كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1765 - 2006 / 12 / 15 - 11:17
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تواجه حكومة السيد نوري المالكي في العراق أزمة سياسية وأمنية حادة قابلة للتفاقم والتحول إلى حرب طائفية ليس فيها أي رابح, بل الخاسر هو الشعب كله وكل القوى السياسية الوطنية التي يهمها مستقبل العراق. ولكن, ما هي طبيعة هذه الأزمة التي يتحدث بها الشارع العراقي كله ويتفق على وجودها, وهل هي أزمة حكومة أم ابعد من ذلك بكثير؟
لا شك في أن هذه الأزمة هي بالأساس سياسية, لكنها متفاعلة اجتماعياً واقتصادياً وأمنياً, وأنها لا تقتصر على الحكومة وحدها, بل تشمل الحكومة والمجتمع والأحزاب والقوى السياسية وأفراد المجتمع, وكذا النظام السياسي العراقي الراهن, إذ أنهم جميعاً يعيشون هذه الأزمة الحادة والمتفاقمة التي تستنزف الشعب وموارده المالية وطاقاته, وهي بشكل خاص تزيد من مصاعب ومآسي الناس الفقراء والكادحين منهم. وهذا الواقع المأساوي يفرض على الجميع التحري عن حلول عملية توافقية ترضي الجميع وتخرج العراق من الاحتمالات الأكثر سوءاً وخطورة
تتفاعل في هذه الأزمة المستفحلة عوامل عدة يمكن بلورتها في النقاط التالية, ندرجها حسب أهميتها:
1. إصرار القوى السياسية ذات الوجهة الطائفية على تحقيق المكاسب على حساب القوى الطائفية الأخرى والهيمنة على السلطة السياسية والتحكم بوجهة التطور اللاحق للعراق. أي أن الصراع السياسي الراهن هو صراع سياسي طائفي مقيت يهدد بتحوله إلى صراع بين أتباع الطائفتين الشيعية والسنية, إذ أنه حتى الآن لا يزال يجري بين أتباع الأحزاب والقوى الإسلامية السياسية ومليشياتها المسلحة.
2. الاستراتيجية الخاطئة التي مارستها الولايات المتحدة الأمريكية في العراق والتي لا تزال لم تتغير حتى الآن والتي تسببت في الكثير من الكوارث الراهنة, وهي إستراتيجية مشوهة وغير عقلانية ومضادة لما يحتاجه المجتمع العراقي وتعتمد العمليات العسكرية بدلاً من الفعل السياسي المطلوب.
3. التدخل المتواصل من جانب القوى الإقليمية, وخاصة من جانب إيران وسوريا, في الشأن العراقي الداخلي ودعمها للقوى الطائفية والقومية المتخلفة وتهريبها الأسلحة والأعتدة والأموال والقوى المساندة للصراع الطائفي في العراق, إذ أنها تخوض الصراع ضد الولايات المتحدة في العراق وتريد الهيمنة على سياسات العراق من خلال القوى المساندة لها وتأمين مصالحها الإقليمية.
4. قوى الإرهاب التكفيرية والصدّامية وقوى الجريمة المنظمة التي وجدت في الفوضى أرضية مناسبة لنشاطها الإجرامي اليومي ضد المجتمع. وقد بدأت نشاطاتها ضد المجتمع تلتقي وتتناغم مع نشاط القوى الإرهابية والطائفية المسلحة وتلتقي كذلك مع مصالح وأهداف القوى الإقليمية المناهضة لعراق مدني ديمقراطي مسالم.
5. الخراب الاقتصادي والعجز عن توفير الخدمات وما ينشأ عن ذلك من تفاعل بين الجوانب السياسية والاقتصادية وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على المجتمع والحياة الاجتماعية, وخاصة على الجماعات المهمشة في المجتمع وتنامي قدرة القوى الإرهابية والمسلحة في كسب المزيد من المهمشين لتنفيذ مشاريعها وأعمالها العدوانية ضد المجتمع والاقتصاد الوطني.
وخلال السنوات الثلاث والنصف المنصرمة عجزت السياسات الحكومية وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية عن تحقيق النجاح وتجاوز الأزمة أو التخفيف من أبعادها وتقليص عواقبها المضرة, وبتعبير أدق أنها كانت فاشلة وكلفت الكثير جداً من البشر والموارد المالية, كما ساهمت في تعقيد الوضع إلى جانب العوامل الأخرى الداخلية والخارجية. وكان لا بد, ومنذ فترة طويلة حقاً, إعادة النظر بهذه السياسات ووضع إستراتيجية جديدة تأخذ بنظر الاعتبار كل العوامل المباشرة وغير المباشرة الفاعلة في الأزمة العراقية, سواء أكانت الداخلية منها أم العربية والإقليمية أم الدولية. ومن المؤسف حقاً أن نشير إلى أن التحذيرات والمقترحات التي طرحت منذ فترة غير قصيرة قد أُهملت من جانب الإدارة الأمريكية والحكومة العراقية بفعل الصراعات الداخلية وخاصة الطائفية منها. وينطبق هنا المثل القائل بأن مغنية الحي لا تطرب!
إن التحديات التي تواجه حكومة السيد المالكي والإدارة الأمريكية والقوات الفاعلة في العراق تتبلور في سبل معالجة الحالة الطائفية المتأزمة بين القوى السياسية الإسلامية القائمة على المذهبية ومليشياتها المسلحة من جهة, والموقف السياسي من قوى البعث المنحل رسمياً من جهة ثانية, ومن ثم الموقف السياسي والدبلوماسي من التدخل الإقليمي في العراق, وخاصة من جانب إيران وسوريا وبعض القوى الطائفية في الخليج ولبنان من جهة ثالثة, وسبل التعامل والحلول السياسية لهذه المشكلات, إضافة إلى مشكلات البطالة والتنمية والخدمات العامة والفساد المالي والإداري السائد.
يقدم التقرير الكامل الصادر عن لجنة بيكر – هاملتون وصفاً دقيقاً لأربع مسائل جوهرية, وهي:
1. الواقع العراقي الراهن واتجاهات تطوره المحتملة في حالة استمرار السياسة الراهنة.
2. ما المطلوب من السياسية الأمريكية في العراق من أجل تحقيق التحول النوعي وتغيير الدفة لصالح الأمن والاستقرار في العراق على المستويات الأساسية, وهي السياسة الأمريكية إزاء العراق وإزاء سياسات الدول المجاورة, وخاصة إيران وسوريا, وبقية دول المجتمع الدولي.
3. ما المطلوب من سياسة الحكومة العراقية في المرحلة الراهنة أولاً, وإبراز أهمية تحمل الحكومة والقوات العراقية مسؤولية الأمن والدفاع عن المصالح العراقية والمصالحة الوطنية ومن العقد السياسية في الوضع العراقي, وخاصة الموقف من المشاريع الطائفية ومن المليشيات المسلحة ومن تسلح الجيش وقوات الشرطة والأمن العراقي, ثانياً, وأهمية التعاون والتنسيق والتفاعل بين القوى والأحزاب السياسية العراقية, بين القوى الكردية والعربية, لصالح استتباب الأمن والاستقرار وتجاوز احتمالات الحرب الطائفية التي يمكن أن تنتقل إلى بلدان المنطقة بأسرها.
4. ما المطلوب من الدول العربية والدول الإقليمية والمجتمع الدولي, أو الأمم المتحدة, إزاء الوضع الراهن في العراق وسبل تجاوز الأزمة ووضع العراق على طريق الأمن والاستقرار, بدلاً من مشاركته في تعقيد اللوحة السياسية والعسكرية والإرهابية الراهنة في المنطقة.
إن هذا التوصيف الدقيق وطرح الحلول الواردة في عدد كبير من الإجراءات المقترحة, يعني دون أدنى ريب إن أخذ بها, ستساهم في تفرغ الحكومة العراقية وقواتها المسلحة إلى معالجة قوى الإرهاب التكفيرية وقوى البعث الصدامية المسلحة, وليس كل قوى البعث السياسية, وضد عصابات الجريمة المنظمة بصورة فعالة وعقلانية مناسبة.
إن الاجتماعات الأخيرة التي عقدت في بغداد بين القيادات الكردية والقيادات السياسية العراقية الأخرى والمباحثات التي دارت فيها حول الواضع الراهن وسبل تجاوز العقد الراهنة وحل الأزمة من جهة, واجتماعات الأردن بين بوش والمالكي, وبين ملك الأردن والمالكي, وبين بوش وملك الأردن, وكذلك بين بوش والسيد عبد العزيز الحكيم في واشنطن, ومن ثم لقاءات بوش وملك الأردن مع عدد من القيادات العراقية الأخرى, من جهة ثانية, إضافة إلى زيارات السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني إلى فرنسا وإيران, ومن ثم مجيء وزير خارجية سوريا إلى بغداد والتباحث مع المسؤولين فيها من جهة ثالثة, كلها تصب في المجرى العام وتستهدف وضع إستراتيجية جديدة وتكتيكات فعالة في سياسة الولايات المتحدة إزاء العراق والمنطقة وإستراتيجية جديدة للحكومة العراقية. كما أن أهم ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد تلك المقترحات العملية والمسؤولة التي تشير إلى العلاقة الجدلية القائمة بين سياسة الولايات المتحدة في العراق وتلك التي تمارسها إزاء إسرائيل والمشكلة الفلسطينية وإزاء الجولان والوضع في لبنان والتي تستوجب التغيير أيضاً.
وما يهمنا هنا, رغم أهمية السياسات الأخرى في فلسطين ولبنان وسوريا التي تحتاج إلى مقالات منفصلة, هي سياسة الحكومة العراقية التي يفترض فيها أن توضع لحل المعضلات المركزية.
ندرك بأن الحكومة العراقية الراهنة تعبر عن تحالف سياسي لقوى وأحزاب عراقية تمثل أطيافاً واسعة وتعبر عن نسبة كبيرة من المجتمع وقواه السياسية, ولكنها لا تعبر عن الجميع في هذه المرحلة الحرجة. كما أن الحكومة العراقية الراهنة تتمثل فيها قوى تدعو إلى العملية السياسية, ولكنها تمارس فعلياً العنف عبر مليشيات مسلحة وتتقاتل طائفياً مع قوى طائفية أخرى في الحكم وخارجه, وهو نسف كامل لسياسة المصالحة المنشودة من جانب الحكومة العراقية.
وحكومة السيد المالكي بحاجة ماسة إلى تطوير سياستها وتغيير بعض جوانبها المهمة, فهي بحاجة إلى:
• تغيير وتوسع من حيث البنية والقوى السياسية المشاركة في الحكومة؛
• وهي بحاجة إلى تغيير في السياسة والتخلص من القلق الراهن الذي يضعف دورها في العملية السياسية والعسكرية, أي تحتاج إلى تحويل المهمات والقرارات السياسية من القوات الأمريكية إلى الحكومة العراقية التي بدونها لا يمكن ممارسة الحكم قطعاً, إذ أن السيادة مفقودة حالياً؛
• وهي بحاجة إلى تنسيق مع القوات الأمريكية وكل القوات الأجنبية على أن تكون المبادرة بيديها؛
• وهي بحاجة ماسة إلى اتخاذ قرار سياسي وعملي حاسم وصارم إزاء وجود المليشيات المسلحة ودورها في تعميق الأزمة وتشديد القتل المتبادل في ما بينها وعلى حساب الشعب ودور الدولة. أي لا بد من حل المليشيات المسلحة, إذ بدونها لا يمكن احترام الدولة ولا يمكن الدولة ممارسة مهماتها الأمنية بأي حال؛
• كما أنها بحاجة إلى مفاوضات مباشرة مع الدول المجاورة وتكثيفها وتحميلها مسؤولية ما يجري في العراق, إضافة إلى تكثيف نشاطها مع دول الاتحاد الأوروبي لزيادة دورها ومشاركتها الفعلية والنشطة على الصعد المحلية والعربية والإقليمية والدولية. وليس خطأ عقد مؤتمر دولي لمعالجة الوضع في العراق وتحميل العالم كله مسؤولية التعاون لدعم العراق ضد الإرهاب الدولي المتفاقم؛
• ولكن ما يفترض أن تعيد الحكومة النظر فيه هو سياستها إزاء المشاريع الطائفية ومنها مشروع فيدراليتي الوسط والجنوب التي لا يجوز ممارستها حالياً بل دفعها إلى فترة أخرى لمناقشتها بهدوء وعلى المستوى الشعبي والسياسي وبعيداً عن الروح الطائفية السائدة حالياً, وكذلك النظر في قانون اجتثاث البعث السيئ الصيت الذي يؤذي دون أن يعالج الفكر العنفي والشوفيني في سياسات البعث الصدامية, والعمل على إقناع البعثيين الأكثر اتزاناً وموضوعية وعقلانية على البحث في ممارستهم العمل المسلح الذي يصب في خانة الإرهاب والقتل الأعمى ويثير الكراهية والحقد, تماماً كما فعلت سياسات صدام حسين طوال 35 سنة من تاريخ العراق الحديث.
• وتواجه الحكومة العراقية مسؤولية إعادة تنظيم وتدريب وتوسيع وتطهير القوات العراقية[ الجيش والشرطة والأمن] من القوى الطائفية السياسية ومن المتسللين إليها من القوى التكفيرية والصدَاميين العدوانيين وعصابات الجريمة المنظمة وتوفير الأسلحة الضرورية لفعالياتها.
• كما تواجه مشكلة الفساد المالي والطائفية السياسية في الإدارة وما يشكل تخريباً عملياَ ضد المجتمع واقتصاده وموارده المالية إلي يفترض أن تعيرها الحكومة الكثير من الاهتمام؛
• إن الحكومة العراقية بحاجة ماسة إلى تنظيم العمل التنموي وإعادة البناء وتحريك الاقتصاد من خلال سياسات جديدة اشرنا إليها في مقالات أخرى, ولكنها بحاجة إلى توحيد سياسات الوزارات من حيث الموقف ووجود نظام عمل ونظام مراقبة ومتابعة وإبعاد العفوية والمزاجية والطائفية عن السياسات الراهنة. إن المجتمع يتوق إلى الأمن والخدمات والثقة بالحكومة وبأجهزتها, وهي مفقودة حتى الآن.
• ولا شك في أن تجد الحكومة العراقية حلاً عادلاً لقضية كركوك يستند إلى المادة 140 من الدستور العراقي, إذ أنها تشكل موقداً لحرب أهلية في كركوك يمكن أن تتحول إلى حرب أهلية على صعيد العراق. إنها, كما وصفها تقرير بيكر-هاملتون, برميل مليء بالبارود القابل للاشتعال في كل لحظة, ولكن لست إلى جانب تأجيل الحسم الديمقراطي, إذ أنها يمكن أن تتفاقم من خلال تأجيلها المستمر.
• وإذ أكدنا باستمرار أهمية إجراء تعديلات ضرورية على الدستور العراقي من خلال إزالة الفقرات التي تعبر عن وضع طائفي غير عقلاني في العراق, وتلك التي تعيق الحيادية في موقف الدولة من الأديان والمذاهب العديدة القائمة في العراق وتكرس مبدأ حق تقرير المصير للشعب الكردي والقوميات المتآخية في كردستان, وكذا الفيدرالية لإقليم كردستان, تؤكد على وحدة القسم العربي من العراق في فيدرالية واحدة تجسد التضامن والتآخي بين العراقيات والعراقيين العرب من أتباع الأديان والمذاهب القائمة في العراق, إضافة إلى حقوق المرأة كاملة غير منقوصة ..الخ.
إننا بحاجة إلى إستراتيجية مرحلية جديدة وإلى تكتيكات فعالة وعملية للوصول إلى أفضل النتائج في العراق, ونأمل أن تُوفق مباحثات القيادات العراقية الكردية والعربية وغيرها الجارية حالياً في بغداد في تحقيق أمل العراقيات والعراقيين من جميع القوميات والأديان والمذاهب والأفكار في السلم والأمن والاستقرار, باعتبارها الخطوة الأولى على طريق حل بقية المشكلات الراهنة.
14/12/2006
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟