غالب المسعودي
(Galb Masudi)
الحوار المتمدن-العدد: 8019 - 2024 / 6 / 25 - 10:15
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
هناك جدل فلسفي طويل حول طبيعة المعرفة الحدسية والمعرفة القلبية وما إذا كان لهما وجود موضوعي, من وجهة نظر الرؤية العقلانية في الحاضرية الوجودية، تعتبر المعرفة الحدسية والقلبية أشكال "معرفة خاصة" تعتمد على التجربة الشخصية بدلاً من الإثبات الموضوعي, النقاد يحتجون أن هذه الأنواع من المعرفة لا يمكن التحقق منها أو إثباتها بطريقة علمية, من جانب آخر، يرى أصحاب المنهج الفينومينولوجي والتيارات الروحية أن للمعرفة الحدسية والقلبية وجود موضوعي صحيح، فهي تمثل إدراك "حقائق" أعمق من الواقع المادي, وهؤلاء يؤكدون على أهمية التجربة الداخلية والإحساس الذاتي في اكتساب المعرفة, لا يوجد إجماع فلسفي نهائي حول هذه المسألة, ويبقى الجدل مفتوحًا حول ما إذا كان للمعرفة الحدسية والقلبية وجود موضوعي مستقل عن الخبرة الفردية أم لا, هناك مواقف وسطية تسعى إلى التوفيق بين هذه الرؤى المختلفة:
الدراسات العلمية والتجريبية
علماء النفس والعصبية يحاولون فهم الآليات العصبية والنفسية وراء الخبرات الحدسية والقلبية باستخدام التصوير الدماغي وغيرها من التقنيات، هناك محاولات لتطوير اختبارات موضوعية لقياس وتقييم قدرات الإدراك الحدسي والمعرفة القلبية.
المنهج الفينومينولوجي
الباحثون في هذا المجال يحاولون دراسة خبرات الوعي والإدراك الذاتي بطريقة منهجية ودقيقة، الهدف هو فهم وصف طبيعة هذه الخبرات المعرفية الداخلية بدقة أكبر.
التجارب الشخصية والممارسات الروحية
بعض المدارس الفلسفية والدينية تشجع على التأمل والتجربة الشخصية للوصول إلى أشكال معرفية أعمق. هناك محاولات لتطوير طرق منضبطة لتطوير وممارسة القدرات الحدسية والقلبية.
بالرغم من هذه المحاولات، لا تزال هناك تحديات كبيرة في إيجاد طرق موضوعية كاملة لدراسة هذه الأنواع من المعرفة. لكن التقدم العلمي والفلسفي مستمر في هذا المجال الغامض والمثير. هناك بعض الدراسات التجريبية الرائدة التي قامت بقياس المعرفة الحدسية والقلبية بطرق موضوعية:
دراسات تصوير الدماغ
دراسات باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أظهرت نشاطًا في مناطق محددة في الدماغ أثناء خبرات الإدراك الحدسي والقلبي، هذه النتائج تشير إلى أساس عصبي محدد لهذه الأنواع من المعرفة.
اختبارات الإدراك الخارق للطبيعة
اختبارات الرؤية البعدية والتخمين عن بُعد، حيث تظهر بعض الأفراد قدرات فوق طبيعية في الإدراك والمعرفة. هناك محاولات لتطوير بروتوكولات اختبار موضوعية لهذه القدرات.
دراسات التأمل والوعي الذاتي
باحثون في علم النفس استخدموا تقنيات التصوير الدماغي أثناء حالات التأمل العميق والانغماس الذاتي، النتائج أظهرت نشاطًا في مناطق معينة مرتبطة بالوعي والإدراك الداخلي.
دراسات الطاقة والشفاء الروحي
هناك محاولات لقياس التأثيرات الفسيولوجية والنفسية لممارسات الشفاء والطاقة الروحية. النتائج بدأت في إظهار تأثيرات ملموسة على الصحة والرفاهية.
على الرغم من تحديات البحث في هذا المجال، فإن هذه الأمثلة تظهر أن هناك طرقًا تجريبية ناشئة لدراسة المعرفة الحدسية والقلبية بطريقة موضوعية، ويستمر التقدم العلمي في هذا المجال.
لكن معظم الدراسات التجريبية التي تحاول قياس المعرفة الحدسية والقلبية تركز على النشاط في الدماغ وتحاول إيجاد أساس عصبي لهذه الأنواع من المعرفة، لكن هناك بعض النقاط المهمة وهي نقاط افتراضية يجب الأخذ بها:
المعرفة الحدسية والقلبية قد لا تكون محصورة فقط في الدماغ, قد يكون للجهاز العصبي المركزي والجهاز العصبي الطرفي دور في هذه العمليات, التصوير الدماغي يكشف عن النشاط الكهربائي والأيضي في مناطق معينة، لكن لا يعني بالضرورة أن هذه المناطق هي المصدر الوحيد أو الموقع الدقيق للمعرفة الحدسية والقلبية, هناك مناقشات حول ما إذا كان الدماغ هو المكان الوحيد للوعي والتجربة الذاتية، أم أن هناك مستويات أخرى من الوعي والإدراك في الجسم, لذلك، على الرغم من أن الدراسات الدماغية مهمة، إلا أنها قد لا توفر الصورة الكاملة لطبيعة المعرفة الحدسية والقلبية, هناك حاجة إلى مزيد من البحث متعدد التخصصات لفهم هذه الجوانب من الإدراك والوعي البشري بشكل أكمل, بناءً على التركيب والوظائف الأساسية للجهاز العصبي، ليس هناك أدلة قوية على أن الأجهزة العصبية الطرفية أو القلب لديها القدرة على التحليل والحفظ للمعلومات بالطريقة التي توجد في الدماغ, الدماغ هو المركز الرئيسي للوظائف العقلية العليا مثل التفكير والذاكرة والتحليل, هذه الوظائف تعتمد على الشبكات العصبية المعقدة وآليات التخزين والمعالجة للمعلومات في الدماغ. في المقابل، الأعضاء الأخرى كالقلب والأعضاء العصبية الطرفية لديها وظائف أكثر محددة مثل التحكم في إيقاع القلب أو نقل الإشارات الحسية، هذه الأعضاء ليست مجهزة بنفس القدر من القدرات التحليلية والمعرفية المتطورة الموجودة في الدماغ، هناك تفاعلات وتأثيرات متبادلة بين الدماغ والأجهزة العصبية الأخرى، ولكن الأدلة الحالية تشير إلى أن الدماغ هو المركز الرئيسي والموقع الأساسي للوظائف المعرفية المعقدة، ستحتاج أي نظرية عن المعرفة الحدسية والقلبية إلى تفسير هذه الحقائق الأساسية من خلال الجهاز العصبي.
بناءً على المعرفة العلمية الحالية، هناك بعض الأدلة المحدودة على وجود بعض القدرات المعرفية في هذه الأجهزة، ولكن بدرجة أقل بكثير من الدماغ:
القلب: هناك بعض الأدلة على أن القلب له مجموعة بسيطة من "نيورونات" يمكنها القيام ببعض المعالجة الحسية والتنسيق الأساسي. ويُعتقد أن القلب له أيضًا شكل بسيط من "الذاكرة" والقدرة على "التعلم" على المستوى الخلوي، ولكن هذه القدرات معرفية بسيطة جدًا مقارنة بالدماغ.
الأجهزة العصبية الطرفية: هناك دراسات تشير إلى أن بعض الأجهزة العصبية الطرفية، مثل الأعصاب الحسية، لديها القدرة على معالجة المعلومات الحسية والتمييز البسيط, لكن هذه القدرات محدودة وتعتمد بشكل كبير على إرسال المعلومات إلى الدماغ للمعالجة العليا, ومع ذلك، لا توجد حتى الآن أدلة قوية على أن هذه الأجهزة العصبية خارج الدماغ لديها القدرة على التحليل المعقد والتخزين طويل الأمد للمعلومات بالطريقة التي يتميز بها الدماغ, الدماغ لا يزال المركز الرئيسي للوظائف المعرفية المتطورة, لذلك في الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك أي أدلة محددة على وجود قدرات معرفية متطورة في الأجهزة العصبية الطرفية أو القلب مقارنة بالدماغ, لكن هذا مجال بحث مستمر ويمكن أن تظهر اكتشافات جديدة في المستقبل, هناك دراسات حديثة تشير إلى أن بعض الأعصاب الطرفية قد يكون لها قدرات معالجة معرفية أكثر تطوراً مما كان يعتقد سابقاً, على سبيل المثال، بعض الدراسات أشارت إلى أن الأعصاب الحسية قد تكون قادرة على إجراء بعض التحليلات الأولية للمعلومات الحسية قبل إرسالها إلى الدماغ, كما أن هناك دراسات أخرى تستكشف إمكانية وجود نوع من "الذاكرة المحلية" في بعض الأجهزة العصبية الطرفية، مما قد يتيح لها القيام ببعض المعالجة المحلية للمعلومات ومع ذلك، لا تزال هذه القدرات محدودة مقارنة بالدماغ، ولا توجد أدلة على أن الأجهزة العصبية الطرفية لديها القدرة على التفكير المعقد أو اتخاذ القرارات المتطورة, أما الأبحاث الحديثة التي تشير إلى أن القلب قد يكون له دور أكبر في العمليات المعرفية والعاطفية والمعالجة الفكرية, مما كان يعتقد سابقاً ,اذ بعض الدراسات أشارت إلى أن القلب قد يكون له نوع من "الذاكرة" والقدرة على "التعلم" على المستوى الخلوي والنسيجي, كما أن هناك بعض الأدلة على أن القلب قد يتواصل مع الدماغ بطرق أكثر تعقيداً مما كان معروفاً سابقاً. مع ذلك، لا تزال هذه القدرات المعرفية للقلب محدودة مقارنة بالدماغ، ولا توجد أدلة قوية على أن القلب لديه نفس المستوى من التحليل والتفكير المعقد الذي يتميز به الدماغ، الدماغ لا يزال المركز الرئيسي للوظائف المعرفية المتطورة، المعرفة الحدسية تحتاج الى قدرات تحليلية عالية وهذه من اختصاص الدماغ اما المعالجات البسيطة قد تكون ممكنة في الأجزاء الطرفية من الجهاز العصبي، وبالنتيجة المكان الموضوعي للمعرفة بكل اشكالها هو الدماغ. وذلك من خلال الدراسات الحديثة التي تؤكد بقوة على دور الدماغ في المعرفة الحدسية والقدرات التحليلية المتطورة مثل:
دراسات التصوير الدماغي: باستخدام تقنيات كالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) وغيرها، تم تحديد مناطق محددة في الدماغ مسؤولة عن عمليات الإدراك والتحليل المعرفي المتطور. هذه الدراسات رصدت النشاط الدماغي أثناء مهام معرفية معقدة.
دراسات الإصابات الدماغية: عندما تُصاب مناطق معينة في الدماغ، تظهر اضطرابات محددة في القدرات المعرفية والتحليلية. هذا يؤكد الدور الأساسي للدماغ في هذه الوظائف.
الدراسات النيوروسيكولوجية: تظهر هذه الدراسات ارتباط وظائف محددة في الدماغ بمهارات معرفية حدسية وتحليلية متقدمة كالتفكير الاستدلالي والحل الإبداعي للمشكلات.
البحوث التجريبية: تم تنفيذ تجارب على البشر وعلى الحيوانات تُظهر أن التدخلات في وظائف دماغية معينة تؤثر على القدرات المعرفية المتطورة.
مجمل هذه الأدلة العلمية الحديثة تؤكد بقوة أن الدماغ هو المركز الرئيسي والموضوعي للمعرفة الحدسية والقدرات التحليلية المتطورة لدى الكائنات الحية. وما الأجزاء الطرفية من الجهاز العصبي او الأعضاء التي تتناغم مع توجيهات الدماغ الا أماكن ذات وضائف محدودة فكريا وعاطفيا، لكن هناك اختلافات ملحوظة في وظائف الدماغ بين الأفراد ذوي المعرفة الحدسية والتحليلية المتطورة مقارنة بالأفراد العاديين، البحوث في هذا المجال قد أفرزت العديد من النتائج المهمة:
نشاط دماغي مرتفع في مناطق محددة: الدراسات بتقنيات التصوير الدماغي أظهرت أن الأفراد ذوو القدرات المعرفية المتطورة لديهم نشاط دماغي أعلى في مناطق خاصة بالوظائف التحليلية والحدسية، مثل القشرة الجبهية والفصوص الصدغية والجداريّة.
اتصالات دماغية أكثر فعالية: لوحظ أن هؤلاء الأفراد لديهم ترابطات وتواصل أقوى بين مناطق الدماغ المختلفة المسؤولة عن هذه الوظائف المعرفية. هذا يعزز القدرات التكاملية والتحليلية.
كفاءة أيضية أعلى: دراسات التمثيل الغذائي في الدماغ أظهرت أن الأفراد المتميزون معرفياً لديهم استخدام أكثر كفاءة للطاقة في مناطق الدماغ ذات الصلة.
بنية دماغية محددة: تم ملاحظة فروق في بنية وتركيب مناطق معينة في دماغ هؤلاء الأفراد، كالحجم والكثافة العصبية المرتفعة.
هذه الاختلافات الوظيفية والبنيوية في الدماغ تفسر القدرات المعرفية المتميزة لدى بعض الأفراد مقارنة بالعاديين. وهي نتيجة لتفاعل عدة عوامل تطورية وبيئية معقدة، ولا تشير الى المكان الموضوعي للمعرفة الحدسية او القلبية خارج التكوين التطوري للدماغ ما الدماغ الا جزء من الوجود العام للكائن وادعاء وجود معرفة من مصادر خارجية ميتافيزيقية (يجب التفريق بين المعرفة بالمعنى الابستميولوجي والمعرفة المحفوظة في المصادر الخارجية مثل الكتب والمراجع) ما هو الا وهم يقود الى وهم المعرفة.
#غالب_المسعودي (هاشتاغ)
Galb__Masudi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟