|
النقد أم النقض.. إشكالية التخوين
حسن العاصي
باحث وكاتب
(Hassan Assi)
الحوار المتمدن-العدد: 8022 - 2024 / 6 / 28 - 22:22
المحور:
القضية الفلسطينية
السرد الوطني شرط أساسي للاستقلال الحقيقي. تخلق معظم الأمم والشعوب قصة تأسيسية، سواء كانت تاريخية أو أسطورية، كمصدر للكرامة والقوة والفخر التي تعتمد عليها في بناء الهدف والهوية. لم يتم بعد تقديم تاريخ فلسطين الطويل وتراثها الغني برؤية متماسكة للاستمرارية الثقافية، لأسباب اجتماعية ودينية وسياسية. واجهت الرواية الفلسطينية تحديات كبيرة، داخلية وخارجية. داخلياً، يشكل الانقسام بين حركتي فتح وحماس عائقاً كبيراً. أما خارجياً فإن الاحتلال الإسرائيلي وقمع الأصوات الفلسطينية تعيق إمكانات حركة المقاومة الفلسطينية التي تناضل من أجل التحرير تحت وطأة آلاف السنين من السيطرة الاستعمارية. ومن أهم شروط التحرر، الارتقاء بالخطاب الفلسطيني على المستويين المفاهيمي والوطني في كافة المجالات، وخاصة في فترة الجمود السياسي. كتاباتنا هي تجاربنا وجزء من ذاكرتنا الوطنية الذي سيشكل تاريخنا الذي سيؤثر على تحديد هويتنا الوطنية. إن "التاريخ بالنسبة للأمة بقدر ما تكون الذاكرة بالنسبة للفرد. فكما أن الفرد المحروم من الذاكرة يصبح مشوشا وتائها، لا يعرف أين كان ولا إلى أين يتجه، كذلك الأمة التي تحرم من تصور ماضيها تصبح عاجزة عن التعامل مع حاضرها ومستقبلها. وباعتباره وسيلة لتحديد الهوية الوطنية، يصبح السرد، والكتابة وسيلة لتشكيل التاريخ. في السياق الفلسطيني، التاريخ ليس مجرد مقدمة، بل هو متأصل بعمق وينتقل بين الأجيال، مما يشكل مشاعر وعناصر متبادلة والتي تشكل الهوية الوطنية بشكل تدريجي. إن جذور الهوية الفلسطينية تسبق ظهور وعي فلسطيني عام بهذه الهوية، حيث بدأ سكان فلسطين ينظرون إلى أنفسهم كوحدة سياسية متميزة في أوائل القرن العشرين. وحتى يومنا هذا، يمكن القول إن الهوية الفلسطينية لا تزال تتطور وتشهد تغيرات بسبب عوامل مثل الاحتلال الإسرائيلي، والنضال من أجل الوحدة الوطنية، والتغيرات الإقليمية والعالمية، والخوف من فقدان مستقبل هذه الهوية أو تشويهها.
النقد أم النقض نشر الكاتب والباحث السياسي الصديق عمر حلمي الغول عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية مقالاً قبل يومين بعنوان "قلب الحقائق مهنتهم" تناول فيه رفض حركة حماس الحوار الثنائي مع فتح في بكين، والتهرب ـ كما ذكر الكاتب ـ من استحقاق المصالحة. وخلص إلى أن هذا الرفض يعود ـ من وجهة نظره ـ إلى تناغم حركة حماس مع ما تقوم به مجموعة المفكر والأكاديمي الفلسطيني "عزمي بشارة" و"مصطفى البرغوثي" الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، والعضو السابق في المجلس الثوري لحركة فتح "معين الطاهر" من محاولات لتشكيل إطار بديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مما أثار غضب البعض الذين كالوا الشتائم للكاتب ووجهوا له اتهامات طالت شخصه دون سند. لا يمكن إنكار أهمية النقد والتفكير النقدي في مختلف القضايا، بل أن الفرق بين العقول يكن بقدر تمكن هذه العقول من الحس النقدي. بل إن تطور الشعوب والأمم والحضارات رهن بمقدرتها على امتلاك وممارسة النقد والإصلاح والتقويم. ناهيك عن أن قوة المعتقدات والأفكار ومدى ترسبها في العقول والنفوس واستمرارها، إنما هو مرتبط بقوة النقد والحس النقدي. فإن كان الغرض الرئيسي من النقد هو تقويم الأفكار وتوجيه المواقف للبناء عليها، فإن لهذا النقد ضوابط طي لا يلتبس النقد بالنقض. وحتى لا يتحول النقد إلى ظاهرة صوتية استعراضية لذلك سأتناول بعض النقاط بعجالة. أولاً: بالرغم من أنني لا أتفق مع جميع مواقف الصديق عمر الغول السياسية، ولا مع كل تحليلاته، ولا مع رؤيته لموقف القيادة الفلسطينية. لكنني أحترم تاريخه النضالي، وأدافع عن حقه في قول وكتابة ما يعتقده صواباً. ثانياً: أؤكد على أن النقد هو الاطلاع على الأشياء والتمعن فيها لدراستها وبحثها بهدف معرفة ما لها وما عليها، والإشارة إلى ما يمكن تفاديه. أما النقض فهو الهدم، وإفساد الأمر بعد إحكامه. ثالثاً: إن التشهير والتخوين هما اعتداء على الحقوق الشخصية، والمس بذات وكرامة وسمعة الآخر والتقليل من شخصه. وهو أمر مرفوض تماماً ومُدان. رابعاً: يجب أن يستند النقد والأحكام للمنطق والتفكير العقلاني، وليس للعواطف والضغوط، والأهواء الشخصية، أو إلى الإملاءات المختلفة. خامساً: آفة التبخيس عبر استصغار عطاءات الآخرين، والتقليل من شأن أفكارهم وآراءهم، هو نقص ينطلق من اعتقاد مفاده أن كل ما أقوله صحيح لا يقبل الخطأ، وكل ما يقوله خصمي خطأ لا يقبل الصواب. فالتبخيس علة ملازمة للنقص، لأن النقد أساه الإنصاف والموضوعية. سادساً: إن الفكر الذي يعتمد المصادرة من خلال مصادرة حق المخالفين في التعبير عن الرأي هو فكر يستبطن علتين كبيرتين هما العجز عن المحاججة الفكرية، فالمصادرة هي سلاح العاجز. وعلة ثانية هي الوصاية على الناس واعتبارهم قاصرين فكرياً. سابعاً: من أبرز عيوب النقض هي آفة الشخصنة والانشغال بإظهار عيوب الشخص والتعريض بأحواله بدل الاهتمام بنقد أفكاره ومواقفه. الأفكار لا تموت ولا تعيش بإظهار المطاعن في صاحبها. أخيراً، جميع الممارسات سالفة الذكر تخلق بيئة سلبية تعزز حالة الانقسام، ولا تؤسس لحوار مشترك بين أصحاب الأفكار والمواقف المختلفة، وإنما هي سبب للمجادلات بلا قيمة ولا هدف، وهي مظنة للاتهامات والتراشق بين الأطراف، وخوض معارك جانبية. ومن شأن هذا الجدال في الوسط الفلسطيني أن يُضعف من حالة التضامن الشعبية العربية والإسلامية مع القضية الفلسطينية. إن حلّت ثقافة التخوين مكان ثقافة التنوع، والانفتاح، والاختلاف، فذلك يعني قمع حرية الرأي والتعبير، ومحاربة النقد الموضوعي، ورفض المعارضة السياسية، والإلغاء. علينا جميعاً تعلم مفهوم قبول الآخر المختلف. القضية الفلسطينية عنوان معقد ومتشابك، وهناك الملايين من الفلسطينيين المتنوعين الذين يحاولون جميعاً فهم ما يحدث حولهم. من السهل علينا أن نحاول فرض نظرتنا ومواقفنا الخاصة على الآخرين، معتقدين أن وجهة نظرنا أكثر أهمية، أو أكثر بصيرة، أو أكثر استنارة من أولئك الذين لديهم آراء مختلفة. المشكلة في هذا المنظور هي أن قلة من الناس يرغبون في الاستمتاع بفكرة أنهم قد يكونون مخطئين بشأن الكيفية التي ينظرون بها. وأولئك الذين يريدون تغيير آراء الآخرين غالباً ما يقومون بالإساءة والتجريح والتشهير.
#حسن_العاصي (هاشتاغ)
Hassan_Assi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدكتوراة الفخرية.. ما لها وما عليها
-
كوزموبوليتانية الحداثة المبكرة والتنوير
-
الكوسموبوليتانية وقابلية الثقافة العالمية
-
عرض الجذور النفسية المناهضة للتكامل الأوروبي والهجرة
-
الرجعي الأصيل نيكولاس جوميز دافيلا
-
الجزء الثاني من دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه ا
...
-
دراسة مواقف وسلوكيات الشعوب الأوروبية تجاه اللاجئين المسلمين
...
-
تحويل الرأسمالية بالاقتصاد اليساري الجديد
-
العلوم العربية بين الأمجاد والارتداد
-
طراز الطاغية.. الدليل الميداني للاستبداد
-
أقل من الإنسان.. سيكولوجية القسوة
-
تجريد الآخرين من إنسانيتهم.. المسلمون في الغرب نموذجاً
-
هل يشكل الإسلام تحدياً لأوروبا؟
-
السفارات الفلسطينية.. دبلوماسية الفشل والفساد
-
الأشكال الأولية للحياة الدينية.. فلسفة الدين عند دوركهايم
-
النرجسية المتعجرفة: جوهر السياسة الخارجية الأمريكية
-
المصلحة الإسرائيلية في السلطة الفلسطينية
-
في الذكرى السادسة والأربعين لليوم العالمي للتضامن مع الشعب ا
...
-
المأزق الأخلاقي للمثقف العربي وغيابه عن القضايا الكبرى
-
أوهام الديمقراطية الغربية .. ما بعد الديمقراطية لا ديمقراطي
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|