|
آشوريو سوريا ضحايا الفاشية الحاقدة
سليمان يوسف يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 8015 - 2024 / 6 / 21 - 12:27
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الجهلة بتاريخ سوريا والمنطقة ، يربطون بين (الوجود الآشوري) في الجزيرة السورية والابادة (الارمنية – الآشورية) لعام 1915. لهؤلاء الجهلة نقول : نعم ، عمليات الإبادة الجماعية بحق الآشوريين والأرمن، التي ارتكبها العثمانيون وشركائهم من الأكراد، أدت الى نزوح وتهجير مئات الآلاف من الأرمن والآشوريين( سرياناً كلداناً) من مناطقهم التاريخية في ماردين وديار بكر والهضبة الآشورية(طورعابدين) الى الجزيرة ومناطق أخرى من سوريا . لكن هذا لا يعني بأن الجزيرة السورية كانت خالية من السريان الآشوريين قبل الابادة الجماعية عام 1915. مئات العائلات السريانية الآشورية كانت تتوزع على قرى ومزارع في سهول الجزيرة، ( حلوة .. تل شعير .. سيحة .. دوكر .. بيندور .. ليلان ... عامودا .. رأس العين .. ديريك /المالكية ... قصروك ، وغيرها . الأكراد ذبحوا أهالي هذه القرى في زمن الاحتلال العثماني الاسلامي للمنطقة ، هذا موثق في العديد من المصادر والوثائق السريانية . منطقة (شرق الفرات ) المعروفة حديثاً بـ(الجزيرة السورية العليا والسفلى) هي الجزء السوري والتركي( الشمال الغربي) من الموطن التاريخي للآشوريين ( بلاد آشور - بلاد ما بين النهرين ) . وفق علماء الآثار ، في محافظة الحسكة وحدها يوجد 1200 موقع أثري يعود تاريخها إلى العهد ( الأكادي -الآشوري) .. من هذه المواقع مدينة (ناغار) المعروفة اليوم بـ(تل براك) الواقعة على ضفاف وادي جغجغ ( على الطريق القديم بين الحسكة والقامشلي) …. " بدأت عمليات التنقيب فيه منذ ثلاثينيات القرن الماضي من قبل بعثة بريطانية بقيادة ماكس مالوان، وتابع التنقيب بعده العديد من علماء الآثار البريطانيين حتى عام 2011. يعتبر تل براك أحد أقدم المدن في العالم التي وصلت إلى النطاق الحضري بحلول أوائل الألفية الرابعة ق.م، واحتفظت بالأهمية السياسية والقوة الاقتصادية خلال معظم الألفية الثالثة قبل الميلاد . ويعد (قصر نارام سين) الملك الآكادي أبرز مباني الألفية الثالثة ق.م." .. باختصار أقول: أن الجزيرة السورية ،كغيرها من المناطق الآشورية التي تتقاسمها كل من العراق وتركيا وسوريا، تنام على كنوز الحضارة الآشورية العظيمة . حقائق تدحض المزاعم العربية بأن منطقة (شرق الفرات) هي " أرض عربية" وكذلك تدحض المزاعم الكردية بأنها " أرض كردية أو كردستانية". الفاشية الحاقدة، حاربت( الوجود الآشوري ) بطرق وأشكال مختلفة . س عت ,إلى إغلاق المؤسسات (التعليمية والتربوية والنوادي والجمعيات الاجتماعية والثقافية والرياضية) التي أقامها الآشوريون (سرياناً كلداناً) في إطار هامش الحريات والحقوق الدينية . أولى ضحايا الفاشية كان (نادي الرافدين الرياضي). طبعاً، مع سياسية إنكار الوجود الآشوري والتعتيم على نشاطاته ، الكثير من السوريين ،خاصة أبناء الجيل الجديد، لم يسمع بـ(نادي الرافدين )، أحد أبرز معالم مدينة القامشلي(زالين) وهي في عصرها الذهبي.. في هذا المقال سنلقي الضوء على هذا (النادي الآشوري) وكيف تآمر عليه الفاشيون حتى أغلقوه .. المؤامرة التي أخفتها السلطات السورية عن الرأي العام ووضعتها ضمن دائرة (المحظورات السياسية ) لارتباطها بقضية وحقوق الآشوريين السوريين والمظالم الواقعة عليهم . (نادي الرافدين)، تاريخه من تاريخ مدينة القامشلي. المدينة التي ظهرت على الخريطة وهي أشبه بـ"كامب" ، أقامه الناجون من الإبادة( الآشورية - الأرمنية) لعام 1915 على أيدي العثمانيين وشركائهم من الأكراد… انطلاقة النادي كانت عام 1934 باسم ( نادي بيث نهرين) ، لاحقاً عام 1936 سمي بـ(نادي الرافدين) .. التسميتان كناية عن (بلاد الآشوريين).. بإمكانيات محدودة، من غير دعم حكومي ، تألق نادي الرافدين .. حقق إنجازات كروية مهمة على مستوى سوريا ودول الجوار.حتى على(المشهد السياسي)نادي الرافدين فرض حضوره.المرشحون للانتخابات (البرلمانية والبلدية)،كانوا يترددون على النادي لكسب أصوات اعضائه وجمهوره الكبير. بقدر ما كان نادي الرافدين مصدر فخر واعتزاز لكثير من السوريين، بذات الوقت كان مصدر قلق وأرق لقوى ( فاشية عنصرية) تآمرت على النادي حتى حصلت على قرار إغلاقه من السلطات السورية بدمشق 15 ايلول 1962.. احتضان القامشلي/زالين ، لـ(المهرجان الثاني) لنادي الرافدين صيف 2009 أتاح لنا فرصة الالتقاء مع بعض المشاركين في المهرجان والحديث معهم عن مسيرة النادي وكيف حاك الفاشيون مؤامرتهم عليه . الدكتور المغترب (عمانوئيل حتينا)، استحضر مشهداً مؤثراً ، محفوراً في ذاكرة أبناء القامشلي، من ذاك الزمن الجميل، قال: " في كل مباريات نادي الرافدين العم (عيسى أسعد)، بمنتهى السعادة ،كان يحمل كرسيه الى الملعب وهو يردد بالسريانية: اديما كمشتاعن اسريويي -- اليوم سيلعب السريان"… الفاشيون، بإغلاقهم نادي الرافدين ، خطفوا فرحة العم أسعد وفرحة عشرات الآلاف من أنصار وجماهير هذا النادي الآشوري العريق. الكاتب الآشوري( ابراهيم بادل) ، قال: "نادي الرافدين كان أكثر استقطاباً شعبياً وجماهيرياً من كل تجمعاتنا الحالية. عَكسَ انتماءنا القومي الأزلي وحسنا الوطني العالي لبلدنا سوريا ". أجمع من تحدثنا اليهم على أن نادي الرافدين كان مستهدفاً من قبل السلطات المحلية . رئيس فرع المخابرات في القامشلي، أنذاك (حكمت) ، حين أدرك "بأن إغلاق نادي الرافدين سيشعل ثورة في البلد " ترك مهمة إغلاقه للعسكر.. لتمرير المؤامرة ، افتعل الحاقدون مشاكل في (مهرجان النادي) المعروف بـ" الكرمس " أقامه في آب 1962 .. حيث دخل المهرجان أحد ضباط الشرطة العسكرية برفقة مجموعة من العسكر وبدأوا بالتحرش بالعاملات . إزاء هذا الفعل الإستفزازي الوقح ، سارع فرسان النادي الى طرد الضابط ومن معه من العساكر. على أثرها تم اقتحام المهرجان بالمصفحات وعشرات الجنود المدججين بالسلاح ، كما لو أنهم يهاجمون موقعاً إسرائيلياً. اعتدوا و بوحشية على العاملين في الكرمس ، جرحوا واعتقلوا العديد منهم ،حطموا كل موجودات المهرجان. (كبرئيل حبش) قال :"واجهت العميد (فرحان جرمقاني) ،قلت له هل الكرمس مستعمرة اسرائيلية حتى يحتله العسكر و يحطموا موجوداته ويعتدوا على العاملين بهذه الوحشية " .. حقيقة ، أن نادي الرافدين، بالنسبة لـ(الجرمقاني وجماعته)، كان أكثر من "مستعمرة إسرائيلية" . العدوان السافر على مهرجان نادي الرافدين دفع بالآلاف من أعضاء وأنصار وجمهور النادي، للتظاهر أمام مكتب العميد (فرحان جرمقاني)، قائد الفرقة العسكرية في المنطقة الشرقية . ندد المتظاهرون بانتهاكات العسكر .. طالبوا بمحاسبة المعتدين والإفراج الفوري عن الموقوفين.. أسقطوا الرئيس المصري (جمال عبد الناصر) لقناعتهم التامة بأن ناديهم وقع ضحية (النزعة العنصرية والكراهية الدينية والعرقية) التي زرعها الناصريون في المجتمع السوري إبان حكمهم بل استعمارهم لسوريا سنوات الوحدة المشؤومة. (عبد الناصر)، ككثير من القوميين العرب، كان ينظر للحركة الآشورية في كل من سوريا والعراق على أنها "حركة انفصالية شعوبية معادية للمشروع القومي العربي يجب محاربتها" . انسجاماً مع هذه النظرة العدائية للآشوريين، (جمال عبد الناصر) أثناء زيارته للقامشلي والحسكة، أوصى السلطات المحلية بـ"ضرورة العمل على تقويض الوجود الآشوري والمسيحي في منطقة الجزيرة".هذا الذي حصل. إنها"عقلية الغازي المحتل"القائمة على طمس حضارة وهوية الشعب الأصيل صاحب الأرض ومحو وجوده . في الوقت الذي تجاهلت السلطات السورية اقتحام الجيش لمهرجان نادي الرافدين والبطش بالعاملين والتعتيم على المظاهرة الحاشدة الغير مسبوقة بتاريخ القامشلي ، العديد من الاذاعات العالمية نقلت خبر التظاهرة و اصطدام جمهور نادي الرافدين مع الجيش السوري .. منها الاذاعة البريطانية بالعربي (بي بي سي).. وإذاعة (صوت القاهرة) التي حرفت الخبر و ذاعته على أنه "تظاهرة مؤيدة للوحدة ومنددة بحكم الانفصال في دمشق". على أنقاض نادي الرافدين، أسس الطائفيون (نادي الجهاد) الحكومي… مع أن القامشلي آنذاك كانت مدينة مسيحية وبامتياز، تعمد العنصريون تسمية ناديهم بـ"نادي الجهاد" وهو مصطلح إسلامي يعني "الجهاد في سبيل نشر الإسلام". بإغلاق نادي الرافدين طويت واحدة من الصفحات المشرقة في تاريخ كرة القدم السورية . النادي لم يغلق فقط بـ(السلاسل المعدنية) التي وضعها الفاشيون على بوابة النادي، وإنما أغلق ومازال مغلقاً بـ" شرائع وقوانين الأيديولوجيات والعقائد الشمولية " ،التي كبلت المجتمع السوري وصادرت إرادة وحرية السوريين . إغلاق نادي الرافدين، بعد مسيرة طويلة حافلة بالإنجازات، شكل (ضربة معنوية) موجعة للآشوريين السوريين(سرياناً كلداناً) . زعزع ثقتهم بنظام الحكم وبالدولة السورية لجهة ضمان أمنهم واستقرارهم واحترام حقوقهم وحرياتهم (القومية والاجتماعية ) .. مع اغلاق نادي الرافدين بدأ نزيف الهجرة السريانية الآشورية من القامشلي ومنطقة الجزيرة إلى لبنان ومنها إلى أوروبا. أخيراً : قضية نادي الرافدين تلخص قضية (الشعب الآشوري) التي وقعت في الماضي ضحية (لعبة الأمم) ومن ثم وقعت ضحية السياسات الفاشية والممارسات الشوفينية والعنصرية لحكومات الدول التي تتقاسم الموطن التاريخي للآشوريين (بيث نهرين- بلاد آشور) .
#سليمان_يوسف_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أكراداً يكتبون عن الدور الكردي في الإبادة ( الآشورية - الأرم
...
-
مطارنة حلب المخطوفين .. (القضية المنسية)
-
-عيد النوروز- في حساب العلاقة( الآشورية -الكردية )
-
الأحزاب (السريانية الآشورية) ومسألة الأقليات في سوريا
-
حين توقف الزمن الآشوري فجر 23 شباط 2015
-
الأحزاب الكردية ومسألة الأقليات في سوريا
-
(نوري اسكندر)، موسيقار آشوري سوري عالمي، خذلته حكومة بلاده
-
مسيحيو المشرق في زمن -ثورات الربيع العربي-
-
إضاءة على (حركة التحرر الآشورية) المعاصرة
-
مسيحيو الجزيرة السورية من غير حماية
-
الأبعاد السياسية ل(المحرقة الآشورية) في بغديدا العراقية
-
المعارضة السورية و ( مسألة الأقليات)
-
حول الشأن الكردي
-
ماذا لو لم يعتنق الآشوريون المسيحية ؟؟؟.
-
الأبعاد السياسية ل(مذبحة سميل الاشورية - العراق 7 آب 1933 )
-
سوريا: أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية و (قضية الأقليات)
-
حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم و(مسألة الأقليات في سوريا)
...
-
سوريا و (مسألة الأقليات)
-
الجديد في ملف قضية الإبادة ( الآشورية - الأرمنية) 1915
-
من أكيتو إلى نوروز
المزيد.....
-
بعد ارتفاع أسهم تسلا عقب الانتخابات الأمريكية.. كم تبلغ ثروة
...
-
وزير الخارجية الفرنسي: لا خطوط حمراء فيما يتعلق بدعم أوكراني
...
-
سلسلة غارات عنيفة على الضاحية الجنوبية لبيروت (فيديو)
-
هل تعود -صفقة القرن- إلى الواجهة مع رجوع دونالد ترامب إلى ال
...
-
المسيلة في -تيزي وزو-.. قرية أمازيغية تحصد لقب الأجمل والأنظ
...
-
اختفاء إسرائيلي من -حاباد- في الإمارات وأصابع الاتهام تتجه ن
...
-
أكسيوس: ترامب كان يعتقد أن معظم الرهائن الإسرائيليين في غزة
...
-
بوتين يوقع مرسوما يعفي المشاركين في العملية العسكرية الخاصة
...
-
-القسام- تعرض مشاهد استهدافها لمنزل تحصنت فيه قوة إسرائيلية
...
-
للمرة الأولى... روسيا تطلق صاروخ -أوريشنيك- فرط صوتي على أوك
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|