أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسام محمود فهمي - المِساحةُ الشَخصيةُ














المزيد.....

المِساحةُ الشَخصيةُ


حسام محمود فهمي

الحوار المتمدن-العدد: 8021 - 2024 / 6 / 27 - 02:51
المحور: المجتمع المدني
    


تَخيَّلْ أنك تَسحَبُ مبلغًا من ماكينةِ ATM واِقترَبَ الواقِفُ خَلفَك واِطَلَعَ على خُصوصيةِ مُعامَلَتِك البَنكيةِ، أو أنك تجلِسُ على كرسي في اِنتظارِ القِطارِ فإذا بمن يأتي للكرسي المُجاورِ ويمِدُ يدَه وراءَ ظَهرِك على مَسنَدِ مَقعَدِك، أو من يُخاطبُك فيُطبطِبُ عليك أو ينغُزَك أو يقرُصَك من ذقنِك، أو أنك أمامَ مِنضدةٍ مع نفسِك وفنجانِ قَهوتِك فيأتي أكثرُ من شخصٍ لمشاركتِك الجِلسة دونَما مَعرِفةٍ. إنها بعضُ أمثلةٍ للتَعدي على المِساحةِ الشَخصيةِ أو الفضاءِ الشَخصي Personal space.

اِنتهاكُ المِساحةِ الشَخصيةِ تجاوُزٌ قد يَدفعُ لردِ فعلٍ غاضِبٍ. من الضروري إذن مَعرِفةِ الحُدودِ الفاصلةِ بين الحاجةِ للخُصوصيةِِ والاِختِلاءِ بالنفسِ في مقابلِ العِلاقاتِ الاِجتماعيةِ أو علاقاتِ العملِ، حِرصًا على تعامُلاتٍ رائدُها الاِحترامِ المُتَبادَلِ وتفادِيًا للنِزاعاتِ.

المِساحةُ الشَخصيةُ هي الفَضاءُ الذي يَجِبُ تحديدُه والاِحتفاظُ به عندَ التعاملِ مع الآخرين. وهي تَختلِفُ باختلافِ المُجتمعاتِ، فهناك مُجتَمَعاتٌ تَتَقَبلُ العناقَ والقُبُلاتِ بين الرجالِِ عندَ اللِقاءِ، وهناك مُجتَمَعاتٌ السلامُ فيها من بعيد لبعيد، ومن المُجتَمَعاتِ من يَسمَحُ بتقبيلِ الرجالِ للنساءِ على الخدِ أو على اليدِ عند اللقاءِ، كما أن منها من لا يتقَبَلُ مُلاطفةِ الغرباءِ للأطفالِ. كذلك تختلفُ المِساحةُ الشَخصيةُ مع تبايُنِ الطباعِ الفرديةِ لأسبابٍ عِدةٍ مثلَ التفاوتِ الثَقافي والاِجتماعي، الطفولةِ والتربيةِ، الاِنطواءِ أو الاِنبساطِ، العُمرِ والجنسِ، اِضطراباتِ الإجهادِ، سابقِ التعرُضِ لسوءِ مُعاملةٍ.

لكن، كيف تُقَدَرُ المِساحةُ أو المَسافةُ الشَخصيةُ؟ قد يكونُ طولُ الذِراعِ مَسافةً مُريحةً مع زُملاءِ العَملِ بينما مع المُديرين لابدَ من زيادتِها؛ أما التَعامُلُ مع الغُرباءِ فتكون مَسافتُه بحدودِ القُدرةِ على التواصلِ سَمعِيًا وبَصَريًا. وتُشيرَ الرَغبةُ في زيادتِها إلى تَحَوُلٍ سلبي في المَوقفِ تجاهَ شَخصٍ؛ المِساحةُ الشَخصيةُ إذن هي إشارةٌ بدونِ لفظٍ تَسبَقُ الكلامَ وتَدُلُ على كيف سيكونُ الحِوارُ.

للمِساحةِ الشَخصيةِ تفريعاتٌ حسب المَسافةِ:
- المَسافةُ الحَميمةُ Intimate distance، بالاِتصالِ عن قربٍ أو التلامُسِ، وتُحجَزُ لما بين الأزواجِ وأفرادِ الأسرةِ والمُقرَبين.
- المَسافةُ الشَخصيةُ Personal distance، تُحَدَدُ بطولِ الذراعٍ، حوالي المِترِ، وقد تقلُ بعضَ الشئِ وفقًا للعلاقةِ بالطرَفِ الآخرِ. الحِفاظُ عليها في علاقاتِ العَملُ دليلُ اِحترافيةٍ واِحترامٍ.
- المَسافةُ الاِجتِماعيةُ Social distance، من مترٍ حتى ثلاثةِ أمتارٍ، وهي لازِمةٌ للمواقفِ التي تَتَطلبُ شَكلياتٍ، كالتفاعُلِ مع العُمَلاءِ، أو في الاِجتماعاتِ بين المديرِ والموظفين.
- المَسافةُ العامةُ Public distance، تَتَراوحُ من ثلاثةِ أمتارٍ حتى عشرةِ أمتارٍ أو أكثر، وهي للتَعامُلِ مع جمهورٍ كبيرٍ في مُحاضرةٍ أو خِطابٍ وعادةً ما تُراعيها مَراكِزُ المؤتَمراتِ.

مع تَطَوُرِ تِكنولوجيا الاِتصالاتِ والحاسباتِ ظَهَرَت "المِساحةُ الشَخصيةُ الاِفتراضيةُ" على مواقعِ التواصلِ الاِجتماعي، وجَدَت وقائعٌ مؤسفةٌ إما بسبب اِختراقِها أو للتفريطِ فيها. لذا من الضروري تَوخي الحَذَرِ بعَدَمِ نَشرِ البياناتِ الخاصةِ والصورِ أو تبادُلِها أو إفشاءِ كَلِماتِ السِرِ، كما يجبُ تفادي الاِشتراكِ في مجموعاتٍ تَطلُبُ عناويِّنٍ وأرقامِ تليفوناتٍ، مع الاِبتعادِ عن الإنجرارِ لحواراتٍ وتعليقاتٍ مع مجهولين، والتحَفُظِ في أي نقاشاتٍ حتى مع معروفين. حِواراتُ مَواقعِ التواصُلِ هي كلامُ بلكونات، جَعجَعةٌ واِستعراضُ صوتٍ، دونَ خصوصيةٍ أو اِحترامٍ مُتَبادَلٍ.

كَثرةُ الأصدقاءِ أو المُتابعين على مواقعِ التواصلِ ليسَت دليلَ مَحَبةٍ، مُجَردُ وسيلةٍ لجذبِ المُتابعين لنَشرِ أفكارٍ أو للدعايةِ الشَخصيةِ أو للترويجِ أيًا كان. "يُؤتَى الحَذِرُ مِن مأمَنِه"، قالتَها العَربُ تذكيرًا بأهميةِ الحيطةِ وتَجَنُبِ التَسليمِ للأشخاصِ أو الظروفِ التي تُظَنُ أمِنَةٌ.

من اِنتهاكِ المِساحةِ الشَخصية، بيعُ شَرِكاتُ الاِتصالاتِ بياناتِ المُشتركين، دونَ رضائهم، لكَياناتِ التَسويقِ، دونما ‏رَدعٍ واجبٍ من وزارةِ الاِتصالاتِ وأجهزَةِ الدولةِ.

المِساحةُ الشَخصيةُ أيضًا سلوكياتٌ في عِلاقاتِ الجيرةِ، فلا يَتَعدى الجارُ على مِساحةِ جارِه بغسيلٍ وسجاجيدٍ تَتَدلى حتى نوافذِه، وبأكياسِ قِمامةٍ قُربَ بابِه.

ولا ننسى المِساحةَ الشَخصيةَ في التعامُلاتِ الرسميةِ بين رؤساءِ الدولِ؛ وما اِجتماعُ الروسي بوتين مع الفرنسي ماكرون على طرفي مِنضَدةٍ طويلةٍ قبل حربِ أوكرانيا إلا مثالٌ.

المِساحةُ الشَخصيةُ مرآةُ المُجتَمَعاتِ...

اللهم لوجهِك نكتبُ علمًا بأن السكوتَ أجلبُ للراحةِ والجوائزِ،،



#حسام_محمود_فهمي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجريمةُ بين الشَبَكةِ العَميقةِ والشَبَكةِ المُظلِمةِ
- الجِبالُ …
- شط الإسْكَنْدَرِيَّة
- في أوبر وسائقيها
- الحَوسَبةُ السَحابيةُ
- الكبار يلزموا بيوتهم
- شفايف منفوخة
- هات م الأخر
- تطويرُ التعليمِ بالقَصقَصة
- الجودةُ الأخلاقية
- طبطبة ودلع وتواكُل ... في الجامعات؟!
- لماذا نكتبُ؟
- بطاطين على محطات ترام الاسكندرية
- هل لا يزالُ الغربُ قدوةً؟؟
- من الاِبتدائيةِ إلى الكليةِ
- مواقعُ التواصلِ واِستبياناتُ الجودةِ
- مواقعُ التواصلِ مُوجَهةٌ
- هل عادَ الفَرزُ؟؟
- الصحافةُ رحابةُ صَدرٍ
- تَرتيبُ شنغهاي لأفضلِ الجامعاتِ


المزيد.....




- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...
- مفوضية شؤون اللاجئين: 427 ألف نازح في الصومال بسبب الصراع وا ...
- اكثر من 130 شهيدا بغارات استهدفت النازحين بغزة خلال الساعات ...
- اعتقال رجل من فلوريدا بتهمة التخطيط لتفجير بورصة نيويورك
- ايران ترفض القرار المسيّس الذي تبنته كندا حول حقوق الانسان ف ...
- مايك ميلروي لـ-الحرة-: المجاعة في غزة وصلت مرحلة الخطر
- الأمم المتحدة: 9.8 ملايين طفل يمني بحاجة لمساعدة إنسانية
- تونس: توجيه تهمة تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى عبير موسي رئيسة ...
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسام محمود فهمي - المِساحةُ الشَخصيةُ