لمواجهة نشاط قوى صدام حسين بعد سقوط النظام
الحلقة الثالثة عشر
العوامل المحركة للقضية العراقية والصراع حول السلطة في العراق!
من يتابع تطورات القضية العراقية على الساحة السياسية الدولية والإقليمية والعربية والمحلية وفي الصحف الأكثر انتشاراً ونفوذاً في العالم سيجد تنامي الاهتمام بها من عدة وجوه, كما سيجد تعاظم تأثير مجموعة من العوامل المهمة والمتناقضة في ما بينها التي تصب في المحصلة النهائية في مجرى واحد ضاغط بقوة في المرحلة الراهنة على الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية وعلى سلطات الاحتلال والقوات المحتلة في العراق. ويمكن لهذا الضغط أن يتعاظم مع اقتراب الانتخابات الأمريكية وسعي بوش إلى تجديد رئاسته لدورة ثانية وتراجع شعبيته وشعبية حليفه توني بلير في أوساط الناخبين في البلدين.
ويمكن تكثيف المسائل الملتهبة في القضية العراقية فيما يلي:
1. ارتفاع أصوات كبار المستثمرين الأمريكيين بشكل خاص المطالبين بتوفير الأجواء المناسبة لنشاطهم في العراق ووضع حدٍ للفوضى الراهنة وغياب الأمن والاستقرار والعجز عن توفير مستلزمات إعادة البناء. وينعكس هذا في كتابات الصحف الأمريكية مثل نيويورك تايمس وواشنطن بوست أو الأوبزيرفر البريطانية, إضافة إلى الصحف الأوروبية الأخرى التي تتحدث باسم كبار أصحاب رؤوس الأموال المستثمرين. كما بدأت شركات النفط الاحتكارية الدولية تفقد تدريجاً صبرها لتعثر الانسياب الطبيعي للنفط العراقي عبر الأنابيب أو توفير فرص تطوير البنية التحتية وضمان زيادة استخراج وتصدير النفط الخام للمشاركة في التأثير المباشر على كميات وأسعار النفط الخام في العالم. وبدأت هذه الجهات تطالب الإدارة الأمريكية ومن خلالها سلطات الاحتلال على العمل من أجل التعاون المباشر مع العراقيين لتحقيق ما هو ضروري في هذا الصدد.
2. وبدأت الأصوات ترتفع في البلدان الأوروبية وفي أروقة الأمم المتحدة والدول العربية والبلدان المجاورة وكذلك في العراق حول احتمال تنامي أعمال العنف والإرهاب الراهنة التي تستهدف العودة إلى السلطة في العراق من جانب قوى نظام صدام حسين وسقوط المزيد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين العراقيين وبعض المخربين من جهة, وفي صفوف القوات المحتلة, وخاصة الأمريكية من جهة أخرى. والخشية من أن تمتد هذه الفوضى والمشكلات إلى مناطق أخرى من العراق ثم تخلق إشكاليات للبلدان المجاورة, ومن هنا أيضاً تتسع المطالبة بإيجاد حلول عملية للمشكلات القائمة, بدلاً من أتباع نهج القوة والعنف المضاد الذي لا يحل وحده المشكلة القائمة.
3. كما اتسعت دائرة المطالبين بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وفق ما صرحت بها الولايات المتحدة الأمريكية والتزمت به كل من بريطانيا وأسبانيا وإيطاليا وأستراليا وكندا وعدد قليل آخر من الدول الحليفة للولايا المتحدة الأمريكية, حتى اعتبرت وزيرة خارجية أسبانيا إن عدم العثور على تلك الأسلحة في العراق يعتبر أكبر هزيمة تمنى بها السياسة الخارجية الأسبانية, وهي التي وقفت بصلابة وإصرار إلى جانب شن الحرب على العراق. وأصبحت هذه المشكلة تؤرق قادة الدول التي شاركت أو أيدت الحرب في حينها, رغم النصر السريع الذي تحقق لها في تلك الحرب, ورغم سقوط أشرس نظام سياسي فاشي ساد عالم البلدان النامية في الثلث الأخير من القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين.
والصراع في العراق لا يدور في فراغ, بل يتمحور حول قضية مركزية واحدة هي السلطة السياسية وما يرتبط بها من إشكاليات, أي من الذي يحق له تقرير مصير العراق ووجهة تطوره اللاحقة. وفي هذا الصراع تتواجه ثلاث قوى أساسية بغض النظر عن القوى التي تقف ورائها أو تلك التي تلعب دوراً ثانوياً في هذه المعركة الدائرة. ونعني بها:
1. الولايات المتحدة الأمريكية التي تريد الاحتفاظ بالسلطة إلى حين بلورة واشتداد عود مؤيديها والموافقين على خططها في العراق والمنطقة. إذ أن القوى السياسية العراقية الراهنة لا تشكل في رأي الإدارة الأمريكية حليفاً ثابتاً يعتمد عليه بالنسبة لمشاريعها المقبلة.
2. القوى السياسية العراقية التي ناصبت النظام الدكتاتوري العداء ولعبت دوراً مهماً في النضال ضده, رغم وجود تباين في هذا الصف ومشكلاته وسعي بعض أطرافه إلى الانفراد بالسلطة من خلال الدعوة إلى إقامة نظم لا يمكن أتفاق كل القوميات والأديان والمذاهب بشأنها في ضوء واقع الموزائيك العراقي. ويبدو أن القوى السياسية العراقية, ورغم تجاربها الغزيرة والعذابات التي تعرضت لها, ما تزال تعاني من عجز شديد على الاتفاق على القواسم المشتركة, إذ أن كلاً منها يدعي وصلاً بالشعب, والشعب يعاني الأمرين من الواقع القائم, رغم أن الوضع الراهن لا يقارن بأي حال بالفترة المنصرمة في ظل البعث الدموي.
وبين هذين الطرفين توجد نقاط التقاء ملموسة, وبشكل خاص رغبتيهما في إلغاء أي احتمال بوصول أتباع النظام الساقط إلى السلطة ثانية وقطع دابره, ولكنهما يختلفان في سبل معالجة الموقف ودور القوى الوطنية في إدارة شؤون البلاد وسبل الوصول بسرعة إلى إنهاء الاحتلال واستعادة العراق لاستقلاله وسيادته الوطنية وسيطرته على ثروات الوطنية وبناء حياته الديمقراطية الدستورية.
3. القوى التي فقدت السلطة وتحاول إعادة تنظيم صفوفها وشن الحملة ضد قوات الاحتلال وتبويش أرضية القوى السياسية العراقية التي كانت تناضل ضدها. وهي تبذل الجهود الحثيثة لتحقيق تحالفات سياسية مع قوى داخلية وأخرى خارجية تعينها على مواجهة القوات الأمريكية والقوى السياسية العراقية.
ويبدو للمتتبع أن هناك اختلافاً أساسياً بين الطرف الأمريكي والطرف الصدامي حول الموقف من السلطة, ولكنهما يلتقيان, شاءا ذلك أم أبيا, في الممارسة العملية عند رغبتهما المشتركة في إضعاف القوى السياسية العراقية التي تريد الوصول إلى السلطة, وأن اختلفا في زاوية الرؤية للأحداث الجارية والقوى ومواقع كل منهما ومصالحهما. وفي هذا تكمن بعض المخاطر على اتجاهات التطور السياسي في العراق. فالصراع والتحالف لا يتحددان بالكلمات والخطب أو النوايا الحسنة والرغبات الذاتية والمشاريع التي وضعت على الورق قبل الحرب, بل عبر السياسية اليومية التي تمارسها سلطات الاحتلال والإجراءات الفعلية التي تتخذها على الساحة السياسية العراقية.
وإذا حاولنا متابعة عوامل الضغط الفاعلة على القضية العراقية سنجد المدخلات التالية التي ستؤثر بقوة متزايدة ويوماً بعد آخر على المخرجات أو النتائج الفعلية لتفاعل مختلف عوامل الضغط. وتبدو لي عوامل الضغط الراهنة كما يلي:
أولاً: على الصعيد الدولي:
* الشركات الصناعية والتجارية الاحتكارية الكبرى وكبار أصحاب رؤوس الأموال الأمريكيين وفي الوول ستريت.
* شركات النفط الاحتكارية العالمية وسلسلة من الشركات المرتبطة بها والمستفيدة من نفط العراق وعلاقته بالسوق الدولية.
* الدول الأوروبية ذات المصلحة في الوجود والعمل في الشرق الأوسط وفي العراق, وكذلك اليابان وروسيا والصين, التي فقدت الكثير من مواقعها وأسواقها في العراق والمنطقة منذ حرب الخليج الثانية,
* قوى السلام في العالم وكل القوى المناهضة للحرب والتي وقفت ضد الحرب في العراق, وكذلك القوى المناهضة لسياسات العولمة الأمريكية خصوصاً والدول الصناعية السبع الكبار عموماً. وقوى السلام تخشى من النجاحات النسبية التي تحققت للولايات المتحدة الأمريكية في العراق, أن تعمد إلى شن حروب أخرى لتحقيق أهدافها, وهو ما أعلنت عنه مراراً وتكراراً. (محور الشر الأول ومحور الشر الثاني).
* قوى الحزب الديمقراطي المنافسة للحزب الجمهوري في انتخابات الرئاسة القادمة في الولايات المتحدة الأمريكية والصراعات التي بدأت تتفاقم في الكونغرس ومجلس الشيوخ بين الديمقراطيين والجمهوريين حول الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق , ومحاول تشكيل لجنة للتحري عن مدى مصداقية الإدارة الأمريكية في موضوع امتلاك العراق لمثل هذه الأسلحة قبل شن الحرب.
* الضغوط المتزايدة لعوائل المجندات والمجندين الأمريكيين والبريطانيين بأمل إعادتهم على وطنهم وأحضان عوائلهم, إذ أن الخشية من فقدانهم, أخذت بالتنامي, بعد أن سقط أكثر من ربع عدد القتلى الأمريكيين منذ بداية الحرب حتى نهاية شهر حزيران/يونيو 2003. وليس في الأفق ما يشير إلى احتمال تقلص هذا العدد. 60 من 200 قتيل عدا الجرحى والمعوقين.
ثانياً: على الصعيد الإقليمي والعربي:
* مواقف إيران وتركيا التي تريد حصول استقرار في العراق يحقق ما تطمح فيه في العراق, رغم التباين في موقفيهما, ولكنهما متفقان على بعض المسائل التي هي ليست في مصلحة الشعب العراقي. وإيران تتفرد في خشيتها من انتهاج الإدارة الأمريكية سياسة مماثلة لما قامت به في العراق بحجة القضاء على احتمال أو نية إيران بإنتاج أسلحة الدمار الشامل.
* موقف الدول العربية التي تتمنى في قرارة نفسها, وعلى عكس ما تصرح به, أن يتواصل عدم الاستقرار في العراق لكي لا تعمد الولايات المتحدة إلى شن حرب أخرى ضد بعضها, ولكنها تتمنى أيضاً وجود نظام لا يختلف عن طبيعتها كثيراً, ومع ذلك فهي ضاغطة باتجاهات مختلفة على الإدارة الأمريكية أيضاً.
* إسرائيل التي تريد تأمين سيطرة الولايات المتحدة الكاملة في العراق ليتسنى لها الولوج بسرعة إلى الاقتصاد والمجتمع الأمريكي بصورة علنية ورسمية, وتأمين تدريجي للتأثير المباشر على الأوضاع السياسية في العراق.
ثالثاً: العوامل الداخلية:
* القوى السياسية العراقية بمختلف اتجاهاتها الفكرية والسياسية التي تناضل من أجل جعل الولايات المتحدة تدرك مخاطر السياسة التي تمارسها في العراق والعواقب الوخيمة المحتملة ما لم تبادر إلى ممارسة الحلول المقترحة من قبلها.
* التحالف المحتمل بين بعض قوى الإسلام السياسي المعتدل في العراق والقوى الإيرانية التي تحسب لها أمريكا ألف حساب وتحاول تضخيمه, رغم حقيقة وجوده النسبي حالياً وبصور شتى.
* التحالف المحتمل بين القوى البعثية وقوى الإسلام السياسي المتطرفة لاستمرار ممارسة العمليات العسكرية ضد قوى الاحتلال في العراق, وهي التي تجد أنواع من الدعم السياسي والمادي والتأييد من بعض القوى في الداخل ومن بعض الدول والقوى في الخارج.
* تنامي التذمر الشعبي في العراق من العمليات العسكرية المناهضة لقوات الاحتلال التي تقوم بها عصابات النظام المدحور وعصابات المجرمين الذين أطلق سراحهم وجماعات الإسلام السياسي المتطرفة من جهة, وعمليات قوى الاحتلال التي لا تميز أحياناً بين الناس المدنيين وتتعامل بخشونة مع السكان من جهة أخرى, إضافة إلى بطء معالجة مشكلات البنية التحتية والخدمات الضرورية للسكان, وخاصة للكادحين منهم الذين يصعب عليهم توفير البدائل المناسبة. إضافة على بعض التصرفات التي تؤشر الأهداف الأساسية التي تكمن وراء الحرب التي شنت ضد العراق.
وعلينا أن نشير هنا بشكل خاص إلى أن الإدارة الأمريكية وسلطات الاحتلال في العراق رفضتا خلال الشهرين المنصرمين فكرة وجود قوى منظمة تقوم بهذه العمليات, بل اعتبرتها عمليات فردية تقوم بها جماعات غاضبة من فقدانها لمواقعها المهمة في النظام السابق. وكان هذا التفكير يدلل على سذاجة سياسية دون أدنى ريب من جهة, وعن شعور بالقدرة على إسكات كل الأصوات التي يمكن أن ترتفع ضدها باعتبارها القوة العظمى في العالم القادرة على كل شيء قدير من جهة أخرى. وكان هذا عين الخطأ الفادح الذي ارتكبته ولم تستمع إلى آراء الساسة العراقيين الذين ناضلوا ضد النظام وعرفوا طبيعته وأساليب عمله وأطماعه. واليوم بدأوا يتحدثون جزئياً عن هذا الموضوع. وعلينا أن نشير هنا إلى أنهم ليسوا منفردين في عملهم, بل هناك من يعمل معهم في الداخل والخارج. وقد أشرنا إلى هذه الملاحظة في أكثر من مقال سابق في هذه السلسلة.
إن هذا الكم الكبير والخليط من العوامل الضاغطة وغير المتجانسة والمتعارضة في ما بينها والمتناقض في طبيعتها وأهدافها على الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية, وبالتالي على سلطات الاحتلال في العراق والتي يمكن أن تؤدي إلى إعادة الإدارة الأمريكية النظر بمشاريعها في العراق وبالإجراءات التي يفترض أن تتخذها في المرحلة الراهنة بعد مرور أكثر من عشرة أسابيع على سقوط النظام واحتلال بغداد.
ويمكن الإشارة إلى عدد من القضايا التي يمكن أن تعمد الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر بها تحت ثقل الواقع, وكما يقول المثل العراقي أخاك مجبر لا بطل. من بين تلك القضايا نذكر ما يلي:
• احتمال القبول بدور أكبر للأمم المتحدة في العراق وخاصة بالشأن السياسي وتشكيل الحكومة العراقية أو قضايا الدستور والانتخابات.
• احتمال الرضوخ لإرادة الشعب العراقي بتشكيل حكومة عراقية مؤقتة تدير شؤون العراق في فترة الانتقال وتمارس صلاحياتها لإنجاز مسودة الدستور والتحضير للانتخابات, حيث تبقى هذه الحكومة لا تمتلك السيادة كاملة على العراق, بل هي عملياً بيد قوات الاحتلال. على أن يتم ذلك من خلال مؤتمر وطني عام للعراقيين وفق معايير يتم الاتفاق عليها. ويمكن التحري عن حلول وسط تقع بين تطلعات القوى السياسية العراقية ومصالح سلطة الاحتلال.
• تنظيم العمليات العسكرية ضد عمليات القوى الإرهابية باتجاه وضع منهج علمي لمواجهتها وتعتمد بشكل خاص على التعامل السياسي أولاً, واستكمال عمليات التحري عن قيادات التنظيم البعثي السرية وتلك التي تعمل في العلن تحت واجهات أخرى وخاصة تلك التي وجدت مكاناُ آمناً لها في صفوف الأحزاب والقوى والجمعيات والصحف الجديدة التي نشأت في العراق ثانياً. ويفترض أن يجري تركيز خاص في البحث عن المجموعة القيادية المتكونة من صدام وعدي وقصي وبقية الطغمة, أي عن الأشخاص المسؤولين عن مناطق العراق المختلفة وفق تقسيمات صدام قبل الحرب ولإغراض الحرب. إن صدام لا يخرج في موقع إقامته السرية عن المنطقة الراهنة التي تقوم بعمليات واسعة ضد قوات الاحتلال.
• الكف النسبي عن التصرف وكأن العراق ولاية أمريكية, كما هو حال الحاكم السيد بريمر, سواء أكان ذلك في داخل العراق أم في رئاسة الوفود في الخارج.
• الكف عن منح الشركات الأمريكية مشاريع إعادة إعمار العراق دون وضعها في المناقصة الدولية والتصرف بأموال العراق دون العودة إلى الجهات التي يفترض أن تخول بذلك, وأعني بها الحكومة العراقية وتحت إشراف الأمم المتحدة وسلطات الاحتلال وليس العكس, كما تريد أن تمارسه سلطات الاحتلال حالياً.
• الكف عن استخدام قوى ضباط وأفراد الأمن الداخلي وغيرهم من عناصر البعث التي تبدو وكأنها مؤيدة للوضع الجديد, ولكنها تقف بحزم إلى جانب قوى صدام حسين وبكل جوارحها وتغتنم كل فرصة لإنزال الضربات المباشرة وغير المباشرة بالأمريكيين والبريطانيين والقوى السياسية العراقية.
ويفترض أن ننتبه أيضاً إلى أن هذه العوامل المتباينة في فعلها وقوة تأثيرها متبادلة الفعل والتأثير في ما بينها ومجتمعة على الإدارة الأمريكية ومراكز القوة والنفوذ فيها, ومن خلال ذلك على سلطة الاحتلال في العراق, وعلى أفراد قوات الاحتلال. وكل الدلائل التي تحت تصرفنا تشير إلى وجود توتر معين في الإدارة الأمريكية نتيجة تدهور نسبي في الأوضاع الأمنية دفعت وزير الدفاع الأمريكي, وهو من أبرز الصقور الأمريكية والممثل الأكثر اندفاعاً صوب اللبرالية الجديدة ومن المحافظين الجدد أن يشير إلى أن على الولايات المتحدة أن تفكر بالاستعانة بالأمم المتحدة في العراق وتشكيل قوة سلام دولية للحفاظ على الأمن في العراق, وأن الشعب العراقي يختلف عن باقي شعوب المنطقة, إذ أنه وحالما أسقط النظام الدكتاتوري انبرى طارحاً الشعارات التي يريد تحقيقها ويعمل من أجلها.
إلا أن إجراء التغيير في السياسة الأمريكية الراهنة في العراق ليس أمراً سهلاً, بل يستوجب نضالاً متصاعداً يستخدم الأساليب السلمية والديمقراطية لإقناع الأمريكان بذلك والتي يفترض أن تتخذ اتجاهات ثلاثة, وهي:
1. البدء الجاد بتعزيز التحالف السياسي بين القوى والأحزاب السياسية العراقية والكف عن الطرح الفردي للمهمات على سلطة الاحتلال كما جرى حتى الآن, مما يجعل الموقف إزاء المعارضة من جانب الولايات المتحدة غير جدي وغير مؤثر. ويتطلب هذا الاتفاق على شعارات عامة أشير إليها أكثر من مرة, وخاصة تلك التي طرحتها القوى الديمقراطية العراقية لتشكل القاسم المشترك الأعظم في ما بينها.
2. تعزيز علاقة الأحزاب السياسية العراقية بالجماهير الشعبية وتنظيم الفرق لمساعدة سكان المناطق المختلفة على القيام بمهمات كثيرة بما فيها حراسة المناطق المختلفة أو المشاركة بإعادة إعمار ما هربته الحروب في العراق, أو التطوع لمعالجة المرضى ...الخ.
3. المشاركة في التصدي للقوى المناهضة للوضع الجديد ودعم الجهود الموجهة ضد أتباع الطغمة الحاكمة, أي عدم التوقف عند طرح المطالب, بل المساهمة في تحقيق تلك المطالب,
ويمكن المخطط التالي أن يوضح تأثير وتفاعل العوامل المختلفة التي أشرنا إليها في أعلاه على الإدارة الأمريكية وقوات الاحتلال وعلى الوضع السياسي في العراق وعلى التغييرات المحتملة في ما إذا تعاظمت الضغوط خلال الأسابيع القادمة. كما يساعد على التفكير في سبل المتاحة أمام الحركة الوطنية العراقية في التأثير على مختلف العوامل لتحريك ما يمكن تحريكه لصالح التغيير الديمقراطي في العراق وتحقيق الأهداف الأساسية لهذا الشعب بعد طوال معاناة.