوبة على نمط القصيدة الومضة، من حيث الشكل.
تجنيس العمل:
نصوص شعرية من الأدب التأملي من نوع القصائد الومضة.

أولًا- المستوى الفكري عند الشاعر منذر يحيى عيسى:
البؤرة الأساسية الثابتة Static core:
نتّفق على أن التأمل ظاهرة إنسانية بدأت منذ نزول أبوينا آدم وحواء من الجنة إلى الأرض مأخوذين بغواية البحث عن الخلود، ثم تعمّقت هذه الظاهرة بتعمّق تجارب الإنسان وتمدّدها بتعاقب الحيوات عبر مراحل التاريخ والعصور، وطبيعي أن يختلف تناول هذة الظاهرة من إنسان إلى آخر، فتأمّلات الإنسان العادي بسيطة ومسطحة ولا تتنامى إلى تأمّل المفكر والفيلسوف والشاعر، كما أنها تختلف من مفكر (أو فيلسوف أو شاعر) إلى آخر، باختلاف التجربة الحياتية والمؤهلات الثقافية والظروف البيئية والأيديولوجيات الفكرية، قد يكون الوضع عند الفيلسون أسهل كونه يعتمد في تأملاته على العمليات العقلية مستندًا إلى منهج معيّن في بحثه عن الحقيقة، في الوقت الذي يفتقد فيه الشاعر تلك المنهجية، ويستعيض عنها بالحدس والتخييل، لذلك، فإن الشعر التأملي لا يمكن بحال من الأحوال أن يكون قالبًا أو شرحًا لنظرية فلسفية أو موقف فلسفي، وإنما هو "الشعر ينبع من تجربة الشاعر وثقافته ليجسّد موقفًا معينًا من قضايا الحياة والكون، والشاعر هنا ليس فيلسوفًا، وإن كان يصدر عن فلسفة خاصة من خلال تاملاته في الحياة نتيجة ما توافر لديه من ثقافات فلسفية وصوفية ودينية تغني تجربته وترفد تأمله" .
كما نتفق على أن قصيدة الومضة هي شكل شعري معاصر عربي أصيل، يجمع فيه الشاعر، عن طريق التكثيف، قضايا الإنسان المعاصر، يتناول كل الموضوعات، حتى التفاصيل والحالات الحياتية اليومية، لكن من زاوية جديدة، تعكس رؤية الشاعر الذاتية وفلسفته الخاصة، من خلال لقطات سريعة مفاجئة يبدعها خيال الشاعربعد مشاهداته للواقع، حيث يعيد تشكيل تلك المشاهدات فنيًّا، لتأتي مترعة بالغرابة والدهشة والإقناع والمفارقة.
كنتُ قد تناولت بالدراسة المجموعة الشعرية السابقة للشعر منذر يحيي عيسى، المعنونة ب / وحيدًا ستمضي/ ودرست النزعة الصوفية في تلك المجموعة، وخلصت إلى أن الشاعر منذر يحيي عيسى هو شاعر حداثي يكتب القصيدة الحرة ( قصيدة النثر) بمضامين و"بمواضيع فكرية وروحية تعكس تجربته الذاتية وانفعالاته الشعورية، في قالب فني غني بالجماليات البلاغية وعلم الجمال وسيميائية ورمزية الإيحاء، وهي مواضيع شديدة الذاتية ولا تخرج عن علاقة الشاعر بذاته، وقد يتجاوز إلى العلاقة بالآخر، دون تمييز أو تخصيص، إضافة إلى علاقته بالذات الإلهية، والوجود كإطار مكاني يوجد ضمنه، في سياق هذه المواضيع نجده يركز على معاناته الروحية، دون أن يغفل عن تناول القضايا الكبرى ضمن ذات السياق، معطيًا الأولوية للأبعاد الروحية والوجدانية في التعبير عن جوهر الإنسان وحقيقة وجوده" .

ثانيًا- المستوى البصري:
1) العتبات الخارجية:
لوحة الغلاف الأمامي:


2) العنوان:
/بارقات تومض في المرايا/
في معجم المعاني الجامع :
بارقة: ( اسم)
الجمع : بوارق
البارقةُ : مؤنث البارق
البارقةُ : بريق السلاح، وفي الحديث الشريف:" كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة".
في معجم اللغة العربية المعاصرة :
مرادفات كلمة بارقة: بريق، شعاع، وميض، بصيص.
نلاحظ أن الشاعر اختار جمع المؤنث السالم( بارقات) في جمع هذا الاسم، دونًا عن جمع التكسير ( بوارق)، ثم أردف ذلك بالفعل المضارع المستمر ( تومض)، أي أنه اعتمد التأنيث في الاسم والفعل، وحدّد المعنى بالوميض، كما حدّد المكان الذي تومض فيه هذه البارقات (في المرايا)، والمرايا : أداة لها قابلية على عكس الضوء بطريقة تحافظ على الكثير من صفاته الأصلية قبل ملامسة سطح المرآة. أما أهم فوائدها فهي تساهم في توسيع الأماكن الصغيرة والضيقة.
أما عن رمزية المرآة: فهي التجسيد الرمزي للروح، وأن الحقيقة ليست خارج الإنسان، مثلما أن الإنسان هو جوهر الحقيقة، وفيها ينكشف تاريخ الأفكار، حيث تحل القيم الدنيوية والإنسانية محل القيم المتعالية، وعليها بلور "سبينوزا" نظريته حول وحدة الوجود العقلية.
وهكذا، نجد أن اختيار الشاعر لهذا العنوان ليس اختيارًا اعتباطيًّا، وإنما هو اختيار متعمّد، حمّل فيه الشاعر كل كلمة منه حمولات تكنولوجية عديدة، حمولات لغوية وفلسفية ورمزية، أنتجت لنا نصًّا مكثفًا تكثيفًا فائقًا، مضغوطًا، لو فردناه لتوازى بالامتداد مع المتن النثري المتمثل ب 179 قصيدة وامضة شغلت حوالي 170 صفحة.
والعنوان الذي حملته المجموعة، إنما هو انعكاس للقصائد الوامضة التي تحمل سمات اللمعان والتألق والإشراق والتوهج.

العتبات الداخلية:
1) عتبة الإهداء:
شاعر يهدي شاعرًا قصيدة، إهداء خاص من الشاعر إلى والده الشاعر، يستهلها ببيت شعر لوالده:

هيَ الدّنيا بأجمعِها فناءٌ لذاكَ نفوسُنا الأجزاءَ تأبى*
هكذا قالَ أبي ومضى
مضى عابرًا كضيفٍ
وأنا في جمرِ أشواقي
أناجي طيفَهُ هاديًا
ولجراحي بلسمًا
*بيت من قصيدة له
إلى روح والدي الشيخ( يحيى عيسى) أهدي هذه البارقات.

2) تصدير :
عنونه الكاتب ب ( رأي بعدَ الكتابة، ويسبق القراءة)، مضمونها أن الشاعر لا يدّعي الزرع في حقل إبداعي لم يُزرع من قبل، وإنما هي مساهمة ومحاولة ذاتية لقراءة مفاهيم وأفكار وتأملات في الحياة والموت وما بينهما، وما تطرحه هذه التأملات من أسئلة فلسفية وجودية جدلية وإشكالية، ويقول أنه خاضها كتجربة يعي تمامًا أنها محاولة عبثية من ناحية جدواها أو الحاجة إليها، ويشكّ بقدرتها على تغيير الواقع، لكنها يمكن أن تضيف حجرًا يسند بنيان الشعر المعاصر، وأنه محكوم بشهوة الكتابة ومحاولة التعبير عن المشاعر من خلالها، ويعد بتكرار المحاولة، وأقول له أنها ليست محاولة عبثية، وأننا بانتظار مغامراته اللاحقة التي يعدنا بها.

3) تقديم :
من الشاعر الدكتور نزار بريك هنيدي، مردود عليه بعلمية النقد الذرائعي الذي يواكب عجلة الأدب العربي المعاصر، ويتلقى الأجناس الأدبية الجديدة ويؤصّل لها ويربطها بجذورها إن وجدت، كما يتناول الأجناس الهجينة، التي لا تولد مشوهة ولا تُلقى لقيطة، فالمنهج الذرائعي يحترم كل ما تنتجه العملية الإبداعية في كل الفنون، ولا يقف المنهج مكتوف اليدين، مشَوِّهًا، ساخرًا متعنّتًا أمام الجديد، كما فعل ويفعل الكثيرون ممن يعادون ما يجهلون.

النصوص أو القصائد داخل المجموعة:
يتبع الكاتب في هذه المجموعة نفس استراتيجيات الكتابة الشكلية التي وجدتها في مجموعته السابقة، والقائمة جعل النصوص متموضعة في منتصف الصفحات، وتشكّلها كعمود يضيق ويتسع متموجًا ليشكّل ما يشبه الزخارف والنقوش، إلا أنه اتبع السمات الشكلية لقصيدة الومضة، التي هي أسلوب كتابة له أكثر من شكل شعري، فالقصيدة لا تتجاوز عدة أسطر، قد يكون السطر كلمة، وقد يكون جملة، ولم يجمع النقاد على تحديد عدد الأبيات، وإن اعتبر بعضهم أن القصيدة القصيرة تتكوّن من سبعة أبيات، وما قل ّعن ذلك فهو ومضة، لكن الشيء المهم هو أنه كلما اتجهت القصيدة نحو القصر والتكثيف، بتوظيف فني عالي الدقة، كلما نالت حظًّا أكبر بالدخول إلى حقل القصيدة الومضة، وعالمها، الضيّق في عباراته، المتسع في رؤاه.
ولقد نوّع الشاعر في حجم قصائده من حيث الطول والقصر، مفيدًا من البراح الشعري والبصري الذي يؤمنه له هذا الشكل الشعري، فنجد القصيدة القصيرة، والأمثلة عليها في المجموعة كثيرة، كما نجد الومضة، والأمثلة أيضًا متوفرة بكثرة مثل قصيدة ( جذور):
للأزهارِ نُغنّي
ونحتفي بالثّمارْ
ونكتبُ عنهما الشّعرَ
وننسى الجذورَ
والأغصانْ.....

ونجد أيضًا قصيدة المقطعات:
منها القصيدة المعنونة بـ ( وللقلب ومضٌ ونبضُ...) التي شكّلها الشاعر من حوالي 21 مقطّعة:

-1-
في غيابِكِ
تفقد الكلماتُ بريقَها
وهي تبحثُ عن المعنى
وفي حضورِكِ
يتربَّعُ الصمتُ
ملكًا على عرش الخوفْ...

-2-
أمضغُ الوقتَ بأسنانٍ متعبةٍ
وأرشُّ على الجرح الرمادَ...
بين َ مدٍّ وجزرٍ
أترقَّبُ على شاطئِكِ
بقايا ذاكرتي
.
.
.
-21-


والملاحظ أيضًا استخدام الشاعر النقط البينية كدالّة بصرية محذوفة تفكيكيًّا بمفهومها المؤجل، وكذلك النقاط في آخر الجملة، فهي دالّة بصرية لجملة سياقية محذوفة، تعوّض عن زيادة في تعداد، أو وصف أو امتداد زمني لفعل في السياق، أو استمرار فعل لحدث، لنا أن نتخيّله، كما أن إشارة الاستفهام هي دلالة بصرية تنوب عن دلالة مضمرة تفيد الاستمرار وتكرار سؤال بلا جواب:
من قصيدة " التفاحة اللاهية" أقتبس شاهدي:
التفاحةُ اللاهيةُ
والتي أسقطت من الجنانِ
من تعلّم الأسماء كلها...
عندما سقطت من عرشها
اكتشفَ ( نيوتن)
أنّ للأرض جاذبيةً
وسحرًا لا يقاومْ...
زمنٌ طويلْ... مضى
وأنا أجهدُ
لأكتشفَ سرَّ سقوطي على بابِكِ؟...

ثالثًا- المستوى اللساني : Linguistic Level:
القصيدة الومضة، يسميها أحمد عبد المعطي حجازي ب ( الإبجيرما)، ويعرّفها أسلوبيًّا بأنها:" الإبجيرما.. شكل شعري مكثّف يتألف من بضعة أبيات، تبدأ بالوصف وتنتهي بالحكمة أو العبرة"
وهو تعريف لا يمكن اعتماده بخصوص قصيدة الومضة العربية، إلّا في موضوع الابتداء بالوصف، لكن النهاية ليست دائمًا حكمة أو عبرة، بل إن الخاتمة في قصيدة الومضة تأتي على أنواع، سندرسها في المستوى الديناميكي.
على المستوى اللساني: تُعرّف الومضة بأنها قصيدة قصيرة مكثّفة موحية تترك أثرًا يشبه الوميض، ولذلك يأتي التضاد والمفارقة من أبرز سماتها الأسلوبية، بحيث تشكل عالمًا شعريًّا، غنائيًّا ودراميًّا في آن.
عدا عن أن السمة الدرامية، التي تجعل القصيدة الومضة أشبه بالبرقية أو باللقطة السينمائية الدرامية واللمحة الخاطفة التي تمثّل خلاصة لفكرة ما بلغة مكثفة بعيدة عن النمطية.
في قصيدة ( خوف المواجهة):
الشّوق يقودُ كلَّ جوارحي
إلى أقداسِ واديكِ
وها أنا أخلعُ نعليَّ
ربّما لأنّني مسربلٌ بالحبِّ العظيمِ
أشيحُ بوجهي عنكِ
وعن حمّى الغَوايةِ أبتعدْ....
وقد يدفعني هذا الشّوق
لأفرَّ منكِ
هاربًا إليكِ
معلنًا عجزي عن مواجهةٍ أكيدةٍ
ستجعلُ نارَ القلبِ تتّقدْ....
يضعنا الكاتب أمام اللحظة الانفعالية المكثفة ( الشوق يقود كل جوارحي إلى أقداسِ واديكِ)، ثم إلى المفارقة الإيحائية ( أشيح بوجهي عنكِ وعن حمّى الغواية أبتعد) فرغم هذا الشوق الشعوري والحب العظيم المسربل به لا يريد الوقوع بالغواية الحسّية، العلاقة الجسدية، وهذه المفارقة الإيحائية تشكّلُ تناقضًا وتضادًّا بين المتوقع والواقع، نتيجة للتجاذبات الشعورية المفاجئة بين الشوق والخوف، وبين سلوك، متضاد ربّما، مترتّب على هذه التضادات الشعورية ( وقد يدفعني هذا الشوق لأفرّ منكِ هاربًا إليكِ)، لتأتي الخاتمة مفارقة بين المتوقع(هاربًا إليكِ) والواقع المرافق لحالة الهروب ( معلنًا عجزي عن مواجهة أكيدة ستجعل نارَ القلب تتّقد)، هو سيفرّ منها ويهرب إليها ليعلن عجزه عن لقائها خوفًا من اتقاد قلبه بنار حبّها!. ما هذا الفيلم الدرامي المكثّف الحافل برومانسية الشعور ودراماتيكية الجوارح؟!
وفي ذات النص يتكشّف أيضًا الإيقاع الغنائي المتشكّل من الإتيان بكلمتين مختلفتين ( فعل- اسم) مترادفتين تؤديان نفس المعنى( أفرّ- هاربًا)، وإتباع كل كلمة منهما بحرف جر ( منكِ- إليكِ) ليتحوّل المعنى من ترادف إلى طباق سلبي!.

إن "وحدة الموضوع وكثافتها العالية تستلزم الاقتصاد الشديد في استعمال حروف العطف والمفردات الكمالية التي لا تخدم الموضوع، وتخلو هذه القصيدة بطبيعة الحال من الحشو والتطريز والمحسنات البديعية الأخرى"
في قصيدة ( وجهة نظر):
السياسي
يبدأ نشاطه الفكريّ
عندما لم يعدْ هناك مايفعلهُ
خصوصًا
بعدَ أن يعتليَ كرسيًّا مريحًا
سبقه إليه آخرون
وينتظره الكثيرون
ناسيًا أن السقوط قريبْ....
يتحدّث الشاعر عن السياسي، بمنتهى الاختزال والإيجاز، متخفّفًا من معظم أدوات الربط، والمحسنات البديعية، معتمدًا الأسلوب المباشر، لنقل الفكرة الأساسية مجرّدة من الشروحات، هذا الاختزال الكمّي يقابله تكثيف بالمعنى، فالكرسي الذي اعتلاه واستراح عليه، منهيًّا عليه نشاطه الإنجازي، ينتظر الكثيرون سقوطه القريب عنه.
ومن جانب آخر، فإن القصيدة الومضة جاءت كشكل جديد، يقوم على التكثيف والاختزال والاقتصاد اللغوي، الأمر الذي اقتضى حضورًا طاغيًا لعلوم البلاغة، على اعتبار مقولة " البلاغة في الإيجاز".
ففي قصيدة (المستحيل) يوظف الشاعر تقنية اللغة المجازيةFigurative language
المستحيلُ
مصطلحٌ كأنّه خِرَقٌ
قُدّتْ من قُبُلٍ ومن دُبُرٍ
بها نحاولُ سترَ عوراتِ
عُرينا الملسوعِ
وما نعجزُ عن بلوغهِ
وقد سبقنا الثعلب
بحكايتهِ مع العنبْ...
يستهل القصيدة بجملة اسمية خبرية ( المستحيل مصطلح) ويتبِعها بتشبيه ( كأنه خِرَق)، ثم تناص بلاغي من النص قرآني ( قدّت من قبل ومن دبر)، وتأتي خاتمة القصيدة اقتباس من حكاية الثعلب والعنب ( وقد سبقنا الثعلب بحكايته مع العنب).
وهناك أيضًا تقنية التشخيص Anthropomorphism/Personification كما في قصيدة ( عدالة الزّبد)، حيث عمد الشاعر لتجسيد وشخصنة الأشياء، بإسناد الخصائص البشرية إلى أشياء غير الحية، فالعدالة أمير مخلوع يرتجل الخطب :
العدالةُ
أميرٌ مخلوعٌ
في زمنِ الصمتِ والسُّباتْ
يرتجلُ خطبًا
عن أمجادِ أيّامه الغابرةِ
وهي التي مرّتْ سحابةَ صيفٍ
في سنواتٍ عجافْ...
والعدالةُ رهانٌ على الزّبَدْ...
تقنية التوازي: Parallelism وقد وظّفها الشاعر في استهلال الكثير من القصائد.
والتوازي: هو استخدام لغة أو هياكل أو أحداث أو أفكار متشابهة أو متطابقة في أجزاء مختلفة من نص، وما هو التوازي؟ التوازي، أوالمعروف أيضًا بالبنية المتوازية، هو عندما تكون العبارات في الجملة لها نفس البنية النحوية أو المتشابهة، مع الاختلاف بكلمة واحدة في كل عبارة عن أخرى، وفي أبسط استخداماته، يوفّر التوازي عبارة تتّسم بالتوازن والوضوح، ويعمل التوازي أيضًا على إعطاء العبارات نمطًا وإيقاعًا راقيًا، وهي موظفة في الكثير من القصائد، على سبيل المثال، في قصيدة ( طفولة هاربة)، يركز الشاعر على مفردة "الطفولة"، يضعها الشاعرعلى رأس القصيدة كمبتدأ، ثم يذكر جملًا كثيرة كلها في جمل خبرية لنفس المبتدأ ( الطفولة) :
الطفولةُ
شغبٌ شقيٌّ...
خيالاتٌ لا حدود لجهالتها...
عصافيرُ مُطارَدَةٌ تَلْبَسُ خَوفَها...
ألعابٌ مُبْتكرَةٌ من خيالاتِ الحاجةِ...
حلمٌ بأنْ يكونَ النّهارُ وسع المدى...
لاجتناءِ الكثيرِ من الشّهواتِ
من حقولٍ يانعةِ الشّفاهْ...
إن عمق المعاني، والدلالات الكامنة في المفردات، والتلاعب بها لتأدية دورها الكبير في التأثير على المتلقي، ما يستدعي قوة تركيز القارئ لإدراك كيفية استخدام اللغة المجازية والتصويرية التي حاك بها الشاعر قصيدته، يستدعي من الشاعر معرفة كافية في علم الجمال، فيوظّف مثلًا:
تقنية التصوير اللغوي: ::Imagery
الصور الأدبية: والصور هي أداة أدبية استخدمها الشاعر في تقديم وصف أدبي حيويّ يجذب حواس القرّاء لإنشاء صورة أو فكرة في رؤوسهم، بهدف تصوير التجربة المثيرة والعاطفية داخل النص، ويمكن أن تستهدف الصور المكتوبة حاسة التذوّق أو الشمّ أو اللمس أو السمع أو البصر لدى القارئ من خلال أوصاف حيّة، مثال، قصيدة ( عبقرية الطبيعة)، وفيها يركز الكاتب على مكوَّن طبيعي ( المطر) محسوس باللمس والرؤية، وعلى فعل من أفعاله ( الغسل)، فالمطر يغسل الطبيعة، لكن الفكرة التي يحضّرها الشاعر في ذهن المتلقي عبر سياق الصورة الأدبية، أنه أيضًا يغسل أدران الجسد :
المطرُ
عبقريّةُ الطبيعة ِ
يجيءُ ليسقيَ أشجارَ الأحلامِ
وعرائشَ السّهرِ الطويلِ
مُعدًّا للربيعِ طقوسَ فرحهِ
وصبواتهِ السّاحرهْ...
وقد يجيءُ في فصلٍ آخرَ
أو حينَ يشاءْ....
ليغسلَ أدرانَ الجسدِ
الطارئهْ......
هذا عدا عن اللغة الإيحائية والرمزية التي تعطي قصيدة الومضة القدرة على العبور في الزمان والمكان.
ثم الإيقاع الشعري المهيمن والمميّز والذي يفرّقها جوهريًّا عن القصة القصيرة جدًّا، والذي يحقّقه الشاعر عبر التكرار والنبر والتنغيم.
رابعًا – المستوى الديناميكي:
عند كتابة قصيدة الومضة، على الشاعر أن يراعي أنه يكتب نوعًا مميزًا من النصوص الشعرية، لها خصائص فنية واسمة، أهمها، القصر والتركيز والتكثيف، وهذه السمات مأخوذة من الومض، لأن من سمات الومض السرعة واللمعان والتألق والإشراق والتوهّج كما قلنا، كما أن فيها إدهاش وتشويق، ومفارقة تجمع كلًا من الشفافية والغموض الآسر، فلا إيضاح فيها إلّا بالقدر الذي يرتئيه الشاعرعن وعي تام، وقصدية مبيّتة.
وإذا حرص الشاعر على أن تكون جملة الاستهلال في قصيدة مبهرة، فإن جملة الخاتمة يجب أن تكون مدهشة.
 والخاتمة : هي الجزء الأخير من القصيدة، والتي يقفل بها الشاعر مفتتح القصيدة، لأنها:
"قاعدة القصيدة وآخر ما تبقى منها في الأسماع، ولذا فخاتمة قصيدة الومضة تمتاز بعنصر لا يجيد استخدامه إلا الكتّاب المهرة والأدباء الأذكياء، وهكذا، فالجملة المدهشة دائمًا في الخاتمة لا تقل أهمية عن الجملة المبهرة الأولى بأي نص، سواء اجتمعن أو افترقن فهما وسيلتان لا يتقنهما إلا الأدباء المحنكون لتساهم في إنشاء قصيدة، رغم قصرها، رائعة المبنى والمعنى"
وتعدّ الخاتمة أحد أهم عناصر البناء الشعري لقصيدة الومضة، حيث يشكل من خلال الخاتمة بناء ضديًّا، فالخاتمة هي الهدف التي تلقي باتجاهها قصيدة الومضة ثقلَها، باعتبارها محور أو بؤرة أو مغزى العمل الشعري.
والنهاية هنا هي " الموضع الذي تكتمل فيه اللوحة أو القصيدة بوصفها نظامًا إشاريًّا يقدّم رسالة من خلال عناصر بنائها الأساسية، كما أن للخاتمة علاقة بنيوية معقّدة مركّبة مع عناصر القصيدة الأخرى، وقد نالت الخاتمة بوصفها الإيذان بانتهاء القصيدة حظًا وافرًا من اهتمام النقاد القدامى سواء من خلال تأكيد أهميتها على مستوى الإبداع والتلقي، أو من خلال إشكالية التسمية وتنوّعها ( الانتهاء) ( حسن الخاتمة ) ( المقطع)" . وكذلك إشكالية التفاوت في محاولة إيجاد الكم العددي الذي يشير إلى انتهاء القصيدة، ويصلح أن يسمى خاتمة، بعضهم يرى أنها البيت الأخير، وبعضهم يرى أنها تتجاوز ذلك، وأظن أن هذا التجاوز يكون بمقدار الإيحاء الذي يزجّه الشاعر في البيت الأخير، وآخرون تركوا كل قصيدة تحدّد خاتمتها تبعًا لعلاقة البيت الأخير بمضمونها، حيث يكون (الإحساس) بنهاية القصيدة هي المؤشر لخاتمتها طالت الخاتمة أو قصرت، وهذا الأمر مربك وغير يسير بالنسبة للقصيدة الطويلة، ويزداد تعقيدًا في القصيدة الومضة، فأحيانًا تتكوّن القصيدة الومضة من سطر واحد هو البداية والنهاية في آن، كانت لي تجربة مع هذا النمط من القصيدة الومضة حين كتبتها في هذا المثال:
شاعر
قال لي: أنتِ ملهمتي.. وتوارى في قصيدة...!
تختلف طبيعة الخاتمة من شاعر إلى آخر، بل وحتى تختلف عند نفس الشاعر من قصيدة إلى أخرى، وقصيدة الومضة هي (الكتابة بممحاة)، بمعنى أنها تعتمد على الحذف، أو، لنقل، أنها تعتمد على ما وراء الكلمات المنظومة في النص الشعري، لذلك فهي تميل إلى النهاية الخاطفة التي تبلغ عندها ذروة التأثير، كما تعتمد على إحداث المفارقة بين المقدمة والخاتمة لإحداث الإدهاش، لننظر، كمثال، إلى قصيدة ( نظرية التطوّر) :
وفقَ ما رأى "لامارك"
قانونُ التطوّرِ يؤكّدُ
أنَّ الاعتيادَ أطالَ رقبة الزرافهْ...
على هذا الأساسِ
لماذا بقيتْ هاماتُنا مرفوعةً
عبرَ الزمنْ؟!...
مقدّمة القصيدة عبارة عن قانون علمي( قانون التطور) منسوب لواضعه( لامارك)، يعرض الشاعر مضمون القانون ( الاعتياد أطال رقبة الزرافة)، حين تطبيقه على الإنسان، يأتي الشاعر بخاتمة مدهشة فعلًا ومخالفة للقانون المثبت كحقيقة علمية في المقدمة، ( لماذا بقيت هاماتُنا مرفوعة عبر الزمن؟) أين هي الخاتمة الحقيقية في هذه القصيدة؟ الخاتمة الحقيقية محذوفة أو متوارية وراء جملة السؤال.
ارتبطت الخاتمة بالتشويق، وذلك حينما يخالف الشاعر التوقعات المستنتجة من المتلقي من خلال سياق النص الشعري، كما في:
- الخاتمة المفارقة :
كما في قصيدة ( أحمر. أصفر. أخضر)
أحمر. أصفر. أخضر
إشاراتُ المرور
صُمّمت لتؤكّدَ
أنّنا غارقونَ في الفوضى
حتّى آخرِ الألوانْ...
عنصر التشويق تحقق بخاتمة كسرت أفق التوقع لدى المتلقي، الذي انتظر أن تكون لإشارات المرور بألوانها الثلاث دورًا تنظيميًا، يتوقعه المتلقي، ليس فوضويًّا، كما أورده الشاعر في جملة الخاتمة، بل يتجاوز الألوان الثلاث ليؤكد أننا نتصرّف بفوضى مع كل الألوان، ولا نلتزم بالإشارات.
- الخاتمة المتوقعة ( المقطوعة): تكون النهاية مغلقة على القطع والحسم، من دون إعطاء فرصة للتأويل، كما في قصيدة ( لباس حضاري)، حيث أكّد الكاتب فيها أننا، كعرب، ممرغون بجهالة بداوتنا
ربطةُ العنقِ
نحاولُ ونحن نرتديها
أن نخرجَ من البداوةْ...
لكنّ طريقةَ ربطِها
تؤكّدُ تمرّغَنا المحكمَ
في رمال صحراءِ
الجهالهْ....
- الخاتمة شبه المتوقعة : تكون الخاتمة فيها شبه متوقعة، لأن سياق القصيدة ككل هو الذي جعلها كذلك، حيث تتكاتف النهاية مع عنوان الومضة وإيقاعها الاستهلالي فيما يشبه التوازن.
قصيدة ( أرض عالية):
التواضعُ
سمةٌ للسنابل الممتلئةِ
ولمن غاص في بحار المعرفهْ...
ويقولونَ:
" الأرضُ الواطئةُ
تشربُ ماءها وماء غيرها"
وكأنّ التواضعَ
يتعارضُ مع الإباءْ!....
ألم يجدوا للصفةِ النبيلةِ
وصفًا آخرَ
غيرَ الأرضِ الواطئهْ؟!....

- الخاتمة التكميلية: وهي التي يستخدم فيها الشاعرسطرًا مكملًا للسياق الذي تجري فيه الومضة متسقًا مع السطور السابقة، وبالتالي هي خاتمة متوقعة أيضَا:
كما في قصيدة ( آلة قديمة):
القلبُ
هذه المضخةُ
التي تعملُ بوقار في الخفاءِ
ألمْ يكفها ما يجهدها
حتى تشارك بمغامرتِ الحبِّ
عبئًا ممضًّا
وعذابًا عذبًا
وتصبح جاهزة للعطبِ فجأةً
كآلةٍ قديمهْ...
التي بدأها بمضخة ( آلة) تضخ الحياة، ثم في السطر قبل الأخير أضاف صفة العطب، ثم أنهاها بآلة قديمة .
- الخاتمة التكرارية: يكرّر فيها الشاعر مفردة أكثر من مرة في السطرَي النهاية.
كما في قصيدة ( هاجس النهاية) التي أنهاها هكذا:
وكأنّ الموتَ قابَ قوسينِ
فهل هي حياةٌ؟...
أو موت على شكل حياةْ؟...
كرّر الشاعر ذكر مفردة ( حياة) في السطرين الأخيرين مستخدمًا أسلوب السؤال لتحقيق الإيقاع.
وفي حال وجد المتلقي خاتمة أخرى للقصيدة، غير المكرّرة أو المكمّلة للمقدمة، عندئذٍ تكون خاتمة الشاعر هنا قبيحة، لأنه حينها لا يفسد جماليات الشعر في القصيدة فقط، بل يلغي مشروع القصيدة من أساسها.
بالنهاية، وجب التنويه إلى أن الخاتمة المفارقة هي أكثر النهايات حضورًا في قصائد شعر الومضة، وهي التي يراهنُ الشاعرُ عليها المتلقي ليتحصّل على تقييمه الجيد، مع أنه ليس بالضرورة أن تكون خاتمة الومضة مفارقة، بل يكفي أن تكون مدهشة، وقد تتأتّى الدهشة نتيجة كونها مكرّرة أو مكملة أو حتى متوقعة، ففكرة المفارقة هنا قد تكون رمزية، بداية من اختيار الموضوع، مرورًا بالعنوان والاستهلال وصولًا للخاتمة، وقد حرص شاعرنا على اعتماد لغة المفارقة، وبنية التضاد سواء على مستوى الألفاظ أو المعاني، لكنه لم يعتمدها في كل قصائد المجموعة، بل نوّع في النهايات، مبرزًا براعته في توليد الدهشة بكل أنواع النهايات.
 المضامين:
" يراد بالأدب التأملي ما ينعكس على تأمل الإنسان في الحياة والطبيعة وما بعدها" .
لذلك نجد أدباء التأمّل يتجرّدون في تأملاتهم من طبيعة الصلصال والطين، فيسمون فوق البشر والحياة، ويطوفون بأخيلتهم في عوالم بعيدة مجهولة، يحلّلون النفس البشرية، ويحاولون إماطة اللثام عن كنه الحياة وأسرارها، ويضيعون بين الشك واليقين باحثين عن الحقيقة الكونية الكبرى، وتتسع عندهم النزعة التأملية فتشمل الحياة الإنسانية والنظرة إلى الحياة والوجود والمجتمع البشري ككل، وهي الحلم الأكبر الذي كان يراود أخيلة المفكرين والفلاسفة والشعراء.
ف"هناك البعد الروحي الباحث عن ماهية الوجود وعظمته، وهناك البعد الإنساني المفتش عن قيمة الإنسان وأهميته، وهناك أيضًا البعد الزمكاني المعبر عن الماضي والحاضر والمستقبل في بقعة حدودها البيئة ومجالها الزمن، وبهذه الأبعاد ندرك أهمية الأدب التأملي، لأنه يحفظ تجربة الأديب في تعاطيه الملموس من جهة، والهدف المتخيّل من جهة أخرى" .
وتأثّر شاعرنا منذر عيسى يحيى بهذا الأدب التأملي يبدو جليًّا جدًّا، تدلّ عليه المضامين التي احتوت عليها مجموعته الشعرية هذا، من خلال أبعادها :
البعد الروحي:
قصيدة (خطيئة الروح)
الكرةُ الأرضيّةُ
بقعٌ زرقٌ
تنامُ هادئةً...
تلالٌ خضراءُ...
وأوديةٌ كعمقِ المعرفهْ...
أرواحنا الهائمةُ في فضائها
كعصافيرِ السّنونو
لماذا تفرُّ نحو سماواتٍ
مداها الأبدْ...
وقد لا تجدُ فيها غصنَ شجرةٍ
تستريحُ عليه لِتُنْشدَ
آخرَ أغانيها الحزينهْ...!
دائمًا هناك عمود رمزي وقرين في قصائد منذر عيسى، فالأرواح الهائمة تحمل رمزية الموت أو الحلم، يقرنها الشاعر مع عصافير السنونو، فرغم اكتمال الكرة الأرضية بكل مقوّمات الحياة، هناك أرواح هائمة تفرّ كالسنونو نحو سماوات أبدية، وقد لا تجد فيها أي مقومات للحياة، ولا حتى شجرة تنشد عليها أغانيها الحزينة ( أغانيها الجنائزية).
البعد الإنساني:
صراع الإنسان بين أهم وأشمل التضادات الثنائية، بُعدَي الحياة، الولادة والموت، قصيدة صغيرة جدًّا يختزل فيها الشاعر سيرة الإنسان في هذا الكون الفسيح، عبر الزمان المديد، مشيدًا بحكمته، التي عرف بها كيف يهادن الحياة، ولأنه أدرك أن الانتصارالأخير للموت، وهو بعد ملموس في الكثير من القصائد، منها قصيدة ( بذرة النهاية):
بَذرةُ الموتِ
تتخفّى داخلَ كلِّ حيّ...
مع الزّمنِ
البذرة تبدأ بالإنتاشِ
صراعٌ على اجتناءِ ثمارِ الخيبهْ...
ونحن بحكمتنا نناور
لنخلقَ هدنةً طارئةً
سيكون في نهايتها
للموتِ انتصارْ
وتسقطُ في براثنِ الهاويةِ الحياةْ......
رصدت الكثير من القصائد التي يدعو فيها الشاعر إلى تمثّل القيم الإنسانية النبيلة، منها مثلًا الوفاء والذكرى لمن رحلوا، كما في قصيدة ( الحاجة إلى الذكرى):
إنّهم يرحلونْ
يؤثرون الدّفءَ الأبديّ للترابِ
على صقيعِ الوقتْ...
إنّهم هادئونْ
هادئون أو نيامْ...
لكنّهم يرحلونَ أو يصمتونْ
لم يعدْ يمزّقُ صمتَهمُ
الضجيجُ أو البكاءْ...
نذكرهمْ... وهمْ بحاجةٍ لنذكرَهمْ
ونجدّدَ لهم بالذّكرى الحياةْ
ولو بإشعالِ شمعتينْ....
وهناك دعوة للتطور، للسير نحو الأمام، يبثها الشاعر من سؤال استنكاري طرحه الشاعر في قصيدة (استمرارية الجذور)، هل نحن وأبناؤنا محكومون بأن نكون نسخًا مكرًرة ممن سبقنا، نردّد شعاراتهم البدائية؟ أم أننا ملزمون أصلًا بوضع وتحقيق أهداف مستقبلية ؟!:
أسلافنا ... الجذورْ...
هل علينا أن نكرّرَ سيرتَهم
ونحملَ ملامحهم مرغمينْ؟!
حتى أجنّتنا تذهب بعيدًا ... بعيدًا
حينَ تعيدُ أشكالَ من سبقها من الأحياءِ
ونحنُ لا نزالُ
نغنّي للحرّيّهْ. !!...

وتستقي قصيدة الومضة مادة رسالتها القضوية من حقول دلالية عديدة، أهمها الثنائيات الضدية.
"فشاعر قصيدة الومضة يكثّف حرب المتناقضات والمتضادات من خلال مشاهد شعرية ذات تشكيلات تصويرية مثيرة تتجاوز الحيّز المرئي، وتنفرد بأجواء فنية خصبة، وتحدث المفاجأة حين يخالف الشاعر التوقعات فترتبط الخاتمة بالتشويق من خلال اشتراك المتلقي مع الشاعر في رسم الخاتمة وتأويلها، تلك الخاتمة التي تصبح همزة الوصل بين الشاعر وبين المتلقي، فلا تنتهي مهمة الشاعر بكتابة ومضته، بل تمتد إلى المتلقي لتستنطقه ما لم يقله في ومضته"
وهناك محاور عديدة تلتف عليها تلك الثنائيات الضدية، منها:
 المحور الذاتي:
الذي يتسع للكثير من متضادات الذات الشعورية والفكرية والنفسية، الحزن والفرح، القلق والسلام، اليأس والأمل، الاغتراب، ... وهذا ليس مستغربًا، إذ أن الشعر المعاصر هو شعر ذاتي بالمجمل، ملَكَ حريّة التعبير، فأطلق لذاته عنانها، دون أن ينكفئ عليها بعزلة أو احتجاب، كما يدّعي بعض النقاد، وإنما وازن بين انشغالاته وهمومه الذاتية، وبين دوره الرسالي المجتمعي القضوي اتجاه مجتمعاته، فالشاعر لا يقدر أحدٌ على عزله، كما أنه لا يمكن أن ينعزل بنفسه عن مجتمعه، لأنه إنسان يحمل رسالة، ليس نبيًّا، ولكنه مخلصٌ في حمل رسالته كنبي.
قصيدة ( أنا):هي قصيدة محمولة على المحور الذاتي:
أنا...
مرميٌّ في غيابةِ وقتي
كسراجٍ على وشْكِ الأفولْ....
تتجمّعُ أجزائي وادعةً
وقربَ مثواها تموتُ....
ضلّتْ خطواتي الدّربَ
والجسرُ تصدّع
.
.
تركني الأحبّةُ خفافًا
ومع خوائي وحيدًا
بقيتُ....
قصيدة تئن بوحدة الشاعر، ومراسم دفن يعدّها لذاته التي انطفأ سراج الشغف فيها، وتحاول أن تموت بسلام، يرتّب لدفن ما تبقى من أجزائه المسالمة، بعد أن ضلت الأجزاء المتمردة طريقها، في شقاء الحياة، وتصدع الجسر الواصل بين ذاته وأجزائه.
 المحور التخييلي :
الطبيعة ليست إلّا مدركات حسّية يمتطيها خيال الشاعر ليحلّق في عوالم ميتافيزيقية، ربما هربًا من أصل النشأة الطينية، أو محاولة للارتقاء بالنفس باتجاه الروح المحلقة، وهذا ما يميّز الأدب التأملي ومن يكتب به من الكتّاب والشعراء، حيث الطبيعة عند منذر عيسى هي الصورة الحسّية التي تحفّز خياله ليقوم برحلته العرفانية باتجاه عوالم الروح.. كما في قصيدة ( سرّ التحوّل):
صحوٌ بنقاء الإيمان
ومطرٌ خفيف
تتقاطع خيوطُهُ مع أشعّةِ الشمسِ
يحملُ جنيٌّ ريشتَه الساحرةَ
منتشيًا بأطيافِ النورِ الإلهي
ويرسمُ بمهارةٍ
قوسَ قزَحْ...

أو سريالية باتجاه عالم الحلم، كما في قصيدة ( وشاح الضباب):
الضّباب وشاحٌ تخلعه الطبيعة على جسدِها
حين تَدْهَمُ الدموعُ
عيونَ السماءِ
لتخفي حزنَها
وحبرَ جراحها
عن شجرةِ الكرزِ
المنتظرةِ
على رصيفٍ حالمٍ
فهل تجيءُ إليه...
المحطّهْ؟.!
لا تكتفي خيال الشاعر بالمدركات الحسّية، بل يعتمد على عدة روافد أخرى، منها الدينية والتاريخية والأسطورية، إضافة إلى الأحداث اليومية من خلال الصور الجزئية والكلية، لاستيفاء الصورة التخييلية التي يريد من خلالها أن يوصل فكرته ورسالته.

الروافد الدينية:
وهناك الكثير من القصائد التي ارتوت من تلك الروافد، أوقدت شعلة مضيئة في خيال الشاعر، فأحالها إلى لوحة تصويرية لا يمكننا أمامها إلّا أن نعلن الدهشة:
قصيدة ( سر الحجاب): استهلال باقتباس قرآني من سورة ( يس):
الشمسُ
التي لا ينبغي لها
إدراك القمرْ....
كان عليها الانتظار في برجِها
ليبحث جاهدًا عنها
فهو منها يستمدُّ الضياءَ
وبها...
متى شاءَ يَحتَجِبْ.....
الروافد التاريخية والأسطورية:
ويشكّل كل من الروافد التاريخية والأسطورية بعدًا زمكانيًا مهمًّا، لا غنى عنه لشاعر قصيدة الومضة، سيّما في القصائد السياسية، ف "تاريخيًّا، كانت الأسطورة هي الملاذ الأول للإنسان للانتصار على خيباته، وسياسيًا كانت محاولة لخلق بديل جديد، أكثر إشراقًا وجمالًا، إنها البؤرة التي يرى منها الإنسان العربي النور والفرح، لأنها تشكّل له حالة توازن نفسي مع محيطه ومجتمعه، فبواسطتها تتم عملية الحلم والتخيّل والاستذكار" .
ولأن الشاعر منذر عيسى هو شاعر حداثي، وبنية الخطاب الشعري المعاصر لا تنقطع عن التراث والأساطير، نجده، في بعض القصائد، يعود إلى الأسطورة، دون أن يسمح للرؤية الأسطورية أو التراثية بالهيمنة على الرؤية المعاصرة، بل يفكّك الرؤية الأسطورية إلى عناصرها، ويضيف إليها عناصر جديدة معاصرة، ويعيد تركيب كل العناصر بشكل جديد، وامض، فتتحول الأسطورة إلى شكل جديد ومغزى جديد، ينبعان من الرؤية الفنية والفكرية للشاعر، تلك الرؤية المتشكلة من ثقافة الشاعر وقدرته على تحليل مجتمعه وكشف مشاكل مجتمعه الإنسانية أو السياسية أو الاجتماعية.
في قصيدة ( قيثارة أورفيوس)، يحاول الشاعر أن ينتصر بأسطورة أوروفيوس على خيبته إنسانيًّا واجتماعيًّا في وصل حبيبته:
آهٍ......
لو أستطيعُ
امتلاكَ قيثارة ( أوروفيوس)
وصوتَه العذبْ....
حينها
سأبدأ العزفَ والغناءَ
على حافةِ الجسدْ
فربّما أحقّق لكِ
بعضَ الأماني المشتهاةْ
أو أُظهرُ ما لا يُرى
ولكنْ وَا أسفي
أنا لستُ ( أوروفيوس)
فلنْ أُفاجأَ
بمخاطرِ الضّياعْ
ولكني مستعدٌّ لألقى
نفسَ المصيرْ.....
وفي قصيدة ( نرجسية الوهم) يستحضر الشاعر أسطورة ( نرسيس)، من ماض سحيق إلى حاضر راهن، ويثبّت فعل التمرأي، ويستبدل أداته، فكانت النتيجة أن شعور النرجسية كان واحدًا:
قديمًا
مثلَ ( نرسيس)
كنّا نتمرأى بفضّة القمرِ
المسفوحةِ
على سطحِ الوقتِ ...
الآنَ
نطيلُ الوقوفَ أمامَ مرايا
زجاجها بطّنتهُ
فضّةٌ مَعْدِنيّهْ
ومع هذا هبّتْ على ذواتنا
رياحُ النرجسيّهْ...
الروافد الحياتية اليومية :
يكفي الشاعر أن ينظر نظرة متأملة إلى أي ظاهرة حياتية، أو إلى أي أداة مستخدمة في الحياة اليومية، يأخدها خيال الشاعر إلى أبعاد غير مألوفة، لتكون النتيجة قصيدة نافذة إلى العمق الفكري والوجداني الإنساني للمتلقي:
قصيدة ( لسان الشاعر) : نظرة متأملة إلى القلم، كانت نتيجتها هذه القصيدة :
القلمُ
لسانُ مشاعرنا
مداده
لعابُ شهواتنا
التي نقصد أن نجرّدها من أستارها
لنعرضَ عوراتها
أمامَ أصحابِ النّزواتِ الغارقةِ في التُّهَمْ....

 المحور الفلسفي:
إن الأدب التأملي وُلد من رحم الفنون الأدبية، وارتقى حتى وصل إلى مستوى فلسفي.
"فغايته التعبير عما تثيره هذه المجرّدات في النفس من خوالج وصور خيالية، الأول محلل منطقي ( فيلسوف)، والثاني مصور خيالي (شاعر)" .
لقد اختلف النقاد منذ القدم في علاقة الشعر بالفكر والتأمل، واعتقد بعضهم مثل كولردج:" أن الشاعر الكبير لا بد أن يكون فيلسوفًا عظيمًا، وان الفيلسوف الصادق لا بد أن يكون شاعرًا مبدعًا"
ومن الصعب التسليم بصحة مقولة كولردج بالمجمل، إلا إذا كان الشاعر شاعرًا تأمّليًّا بالدرجة الأولى، ثم وجدانيًّا فيما يليها، أمّا الشطر الثاني من المقولة فليس ملزمًا، لأن الشعر موهبة تصقلها التجربة، وليس لكل فيلسوف موهبة الشعر.
ولأن الخيال هو مطية الشاعر، فإن الفلسفة بإشكالياتها وجدلياتها منهكة جدًّا لشاعر يزاحمُ خيالُه منطقَ الأشياء.
قصيدة ( عَنتُ الفلسفة):
عندما نغوصُ
في كتبِ الفلسفةِ
يُزاحمُ الخيالُ الخيالَ
وتتكاثرُ الأسئلة المرَّةُ بعشوائيةِ
خلايا مُسَرطَنَهْ ...
والشاعر، بحال من الأحوال، له منظور مختلف عن منظور الفيلسوف، فإذا كان الأخير يحلّل ويقيس ويستنتج بناء على مقدمات عقلية، فإن الشاعر يدرك قيمة الأشياء، ويصوّر لنا هذا الإدراك تصويرًا جميلًا يطربنا ويغذي خيالنا. وهذا ما فعله الشاعر في العديد من القصائد، قدّم لنا ثنائية الموت والحياة من منظوره الفلسفي الخاص به، كما تراه ذاته الشاعرة، تلك الرؤية التي شكّلتها تجربته الإنسانية:
o فلسفة الموت:
الموت، عند الشاعر، هو بداية عاصفة، لكن بداية لِما؟ ومتى تهبّ؟.
قصيدة ( عصف الموت):
الموتُ
بدايةُ رياحٍ هوجاءْ
تهبُّ في خريفِ النّومِ
تصفعُ حافاتِ العمر الجديبْ...
وغيومٌ سوداءُ
حبلى بماء الصحو القادمْ...
والنورُ القاهرُ لليلِ العزلةِ
يفتحُ دربًا
يصعدُ إلى عوالمِ البهاءِ
ويرسمُ مساراتٍ نديّةٍ
كي تدخلَ الروحُ
مدارَ الحريّهْ....
فالموت عند الشاعر بداية عاصفة تهبّ في خريف النوم، فالحياة عند الشاعر هي نوم، غفلة، وبالمقابل فإن الموت هو بداية الصحو من تلك الغفلة، الموت نور يبدّد ظلمة العزلة، ويفتح للروح المنفلتة من سجن الجسد درب الحرية إلى فضاءاتها التي حلمت بها طويلًا.
o فلسفة الحياة:
يؤكّد الشاعر أنها نوم:
قصيدة ( رحلة خاطفة):
الحياةُ
رحلةُ نوم خاطفهْ
وجوعُ الروحِ
لخمرٍ تعتَّقَ في الدّنانْ...
وسُكْرُ الأرصفةِ في أُمسيات الغَواية
والبحث المضني
عن أبراجٍ
تأوي إليها حمائمُ برّيّهْ
فالليل ُ طويلٌ
والدّمعُ ملأَ الكأسَ
من ماءِ القلبِ المتعبِ
وحبرِ الجراحْ.....
والموتُ الحنونُ
آتٍ
من مفترقِ الأيامْ...
هي رحلة نوم خاطفة، وسجن للروح، التي تتوق إلى الانعتاق، الجائعة لخمرة الكشف العرفاني، وشقاء النفس بتأمين متطلبات الجسد الذي لا يشبع، وتعب القلب المثقل بالهموم، الحياة قاسية، والموت حنون، نظرة محملة بالتشاؤم والحزن العميق.
o فلسفة الغياب :
قصيدة ( في حضرة الغياب):
عبثًا
أحاولُ أن أقولَ شيئًا
في حضرة الغيابْ...
حيث يعزفُ الخريفُ لحنًا
يشبهُ بكاءَ نسوةٍ ثاكلاتٍ
خلفَ جنازهْ...
وهنا
لا أجدُ إلا صلاةَ الرّيحِ
التي تُعبِّر برهافةٍ
عن الجوى
الذي يلوّنُ أغلفةَ القلبِ
كأنّها الضّبابْ
تاركةً على ذاكرةِ القمحِ
ما يشبهُ الندى.......
فالغياب عند الشاعر هو حضور الروح، في خريف عمر يعد بموت قريب، تصلي فيه الريح صلاة الجنازة على قلب ملوّع بعشقه، يحتضر، مستدعيًا لحظات عمر ضبابية عابرة، ومضتْ، تاركة ذكراها الندية على ذاكرة الأحياء، فالقمح طعام الأحياء، والخمر شراب الروح.
بالنتيجة: شاعرنا امتلك ناصية الفلسفة من رؤاه الخاصة، كما امتلك ناصية الشعر.
خامسًا- المستوى النفسي :
وجد أنيس الخوري المقدسي علاقة جامعة بين علم النفس والأدب التأملي، وبين علم الفلسفة والأدب التأملي، وبيّن تأثّر الأدب التأملي بكلا العلمين:
" الأدب التأملي يلتقي علم النفس من خلال ملاحظة النفس واسترجاع مذكراتها، ويلتقي علم الفلسفة عن طريق الاستغراق في التفكير دون البحث في الأسباب والنتائج، والفلسفة تؤدي رسالتها عن طريق الرسم فترينا من معاني الحياة ما لا نراه عادة"
سأدرس هذا المستوى من خلال مداخله الثلاثة:
1) المدخل السلوكي:
"وهو مدخل استفزازي ومحفّز، يهتم بحركة الكاتب أو الشاعر السلوكية في الكتابة" .
على اعتبار أن الأدب سلوك إنساني يتناول حركة الإنسان في الحياة، يهتم هذا المدخل بإلقاء الضوء على جميع التساؤلات والقضايا الجدلية والإشكالية التي يطرحها الشاعر في قصائده، ومن هذه التساؤلات :
ثنائية الموت والحياة:
ثنائية تضادية محمولة على المحور الفلسفي الجدلي وأحيانًا الإشكالي، نتلمّسها في قصيدة ( هاجس النهاية):
ونحنُ نعاقرُ الحياةَ
كما نعاقرُ خمرَةً معتّقةً
غريبٌ أمرُنا
نولدُ ونفكّرُ في النهاية
التي تجيءُ على شكلِ مفاجأةْ
نتعمّدُ العيشَ
وكأنّ الموتَ قابَ قوسين
فهل هي حياةٌ؟...
أو موتٌ على شكلِ حياةْ؟...
قصيدة تلتبس فيها على الشاعر ماهية الموت والحياة، في واقع غريب مرير يقترب فيه حال الحي من حال الميت، حتى تغدو الحياة شكلًا من أشكال الموت.
ثنائية الحزن والفرح:
حملت المجموعة الكثير من القصائد التي نبتت في حقل الحزن، والتي امتلأت بارتكاسات الشاعر النفسية حيال الكثير من الضغوطات الخارجية، حتى شكّلت في نفسه براحًا كبيرًا، لا مكان للفرح فيه، فقط للحزن والعذاب والتشاؤم والعزلة، من قصيدة ( لماذا الفرح) أقتبس شاهدي:
أحملُ حزني
الممتدّ من الوريدِ إلى الوريدِ
أو كصليب على منكبي...
أتساءل عن سرِّ هذا الحزن...
فأهتدي إلى الجوابِ
بهذا السؤالْ:
ومن أينَ يأتي الفرحْ؟....
إنسان بهذا الحزن كيف له أن يبحث عن سر ذلك الحزن، ويهتدي إلى جوابه بسؤال، هذا السؤال الذي شكّل خاتمة ضدية مفارقة: ومن أين يأتي الفرح؟....
ثنائية الفشل والانتصار:
قصيدة ( نشوة هاربة):
نصعدُ القممَ
وتبقى أبصارنا معلقة بالهاويهْ...
نحصدُ النّجاحَ
ويظلُّ الخوفُ من الفشلِ
يعصفُ بأفكارنا
فمن أينَ تأتي
نشوةُ الانتصارْ؟...
الخوف من الفشل هو حصّة جيل هذا العصر، يخاف وهو في قمة النجاح، فبدلًا من أن ينظر للأفق أو للأعلى، ينظر إلى الأسفل خوفًا من السقوط، والسؤال المدهش، إن لم نشعر بنشوة الانتصار ونحن على قمة النجاح، فمتى ستعترينا تلك النشوة؟! هي دعوة للمضي قدمًا بعزيمة وثقة، ومحو الخوف والفشل من أفكارنا.
فلسفة الأرقام:
لكل رقم قوة معينة تربطه بالكون، وترتبط الأرقام أيضًا بجميع عناصر الطبيعة، لذلك فهي تشكل رموزًا قوية.
في قصيدة ( رقم شاذ) : يسخر الشاعر من ذوي الرؤى الشاذة ( والأكثرية منهم من الحداثيين الغربيين) الذين ينظرون نظرة تشاؤم إلى الرقم 13:
(13)
الرَّقْمُ هذا
لهُ مدلولهُ
عند ذوى الرّؤى الشّاذّهْ....
تُرى
كيف حالُ أسرارِ
بقيّة الأرقامِ في خزائنها
عندما تتلاقى عشوائيًّا
كلقاءِ الأصدقاءْ...؟!
وهل تنسى
جدَّها الصّفرْ؟...
إذ يعتبر البعض في العالم الغربي المتمدن الرقم 13 رقمًا مشؤومًا، كما يجعلون لكل رقم سرًّا، وفي الفلسفة يرمز الصفر إلى الفراغ والخلو أو العدم، وقد يمثّل في ثقافات أخرى التوازن بين القوى الإيجابية والسلبية أو القدرة على الخلق، وله ارتباطات رمزية بمفاهيم مثل اللانهاية والترابط بين جميع الأشياء.
يتساءل الشاعر بسخرية عن أسرار باقي الأرقام المجردة، إذا أتيح لها اللقاء عشوائيًّا، هل ستبقى مجرّدة، أم ستتحلّل من تجرّدها وتصبح حيّة وتكتسب المشاعر؟ وهل ستلتقي بمشاعر الأصدقاء؟ وهل ستكتسب صلات قربى؟ وتعود بالنسب إلى جدّها الصفر؟ أم ستنساه؟!
هي قصيدة ساخرة يسقط فيها الشاعر فلسفة الأرقام على الواقع الإنساني التكنولوجي المغرّب، الذي أحال الناس إلى أرقام مجرّدة، مخبوءة في خزائن أسرارها، ومعزولة في جزر غربتها، وأحال المجتمع إلى منظومات رقمية معقدّة حلّت محل المنظومة الشعورية الوجدانية الحيّة التي جبلنا الله عليها.
فلسفة الدمع:
في قصيدة ( ردُّ الجميل) يقول:
الدّموع
وسيلةٌ لتنظيفِ العينِ
عند البكاء
هل تسيلُ الدموعُ
طقسَ اعتذار ٍ
أو مكافأة ً لتردَّ للعينِ الجميلَ؟
أم لتكشفَ ما في داخلِ الداخلِ
من سرٍّ خفيّ
ووهيجِ مشاعرْ؟...
ويتساءل الشاعر حول أحوال الدموع وبواعثها واختلاف الناس في جمودهم وَجودهم فيه، يعرض في مستهل القصيدة دورَ الدموع كوسيلة لتنظيف العين، وإكسابها النضارة والبريق، ثم ينتقل إلى دورها عند البكاء، هل يبقى دورها هو نفس الدور الوظيفي في خدمة العين؟ أم أنها تكتسب دورًا انفعاليًّا تعكس فيه ما يعتلج النفس من مشاعر؟.
فلسفة البدايات والنهايات:
كانت المحسوسات مثار تيار من الأفكار والشك والتساؤلات الوجودية التي تعكس معاناة وحيرة ذاتية تبحث عن مرفأ أمان في أجوبة لن تحصل عليها.
في قصيدة (الرحم الأول)، يتضجّر الشاعر من عَنَت الأرض وقسوتها، ويرى البحر ليّن، وهو بداية، فلَمَ لا يكون أيضًا نهاية؟:
البحرُ
هو الرحمُ الأوّلُ
الأكثرُ رأفةً من عنَتِ الأرضِ
وعسفِ الهجيرْ...
وقيل:
إنّنا منها بدأنا وإليها المآبْ....
لكنها ظالمةٌ في نومنا
وقاسيةٌ على أجسادنا
عند الصّحو الأخيرْ....
فلِمْ لا تكونُ من البحرِ البدايهْ
وإلى ليونتهِ ... النهاية؟!...
تلك بعض التساؤلات الجدلية والإشكالية التي رصدتها في قصائد المجموعة، وطبعًا هناك الكثير والمزيد أترك المجال لغيري لصيدها.

2) المدخل العقلاني التوليدي: التناص Intertextuality
مرتبط بوجود علاقات بين النصوص المختلفة إما في الأفكار أو باستخدام التراكيب والألفاظ مثل :
التناص القرآني :
وهو موجود بكثرة في قصائد منذر عيسى يحيى، وهذا يعود إلى ثقافته الدينية الإسلامية، فقد وظّف آيات من النص القرآني توظيفًا فنيّا عبر تقنية التناص Intertextuality وامتصاصها من الآيات الكريمة:
قصيدة ( زهرة الصدى):
بعدَ أن آنستُ نارًا
وعلى رماد صوتي
أزهرَ الصدى
هنا امتص الآية الكريمة ( إذ قال موسى لأهله إني آنستُ نارًا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون) الآية 7 من سورة النمل، ليدلّل على بلوغه الحكمة .
أو استحضار نص أدبي داخل نص أدبي آخر:
كما في قصيدة (الدّونكيشوتية): حيث استحضر الشاعر قصة دونكيشوت للمؤلف الأسباني ميغيل دي سيرفانتيس، وهي من الأدب الساذج، ومع ذلك ذُكِرَ ضمن روائع الأدب:

كلّ ما فعلَهُ
( دونكيشوت)
محاربةُ طواحينِ الهواءِ مجّانًا
واكتفى ...
اكتفى بشرف المحاولة العبثية ...
مع ذلكَ
خلّدتهُ روائعُ الأدب ِ
وبقي حاضرًا في الذاكرةِ...
وأيضًا، كما في القصائد المؤسطرة التي ذكرتها في البعد الزمكاني.

3) المدخل الاستنباطي النفسي:
هو مدخل يتضمن عملية نفسية "يتقمّص فيها الناقد شخصية الأديب للبحث عن المفاهيم والدلالات من حكمة وموعظة فلسفية أو اجتماعية أو إنسانية ..."
إليكم بعض الحكم والمواعظ التي رصدتها في قصائد المجموعة : من قصيدة ( زهرة الصدى):
أدركتُ
أنَّ الوهمَ صنو الحياةْ
وكل حقولنا يومًا قفارْ
وما نحسبهُ حقيقةً
سرابٌ
إلى زوالْ...
من قصيدة ( حديقة السراب) :
فليكن سيرنا هادئًا
ولندركْ مبكّرًا
وقبلَ فواتِ الأوانِ
خديعةَ السّرابْ.....
قصيدة ( نصيحة):
عندما يَدْهَمُكَ التعبْ
أدرْ ظهركَ للريحِ
واستندْ إلى جدارٍ رحيمٍ
وحاولْ إغفاءةً قصيرةً
فسترى العجبْ...
في الختام:
في كل مجموعة شعرية- وأؤكد على أن مايكتبه هو من جنس الشعر- يؤكّد لنا الشاعر السوري منذر عيسى يحيى أنه شاعر حداثي بامتياز، يغمس قلمه في محبرة أرقى أنواع الأدب وأكثرها عمقًا وفخامة، في مجموعته السابقة غمس قلمه في محبرة الأدب الصوفي، فكان إنتاجه قصائد نثرية وشذرات، وهذه المرة يغمس قلمه في محبرة الأدب التأملي، ليأتي إنتاجه قصائد وامضة متوهجة برّاقة ملفوفة بالدهشة، ينافس بها السابقين ممن كان لهم حظّ زرع البذور الأولى في هذا الحقل الذي يعجز عن حرثه إلا الشعراء البارعين أمثال: عز الدين المناصرة، وأحمد مطر، ونزار قباني، وعز الدين اسماعيل، وأدونيس.
وأنصحه أن يتابع مغامراته في هذه الدروب الإبداعية التجريبية، لأننا بحاجة إلى إرهاصاته الشعرية في زماننا الغريب هذا، الذي لم يعد القديم فيه كافيًا لسدّ الرمق، كما أن الحديث غثٌّ لا يسمن. ونحن على موعد قريب إن شاء الله مع كل جديد من خيالاته الشعرية القشيبة، وأفكاره الواعية الحكيمة.
أتمنى أن أكون، بدراستي المتواضعة هذه، قد تمكّنت من الإحاطة المعقولة بمجمل جوانب هذا المنجز الشعري المترامي الأطراف، والشكر الجزيل لشاعرنا الدكتور منذر يحيى عيسى على ما أمتعنا به من قصائد هذه المجموعة.
الناقدة الذرائعية الدكتورة عبير خالد يحيي
الإسكندرية 10 حزيران 2024



الهوامش

1. ابن منظور، لسان العرب، مادة أ م ل
2. وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات، ص 17
3. عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، ص 32
4. وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات ، ص21
5. وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات ، ص 19
6. أدونيس، ديوان البيت الواحد في الشعر العربي، دار الساقي، بيروت، لندن، الطبعة الأولى، 2010م
7. محمد غازي التدمري، قصيدة الومضة وإشكالية الشكل، مجلة آفاق المعرفة، العدد 354، مارس 1993م
8. عبد الكريم حسين علي رغدان، فن التوقيعات في الأدب العربي، مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجية باليمن، العدد 3353، بتاريخ 1/1/ 2012
9. عبد الله رمضان، فن الإبيجرام في الشعر العربي المعاصر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة 2016م، ص 54
10. أ.د. فاتح علاق، النزعة التأملية في الشعر العربي الحديث الرابطة القلمية أنموذجًا، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، 2015م
11. عبير خالد يحيي – النزعة الصوفية في شعر الشاعر السوري منذر يحيى عيسى في مجموعته الشعرية / وحيدًا ستمضي/
الحوار المتمدن-العدد: 7652 - 2023 / 6 / 24 - 01:04

12. عبد الرزاق عودة الغالبي، د.عبير خالديحيي، الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية، دار النابغة للنشر والتوزيع، ط1، 2019م
13. أحمد عبد المعطي حجازي، شعر الإسكندرية وشعراؤها، جريدة الأهرام، العدد 43248، 4 مايو 2005
14. أديب حسن محمد، نحو أسلوب شعري جديد، الحوار المتمدن، محور الأدب والفن، العدد1280، 2005م

15. شريف عابدين، نماذج حصرية، للنهايات المفاجئة في الومضة القصصية، أخبار الأدب، صفحة إبداعات، 2020م
16. سمر ديوب، شعرية الومضة، ركائزها وسماتها، تلخيص ميمونة العلي، مجلة العروبة، الصفحة الثقافية، نوفمبر 2018
17. أنيس الخوري المقدسي، مختارات السائرة من روائع الأدب العربي ص 301
18. وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، ص 21
19. د. أماني الحفناوي، خاتمة قصيدة الومضة...، مجلة كلية الآداب جامعة الفيوم، ( اللغويات والثقافات المقارنة)، مج 14، ع1(يناير) 2022
20. د. محمد عبد الرحمن يونس، الأسطورة في الشعر والفكر، ديوان العرب، 1 أيلول 2003
21. أنيس الخوري المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، بيروت ، ط/2، 1960م، ص 323
22. محمد عبد العزيز الموافي، شعر الفكرة في العصر العباسي، ص 18
23. أنيس خوري المقدسي، مختارات السائرة من روائع الأدب العربي، ص 32
24. عبد الرزاق عوده الغالبي، د.عبير خالد يحيي، الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي، دار النابغة للنشر والتوزيع،ط1، 2019م، ص158
25. عبد الرزاق عوده الغالبي- د.عبير خالد يحيي، الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية، دار النابغة للنشر والتوزيع – طنطا- مصر- ط1- 2019-ص 232



المراجع
كتب مؤلفة :
- ابن منظور، لسان العرب، مادة أ م ل
- وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات، ص 17
- عبد المنعم الحفني، المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة، ص 32
- وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات ، ص21
- وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، دراسة في نصوص النظرات والعبرات ، ص 19
- أدونيس، ديوان البيت الواحد في الشعر العربي، دار الساقي، بيروت، لندن، الطبعة الأولى، 2010م
- عبد الله رمضان، فن الإبيجرام في الشعر العربي المعاصر، الهيئة العامة لقصور الثقافة، الطبعة الأولى، القاهرة 2016م، ص 54
- أ.د. فاتح علاق، النزعة التأملية في الشعر العربي الحديث الرابطة القلمية أنموذجًا، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، 2015م
- عبد الرزاق عودة الغالبي، د.عبير خالد يحيي، الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية، دار النابغة للنشر والتوزيع، ط1، 2019م
- أنيس الخوري المقدسي، مختارات السائرة من روائع الأدب العربي ص 301
- وحدة أمين الجردي، أدب التأمل عند المنفلوطي، ص 21
- أنيس الخوري المقدسي، الاتجاهات الأدبية في العالم العربي الحديث، بيروت ، ط/2، 1960م، ص 323
- محمد عبد العزيز الموافي، شعر الفكرة في العصر العباسي، ص 18
- أنيس خوري المقدسي، مختارات السائرة من روائع الأدب العربي، ص 32
- عبد الرزاق عوده الغالبي، د.عبير خالد يحيي، الذرائعية بين المفهوم الفلسفي واللغوي، دار النابغة للنشر والتوزيع،ط1، 2019م، ص158
- عبد الرزاق عوده الغالبي- د.عبير خالد يحيي، الذرائعية وسيادة الأجناس الأدبية، دار النابغة للنشر والتوزيع – طنطا- مصر- ط1- 2019-ص 232

مقالات منشورة
- زهرا شهبازي، الأدب التأملي عبر العصور، ديوان العرب، 23 كانون الأول 2010
- أماني الحفناوي، خاتمة قصيدة الومضة دراسة تحليلية، مجلة كلية الآداب جامعة الفيوم، ( اللغويات والثقافات المقارنة) مج14، ع1 ( يناير) 2022
- عنبتاوي، القصيدة الومضة، جريدة الدستور، مقال ، 24 أيلول 2017
- محمد غازي التدمري، قصيدة الومضة وإشكالية الشكل، مجلة آفاق المعرفة، العدد 354، مارس 1993م
- عبد الكريم حسين علي رغدان، فن التوقيعات في الأدب العربي، مجلة الدراسات الاجتماعية، جامعة العلوم والتكنولوجية باليمن، العدد 3353، بتاريخ 1/1/ 2012
- عبير خالد يحيي – النزعة الصوفية في شعر الشاعر السوري منذر يحيى عيسى في مجموعته الشعرية / وحيدًا ستمضي/
الحوار المتمدن-العدد: 7652 - 2023 / 6 / 24 - 01:04
- أحمد عبد المعطي حجازي، شعر الإسكندرية وشعراؤها، جريدة الأهرام، العدد 43248، 4 مايو 2005
- أديب حسن محمد، نحو أسلوب شعري جديد، الحوار المتمدن، محور الأدب والفن، العدد1280، 2005م
- شريف عابدين، نماذج حصرية، للنهايات المفاجئة في الومضة القصصية، أخبار الأدب، صفحة إبداعات، 2020م
- سمر ديوب، شعرية الومضة، ركائزها وسماتها، تلخيص ميمونة العلي، مجلة العروبة، الصفحة الثقافية، نوفمبر 2018
- د. محمد عبد الرحمن يونس، الأسطورة في الشعر والفكر، ديوان العرب، 1 أيلول 2003



#عبير_خالد_يحيي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تجليات أدب الخيال العلمي في المجموعة القصصية / تشابك سرّي/ ل ...
- إشهار كتاب /عوالم حياة الرّايس السّردية/ للناقدة السورية د. ...
- النبوءة والتجليات الملحمية في رواية الأجيال رواية / تاج شمس/ ...
- الروائح عتبة واقعية مثيرة لتيار الوعي في رواية (رائحة الزنجب ...
- أدب المرايا من الكلاسيكية إلى المعاصرة في رواية / نساء المحم ...
- الإرهاب.. والتشافي بالحب في رواية / بعض الفرح قد يكفي/ للكات ...
- تقنيتا البازل والكولاج السردي في رواية / ماتريوشكا من أسوان/ ...
- الفلسفة الذرائعية العربية واشتراح المصطلح رواية (رحيل السومر ...
- السرد بين تكنولوجيا اللغة ومصطلح الأدبية باب جديد تفتحه الذر ...
- الآخر في رواية / ثرثرة في مقهى إيفانستون / للأديبة الفلسطيني ...
- قراءة ذرائعية في رواية (سيرة عين) الملهاة الفلسطينية للأديب ...
- الفساد الحضَري ( الديستوبيا) وتراجيديا القبح في رواية رجل ال ...
- حمولةُ الرمز التقني من سخرية وتهكّم غضبٌ إنساني يدلقه قلم ال ...
- قراءة ذرائعية في رواية/ قنطرة / للكاتب السعودي أحمد السماري ...
- الناقد والشاعر الكبير عبد المنعم عواد رائد الشعر الحديث تجوا ...
- سردية الذاكرة بين هامشية عنوان وعتباتية ثانٍ واد جده سجين قش ...
- الذرائعية العربية أو المنهج النقدي الذرائعي العربي على منصة ...
- بناء الصورة السردية في رواية /تغريبة القافر/ للروائي العماني ...
- التماثل والاندماج بين الشخصية الذاتية والشخصية المكتسبة عند ...
- تقنية التماثل ورمزية التشاؤم وتعدّد العقد في رواية /أفاعي ال ...


المزيد.....




- عرس وموسيقى بين الأنقاض.. -كلنا في غزة مشاريع شهداء ولكننا ن ...
- صناعة الحرير على طريق الحضارات.. سمرقند تنسج التاريخ بخيوط ا ...
- ترقية المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي باللغة العربية أفيخاي أد ...
- -كناوة- والصويرة ..شغف فني في -المدينة السعيدة-
- شرور الديكتاتورية وترياق الأدب.. رحيل كاتب ألبانيا الكبير إس ...
- لينك مباشر بضغة زر.. نتيجة الدبلومات الفنية ” زراعي وصناعي و ...
- -في قلبي- الإصدار الرّوائيّ الأوّل للمحامي رضوان صندوقة
- استمع/اغنية مشتركة تجمع سامي يوسف والفنان الايراني همايون شج ...
- -زيارة خاطفة-.. مغني الراب الأمريكي الشهير كاني ويست في موسك ...
- رحلة السقوط الحر.. المخرج شريف عرفة تحت المجهر


المزيد.....

- نظرية التداخلات الأجناسية في رواية كل من عليها خان للسيد ح ... / روباش عليمة
- خواطر الشيطان / عدنان رضوان
- إتقان الذات / عدنان رضوان
- الكتابة المسرحية للأطفال بين الواقع والتجريب أعمال السيد ... / الويزة جبابلية
- تمثلات التجريب في المسرح العربي : السيد حافظ أنموذجاً / عبدالستار عبد ثابت البيضاني
- الصراع الدرامى فى مسرح السيد حافظ التجريبى مسرحية بوابة الم ... / محمد السيد عبدالعاطي دحريجة
- سأُحاولُكِ مرَّة أُخرى/ ديوان / ريتا عودة
- أنا جنونُكَ--- مجموعة قصصيّة / ريتا عودة
- صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس ... / شاهر أحمد نصر
- حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا / السيد حافظ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبير خالد يحيي - تجلّيات الأدب التأمّلي في قصيدة الومضة دراسة تقنية ذرائعية مستقطعة في المجموعة الشعرية / بارقات تومض في المرايا / للشاعر السوري منذر يحيى عيسى بقلم الناقدة الذرائعية د. عبير خالد يحيي